المقدمــة - نهج الاسلامی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نهج الاسلامی - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المقدمــة



عندمــا تنحرف مسيرة البشرية عـن الصراط المستقيـم انحرافا كبيرا تظهر الحاجـة الماسة الى عمل كبـير ، وتغيير جذري ، وتطـور نـوعـي هائـل لكي تعود الى رشدها .



وما بـعثة الانبيـاء (عليهم السلام ) إلاّ لـهذا التغيير النوعي الكبير والتطور الهائل ، ذلك لان الانسان لو انحرف عن مسيرته الحقة ، فان من الممكن اعادته الى رشده من خلال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .. اما عندما ينحرف مجتمع بأكمله ، فان بعضه سوف يدعم بعضا في مسيرة الانحراف . فانحراف المجتمع يختلف عن انحراف شخص واحد ، لان هذا المجتمع يمتلك في داخله ديناميكية معينة ؛ ففيه قوة دافعة وضاغطة باتجاه معين ، وهذه القوة والديناميكية الاجتماعية الداخلية ، وتلك القيم السائدة والقوانين والانظمة والعادات ... كلها تدعم مسيرة الانحراف ، بدلا من ان ترفد مسيرة الصلاح والاستقامة . وحينئذ لايمكن اعادة هذا المجتمع الى المسار الصحيح عبر شخص واحد يدعو الى الخير ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، بل ان القضية ستكون حينئذ بحاجة الى عمل كبير ، وجهود جبارة ، واستمرارية في الجهاد .



وعلى هذا سواء واجهت المشاكل ام لم تواجهها ، وكان هناك من يكذبك ام لم يكن ، وسواء ضاق صدرك ام لم يضق ، وهددك الموت ام لم يهددك .. فانما يتطلب منك ان تجاهد وان تستمر في جهادك في سبيل اللــه . وهذه هي حركة الانبياء التي تظهر في حالة من الركود والانحراف ، وتراكم الخبائث في المجتمعات . انها تظهر كما يظهر نور الشمس في وسط الظلام فلا يدعه ينتشر ولو في زاوية صغيرة .



واننا بحاجة الى مثل هذه الحركة التغييرية ؛ فالاوضاع السائدة والاساليب الارهابية والشيطانية التي يستخدمها الطغاة ... كل ذلك لايسمح لنا بان نقوم بحركة سطحية بسيطة تتمثل في إلقاء الخطب ، وكتابة المنــشورات ، وعقد المؤتمرات وما الى ذلك ، بل اننا بحاجة الى نهضة تغييرية شاملة تبدأ من انفسنا ، وتنتهي الى كل الامة لكي نستطيع ان نغيّر الاوضاع القائمة .



اننا بحاجة الى تطور نوعي ، وحركة حضارية . وبكلمة واحدة ؛ نحن بحاجة الى ان نهتدي بهدي الانبياء ، وننظر الى الاساليب التي استخدموها ، ونعي استقامتهم وتحدياتهم ، ثم نتبــع سيرتهــم هذه لكي نستطيع ان نغير الوضع القائم الذي تعيش الامة مأساته ، والا فان الليل سيستمر ، والارهاب يدوم ، والمشاكل تزداد وتتفاقم .



وليس ثمة شك اننا اذا بقينا متشبثين بمفاهيمنا السابقة ، واعرافنا وتقاليدنا دون ان نعمل علـى تغييرها في سبيل مواجهة الظروف الجديدة ، فان ذلك يعني انتهاؤنا ودمارنا . ومشكلتنا اننا لم ندرك هذه الحقيقة ، وهي ان تطورا هائلا قد حدث في اساليب اعدائنا ، فلابد ان يحدث في المقابل تطور جذري وشامل في اساليبنا لمواجهة ذلك التطور .



ان هناك في الغرب المئات من المراكز الدراسية التي تعكف على دراسة الحركات الاسلامية العالمية ، وهذه الدراسات تجد كلها في نهاية المطاف طريقها الى غرف وكالة المخابرات العالمية ، وبالتالي فانها تتحول الى توصيات للانظمة العميلة .



وعليه فاننا بحاجة الى حركة نوعية تؤدي مهامها الرسالية على أحسن وجه ، حتى



تعيد للمسلمين عزتهم ، وتنقذ الامة مما يحدق بها من ويلات ومآسي ..



ولاجل تحقيق ذلك بادر القسم الثقافي في مكتب سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي ، مساهمة منه في دعم مسيرة الحركة الاسلامية في اعداد هذا الكتاب الذي سمي بـ ( النهج الاسلامي - تـأملات في مسيرة الحــركة الاسـلامية ) ، والذي يشمل عرضا شاملا لافكار سماحة آية الله المدرسي في خصوص الحركة الاسلامية . راجين من الله العلي العظيم ان ينفع به العاملين في سبيله ، والله من وراء القصد .



خصائص الحركة الاسلامية



هناك ميزات عديدة تميز الحركات الرسالية عن الحركات السياسية ، فتلك الحركات التي تتبع نهج الانبياء والائمـة والصديقين ، وتحمل رسالات السماء هدفا ، وشرائع الله منهاجا تختلف اختلافا جوهريا عن الحركات السياسية التي قد تستهدف بعض الغايات النبيلة ولكنها لاتروم تحقيق كل الغايات النبيلة ، وقد تتبع مناهج سليمة ولكنها تخلطها بمناهج شيطانية خاطئـة .



ونحن الذين نرجو الله - عز وجل - ان يجعلنا من المنتمين الى رسالاته ، والعاملين في سبيل شرائعه واحكامـه لابد ان نكون حذرين ويقظين وواعين وعارفين بما يميز توجهاتنا عـن سائر التوجهات ، فعلينا ان لانخدع بهذه التوجهات ، وان لانقع في اخطائها ، وان لاننسى رسالتنا ونحن نخوض الصراع المرير مع اعداء الرسالة ، ولايغيب عن بالنا ربنا - تعالى - ورضوانه وجنانـه ونحن نبتلى بامتحان عسـير في سبيله ، وان لانقف فـي منتصف الطريق ، ولانفقـد صبرنا ، ومعدن استقامتنا .



