تعارض البيّنتين
(9) قبل الورود في البحث ينبغي بل لابدّ من تصوير تعارض البيّنتين في مثل المورد
، حيث إنّه كيف يتصوّر التعارض مع أنّ بيّنة المدّعى عليه وكذا البيّنة المتبرّع
بها غير حجّة وغير مسموعة ؟ وتصويره يكون : إمّا بأن يقال : التعارض مبنيّ على
القول بصحّة التبرّع في الشهادة بالدم وإن لم يكن صحيحاً في غيره ، وإمّا بفرض
المسألة فيما كان للمدّعى وكيلان فادّعى أحدهما أنّ القاتل زيد ، والآخر أنّ القاتل
عمرو دونه ، وإمّا بالقول بأنّ للمدّعى عليه تبرئة نفسه بإقامة البيّنة على أنّ
القاتل غيره ، وإمّا لما كان أولياء الدم متعدداً فكلٌّ منهم يدّعي القتل على مَن
أقام البيّنة عليه .
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ المسألة من المسائل المشكلة ، ولم يستقرّ على شيء من
الفتاوى فيها إجماع محقّق كي يقال : إنّ الفتوى الفلانية خرق له ; ضرورة بقائها في
غالب الإشكال عندهم ، حتّى أنّ الفاضل في «الرياض»[878]
لم يخرج منها على حاصل معتدٍّ به ، كما لايخفى على من تأ مّله .
والاحتمالات والوجوه فيها كثيرة تبلغ ثمانية ، ولبعضها بل أكثرها قائل :
منها : الرجوع إلى المرحّجات من الأكثريّة والأعدلية وغيرها ، ومع عدمها الرجوع
إلى القرعة في تقديم إحدى البيّنتين وإحلاف صاحبها .
وبالجملة : إعمال ما في المتعارضين من البيّنة في مثل ادّعاء الوارد من الاثنين
، من الترجيح بالمرجّحات والقرعة ، والحلف لمن أصاب بيّنته القرعة .
لكنّه ـ أي الرجوع إلى المرجّحات ـ غير تامّ ، ويكون الترجيح في تعارضهما
مختصّاً بما إذا كان كلّ واحد من أصحاب الدعوى مدّعياً لموردها وأ نّـه له ، مثل
التنازع في الدار أو فـي الجمل أو في الوصيّـة بمائـة دينار مثلاً لزيد أو لعمرو ،
أو في أنّ الدين الكذائي لزيـد أو لعمرو وغيرها ممّا فيه الـدعويان ، لا في مثل
المقام ممّا يكون فيه الادّعاء والإنكار ، فوليّ الدم مدّع للقتل ، والمتّهم منكر
له ، وذلك لعدم الدليل في غير ذلك المورد ، فإنّ أخباره مختصّة به ، والأصل عدمه .
وكيف لايكون كذلك مع أنّ صاحب المستند قائل باختصاص أخبار التعارض والترجيح
بالأعيان من الأموال مستدلاً بقوله : «والتحقيق في الجميع أن يبنى على أصالة عدم
قبول بيّنة المنكر وعلى تعيين القرعة لكلّ أمر مشكل . وعلى هذا ، فنقول : إنّ جميع
الأخبار المتضمّنة لسماع بيّنة المنكر أيضاً ومزاحمتها لبيّنة المدّعي كانت مخصوصةً
بالأعيان من الأموال ، فلا أثر لها في غيرها أصلاً . . .»[879]
إلى آخر كلامه (رحمه الله) ؟
هـذا ، مـع أنّ الاحتياط في الـدماء إمّا مانـع ومخصّص لأخبار الترجيح علـى
الإطلاق والشمول ، وإمّـا موجب للانصراف ، ولعلّـه لذلك مقتضى إطلاقهم عـدم
الاعتبار بالترجيح ، ومع ما في أخبار الترجيح والأقـوال فيه مـن الاختلاف :
ففي كتاب القضاء من «العروة الوثقى» : «مسألة 2 : إذا تعارضت البيّنات فـي شيء :
فإمّا أن يكون بيد أحـد الطرفين ، أو بيدهما ، أو بيد ثالث ، أو لايد عليه .
