قصاص الطرف للرجل من الرجل ومن المرأة
(4) عدم شرطيّة التساوي في الذكورة والاُنوثة بمعنى القصاص للرجل من الرجل ومن
المرأة من دون أخذ الفضل ، لا إشكال ولا كلام ولا خلاف فيها بل إجماعي ; لعموم
الأدلّة من الكتاب والسنّة ، وهو الموافق مع الاُصول ، لما بين الجاني والمجنيّ
عليه من التساوي ، فإنّ الكلّ من أبناء البشر وأباهم آدم واُمّهم حوّاء ، ولا فضل
لأحد إلاّ بالتقوى ، الموجبة للفضل عند الله أيضاً لافي جهة الحقوق الإنسانيّة .
وإنّما الإشكال كما مرّ في ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث في القصاص للمرأة من
المرأة ومن الرجل ، فإنّه مخالف لتلك الاُصول والضوابط المشار إليها ، كما مرّ
تحقيقه في ذيل مسألة من مسائل الكتاب ، والاكتفاء في البحث هنا بما مرّ في السابق
وإن كان تامّاً ، لكن لما كانت المسألة مهمّة والحوالة لم تكن عن المحذور خالية،
والإعادة ليست بلافائدة ولا إفادة ، كان المناسب هو التعرّض لها هنا أيضاً .
فأقول مستعيناً بالله : إنّ ما في المتن هو المعروف ، بل ادّعى الشيخ في
«الخلاف» : «إجماع الفرقة عليه»[1625] ، ومستندهم الأخبار الواردة في
دية الأطراف ، إلاّ أ نّها مختلفة اللسان ومتعارضة البيان ، مع ما في أظهرها متناً
وأصحّها سنداً من الشذوذ ما يسقطه عن الحجّيّة من رأس ; وذلك لأنّ تلك الأخبار على
أربعة أنواع :
أ : الأخبار الخمسة التي تدلّ على المعروف بين الأصحاب ، وهو تساوي دية المرأة
مع دية الرجل إلى أن تبلغ الثلث ، فإذا بلغت الثلث ترجع إلى النصف :
أحدها : ـ وهو أصرح أخبار الباب ـ صحيح أبان بن تغلب ، قال : قلت لأبي
عبدالله(عليه السلام) : ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة ، كم فيها ؟ قال
: «عشرة من الإبل» ، قلت : قطع اثنتين ؟ قال : «عشرون» ، قلت : قطع ثلاثاً ؟ قال :
«ثلاثون» ، قلت : قطع أربعاً ؟ قال : «عشرون» ، قلت : سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون
عليه ثلاثون ، ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟ ! إنّ هذا كان يبلغنا ونحـن بالعراق
فنبرأ ممّن قاله ونقول : الـذي جاء بـه شيطان ، فقال : «مهلاً يا أبان ، هذا حكم
رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا
بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست محق
الدين»[1626] .
ثانيها : مضمرة سماعة ، قال سألته عن جراحة النساء ، فقال : «الرجال والنساء فـي
الديـة سواء حتّى تبلغ الثلث ، فإذا جازت الثلث فإنّها مثل نصف ديـة الرجل»[1627]
.
ثالثها : صحيح جميل بن درّاج ، «قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المرأة
بينها وبين الرجل قصاص ؟ قال : «نعم في الجراحات حتّى تبلغ الثلث سواء ، فإذا بلغت
الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة»[1628] .
رابعها : خبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الجراحات ؟
فقال : «جراحة المرأة مثل جراحة الرجل حتّى تبلغ ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية
سواء أضعفت جراحة الرجل ضعفين على جراحة المرأة ، وسنّ الرجل وسنّ المرأة سواء . .
.» ، الحديث[1629] .
خامسها : صحيح الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) : «وإصبع المرأة بإصبع
الرجـل حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية
المرأة»[1630] .