ميزات الحركات الرسالية :



من اجل كل ذلك لابد ان نكون يقظين ، وان نتساءل المرة بعد الاخرى عن ميزات الحركة الرسالية ؛ فماهي ميزات حركات الانبياء ( عليهم السلام ) ، وكيف عاشوا ، وتحركوا ، وواجهوا المشاكل والصعاب ، وهكذا الحال بالنسبة الـى الائمـة ( عليهم السلام ) فحياتهم هي اكثر اهمية ، واعظم شأنا من اقوالهم ، لان الاقوال قد يشترك في بعضها الاخرون ، فهناك الكثير ممن يصعدون المنابر ويوصون الناس بالتقوى ولكن القليل منهم يثبت في المواقف الصعبة ، وهناك الكثير من الناس يأمرون بالصدق ، والوفاء ، والصبر ولكنهم لايطبقون على انفسهم تلك المواعظ ، والنصائح .



وهكذا فان حياة الائمة ( عليهم السلام ) مهمة وخصوصا اذا عرفنا حياتهم بصورة عامة ، وجعلناها في اطار عام ، وحولناها الى مثال يحتذى به ، وجعلناها تنبض بالحيوية والفاعلية ، فنحن في بعض الاحيان نستمع الى قصة عن شخص ما كأن يكون هذا الشخص حكيما ، او وليا من اولياء الله ، او سياسيا كبيرا ... ثم نستوحي من هذه القصة عبرة قد نتقبلها او لانتقبلها .



ضرورة دراسة سيرة القدوات :



ولكننا في بعض الاحيان قد ندرس سيرة رجل نعتبره قدوة واماما معصوما واجب طاعته ، ونعتبر انفسنا تجاهه تابعين ومقلدين ؛ ان الامر يختلف هنا ، فالقصة هي قطعة صغيرة من حياة شخص ، في حين ان السيرة هي كل حياته ، وفيما يتعلق بالقصة فان لك الحـق فــي ان تتبعها او لاتتبعها ، ولكن ليس لك الحـق في ان تترك سيرة نبيك ، وائمتك ( عليهم السلام ) .



فالسيرة يجب ان نضعها كلها في حسباننا من الفها الى يائها ، فندرس حياة النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) بحيث تتجسد امامنا صورته في كل لحظة ، وعند كل موقف ، وفـي كل حركاتنا وسكناتنا ، وفي هذا الصدد يصف الامام علي ( عليه السلام ) اتّباعـــه لرسـول الله ( صلى الله عليه وآله ) بـأنه كاتّباع الفصيل لامّه ، فهو ( عليه السلام ) كان قد جعل من سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مثالا لحركاته ، فكان يتبع هذه السيرة خطوة بخطوة .



من هنا علينا فـي كـل منعطف ، وموقف ، وصراع ان نتبع النبي ( صلى الله عليه وآله ) واهل بيته ( عليهم السلام ) ، وان نضع سيرتهم نصب اعيننا ، وان نتعرف على هذه السيرة في جميع تفاصيلها ؛ فماذا نعرف عن احد ، وخيبر ، وفتح مكة ، واخلاق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحياته ؟



ان قراءة هذه السيرة المباركة بحاجـة الى دقــة وتمعن بحيث تتحول هذه السيرة الى شاخص امام اعيننـا ، وفي هذه الحالة فقط يمكننا ان نجسد سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سلوكنا بشكل تلقائي ، وبدون اي تكلف .



وعلى سبيل المثـال ؛ ماذا نعرف عن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، هذه الصديقة ، الطاهـرة ، المعصومة من الزلل ، والمفطومة عن الخطل التي قال عنها النبي ( صلى الله عليه وآله ) :



" فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله " (1) وفي حديث آخر : " فاطمة بضعة مني فمن اذاها فقد آذاني ومن سرها فقد سرني ومن غاظها فقد غاظني " (2) ، ترى ماذا نعرف عن هذه الشخصية العظيمة ، وماذا نعرف عن اقوالها ، وخطبها وخصوصا خطبتها بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وخطبتها في نساء الانصار ؟



الانسان الرسالي يتشبه بالانبياء والائمة :



ان ما يميز الحركة الرسالية ان الفرد فيها يتشبه بالنبيين ، والائمة ، والصديقين ، فتصاغ شخصيتــه مــن جديـد ، فاذا مشى حكت لك مشيته مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والامام علي ( عليه السلام ) . واذا تكلم فان كلماته ، ومعاني حديثه تحكي لك عن كلمات الائمة ، فاذا به يلفظ نورا ، ويخرج من فمه دستور الحياة ، واذا اتخذ موقفا انعكس في موقفه هذا موقف الانبياء ( عليهم السلام ) ، وهذه هي القضية الجوهرية .



ان الانسان الشيعي لايسمى شيعيا لانه من حزب الائمة ( عليهم السلام ) ، او محب لهم ، فعندما يمدح النبــي ( صلى الله عليه وآله ) اتباع الامام علي ( عليه السلام ) فانه لايقول عنهم انهم محبوه بل شيعته ، فالشيعي هو من يشايع وليس من يبايع ؛ اي انه يتبعه خطوة بخطوة .



وبالاضافة الى ذلك فان الحركة الرسالية المباركة تتميز بانها تنطلق من تفكير جذري في الحياة ، فتغيير الظاهر لايجدي علينا الا فائدة ظاهرة ، اما التغيير الجذري فسيؤتي فائدة جذرية ، فمن المستحيل ان تتوقع فائدة حقيقية ثم تكتفي بتغيير ظاهرك ، والحكمة المعروفة تقول في هذا المجال : " ان لكل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا " .



صفات عباد الرحمان :



وهكذا فان الانسان الرسالي يتساءل مع نفسه دائما : هل تغيرت فعلا ؟ وهل كان تغيري عميقا ام سطحيا ؟



ان تغيير القلب ليس بالعمل الهين البسيط ، وليس من السهولة ان يغير الانسان عاداتــه وسلوكياته واهدافه ، وعلى سبيل المثــال هل باستطاعتنا تطبيق مفهوم الآية



التالية على سلوكنا ؟:



« وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَرضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً » (الفرقان / 63) فهل يستطيع احدنا ان يمشي على الارض دون ان يكون ثقيـلا على الاخرين ؟



ان بعـض الناس يمشون على الارض محملين الاخرين اثقالهم فترى احدهم يأتــي الى بيته ليثير ضجة حول اكله وفراشه ، فيكون ثقيلا على زوجته ، ويفرض نفسه فرضا على اولاده وكأنه طاغوتهــم ، فهو يريد دائما ان يثبت وجوده !



اما عباد الرحمـان فليس لهم هذا الثقل ، بل هم خفيفون ، فاذا دخل احدهم مجلسا فانه لايفكر اين يجلس ، فقد جاء فــي الحديث عن الرسول ( صلى ا لله عليه وآله ) : " ان حق المسلم على المسلم اذا رآه يريد الجلوس إليه ان يتزحزح له وروي ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوء مقعده في النار " (1) ، في حين ان المؤمن لايفتش عن الالقاب ، والحقوق ، بل يبادر الى اداء الواجبات الملقاة على عاتقه .



