إذن فانظروا إلى ما يصل إليه إدراككم من أول فطرتكم وانظروا إلى تصرف القدرة بإبداعه وأعمالها الباهرة في تصويراته فهذا القادر الذي فطركم أول مرة وأراكم من أعمال قدرته في نشؤكم ونشأتكم ما ترونه من العجائب هذا هو الذي يعيدكم... وقال في الآية الخامسة من سورة الحج (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث) لأجل تفرق أجزاء الانسان بالبلى فتستبعدون إحصائها وجمعها لإحيائها تارة أخرى (فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة) ظهرت عليها بالخلق مخائل أعضاء الانسان (وغير مخلقة) من قبل ذلك. ومن حكم هذا التقدير والتدرج في الخلق استلفاتكم إلى تصرف القدرة الإلهية في خلق الانسان بماله من الجسم وتركيبه العجيب في حكمه وغايات أجزائه وبما له من الحياة والشعور والعقل لئلا تكونوا على غفلة فتقولون خلق الانسان صدفة ولا ندري كيف صار.بل لتلتفتوا إلى مبادئ نشأته البسيطة والفاقدة للحياة وترقيها بالخلق إلى التراكيب الباهرة بحكمها وإلى جمال الحياة وكمال العلم (ولنبين لكم) بالاستلفات مواقع القدرة في مبادئ النشؤ وأطواره. (ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى) محدود للولادة ونحبوه في الرحم بعظائم النعم ومواد التغذية ولوازم الحياة على نهج مغاير لنهج عالم الولادة في طريق التغذية والإفراز ودورة الدم ونحو ذلك. (ثم نخرجكم طفلا) عاجز عن أمره نجدد له صورة غذائه ومنبعه وطريق التغذي ومخرج الإفرازات والفضلات ونغير دورة دمه ونحبوه بحنان الوالدين. (ثم) تتدرج بكم الأطوار في النمو ومراتب الشعور والادراك والعلم والقوة. (لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى) حينما يبلغ أشده وقبل ذلك حسبما تقتضيه الحكمة في نظام العالم ونواميسه المجعولة. (ومنكم من) يبقى بعد أن يبلغ أشده فيأخذ بالانحطاط على حسب التقدير والحكمة في الشخص أو النوع. (لكيلا) أي تكون عاقبته بعد العلم وجودة الادراك وصفاء الشعور لا (يعلم من بعد علم شيئا). هذا استلفاتكم وتنبيه اعتباركم في خلقكم أيها الانسان (وترى الأرض هامدة) قاحلة لا نبات فيها ولا بهجة (فإذا أنزلنا عليها الماء) بالقدرة الباهرة في توليد المطر على الأنحاء التي تقرر في توليد السحاب وحمله الماء وعجائب نشأه وضغطه في توليده وسوقه وتسييره وإرساله المطر فإذا نزل على الأرض الميتة (اهتزت) بحياة الانبات (وربت) بالنمو (وأنبتت من كل زوج بهيج) تكفيكم بهجته في أطواره في الدلالة على باهر القدرة وإن غاب عنكم ما في النبات من الخصائص والفوائد الكبيرة المتنوعة وما لأزواجها من خاصية التلقيح ليبقي نوعها وتوالدها على ناموس مستقيم. 6 (ذلك) الذي تلي عليكم من مبادئ نشؤ الانسان ومبالغ نشوئه وحفظ نوعه بنواميس تواليده وما في مراتب ذلك من عجائب القدرة ودلائل الحكمة وقصد الغاية وفي نشؤ النبات ومبالغ نشوئه وحفظ نوعه بنواميس تواليده وما في مراتب ذلك من عجائب القدرة ودلائل الحكمة وقصد الغاية هذا كله يشهد بأن موجده إله قادر حكيم عالم بغايات خلقه يوجد المخلوقات لحكمة غاياتها. قام وجود هذه الموجودات المذكورة ونشأها وخلقها وحياتها واستقام توليدها (بأن الله) الإله القادر العليم الحكيم واجب الوجود (هو الحق) لا الصدفة العمياء ولا الطبيعة ولا الحركة الحادثة المتصرمة ولا المادة المتغيرة المقرونة بدلائل الحدوث والحاجة إلى الموجد (وأنه يحيي الموتى) كل ميت. الانسان والنبات. ترى الحياة تطرأ على أصل ميت لا حياة فيه بل يحييه الله بقدرته ويتصرف بخلقه بإثار القدرة الباهرة. (وأنه على كل شئ) تتصورونه في ناحية الخلق وأنواعه وأطواره ونشأته متسلط (قدير). (وأن الساعة) يوم القيامة وإحياء الناس بعد بلاهم للحشر (آتية لا ريب فيها) لا محل للريب فيها فإن نبوات الحق المؤيدة بدلالة المعجز قد أخبرت عن الله جل اسمه بها وإن دلائل القدرة في خلقكم وخلق النبات وغيره من الحيوان وأنواع الجماد وأطوارها وتواليدها وغاياتها تقيم الحجة الواضحة عليكم بأن الله الخالق في النشأة الأولى بقدرته وحكمته هو قادر في النشأة الأخرى على إحياء العظام والرميم (وأن الله يبعث من في القبور).وقال في الآية الثالثة والثلاثين من سورة الأحقاف المكية: (أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض) بما فيها من عجائب التقدير ومواقع الحكمة ومحاسن النظام بحيث يجلو النظر في ذلك لكل إنسان حسب استعداده ويوضح موقع القدرة والحكمة وقصد الغاية بأوضح المظاهر كما أشرنا إلى بعض ذلك في الجزء الثاني صحيفة (116 إلى 127) خلق السماوات أي العالم العلوي والأرض أي العالم السفلي بهذا النظام العجيب بوضعه وحكمت (ولم يعي بخلقهن) ويتعذر عليه شئ منه أليس هذا الخالق القادر العليم الحكيم (بقادر على أن يحيي الموتى) ويبعثهم ليوم الجزاء (بلى) أن أقل نظر حكر في خلق هذا العالم ومظاهر القدرة يشهد (إنه على كل شئ قدير) هذا بعض ما في القرآن مما يستلفت النظر المنزه وينبه العقل الحر إلى الجنة الساطعة على إمكان المعاد الجسماني وإحياء الأجسام بعد بلاها وعلى وقوعه.