صوت العدالة و صداها - سیاست نامه امام علی(علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سیاست نامه امام علی(علیه السلام) - نسخه متنی

محمد محمدی ری شهری، سید محمدکاظم طباطبایی، سید محمود طباطبایی نژاد، محمدعلی مهدوی راد؛ ترجمه: مهدی مهریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

اصلاحات علوى

صوت العدالة و صداها

62- شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسكافي: صعد |عليّ عليه السلام| المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة وهو يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقينَ من ذي الحجة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر محمّداً فصلّى عليه، ثمّ ذكر نعمة اللَّه على أهل الإسلام، ثمّ ذكر الدنيا فزهّدهم فيها، وذكر الآخرة فرغّبهم إليها، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّه لمّا قُبِضَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله استخلف الناس أبا بكر،ثمّ استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقه، ثمّ جعلها شورى بين ستّة، فأفضى الأمر منهم إلى عثمان، فعمل ما أنكرتم وعرفتم، ثمّ حُصِرَ وقُتِلَ، ثمّ جئتموني طائعين فطلبتم إليّ، وإنّما أنا رجل منكم، لي ما لكم وعليّ ما عليكم، وقد فتح اللَّه الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا الأمر إلّا أهل
الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر، وإنّي حاملكم على منهج نبيّكم صلى الله عليه وآله ومنفّذ فيكم ما اُمرت به، إن استقمتم لي وباللَّه المستعان. ألا إنّ موضعي من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعد وفاته كموضعي منه أيّام حياته، فامضوا لما تؤمرون به وقفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتى نبيّنه لكم، فإنّ لنا عن كلّ أمر تنكرونه عذراً.

ألا وإنّ اللَّه عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارهاً للولاية على اُمّة محمّد حتى اجتمع رأيكم على ذلك؛ لأني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: أيّما والٍ وَلِيَ الأمر من بعدي اُقيم على حدّ الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته؛ فإن كان عادلاً أنجاه اللَّه بعدله، وإن كان جائراً انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله، ثمّ يهوي إلى النار؛ فيكون أوّل ما يتّقيها به أنفه وحرّ وجهه ولكني لمّا اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم.

ثم التفت عليه السلام يميناً وشمالاً فقال:

ألا لا يقولنّ رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فاتّخذوا العقار، وفجّروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتّخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.

ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يرى أنّ الفضل له على من سواه لصحبته، فإنّ الفضل النيّر غداً عند اللَّه، وثوابه وأجره على اللَّه، وأيّما رجل استجاب للَّه وللرسول فصدق ملّتنا ودخل في ديننا
واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد اللَّه، والمال مال اللَّه يقسم بينكم بالسويّة، لا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتّقين عند اللَّه غداً أحسن الجزاء وأفضل الثواب، لم يجعل اللَّه الدنيا للمتّقين أجراً ولا ثواباً وما عند اللَّه خير للأبرار.

وإذا كان غداً إن شاء اللَّه فاغدوا علينا فإنّ عندنا مالاً نقسمه فيكم، ولا يتخلّفنّ أحد منكم عربي ولا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن إلّا حضر إذا كان مسلماً حرّاً. أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم. ثمّ نزل.

قال شيخنا أبو جعفر: وكان هذا أوّل ما أنكروه من كلامه عليه السلام، وأورثهم الضغن عليه، وكرهوا إعطاءه وقَسمه بالسويّة. فلمّا كان من الغد غدا وغدا الناس لقبض المال، فقال لعبيداللَّه بن أبي رافع كاتبه: اِبدأ بالمهاجرين فنادهم وأعط كلّ رجل ممّن حضر ثلاثة دنانير، ثمّ ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن يحضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك.

فقال سهل بن حنيف: يا أميرالمؤمنين، هذا غلامي بالأمس وقد أعتقتُه اليوم، فقال: نعطيه كما نعطيك، فأعطى كلّ واحد منهما ثلاثة دنانير، ولم يفضّل أحداً على أحد، وتخلّف عن هذا القَسم يومئذ: طلحة والزبير وعبد اللَّه بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرها.