ثم يضيف - تعالى - في وصف الرساليـيـن قائــلا : « وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُــوا سَلاَمـاً » ، فهم يجيبون لوم الجاهليــن وتهائمهــم بالسـلام ، « وَالَّذِيـــنَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِـــمْ سُجَّــداً وَقِيَامــاً » (الفرقان / 64) ، فنحن الذين نريد ان نصبح رجالا رساليين هل فكرنا ان نبيت ولو لليلة واحدة سجدا وقياما لربنا ؟



وهناك امثلة اخرى سنذكرها في السطور التالية لكي ندرك ان هناك مسافة شاسعة بين التمنيات ، وبين التطلعات الحقيقية ؛ فالتمنيات هي مجرد احلام في حين ان التطلع هو عمل وسعي واصرار من اجل تحقيق الهدف ، فتغيير الذات ليس تمنيا بل



هو هدف عظيم .



وهنا لابد من القول ان هناك منطقان ؛ منطق القوة ، ومنطق الحق ، او بتعبير آخر ؛ قوة المنطق ، ومنطـق القوة ، وعلى الانسـان المؤمن ان يحدد مع اي منطق هو ، نحن - على سبيل المثال - نقول للغربيين ان علاقتكم بالمحرومين علاقة شاذة لانكم تريدون ان تفرضوا علينا منطق القوة ، وهذا الكلام صحيح ، ولكني يجب ان احذر في نفس الوقت من ان افرض منطق القوة على زوجتي او اولادي ، واذا كنت قويا افرض منطق القوة على من هو اضعف مني ، في حين ان الله - جل وعلا - يكذبنـي من فـوق عرشه ، فكـأنه يقول لـي ان كلامك ضد اميركا هو كلام خاو ، فارغ ، ليس فيه محتـوى ، لانك لاتؤمــن بالحق ، بـل تؤمن بنفسك ، فكلامك ليس واحدا ، والا فلماذا نجري وراء القوة ، ولماذا يأكل القوي منا الضعيف ؟



لنحذر منطق القوة :



ترى لماذا لم تستطع حكومات البلدان الاسلامية ان تهزم اسرائيل ؟ الجواب : لان منطقها مع شعبها هو منطق اسرائيل معها ؛ اي منطق القوة ، وبالطبع فان هذه الحكومات فاشلة في الصراع مع اسرائيل ، والا فاين منطق الحق ؟



ان علينا اولا ان نقول بالحق مع بعضنا ، ثم نطالب بالحق مع العدو .



ان هذا الكلام ليس صحيحا بمقياسه الواسع فحسب ، بل هو صحيح بالنسبة الينا ايضا ، فبمجرد ان يصبح الواحد منا اقوى من الاخر ، واغنى منه يثور في نفسه الطغيان . فالى متى نبقى هكذا ، والى متى نبقى نريد ان نحقق الطموحات بالكلمات والتمنيات ؟



ان الرجال يفتنون بالرئاسة والامارة ، اذ " الامارات مضامير الرجال " ، فعندما يصبح احدنا رئيس تجمع ترى الطغيان ينمو عنده ، في حين انه لايملك في الحقيقة شيئا ، فعلينا ان نغير هذه المعادلة ، فالانسان المؤمن يميل مع الحق اينما كان كما يقول - عز وجل - :



« كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ » (النساء / 135) ، فهو يشهد ولو على نفسه .



ان العلاقات داخل التجمع ، وعلاقات التجمع مع المحيط ، وعلاقات هذا المجتمع مع ذلك ... كل هذه العلاقات اذا كانت اسلامية بهذا المفهوم فان هذا التجمع هو الذي سيكون الغالب ، اما اذا كانت العلاقات مبنية على اساس القـوة ، واذا كان القوي يأكل الضعيف ، فان اميركا ستأكلنا جميعا لانها هـي الاقـوى .



عن هذا المنطق يحدثنا القرآن الكريم قائلا :



« وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنْزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ ءَاتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ » (المائدة / 48)



اي انه كان بامكان الله - سبحانه - ان يجعل جميع البشر في مستوى واحد كما جعل الطيور والاسماك ، ولكن الانسان يختلف عن سائر الكائنات لانـه يمتلك الفكـر ، وله قدرة الاجتهاد والاستنباط ، ولذلك فقد خلق الله - تعالى - كل انسان مختلفا عن الانسان الاخـر ، والسبب في ذلك يبينه القرآن الكريم فـي قوله :



« فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ » (البقرة / 148) .



فـلا تحاول ان تهزم الطرف الآخر ، بل حاول ان تستبق الخيرات ، وان تعمل المزيد منها .



البناء افضل وسيلة للهدم :



وفـي الحقيقـة فانـي استوحي من هذه الآية ما يخالف المقولة الشائعة في العلــم العسكــري القــائلــة : " الهجوم افضل وسيلة للدفاع " بل اقول : " الدفاع افضل وسيلة للهجوم " ، يقولون ان الهدم افضل وسيلة للبناء ، وانا اقول ان البناء افضل وسيلة للهدم ، فنحن لماذا نهدم بالاساس ؟



القـرآن الكريم يقـول في هذا المجال : « وَلا تُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاَحِهَــا » (الاعراف / 56) ويقــول : « إِنْ اُرِيـــدُ إِلاَّ الإِصْــلاَحَ مَا اسْتَطَعْـتُ » . (هود / 88)



ان المنطــق القائم على الهدم ، وازالة الطرف الآخــر ، والتنافس فــي امـور الدنيـا ... هـذا المنطق منهزم فاشل ؛ فالله - عز وجل - يقول لنبيه الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) : « وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ » (الانبياء / 107) ، فليحاول الواحد منا ان يوسع قلبه ، بحيث يجعله يسع الجميع ، ويحب حتى اعداءه .



فقد كان الامام علي ( عليه السلام ) في صفين يبكي على اعدائه وكذلك الامام الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء ، فكيف لاتسع قلوبنا المؤمنين ، ولانريد لهم الخير ، ونحسدهم ، ونحقد عليهم ؟



اننا عندما لانضمر الحب لاخواننا المؤمنيـن فاننا سوف لانحب الله ، فالقلب الــذي يحب اللـه - عز وجل - لايمكن ان يكره مؤمنا ، فكيف نؤمن بالله ونكره عبده ؟



فلندع قلوبنا تحب الاخرين ، ولنطهر هذه القلوب من اضغانها وسلبياتها ورذائلها .



