دور الأخلاق في الحركة الاسلامية - نهج الاسلامی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نهج الاسلامی - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ان القرآن الكريم يقول : « إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَــيْءٍ » (الانعام / 159) ، ثم يؤكد ذلك بالقول : « قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين » (الانعام / 162) ثم يؤكد على هذه الآية اكثر قائلا : « لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ اُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ » (الانعام / 163) فهو يقرر ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليس منهم في شيء ؛ اي لاعلاقة بينه وبينهم لانهم تورطوا في الاختلافات ، والتشيعات المختلفة ، والانسان المسلم لايمكن ان يتورط في هذه الاختلافات فلا يقول : انا من قوم ، وهذا المسلم من قوم آخـر ، او انا من بلد وانت من بلد آخر ، وانا من مذهب يختلف عن مذهبك ، لان المسلم يعـود في التأريخ الى ملة ابراهيم ، وفي الواقع الحاضر يذوّب كل شخصيته وميزاته ، واخلاقه في بوتقة الاسلام .


الاهتمام بقضايا المسلمين اساس الوحدة :


والملاحظ في الحديث الشريف السابق ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يقل : من اصبح ولم يعمل بأمور المسلمين ، بل قال : من اصبح ولم يهتم بأمور المسلمين ، لان الانسان الذي تتحدد نظرته الى الحياة عبر منظار قومي عنصري ، او اقليمي مذهبي طائفي او اي منظار آخر ، فان هذا الانسان يكون قد ابتعد في الحقيقة عن منظار التوحيد الالهي ، وعن ملة ابراهيم ( عليه السلام ) الذي قال : « قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين » .


ان النظرة التوحيدية تقتضي ان يرتبط الانسان بمخلوقات هذا الكون عبر الله - عز وجل - ، فكيف بالانسان وهو نظيري ، بل كيف بالمسلم وهو أخي ؟ اننا لانستطيع ان نصل الى اهدافنا مادمنا ننطلق من منطلقات خاطئة لاتنتهي بنا إلاّ الى نتائج مغلوطة ، فالطريق الخاطئ لايزيد الانسان الا ابتعادا عن اهدافه ، والتحركات التي تتم من خلال الاطر الضيّقة المفرغة من المحتوى الالهي ، والخارجة عن اطار التوحيد لايمكن ان توصلنا الى اهدافنا .


ان من الحرام ان نعيش هذه الاعمار الطويلة وندّعي الاسلام ، ولكننا عندما نواجه ملك الموت نكتشف في تلك اللحظة اننا غير مسلمين ، ثم نبقــى في العذاب الى الابد ، واذا كان الامر كذلك فما الفائدة من المجيء الى هذه الدنيا ، وما جدوى الجهود التي بذلناها ؟ اننا في هذه الحالة سنخسر الدنيا والاخرة وهذا هو الخسران المبين .


وفي آية اخرى يحدد الله - تعالى شأنه - مــرة اخرى هــذا الهدف عندما يقـول :


« وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا » (الحجرات / 13) ، والملاحظ أن القرآن الكريم لايقول : " لتتعاونوا " ، فان لم تكن هناك معرفة متبادلة فهل يمكن ان تكون هناك حالة التعاون ؟


وبناء على ذلك فان علينا ان نهتم بأمور اخواننا المسلمين في العالم ، وان نتعارف معهم ، ففي اريتريا - على سبيل المثال - نرى الناس يموتون جوعا ، وفي اثيوبيا المهجر الاول للمسلمين نرى الاطفال يموتون من الجوع ، وفي اوغندا تجري مذابح منتظمة ضد المسلمين ، وفي اندونيسيا تجري عملية التنصير بشكل واسع وغريب حيث تستغل ارساليات التبشير جهل الناس وفقرهم ليحملوا اليهم الانجيل مع الخبز ، وربما وصل عدد المتنصرين الى اكثر من نصف مليون انسان رغم ان ارض هذا البلد هي من اكثر الاراضي في العالم خيرات وبركات .


وفي سنغافورة تصل نسبة المسلمين الى 17% في حين ان نسبتهـم كانت اكثر من 50% وذلك نتيجة للغزو الصيني المنظم ، اما في الفيلبين فحدث ولا حرج عن اوضاع المسلمين المزرية حيث تجري على قدم وساق عمليات التصفية الدموية اليومية للمسلمين .


وازاء هذه الاوضاع ترانا لانتحرك ، ونلوذ بالصمت ، فهل نحن مسلمون حقا ؟ لو ان النظرة التوحيدية العالمية كانت سائدة بيننا لما تجاهلنا تلك الاحداث ، ولما اعرناها اذنا صماء .


المؤامرات الاستكبارية تفرق المسلمين :


ان وسائل الاعلام المضللة تحاول ان تنشر بين المسلمين روح اللامبالاة بما يجري في بلدانهم ، فيقولون مثلا : ان القضية الفلانية قد حدثت في مصر فلماذا تتدخل انت ايها العراقي ، ان مصر للمصريين والعراق للعراقيين ؛ وهنا تكمن المشكلة الحقيقية ، اذ علينا ان نبادر الى فهم الحقيقة ، وان نضع كل حقيقة في اطارها المناسب من خلال البصائر القرآنية التي اوتيناها ، وندرك ان القضية هي قضية التوحيد ، وان الله - جل وعلا - عندما خلق الانسان فانه لم يخلقه مصريا او عراقيا او ايرانيا او تركيا او باكستانيا .... بل خلقه انسانا ، وخلق هذا الانسان من تراب ، فالجميع من آدم وآدم من تراب ، وكلنا من هذه الارض والى الارض نعود . وهذه النظرة التوحيدية تجعلنا نفهم الحقائق بعمق ، فلو كان - على سبيل المثال - الشعب المصري يهتم بالشعب الاريتيري لما رزحوا تحت نير طاغوتهم ، ولو كان الشعب العراقي يهتم بالشعب المصري لما بقي هو الاخر تحت حكم الطاغوت ، ولو اريقت دماء المسلمين المصريين فـي افغانستان ، والنيجيريين في لبنان ، والاندونيسيين في العراق لما كان بأمكان الطغاة في الارض ان يتحكموا بمصائرنا .

التوحيد يجب ان ينطلق من النفس :


في القرآن الكريم آيات معدودة تحدثنا عن دور المستكبرين في اذلال المستضعفين كالآية التي تقول : « إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ » (النمل / 34) ، والآية التي تقول : « إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الاَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ » (القصص / 4) ، اما الغالبية العظمى من الآيات القرآنية فانها عندما تفسر الانتكاسات والهزائم والمصائب والمشاكل والويلات التي تنزل على الانسان فانما تربطها بعمل الانسان نفسه ، وبما كان يكسب ويظلم كما يشير الى ذلك - عــز وجل - في قوله : « وَاتَّقُواْ يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ » (البقرة / 281)


كما ان القرآن الكريم يحدثنا عن « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ » (الرعد / 11) ، كذلك تجد في القرآن الكريم من بدايته الى نهايته عشرات بل مئات الآيات التي تؤكد على هذه الحقيقة وهي ان الانسان مسؤول ، وان ثقافته ونظرته مسؤولتان .


وانا هنا اوجه خطابي بالذات الى المؤسسات الدينية ، فلو تحولت هذه المؤسسات باتجاه قيادة الساحة فانها ستكون اقدر على ادارتها كما كانت المؤسسة الدينية في ايـران متمثلة في الحوزات العلمية عندما قادت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني (رض) ، وتكللت جهودها بالانتصار .


وبالطبع فانني لا ادعو هنا الشباب المؤمنين المثقفين ان يتركوا الجامعات ويتحولوا الى علماء دين ، ويقـودوا الجماهير من منطلق ديني ، ولكن عليهم ان يبذلوا جهودهم من اجل اصلاح الاوضاع في بلدانهم ، والقضاء على المظاهر الشاذة والمنحرفة فيها .


