حكم الاشتراك في القتل
(68) بلا خلاف أجده في شيء من ذلك ، بل في «الجواهر» : «الإجماع بقسميه عليه»[324]
; لمعلوميّة كون شرع القصاص لحقن الدماء ، فلو لم يجب عند الاشتراك لاتّخذ ذريعةً
إلى سفكها .
والدليل على ما في المتن من الأحكام التي لا إشكال فيها ولا خلاف مضافاً إلى
قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) منضمّة إلى عموم أدلّة القصاص ، وإلى عدم الخلاف ، بل
والإجماع بقسميه كما مرّ ، وإلى الاعتبار والنصوص المستفيضة :
منها : موثّق فضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : عشرة قتلوا
رجلاً قال : «إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً وغرموا تسع ديات ، وإن شاؤوا تخيّروا
رجلاً فقتلوه وأدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عُشْر الدية كلّ رجل
منهم ، قال : ثمّ الوالي بعدُ يلي أدّبهم وحبسهم»[325] .
ومنها : صحيح الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في عشرة اشتركوا في قتل رجل
، قال : «يخيّر أهل المقتول فأ يّهم شاؤوا قتلوا ، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة
أعشار الدية»[326] .
وهو بانضمام صحيح داود بن سرحان[327] حجّة على كلّ المسألة ، كما
أنّ في صحيح داود وحده دلالة على الكلّ أيضاً كما لا يخفى .
ومنها : صحيح ابن مسكان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : «إذا قتل الرجلان
والثلاثة رجلاً ، فإن أرادوا قتلهم ترادّوا فضل الديات ، فإن قَبِل أولياؤه الدية
كانت عليهما ، وإلاّ أخذوا دية صاحبهم»[328] .
وهو أيضاً مثل صحيح داود في الدلالة .
ومنها : خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال : سألته عن
قوم مماليك اجتمعوا على قتل حر ما حالهم ؟ فقال : «يقتلون به» ، وسألته عن قوم
أحرار اجتمعوا على قتل مملوك ما حالهم ؟ فقال : «يردّون قيمته ]ثمنه[»[329]
.
ويعارض الأخبار ما في الصحيح عن أبي العباس البقباق وغيره عن أبي عبدالله(عليه
السلام) قال : «إذا اجتمع العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أ يّهم شاؤوا
، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَـلاَ يُسْرِفْ فِي
الْقَتْلِ)[330] ، وإذا قتل ثلاثةٌ واحداً خُيّر الوالي أيّ الثلاثة شاء
أن يقتل ويضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول»[331] .
وفي «الجواهر» : «ولكنّه شاذّ قاصر عن معارضة غيره من وجوه ، فليُحمل على الندب
أو التقيّة أو غيرهما»[332] .
وفي «الوسائل» : «أقول : حمله الشيخ على التقيّة ، أو على ما مرّ من التفصيل وهو
أنّ لهم قتل ما زاد على واحد إذا أدّوا ما بقي من الدية ، وإلاّ فلهم قتل واحد فقط
، ويحتمل الكراهة»[333] .
ولعلّ مراد «الجواهر» من «غيرهما» ما نقله في «الوسائل» عـن الشيخ مـن التفصيل ،
ولا يخفى أنّ الحمل كذلك مع أ نّه غير بعيد ; لكونه من باب حمل ما في صحيح البقباق
من الإطلاق في نفي القتل عـن الزائـد على الواحـد على صورة عـدم أداء ديـة الزائـد
، عنه على ورثـة الآخـر ، فالحمل يكون مـن حمل المطلق على المقيّد ، موجبٌ لنفي
التعارض من رأس ، فلا حاجة معه إلى ما ذكر من الترجيح أو الحمل .
وكيف كان ، الصحيح قاصر عن المعارضة ; لشهرة تلك الأخبار عملاً ولكثرتها وأصحيّة
سندها ومخالفتها مع العامّة ، نعم ما في «الجواهر» من الحمل على الندب غير تامّ ;
لما في الصحيح من التعليل والاستدلال بالآية حيث إنّ الإسراف في القتل منهيٌّ
ومحرّم بلا إشكال ، كما أنّ ما في «الوسائل» من الحمل على الكراهة ، بل الحمل على
التقيّة أيضاً غير وجيه حيث إنّ التقيّة اضطرار وضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ،
والضرورة والاضطرار مرتفعان ببيان أصل الحكم وبالنهي عن قتل الزائد ، فالاستدلال
بالآية زائد غير مضطرٍّ إليه وغير مناسب مع التقيّة كما لا يخفى .
وترجيح الصحيح على تلك الأخبار ; لموافقته مع الكتاب المستدلّ به في الصحيح ،
حيث إنّ قتل الزائد عن الواحد إسراف ، منهيّ عنه ، غير تامّ ، للشكّ في صدق الإسراف
مع ردّ الزائد عن دية الواحد .
وتوهّم أنّ الاستدلال في الصحيح بالآية كاف في الموافقة .
مدفوع : بأنّ معارضة الصحيح كما يكون معارضاً مع بقيّة الأخبار في أصل مضمونه ،
فكذلك في استدلاله وتفسيره ، فتدبّر جيّداً .
(مسألة 45) : تتحقّق الشركة في القتل ; بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد ،
كأن أخذوه جميعاً فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق ، أو جرحوه بجراحات كلّ
واحدة منها قاتلة لو انفردت . وكذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد
الجناية ، فلو اجتمع عليه عدّة ، فجرحه كلّ واحد بما لا يقتل منفرداً ، لكن سرت
الجميع فمات ، فعليهم القود بنحو ما مرّ (69) .