سراية قطع الإصبع إلى الكفّ
(24) ثبوت القصاص فيهما في فرض سراية قطع الإصبع إلى كفّه بحيث قطعت واندملت ،
ممّا لاخلاف فيه معتدّ به ; لعموم الأدلّة بعد كون السراية من فعله ، بل عن
«المبسوط» : «والذي يقتضية مذهبنا»[1769] ، لكن عنه في موضع آخر ، أ نّه
أثبت في السراية الدية دون القصاص ، وهو واضح الفساد ، وأوضح منه فساداً ماعن أبي
حنيفة من أ نّه : «لا قصاص عليه أصلاً»[1770] .
وأ مّا قطع اليد من مفصل الكوع أو من المرفق قصاصاً فوجهه عموم أدلّة القصاص .
وأ مّا الحكومة أو الحساب بالمسافة في الزائد عن الكوع أو المرفق وعدم القصاص
فيهما ، فالظاهر أ نّه لعدم إمكان المماثلة في القصاص ، لما فيهما من العروق
والأعصاب .
الثالث : يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة ، فلا تقطع أصليّة بزائدة
ولو مع اتّحاد المحلّ ، ولا زائدة بأصليّة مع اختلاف المحلّ ، وتقطع الأصليّة
بالأصليّة مع اتّحاد المحلّ ، والزائدة بالزائدة كذلك ، وكذا الزائدة بالأصليّة مع
اتّحاد المحلّ وفقدان الأصليّة ، ولا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى
وبالعكس ، ولا الزائدة اليمنى بالأصليّة اليسرى ، وكذا العكس (25) .
الرابع : لو قطع كفّه فإن كان للجاني والمجنيّ عليه إصبعاً زائدة في محـلّ واحد
ـ كالإبهام الزائدة في يمينهما ـ وقطع اليمين من الكفّ ، اقتصّ منه ، ولو كانت
الزائدة في الجاني خاصّة ، فإن كانت خارجة عن الكفّ يقتصّ منه وتبقى الزائـدة ، وإن
كانت في سمت الأصابع منفصلـة ، فهل يقطع الكفّ ويؤتى دية الزائدة ، أو يقتصّ
الأصابع الخمس دون الزائـدة ودون الكفّ ، وفـي الكفّ الحكومة ؟ وجهان ، أقربهما
الثاني ، ولو كانت الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة فلـه القصاص فـي الكفّ ، وله ديـة
الإصبع الزائـدة ، وهي ثلث دية الأصليّة ،ولو صالح بالدية مطلقاً كان له دية الكفّ
ودية الزائدة ،
ثمّ لايخفى عليك جريان جميع ما ذكرناه في اليد في الرجل ، ضرورة كون القدم
كالكفّ ، والساق كالذراع ، والفخذ كالعضد ، والدرك كعظم الكتف .
(25) الوجه في شرطيّة التساوي في الأصالة والزيادة في القصاص عدم صدقه مع
الاختلاف فيهما ، فقطع اليد الزائدة بالأصلية مثلاً ليس قصاصاً ومتابعة للجاني في
قطعه ، ولا مقابلة معه بالمثل عرفاً . وما ذكره من الصور فكلّها بيان لموارد صدق
القصاص وعدمه ، كما لايخفى .
ولو كان للمجنيّ عليـه أربع أصابـع أصليّـة وخامسـة غير أصليّـة لم تقطـع يـد
الجانـي السالمـة ، وللمجنـيّ عليـه القصاص في أربع وديـة الخامسـة وأرش الكفّ (26)
.
(26) الصور المذكورة في هذا الفرع ستّ :
أحدها : قطع الكفّ مع تساوي الجاني والمجنيّ عليه في الإصبع الزائدة وفي محلّها
، كالإبهام الزائدة في يمينهما مع كون قطع اليمين من الكفّ ، فلا إشكال ولا كلام في
القصاص ; لتحقّق شرائطه وعدم المانع فيه من التغرير أو الزيادة .
ثانيها : كون الزيادة في الجاني فقط مع فرض خروجها عن الكفّ ، والقصاص في هـذه
الصورة وبقاء الزائـدة في محلّها واضحة أيضاً ، يعني ما مـرّ فـي السابقة .
ثالثها : مثل الثاني لكن مع الفرق بكون الزائدة في سمت الأصابع منفصلة ، ففيه
وجهان : من قطع الكفّ قصاصاً مع ردّ الدية الزائدة على الجاني ، جمعاً بين الحقّين
وقضاءً لصدق القصاص والمماثلة عرفاً ، كما مرّ نظيره في بعض الفروع السابقة . ومن
قطع الأصابع الخمس الأصلية دون الزائدة ودون الكفّ ; لما في قطع الكفّ من التعزير
بالزائدة ، وفيه الحكومة ، قضاءً لقاعدة الرجوع إلى القيمة والأرش والدية مع تعذّر
القطع ، وأقرب الوجهين الثاني .