لندع الشعارات جانبا :


وعلى الانسان ان لايكتفي بترديد الشعارات دون ان يتوغل في العمل الحقيقي ، بل علينا ان نكوّن معارضة حقيقية ، ونصبّ اهتمامنا على اقتلاع جذور الانظمة الجاهلية ، واعادة حكم الاسـلام ، وان لانختفي وراء الشعارات لكي نغطي على سلبياتنا ومشاكلنا . صحيح ان المؤتمرات والاجتماعات مفيدة ولكنها لاتكفي لوحدها ، فلا يكفي ان نتحدث عن المآسي بالعبارات الرنانة بل ان العمل الذي ينفعنا الان وهو اصلاح ذات البين الذي هو افضل من عامة الصلاة والصيام ، واعادة الوحدة الى مختلف فصائل الحركة الاسلاميــة من خلال برامج موضوعة بدقة ، ومستلهمة من تجارب التأريخ .


ان علينـا ان نعين المظلومين الذين يرزحون تحت ظلم الطغاة ، وان نتعاون ونتلاحم


ونخطط لازالة الانظمة الطاغوتية من خلال العمل الدؤوب الجاد ، ولا بأس بالطبع ان نطرح الشعارات في عملنا شريطة ان تكون واجهة وعنوانا لجهود حقيقية من شأنها ان تؤدي في اسرع وقت ممكن الى تغيير اوضاعنا نحو الافضل سواء على صعيد اوضاعنا الداخلية كحركات اسلامية ، او على صعيد الاوضاع الخارجية المتعلقة بالمجتمعات التي نعيش بينها ، والانظمة التي تحكمنا ، ولنعلم ان الله - سبحانه وتعالى - سيكون في عوننا ، مادامت نوايانا خالصة لوجهه الكريم .


مبادئ الحركة الاسلامية من وحي القرآن


من الضرورات الاساسية التي لابد للحركات الاسلامية ان تنتبه اليها ، وتسعى من اجل تحقيقها ، ضرورة الوعي الصحيح للمفاهيم القرانية من جهة ، ولتطورات الحياة الراهنة من جهة اخرى .


انواع المفاهيم القرآنية :


والمفاهيم القرانية على نوعين ؛ منها ما يعبر عنها القران الكريم بـ (الحدود) ؛ اي تلك القوانين والانظمة التي بينها القران الكريم ، وفصّلتها سنّة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، واوضحها الائمة الاطهار ( عليهم السلام ) ضمـن نصوص معينة ، مثل الصلاة التي يقول عنها الخالق - عز وجل - بشكل مجمل : « إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً » (النساء / 103) ، ثم بينت السنة النبوية الشريفة ، واحاديث الائمة الاطهار ( عليهم السلام ) الكيفية التفصيلية لهذه الصلاة ؛ فعلى كل انسان مسلم ان يؤدي الصـلاة صباح مساء قبل طلوع الشمس وبعد غروبهـا ، وعند الزوال بصـورة


معينة ، وفي ا تجاه معين ، وحسب شــروط محددة .


وهناك نوع اخر من المفاهيم القرانية الا وهي (القيم) : فحدود الصلاة - مثلا - هي ركعاتها ، وشروطها ومقدماتها واركانها واحكام الشك والخلل فيها وهذه كلها هي حدود الصلاة ، في حين ان من قيم الصلاة انها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وانها معراج المؤمن ، وعدم جوازها في مكان مغصوب وفي ثوب مغصوب ، او بعد وضوء بماء غير مباح ، ومن قيم الصلاة ايضا ان تكون النظافة هي السائدة في الانسان ، لان الذي يصلـي خمس مرات كل يوم لابد ان يكون جسمه نظيفا عند الصلاة ، وثوبه نظيفا ، وكذلك الحال بالنسبة الى محل صلاته وسجوده .


وعلى هذا فان هناك قيما تمليها الصلاة ، وتستوجبها في الانسان المصلي من مثل قيمة النظافة - كما ذكرنا - ، وقيمـة اداء حقـوق الاخرين ، وقيمة تحويل الصلاة الى رادع عن الذنوب حسب قوله - تعالى - : « إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ » (العنكبوت / 45) ، وقيمة تحويل الصلاة الى معراج للروح الى الله ...


القيم غير الحدود :


ان هذه القيم هي غيـر تلك الحدود ، وهذه القيم تنطوي عليها جميع العبادات كالحج ، والزكاة ، والصيام ... ، وفي القران الكريم الكثير من الايات التي تبين لنا سنـن الله - تعالى - في الحياة ، وتبين لنا القيم والمفاهيم الحضارية ، من مثل قوله : « ذَلِكَ بِاَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَابِاَنْفُسِهِــمْ » (الانفال / 53) ، وهذا مفهوم من نوع القيم ؛ اي من نوع السنن الالهية ، والقوانين الكونية التي لابد ان نستنبطها من القران الكريم ؛ فما احدث العباد ذنبا الا وابتلوا ببـلاء جديد ، فاذا كثر الزنا كثر موت الفجأة ، واذا كثرت الفواحش كثرت الزلازل وهكذا ...


العالم الغربي وأزمة القيم :


ونحن الان نقرأ في الصحف ان الآلاف من البشر قد ماتوا في الولايات المتحدة الاميريكية بسبب ما يسمى بمرض الايدز : اي فقدان المناعة في الجسم ، وقد انتشر هذا المرض في اوروبا ايضا ، ففي هذه القارة يوجد قسم من المسرفين في الفواحش ابتلوا بهذا المرض الذي يؤدي الى ان يفقد الجسم لمناعته بحيث ان اي ميكروب او فـيروس سوف يؤثران على الجسم بشكل مباشر بحيث يقضيان عليه خلال فترة قصيرة .


وتشير التقارير في هذا المجال الى ان هذا المرض قد تسرب الى وسط افريقيا وخصوصا بين الشاذين جنسيا ، والممارسين للفواحش والرذائل الاخرى .


وهكذا فان العافية هي نعمة الهية عظيمة ، ولكن اذا تغيرت السنة الالهية فان هذه النعمة ستتحول الى نقمة ، وهذا مفهوم حضاري وقيمة الهية كونية لابد ان نفهمها من القران الكريم ، ففي ثنايا الايات القرانية عشرات بل مئات السنن ، فالملاحظ ان القران الكريم قليلا ما يحدثنا عن الحدود .


ان الذي ينفعنا من هذه السنن اننا لو استوعبناها ووعيناها وعيا كافيا فسوف يكون بامكاننا تحويلها الى برنـامج عملي نستطيــع من خلاله ان نتغلب على مشاكلنـا ، والصعوبات التي تواجهنا ، ونتغلب - بالتالي - على اعدائنا .


وعلى سبيل المثال فان القران الكريم يقول : « فإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ » (الانفـال / 57) ، وهذه سنة الهية ، ومفهوم قراني لوضع ستراتيجية في مجال الحرب للانسان ؛ فاذا واجهنا العدو ، فلا يكن هدفنا مجرد ضرب هذا العدو لان هذا الهدف بسيط ، فلابد ان يكون لدينا طموح اعلى وهو ان نضرب هذا العدو ضربة قاصمة تجعل الاعداء الاخرين يأخذون درسا رادعا فلا تحدثهم انفسهم بالهجوم علينا مرة اخرى .


الحركة الاسلامية وواجب استنباط القيم :


لابد للحركة الاسلامية من ان تستنبط من القرآن الكريم هذه القيم الحضارية في جميع المجالات ، وان لاتصب اهتمامها على الحدود والقشور فحسب بالرغم من اهميتها ، بل عليها ان تتعمق في المفاهيم والمبــادئ والافكار التي توضح لنا القوانين الكونية ، فمن خلال هذه القوانين نستطيع ان ننتصر في الحياة .