ان اشاعة الفاحشة والسلبيات ، وايجاد الحواجز السميكة بين قلوب المؤمنين تعتبر كلها من الممارسات المحرمة . فمن الحرام عليَّ ان اتجسس على اخي المؤمن ، وافتش عن عيوبه ، وانشر كلامه في كل مكان .



ان لنا كامل الحرية في ان نقول ما نؤمن به ، وننتقد الاطراف الاخرى بكل صراحة وامانة ، ولكن ليست لنا الحرية في ان نحيك المؤامرات ، ونتجسس على بعضنا ، ونغتاب الاخرين ونشيع الفاحشة .. واذا ما فعلنا ذلك فان قلوبنا مريضــة لان القلب القائم على الحب لاتجد فيه مكانا للكره والحسد والحقد والغيبــة .



الوحدة في القلب أولاً :



ان الوحدة هي مقياس لنمو الامة وحضارتها ، وكما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " يـد الله مع الجماعة " ، فلنجعل ايدينا في ايدي بعضنا البعض لكي يضع الله - جل وعلا - يده في ايدينا ، ومع ذلك فان هذه الوحدة ليست عملية سهلة ، فالمؤتمرات والجلسات والتحالفات لايمكن ان تحققها ، بل هي في القلب ، والروح ، وهي حب واخلاص قبل كل شيء ، وان تدعو لاخوتك المؤمنين بقلب مخلـص قائـلا : « رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ » (الحشر / 10)



وهكذا فان معنى الوحدة ان ندعو الله - سبحانه - ان لايجعل في قلوبنا ولو غلاً بسيطا للذين آمنوا ، لكي نصبح اخوانا على سرر متقابلين ، فنحن يجب ان نجعل حضارة الجنة في الدنيا ، فمن كان في الدنيا بحيث اراد الله فان هذه الدنيا ستصبح بمثابة جنة له ، اما ان اكون في الدنيـا مع اخواني في حالة غل ، واختلاف ، وصراع ، ثم ارغب ان اكون في الجنة مع اخواني على سرر متقابلين فان امنيتي هذه لايمكن ان تتحقق لاني لم احققها في الدنيا .



وهكذا فان الحركــة الاسلاميــة يجب عليها ان تتبع الخطوات التالية :



أولاً : ان تتبع سيرة النبي الاعظم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وسيرة أهل البيت ( عليهـم السلام ) اتّباع الفصيل لأمّه ، ومثــل هذا الهدف لايمكن ان يتحقق إلا



بفهم هذه السيرة واستيعابها ، وتجسيدها وبلورتها في حياتنا .



ثانيا : يعتبر الهدف عند اتباع الحركة هدفا جذريا ، وهذا الجذر يبدأ من انفسهم .



ثالثا : ان منطق القوة مرفوض عندهم ؛ فالمنطق للحق ، والقوة والمقياس عندهم للحق ، وهم يطالبون بهذا الحق لانهم على حق ويعملون بالحق قبل الاخرين .



واخيرا فانهم يجعلون الوحدة التي تنبع من القلب ؛ قلب المؤمن الذي يسع عباد الله جميعا مقياس تحركهم ، ومقياس اصلاحهم لانفسهم ، واصلاح من حولهم ، لكي نستطيع بذلك بناء حركة رسالية الهية متميزة تعتمد القيم الروحية والدينية اساسا لتحركها في اوساط المجتمع ، ولكي نميز هذه الحركة عن الحركات السياسية التي تستهدف تحقيق الاهداف السياسية والمادية البحتة التي لاعلاقة لها من قريب او بعيد بالاهداف الالهية التي رسمها الله - سبحانه وتعالى - للحركات العاملة على تحقيق اهداف الرسالات السماوية .



وعلينا ان لاننسى في هذا المجال ان الصبر ، والصمود ، والثبات ، والاستقامة هي ادواتنا لتحقيق تلك الاهداف سواء كان في مواجهتنا مع الاعداء على ساحة المعركة ، او مع انفسنا التي هي بحاجة الى تطهير وتزكية اكثر من غيرها لانها تمثل الاساس الاول لعملية التغيير .



بين الحركة الاسلامية والحركة السياسية



يوجـد فرق كبير بين الحركات الرسالية والحركات السياسية ؛ فالحركات الرساليــة هي حركات حضارية تسعى من اجل اقتلاع جذور الباطل ، وتثبيت دعائم الحــق .



والحركة الرسالية من مزاياها انها تواجه المشاكل القائمة برمتها ومن الجذور وهذه الميزة تجعلها حركة خارجة عن المعادلات ، كما تجعل مواقفها مواقف مبدئية لاتتسم بالانهزامية او المصلحية ، في حين ان الحركات السياسية نراها على العكس من ذلك تماما ، فهي - اولا - تسعى من اجل ترميم بعض النواقص الظاهرية في حين تترك المشـاكل الحقيقية ، وهي - ثانيا - تستهدف الوصول الى السلطة عبر اية معادلة ممكنة ، ثم ان مواقف الحركات السياسية تتأثر بالرياح الموسمية التي تهب على عالم السياســة ، فاذا اتجهت هذه الرياح شرقا مالت هذه الحركات نحو الشرق ، واذا كانت وجهة الرياح غربية ، مالت الى الغرب ...



وبالاضافة الى ذلك فــان هذه الحركات (غير الرسالية) تخضع للمعادلات السياسية



القائمة في بلدانها وفي العالم بصورة عامة ، والنتيجة التي لابد ان نتوقعها من هذه الحركات هي ان مشاكلها ستبقى قائمة ، وانها لاتستطيع ان تحقق اهدافها ؛ ولتوضيح هذه الحقيقة نضرب فيما يلي مثالا من واقعنا المعاش ؛ ولنأخذ على سبيل المثال مواقف الحزب الشيوعي العراقي ، فمنذ بداية تأريخ العراق الحديث ؛ اي منذ عام 1958 حيث تغير نظام الحكم في العراق من نظام ملكي الى جمهوري ، رأينا ان مواقف هذا الحزب تأثرت ايجابا وسلبا عبر معادلتين ، ومحورين متفاعلين هما : المحور الداخلي ، والمحور الخارجي .



فعلى الصعيد الداخلي رأينا كيف ان الشيوعيين تحالفوا بالامس مع النظام الفلاني ، وكيف انهم عدلوا بعد ذلك عن موقفهم هذا ليتحالفوا مع نظام آخر وليدخلوا معه في جبهة (موحدة) ، وعلى الصعيد الخارجي نرى ان قادة هذا الحزب يستلهمون مواقفهم واتجاهاتهم من الخارج .