ب : ما يدلّ على أنّ ديتهما إلى الثلث مساوية مع الآخر ، ومع التجاوز عنه صارت
دية جرح الرجل ثلثي الدية وجرح المرأة ثلثها مطلقاً ، وهو صحيح الحلبي قال : سئل
أبو عبدالله(عليه السلام) عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص سواء ؟ فقال
: «الرجال والنساء في القصاص السنّ بالسنّ ، والشجّة بالشجّة ، والإصبع بالإصبع
سواء حتّى تبلغ الجراحات ثلث الدية ، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات
ثلثي الدية ، ودية النساء ثلث الدية»[1631] .
ج : ما يدلّ على أنّ دية جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال ، وهو موثّق
أبي مريم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : «جراحات النساء على النصف من جراحات
الرجال في كلّ شيء»[1632] .
د : ما يدلّ على مساواة دية المرأة مع الرجل إلى أن تبلغ الدية ثلث دية المرأة ،
أي ثلث نصف الدية الكاملة ; بناءً على كون دية نفس المرأة نصف الدية .
وهو خبر ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل قطع إصبع
امرأة ، قال : «تقطع إصبعه حتّى تنتهي إلى ثلث المرأة ، فإذا جاز الثلث أضعف الرجل»[1633]
.
وفي هذه الأنواع الأربعة تعارض واختلاف من جهات متعدّدة : من أنّ التفاوت بين
دية جرح الرجل والمرأة فيما زاد على الثلث بالثلث ، فتكون في الرجل الثلثين وفي
المرأة الثلث والثلثين ، كما عليه النوع الثاني ، أو بالنصف كما عليه الأوّل .
ومن أنّ الثلث الذي فيه المساواة ثلث دية الرجل كما في الأوّل والثاني ، أو ثلث
دية المرأة كما في الرابع على ما مرّ بيانه .
ومن كون جراحات النساء على النصف مطلقاً حتّى فيما دون الثلث ، كما عليه الثالث
، مع ما في بقيّة الأنواع من التساوي فيما دون الثلث ، فالاختلاف بينها في جهات
ثلاث . وتوهّم عدم التعارض بين الثالث مع البقيّة ; لكونه أعمّ منها ، فإطلاقة
مقيّد بها .
مدفوع ، مضافاً إلى إباء لسانه عن التقييد والتخصيص ; لكونه في مقام بيان
الضابطة والقاعدة الكلية لحدّ التفاوت بينهما ، فتخصيصه كما ترى ، أنّ مضمونه فتوى
بعض العامّة مع ما لهم من الاختلاف في المسألة ، فلعلّه يكون نظر المعصوم ـ أي
الباقر(عليه السلام) ـ هو ذلك .
وأيضاً أنّ التقييد والتخصيص فيه مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو
ممنوع وغير جائز ، حيث إنّ ذلك الخبر ، أي خبر أبي مريم منقول عن الباقر(عليه
السلام) ، وأخبار الأنواع الثلاثة الباقية منقولة عن الصادق(عليه السلام) .
ومع التعارض لابدّ من التساقط ، وأدلّة التخيير على إطلاقها منصرفة عن مثل
الأخبار الكثيرة المتعارضة بالاختلاف في جهات ثلاث ، وإنّما تكون منصرفة إلى خبرين
أو ثلاثة مثلاً .
وتوهّم الترجيح للنوع الأوّل بالشهرة مدفوع ; لعدم الشهرة القويّة الواضحة
الظاهرة أوّلاً ، كيف مع أنّ ادّعاء الإجماع على القول المعروف ليس إلاّ في
«الخلاف»[1634] و «الغنية»[1635] ، دون غيرهما من الكتب
المنقول فيها الإجماع كثيراً ، فضلاً عن غيرها .
ففي «الجواهر» في الاستدلال على ذلك القول ما هذا لفظه : «للنصوص المستفيضة
المعتضدة بعمل الأصحاب من غير خلاف محقّق أجده فيه ، بل عن «الخلاف» الإجماع عليه»[1636]
.
