الاختلاف في القتل بالجعل أو التقديم
ثالثها : إن حصل الاختلاف بين الجاعل أو المقدّم مع وليّ الدم في الجنس أو
المقدار فالقول قوله ، وعلى الوليّ البيّنة ; لأ نّه المدّعي ويكون قوله مخالفاً
لأصالة البراءة عن القصاص والدية ، فإن قامت وثبت أ نّه ممّا يقتل به غالباً فادّعى
الجهل بأ نّه كذلك ففي «التحرير» : «احتمل القود ; لأنّ السمّ من جنس ما يقتل
غالباً فأشبه ما لو جرحه وقال : لم أعلم أ نّه يموت منه ، وعدمه لجواز خفائه ، وكان
شبهةً في سقوط القود ، فتجب الدية»[165] .
وأقوى الاحتمالين وفاقاً لـ «اللثام» هو الثاني ; أي عدمه ، لكن بشرط كون جواز
الخفاء على حدّ الشبهة الموجبة للاحتياط والتخفيف ، كما هو الظاهر من عبارة
«التحرير» أيضاً ; لما فيها من عطف (كان) بالواو لا بالفاء . فإنّ محض جواز الخفاء
له أعمّ من تلك الشبهة ، فمن المعلوم عدم اعتناء العقلاء ، بل لعلّ بناؤهم على عدمه
فيما كان جواز الخفاء والشبهة ضعيفاً في حقّه جدّاً من جهة الشخص أو الزمان أو
المكان ، أو غير ذلك من الجهات .
وبالجملة : لابدّ من كون الاحتمال عقلائيّاً لا عقليّاً .
وما في «اللثام» من اشتراطه الأقوائيّة بما إذا حصلت الشبهة ، حيث قال بعد نقل
عبارة «التحرير» : «والأقوى الثاني إذا حصلت الشبهة»[166] ، إنّما يكون
لما في عبارته المنقولة من عطف «كان» بالفاء ، فإنّ الاشتراط في أقوائيّة الثاني من
الاحتمالين في عبارته لازم معه . نعم مع الواو كما فيما عندنا من نسخة «التحرير»
فالاشتراط غير لازم ، فتدبّر جيّداً .
وما في «الجواهـر» من الاعتراض عليه بقولـه : «قلت : قـد يقال : إنّ الأقوى
الأوّل بعـد فرض ثبوت العمد إلى القتل منـه ; لعموم (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)وصدق
القتل عمداً وغير ذلك»[167] .
ففيه : إن كان مراده أنّ ذلك الفرض محلّ البحث فهو كما ترى ; لأ نّه غيره ، وإن
كان مراده كون محل البحث مثله ، ففيه : أ نّه أوّل الكلام .