- نصيحة محمد بن الحنفية :
روى ابن سعد ما ذكره ابن عساكر في ج14 ص211 :" وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسينا بمكة وأعلمه أن الخروج ليس له برأي " .ولكن ما يرويه الطبري يختلف عن ذلك فقد ذكر في ج4 ص253 أنه قال : " تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك " . وبهذا يتضح أن محمد بن الحنفية لم يخالفه في أصل الخروج ولكن اقترح تفاصيل أخرى ، فأجابه الحسين ( ع ) : " يا أخي قد نصحت فأشفقت فأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا " . هذا وللحسين جواب شامل لكل من عارضه على الخروج هو ما ذكره ابن كثير في ج8ص176 في رده على عبد الله بن جعفر الذي كتب له كتابا يحذره أهل العراق ويناشده الله إن شخص إليهم فكتب إليه الحسين :" إني رأيت رؤيا ورأيت رسول الله ( ص ) أمرني بأمر وأنا ماض له ولست بمخبر بها أحدا حتى ألاقي عملي ".الحسين وأهل الكوفة ؟
يظن البعض بأنهم يعرفون ما لا يعرفه الإمام الحسين عليه السلام في شأن أهل الكوفة ، وكيف يخفى على الحسين ( ع ) تذبذب نفوس أهل الكوفة وقد عاشرهم إبان حياة أمير المؤمنين علي ( ع ) ، ولم ينس قوله فيهم : " اللهم إني قد مللتهم وملوني " وقوله : " يا أشباه الرجال ولا رجال".وقد كانت خيانتهم للحسن عليه السلام على مرأى من عينيه ، ولازال الحسين يسمع صدى دعاء علي ( ع ) عليهم .وقد صرح عليه السلام بأنه ذاهب إلى الشهادة كما نقلنا ، فادعاء الكاتب أن خروجه من أجل الدنيا والسلطة قدح في طهارة الحسين عليه السلام وتكذيب لجده المصطفى صلى الله عليه وآله بأنه سيد شباب أهل الجنة .وسوف يسأل الكاتب عن هذا الظلم والعداء لأهل بيت النبي الطاهرين .النهضة الحسينية لم تكن نتيجة ضغط من أبناء مسلم بن عقيل
قال كاتب المنشور : "وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله مسلم فهم الحسين بالرجوع فامتنع أبناء مسلم وقالوا لا ترجع حتى نأخذ بثأر أبينا فنزل الحسين على رأيهم " . ونقول : أولاً: الرواية ضعيفة السند إذ فيها خالد بن يزيد بن عبدالله القسري ، وقد قال عنه الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ج9 ص 410 : " وكان صاحب حديث ومعرفة وليس بالمتقن ينفرد بالمناكير ... قال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، وذكره ابن عدي ... وقال : أحاديثه لا يتابع عليها لا إسنادا ولا متنا" ، فعبارة " فهمّ بالرجوع " من منكرات خالد هذا.ثانياً: استغل الكاتب خطأ في تاريخ ابن كثير ، فسعى أن يوهم أن كلمة "لا ترجع" إنما هي أمر من أبناء مسلم بن عقيل للإمام الحسين ( ع ) فهم الذين أجبروه على الاستمرار . ولكن بالرجوع إلى ما نقله الطبري وسائر المؤرخين ، نرى أن أبنـاء مسلم قالوا : " والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل " ، ثم قال الإمام ( ع ) : " لا خير في الحياة بعدكم " فسار ، رواه الطبري في تاريخه ج4 ص 292 ، وابن حجر في الإصابة ج2ص16 ، والمزي في تهذيب الكمال ج6ص427 ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3ص308 .ولكن الكاتب بنى على هذه الكلمة " لا ترجع " المنقولة خطأ بدلا من " لا نرجع " ، وأضاف عبارة : " فنزل الحسين على رأيهم " ولم يذكر هذا أحد من المؤرخين على الإطلاق .. وهذا جهل ، أو تعمد لتحريف الحقائق !ثالثا : وأما الحادثة كما رواها الشيخ المفيد في الإرشاد ج2 ص75 خالية من تلك الزيادة بل فيها : " فنظر أي الحسين ( ع ) إلى بني عقيل فقال: " ما ترون ؟ فقد قتل مسلم " فقالوا : والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين ( ع ) وقال : " لا خير في العيش بعد هؤلاء " ، وكذلك رواه الخوارزمي في ( مقتل الحسين ) ص 327 . وكيف ينتظر أن ينساق الحسين عليه السلام مع أبناء مسلم وهم أتباعه وتحت أمره ورأيه ؟ بل كيف يتراجع وهو الذي عارض ناصحيه كما يقول الكاتب سابقا ؟ وهل يرتاب الحسين بن علي ( ع ) ويتزعزع عند أول مشكلة تواجهه بينما هو خارج للشهادة ويدرك أن المصيبة جسيمة ؟ولو أن الحسين ( ع ) كان من أولئك الذين تغلبهم العصبية البغيضة لانتقم لمقتل أخيه الامام السبط الحسن عليهما السلام ، خصوصا مع ما حدث عند دفنه من منع عائشة وبني أمية دفنه عند جده ( ص ) ، وإثارة بني هاشم جميعا ، لكنه آثر الصبر .افتراء نسب إلى الحسين ( ع ) أنه قال : " أضع يدي في يد يزيد" ؟