وللاسف فاننا لم نستطع ان نستوحي بعد من القران الكريم هذه المبادئ الحضارية الواضحة من مثل قوله - تعالى - : « إِنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » (الانبياء / 92) ، أفليست هذه الآية الكريمة تبين مبـدأ حضاريا الا وهو ضرورة توحيد الصفوف ، فلماذا هذه الاختلافات بيننا رغم ان هناك عشرات الايات في القران الكريم تعالج مشكلة الاختلاف في الامة ، وكيفية القضاء عليها كقوله - عز من قائل - : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا » (آل عمران / 103) ، فأين اعتصامنا بهذا الحبل ؟


ان القرآن يدعونا في آيات كثيرة الى التوكل على الله ، وعدم الاتكال على اية قوة اخرى ، فالله - عز وجل - هو الذي يبلور فينا الاستقلال ، ويفجر طاقاتنا .

القرآن كتاب حياة :


ان الحركة الاسلامية لو استوحت هذه القيم والمبادئ من القرآن الكريم لاستطاعت ان تثبت للعالم جدارتها بقيادته ، فواجبنا ازاء القرآن ليس مجرد ان نقرأ بعض آياته ونرتلها او نتدبر في بعض كلماته ، ان القرآن هو كتاب الحياة ، كتاب يريد ان ينقذ العالم من مشاكله المزمنة ؛ من سباق التسلح ، ومن الفقر والجوع ، فالعالم ينفق الآن ما يقرب من الف مليار دولار سنويا على التسلح في حين ان هناك ستمائة مليوم انسان يعانون من الجوع ، فهناك بعض البلدان الافريقية لايكفي انتاجها السنوي ودخلها القومي لتسديد فوائد ديونها ، كما ان هناك بعض الدول في العالم الثالث يبلغ حجم ديونها الخارجية حوالي مائة مليار دولار .


وفي القرآن وحده علاج هذه المشاكل ، وعلى الحركة الاسلامية ان تستنبط هذا العلاج ، وتستوحي تلك المبادئ ثم تعرضها على العالم ، لكي يؤمن بمصداقية هذه الحركة ، ومن جهة اخرى فان على الحركات الاسلامية ان تعرف العالم المحيط بها لكي تستطيع ان تقاوم التخرصات والاراجيف الموجهة ضدها ، فعليها ان تتعرف على شبكات الاعلام في العالم واهدافها وستراتيجياتها .


وعلى سبيل المثال فان هدف الاعلام الاستكباري كان يدور حول فصل الحركة الاسلامية العالمية عن بعضها البعض ، قكانوا يضربون على هذا الوتر بصورة مستمرة ، وقد كان يؤيدهم في ذلك اولئك الذين لايمتلكون رؤية واضحة للمستقبل ممن كان يخشى الاعلام الاجنبي ، ويرى ان علينا ان نتقوقع ، ونجلس في بيوتنا ، ولا نشارك مشاركة ايجابية فعالة في قضايا المسلمين .


ان مثل هؤلاء لم يفهموا ستراتيجية اعدائهم فوقعوا في حبائلها ، وكانت النتيجة ان انفصلت بعض الحركات الاسلامية عن بعضها ، في حين انها لو كانت قد دارت في محور واحد لخشيها الاستكبار ، ولكن كبرياءنا وجهلنا وادعاءاتنا الفارغة من جهة ، وخطط الاستعمار من جهة اخرى ادّيا بنا الى ان نتمزق ، ونقع في الدوامة التي اراد لنا الاستكبار ان نقع فيها .


واقعان يجب ان نفهمهما :


ان علينا ان نفهم في هذا المجال واقعين ؛ واقع القرآن ، وواقع المبادئ والقيم القرآنية من جهة ، وواقع الحياة التي نعيشها من جهة اخرى ؛ فماهي ستراتيجية الدول الكبرى وشبكات الاعلام في العالـم ، وماهي خطط الانظمة ؟


ان الكثير من البسطاء قتلوا انفسهم بايديهم ، ووقّعوا على حكم اعدامهم بسبب جهلهم ، ونحن مانزال جاهلين للقرآن الكريم الذي يقول : « ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » (آل عمران / 182) .


فلنعد الى انفسنا ، ولننظر الى ما قدمنا ، فالله - تعالى - لايمكن ان يظلمنا ، بل نحن الذين نظلم انفسنا كما يقول - عز وجل - :


« كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِاَيَاتِ اللّهِ فَاَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ » (الانفال / 52) .


فالقضية - اذن - واضحة ، فالعباد هم الذين يكفرون ، والله يأخذهم بذنوبهم والله شديد العقاب ؛ فهو - تعالى - ينعم علينا بالنعم ولكننا اذا كفرنا بهذه النعم فان الخالق - عز وجل - سوف يسلبها منا كما اكد على ذلك قائلا :


« ذَلِكَ بِاَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَابِاَنْفُسِهِمْ وَاَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (الانفال/53)


دور الأخلاق في الحركة الاسلامية


عندما نستمع الى الانباء الواردة من آفاق الارض واكنافها تعتلج في صدورنا احاسيس مختلفة من الغضب ، وحالة الاندفاع الثـوري ، والانتفاضة الايمانية ، وتثـور في اذهاننا تساؤلات مختلفة ؛ تـرى لماذا قدّر لنا ان نكون هكذا ، ولماذا تجري في بلداننا بين فترة واخرى انقلابات عسكرية يحركها الطغاة لكبح جماح المسلمين ، وقمعهم ؟


هذه التساؤلات وغيرها تعتبر بالنسبة الى بعضنا سياطا تلهب ظهورهم ونفوسهم ، وتبحث عن جواب بالحاح ، وهنا تتراءى للانسان المتأمل سلسلة عوامل تبدو وكأنها اسباب متداخلة ومندرجة في الوضع الذي نعيشه ، كأن نقول مثلا ان امتنا متخلفة ، وشعوبنا متفرقة ، وكلمتنا ليست واحدة ، واهدافنا غير واضحة ، وستراتيجياتنـا غامضة ، والنتيجة هي كما نرى .


لماذا نحن امة متخلفة ؟


وازاء هذه الاوضاع لايدع الانسان العاقل الحكيم افكاره تتردى في وحل الامنيات


والاحلام ، بل يحاول ان يضبطها بمنهجية صارمة ، ويسعى لان يفهم لماذا نحن امة متخلفة ، ولماذا اصبحنا متفرقين ، ولماذا يلوذ علماؤنا بالسكوت ، ولماذا لايتحرك مثقفونا ؟


وهنا تأتي سلسة الاجابات المتدرجة ؛ فنحن امة متخلفة لان روحنا جاهلية ، ولاننا لم نقتبس من روح القرآن الهدى ، ونحن امة متفرقة لاننا لم نعتصم بحبل الله ، وعلماؤنا لاينطقون لان منهجية تعلمهم مغلوطة ... وهكذا تتسلسل الاجابات الموضوعية الصحيحة لتثير هي الاخرى التساؤل الاهم والاكثر خطورة ؛ ترى ماهو العمل وكيف نغير هذا الواقع ؟


ويبقى هذا السؤال قائما في اذهاننا مادام هذا الواقع قائما ومادام الاصلاح لم يتم .


ويبدو ان بعض الجواب على هذا التساؤل يتجسد في ان تنطلق المجموعة المؤمنة الواعية المؤلفة من الاشخاص الذين عانوا من المأساة وآلامها ، والذين ينشدون التغيير ويريدون الاصلاح ، ولم تتشوش رؤيتهم وتدنّس فطرتهم ، ثم تتحرك هذه المجموعة بعد ذلك ، وحينئذ نطلق على هذا التحرك اسم الحركة ، او المنظمة ، او الحزب ...


