الاستدلال على عدم وجوب الإذن من الإمام
هذا كلّه في أدلّة الوجوب ، وأ مّا عدم الوجوب ـ وهو الأقوى ـ فالدليل عليه
مضافاً إلى الأصل ، إطلاق أدلّة القصاص من الكتاب والسنّة ، لاسيّما مثل قوله تعالى
: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسرِفْ
فِي القَتْلِ إنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً)[1276] ، وأنّ حقّ القصاص حقّ
فيكون كسائر الحقوق ، كالأخذ بالشفعة وغيره من الحقوق التي لايعتبر في استيفائها
إذن الإمام .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه في قصاص النفس حال قصاص الأطراف ، فإنّهما من واد
واحد وإن قيل بشدّة الكراهة من دون الإذن في قصاص الأطراف ; لاحتمال السراية وغيرها
من الجهات المشدّدة للكراهة ، والأمر سهل في أصل الكراهة فضلاً عن شدّتها .
ثمّ لايخفى أ نّه لاخصوصيّـة للإمام أو الحاكـم أو الوالي الواقـع في العبائـر ،
بل المناط ثبوت القتل والحكم به بالقصاص ; دفعـاً للاختلاف والتشاجـر والنزاع ، كما
كان ظاهرٌ من الأدلّة ، فيكفي في ذلك حكم المحكمة والقاضي وإن لم يكن إماماً
ووالياً ومجتهداً ونائباً عاماً عن الإمام(عليه السلام) ، كما لايخفى ، فلا خصوصيّة
للإمام ، كما أ نّه لا خصوصيّة للحكم أيضاً ، بل يكفي ثبوت القتل وإيجابـه القصاص
عند القاضي وإن لم يحكم بعدُ ; لعدم الدليل على لزومه .
وكما أ نّـه ليس للحاكـم الامتناع من الإذن ; لأ نّـه ليس من حقوقه ، بل إذنـه
مـن حقـوق ولـيّ الـدم ويكون لازماً عليه ، دفعـاً للفتنـة والمفسـدة والمشاجـرة
المحتملة .
بل قد عرفت أ نّه ليس على الوليّ القصاص ولا الدية مع اقتصاصه من دون الإذن ،
فكيف للحاكم حقّ عدم الإذن ؟
هذا تمام الكلام في النقض والإبرام في الأدلّة ، لكن لقائل أن يقول : بعد اللتيا
والتي القصاص متوقّف على الإذن وجوباً وتركه محرّم موجب للتعزير ; وذلك لوجوب
الاحتياط في الدماء ، ووجوب حفظ النفس عن الهلاكة ، وحفظ الأحكام الشرعيّة عن
المنقصة . فإنّ القصاص من الوليّ من دون الإذن فيه احتمال الهلاكة بعدم قدرته على
إثبات قتل القاتل على العمد ، ومع عدم الإثبات يقتل قصاصاً . فالقصاص كذلك مناف مع
الوجوبين الأولين ، كما لايخفى .
كما أنّ الحكم بالجواز ونسبته إلى الشرع مستلزم لتنقيصه بأ نّه كيف يأذن الشارع
في قتل القاتل من دون الثبوت في المحكمة ، مع أ نّه بعد قتله قصاصاً لا قدرة له في
الدفاع ، فلعلّه إن كان حيّاً يدافع عن نفسه ويثبت عدم كونه قاتلاً أو عدم كونه
عامداً .
بل لقائل أن يقول : إنّ الوليّ غير قادر على إثبات عمد القاتل بعد القصاص لذلك
الاحتمال ووجوده دائماً ، فالأحوط الذي لايخلو من قوّة لزوم الإذن والإثبات في
المحكمة قبل القصاص ، بل لعلّ القصاص من دون الإذن موجب للهرج والمرج .
(مسألة 7) : لو كان أولياء الدم أكثر من واحد ، فالأقوى عدم جواز الاستيفاء إلاّ
باجتماع الجميع وإذن الوليّ ; لابمعنى ضرب كلّ واحد إيّاه ، بل بمعنى إذنهم لأحد
منهم أو توكيلهم أحداً . وعن جمع أ نّه يجوز لكلّ منهم المبادرة ، ولايتوقّف على
إذن الآخر ، لكن يضمن حصص من لم يأذن ، والأوّل أقوى . نعم لو بادر واستبدّ فلا قود
، بل عليه حصص البقيّة مع عدم الإذن ، وللإمام(عليه السلام) تعزيره (9) .