قال الكاتب : فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمر بن سعد .وقال : ولما رأى الحسين هذا الجيش العظيم علم أنه لا طاقة له بهم وقال إني أخيركم بين أمرين : أن تدعوني أرجع أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام فقال له عمر بن سعد أرسل إلى يزيد وأرسل أنا إلى عبيد الله فلم يرسل الحسين إلى يزيد ". و الكاتب يعرض النصوص بشكل مخل و أما ما أورده الطبري في تاريخه في أحداث سنة 61 ج4 ص311 : " عن حسان بن فائد بن بكر العبسي قال أشهد أن كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل فقال كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال : الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص.وروى الطبري ج4 ص 313 :" قال أبو مخنف وأما ما حدثنا به المجالد بن سعيد والصقعب ابن زهير الأزدي وغيرهما من المحدثين قالوا إنه قال اختاروا مني خصالا ثلاثا إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه وإما أن تسيروني إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلا من أهله لي ما لهم وعلي ما عليهم قال أبو مخنف فأما عبدالرحمن بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا في العراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير من أمر الناس" .فالطبري يروي الرواية التي تتحدث عن الخيارات ثلاثة ، ثم يروي عن عقبة بن سمعان - الذي عاصر الأحداث - إنكارا واضحا لما ذكر في الرواية السابقة أي ما تبناه كاتب المنشور و عرضه بشكل مخلهذا بالإضافة إلى شخصية الحسين (ع ) وتربيته وما ورثه من أبيه ( ع ) لا تتناسب مع مثل هذا الموقف الذي يريد أن يصوره الكاتب، وكأن الحسين ( ع ) قد ندم على خروجه أو خاف هذه الجموع ، كيف وشجاعته واضحة في صفحات التاريخ ، وهو الذي بشره رسول الله( ص ) بهذا الموقف الإيماني العظيم ، وقد قرأت رسالة عمرة بنت عبد الرحمن قبل فقرات ورد الحسين ( ع ) عليها .ولعل الحجة الأبلغ على الكاتب المحرف ، ما رواه إمامه ابن كثير في ( البداية والنهاية ) ج 8ص 190 ، قال :"ولكن طلب منهم أحد أمرين إما أن يرجع من حيث جاء ، وإما أن يدعوه يذهب في الأرض العريضـة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه " وكذلك نقل ابن الأثير في ( الكامل ) ج3 ص 165 .ت بل إن ابن الجوزي ينقل عكس هذا الادعاء في تاريخه ( المنتظم ) ، حيث ينقل رفض الحسين ( ع ) أن يضع يده بيد يزيد وذلك في ج4ص155 ، قال : " فنادى- الحسين ( ع )- يا شبث بن ربعي يا قيس بن الأشعث يا حجار ألم تكتبوا إلي قالوا لم نفعل فقال فإذا كرهتموني دعوني انصرف عنكم فقال له قيس أولا تنزل على حكم ابن عمك أي يزيد فإنه لن يصل إليك منهم مكروه فقال لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ". ورواه أيضا ابن كثير في تاريخه ج8 ص194 .ويؤكد ذلك ما نقله الذهبي في تاريخ الإسلام الجزء المتعلق بأحداث سنة (61-80) من الهجرة ص12 قول الحسين ( ع ) : " ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء اللـه ، وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما " ، وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبي صلى الله عليه وآله وابن علي ( ع ) ، الذي تربى تحت بارقة ذو الفقار، لا ما استنتجه الكاتب ليقلل من شأن موقف الحسين ( ع ) ويرفع من قيمة يزيد حفيد آكلة الأكباد .تحريف الكاتب لموقف الحر بن يزيد الرياحي !