وبعدم كونها كاشفة عن الشهرة بين أصحاب الحديث في زمان الباقرين(عليهما السلام)
ومن بعدهما عن الأئمّة المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ثانياً ، حيث إنّ
الطريق المتعارف في فهم فتواهم منحصرٌ بأخبارهم ; لأ نّهم كانوا يفتون بمضمون الخبر
بنقله ، والفرض أنّ الأخبار مختلفة ، فالظاهر أنّ مضمون كلّ واحد من الأحاديث فتوى
ناقله ، ومن المعلوم أنّ الشهرة المرجّحة هي الشهرة العمليّة بين أصحاب الحديث
وبعده ، فإنّها التي توجب صحّة المشهورة ونفي الريب فيها وفي بطلان غير المشهورة .
وبعدم كونها مرجّحة على تسليم تحقّقها ثالثة ; لاحتمال عدم كون البقيّة من
الأخبار بمرأى منهم ، فلعلّها لم يكن عندهم إلاّ النوع الأوّل ، فعدم فتواهم
بالبقيّة ليس بكاشف عن الإعراض ، كما لايخفى .
لا يقال : الترجيح بالشهرة وإن لم يكن تامّاً لما ذكر ، لكنّ الترجيح بالأكثريّة
والأصحيّة والأظهريّة مع النوع الأوّل أيضاً ، فلابدّ من الذهاب إلى القول المعروف
.
لأ نّه يقال : الترجيح بتلك المرجّحات غير المنصوصة إنّما يكون من جهة التعيين
في الدوران بين التعيين والتخيير ، والدوران في مثل أخبار المسألة بين ثلاثة بإضافة
التساقط إليهما ; لانصراف أخبار التخيير عن مثلها ، كما مرّ ، فتدبّر جيّداً حتّى
لا تغترّ بالترجيح بتلك المرجّحات بها ; قضاءً لأصل التعيين في الدوران بينه وبين
التخيير .
هذا كلّه مع ما في صحيحة أبان ـ العمدة في النوع الأوّل ـ من حيث الدلاله فإنّها
أظهر أخباره ، ومن حيث السند فإنّها الأصحّ منها ، إن لم يكن من جميع أخبار الباب
ما لايخفى من المحاذير المتعددّة الموجبة للخلل في المتن الموجب لعدم الحجيّة ،
لعدم بناء العقلاء على مثل الصحيحة ممّا فيها من تلك المحاذير :
أحدها : أنّ أبان ـ الناقل من الإمام(عليه السلام) ـ من أصحاب الأئمّة الثلاثة :
أبي محمّد زين العابدين ، وأبي جعفر الباقر ، وأبي عبدالله الصادق (عليهم السلام) .
ولا كلام في وثاقته ، ولم يغمض أحد فيها وإن وقع الغمض على مثل عبدالرحمن بن
الحجّاج[1637] الواقع في سند الرواية .
قال الباقر(عليه السلام) له : «إجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ، فإنّي أحبّ أن
يرى في شيعتي مثلك»[1638] .
وفي هذا شهادة على أنّ فقاهته وورعه وعرفانه الحلال والحرام بالغة إلى مرتبة
عالية ، إلى مرتبة موجبة لحبّ الإمام المعصوم(عليه السلام) جلوسه في المدينة
للإفتاء وبيان الأحكام الشرعيّة . ونقل أ نّه إذا ورد مسجد الرسول يكرمونه بالجلوس
على اسطوانته ، وقال : «وكان أبان إذا قدم المدينة تفوّضت إليه الحلق وأخليت له
سارية النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)»[1639] .