هدف الحركات السياسية :



ان هذا الاسلوب الذي تتبعـه هذه الحركات السياسية انما هو لانها تستهدف الوصول الى سدة الحكم ، وهذا الهدف هو الذي يجعل هذه الحركات تتسم بهذا الطابع الانتهازي والمصلحي ، فــي حين ان الحركات الرسالية تتسم بالمواقف الرسالية غـيـر المساومة ، وعلى سبيل المثال فان الحركة الرسالية عندما دعت جماهير الامة الاسلامية للالتفاف حــول الثـورة الاسلاميـة فــي ايران فانهـا دعتها دون ان يكون لها ارتباط مصلحي بهذه الجماهير ، فهذه الثــورة كانت في يوم من الايام غير منتصرة ، وكان يخشى عليها ان تنتهـي بسبب او بآخر ، ومع ذلك فان الحركات الاسلاميـة اعلنت تأييدها لها من موقع المسؤولية يوم كانت تلك الثورة ضعيفـة ومقهــورة .



الدوافع الالهية للحركات الرسالية :



وهكذا فان التأييد هو للمبدأ ، ولرجل عظيـم تجسد فيه هذا المبدأ ، وقاد تلك الثورة ، وخبرته الامة خلال سنين طويلة الا وهو الامام الخميني الراحل (رض) ، فالتأييد يبقى لانه مبدئي ، ونابع من واجب لا من حق ، فليس هناك حق اولى من حق الله - تعالى - على الانسان .



وفي نفس الوقت فان هذا التأييد لايعني الذوبان المطلق في القوة التي تشكلها هذه الثورة كما اشار الى ذلك الله - تعالى - في قوله : « يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ » (النساء / 171) ، وكمــا قال الامام علي ( عليه السلام ) : " هلك فــيَّ اثنان ؛ عدو قال ، ومحب غال " ، فالغلو مرفوض ، وللاسف فان البعض عندما يرى ثورة منتصرة فانه يذوّب كل افكاره فيها ليس لانها ثورة مبدئية بقدر ما تحركهم منهجية اخرى هي منهجية الذوبان في القوة ، وعلى الانسان ان يتحدى هذه الحالة في نفسه ، فلا يجوز له ان يفقد استقلاليته .



وهنا تفترق مواقف الحركة الرسالية عن مواقف الحركة السياسية ، فعندما تكون مواقفك من دولة ما او نظام او ثورة او شخص نابعة من ايمانك فانك سوف لاتفكر في حسابات القوة او الضعف ، اما اذا كانت مواقفك صادرة من مصالحك ومشاعرك وعواطفك فان تأييدك سوف يتغير قوة وضعفا .



والحركة الرسالية عندما تحمل شعار العالمية الاسلامية ، فان هذا الشعار لاترفعه للاستهلاك المحلي ، او من اجل جذب انتباه الآخرين اليه ، بل ان الشعار يحمّلها مسؤولية العمل من اجل المستضعفين قبل ان يعطيه حقا ، بل يفرض عليه واجبا فعندما ندّعي العالمية الاسلامية فان هذا الادّعاء يستوجب منا ان نستقيم على اساسه ، اي ان نبقى نتحدى كل الامواج العاتية التي تخلقها قوى الاستكبار العالمي .



كما ان الحركة الاسلامية حينما تطلق شعار (الوحدة) فان هذه الوحدة هي الاخرى



لاتمثل شعارا مصلحيا تطرحه من اجل كسب النفوذ ، بل لابد ان تعمل من اجل تكريسه من خلال التضحية في سبيل تحقيقه ، فالوحدة هي واجب ومسؤولية لابد لكل واحد منا ان يعمل من اجلهما .



ضرورة الثبات في الساحة السياسية :



وللاسف فان هناك البعض من المنتميـن الى الحركات الرسالية قد يشتبه عليهم الامر ؛ فهم قد ينطلقون من منطلق رسالي وايماني ، ولكنهم عندما يدخلون الساحة السياسية فان اوساخها وسلبياتها سرعـان ما تلوث نفوسهم وتشوش رؤاهم ، وتجعلهم لايميزون بين المواقف المبدئية والمواقف السياسية ، فاذا بهم يميلون مع كل ريح ؛ وبالطبع فاني لا اقصد هنا ان هذه الريـــاح هي رياح غربية او شرقية ، فقد تكون هناك رياح اخف منها وطأ ، ولكن المهم في ذلك ان الانسان الذي يطأطئ رأسه اليوم امام قوة بشرية صغيرة ، لابد ان يركع غدا لقوة اعتى واكبر .



ان الانسان الذي يشعر بالضعف امام القوي الصغير فانه سيشعر غدا بهذا الضعف امام المستكبر والمحتل والمستغل ، فاذا كان موقفك من الثورة او من النظام موقفا مبدئيا ، واذا كنت صاحب الحق فلماذا الضعف ؟



احمل رسالتـك ، وقل كلمتـك ، واعمل من اجـل اهدافك دون ان تخشى في اللـه لومة لائم ، واللـه - سبحانه وتعالـى - سينصرك كما وعدنا بذلك قائلا : « إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ » (محمد / 7)



ان الانسان المؤمن يخطط ، وينظم حياته ، ويسعى ويتحرك ، ولكنه لايفكر في النتائج تفكيرا ساذجا ، لان مثل هذا التفكير قد يدفع الانسان الى تغيير مواقفه وتحركاته حسب الاحداث اليومية ، ولذلك فان الحركة الرسالية لاتخضع للمعادلات السياسية ، فالذي يخضع اليوم لمعادلة صغيرة قد يخضع غدا لمعادلة اكبر ، وقد يخضع



غداً لمعادلة الدول الكبرى .



والغرب عندما يسمي اليوم الحركات الرسالية بـ (الحركات الاصولية) فانه يعترف انها تطلب التغيير الجذري ، فهو يخشى من هذه الحركات لانها لاتخضع للمعادلات ، في حين ان الحركات السياسية الاخرى سرعان ما تفتح الطريق للنفوذ الاستعماري عندما تصل الى الحكم لانها دارت منذ البدء في فلك المعادلات السياسية .