قال: وسمع عبيد اللَّه بن أبي رافع عبد اللَّه بن الزبير يقول لأبيه وطلحة ومروان وسعيد: ما خفي علينا أمسِ من كلام عليّ ما يريد، فقال سعيد بن العاص والتفت إلى زيد بن ثابت: إيّاك أعني واسمعي يا جارة، فقال عبيد اللَّه بن أبي رافع لسعيد
وعبد اللَّه بن الزبير: إنّ اللَّه يقول في كتابه وَ لَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَرِهُونَ [ الزخرف: 78. ]

ثمّ إنّ عبيد اللَّه بن أبي رافع أخبر عليّاً عليه السلام بذلك فقال: واللَّه إن بقيتُ وسلمتُ لهم لأقيمنّهم على المحجّة البيضاء والطريق الواضح. قاتل اللَّه ابن العاص، لقد عرف من كلامي ونظري إليه أمسِ أنّي اُريده وأصحابه ممّن هلك فيمن هلك.

قال: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن عليّ عليه السلام، ثمّ طلع مروان وسعيد وعبد اللَّه بن الزبير فجلسوا إليهما، ثمّ جاء قوم من قريش فانضمّوا إليهم، فتحدّثوا نجيّاً ساعة، ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فجاء إلى عليٍّ عليه السلام فقال: يا أبا الحسن، إنّك قد وترتنا جميعاً، أمّا أنا فقتلتَ أبي يوم بدر صبراً، وخذلتَ أخي يوم الدار بالأمس، وأمّا سعيد فقتلتَ أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش، وأمّا مروان فسخّفتَ أباه عند عثمان إذ ضمّه إليه، ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنّا ما أصبناه من المال في أيّام عثمان، وأن تقتل قتلته، وإنّا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام.

فقال: أمّا ما ذكرتم من وتري إيّاكم فالحقّ وتركم، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حقّ اللَّه عنكم ولا عن غيركم، وأمّا قتلي قتلة عثمان فلو لزِمَني قتلُهم اليوم لقتلتهم أمس، ولكن لكم عليّ إن خفتموني أن اُؤمّنكم وإن خفتُكم أن اُسيّركم.

فقام الوليد إلى أصحابه فحدّثهم، وافترقوا على إظهار العداوة وإشاعة الخلاف. فلمّا ظهر ذلك من أمرهم، قال عمّار بن ياسر لأصحابه: قوموا بنا إلى
هؤلاء النفر من إخوانكم فإنّه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف والطعن على إمامهم، وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والأعسر العاقّ- يعني طلحة-.

فقام أبو الهيثم وعمّار وأبو أيّوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم، فدخلوا على عليّ عليه السلام فقالوا: يا أميرالمؤمنين انظر في أمرك وعاتب قومك هذا الحيّ من قريش، فإنّهم قد نقضوا عهدك وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السرّ إلى رفضك، هداك اللَّه لرشدك، وذاك لأنّهم كرهوا الاُسوة وفقدوا الأثرة، ولمّا آسيتَ بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوّك وعظّموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقةً للجماعة وتأ لّفاً لأهل الضلالة، فرأيك!

فخرج عليّ عليه السلام فدخل المسجد وصعد المنبر مرتدياً بطاقٍ مؤتزراً ببُردٍ قطري، متقلّداً سيفاً متوكّئاً على قوس، فقال:

أمّا بعد، فإنّا نحمد اللَّه ربّنا وإلهنا ووليّنا ووليّ النعم علينا، الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتناناً منه بغير حول منّا ولا قوّة، ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذّبه، فأفضل الناس عند اللَّه منزلة وأقربهم من اللَّه وسيلة أطوعهم لأمره، وأعملهم بطاعته، وأتبعهم لسنّة رسوله، وأحياهم لكتابه، ليس لأحد عندنا فضل إلّا بطاعة اللَّه وطاعة الرسول. هذا كتاب اللَّه بين أظهرنا، وعهد رسول اللَّه وسيرته فينا، لا يجهل ذلك إلّا جاهل عاند عن الحق منكر، قال اللَّه تعالى: يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَ أُنثَى وَ جَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَآلِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَل-كُمْ [ الحجرات: 13. ]
ثمّ صاح بأعلى صوته: أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول فإن تولّيتم فإنّ اللَّه لا يحبّ الكافرين.

ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، أتمنّون على اللَّه ورسوله بإسلامكم بل اللَّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [ إشارة إلى الآية 17 من سورة الحجرات. ]

ثمّ قال: أنا أبو الحسن- وكان يقولها إذا غضب- ثمّ قال: ألا إنّ هذه الدنيا التي أصبحتم تمنّونها وترغبون فيها، وأصبحت تُغضبكم وتُرضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له، فلا تغرّنّكم فقد حذّرتكموها، واستتمّوا نعم اللَّه عليكم بالصبر لأنفسكم على طاعة اللَّه والذلّ لحكمه جلّ ثناؤه، فأمّا هذا الفي ء فليس لأحد على أحد فيه أثرة، وقد فرغ اللَّه من قسمته فهو مال اللَّه، وأنتم عباداللَّه المسلمون، وهذا كتاب اللَّه به أقررنا وله أسلمنا، وعهدُ نبيّنا بين أظهرنا، فمن لم يرضَ به فليتولّ كيف شاء، فإنّ العامل بطاعة اللَّه والحاكم بحكم اللَّه لا وحشة عليه.

ثمّ نزل عن المنبر فصلّى ركعتين، ثمّ بعث بعمّار بن ياسر وعبد الرحمن بن حسل القرشي إلى طلحة والزبير وهما في ناحية المسجد، فأتياهما فدعواهما فقاما حتى جلسا إليه عليه السلام.

فقال لهما: نشدتكما اللَّه هل جئتماني طائعين للبيعة، ودعوتماني إليها وأنا كاره لها؟

قالا: نعم.

فقال: غير مجبرَين ولا مقسورَين، فأسلمتما ليّ بيعتكما وأعطيتماني عهدكما.
قالا: نعم.

قال: فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟

قالا: أعطيناك بيعتنا على ألّا تقضي الاُمور ولا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كلّ أمر، ولا تستبدّ بذلك علينا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القَسم وتقطع الأمر، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.

فقال: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً، فاستغفرا اللَّه يغفر لكما. أ لا تُخبرانني، أ دفعتكما عن حقّ وجب لكما فظلمتكما إيّاه؟

قالا: معاذ اللَّه!

قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشي ء؟

قالا: معاذ اللَّه!

قال: أ فوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟

قالا: معاذ اللَّه!

قال: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟

قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القَسم، إنّك جعلت حقّنا في القَسم كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء اللَّه تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً ممّن لا يرى الإسلام إلّا كرها.

فقال: فأمّا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما، فواللَّه ما كانت لي في الولاية رغبة، ولكنّكم دعوتموني إليها وجعلتموني عليها، فخفتُ أن أردّكم فتختلف
الاُمّة، فلمّا أفضت إليّ نظرتُ في كتاب اللَّه وسنّة رسوله فأمضيت ما دلّاني عليه واتّبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما، ولو وقع حكم ليس في كتاب اللَّه بيانه ولا في السنّة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه.

وأمّا القَسم والاُسوة، فإنّ ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء، قد وجدت أنا وأنتما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يحكم بذلك، وكتاب اللَّه ناطق به، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وأمّا قولكما: جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا، فقديماً سبق إلى الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضّلهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في القَسم ولا آثرهم بالسبق، واللَّه سبحانه موفٍ السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم، وليس لكما واللَّه عندي ولا لغيركما إلّا هذا، أخذ اللَّه بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ وألهمنا وإيّاكم الصبر. ثمّ قال: رحم اللَّه امرأً رأى حقّاً فأعان عليه، ورأى جوراً فردّه، وكان عوناً للحقّ على من خالفه.

قال شيخنا أبو جعفر: وقد روي أنّهما قالا له وقت البيعة: نبايعك على أنّا شركاؤك في هذا الأمر. فقال لهما: لا، ولكنّكما شريكاي في الفي ء، لا أستأثر عليكما ولا على عبد حبشي مجدّع بدرهم فما دونه، لا أنا ولا ولداي هذان، فإن أبيتما إلّا لفظ الشركة، فأنتما عونان لي عند العجز والفاقة، لا عند القوّة والاستقامة.