وللعلماء فيها ـ خصوصاً في الصورة الأولى ـ أقوال مختلفـة وآراء متشتّتـة ، جملة
منها غير منطبقة على أخبار المقام ، ولا على القواعد العامّة ، بل قد يختلف فتوى
واحد منهم فيفتي في مقام ويفتي بخلافه في مقام آخـر ، وربّما يُدّعى الإجماع في
مورد ويُدّعى على خلافه الإجماع في مقام آخر ، وقد يُحكم بضعف خبر ويُعمل به في
مورد آخر ، وقد يحملون الخبر على محمل بلا شاهد ويفتون به ، ويفرّقون بين الصور
بقيود لاتُستفاد من الأخبار ، من ذكر الشاهد السبب وعدمه ، أو كون الشيء ممّا
يتكرّر كالبيع والشراء والصياغة ونحوها ، أو ممّا لايتكرر كالنتاج والنساجة
والخياطة ونحوها ، وليس الغرض الازراء عليهم ، بل بيان الحال مقدّمة لتوضيح الحقّ
من الأقوال ، فإنّ المسألة في غاية الإشكال وليست محرّرة»[880] .
وهل يصحّ الذهاب إلى احتمال الترجيح في المقام مع ما ذكره الفقيه اليزدي ، ومع
ما في الدماء من الاحتياط بل ومع الدرئ بالشبهة ; قضاءً لأولوية القصاص عن الحدّ في
الدرئ ، كما قيل .
ومنها : القرعة ، فإنّها لكلّ أمر مشكل ، وتعيين القاتل هنا مشكل .
وفيها : ـ مضافاً إلى ما في «الجواهر» هنا من قوله : «كما أ نّه لم يعتبر أحد
القرعة هنا»[881] ـ أنّ أدلّة القرعة وأخبارها غير شاملة لمثل المورد ،
من قتل العمد والقصاص من وجهين :
أحدهما : أ نّها واردة في الاُمور المالية والحقوقيّة دون غيرها ، كالدم وقصاص
الأعضاء .
ثانيهما : اختصاصها بكون المشكل فيها تعيين صاحب المال والحقّ ، الذي يتعيّن
بالقرعة ويصير محقّاً وصاحباً للسهم وآخذاً للحق دون غيره ممّا لايكون كذلك ، ففي
أخبار القرعة : فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «ليس من قوم تنازعوا ،
ثمّ فوّضوا أمرهم إلى الله ، إلاّ خرج سهم المحقّ»[882] .
وذلك غير متحقّق في المورد حيث إنّ المعيّن بالقرعة يقتله الوليّ ، ويأخذ روحه
ونفسه فلم يبق المعيّن حتّى يأخذ سهمه ، فهذا مباين مع المشكل والموضوع في أخبار
القرعة .
وبالجملة : محلّ البحث غير مشمول لأخبار القرعة وأدلّتها ، من جهة اختصاصها بغير
القصاص في النفس والأعضاء ، ومن جهة اختصاصها بما كان التنازع بين الأفراد راجعاً
إلى الاستحقاق والأخذ بأن تكون القرعة موجبة لصيرورة من أصابته القرعة مستحقّاً
للأخذ ، وتكون الإصابة بنفع المصاب وبضرر الآخر بنفي استحقاقه وبعدم وصول شيء إليه
.
وأ نّى ذلك مـع باب القصاص في مفروض البحث الـذي لاتكون القرعـة فيه إلاّ موجباً
لذهاب النفس أو العضو بالنسبـة إلى المصاب ، وتبرئـة غيره ؟ ! فأيـن الأخـذ
والاستحقاق للعين أو الحـقّ مـن الاُمور الماليـة ؟ ! ولعلّ ترك الأصحاب الفتوى
بالقرعـة في المقام وأمثالـه مـن القصاص كان لما ذكـر ، المؤ يّد بالاحتياط فـي
الدماء .
