القول في مناط البراءة العقلية وحكم العقل بقبح العقاب بلابيان
لا يكون من وظيفة الشارع بيانه ، فلا محل للبراءة العقلية و الشرعية في الشبهات الموضوعية فاسد جدا ، بداهة أنه ليس المناط في البراءة العقلية و الشرعية أن يكون المشكوك من وظيفة الشارع بيانه ، و إلا كان اللازم عدم جريان البراءة في الشبهات الحكمية أيضا عند إجمال النص ، كما لو تردد الغناء المحرم بين أن يكون هو مطلق مد الصوت و ترجيعه ، أو ذلك مع كونه مطربا ، بداهة أنه ليس من وظيفة الشارع بيان معنى الغناء ، بل معناه موكول إلى اللغة و العرف . بل مناط البراءة العقلية ليس إلا قبح العقاب على الواقع المجهول الذي لم يصل إلى المكلف بأحد أسباب وصوله من العلم به أو قيام الطريق عليه ، ضرورة أن الانبعاث عن البعث المولوي إنما يكون بوجوده العلمي لا بوجوده الواقعي ، فإن الانبعاث عن الوجود الواقعي مع عدم وجوده العلمي من المحالات الاولية كما لا يخفى ، فإذا كان الانبعاث يحتاج إلى الوجود العلمي فما لم يعلم بالبعث ، و لم يصل إلى المكلف بأحد أسباب وصوله كان العقاب عليه قبيحا عقلا ، سواء صدر البعث عن الشارع واقعا أو لم يصدر . بل ربما يقال بأن مورد البراءة العقلية إنما هو فيما إذا كان صادرا عن الشارع واقعا و لم يصل إلى المكلف ، و أما إذا لم يصدر من الشارع واقعا و كان مما سكت الله عنه فليس قبح العقاب على مثل هذا من باب قبح العقاب بلا بيان ، بل قبح العقاب على مثل هذا إنما هو لاجل أن وظيفة الشارعية ما تمت ، إذ لا معنى للعقاب عن شيء لا واقع له و لا مجعول للشارع . و بالجملة : مناط حكم العقل بقبح العقاب من بيان إنما هو لاجل أن الانبعاث يحتاج إلى الوصول ، فما لم يصل الحكم الشرعي بما اعتبر فيه كان العقاب عليه قبيحا ، و إن كان في الواقع صادرا عن الشارع بما له من القيود و تمت وظيفته ، لما عرفت من أن مجرد تمامية وظيفة الشارع مع عدم وصول البعث إلى