ومع ماله من تلك الموجبات للفضيلة والكرامة والأدب ، فهل يجوّز أحد أن يتكلّم هو
مع إمامه(عليه السلام) ـ بعد ما أجاب به(عليه السلام) سؤاله عن دية قطع أصبع المرأة
وبيّن أحكامه ـ بما نقل عنه من قوله : (قلت : سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه
ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ، إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق نبرأ ممّن
قاله ونقول : الذي جاء به شيطان) فإنّ في هذه الجمل ـ وإن كانت صادرة ممّن هو دون
أبان فضلاً عن مثله ـ مخالفة للأدب والاحترام اللازم مراعاته في شأن غير
المعصوم(عليه السلام) من العلماء بل ومن العالم ببعض المسائل ، فكيف يحتمل صدورها
منه ؟ ! ففي هذه المخالفة في أدب المكالمة شهادة على الخلل في الحديث .
وتوهّم : أنّ تلك الجمل منه تكون لبيان تسليمه في مقابل حكم الإمام المعصوم(عليه
السلام) ، بأنّ ما ذكره(عليه السلام) وإن كان حين بلوغه إلينا العراق كنّا ننسبه
إلى الشيطان وكنّا نتبرّأ منه ، لكنّا الآن نقول : إنّه من الحقّ ومن الله تعالى ;
لكونه حكماً منك عليك السلام .
مدفوع : بأنّ ذلك مناف ومباين ومضادّ جدّاً مع قوله(عليه السلام) له : «مهلاً يا
أبان ، هذا حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)» ، ومع قوله(عليه السلام)
«ياأبان إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست محق الدين» ، فإنّ ذلك الكلام منه
لو كان من جهة التسليم لحكمه(عليه السلام)لم يبق لأمره بالمهلة ولكونه مؤاخذاً
للإمام(عليه السلام) بالقياس محل أصلاً كما لايخفى .
ثانيها : استدلاله(عليه السلام) لإثبات مدّعاه بقوله : «مهلاً يا أبان (انّ خ)
هذا حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ المرأة تعاقل الرجل . . .» ، غير
مناسب بل غير صحيح مع مثل أبان الذي اعتبره جمع من العامّة مع توثيقه بكونه مغالياً
في التشيّع ، ومع ما عن الصادق(عليه السلام) أ نّه لما أتاه نعيه قال : «أما والله
لقد أوجع قلبي موت أبان»[1640] .
ومع غير ذلك ممّا ورد في حقّه كثيراً ممّا يدلّ على كونه عظيم المنزلة في
أصحابنا ، وكونه شيعيّاً خالصاً مسلّماً للأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين كمال
التسليم ; وذلك لأنّ الاستدلال كذلك إنّما يكون مناسباً مع من لايراهم أئمّة
معصومين (عليهم السلام) الذين علّم الله الناس معالم دينهم ، فلابدّ لهم (عليهم
السلام) لإثبات كون أحكامهم إلهيّة من النسبة والنقل عن الرسول الذي هو موضع قبول
كلّ المسلمين من الفرق المختلفـة ، وإلاّ فمثل أبان ممّن يقبل حكمهم وقولهم كقبول
حكم الرسول وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) لهم ، فلا احتياج لهم (عليهم السلام) في
إثبات ما يحكمون به إلى النقل عنه ، بل يكون النقل كذلك معه غير صحيح ، لما فيه من
الإشعار بعدم تشيّعه ، وهو كما ترى .
ثالثها : ما فيه من نسبته(عليه السلام) بأخذه الإمام بالقياس بقوله : «يا أبان
إنّك أخذتني بالقياس» ، فإنّ المستفاد من ذلك جهله ببطلان القياس ، وإلاّ فمع علمه
ببطلان القياس لم يكن يأخذ الإمام ولم يكن يستدلّ عليه به محاجّة ; لأنّ الاستدلال
والمحاجة وأخذ الخصم بما يكون باطلاً عنده وعند الخصم ـ أي الإمام(عليه السلام) ـ
خارج عن طريق المناظرة والمحاجّة ، ويكون كلام المحاجّ كذلك غير محتاج إلى الجواب .