ومنها : تخيير الوليّ فـي تصديق أ يّهما شاء كما يتخيّر المجتهد بين الخبريـن
المتعارضين ، وهو المحكي عن ابن إدريس[883] ; محتجّاً عليه بقوله تعالى
: (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً)[884] ، إذ نفي القتل عنهما
ينافي ذلك ، وبأنّ البيّنة قائمة على كلٍّ منهما بوجوب القود ، فلا وجه لسقوطه ،
وبأ نّا قد أجمعنا على أ نّه لو شهد اثنان على واحد بأ نّه القاتل ، فأقرّ آخر
بالقتل ، يتخيّر الوليّ في التصديق والإقرار ، كالبيّنة . لكنّه كما ترى ، ضرورة
دلالة الآية على ثبوت السلطان للوليّ مع العلم بالقاتل ، لا في مثل المقام الذي لا
إشكال في كونه إسرافاً في القتل إذا قتلهما ، خصوصاً مع براءة أحدهما ، بل وكذا لو
قتل أحدهما المحتمل أ نّه بريء ، والبيّنتان قد كذّبت كلٌّ منهما الاُخرى ، فتساقطا
بالتعارض عن الحجيّـة . والإجماع الذي ذكره ـ مع أ نّه ممنوع في مورده ـ لايمكن
قياس المقام عليه بعد حرمته في مذهبنا ، مـع أ نّـه مع الفارق أيضاً حيث إنّ
المقِرّ بالقتل وتخطئة الشاهديـن مقرٌّ على نفسه بالقتل وباستحقاق القصاص ، وهذا
بخلاف المقام ممّا ليس فيه إقرار بالقتل وبالاستحقاق ، بل كلٌّ منهما يدفع عـن
نفسـه الاتّهام ويكذّب البيّنة .
ومنها : سقوط القصاص عنهما ، ووجوب نصف الدية على كلٍّ منهما ، وهو للشيخين[885]
والقاضي[886] والصهرشتي[887]
وأبي منصور الطبرسي[888] ، والمحقّق في «الشرائع»[889]
و «النافع»[890] ، والعلاّمة في «المختلف»[891]
و «الإرشاد»[892] ، وولده فـي «الإيضاح»[893] ، وأبي العباس
في «المقتصر» على المحكي عنه في «الجواهر»[894] ، لكن في «الشرائع» و
«النافع» : لعلّه احتياط . وهذا القول كما هو الواضح مركّب من أمرين : أحدهما :
سقوط القصاص ، ثانيهما : الدية عليهما على نحو المناصفة .
ويستدلّ لأوّلهما بأ نّهما بيّنتان تصادمتا ، وليس قبول أحدهما في نظر الشارع
أولى من قبول الاُخرى ، ولايمكن العمل بهما ; لاستلزامه وجوب قتل الشخصين معاً ،
وهو باطل إجماعاً ، فضلاً عن القول : «قطعاً» ، عن غير واحد أيضاً ، وهو كذلك
خصوصاً بعد العلم ببراءة أحدهما الذي يجب ترك أخذ الحقّ مقدّمة له ، لا العكس
مقدّمة لوصول الحقّ ، ولا العمل بأحديها دون الاُخرى ; لعدم الأولويّة ، فلم يبق
إلاّ سقوطهما معاً بالنسبة إلى القود ; لأ نّه تهجّم على الدماء المحقونة في نظر
الشارع بغير سبب معلوم ولا مظنون ، إذ كلّ واحد من الشهادتين يكذّب الاُخرى ، ولما
قد يقال بأنّ القصاص كالحدّ في السقوط بالشبهة .
ولثانيهما : ـ وهو ثبوت الدية عليهما ـ بعدم بطلان دم امرء مسلم ، وتساويهما في
قيام البيّنة على كلٍّ منهما ، وفحوى التنصيف في المشهود به عند تعارضهما ، كما إذا
كان التعارض بين البيّنتين على الشيء الواحد الذي في يديهما أو يد ثالث من مورد
الدعوى .
وفيه : أنّ عدم بطلان الدم أعمّ من ذلك ; لاحتمال كونه على بيت المال المعدّ
لمثل ذلك ، أو القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل ، كما أنّ التساوي في البيّنة غير مقتض
للتوزيع المزبور الخارج عن البيّنتين ، بل ولا غيره ، بل هما بالتعارض متساقطتان
بالنسبة إلى الدية أيضاً ، كالقود .
بل لك أن تقول : إنّ الدية ليست حكماً مستقـلاًّ في العمد ، بل هي ثابتة بعد
ثبوت القصاص تخييراً أو صلحاً ورضايةً أو بدلاً ، على اختلاف المباني والموارد ،
فمع عدم القصاص لا محلّ لها في ا لعمد من رأس مطلقاً .
