القول في الموجب
وهو إزهاق النفس المعصومة (1) عمداً مع الشرائط الآتية :
«يضاعف عليه» وان اتّحدوا جميعاً في واد واحد .
هذا ما أردنا نقله من الأخبار الدالّة على عظم حرمة القتل ، وإلاّ فهي أكثر من
ذلك في كتب الحديث .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا مرّ أنّ الأصل المستفاد من الكتاب في القاتل والمقتول
القصاص بلا تفاوت واختلاف ، فإنّ النفس بالنفس ، وبني آدم من تراب ، ولا فضل لعربي
على عجمي ، ولا للأبيض على الأسود ، والناس كلّهم مخلوقون من ذكر واُنثى وجُعلوا
شعوباً وقبائل ليتعارفوا فقط ، لا لطَول بعضهم على بعض ، ولا لكون ذلك موجباً لعدم
قصاصهم ، فإنّ أكرمهم عند الله أتقاهم ، ولا يختلفون في الحقوق والدماء والأموال .
نعم ، السنّة لا إطلاق فيها ، فإنّها ناظرة إلى بيان الخصوصيّات بعد الفراغ عن
أصل القصاص كما عرفت ، لكنّ في إطلاق الكتاب كفاية كما هو واضح .
(1) أي إخراجها من التعلّق بالبدن ، والمعصومة من العصمة بمعنى المنع ،فالمقتول
قصاصاً أو دفاعاً غير معصوم الدم بالنسبة إلى القاتل وإن كان معصوماً بالنسبة إلى
غيره ، فلا يصدق على نفسه إطلاق المعصومة المنساق منه الكلّ ، فقتله ، بل قتل غير
معصوم الدم كالحربي والزاني المحصن والمرتدّ وكلّ من أباح الشرع قتله غير موجب
للقصاص أيضاً على ما في «الجواهر» في نفس المقام ، وفي غيره من الكتب الفقهيّة :
ففي «الجواهر» : «فلو قتل غير معصوم الدم كالحربي والزاني المحصن والمرتدّ وكلّ
من أباح الشرع قتله فلا قصاص وإن أثم في بعض الصور ، باعتبار كون قتله حدّاً
مباشرته للحاكم»[40] .
عدم القصاص في تلك الموارد عندي تبعاً للماتن[41]
ـ كما يأتي في المسألة ـ ولموضع آخر من «الجواهر»[42] ، محلّ إشكال ، بل
الحقّ منعه ; وذلك لعصمة تلك الأنفس لغير الحاكم والحكومة في غير الحربي ، وفيه
لغير حالة الحرب وزمان المحاربة ، وعدم الدليل على نفي العصمة عنهم على الإطلاق ،
كما هو الظاهر للمتأ مّل بل ولغيره ، فإنّ غاية مدلول أخبار الحدود والحروب جواز
القتل للحاكم في إجرائها على المحدودين والعاصين ، وللمسلم على الكافر المحارب في
تلك الحالة وذلك الزمان فقط دون غيره من الكفّار ، فأين الدلالة فيها على عدم عصمة
أنفس هؤلاء الأفراد لغيرهما ؟ ! فعصمة أنفسهم ثابتة وباقية على حالها لغيرهم ، فقتل
الغير لهم موجب للقصاص قضاءً لإطلاق أدلّته .
(مسألة 1) : يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل ولو نادراً ، وبقصد فعل
يقتل به غالباً ، وإن لم يقصد القتل به ، وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الديات
(2) .
العمد والخطأ في القتل
(2) اعتبار العمد في القصاص ممّا لا كلام فيه ، بل من الضروريات في فقه الإسلام
، بل في الإسلام ، ووجهه واضح حيث إنّه المتيقّن من القصاص ، وحيث إنّه مع الخطأ لا
يتحقّق العصيان الموجب للعقوبة بالقصاص ، فإنّ القصاص عقوبة لابدّ فيها من العصيان
عقلاً وشرعاً . ثمّ لايخفى عليك أنّ اعتبار العمد لا أثر له إلاّ في بعض الأخبار ،
وإلاّ فالكتاب كما أ نّه خال عن اعتباره بالظهور وبالتقييد اللفظي فكذلك عن الإشارة
إليه باللفظ كما يظهر ذلك لمن يراجع ، فالتقييد لبيّ قطعيّ .
نعم ، مقابل العمد ـ أي الخطأ ـ في الكتاب مذكور : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أهْلِهِ إِلاّ أن
يَصَّدَّقُوا)[43] ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً . . .)[44] مربوط بالجزاء الاُخروي والحرمة ، لا القصاص
والعقوبة الدنيوية .
وعلى هذا ، فعدم جواز القصاص في موارد الشكّ في تحقّق العمد وإن كان هو الموافق
لاستصحاب حرمة القتل وعدم جوازه وللاحتياط في الدماء ، فإنّ القصاص هو المحتاج إلى
الدليل كما هو واضح . لكن مقتضى إطلاق الكتاب لاسيّما القسم الثاني من آياته هو
القصاص في تلك الموارد ، فإنّ الإطلاق محكّم حتّى يثبت خلافه ، والمفروض عدم الدليل
على الخلاف ، وقصور أدلّه حرمة القصاص عن الشمول لتلك الموارد المشكوكة ، فلا وجه
لرفع اليد عنه .
وبالجملة : الأصل العملي ـ مع قطع النظر عن إطلاق الكتاب ـ حرمة القصاص في
الموارد المشكوكة ، لكنّ الأصل اللفظي من جهة الإطلاق المحكّم والمقدّم عليه تقدّم
الدليل على الأصل وحكومته أو وروده عليه ، جوازه من دون فرق في ذلك بين أسباب الشكّ
وجهاته .