عدم الضمان في قصاص الطرف مع السراية
(16) عدم ضمان المقتصّ في الطرف السراية ولو إلى النفس مع عدم التعدّي ، ممّا
لاخلاف ولا إشكال فيه ، وذلك لوجوه أربعة :
أحدها : الأصل .
ثانيها :لأ نّه أثر فعل المقتصّ الجائز المستحقّ له والمأذون فيه ، فلاضمان عليه .
ثالثها : لأنّ السبب ـ أي المقتصّ به العامد في الجناية على الطرف ـ أقوى من
المقتصّ المباشر ، فإنّـه المقدّم على استحقاقه القصاص ، وتضعف المباشرة بعدم
العصيان .
رابعها : النصوص التي يمكن دعـوى تواترهـا أو القطع بمضمونها على مـا في الجواهر[1339]
:
منها : صحيح الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «أيّما رجل قتله الحدّ
أو القصاص فلا دية له»[1340] .
ومنها : صحيح ابن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) ـ في حديث ـ قال : «ومن قتله
القصاص فلا دية له»[1341] .
ومنها : ما عن معلّى بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال :
«من قتله القصاص أو الحدّ لم يكن له دية»[1342] .
ومنها : موثّق السكوني عـن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «مـن اقتصّ منـه فهو
قتيل القرآن»[1343] .
هذا على نقل «الكافي»[1344] ، وفي «التهذيب»[1345] : «من
اقتص منه فمات . .» .
ومنها : ما عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال
: سألته عن رجل قتله القصاص ، له دية ؟ فقال : «لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد» ، وقال
: «من قتله الحدّ فلا دية له»[1346] .
ومنها : ما عن زيد الشحّام قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) ، وذكر نحو ما
عن أبي الصباح الكناني .
ومنها : صحيح ابن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «من قتله القصاص بأمر
الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة»[1347] .
وما فيه من أمر الإمام فليس فيه بأزيد من الإشعار على اعتباره ، مع أ نّه على
اعتباره لافرق في عدم الدية بين كون القصاص بأمره أو من دون أمره ، كما مرّ من أ
نّه على الاعتبار ليس بأزيد من التكليف .
هذا كلّه مع عدم التعدّي ، وأ مّا مع تعدّيه في اقتصاصه بأن زاد في ماله مثلاً
فضامن بلا خلاف ولا إشكال ; لصدق الجناية حينئذ بغير حقّ ، فإن اعترف به اقتصّ فيما
زاد فيه بالقصاص أو الدية أو الأرش ، ولو ادّعى الخطأ وأنكر المقتصّ منه فالقول
قوله بيمينه .
وما في المتن من كون القول قول المقتصّ منه مع ادّعاء المقتصّ حصول الزيادة
باضطراب المقتصّ منه ومن جهته ، لكون ذلك الحاصل ناشئاً منـه ، فهو أعلم به وإن كان
لايبعد تقدّم قول المقتصّ في هذا الفرع أيضاً ; لأنّ الاقتصاص كان فعلـه ، فهو أعلم
بفعلـه ، ولكون قولـه موافقاً مـع ظاهـر حـال المقتصّ منه أيضاً .
(مسألة 14) : كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف ، ومن لايقتصّ له
في النفس لايقتصّ له في الطرف ، فلايقطع يد والد لقطع يد ولده ، ولايد مسلم لقطع يد
كافر (17) .
(17) ما في المسألة من كلّية الأصل ممّا لا إشكال فيه ; لعموم أدلّة القصاص في
النفس والطرف ، سواء اتّفقوا في الدية أو اختلفوا على القول بالاختلاف فيها .
وعن أبي حنيفة : اشتراط التساوي[1348] في الدية المخالف لإطلاق
الأدلّة .
وأ مّا ما فيها من العكس ، وهو عدم جريان القصاص في الأطراف مع عدم الجريان في
النفس ففيه : أ نّه لاوجه له بعد الاختلاف بينهما في الموضوع ، فالدليل على عدم
القصاص في النفس كقصاص الوالد بولده مثلاً قاصر عن إفادة عدمه في قصاص الأطراف في
ذلك المورد ، كما هو ظاهر .
وفي تعليقات صاحب «مفتاح الكرامة» في المسألة مزجاً بعباره «اللثام» : «وكلّ من
يجري بينهم القصاص في النفس يجري بينهم القصاص في الأطراف والجراحات ، وكلّ من
لايجري القصاص بينهم في الأنفس لايجري في الأطراف ، هذا قولنا طرداً وعكساً ، كما
في «المبسوط»[1349] وهذا ممّا لا أجد فيه خلافاً ، وهو الموافق للقواعد
والاعتبار»[1350] .
قلت : موافقة العكس لهما لابيّن ولا مبيّن ، بل قد عرفت أنّ مقتضى القواعد على
خلاف العكس .
(مسألة 15) : إذا كان له أولياء شركاء في القصاص ، فإن حضر بعض وغاب بعض ، فعن
الشيخ(قدس سره) : للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية . والأشبه أن
يقال : لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، والظاهر جواز حبس الجاني إلى
مجيئه لو كان في معرض الفرار . ولوكان غير منقطعة أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي
، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب . ولو كان بعضهم مجنوناً فأمره إلى
وليّه (18) . ولو كان صغيراً ففي رواية : «انتظروا الذين قتل أبوهم أن يكبروا ،
فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا» .
وأ مّا ما ذكره من الاعتبار ففيه : أنّ بين النفس والعضو اختلاف بحسب الاعتبار ،
فالعقلاء يرون الفرق بين النفس والعضو ، وأنّ من الممكن عدم جريان القصاص بينهما في
النفس دون القصاص بينهما في الأطراف .
وبالجملة : كلّية الأصل تامّة ، وأ مّا العكس فغير تامّ ، والمتّبع فيه إطلاق
أدلّة القصاص في الأطراف ، وعلى هذا فيقطع يد الوالد لولده ويد المسلم لقطع يد كافر
ولو على القول بعدم قتل المسلم بالكافر فضلاً عن قتله به كما هو المختار ، وعليه
فلا يكون هذا المثال الثاني مثالاً للممثّل كما لايخفى .