والمهم في هذا المجال هو الجوهر لا الاسم ، وجوهر القضية هو التجمع ، ولكن قد يتبـادر الى الاذهان هنا السؤال التالي : لماذا لم تستطع التجمعات ان تقـوم بدورها ؟ الجواب واضح وهو ان هذه الحركات التي جاءت لتعالج الوضع الفاسد ابتليت بآثار وافرازات هذا الوضع ، فعندما نقول ان امتنا متخلفة فان الحركات هي جزء لايتجزأ من هذه الامة ، ونفس الشيء يمكن ان يقال عن حالة التفرق التي تسود الامة ، فالحركات هي جزء من هذه الامة ، وبعبارة اخرى فانها تعاني ايضا من نسبة معينة من التخلف والتمزق .


الاخلاق هي السبيل الى السيطرة على الواقع :


ترى ماهو السبيل الى السيطرة على هذا الواقع ؟


هنا يأتي الجواب على لسان رسولنا ونبينا الاعظم محمد ( صلى الله عليه وآله ) في قولـه : " انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق " وقول اللـه - سبحانـه وتعالـى - : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُـمْ » (الانفال / 24) ، وبعبارة اخرى فان الاخلاق هي الحياة ، واذا فقدنا الاخلاق فقدنا الحياة ، وخسرنا الرسالة ، والتقدم .


فماهـي - اذن - الاخـلاق ، وماهـي ابرز الخلقيات الحضارية التي تساهم في رفـع امة اذا وجدت ، او تحطيـم امـة اذا فقدت ؟ هـذه الاخلاق هـي بأختصار كالتالي :


الروح لا الظاهر :


1- عندما يكون التجمع الرسالي متحدا قلبا وقالبا ، وعندما يطبق روح الاسلام وبصائره ، وعندما يمارس الفرائض العبادية لكي تنهاه عن الفحشـاء والمنكر ، ويأخذ من شعائر الاسلام وتعاليمه الهدف والروح فحينئذ فان التفرقة سوف لاتجد لها طريقا الى هذه الحركات ، وقد اوصانا القرآن الكريم ، والاحاديث الشريفة بالكثير من هذه التعاليم الاخلاقية كقوله - تعالى - : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَاَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ » (الحجرات / 10) وقوله - تعالـى- ايضا : « وَلاَ يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ » (الحجرات / 12) وكقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " احمل فعل اخيك المؤمن على سبعين محملا " وقوله ايضا : " حب لاخيك ما تحب لنفسك " .


واذا ما طبقنا هذه التعاليم الحياتية الحضارية فان الاستعمار لايمكن ان يجد منفذا له بين الحركات ليفرقها ، ويبث بينها الاختلافات ، فالكلمة الطيبة يجب ان تنمو في هذه التجمعات كما قال - عز وجل - : « اِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » (فاطر / 10) ، ولابـد ان تموت الكلمة الخبيثة ، ولا تذاع الفاحشة ، وان لاتكون في داخل النفس وعمق اعماق الضمير اي في النية شجرة الفساد .


ان التجمع الايماني يجب ان لايذكر احدا بسوء ، وان يقتل الشيطان والخبث الذاتيين اللذين يدفعانك الى ان تقول في الناس ، او تستمع الى من يقول فيهم ، في حين ان حب الاصلاح الذي اودعه الله - تعالى - في كل قلب يدفعك دائما الى ان تمدح الناس ، ويكون لسانك طيبا ، واذا ما وجد الانسان المؤمن هذا التجمع فان عليه ان ينضم اليه انى كان ، و هذه هي علامات الايمان .


ان هذا اللسان الصغير يحصد الاعمال الخيّرة كلها ليرميها في نار جهنم ، فعلموا انفسكم قبل ان تعلموا الناس ، وكونوا دعـــاة الى الله - عزو جل - بغير السنتكم ، فالدعوة لوحدها لاتنفع ، فالحياة في الوحدة ، والوحدة في الحب ، والحب يرفض الغيبة ، والتهمة ، والتجسس ، وسوء الظن ، ويرفض الافساد بين الناس ، والنميمة وجميع الصفات الاخلاقية السيئة .


الحذر من التعصب والفئوية :


2- اذا تعصبت لاخيك المؤمن ، ومدحته بما ليس فيه ، وادّعيت انه افضل من غيره لمجرد انه ينتمي الى فئتك ، فان هذه العصبية تتنافى مع الحضارة والدين والحياة ؛ وللاسف فان هناك البعض ممن يرى العالم من منظاره ، فاذا بهم يمتلكون الخطيب الافضل ، والعالم الافضل دون ان يبقوا اي فضل وميزة لغيرهم ، وكأنهم هم يعيشون في هذا العالم لوحدهم .


ونحن نوجه حديثنا الى مثل هؤلاء قائلين : هل تريدون ان تقاوموا الحكومات المستكبرة لوحدكم ؟ وهل تريدون ان يذهب الاخرون الى الجحيم لتنفردوا انتم بالساحة ؟ ان العصبية ليست من الاسلام في شيء ، فنحن ينبغي بدلا من ذلك ان نرفع قيمة العلم والايمان والعمل الصالح ، والمجتمع الذي يرفع قيمة هاتين المفردتين فانه سوف يتنافس عليهما ، ومن المعلوم ان المجتمع الذي يتنافس على العمل الصالح والعلم هو اكثر تقدما واولى بالانتصار من المجتمع الذي يبحث عن العصبيات والتحزب .


وهكذا فان علينا ان نبحث عن الاسباب الحقيقية لتخلفنا ، ولمظاهر الفساد فينا ، فالانسـان المؤمن لايجوز له ان يمدح من لايستحق المدح ، او يذم من لايستحق الذم ، وحرام عليه ان يتشبث بالعصبيات فيجمع حوله كل من لا كفاءة له ، أفليس من الخيانة ان تقلد انسانا غير كفوء منصب القيادة العسكرية في موقع حساس ، فتتسبب بذلك في هزيمة جيوش الاسلام ؟ وان كانت هذه خيانة ، فانها خيانة ايضا ان نجعل - على سبيل المثال - طبيبا غير كفوء رئيس مستشفى لمجرد انه ينتمي الى مجموعتنا ، او ان نجعل رجلا غير كفوء اداريا مدير مدرسة لانه يمدحنا .


وبالطبع فانه لا بأس ان ينتمي الواحد منا الى حزب ؛ فالله - تعالى - يحب النظام والتنظيم ، والعمل بالتعاون ، ولكن اذا دعاك هذا التحزب الى ان ترفع من وضعه الله ، فهذه من العصبية التي ليست من الدين ، وفي هذا المجال يروى عن الامام علي بن الحسين ( عليه السلام ) ان رجلا سأله عن العصبية قائلا : " انا احب قومي ، واحب ان اخدمهم ، واحسن اليهم ، فهل سلوكي هذا هو من العصبية ؟ ، فقال الامام ( عليه السلام ) : العصبية التي يأثم عليها صاحبها ان يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين وليس من العصبية ان يحب الرجل قومه ولكن من العصبية ان يعين قومه على الظلم " (1) .


وعلى هذا لابد ان نزكي تحركاتنا وتجمعاتنا من هذه الصفات الرذيلة ، ولنعلم ان الله - سبحانه وتعالى - ينصر عباده الذين يبادرون الى نصرته : « إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ » (محمد / 7) ، ونصرنا لله يتمثل في تطبيق اوامره ، وتعاليم القرآن على انفسنا وحينئذ سيمنحنا الله - عز وجل - الحياة ، ويعطينا النصر والقوة .


تجنب الفخر والمباهاة :


3- تجنب الفخــر والمباهاة ؛ فالتجمع الذي يبتلي بالانتكاسات والضعف والجـبـن


والتقاعس يعوض عن كل ذلك عادة بالتفاخر على غيره ، فاذا به يفتخر بآباءه وقادته ونضاله ، ومثل هذا التجمع لايمكن ان يفلح .