قال أبو جعفر: فاشترطا ما لا يجوز في عقد الأمانة، وشرط عليه السلام لهما ما يجب في الدين والشريعة.

قال: وقد روي أيضاً أنّ الزبير قال في ملأ من الناس: هذا جزاؤنا من عليّ! قمنا له في أمر عثمان حتى قتل، فلمّا بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنّا فوقه.
وقال طلحة: ما اللوم إلّا علينا، كنّا معه أهل الشورى ثلاثة فكرهه أحدنا- يعني سعداً- وبايعناه فأعطيناه ما في أيدينا ومنعَنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، ولا نرجو غداً ما أخطأنا اليوم.

فإن قلت: فإنّ أبا بكر قَسم بالسواء كما قسمه أميرالمؤمنين عليه السلام، ولم ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أميرالمؤمنين عليه السلام، فما الفرق بين الحالتين؟

قلت: إنّ أبا بكر قَسم محتذياً لقَسم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فلمّا وَليَ عمر الخلافة وفضّل قوماً على قوم ألفوا ذلك ونسوا تلك القسمة الاُولى، وطالت أيام عمر، وأشربت قلوبهم حبّ المال وكثرة العطاء، وأمّا الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة، ولم يخطر لأحد من الفريقين له أنّ هذه الحال تنتقض أو تتغيّر بوجه ما، فلمّا وَليَ عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه، فازداد وثوق القوم بذلك، ومن ألف أمراً أشقّ عليه فراقه، وتغيير العادة فيه، فلمّا وَليَ أميرالمؤمنين عليه السلام أراد أن يردّ الأمر إلى ما كان في أيام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأبي بكر، وقد نُسي ذلك ورفض وتخلّل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشقّ ذلك عليهم، وأنكروه وأكبروه حتى حدث ما حدث من نقض البيعة ومفارقة الطاعة، وللَّه أمر هو بالغه [ شرح نهج البلاغة 36:7؛ بحارالأنوار 7:16:32 وراجع نهج البلاغة: الخطبة 205 والمعيار والموازنة: 109 والأمالي للطوسي 1530:727. ]

63- الإمام عليّ عليه السلام- في أوّل خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر، وذلك بعد قتل عثمان-: أمّا بعد، فلا يُرعينّ مُرعٍ إلّا على نفسه، شُغل عن الجنّة مَن النار أمامه، ساعٍ مجتهدٌ، وطالبٌ يرجو، ومقصّرٌ في النار، ثلاثة، واثنان: ملَكٌ طار بجناحيه، ونبيٌّ أخذ اللَّه بضَبعيه، لا سادس.
هلك من ادّعى، ورَدِي من اقتحم. اليمين والشمال مضلّة، والوسطى الجادّة، منهج عليه باقي الكتاب والسنّة وآثار النبوّة.

إنّ اللَّه تعالى داوى هذه الاُمّة بدواءين: السوط والسيف، لا هوادة عند الإمام، فاستتروا ببيوتكم، وأصلحوا فيما بينكم، والتوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحقّ هلك.

قد كانت اُمور لم تكونوا عندي فيها معذورين، أما إنّي لو أشاء أن أقول لقلت، عفا اللَّه عمّا سلف، سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همّته بطنه، وَيلَهُ لو قُصّ جناحاه وقُطع رأسه لكان خيراً له.

انظروا فإن أنكرتم فأنكروا، وإن عرفتم فبادروا، حقّ وباطل ولكلٍّ أهل، ولئن أمِرَ الباطل لقديماً فعل، ولئن قلّ الحقّ فلرُبّما ولعلّ، ولَقلّ ما أدبر شي ء فأقبل، ولئن رجعت إليكم نفوسُكم إنّكم لسعداء، وإنّي لأخشى أن تكونوا في فترة، وما عليَّ إلّا الاجتهاد.