وبذلك يظهر عدم تماميّة الاستدلال بالفحوى أيضاً ; لأ نّها إنّما تتمّ في مورد
البيّنة المتعارضة ، والدية في المقام ليست كذلك ، لا مطابقةً ، ـ كما هو واضح ـ
ولا التزاماً ; لتوقّفه على ثبوت القصاص قبله ، ومن المعلوم عدم ثبوته كما مرّ ،
فليس الحمل على التنصيف في المشهود به إلاّ قياساً لانقول به .
وإلى بعض ما ذكرناه يرجع ما عن «الإيضاح»[895]
و «المهذّب البارع»[896] من حساب الدية عليهما ، بأ نّه إن لم نقل بذلك
يلزم أحد محالات ثلاثة : إمّا طلّ دم المسلم ، أو إيجاب شيء بغير سبب ، أو الترجيح
بلا مرجّح ; لأَنّا إن لم نوجب الدية عوضاً لزم الأوّل ، وإن أوجبناه على غيرهما
لزم الأمر الثاني ، وإن وجب على أحدهما بعينه لزم الأمر الثالث ، فبقى إمّا على
أحدهما لا بعينه أو عليهما ، والثاني هو المطلوب ، والأوّل إن لم يرد به الثاني فهو
المحال الأوّل ; لعدم الحقيقة في الخارج لأحدهما غير المعيّن ، كما لايخفى .
وفيه : مع ما يظهر ممّا مرّ أنّ ذلك لا يرجع إلى دليل شرعي معتبر ; ضرورة إمكان
أنّ له حكماً شرعاً لانصل إليه ، أ نّه يمكن التخيير في الرجوع على كلٍّ منهما ،
كما عن المحقّق الثاني[897] الجزم به ، بل لعلّه محتمل ما تسمعه من
عبارة المصنّف في «النكت»[898] ، أو على بيت المال المعدّ لمثل ذلك ، أو
القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل ، وعدم بطلان دم المسلم أعمّ من ذلك كلّه ومن غيره
ممّا هو عند الشارع ممّا لا نعرفه .
ومنها : سقوط القود ; لما مرّ ، والتخيير في الرجوع إلى كلٍّ منهما في أخذ الدية
منه ; لعدم الترجيح .
وفيـه : مـا لايخفـى ، حيث إنّ التخييـر إنّما يكون بعد ثبوت الـديـة ، وقـد
مـرّ عدمه .
ومنها : سقوط القود وتعيين المكلّف بأداء الدية منهما بالقرعة ، فإنّها لكلّ أمر
مشكل . وضعفه ظاهر ممّا مرّ .
ومنها : التفصيل بيـن مـا كـان الأولياء مـدّعين لكـون القاتـل أحـدهما المعيّن
بالقود فيه ; لقيام البيّنـة على الـدعوى ، وتهدر البيّنـة الاُخـرى فلا يكون لـه
سبيل ، وبين ما لم يكـن كذلك بأن ادّعوا عـدم العلم بسقوط القود ووجـوب الديـة فيه
; لما يأتي .
وهذا التفصيل للمحقّق في «نكت النهاية» ، وتبعه عليه تلميذه في «كشف الرموز»[899]
، وأبو العباس في «المهذّب»[900] ، والمقداد في «التنقيح»[901]
، وكأ نّه مال إليه الشهيدان في «غاية المراد»[902]
و «المسالك»[903] .
وفي «نكت النهاية» بعد أن أورد كلام السائل عن عبارة «النهاية» مورداً عليها بأ
نّه :
«لم يعمل بشيء من الشهادتين ، فإيجاب الدية عليهما حكم بغير بيّنة ولا إقرار ،
ثمّ الشهادة ليست بأ نّهما اشتركا» قال : «الجواب : الوجه أنّ الأولياء إمّا أن
يدّعوا القتل على أحدهما ، أو يقولوا : لانعلم . فإن ادّعوه على أحدهما قتلوه ;
لقيام البيّنة بالدعوى ، ويهدر البيّنة الاُخرى ، فلا يكون لهم على الآخر سبيل .
وإن قالوا : لا نعلم فالبيّنتان متعارضتان على الانفراد لاعلى مجرد القتل ، فيثبت
القتل من أحدهما ، ولا يتعيّن . والقصاص يتوقّف على تعيين القاتل فيسقط وتجب الدية
; لأ نّه ليس نسبة القتل إلى أحدهما أولى من نسبته إلى الآخر»[904] .