واذا امتلأت نفوسنا بالفرح ، واعتقدنا اننا ادينا الواجب وان على الاخرين ان يؤدوا واجبهم ، فان هذا الغرور سوف يسقطنا ويحطمنا ، لان الله - تعالى - لايحب من يغتر ويفتخر ، وهذا ما اشار اليه القرآن الكريم عبر وصية لقمان لابنه :


« يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ في الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» (لقمان / 17-19)


فلتكن انفسنا صبورة مستقيمة ، ولنترك الانانيات ، ولا نتحدَّ الناس ، ومعنى قوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ » أي انه لاينصر ولا يوفق . فالذي لايحبه الله لايمكن ان يوفقه ، فالخلقيات السلبية كالتحدي والفخر والتباهي امام الناس كل ذلك من المستحيل ان يصنع النصر ، بل يجب علينا ان نعمل ونجاهد ، وعلى الله التكلان بعد ذلك .


ان عملت عملا ما فلا تقل انا الذي عملته ، فما قيمتك انت ، وما قيمتنا نحن ازاء الله الذي صنع كل شيء ، بل قل ان الله هو الذي وفقني الى القيام بذلك العمل ، وانني ارجـو ان يتقبله مني ، كما قال - عز وجل - : « إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (المائدة / 27)


وعلى هذا فان على الانسان ان يكتم عمله الصالح ، وهناك في هذا المجال حديث يقول : " كتمان أمرنا جهاد " ، وحديث آخر يقول : " استعينوا على قضاء حوائجكم بالصبـر والكتمان " ؛ فالكتمان قوة ، والفخر يفسد قلب الانسان .


ان الذين يخرجون الى الساحة ليمدحوا انفسهم ، ويبرزوا اشخاصهم يشبههم القرآن الكريم بذلك الحيوان الذي يخرج كل ما في قلبه ، وكل مافي بطنه من هواء من خلال صوته : « وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ » فهـل تحب صوت الحمار ام صوت البلبل ؟ ان صوت الحمير انما هو صوت كريه ، منكر لانه صوت عال يخرج كل ما في جوف صاحبه .


وفي النهاية يقول - تعالى - محذرا من العصبيات والتفاخر بالآباء : « وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطاَنُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ * وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ » (لقمان / 21-22)


البعد الحضاري للحركة الاسلامية


عندما تعيش امة من الامم ظروف المحنة والصعاب وتتراكم عليها المآسي وتحيط بها المشاكل ، فان عليها في هذه الحالة ان تستخرج معادنها الخيرة وتبلو سرائرها الطيبة وتضع على المحك كل امكاناتها وطاقاتها ، بل وعليها ان تراجع نفسها وتأريخها وتعيد النظر في افكارها ونظرياتها ، وحينئذ فان هذه الامة سوف لاتستطيع ان تتجاوز ظروف المحنة فحسب وانما ستحولها الى مدرج من مدارج الكمال ، ومنطلق من منطلقات التقدم والرقي .


الحقائق الحضارية :


وهنا يواجهنا السؤال التالي : لماذا نجد ان بعض الامم تستفيد من المحن ، في حين نجد ان امما اخرى تنهار امامها ؟


قبل ان نجيب على هذا السؤال لابد ان نعرف ان هناك حقائق يمكننا ان نطلق عليها اسم ( الحقائق الحضارية ) بسبب طبيعة الدور الذي تلعبه في حياة الامم ، وهذه


الحقائق تختلف عن القضايا السياسية الطارئـة .


والناس - عادة - حينما ينظرون الى الاحداث فانهم لايرون الا الظواهر التي ماهي الا معلولات ، ولايتعمقون في الحقائق التي تمثل العلل ، فينظرون الى ظاهرة الحياة الدنيا وهم عن واقعها غافلون ، وهذا التقييم يكون في الغالب خاطئا لان من ينظر الى الظواهر لايمكن ان يكتشف ماوراءها من حقائـق .


وعلى سبيل المثال فان الكثير من البسطاء توقعوا اثناء الحرب العالمية الثانية انهيار الحلفاء امام دول المحور ، وسيطرة هذه الدول على العالم ، وسبب هذا التوقع انهم نظروا الى ظاهر قوة المانيا التي كان يقال عنها انها لاتقهر بفضل اسلحتها الحديثة ، وكفاءة جيشها وانضباطه ، ولكنهم فـي الحقيقة غفلوا عن حقائق اخرى كانت اهم ، وكان لها الدور الاكبر في تغيير مسار الحرب فيما بعد ، كمكر بريطانيا التي كانت قادرة بدهائها وحيلتها ان تدخل اميركا في الحرب ، بالـرغم من بُعد الاخيرة عنها بآلاف الاميال في الجانب الاخر من المحيط الاطلسي .


ان مثل هؤلاء البسطاء لم يكونوا قد اخذوا بنظر الاعتبار الامكانيات الكامنة في الشعب الاميريكي هذا الشعب الذي كان يبحث عن دور في هذا العالم الواسع ، كما انهم لم ينظروا الى الطاقات الكامنة للشعب الروسي وقدرته على الصمود امام الغزو الاجنبي ، ولذلك كانت توقعاتهم خاطئة ، فانتهى الامر بالمانيا ودول المحور ان تنهزم امام الحلفاء .


وهكذا فان قدرة الشعب على الصمود امام المشاكل ، وعنـاده في مواجهة التحديات ، والامكانيات الكامنة فيـه ، والثقافة المهيمنة عليه ، وطبيعة القيادة التي توجهه كل ذلك هو مقياس انتصار الشعوب او هزيمتها ، وهذه الحقائق لاتلاحظ عادة ولذلك يخطأ المحللون في تقييم نتائج الحروب .


الشعوب رهن ثقافتها :


ومن هنا فان وراء ما يسمى بـ (القضايا السياسية) الظاهرية حقائق حضارية كامنة ، ونحن اذا اردنا ان نكون حكماء فلابد لنا من ان نتوغل في عمق هذه الحقائق لا لكي نفهمها فحسب ، وانما من اجل ان نسخّر الحياة لاهدافنا المشروعة .


وللأسف فاننا عندما تلفنا امواج الاخبار السياسية والاقتصادية ، ونعيش في دوامة الاحداث اليومية فاننا نغفل عن حقائق الامور ، وهذه هي مشكلة الانسان ، والسبب الحقيقي للغفلة هو نوع الثقافة المهيمنة على الشعوب ؛ فلو كانت ثقافة الامة هي ثقافة التحدي والهجوم والمبادرة ، ثقافة تزودها بالايجابية والتفاؤل ، وتمنحها الوحدة والتعاون ، فان هذه الامم سوف لاتزداد مع مرور الزمن سوى اقتدارا وقوة ، ولايمكن لأية محنة ان تهزمها .


اما اذا كانت الثقافة السائدة هي ثقافة التبرير ، والقاء المسؤولية على الاخرين والتملص منها ، والسلبية والتشاؤم ، فان مصير هذه الامة سوف لايكون الا الهزائم المتتالية ، وهنا يأتي البعض من ضعاف الايمان ليبرر واقعه الانهزامي قائلا : ان الهزائم كانت دائما من نصيب المؤمنين ، وهو يستشهد على كلامه هذا بحياة الرساليين عبر التاريخ ، فلا يأخذ منها الا جانب التشريد والقتل والتضحية متناسيا ان انتشار الدين انما كان بسبب تلك الدماء الزاكية ، وهو لاينظر الى الانتصارات التي يحدثنا عنها القرآن الكريم مثل انتصار آدم على ابليس ، وانتصار ابراهيم على نمرود ، وموسى على فرعون ، وبالتالي انتصار نبينا الاعظم محمد ( صلى الله عليه وآله ) على كفار قريش .


