الانتخاب الطبيعيالأول: الانتخاب الطبيعي بدعوى أن الطبيعة لا زالت تنتخب الأرقى فالأرقى من صفات النوع إلى أن يتحول إلى نوع آخر وهكذا (وقال أصحابهم) إلى أن بلغ الانتخاب إلى أرقى القرود ثم إلى الانسان الأسود ثم إلى الأبيض القوقاسي.اليعازر: داروين ولد سنة 1809 وكل عمره ثلاث وسبعون سنة. فهل شاهد تحول الأنواع بعضها إلى بعض كتحول القرد إلى الانسان. وهل شاهد كون الطبيعة تنتخب الأرقى فالأرقى من صفات النوع من دون خضوعها للتأثيرات الخارجية التي تتجاذبها مرة إلى التقهقر والانحطاط ومرة إلى التحسين بحسب استعداد المؤثرات وفعاليتها كما هو المشاهد بالتجربة. إذن فمن أين علم الانتخاب والتحول سنة في الطبيعة وناموس في الأحياء.. ولو أن داروين شاهد التحول في بعض الأنواع مرارا.وشاهد انتخاب الطبيعة بدون المؤثرات السائدة بناموسها في العالم ونقل له بالنقل القطعي أمثال ذلك مرارا. لما حسن منه في شرف العلم التجريبي أن يجعل ذلك سنة جارية في الطبيعة في جميع الأحياء من مبدأ نشئها. فإن هذه المشاهدات والمنقولات في بعض الأحياء لو كان لها حقيقة ودامت مائة قرن لما أفادت في دعوى داروين أضعف الظنون الاستقرائية. فإن من دون ذلك في قانون العلم وشرف الأدب عقبة لا يمكن عبورها. نعم، ربما يتوهم عبورها بطفرة وعدم المبالاة بالمسؤولية، ألا وإن من تلك العقبات جواز أن تكون تلك المشاهدات وتلك المنقولات التي افترضناها له إنما هي من تأثيرات روحية جارية على نواميس الخلق الخصوصي. حتى لو فرضنا الخلق الخصوصي الناظر إلى الغايات احتمالا تشكيكيا. فكيف به وهو الحقيقة الراهنة المتجلية للبرهان وبداهة الوجدان.ومن العقبات أن تلك المشاهدات والمنقولات التي افترضناها له خياليا يجوز أن تكون ناشئة من تأثيرات زمانها الخاص وإن كان قرونا متعددة، تصادف فيها استعداد موجوداتها الخاصة مع المؤثرات المختص كيانها بتلك القرون. فمن أين يكون ذلك سنة جارية في الطبيعة. هذا كله لو فرضنا أن داروين شاهد في قرون كثيرة ما افترضناه له، ونقل له أمثال ما شاهد. ولكن من أين هذا الفرض ومن أين يكون خيال هذا الحلم.