شكّ السبب في السمّية
مسألة : إن كـان السبب ـ أي مثل المستأجـر وصاحب العمل ـ شاكاً ومـردّداً في
السمّيـة فضمانـه بالديـه ممّا لا ينبغي الإشكال فيـه ; لأقوائيّـة السبب على
المباشر .
وأ مّا الضمان بالقصاص فمحلّ إشكال من قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً(مسألة 22) : لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها ، ودعا غيره ـ الذي
جهلها ـ بوجه يسقط فيها بمجيئه ، فجاء فسقط ومات ، فعليه القود (27) . ولو كانت
البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها ، فذهب الجائي على غير الطريق فوقع
فيها ، لا قود ولا دية (28) .
فَقَدْ جَعَلْنـا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)[170]
فهذا مقتول بظلم السبب باعتبار عدم إعلامه الاحتمال والترديد في السمّية ممّا يحتمل
كونه داعياً لترك المباشر العمل والمباشرة ، ومن عدم قصد القتل وعدم إحراز
القابليّة في الوسيلة والآلة .
والحقّ التفصيل بأ نّه مع إحراز ترك المباشرة لو أخبره السبب بالاحتمال ، بحيث
كان الاحتمال له موجباً للترك وعدم المباشرة ، فعلى السبب القود ; لأنّ عدم الإعلام
من جانب السبب هو المنشأ ، فالمباشرة ضعيفة بهذا المقدار من الغرور .
وكيف لا يكون أقوى من المباشر مع أنّ في تركه الإعلام تمام الدخل على المفروض ،
كما أنّ مع إحراز عدم التأثير للإعلام على تحقّقه ، وأنّ العامل ـ أي المباشر ـ لم
يكن يترك ذلك المحلّ ولم يكن معتنياً بذلك الاحتمال لضعفه عنده أو لجهة اُخرى ، فلا
قود على السبب ; لعدم الأقوائيّة وعدم الغرور أصلاً .
وبذلك يظهر عدم القود مع عدم إحراز شيء من التقديرين .
(27) لأقوائيّة السبب وضعف المباشرة بالجهل والغرور .
(28) لعدم نسبـة القتل إلى الـداعي ، وعـدم دخالتـه فيه عرفـاً لا سبباً ولا
مباشرة ، فالداعي بما أ نّه أجنبيٌّ عن النسبة فأجنبيّ عن الضمان أيضاً . لكن (مسألة 23) : لوجرحه فداوى نفسه بدواء سمّي مجهز ـ بحيث يستند القتل
إليه لا إلى الجرح ـ لا قود في النفس ، وفي الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه ، وإلاّ
فأرش الجناية ، ولو لم يكن مجهزاً لكن اتّفق القتل به وبالجرح معاً ، سقط ما قابل
فعل المجروح ، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته (29) .
لا يخفى أنّ عدم الضمان على الداعي في هذا الفرع إنّما هو بما هو داع على ذلك
الوجه ، وإلاّ فبالنسبة إلى الحافر فضمانه دائر مدار عدم الإنذار والحذر اللازم
المتعارف ، فإنّ مع الإنذار أقوائيّة السبب منتفية : «وقد أعذر من حذر»[171]
.
ولا فرق في ضمان الحافر وعدمه بين كونه هو الداعي أو غيره ، وبين كون الحفر
للحافر جائزاً أم حراماً من جهة أنّ المناط السببيّة والدخالة المرتفعة بالإنذار ،
فتدبّر جيّداً .