وتوهّم جهله ببطلانه كما ترى ، فإنّه ممّن يحبّ الباقر(عليه السلام) جلوسه في
مسجد المدينة وإفتاءه الناس ، ففي الحديث : قال له أبو جعفر(عليه السلام) : «إجلس
في مسجد المدينة وأفت الناس ، فأ نّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك»[1641]
، فكيف يعقل جهله ببطلان القياس الذي يعرف الشيعة به مع ماله من ذلك المقام
والفضيلة ، ومع كونه من أصحاب السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام) ؟ !
رابعها : الحكم بأربعين في قطع الأربع الذي كان مورداً لنظر أبان واستشكل في
خلافه ، ليس بقياس ، بل استفاده من الدليل بتنقيح المناط والفهم العرفي ، حيث إنّ
الخسارة كلّما كثرت والقطع والجرح على الإنسان كلّما زاد ، فلابدّ من الزيادة في
الجبران بالمثل أو القيمة في غير الجرح والقطع ، وبالدية والأرش فيهما ، ومن
المعلوم بناء الفقه على فهم العرف وإلغائه الخصوصيّة وتنقيحه المناط ولا ارتباط لها
بالقياس أصلاً ، والمورد من أظهر موارد تلك السيرة .
والقياس الباطل عبارة عن إسراء حكم من موضوع إلى موضوع ; استناداً إلى
الاستحسانات والاعتبارات العقليّة غير المستندة إلى الأدلّة الأربعة ، وفي الحقيقة
القياس الباطل عبارة عن إسراء الحكم استناداً إلى الاحتمالات الناشئة عن غير الكتاب
والسنّة وكلمات المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وأ نّى ذلك مع ما استشكل لأبان
ممّا كان مستنداً إلى الفهم العرفي من الدليل المسمّى مثله بالفحوى وتنقيح المناط ،
فتدبّر جيّداً .
خامسها : أنّ المناسب مع سيرة الأئمّة (عليهم السلام) وما في الكتاب والسنّة ،
إقناع السائل بالجواب عنه بما يجعل الثقيل والصعب التعبّدي عنده خفيفاً وسهلاً له ،
لا الجواب بتعبّد آخر .
فانظر الكتاب من آيات الصوم والصلاة والحجّ والزكاة ، وغيرها ممّا فيه الجهات
المقربّة الموجبة لإقناع المسلمين بل الناس جميعاً ، مع أ نّها من العبادات الخالصة
التوقيفيّة ، فكيف بمثل الباب من أبواب الضمانات والقواعد العقلائيّة ؟ !
ثمّ إنّ إحراز بناء العقلاء على العمل بمثل هذه الصحيحة ـ مع مالها من المحاذير
الخمسة في متنها الموجبة للظنّ بل الاطمينان والعلم العادي بوجود الخلل فيه ـ إن لم
يكن محالاً عادياً ، فلا أقلّ من كونه دون خرط القتاد ، فالاعتماد عليها ، لاسيّما
في إثبات مثل ما فيه من الحكم التعبّدي المخالف للقواعد العقلائيّة والشرعيّة بل
للعقل ، مشكل بل ممنوع .
(مسألة 4) : يشترط في المقام ـ زائداً على ما تقدّم ـ التساوي في السلامة من
الشلل ونحوه ـ على ما يجيء ـ أو كون المقتصّ منه أخفض ، والتساوي في الأصالة
والزيادة ، وكذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه ، فلا تقطع اليد الصحيحة ـ مثلا
ـ بالشلاّء ولو بذلها الجاني ، وتقطع الشلاّء بالصحيحة . نعم لو حكم أهل الخبرة
بالسراية ـ بل خيف منها ـ يعدل إلى الدية (5) .
ولنختم البحث عنها بما ذكره المقدّس الأردبيلي في «المجمع» بالنسبة إلى أصل
المسألة فإنّه حسن ختام ، حيث قال : «وبالجملة ، الحكم مخالف للقواعد كما عرفته ،
وفي دليله أيضاً بعض المناقشات مع المخالفة في الجملة ، وهو مشكل»[1642]
.