قال الكاتب : " وكان قد انضم إلى الحسيـن من جيش الكوفة ثلاثون رجلا على رأسهم الحر بن يزيد التميمي ، ولما عاب عليه قومه ذلك ، قال : والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار ".إنها كذبة تضاف إلى غيرها !وجملة " عاب عليه قومه ذلك " بعد انضمامه إلى معسكر الحسين ( ع ) ، فهو تحريف لعبارة ابن كثير في البداية والنهاية حيث قال : " فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين " وكل ناطق بالضاد يعرف بأن اللوم غير التعييب ، رغم أن ابن كثير نفسه في ج 8 ص 195 قد اختصر النص اختصارا مخلا إذا ما قارناها بالعبارة التي نقلها ابن جرير الطبري ج 4 ص 325: " فأخذ يدنو نحو الحسين قليلا قليلا ، فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد أن تحمل فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له يا ابن يزيد : والله إن أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، قال : إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت " ، ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين ( ع ) " .فنلاحظ أن ابن كثير بدأ بالتحريف ، ثم جاء الكاتب واستعمل التزييف !! وما فعلهما إلا من تأثير الهوى والتعصب . ولا حول ولا قوة إلا بالله .افتراؤه بأن الحسين ( ع ) لم يمنع من الماء !
قال الكاتب : " وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشانا وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء ".لقد زاد هذا الكاتب في بغضه لأهل البيت عليهم السلام ، وحبه لقاتليهم ، على أسياده وأئمته ، فاستعمل الكذب الصريح المخالف لقول إمامه ابن كثير !!قال ابن كثير في النهاية ص 186 : " وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب " ، فما يقوله ابن كثير هنا كما يزعم خال عن الكذب ، وهو يرد كذب هذا الكاتب !يقول عن عطش الإمام الحسين ( ع ) في ج 8 ص 189 : " فرد عليه ابن زياد : أن حل بينهم وبين الماء كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين الماء " ، فالحديث عن منع الماء حديث أئمة هذا الشأن حسب قول ابن كثير وليس حديث الشيعة كما زعم الكاتب !وروى ذلك الطبري في تاريخه ج4 ص 311 أيضا .وروى الطبري في ص 312 : " ولما اشتد على الحسين وأصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : من الرجل ؟ فقال جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئا ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان فقال لا سبيل إلى سقي هؤلاء وإنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم عن الماء " . وذكر في ص 195 وهو يتحدث عن حر بن يزيد : " ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين فاعتذر إليه بما تقدم ثم قال : يا أهل الكوفة لأمكم الهبل، أدعوتم الحسين إليكم حتى إذا أتاكم أسلمتموه وحلتم بينه وبين الماء الفرات الذي يشرب منه الكلب والخنزير وقد صرعهم العطش؟ ". ما الذي يجنيه كاتب المنشور من نفي العطش عن الحسين ( ع ) ؟ هل يريد تقليل التعاطف مع الحسين ( ع ) ظانا بأن أصل هذا التعاطف هو مجرد العطش ؟ فإن نفاه نفى مظلومية الحسين ( ع ) ؟ أم أنه يريد أن يكون جنديا إعلاميا من جيش ابن سعد ، إن لم يسعفه الزمن أن يكون محاربا مع إمامه يزيد ؟فللمتتبع أن يدرك أن عطش الحسين من مسلمات يوم الطف ، فقد روى ابن كثير ج8 ص 203 : " وقد اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه فخلص إلى شربة منه فرماه رجل يقال له حصين بن تميم في حنكه فأثبته فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم فتلقاه بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا ودعا عليهم دعاءا بليغا قال فوالله إن مكث الرجل الرامي له إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى إلى أن مات " . وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك :
جاءوا برأسـك يا بن بنت محمد
وكأن بك يا بن بنـت محـمد
قتلوك عطشانا ولم يتـدبروا
ويكـبرون بأن قـتلت وإنـما
قتلوا بك التكـبير والتهليلا
مـتزملا بدمـائه تزميـلا
قتلوا جهارا عامدين رسولا
في قتلك القـرآن والتنزيلا
قتلوا بك التكـبير والتهليلا
قتلوا بك التكـبير والتهليلا