ان هـؤلاء جميعا قد نصرهم الله - تعالى - ، وقد كانوا قدوات الايمان والصلاح ، فكيف لاينصرهم الخالق - عز وجل - وهو القائل في كتابه : « إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ » (محمد / 7) ، ترى ماذا تعني هذه الاية ، هل تعني ان على الانسان ان يمارس العبادات ثم ينهزم ؟


اهداف حضارية :


ان الثقافة السلبية هي ثقافة التفرقة ، وتوجيه اسلحتنا الى انفسنا بدلا من تصويبها نحو اعدائنا ، وهنا يبرز دور الحركات الاسلامية ؛ فهي حركات رسالية حضارية قبل ان تكون سياسية ، وهي تسعى لتغيير ما في داخل الانسان ، والمتمثل في ثقافته ، وان هدفها ليس الوصول الى الحكم ، وحتى لو ارادت تحقيق هذا الهدف فانها انما تريده من اجل اهدافها الحضارية ، فما فائدة حكمها لو بقيت الثقافة الجماهيرية ثقافة سلبية تدعو الى الاختلاف ، والانطواء ، والانهزام امام المشاكل .


وفي ظني فان الكثير من الناس سعوا الى النصر بنيات صالحة ، ولكنهم عندما رأوا ان الحكــم يعني تـحدي المشاكل فانهم سرعــان ما انهاروا خصوصا عندما اكتشفوا ان الثقافة السلبية هي المسيطرة على مجتمعاتهم ، ومن هنا فان وجود الحاكم الصالح من دون تهيؤ الارضية التي من شأنه ان يعتمد عليها في تطبيق مناهجه ورؤاه لايجدي نفعا ، لانه - في حالة الحكم - سوف لايكون دوره اكثر من ان يؤيد سلبيات الاخرين ، ويكون مظلة لها .


وهكذا لابد من ان نصـوغ المنهج والثقافة السليمة ، والانسان والامة الملتزمين ، وعلينا ان لاننسى اقرار الحقائق الارضية اولا وفي هذه الحالة فاننا حتى اذا ذهبنا وحل محلنا حكام آخرون فانهم سيحكمون في الاتجاه الصحيح ، لان الظروف حينئذ ستكون صالحة ، والمؤسسات سائرة في الاتجاه الصحيح .


الثقافة الايجابية تثمر النتائج الطيبة :


وعلى الحركات الاسلامية ان تعلم ان الاسـس التي تضعها اليوم في تعاملها مع بعض ، ومع الحياة ، وفي تربية الكوادر والجماهير ، وبث الثقافة الايجابة المتفائلة في الامة ، هي التي ستثمر النتائج الطيبة في المستقبل ، فالاسس اذا كانت سليمة فان حكم الحركات الاسلامية - هو الاخر - سيكون سليما ، اما اذا كانت هذه الاسس مغلوطة فاننا سوف لانستطيع غدا ان نؤسس جهاز حكم قائم على المبادئ الاسلامية وان كان على رأس هذا النظام رجل صالح ، فمجرد صلاح القيادة او مجموعة من المسؤولين لايعني بالضرورة صلاح المسيرة ان لم يكن هناك تغيير جذري في المجتمع وثقافته ومؤسساته .


ولذلك فان على الحركات الاسلامية ان تثبت انها البديل الافضل بين سائر بدائــل النظام الحاكم ، فان لم تثبت هذه الحركات قدرتها على تجاوز سلبيات الامة ، وعلى خلق الواقع الجديد المتطور ، فان احدا سوف لايؤمن بها .


سلبيات تواجه الحركة الاسلامية :


ومن ضمن هذه السلبيات التي تواجهها الحركات الاسلامية وجود الفـوارق العرقية والطائفية ، فان لم تستطع هذه الحركات تجاوز وتذويب هذه الفوارق في بوتقة واحدة فان الغد سيكون عسير جدا .


وبالطبع فان الاختلاف هو طبيعة الحياة ، فلا يوجد هناك احد بأمكانه ان يدّعي انه لايعمل إلاّ مع أمثاله ونظرائه ، لان الله - سبحانه وتعالى - خلق الناس شعوبا وقبائل كما يقول في كتابه الكريم : « يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَاُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا » (الحجرات / 13) ، فنحن اذا لم نفتح قلوبنا اليوم لغيرنا من الاخوة المجاهدين الذين يشتركون معنا في المآسي ، والظروف المتأزمة فاننا سوف لانستطيع غدا قيادة مجتمعاتنا .


ان الوحدة في المآسي هي وحدة عظيمة ، وآصرة قوية يجب على الحركات الاسلامية ان تستغلها ، وتوظفها لصالح القضية المصيرية التي تعيشها الحركات الاسلامية في جهادها ضد انظمة الحكم الفاسدة ، فنحن اليوم يجب ان نتجاوز اشكالياتنا لكي نستطيع ان نواجه الصعوبات بقلب واحد ، ويد واحدة ، فان لم نتفق اليوم مع قلة المشاكل ، فكيف سنتوحّد غداً عندما تتنامى وتتعاظم هذه المشاكل ؟


ان علينا ان نقيّم الاحداث ، وهذا التقييم هو الذي ينبغي ان يكون رائدنا في التوصل الى تحليلات سياسية ناضجة وحكيمة ، وعلينا ان نعلم ان القضية هي قضية تغيير حقيقي ، ولعل الواحد منا يتصور خطأ ان القضية ليست مرتبطة بافراد الحركة الاسلامية بل هذه الجهة او تلك التي يجب ان تدعمني وتنصرني وتوفر لي الامكانيات لكي اتحرك ، في حين ان هذا التصور هو نوع من التبرير والثقافة السلبية التي ابتليت بها امتنا .


و هكذا فان علينا - نحن المنتمين للحركة الاسلامية - ان نعتمد على الله - عز وجل - ونفجر طاقاتنا ، لان الخالق - تعـالى - لم يجعل الانسان محكوما بارادة انسان آخر ، فقد اعطاه حريته في الدنيا ، وضمن وكفل له هذه الحرية ، ولذلك فان بأمكاننا ان نتحرك .


ليبادر كل واحد منا الى التطوير :


ان المبادرات الشخصية ، والاندفاع الذاتي لكل واحد منا هو الذي يساهم في تطوير الحركة الاسلامية ، فكل فرد في هذه الحركة اذا اندفع ذاتيا ، وحرك نفسه ، وفجّر طاقاته ، فان النصر سيتحقق لا محالة ، وهذه الحالة السلوكية هي التي تجعل الحركة الاسلامية حركة حضارية ، فمن الممكن لانسان واحد من ابنــاء الحركة الاسلامية ان يبادر الى عمل او مشروع او يطور فكرة في اي مجال ليغير بذلك وجه التأريخ .


ان الله - عز وجل - عندما بين لنا في سورة الاحزاب نتائج الحرب فانه اشار الى امانته التي القاها على عاتق الانسان قائلا : « اِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً » (الاحزاب / 72) ، فكل واحد منا هو حامل رسالة ومسؤولية ، ولابد ان يؤدي دوره ، وهذا هو الطريق الصحيح لتحقيق المكاسب الحضارية للامة .


معالم في طريق الحركة الاسلامية المعاصرة


لاريب ان انتصار الحركة الاسلامية لايمكن ان يكون الا وليد جهود كبيرة بقدر هذا الانتصار ، والاهداف السامية التي تتطلع الحركة الاسلامية نحو تحقيقها .


