صرف الدية في ديون المقتول
(22) في المتن إشارة إلى وجه صرف الدية في ديون المقتول ووصاياه قبل الإرث ، وهو
التشبيـه بباقي أمواله ، فإنّ الدية كباقي أمـوالـه على الأظهر الأشهر بل المشهور ،
بل نفي عنه الخلاف في «مجمع الفائـدة والبرهان»[1406]
و «الكفاية»[1407] و «جامـع المقاصـد»[1408] ، وفي
«السرائـر»[1409] و «المهذّب»[1410] : الإجمـاع عليه ، لكـن
في دية الخطأ خاصّـة ، وهـو الحجّة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة .
ففي صحيح ابن مسلم : قال : قلت له : رجل أوصى لرجل بوصيّة من ماله ثلث أو ربع
فقتل الرجل خطأ ـ يعني الموصي ـ فقال : «تجاز لهذا الوصيّة من ميراثه ومن ديته»[1411]
.
وفي صحيح ابن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين(عليه
السلام)في رجل أوصى لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثاً ، أو ربعاً أو
أقلّ من ذلك أو أكثر ، ثمّ قتل بعد ذلك الموصي فودي ، فقضى في وصيّته أ نّها تنفذ
من ماله ومن دِيته كما أوصى»[1412] .
وفي صحيح يحيى الأزرق ، عن أبي الحسن(عليه السلام) في رجل قتل وعليه دين ولم
يترك مالاً فأخذ أهله الدية من قاتله ، عليهم أن يقضوا دينه ؟ قال : «نعم» ، قلت :
هو لم يترك شيئاً ، قال : إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه»[1413]
. ونحوه خبر عبدالحميد بن سعيد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) . . .
إلى آخره[1414] .
وانجبار ضعف رواية عبدالحميد بن سعيد والحكم باعتبارها من جهة رواية صفوان بن
يحيى الذي يكون من أصحاب الإجماع عنه ، إنّما يتمّ على بعض الاحتمالات في أصحاب
الإجماع .
لكن الأمر سهل مع وجود الروايات الصحيحة وإطلاق الثلاثة الأخيرة بل عمومها
الناشىء من ترك الاستفصال ، مضافاً إلى النصّ الصريح المروي في «الفقيه» عن علي بن
أبي حمزة ، عن أبي الحسن بن موسى بن جعفر(عليهما السلام) وفيه : فإنّه قتل عمداً
وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين ؟ على أوليائه من الدية أو على إمام
المسلمين ؟ فقال : «بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالحوا عليها أولياءه ، فإنّه أحقّ
بديته من غيره»[1415] .
وفي «التهذيب» عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر(عليه السلام) «إنّ رسول الله(صلى
الله عليه وآله وسلم)قال : إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً فهي ميراث كسائر
الأموال»[1416] .
حجّة على عدم الفرق في ذلك بين دية الخطأ والعمد ، وعليه الإجماع والفتاوى .
خلافاً للحلّي[1417] فخصّ الحكم بدية الخطأ ، معلّـلاً بأنّ العمد
إنّما يوجب القصاص ، وهو حقّ للوارث ، فإذا رضي بالدية كانت عوضاً عنه ، فكانت أبعد
عن استحقاق الميّت من دية الخطأ ، ومال إليه في «الكفاية»[1418]
حيث استشكل في الحكم في دية العمد معتذراً بما مرّ[1419] .
وبكون الصحيحين الأوّلين غير شاملين لدية العمد لاختصاص أوّلهما بدية الخطأ وكون
الثاني قضية في واقعة فلا تعمّ .
وفيه : المنقول من قضايا علي(عليه السلام) أو النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
بنقل المعصومين (عليهم السلام)إطلاقه كبقيّة الإطلاقات ، ولا فرق بينهما حيث إنّ
نقله(عليه السلام) إنّما يكون لبيان الحكم بالعمل ، ولا فرق في الإطلاق بين لسان
العمل ولسان الكلام .
نعم ، ما كان منقولاً بنقل غيرهم فقضيّة في واقعة ، ولا إطلاق فيها ، حيث إنّ
النقل لبيان التاريخ والقضية الواقعة ، فلسان النقل لسان التاريخ ولسان القضايا
الشخصيّة الاتّفاقيّة ، وبذلك يظهر عدم الإطلاق في نقل المعصومين (عليهم السلام)
أيضاً إذا اُحرز كونه لنقل القضيّة والتاريخ لا لبيان الحكم ، فتدبّر جيّداً . هذا
مع ما في صحيح يحيى الأزرق وخبر عبدالحميد المماثل له من الإطلاق والشمول من وجهين
: من ترك الاستفصال ، ومن عموم العلّة .
وما في «الرياض» : «نعم ، ربما يعضد ما ذكره من الاختصاص بدية الخطأ مفهوم القوي
بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته كما حكي (من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً فإنّ ثلث
ديته داخل في وصيّته)[1420] فيقيد به إطلاق الصحيحين .
ويذبّ عن النصّ الصريح بضعفه بمحمّد بن أسلم الجبلي وعلي بن حمزة البطائي»[1421]
.
ففيه : الظاهر كون قتل الخطأ في سؤال السائل لا في كلامه(عليه السلام) ; وذلك
لتكرار نسبة القول إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) في الحديث بما يكون ظاهـراً فيما
ذكرناه على نقل «التهذيب» : عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «قال : أمير
المؤمنين(عليه السلام) : مـن أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً قال : ثلث ديته داخل في
وصيّتـه»[1422] . بل صريـح نقل «الفقيه» وأنّ السؤال عن أبي
عبدالله(عليه السلام) ففيه وفي خبر آخر : سُئل أبو عبدالله(عليه السلام)عن رجل أوصى
بثلث مالـه ثمّ قتل خطأً قال : «ثلث ديته داخل فـي وصيّته»[1423] .
نعم ، ظاهر ما في «الرياض» الموافق لنقل «الكافي»[1424]
كون القيد في كلام الإمام(عليه السلام) .
هذا مع أ نّه على كونه في كلام الإمام(عليه السلام) فليس بأزيد من مفهوم اللقب ،
ومع أنّ شمول المفهوم للعمد حتّى يكون مقيّداً للإطلاقات موقوف على الإطلاق في
المفهوم الشامل للعمد وشبه العمد ، وهو ممنوع كما حقّقناه في محلّه ، فتأ مّل . فلا
ريب ولا شبهة فيما ذكره الجماعة ، وكون رأي الحلّي ضعيفاً غايته ، ولذا لم يشر إليه
أحد في الكتب الاستدلالية .
وأضعف منه القول المحكي عن نادر مجهول بعدم كون الدية مطلقاً كبقيّة أمواله ،
معلّلاً بتأخّر استحقاقها عن الحياة التي هي شرط الملك ، والدين كان متعلّقاً
بالذمّة حال الحياة وبالمال بعد الوفاة ، والميّت لايملك بعدها شيئاً ، وإن هـو
إلاّ اجتهاد صرف في مقابل النصوص المستفيضة المعتضدة بالإجماعـات المحكيّة .
(مسألة 20) : هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون من دون ضمان الدية للغرماء
؟ فيه قولان (23) ، والأحوط عدم الاستيفاء إلاّ بعد الضمان ، بل الأحوط مع هبة
الأولياء دمه للقاتل ضمان الدية للغرماء .