لنحذر المواقف االسياسية المرتجلة :



وفي هذا المجال لابد ان تحذر الحركــات الاسلامية من المواقف السياسية المرتجلة ، ومن التنافس الساذج ، فالحركة الرسالية تبحث دائما عن العمق ، وتحاول دائما ان تغير بشكل جذري الثقافة والاخلاق والعلاقات ، وهذا التغيير لايمكن ان يحصل إلاّ بعمل جدي ، ولذلك نرى ان الانسان الذي يحمل راية الحركة الرسالية قد يقضي عمـره كلـه قبل ان يرى اهدافه قد تحققت امامــه ، لانه يعلم ان هذه الاهداف عظيمة جدا ولايمكن تحقيقها بين عشية وضحاها .



والروايات الشريفة تؤكد في هذا المجال قائلة : " ان امرنا صعب مستصعب لايحتمله الا نبي مرسل ، او ملك مقرب ، او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان " ، ولذلك نرى ان الائمـة المعصومين ( عليهم السلام ) عندما حملوا راية الدفاع عن المستضعفين ، ولواء العدالة الاجتماعية والحرية ، وعندما اخذوا على عاتقهم تبليغ رسالات الله - تعالى - الى البشرية فانهم عانوا في سبيل ذلك السجون ، وضحوا بأنفسهم في سبيل رسالتهم .



ان هؤلاء هم القدوة الصالحة لنا ، والمثل الاعلى ؛ فالأئمة ( عليهم السلام ) لم يكونوا قدوات لمن كان في عصرهم فحسب ، ولا لمجموعة بسيطة من الموالين ، بل كانوا سراجا للامة كلها ، ومصابيح الدجى ، وقادة للعالمين ، ونحن مهما حاولنا لن نستطيع ان نوفي حقهـم ونؤديه على الوجه الاكمل ، فمن خلال حركتهم المباركة استطعنا ان نكوّن هذه الحركات الرسالية ، وبواسطة اتباع منهجهم ( عليهم السلام ) اصبح بمقدورنا ان نجعل هذه الحركات اقوى واكثر اقتداراً من ان تتأثر بالمعادلات السياسية وتخضع لها ، وهذه هي نقطة افتراق الحركات الالهية عن الحركات السياسية الماديـة .



الايمان بالغيب منطلق الحركة الاسلامية



ان الحركة الرسالية قائمة على اساس الايمان بالغيب ، وهذا الاساس الذي تقوم عليه الحركة الاسلامية ليس من اجل ان هذه الحركة لايمكن ان تنتصر من دونه ، بل لان الغيب يمثل حقيقة قائمة ان لم نؤمن بها ايمانا حقيقيا فسوف نصطدم بها دون ان نكون قد سلحنا انفسنا بسلاح يقينا من تبعات الكفر بها .



ان النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) هو اول من بلّغ الرسالة ، فقد وقف ذات يوم على جبل الصفا ونادى بأعلى صوته : واصباحاه ! - وكان هذا النداء ينادي به العرب كلما داهمهم خطر عظيم - فاجتمع حوله أهل مكة من كل حدب وصوب ، فلما ملؤوا ما بين الجبلين معتقدين ان محمدا الصادق الامين قد جاء لهم بخبر عدو يريد ان يقتحمهم ، واذا بالرسول ( صلى الله عليه وآله) يهتف بهم قائلا : اكنتم مصدّقي لـو اخبرتكم ان وراء هذا الجبـل خيـلا تريد ان تغير عليكم ؟ فقالوا : بلى انك الصادق الامين ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : اني لكم نذير مبين بين يدي عذاب شديد !



ترى لماذا نحن نصدق الانسـان الـذي يدخل علينا ونحن جالسون - مثـلا - فـي



قاعة ويعلن لنا ان هناك قنبلة موقوتة في القاعة التي نجلس فيها ، لماذا نصدّقه بطريقة عفوية ، ولا نصدّق القرآن الكريم وهو كتاب الله ، رب السماوات والارض وخالقنا ورازقنا ، والذي اليه مرجعنا ومعادنا ، وهو يحذرنا من عذاب الاخرة ؟!



ترى هل نحن نعتقد ان القنبلة الموضوعة داخل القاعة اقوى ، واشد عذابا من نار جهنم ؟



لقد جاء في الحديث الشريف ان نار جهنم قد غسلت سبعين مرة حتى تحولت الى هذه النار التي نشاهدها في الدنيا ، فماذا يعني ان النار قد غسلت سبعين مرة ، وماذا يعني الحديث الاخر الذي يقول لو ان حلقة واحدة من نيران جهنم اتي بها الى الدنيا لذابت جبال الارض منها ؟



عندما اكتشف البشر اليوم القنبلة الهيدروجينية التي تستطيع ان تحيل مدناً كاملة بما فيها من عمارات ومنشآت وسكان خلال مدة لاتتجاوز ( 1 على 16 ) من الثانية الى مجرد سحابة من الدخان فانه بدأ يصدق هذه الاحاديث التي قيلت منذ اربعة عشر قرنا قبل ان يبلغ العلم هذا المبلغ من التطور .



ان نار جهنم هي اشد حرا وافناء من القنابل الهيدروجينية والنووية ، ولكن المشكلة لاتكمن هنا ، فهذه القنابل عندما تتفجر في مكان ما ، فان الناس الموجودين في هذا المكان سينعدمون خلال لحظات ثم ينتهي الامر ، اما في نار جهنم فانه ليس هناك اي احتمال لخروج الداخلين فيها ، فهم مخلّدون كما يشير الى ذلك الحوار بين اهل النار ومالك خازن جهنم الذي يرويه لنا القران الكريم قائلا : « وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ » (الزخرف / 77)



وعلى هذا فان علينا - نحن البشر - ان نضع هذا الاحتمال نصب اعيننا وهـو اننا قد ندخل نار جهنم - والعياذ بالله- ، وفي هذا المجال يروى عن الحارث بن المغيرة او ابيه عن ابي عبد الله ( عليهالسلام ) قال : قلت له : ما كان في وصية لقمان ؟



" قال : كان فيها الاعاجيب وكان اعجب ما كان فيها ان قال لابنه : خف الله عز وجـل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك ، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك .



ثم قال ابو عبد الله ( عليه السلام ) : كان أبي يقول : انه ليس من عبد مؤمن الا في قلبه نوران ؛ نور خيفة ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا ، ولو وزن هذا لم يزد على هذا " (1).



وهكذا ينبغي ان نخاف الله - تعالى - ونرجوه ؛ فلا نخافه خوفا يقطع املنا في رحمته ، ولا نرجوه رجاء يؤدي بنا الى الأمن من مكره ، ومن ثم الكف عن العمل الصالح لنكتشف في لحظة من اللحظات اننا - لاسمح الله - من وقود جهنم .