ومن ابرز هذه الاهداف عمارة الارض ، واقامة العدل ، ونشر الفضيلة ، والعروج بالانسان في مدارج الكمال ، واشاعة السلام في جميع ربوع الارض ، وهذه الاهداف الكبرى لايمكن تحقيقها الا عبر جهود جبارة ، وتضحيات كبيرة ، ولذلك فان الحركة الاسلامية لايمكن ان تصل الى هذه الاهداف السامية من دون تعب ، وتضحية ، ومخاض عسير لسببين هما :


الاول : ان الله - تعالى - خلق السماوات والارض بالحق ، وان سنة الحق هذه هي التي تحكم السماوات والارض وتقضي بأن لايكون للانسان الا ما سعى ، وان الدنيا ماهي الا دار ابتلاء ، والابتلاء هو استخراج كل ما يمتلكه الانسان من قوى وطاقات ، وهذا لايمكن الا من خلال التحديات ، والصراع المرير، فالله - جل وعلا - لايمكن ان ينصر عباده المؤمنين مــن دون ان يدفعوا الثمن الكافي نقدا ، وهذا الثمن


يتجسد في التضحيات والجهود الكبيرة .


الثاني : ان الحركة التي تنتصر من دون جهود تنهزم في اللحظة الاولى ، فالانسان لايصلب عوده الا عندما يقاوم ، فاذا لم نقاوم التحديات فان هذا يعني اننا لسنا مستحقين للحياة ، ونحن عندما نقول ان الانتصار حتم مقضي للحركة الاسلامية فاننا لانعني بذلك ان هـذا الانتصـار سيتحقـق من دون جهود وتضحيات ، ومن دون ان نرتفع الى مستوى العصر تنظيما ، ووعيا ، وعلما ، وتقنية ، وجهودا .


الوعي السياسي من شروط الانتصار :


وفي غير هذه الحالة فان هذا يعني اننا نقف بعيدين عن الانتصار ، ولقد ذكرت ان احد شروط الانتصار ان يتوفر الوعي لدينا ، واعني به الوعي السياسي من خلال معرفة خطط العدو ، ومكره ، وكيده ، ومن ثم مقاومة هذه الخطط والاساليب من خلال استخدام خطط واساليب افضل نكيد من خلالها لاعدائنا كما يكيدون لنا .


وهذه الحقيقــة يؤكدها قوله - تعالـى - : « إِنَّهُمْ يَكِيـدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً » (الطارق / 15-17) ، ترى كيف يكيد الله - عز وجل - لاعداء الرسالة ؟


من الممكن ان يكون هذا الكيد من خلال عباده ؛ فالله - سبحانه وتعالى - ينصر المستضعفين بالمؤمنين ، ويهدي هؤلاء المؤمنين بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهكذا يكيد - عز وجل - للكافرين من خلال المؤمنين .


كيف يتجلى كيد الاعداء ؟


والكيد من قبل الاعداء يتمثل في الخطط التي يرسمونها ضد الحركة الاسلامية في العالـم الاسلامي ، وفي الحقيقة فان هذه الخطط هي شراك ومصائد ينصبها الاستكبار


لابناء الحركة الاسلامية .


ونحن نرى ان الصحف والمجلات الناطقة باسم شبكات التجسس العالمية نراها اليوم تؤكد وباصرار على فكرة ان الحركات الاسلامية من شأنها ان تثير في البلدان التي تظهر فيها الفتن ، والصراعات الطائفية ؛ وفي تأريخنا الحديث نجد ان الانظمة في العالم الاسلامي قد لعبت هذه اللعبة الجهنمية ، فقد ضربت المسلمين ببعضهم البعض مرة عن طريق الطائفية والمذهبية ، واخرى من خلال ضرب المسلمين بالمسيحيين كما فعلوا في لبنان مثلا ، وفي مرات اخرى عمدوا الى ضرب الحركة الاسلامية ، بالحركة اليسارية لتبقى الحكومات العميلة قائمة ، ولتتحالف هذه الحكومات مع بعضها متى شاءت ومع من شاءت كما رأينا ذلك في الحركة الاسلامية في اليمن الشمالي وفي بعض البلدان الاخرى .


كيف نواجه كيد الاعداء ؟


وفــي القـرآن الكريم توجيهات قيّمة الى المسلمين وهم يواجهون مخططات الاعداء ، حيث يقول ربنا عز وجل : « َيآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الْكُفَّارِ » (التوبة / 123) ، في هذه الاية يؤكد ربنا - جل وعلا - على ضرورة البــدء بقتال من هو اقرب كفرا ، واكثر خطرا على الحركة الاسلاميــة .


وهنا يطرح السؤال التالي : ماهي القوة التي من شأنها ان تقهر الحركة الاسلامية ؟


ان هذه القوة ليست الحركة اليسارية ولا الحركة المسيحية ، بل هي قوة الطاغوت الذي يمثل الكافر القريب الذي تجب محاربته ، وبعد الانتهاء من هذا الطاغوت ، وبعد ان يسيطر المؤمنون الصالحون على مقاليد الحكم فلكل حادث حديث .


ان الآيات القرآنية في هذا الصدد تؤكّد ان المسلمين لايعملون في الارض من اجل انفسهم ، فالاسلام لايريد اقامة امبراطورية في الارض في مقابل الامبريالية الغربية . فنحن لانستهدف اقامة امبراطورية اقتصادية وعسكرية يقودها المسلمون في العالم ، بل ان المسلمين يعملون من اجل المستضعفين جميعا سواء كانوا مسلمين ام غير مسلمين . فلو كان هناك مستضعف في اميركا اللاتينية او الصين او قلب افريقيا يظلم ويقهر ويستثمر وتنهب حقوقه فان من واجب المسلمين ان يهرعوا لانقاذه ، فكيف بالمستضعف في البلدان الاسلامية ، هذا المستضعف الذي يتعرض الى قهر الطاغوت ، ويمنع من وصول نور الحقيقة اليه .

من اجل المستضعفين جميعا :


ان الحركة الاسلامية تعمل من اجل هؤلاء جميعا ايا كانت انتماءاتهم الدينية والسياسية ، فلو قامت حكومة اسلامية مخلصة في بلد من البلدان الاسلامية فانها سوف لاتنصب المشانق ، وتقوم بتصفية المعارضين لها بسبب انتمائهم الى افكار واتجاهات دينية اخرى كما هو ديدن الحكومات التي تأتي الى الحكم بقــوة الســلاح .


وعلى سبيل المثال فلو تشكلت حكومة اسلامية في بلد تقطنه اقلية مسيحية ، فان هذه الحكومة سوف تتعامل مع هؤلاء المسيحيين كما تعاملت الحكومة الاسلامية معهم فـي عصورها الاولى ، فعندما انتشر الاسلام شعرت هذه الاقليات بالحرية والرفاه ، فدخلت الاسلام افواجا عندما رأت التسامح الاسلامي .


ان مقياس الاسلام في تقييم الاشخاص هو ما يصدر من هؤلاء الاشخاص من عدل او ظلم ، فالمسيحي المستكبر الذي يظلم اخوته المسيحيين يجب ان ينبذ ويرفض ، كما ان المسلم الذي يظلم المسلمين يجب ان يطــرد ايضـا ، وقد بين الله - تعالى - في الآيات الكريمة التالية هذه الحقيقة الاصيلة في الاسلام خير بيان ، حيث قال :


« فَلْيُقَاتِــلْ فِـي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالاَخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِيــــنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَـــا وَاجْعَــل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً * الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيــلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُــونَ فِــي سَبِيلِ الطَّاغُـوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَآءَ الشَّيْطَــانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَــانِ كَانَ ضَعِيفاً » (النساء / 74-76)


ان تلك االايات تقرر وبوضوح ان قتالنا ليس من اجل ان نحكم وقد بعنا انفسنا للخالق - تعالى - ، فنحن نريد اجره - عز وجل - لا أجر السلاطين ، فما هي قيمة السلطة في مقابل الجهود الجبارة التي تبذلها الحركة الاسلامية في العالم ؟


ان المؤمنين لايريدون ان يستبدلـوا طاغوتا بآخر ، ولا حكومة دكتاتورية باخرى ، ولا ارهاباً بارهاب ، بل يريدون اقامة حكـم الله - تعالى - لا غير .


