حكم تفاوت العضو في الجاني والمجنيّ عليه
(23) تفاوت العضوين بالعدد قد يكون بالنقصان في طرف الجاني ، وقد يكون بالنقصان
في طرف المجنيّ عليه .
فإن كان في طرف الجاني ، كما لو كانت يده ناقصة بإصبع وقد قطع يداً كاملة ، فإن
أخذ المجنيّ عليه دية اليد أخذها كاملة .
وإن اختار القصاص فلا إشكال في جواز قطعه لليد الناقصة ; لأ نّها حقّه فما دون .
وهل يأخذ دية الإصبع الناقصة؟
قولان للشيخ : ففي موضع من «المبسوط»[1762] في أوّل فصل الشجاج وفي«الخلاف»[1763] : لا تجزئ اليد الناقصة ، بل يأخذ دية الإصبع ، محتجّاً
في «الخلاف» بالإجماع ، وبقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)[1764] ، والمثل إمّا من طريق
الصورة الجلية ، وهو هنا متعذّر ، أو من طريق القيمة فيجب ، وإلاّ لم تتحقّق
المماثلة .
وفي موضع آخر من «المبسوط»[1765] في الفصل المذكور بعد ذلك بنحو
أربع صفحات اختار الإجزاء إن كان ذلك خلقة أو بآفة من الله تعالى ، أ مّا لو أخذ
ديتها أو استحقّها لم يجز ، نظراً إلى أ نّه لما لم يكن سبباً في النقصان ولم يأخذ
عوض الناقص لم يكن مضموناً ، ولأ نّه كالقاتل ويده أو يد مقتوله ذاهبة ، فإنّه قد
قيل فيهما هذا التفصيل .
والأقوى الأوّل ; للقاعدة المشهورة من أنّ كلّ عضو يقاد تؤخذ الدية مع فقده ،
حتّى لو قطع مقطوع اليدين يدين اُخذت ديتهما ، وليس ذلك كالنفس ، وعدم أخـذه الدية
عند فقدها إنّما يكون من جهة القصاص في النفس و (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)[1766]
.
ووجود اليد وبقيّة الأعضاء وعدمه لادخالة له في صدق القصاص فيها ، كما هو الظاهر
الواضح غير المحتاج إلى البيان ، وذلك بخلاف المقام ، فإنّ الجاني هنا قد قطع منه
إصبعاً لم يستوف قصاصها فيكون له ديتها ; لقوله(عليه السلام) : «في كلّ إصبع عشر من
الإبل»[1767] ، وتلك الإصبع لو كانت لكان له استيفاؤها ، فإذا لم يوجد
استوفى بدلها ، كما لو قطع إصبعين وليست له إلاّ واحدة ، ويلزم على التفصيل لو قطع
يداً ولا يد له خلقة أن لايكون عليه شيء ، وهو بعيد .
ولو كان في يد المجنيّ عليه كما لو قطع الصحيح الناقص ، عكس ما تقدّم ، ففيه
وجوه : من أنّ للمجنيّ عليه قطع يد الجاني بعد أداء ما يقصّ منه ، قضاءً للقصاص
الثابت في الجروح مطلقاً ، (وَالْجرُوحَ قِصَاصٌ)[1768]
فإنّه المقابلة بالمثل المستحقّة في أمثال الموارد بالجمع بين القطع وردّ ما به
التفاوت ، كما أنّ على المجنيّ عليه القطع مع أخذه التفاوت ، قضاءً لتحقّق القصاص ،
كما مرّ . لا فرق بينهما في ذلك ، كما لايخفى .
ومن عدم القصاص وأنّ على الجاني الدية ; لكونه موجباً للزيادة ، ومن قطع الأصابع
التي قطعها لكونه قصاصاً في الأصابع بلا زيادة ويؤخذ منه حكومة الكفّ ، وجوه ،
أقواها الأوّل .
وما في الثاني من لزوم الزيادة ففيه : أنّ السبب لها الجاني بنفسه ، وهو المقصّر
في القصاص كذلك ، وبذلك يظهر ما في الثالث ، والظاهر كون نظر المتن إلى المسألة
الثمانية عشر من مسائل الباب ، ونفى البعد فيها عن القصاص مع الدية ، فكان عليه
اختيار ذلك في هذه المسألة .
الثاني : لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه ; بحيث قطعت ثمّ اندملت ، ثبت القصاص
فيهما ، فتقطع كفّه من المفصل ، ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ، ولو قطع
معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع ، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب
بالمسافة ، ولو قطعها من المرفق فالقصاص وفي الزيادة ما مرّ ، وحكم الرجل حكم اليد
، ففي القطع من المفصل قصاص ، وفي الزيادة ما مرّ (24) .