الدنيا ليست نهاية المطاف :



وهكذا فان من الخطـأ الفظيع ان نتصور ان الدنيا هي نهاية المطاف بالنسبة الى الانسـان ، فالانسان قبل عالم الدنيا كان يعيـش في عالم الاصلاب ؛ حيث كان ينتقل من صلب الى صلب كما تؤكد ذلك الآيات القرآنية والاحاديت الشريفة .



وقد اكتشف العلم الحديث ان هذا الانسان كان في يوم من الايام جينة صغيرة لاتستطيع العين المجردة ان تراها الا عبر المجاهر ، وقبل ان يكون جينة كان في عالم الذر ، وقبل ذلك في عالم الارواح ، هذا من جهة الماضي اما من جهة المستقبل فانه سيعيش طويلا في القبر الذي سيكون اما روضة من رياض الجنة ، او حفرة من حفر النيران .



وعندما يخرج من القبر سيقف خمسين الف سنة للحساب في المحكمة الالهية ، وبعد ذلك يصل الى المنزل الاخير ، والمستقر النهائي حيث يعيش فيه خالدا اما في الجنان فلايرى فيها مكروها ، ولا يحس بألم ليجتمع مع الشهداء والصديقين والذين انعم الله - تعالى - عليهم ، او انه يعيش مخلدا في نار سجرها خالقها لغضبه .



ولذلك فان الانسان المؤمن يعيش في الدنيا سعيـدا حتى لو سجن وعذب واحرق جسده ، وقطعت اعضاؤه ، لان هذه الشدائد التي يمر بها ستتحول بالتالي الى نعيم بالنسبة اليه ، في حين ان الانسان الكافر والمجرم سيكون على العكس من ذلك تماما .



الحركة الالهية باقية رغم الطغاة :



ان الحركة الالهية التي ابتدأت مع آدم ( عليه السلام ) ، واستمرت مع كل الانبياء والمرسلين ، وتجددت على يد خاتم الانبياء محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ليست نبتة ضعيفة تستطيع الرياح ان تقتلعها كما يقول - تعالى - :



« يُرِيــــدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّــهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِــرُونَ » (الصف / 8)



ان الحكام الطغاة يريدون ان يزيلوا ايمان شعوبنا المسلمة بالقرآن عبر اساليبهم المناهضة للاسلام ، ولكننا نعتقد اعتقادا راسخا بالاية الكريمة التي تقول :



« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (الحجر/9)



فالله - عز وجل - الذي انزل هذا القرآن هو الذي يحفظه ، ونحن بدورنا يجب ان نعمل من اجل الاخرة ، ومن اجل ان تنتهي حياتنا بشرف الشهادة ، فان لم تنته حياتنا بهذا الشرف الرفيع فلنكن - على الاقل - ممن قال الله - سبحانه - في حقهم :



« يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَــقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ » (آل عمران / 102) .



فلنحـاول ان نختم عاقبتنـا بخير ، ولا نكن ممن قال عنهم - تعالى - عندما يأتيهم الموت :



« وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ » (ق / 19)



ان الموت آت سواء اراد الانسان ام أبى ، فلا أحد يستطيع ان يتجنبه ابدا ، ولو كان هناك احدا بامكانه ذلك لكان النبي سليمان ( عليه السلام ) أولى من غيره بذلك ؛ فقد كان نبيا ، وكان ملكا ، وسخرت له الطير والرياح والجبال والجن ، واخضعت له الطبيعة اخضاعا ، وعلم منطق الطير ، وأوتي من كل شيء ، ومع كل ذلك لم يستطع ان يدفع الموت عن نفسه ، فمات وهو متكئ على عصاه !

ثلاث مراحل امام الانسان :



ان امام الانسان ثلاث لحظات صعبة عسيرة لابد ان يمر بها ؛ لحظة الولادة وقد تجاوزناها - ولله الحمد - ، فالعلماء والاطباء يقولون في هذا المجـال ان الطفـل من الممكن ان يولد في أية لحظة مشوهاً او يموت اساساً .



واللحظة الثانية هي لحظة الموت ، واللحظة الثالثة هي لحظة الخروج من القبر يوم القيامة حيث لايدري الانسان حينئذ اين يذهب ، وكيف سيكون مصيره ؛ فهل سيتوجه الى الجنة ام يساق الى النار ؟



ويصور لنا القـرآن الكريم هـذا المشهد الرهيب في قوله - تعالى - :



« وَنُفِخَ فِــي الصُّورِ ذَلِكَ يَـوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَآئِــقٌ وَشَهِيدٌ » (ق / 20-21)



فكل نفـس تأتي يـوم القيامــة يكون وراءها واحـد ، وامامها واحد ، فهنـاك اثنـان مـن الملائكــة يقتادان الانسان ؛ احدهما يسوقـه ، والاخـر يشهد عليـه قائــلا :



« لَقَدْ كُنتَ فِـي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَـآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » (ق / 22)



يوم زوال الحجب :



لقد ذكّر الله - تعالى - الانسان في القرآن ، وانذره بالرسل والانبياء ، ولكنه كان غافلا ، فأغمض عينيه عن الحق ، اما في يوم القيامة فسترفع عنه جميع الحجب سواء الطبيعية منها ، او تلك التي وضعها على بصيرته من خلال ذنوبه ومعاصيه ، واعماله السيئة ، حتى يصبح بصره قويا كالحديد ، فيرى الحقائق كلها مجسدة امامه بوضوح ، وحينئذ لاسبيل له لانكارها كما يقول - تعالــى - :



« وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْــرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ» (ق / 23-26) ، ونحن هنا نسأل الله - عز وجــل - ان يجعل عاقبة امرنا خيرا ، وان يزيد من ايماننا بالغيب ، وبالآخرة لكي لانبتلي بهذا المصير الذي حذرنا منه القرآن الكريم .



كيف نحقق واقع التوحيد في الحركة السياسية



كثيرا ما يتشدق الانسان بالايمان ويدّعيـه فهو يرى انه مؤمن بالله ، ولكن الله - عز وجل - في الحقيقة ليس الا مجرد اوهام تدور في مخيلته ، وتصرفات تعيشها نفسه ، اما الحقيقة فتبقى بعيدة وقصية عنه .



والآيات القرآنية تؤكد على هذه الظاهرة ، وهناك حديث شريف يفسر تلك الايات قائلا : " من عبد اللفظ دون المعنى فهو كافر ومن عبد اللفظ من المعنى فهو مشرك " وهكذا فاننــا نعبد لفظ الله وتلك الصور التي نتوهمها في مخيلتنا دون ان نعبد الله الحق الذي خلق السماوات والارض بالحق ، والذي خلقنا واحسن خلقنا ، وقدر لنا اقواتنا وهدانا اليها ، الله الذي بيده امرنا واليه مصيرنا ومنه مبدؤنا واليـه منتهانا .