وفيه : أ نّه تخصيص لكلام الشيخين والجماعة بالصورة الثانية ، وهو مناف لإطلاقهم
المبنيّ ظاهراً على اعتبار البيّنة الثانية وإن كانت على التبرّع ، وعليه يتّجه
التعارض حينئذ وإن صدّق الوليّ أحدهما ، بل لو لم نقل باعتبارها أمكن تصوير المسألة
في الوكيلين ، وأ مّا احتمال عدم اعتبارها في خصوص المقام وإن قلنا باعتبارها في
غيره فلا أعرف له وجهاً وإن حكي في «كشف اللثام»[905]
القطع به عن المحقّق في «النكت» .
ثمّ إنّه احتمل غير واحد من أتباع المحقّق في ما عرفت ثبوت اللوث لو ادّعى
الوليّ عليهما ، وهي صورة لم يذكرها المحقّق في ما سمعت من عبارته المشتملة على
صورة دعوى الوليّ على أحدهما ، أو يقول : لا علم لي . أ مّا إذا ادّعى عليهما معاً
فيتّجه ثبوت اللوث باعتبار اتفاق الأربعـة على القتل والقاتل وإن اختلفوا في
التعيين ، فيحلف حينئذ الوليّ ويثبت له القصاص مع ردّ فاضل الدية عليهما .
وفيه : أنّ مقتضاه الثبوت أيضاً في تكاذب الشاهدين في المكان أو الزمان أو الآلة
; ضرورة الاتّفاق منهما أيضاً على القتل والقاتل ، ولكن اختلفا في الزمان أو المكان
أو الآلة ، بل لعلّه أولى من المقام الذي فيه التكاذب في تعيين القاتل دونهما ، وقد
عرفت عدم اللوث فيه ; للتكاذب ، فهنا أولى .
وبذلك كلّه ظهر لك أنّ المسألة لم يستقر على شيء منها إجماع محقّق كي يقال : إنّ
ما ذكره الفلاني خرق له ; ضرورة بقائها في قالب الإشكال عندهم ، حتّى إنّ الفاضل في
«الرياض»[906] لم يخرج منها على حاصل معتدٍّ به ، كما لايخفى على من تأ
مّله ، فلاحظ وتأ مّل . والموافق للضوابط ما سمعت ، ولكن الاحتياط مهما أمكن
لاينبغي تركه .
ومنها : سقوط القود والدية جميعاً ، وهو المتّجه كما في «الجواهر» والمتن .
والوجه في ذلك عدم تماميّة الوجوه السابقة ، لاسيّما التنصيف في الدية والتخيير
في القصاص ممّا كان أوجه من غيره ، ولا غيرهما من البقيّة .
وفي «الجواهر» بعد النقض والإبرام في وجه التنصيف : فتحقّق من ذلك كلّه أنّ
المتّجه ـ بحسب القواعد ـ سقوط القود والدية حتّى يتبيّن الحال ، ودعوى أنّ ذلك خرق
للإجماع المركّب واضحة الفساد لمن أحاط بأطراف المسألة ، وخصوصاً بعد ذكر الشيخ في
ما حكي عنه ذلك احتمالاً ، بل هو الذي اختاره في «المسالك»[907] .
(مسألة 6) : لو شهدا بأ نّه قتل عمداً ، فأقرّ آخر أ نّه هو القاتل ، وأنّ
المشهود عليه بريء من قتله ، ففي رواية صحيحة معمول بها : إن أراد أولياء المقتول
أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه ، ولا سبيل لهم على الآخر ، ثمّ لا سبيل
لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه . وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد
عليه فليقتلوه ، ولا سبيل لهم على الذي أقرّ ، ثمّ ليؤدّ الذي أقرّ على نفسه إلى
أولياء الذي شهد عليه نصف الدية . وإن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً ذاك لهم ، وعليهم
أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصّاً ـ دون صاحبه ـ ثمّ يقتلوهما ،
وإن أرادوا أن يأخذوا الدية فهي بينهما نصفان . والمسألة مشكلة جدّاً يجب الاحتياط
فيها وعدم التهجّم على قتلهما (10) .