السراية في الجناية العمديّة
(24) ما في المسألة هو الموافق للاُصول والقواعد ، ولا إشكال ولا كلام في القود
وكونه عمداً فيما كانت الجناية مسريّة غالباً أو قصد بها الموت ، وإنّما الإشكال
كما ـ في المتن ـ في الصورة الثالثة ، ففي «اللثام» : «لو سرت جناية العمد على طرف
إلى النفس ثبت القصاص في النفس اتفاقاً كما هو الظاهر ، وإطلاقهم يشمل كلّ جراحة
قصد بها القتل أم لا ، كانت ممّا يسري غالباً أو لا ، فلو قطع إصبعه عمداً لا بقصد
القتل فسرت إلى نفسه قُتل الجارح ، ولكن فيه نظر»[149] .
وفي «المسالك» : «قوله : السراية عن جناية العمد . . . إلى آخره ، ظاهره عدم
الفرق في إيجاب السراية القصاص ـ إذا كان أصل الجناية عمداً ـ بين كونها ممّا
يوجبها غالباً أو يوجب القتل كذلك وعدمه ، ولا بين أن يقصد بذلك القتل وعدمه ،
وبهذا المفهوم صرّح العلاّمة في «القواعد»[150]
و «التحرير»[151] ، وتمشية هذا الإطلاق على قاعدة العمد السابقة لا يخلو
من إشكال»[152] .
ووجه الإشكال ظاهر ; لعدم القصد إلى القتل ولا غلبة الجناية في السراية أو القتل
، بل وليس المقتول كذلك مظلوماً ، فكيف القود والقصاص ؟ ! نعم ، ثبوت الدية ـ كما
في المتن ـ لكون الجاني ضامناً للجرح ابتداءً وسرايةً والموت منتسب إليه وإلى جرحه
هو الأقرب .
نعم ، على القول بالقود في الموت بما يقتل به نادراً من دون قصد القتل على ما
مرّ في تفصيل الأقسام للعمد في المسألة الاُولى ، لابدّ من القول بالقود هنا أيضاً
فإنّه من موارده وأفراده .
وعليه : فالإطلاق في مثل «الشرائع»[153] في المسألة موجّه ، لكنّ
الشأن في تماميّة ذلك المبنى ، وقد عرفتَ عدم التماميّة ، وأنّ الأشهر بل المشهور أ
نّه ليس بعمد ، بل عن «الغنية»[154]
الإجماع عليه .
وفي «الجواهر» بعد نقل ما مرّ عن عبارة «المسالك» قال : «قلت : قد مضى ما يستفاد
منه ذلك وإن كان الإنصاف عدم خلوّه عن النظر أيضاً»[155] . فما مضى منه
هو ما ذكره وجهاً للقصاص وتحقّق العمد مع عدم القصد إلى القتل وعدم الغلبة للآلة
فيه بقوله : «ولولا ذلك لكان المتّجه فيه القصاص ; لصدق القتل عمداً» ونظره فيه
راجع إلى ما ذكره (رحمه الله) بأنّ «العمدة في تنزيل إطلاق النصوص المزبورة على ذلك
الشهرة المحقّقة والمحكيّه والإجماع المحكي ، ولولا ذلك لكان المتجه فيه القصاص ;
لصدق القتل عمداً على معنى حصوله على جهة القصد إلى الفعل عدواناً الذي حصل به
القتل وإن كان ممّا يقتل نادراً ، إذ ليس في شيء من الأدلّة العمد إلى القتل ، بل
ولا العرف يساعد عليه ، فإنّه لاريب في صدق القتل عمداً على من ضرب رجلاً عادياً
غير قاصد للقتل أو قاصداً عدمه فاتفق ترتّب القتل على ضربه العادي منه المتعمد له»[156]
.
(مسألة 16) : لو قدّم له طعاماً مسموماً بما يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به ،
فلو لم يعلم الحال فأكل ومات ، فعليه القود ، ولا أثر لمباشرة المجني عليه ، وكذا
الحال لو كان المجني عليه غير مميّز ; سواء خلطه بطعام نفسه وقدّم إليه أو أهداه أو
خلطه بطعام الآكل (25) .
(مسألة 17) : لو قدّم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً ،
فأكل متعمّداً وعن اختيار ، فلا قود ولا دية ، ولو قال كذباً : «إنّ فيه سمّاً غير
قاتل وفيه علاج لكذا» فأكله فمات ، فعليه القود ، ولو قال : «فيه سمّ» وأطلق فأكله
، فلا قود ولا دية .
(مسألة 18) : لو قدّم إليه طعاماً فيه سمّ غير قاتل غالباً ، فإن قصد قتله ـ ولو
رجاء ـ فهو عمد لو جهل الآكل ، ولو لم يقصد القتل فلا قود .
(مسألة 19) : لو قدم إليه المسموم بتخيّل أ نّه مهدور الدم فبان الخلاف ، لم يكن
قتل عمد ولا قود فيه .
(مسألة 20) : لوجعل السمّ في طعام صاحب المنزل ، فأكله صاحب المنزل من غير علم
به فمات ، فعليه القود لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل . وأ مّا لو جعله بقصد قتل
كلب ـ مثلاً ـ فأكله صاحب المنزل فلا قود ، بل الظاهر أ نّه لا دية أيضاً ، ولو علم
أنّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنّ عليه القود .