رابعها : ما لو كانت الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة ، فمن المعلوم أنّ له القصاص
في الكفّ مع أخذه دية الإصبع الزائدة .
خامسها : ما لو صالح المجنيّ عليه على الزائـدة بالديـة ، فله ديـة الكفّ وديـة
الزائدة .
الخامس : لو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى ، فإن طالب صاحب العليا
يقتصّ منه ، وللآخر اقتصاص الوسطى ، وإن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقاً على صاحب
العليا ، اُخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب
الوسطى ، وإن عفا أو أخذ الدية ، فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا ، أو
ليس له القصاص بل لابدّ من الدية ؟ وجهان ، أوجههما الثاني . ولو بادر صاحب الوسطى
وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء ، وعليه دية الزائدة على حقّه ، وعلى الجاني دية
اُنملة صاحب العليا (27) .
سادسها : ما لو كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية لم تقطع يد
الجاني السالمة ; لعدم المساواة في الأصالة والزيادة ، نعم للمجنيّ عليه القصاص في
أربع ودية الخامسة وأرش الكفّ ، ووجهه ظاهر .
(27) ما في المسألة من الفروع مطابق مع القواعد وما فيها ، فيما لو عفا صاحب
العليا أو أخـذ الديـة من الوجهين ، مـن أ نّـه هل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية
العليا ; قضاءً للقصاص والجمع بين الحقّين ، أو ليس له القصاص بل له أخذ الدية
;لكون القصاص تغريراً على الجاني بالنسبـة إلى الأنملـة العليا وزيادة على جنايته ؟
فأقربهما الثاني ; لكون الجاني سبباً لتغريره ، وهو المنشأ والمقصّر في ذلك ، نعم
يؤدّي إليه دية الأنملة الأعلى لئلاّ يقع الظلم عليه ولئلاّ تتحقّق الزيادة .
السادس : لو قطع يميناً ـ مثلاً ـ فبذل شمالاً للقصاص ، فقطعها المجنيّ عليه من
غير علم بأ نّها الشمال ، فهل يسقط القود ، أو يكون القصاص في اليمنى باقياً ؟
الأقوى هو الثاني . ولو خيف من السراية يؤخّر القصاص حتّى يندمل اليسار ، ولادية لو
بذل الجاني عالماً بالحكم والموضوع عامداً ، بل لايبعد عدمها مع البذل جاهلاً
بالموضوع أو الحكم . ولو قطعها المجنيّ عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل
الجاني ، بل عليه القود . وأ مّا مع علمه وبذله فلا شبهة في الإثم ، لكن في القود
والدية إشكال .
السابع : لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى ـ مثلاً ـ ثمّ اليد اليمنى من آخر اقتصّ
للأوّل ، فيقطع إصبعه ثمّ يقطع يده للآخر ، ورجع الثاني بدية إصبع على الجانـي .
ولو قطـع اليد اليمنى مـن شخص ، ثمّ قطع إصبعاً مـن اليد اليمنى لآخر ، اقتصّ
للأوّل ، فيقطع يده ، وعليه دية إصبع الآخر (28) .
الثامن : إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال ، فإن اندملت فلا قصاص في
عمده ، ولا دية في خطئه وشبه عمده ، ولو قال : «عفوت عن الجناية فكذلك» ، ولو قال
في مورد العمد : «عفوت عن الدية» لا أثر له ، ولو قال : «عفوت عن القصاص» سقط
القصاص ولم يثبت الدية ، وليس له مطالبتها ، ولو قال : «عفوت عن القطع أو عن
الجناية» ، ثمّ سرت إلى الكفّ خاصّة سقط القصاص في الإصبع ، وهل له القصاص في الكفّ
مع ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها ، أو لابدّ من الرجوع إلى دية الكفّ ؟ الأشبه
الثاني ، مع أ نّه أحوط ، ولو قال :
(28) ما فيهما من الأحكام ظاهرة غير محتاجة إلى البحث والنقض والإبرام في
أدلّتها ، فتدبّر جيّداً .
«عفوت عن القصاص» ثمّ سرت إلى النفس ، فللوليّ القصاص في النفس . وهل عليه ردّ
دية الإصبع المعفوّ عنها ؟ فيه إشكال ، بل منع ; وإن كان أحوط ، ولو قال : «عفوت عن
الجناية» ثمّ سرت إلى النفس فكذلك ، ولو قال : «عفوت عنها وعن سرايتها» فلا شبهة في
صحّته فيما كان ثابتاً ، وأ مّا فيما لم يثبت ففيه خلاف ، والأوجه صحّته (29) .