حكم ما لو قطع الجاني يد رجل ثمّ قتل آخر
(27) جمعاً بين الحقّين واستيفاءً لهما .
(28) للأصل ، لكن كون دية اليد في تركة الجاني في مثله غير بعيد ; لئلاّ يذهب
حقّ المقطوع ولا يهدر يده .
(29) لتساوي الوليين في استحاق القتل ، وصار كما لو اتّحد القاتل وتعدد القتيل ،
وقد سبق حكمه .
(30) لا وجه للظهور إلاّ الأصل ، وعدم وجود الجاني حتّى يكون ضامناً ، لكنّ
الظاهر لئلاّ يبطل الدم ولا يبطل كون الدية في ماله .
(31) لوجـود سببه ، ولا ينافيه القطع السابـق الواقـع عوضاً عـن بدلـه ، بل
لاشيء لـه عوضاً عنـه بعد أن قطع قصاصـاً وإن كان لولا الاستيفاء لدخـل فـي النفس ،
كما هو واضح .
(مسألة 25) : لو هلك قاتل العمد سقط القصاص بل والدية . نعم لو هرب فلم يقدر
عليه حتّى مات ، ففي رواية معمول بها : إن كان له مال اُخذ منه ، وإلاّ اُخذ من
الأقرب فالأقرب ، ولابأس به ، لكن يقتصر على موردها (32) .
سقوط القصاص بهلاك قاتل العمد
(32) سقوط القصاص مع هلاك قاتل العمد بلا تقصير ولا تفريط منه لا إشكال ولا كلام
فيه ، بل قطعي وعقلي ; لانتفاء المحلّ .
هل تسقط الدية بهلاك قاتل العمد ؟
وإنّما الكلام والإشكال في ثبوت الدية في مال الجاني وسقوطها على المشهور في قتل
العمد من كون الحكم فيه القصاص فقط ، ففيه قولان :
الأوّل للشيخ في «النهاية»[1514] وابن زهرة[1515]
مدّعياً للإجماع ، والقاضي[1516] والطبرسي[1517]
وابن حمزة[1518] والكيدري[1519] ، وعليه المحقّق في
«النافع»[1520] و «النكت»[1521]
والعلاّمة في «القواعد»[1522] و «التبصرة»[1523]
بل و «الإرشاد»[1524] .
والثاني لـ «المبسوط» حيث قال : «وهو الذي يقتضيه مذهبنا»[1525]، و
«السرائر»[1526] وادّعى عليه الإجماع ، ولظاهر «المختلف»[1527]
والمحقّق الكركي[1528] .
ولا يتوهّم أنّ عبارة «السرائر» كانت في موت القاتل الهارب لا موته وهلاكه بدون
الهرب ، أي موضوع البحث هنا ; لأنّ القول بعدم الدية في الهارب الهالك المفوّت
للمعوّض مستلزم لعدمها في الهالك من دون الهرب المفوّت للمفوّض بالأولوية .
وهذا بخلاف القول بالدية في الهارب المفوّت ، فإنّه غير مستلزم للقول بها من غير
الهارب الذي لايقصر ولا دخالة له في فوت المعوّض ، كما لايخفى .
وفي «الشرائع» : «وتردّد في «الخلاف»[1529] ، بل لايبعد كونه موافقاً
له في التردّد ، حيث اكتفى بنقل موافقة «المبسوط» في سقوط الدية ، وتردّد «الخلاف»
فيه ، ونقل رواية أبي بصير الواردة في القاتل الهارب من دون اختيار النظر والردّ ،
وكيف كان ، فإن جعلنا التردّد في المسألة قولاً فالمسألة ذات أقوال ثلاثة .
واستدلّ لثبوت الدية باُمور :
أحدها : عموم قوله تعالـى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَـدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّـهِ سُلْطَاناً)[1530] فإطلاق السلطنة مقتض لسلطنـة الوليّ
على أخـذ الديـة مـع هلاك القاتل قبل القصاص .
ثانيها : قولهم (عليهم السلام) : «لايبطل دم امرء مسلم»[1531] .
ثالثها : كـون المورد كمـن قطع يد رجـل ولا يـد لـه ، فإنّ عليه الديـة ، فكـذا
فـي النفس .
رابعها : صحيح البزنطي عن أبي جعفر(عليه السلام) على كون المراد من أبي جعفر
الثاني(عليه السلام) وإلاّ فمرسل ، لعدم رواية البزنطي عن الباقر(عليه السلام) ، في
رجل قتل رجلاً عمداً ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات ، قال : «إن كان له مال أخذ
منه ، وإلاّ أخذ من الأقرب فالأقرب»[1532] .
ومثله خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) مع زيادة التعليل بقوله(عليه
السلام) : «فإنّه لايبطل دم امرء مسلم»[1533] .
وفي الوجوه غير الثاني منها ما ترى :
أ مّا الكتاب ، فالسلطان فيه إنّما هو على القتل فقط لا عليه وعلى الدية ; لما
في ذيله من قوله تعالى : (فَـلاَ يُسْرِفْ فِي القَتْلِ)[1534] .
وأ مّا القياس على مقطوع الطرف فالفرق واضح ; لأنّ الثابت عليه من أوّل الأمر
وحين الجناية الدية ، وهذا بخلاف المورد ممّا كان الثابت من أوّل الأمر القود ،
والدية على ثبوتها تكون من باب البدل ، فالدية في المقطوع على الأصلية ، وفي المورد
على البدلية فليس من مذهبنا .
وأ مّا الحديثين فموردهما الفرار الموجب لكون القاتل الهارب مفوّتاً للعوض
ومقصّراً في تضييع حقّ المقتول ، وهذا بخلاف المقام حيث لم يفرّ القاتل ولم يقصّر ،
فالاستدلال بهما على المقام غير تامّ ، كما لايخفى .
ودعوى أنّ ذكر الهرب والموت في الحديثين في السؤال لا في الجواب ، بل في خبر أبي
بصير لا ذكر فيه للموت في السؤال فضلاً عن الجواب ، ومن هنا جعل غير واحد العنوان
كالمتن الهالك ، يدفعها عدم الاستقلال وعموم في الجواب ، حتّى يقال : إنّ المورد
غير مخصّص له ، بل الجواب جواب خاصّ بالسؤال .
نعم ، الاستدلال بالوجه الثاني تامّ ولا ينبغي الإشكال فيه ، فإنّ حجّيّة العلّة
ممّا عليها بناء العقلاء بل عليها مدار الفقه ، بل الظاهر أنّ مخالفة مثل السيّد
المرتضى في حجّيّة العلّة تكون مخالفة في الصغرى لا في الكبرى ، فالنزاع في الحجيّة
لفظيّه .
وما في «الجواهر» من الإشكال على هذا الوجه بقوله : «وفيه أ نّه ظاهر في كونه
تعليلاً لتأدية الإمام(عليه السلام) له لا أصل الحكم ، ولعلّه لذا كان ظاهر الأصحاب
الاقتصار على خصوص الهارب الميّت»[1535] .
ففيه : أ نّه على تسليم ذلك الظهور فمربوط بمثل خبر أبي بصير في المقام ، لا بما
في خبره عن أبي عبدالله(عليه السلام) في اليمين على مدّعي القتل «وحكم في دمائكم
أنّ البيّنة على المدّعى عليه واليمين على من أدّعى لئلاّ يبطل دم امرء مسلم»[1536]
.
وبما ذكرناه من تماميّة الوجه الثاني يظهر الجواب عمّا استدلّ به للسقوط من
الاُصول ، فإنّه لامحلّ لها مع الدليل .