القسم الثاني : في قصاص ما دون النفس
(مسألة 1) : الموجب له هاهنا كالموجب في قتل النفس (1) . وهو الجناية العمديّة
مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت . فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد (2) ; قصد
الإتلاف به أو لا ، ولو جنى بما لايتلف به غالباً ، فهو عمد مع قصد الإتلاف ولو
رجاءً .
قصاص الطرف
(1) الدليل على الإيجاب للقصاص هاهنا الكتاب من عموم مثل قوله تعالى :
(وَجَزَاؤُاْ سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)[1619] ، و قوله تعالى :
(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيـوةٌ يَـا أُوْلِي الاَْلبَابِ)[1620]
إن لم يكن الألف واللام للعهد الذكري ، ومن خصوص قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ
قِصـاصٌ)[1621] وقوله : (وَالحُرُماتُ قِصـاصٌ)[1622] .
والسنّة من الأخبار الكثيرة المتواترة في خصوصيّات المسألة ومواردها الدالّة على
الفراغ من الأصل ، بل لك أن تقول : الدليل عليه ضرورة الفقه الإسلامي.
(2) لملازمة القصد بالجناية المتلفة للعضو غالباً مع قصد الإتلاف ارتكازاً .
(مسألة 2) : يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس ; من
التساوي في الإسلام والحرّيّة وانتفاء الاُبوّة وكون الجاني عاقلاً بالغاً ،
فلايقتصّ في الطرف لمن لايقتصّ له في النفس (3) .
ولك أن تقول : القصد إلى الجناية كذلك أمارة عرفيّة على قصد الإتلاف .
هذا مع أنّ الظاهر عدم الاحتياج إلى الاستدلال بالملازمة أو الأخبار كما فعله
الأخيار ; لكفاية آية القصاص في ذلك ، فإنّ القصاص المتابعة والمقابلة بالمثل ،
فقصاص الجاني بالآلة القتّالة وما به يقتل غالباً من حيث المكان أو الزمان أو
الخصوصيات الاُخرى الجناية عليه بمثل تلك الآلة الملازم لقتله ، ولعلّ ما في
الأخبار ناظر إلى ذلك الوجه ، لا التعبّد أو مسألة الملازمة والقصد إلى القتل
ارتكازاً ، فتدبّر جيّداً فإنّه وجه جيّد دقيق .
فيما يشترط في قصاص الطرف
(3) قد مرّ في قصاص النفس عدم شرطيّة الإسلام فيه ، فكذلك الأمر في قصاص الطرف ;
قضاءً لعموم قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصـاصٌ)[1623] ، وقوله :
(وَالحُرُمـاتُ قِصـاصٌ)[1624] ولما مرّ من إباء مثل هذه الألسنة عن
التخصيص .
وأ مّا انتفاء الاُبوّة فليست شرطاً في المقام ; لعدم الدليل عليه لا من النصّ
ولا غيره ، وإلغاء الخصوصيّة من القتل إلى القطع كما ترى ، ولم أجدها مذكورة في مثل
«الشرائع» المعدّ لتنظيم الأبواب والشرائط والموانع فضلاً عن غيره ، والمتن متفرّد
بذكرها من الشرائط ، وهو أعلم بما ذكره وأفتى به وإن كان الحقّ عدم الاعتبار
والشرطيّة لها .
والدليل على اعتبار الكمال هنا هو الدليل على اعتباره في قصاص النفس ، والعمدة
فيه عدم صدق العمد المعتبر في القصاص مطلقاً في الصبي غير المميّز الذي يكون
كالمجنون في عدم العمد له ، فعمدهما كالعدم وكعمد الحيوان ، فكما لاجزاء في عمله
فكذا في عملهما .
وقد مرّ أنّ المراد من الصبي المقارن مع المجنون في كون عمدهما خطأ تحمّله
العاقلة غير المميّز منه ، بمناسبة الحكم والموضوع ووحدة السياق . فإنّ الدية على
العاقلة عقلاءً وعرفاً تكون مسبّبة من عدم ردعه ومنعه ، وهذا إنّما يتمّ في غير
المميّز كما كان تامّاً في المجنون ، وحمل الحكم فيهما على التعبّد والأخذ بإطلاق
الصبي كما ترى ، فإنّه مخالف للظاهر لتلك المناسبة العرفيّة أوّلاً .
وإثبات مثل ذلك التعبّد لمثل هذه من الرواية أو الروايتين أو الثلاث بل والزائد
عليها مالم تصل الروايات إلى بيان شائع رائج مشكل بل ممنوع ثانياً ، فإنّ الحكمة
مقتضية لبيان الشارع الحكيم مثل ذلك التعبّد ، بياناً رائجاً شائعاً واضح الدلالة
بحيث يكون البيان كافياً ووافياً ولا يشوبه الشكّ في إعماله التعبد سنداً ودلالة .
وبالجملة : بناء العقلاء على حجّيّة الخبر أو الخبرين وما زاد عليه في بيان مثل
التعبّد كذلك ممنوعة ، أو لا أقلّ من عدم كونها محرزة ، فتدبّر جيّداً في هذه
النكتة فإنّها نافعة لك في الفقة نفعاً كثيراً .
(مسألة 3) : لايشترط التساوي في الذكورة والاُنوثة ، فيقتصّ فيه للرجل من الرجل
ومن المرأة من غير أخذ الفضل . ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل ، لكن بعد ردّ
التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ (4) .