اين نحن من حقيقة التوحيد ؟



ترى هل نحن نؤمن بهذه الحقيقة ؟



ان القـرآن الكريم يصرح في هذا المجال قائلا : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ



اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » (الانفال / 2) ؛ وبعبـارة اخرى فان اولئك الذين يزعمون انهم مؤمنون بالله ثم لاتخشع قلوبهم لذكر الله - تعالى - فانهم في ضلال بعيد يصفهم القرآن الكريم في قوله : « كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ » (الرعد / 14)



ان قليلا من تصور مخلوقات الله - تعالى - وعظمتها ودقتها يكفي لان يعتقد الانسان انه بعيد كل البعد عن الحقيقة ، وان ايمانه هو مجرد لقلقة لسان ، بل ان عليه ان يرتبط بمخلوقات الله ، وبما خلق من عجائب في هذا الكون .



ترى هل الانسان ينطق بكلمة (الله) ، وهو يعني رب هذه الكواكب والشمس والمنظومة ، ورب المجرات والعالمين ، وهل يقولها بصدق ام يرددها ترديدا آليا ؟ ومتى نثبت هل ان هذه الكلمة هي حقيقة ام مجرد لفظة تلوكها افواهنا ؟



الايمان لابد ان تكون له آثار :



ان كـل ذلك يظهـر جلياً عندمـا يأتـي يـوم التجربـة والامتحان ، فالايمان باللــه - تعالى - لابد ان يكون له اثر ، وقد روي في هذا المجال عن النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) قوله : " ان لكل حق حقيقة ، وان على كل صواب نورا " ، فأين نور الايمان ؟



انا أدعي ان الوقت نهار ثم لا اجد الشمس ولا اجد نورها ، وأدعي وجود شمس الايمان في قلبي ثم لاينعكس هذا الايمان في تصوراتي وتحركاتي وسلوكياتي وآرائي .



ومن عجائب القرآن انه يهدينا دائما وأبدا الى خلفية الاحداث ، والى العلل والجذور والاصول ولايكتفي بالحديث عن الفروع ، وهو يربط بينها ربطا عجيبا كما نرى ذلك في الآيات القرآنية التالية :



« إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لايُظْلَمُونَ * قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ اُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلآئِفَ الاَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ ءَاتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ » (الانعام / 159-165)



توحيد اللـه وتوحيد الصفوف :



ان هذه الايات الكريمة تربط بين الحديث عن اولئك الذين فرقوا دينهم وكانـوا شيعا ، واولئك الذين ابتلى الله - تعالى - بعضهم ببعض ، فجعل بعضهم فتنة لبعض ، وبين الحديث عن هذه الحقيقة ، وبين الحديث عن الله والايمان به ، وان الصلاة والنسك والمحيا والممات لله رب العالمين .



واني ارجو من القارئ الكريم ان يتدبر في هذه الكلمات ؛ ان القرآن الكريم يصـرح ان المختلفين في امر دينهم ليس النبي ( صلى الله عليه وآله) منهم في شيء ، ونحن سنبيّن فيما يلي العلاقة بين بداية الاية ووسطها ؛ اي ان اولئك الذين اتخذوا من الدين مذاهب مختلفة لاتربطك بهم اية علاقة بل ان امرهم الى الله ، وعندما ينعزل الرسول عنهــم ، وعندما لاتكون هناك علاقة بينهم وبينه فهل هذا يعني ان العلاقة بينهم وبـين



الله - سبحانه - ستكون معدومة ؟



كلا بالطبع لانه سيحاسبهم ، ولكنه لايحاسبهم بظلم بل بأرفع مستويات الرحمة والرأفة ؛ فالحسنة يضاعفها ، في حين ان السيئة لاتقابل الا بمثلها .



الرسول (ص) برئ من المتفرقين :



ترى لماذا تنعدم علاقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) باولئك الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ؟



الجواب على هذا السؤال يقدمه القرآن الكريم نفسه فيقول : « قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (الانعام / 161) ، لان الاسلام صراط مستقيم بعيد عن الشرك والاهواء والمذاهب ، ذلك لان المبدأ الذي يذوب فيه المؤمنون هو مبدأ واحد منذ ابراهيم الخليل ( عليه السلام ) وحتى نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) .



ومن الجهة التأريخية نرى ان الرسالات واحدة ، وان الرسل يدعون الى مبادئ واحدة ، ومن جهة الـــواقع والمصلحة نرى انه لايوجد اختلاف في المصالح لانها جميعا داخلة في اطار التقوى ، والايمان بالله .



فانظـروا الى معجزة القرآن الكريم وهو يربط بين فكرتين ؛ فهو يبيّن ان الاختلافات التي تظهر في الامم اما ان تستمد جذورها من التأريخ ، واما من الواقع الحاضر ومصالحه ومفاسده واهواء الناس ، فالقرآن الكريم يقرر ان التأريخ واحد ، وان المصالح يجب ان تذوب اليوم كلها في بوتقة الاسلام ، والوحدانية .



ثم يستأنف السياق الكريـم قائـلا : « قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ » (الانعام / 164) فالذي خلق المجرات ، وخلق الارض والسماء والشمس والقمر والنجوم هو احق بالعبادة لا الارباب المختلفون .



وخلاصـة القول ان الانسان لابد ان يقف في نهاية الخط للحساب ، ويعلم ان تزوير



الحقائق التأريخية والموضوعية باهوائه لن ينفعه شيئا يوم يقف في محكمة الله العادلة ليحاسب حسابا شديدا .



ثم يقول - تعالى - بعد ذلك : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلآئِفَ الاَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ ... » (الانعام / 165)



فنحن ان رأينا التفاضل بين الناس ، والاختلاف في المظاهر الطبيعية ، والآداب والرسوم فانما هو امتحان الناس بعضهم ببعض ؛ امتحان الفقير بالغني ، والغني بالفقير ، وامتحان الجاهل بالعالم ، والعالم بالجاهل ، واختبار المستضعف بالمستكبر ، والمستكبر بالمستضعف .



المؤمن مترفع عن الاختلافات :



ان الاحاديث النبويــة تستمد من هذه الايات وغيرها روحها ، وتلقيها علينا ببيان نبوي مبين ، فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " من اصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم " ، ترى لماذا ؟

/ 9