ألا إنّ أبرارَ عترتي وأطايب أرومتي، أحلمُ الناس صِغاراً، وأعلمُ الناس كباراً، ألا وإنّا أهل بيتٍ من علم اللَّه علمنا، وبحكم اللَّه حكمنا، وبقول صادق أخذنا، فإن تَتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يُهلككم اللَّه بأيدينا، معنا راية الحقّ، من تبعها لَحِق، ومن تأخّر عنها غرق، ألا وبنا تُدرك تِرَةُ كلّ مؤمن، وبنا تُخلع رِبقَةُ الذلّ من أعناقكم، وبنا فُتح لا بكم، وبنا يُختم لا بكم [ الإرشاد 239:1، نثر الدرّ 270:1؛ البيان والتبيين 50:2 كلّها عن أبي عبيدة، العقد الفريد 119:3 وفي الثلاثة الأخيرة من قوله ألا إنّ أبرار عترتي... وردت عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلام، عيون الأخبار لابن قتيبة 236:2 وفيه إلى ما أدبر شي ء فأقبل وكلّها نحوه. ]
64- عنه عليه السلام- من كلامه لمّا بويع في المدينة-: ذمّتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم، إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات، حجزته التقوى عن تقحّم الشبهات، ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللَّه نبيّه صلى الله عليه وآله، والذي بعثه بالحقّ لَتُبَلبَلُنّ بَلبلةً، وَلَتُغربَلُنّ غَربلةً، وَلَتُساطُنّ سوطَ القِدر، حتى يعود أسفلُكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلَكم، وَلَيسبِقنّ سابقون كانوا قصّروا، وَلَيُقصّرَنّ سبّاقون كانوا سبقوا.

واللَّه ما كتمتُ وشمة، ولا كذبتُ كذبة، ولقد نُبّئتُ بهذا المقام وهذا اليوم. ألا وإنّ الخطايا خيل شُمُس حُمل عليها أهلُها، وخُلِعت لُجُمُها، فتقحّمت بهم في النار. ألا وإنّ التقوى مطايا ذُلُل، حُمل عليها أهلُها، واُعطوا أزِمّتَها، فأوردتهم الجنّة. حقّ وباطل، ولكلٍّ أهل، فلئن أمِرَ الباطل لَقديماً فعل، ولئن قلّ الحقّ فلربّما ولعلّ، ولَقلّما أدبر شي ء فأقبل! [ [نهج البلاغة: الخطبة 16، الكافي 23:67:8 عن عليّ بن رئاب ويعقوب السرّاج عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلام وفيه من ألا وإنّ بليّتكم وزاد فيه وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم: ادخلوها بسلام آمنين. ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه نوبة إلّا بنبيّ يبعث، ألا ولا نبيَّ بعد محمّد صلى الله عليه وآله، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم بعد فأوردتهم الجنّة.

قال الشريف الرضي: إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان، وإنّ حظّ العجب منه أكثر من حظّ العجب به. وفيه- مع الحال التي وصفنا- زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، ولا يطّلع فجّها إنسان، ولا يعرف ما أقول إلّا مَن ضرب في هذه الصناعة بحقّ، وجرى فيها على عرق، وَ مَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا الْعَلِمُونَ "العنكبوت: 43" "نهج البلاغة: ذيل الخطبة 16".] ]

65- عنه عليه السلام- من كلام له بعدما بويع بالخلافة، وقد قال له قوم من الصحابة: لو عاقبت قوماً ممّن أجلب على عثمان؟: يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون،
ولكن كيف لي بقوة والقوم المُجلبون على حدّ شوكتهم، يملكوننا ولا نملكهم؟! وهاهم هؤلاء قد ثارت معهم عِبدانكم، والتفّت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا. وهل ترون موضعاً لقدرة على شي ء تريدونه؟! إنّ هذا الأمر أمر جاهلية. وإنّ لهؤلاء القوم مادة. إنّ الناس من هذا الأمر- إذا حُرّك- على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مسمحة، فاهدؤوا عنّي، وانظروا ماذا يأتيكم به أمري، ولا تفعلوا فَعلة تُضعضع قوةً، وتُسقط مُنَّةً، وتورث وهناً وذلّةً. وساُمسك الأمر ما استمسك. وإذا لم أجد بُدًّا فآخر الدواء الكيّ [ نهج البلاغة: الخطبة 168؛ تاريخ الطبري 437:4، معالم الفتن 499:1. ]

/ 170