فإنهم يجدون موجودات بصورة ومادة لم يكن لهما سابقة في الوجود. ويوضح لهم العلم بدلائله والفطرة بسيرها المستقيم أن القول بقدم المادة مهما تقلبت به الأفكار واحتالت له إنما هو رأي مخدوع، ودعوى تحتوشها النقود والردود. وكيفما كان فإنه لا يغني شيئا عن لزوم القول بقدم العلة الفاعلة الايجاد والنظر في أمرها وإن كانوا قد ذهبت بهم في ذلك المذاهب الكثيرة حسبما تسمح الفرصة للأهواء وغفلات الجهل أو يستقيم السير في نهج العلم اليقين. ثم نبغ من خلال الأعصار وشذاذ البشر قوم صرفتهم الصوارف عن النظر إلى العلة الفاعلة في إيجاد العالم فتساهلوا في أمرها ووجهوا همتهم إلى افتراض المادة ووصفوها بالأزلية مع اختلافهم في وجوه افتراضها. وأوكلوا أمر العلة الفاعلة إلى صدفة حركة الجواهر أو زوابع الأثير أو تكاثفه وأغمضوا النظر عن تعليل هذه الحوادث الافتراضية أعني الحركة والزوابع والتكاثف.فخيلوا أنهم قد أصابو الموقف العلمي في التعليل ومركز اليقين الثابت. ولكن يا صاحبي يا حضرة الدكتور إن ثوب الأزلية لا يكون بحياكة آرائنا وخياطة ألسننا لكي نلبسه لمن نشاء بل إن صفة الأزلية صفة حقيقية لها لوازم مقومات. ولها منافيات لا تجتمع معها في شئ واحد. كيف تكون الجواهر الفردة أو الأثير أزلية يوقف عليها بالتعليل وهي ليست واجبة الوجود. وكيف تكون واجبة الوجود وهي لا تزال متغيرة الكيان بتقلبها باختلاف الصور والحقائق وتقلبات الحركة كما تزعمون؟ وكيف يكون الأثير واجب الوجود مع أنكم افترضتموه مركب المقدار محتاجا إلى أجزائه وإلى فاعل يوجدها ويؤلفها بالتركيب. وكيف تكون الجواهر الفردة واجبة الوجود مع أن فرضها غير متجزية مستحيل وبحسب فرصكم لاشتمالها على قوتي الجذب والدفع وأن لها حركات مختلفة الوضع والأمكنة والجهات وكونها متجزية يستلزم تركبها في المقدار فتكون محتاجة إلى أجزائها وإلى فاعل يوجد أجزاءها ويؤلفها. هذا كله في المادة وقد مر مشروحا.