ومن هنا فاني اوجه ندائي الى جميع ابناء الحركة الاسلامية في العالم بأن يحملوا الشعارات اللازمة لاسقاط وابطال المـؤامرات المعادية ، وان يبادروا الى تجريد العدو من السلاح ويحاربونه به ، فالحركة الاسلامية في العالم هي من اجل كل المستضعفين بغض النظر عن انتماءاتهم .


الحركة الاسلامية حركة جماهيرية :


ان الحركة الاسلامية تأتي لتحرك الاغلبية الساحقة حتى تلك العجوز التي لاتكاد تتحرك ، فتتكىء على عصاها ، وتشترك في المظاهرات كما حدث في ايام الثورة الاسلامية في ايران ، فقد اشتركت في هذه الثورة جميع فئات الشعب اعتبارا من الشاب المتحمس ، والبنت ، والام التي تحمل رضيعها ، والموظف ، والتاجر ، والفـلاح ...


وهذا ما يحدث الان في البلدان الاسلامية ففي شعائر صلاة الجمعة التي تقام فـي هذا البلد الاسلامي او ذاك نرى المدير العام ، والضابط في الجيش ، والشاب ، والعجوز ، والرجل ، والمرأة .


ان دخول الامة في الساحة السياسية يمثل سر الانتصار ، فمهما تكون الحكومة قويــة فهي لاتشكل إلاّ نسبة ضئيلـة من ابناء الشعب ، فــاذا ما دخل الشعب كلـه في ساحة العمل فماذا يمكن ان تفعله نسبة 1% ؟


البعث الاسلامي الاصيل :


ان هناك بعثا اسلاميا اصيلا ، وهذا البعث عميق الجذور يتمثل في تحويل الاسلام من قوة غيبية لاتهتم بالسياسة - كما اراد لها الطغاة ان تكون - الى قوة سماوية تهتم بأمور الارض ، وتستهدف اقامة حكم الله في الارض .


ان القضية الان ليست قضية فئة تحاول ربط التحرك والانبعاث الاسلاميين بحزب او طائفـة او جماعة ، فالجماعات والاحزاب والمنظمات الاســلامية - ان صدقت وكانت اسلاميـة حقا - وانا ارجو ان تكون كذلك - فانها لابد ان تتبع الامة ، وتنزل عند ارادة الجماهير الاسلامية الواسعة .


لايخفى ان السلطات الجاهلية تحاول ان تغطي على هذا الانبعاث من خلال محاولة افساد ابناء الشعب بالاموال ، واغرائهم بالمرتّبات الضخمة ، ولكن متى باعت شعوبنا دينها بالمال ، ومتى باع رسالي قضيته بقطعة ارض ، او زيادة في راتبه ؟ بل وماهي قيمة الاموال ؟ انهم يسرقون المليارات ثم يعطون بعض الفتات ، وان شعوبنا المسلمة لايمكن ان تنخدع بهذه المخططات والمكائد .


ان الحكومات العميلة تسعى من اجل ان تخفي كل ذلك عن اعين الناس من خلال وسائل الاعــلام ، وتحاول ان توحي ان المنطقة هي جزيرة الثبات والاستقرار ، ولكن الانبعاث الاسلامي لابد منه . فالانسان المسلم في المنطقة دخل الساحة مرة اخرى ليصنع حاضره ومستقبله ، ولذلك فانه قادر على الفعل وتقرير المصير ، فليس هناك على وجه الارض من هو اقوى من مظلوم يطالب بحقـه متوكلا على الله - عز وجل - ، وليس في كل بقاع الارض وآفاقها اضعف من ظالم يقهر هذا الانسان .


ان شعوبنا مظلومة ، ومستغلة وقد بدأت الان تطالب بحقها ، وانني انصح الانظمة ان ترحل سريعا ، فساعة الترحيل ستكون اصعب بكثير من ساعة الرحيل ، ولكن الشيطان يمنيهم بالاماني ، ويوحي لهم انه هو وجنوده نصيرهم ، وحاميهم ، فالقوى الاستكبارية تبعث الان بكل مستشاريها في المنطقة لتثبت قلوب اوليائها من الشياطين الصغار ، حتى اذا جاءت ساعة الحسم تركتهم وخذلتهم بحجة انهم يرأسون حكومات ضعيفة وغير مستقرة .


وقد اثبت التأريخ ان قوة الشعوب لاتكمن في اسلحتها ، بل بايمانها ، واصرارها على تحقيق اهدافها ، والاستقامة على خطها ، وعلى هذا فسوف تبقى الشعوب تتطلع فجر النصر الكبير بأذن الله تعالى .


بين الرسالة والسياسة


من المعلوم ان الهدف االاول والاسمى من بعث الرسالات الالهية هـو هداية الانسان ، واخراجه من ظلمات الجهل والهوى الى نور العلم والتقوى ، بالرغم من وجود هدف آخر لها يتمثل في تحكيم سلطان الله - تعالى - في الارض ، وهو الهدف الذي اشار اليه ربنا - عز وجل - في قوله : « وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ اللّهِ » (النساء / 64) .


هداية الانسان الهدف الاول :


ومع ذلك فان هذا الهدف يأتي في الدرجة الثانية ، ذلك لان الهدف الاول والاعظم هو هداية الانسان ، واعداده للدخول في جنات عدن ، وبتحقيق هذا الهدف تتحقق سائر الاهداف والغايات . فبعد ان يهتدي الناس الى رسالات الله ، ويخرجون من سجـون الهـوى والجهـل الى رحاب العلم ، تبدأ المساعي لاقامة حكم الله في الارض .


وحسب هذا الترتيب المتقدم تنبغي دراسة الرسالات الالهية جميعا وخصوصا تأريخ رسالة النبي محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) .


وعلى هذا الاساس فقد تجاوب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بادئ ذي بدء مع بني امية ، واقطاب المعارضة من قريش ، لكي يهيء الشروط الموضوعية التي تمهد لنشر رسالة الله - عز وجل - ، ولكي تخضع كافة القوى السياسية الحاكمة في الجزيرة العربية بصورة مؤقتة ، ولاتقف هذه القوى حجر عثرة امام انتشار نور الاسلام ، وهداية البشر ، ثم اوكل هذه المسؤولية الى أهل البيت ( عليهم السلام ) من خلال التأكيد على دورهم في احاديث جمة .


وفي طليعة هذه الاحاديث حديث الغدير الذي يعتبر اطارا عاما لكل الاحاديث في هذا الصدد حيث قال ( صلى الله عليه وآله ) : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " ، مما يدل على ان مسؤولية الائمة المعصومين ( عليهم السلام ) هي ترسيخ دعائم الاسلام في المجتمع ، وبعد ان كانت مسؤولية النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) نشر الاسلام ، وترسيخ قواعده ، واقامة حكم الله تبدأ بعد ذلك مسيرة التربية والتعليم والتزكية من قبل الائمة ( عليهم السلام ) من خلال محاربة النفاق ، ومقارعة الشجرة الملعونة التي يذكرها الله - تعالى - في القرآن ، ومواجهة الشبكة المترامية الاطراف المتجذرة في ارض الجزيرة العربية والتي كونتها القوى المختلفة من مثل بني امية ومن يتحالف معهم .


لقد واجه ائمة آل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل هذه الانشدادات الجاهلية بأدوار مختلفة ، فلم يكن من العبث ان تنزل آية اكمال الدين بعد غديرخم بل جاءت تأكيدا لـهذه الفكرة حيث قال - عز وجل - : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً » (المائدة / 3)


كيف قام الامام علي (ع) بدوره ؟


/ 9