إكراه غير المميّز على القتل
الصورة الثانية : ما إذا كان المباشر المقهور على القتل غير مميّز كالطفل غير
المميّز أو المجنون ، فالقصاص على المكرِه المُلجئ بلا خلاف ولا إشكال ; لأ نّهما
بالنسبة إليه كالآلة في نسبة القتل ، والسبب أقوى من المباشر قطعاً ، لا لخصوص ما
اخترناه في أصل المسألة حتّى يقال مبنائي ، بل له ولعدم الإدراك والتمييز فيهما ،
ولذلك يكون القصاص على الآمر بذلك . هذا ، مع أنّ غير المميّز ليس بمكرَه ، بل يكون
مأموراً على المفروض .
وفي «اللثام» : «قال في «المبسوط»[249] : قالوا : أليس لو أمره بسرقة
فسرق لا قطع على السيّد ، هلاّ قلتم مثله هاهنا ؟ ! قلنا : الفصل بينهما من وجهين :
أحدهما : أنّ القود يجب بالقتل بالمباشرة وبالسبب ، فجاز أن يجب القود بالأمر ;
لأ نّه من الأسباب . وليس كذلك القطع في السرقة ، فإنّه لايجب إلاّ مباشرة ، ولا
يجب بالسبب ، فلهذا لم يكن هذا السبب ممّا يجب به القطع عليه .
والثاني : أنّ القود لما دخلت النيابة في استيفائه جاز أن يجب القود بالاستنابة
فيه»[250] .
وفي «الجواهر» : «ولا يرد عدم القطع على السيّد لو أمرهما بالسرقة ; لوضوح الفرق
بعدم صدق السرقة عليه بالأمر بخلاف صدق القتل الذي يحصل بالمباشرة والتسبيب»[251]
.
ولا يخفى عليك ما في هذه الأجوبة :
أ مّا ما في «المبسوط» من الوجهين ففي الأوّل منهما : أ نّه ليس بأزيد من
الادّعاء والمصادرة أوّلاً ، وعموميّة قاعدة الأقوائيّة ثانياً ، فإنّها قاعدة
عقلائيّة ممضاة شرعاً وليست بأزيد من النسبة الموجبة لترتّب الحكم على الفاعل ،
ولذلك نقول : الحقّ أنّ في السرقة القطع أيضاً كما سيأتي نقله من «المبسوط» .
وفي الثاني منهما فضعفه أظهر من أن يُبيّن ، فإنّ حاصله كون جواز النيابة في
القصاص من جانب الوليّ للدم موجباً لجواز النيابة في قصاص القاتل بقتل غير القاتل
وهو السبب ، وتلك النيابة للمسروق منه غير جائزة ، فكذلك في السارق . وأنت ترى
المباينة بين النيابتين والملازمة ، فإنّ إحدى النيابتين في استيفاء الحقّ والاُخرى
في التجاوز عن الحقّ ، فكيف الملازمة ؟ !
وبالجملة : هذا الاعتبار ممّا لا أصل له أوّلاً ، وليس بأزيد من الاعتبار على
الصحّة ثانياً .
وأ مّا ما في «الجواهر» فليس بأزيد من وجه الأوّل ، وفيه ما فيه فلا نعيده .
هذا . ولكنّ الذي يسهّل الأمر أنّ النقض بالسرقة وجوابه بما في «المبسوط»
بالوجهين كلّه عن العامّة كما في «المبسوط» ، وإلاّ فالخاصّة قائلون بأنّ العبد آلة
للسيّد كالسيف مطلقاً في قتل كان أو في سرقة ، ففي آخر كلامه (رحمه الله) : «هذا
فصل الفقهاء ، والذي رواه أصحابنا أنّ العبد آلته كالسيف والسكّين مطلقاً ، فلا
يحتاج إلى ما ذكروه»[252] .
ثمّ إنّه لا فرق في غير المميّز المقهور بين أن يكون حرّاً وعبداً للآمر أو
لغيره ; لأ نّه كالآلة على أيّ حال .