القاتل إذا تعذر حملها عنه و هذا القول الثاني للشافعي لعموم قوله ( ودية مسلمة إلى إهله ) و لان قضية الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته و انما سقط عن القاتل لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يؤخذ ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل ، و لان الامر دائر بين ان يطل دم المقتول و بين إيجاب ديته على المتلف لا يجوز الاول لان فيه مخالفة الكتاب و السنة و قياس أصول الشريعة فتعين الثاني و لان إهدار الدم المضمون لا نظير له و إيجاب الدية على قاتل الخطأ له نظائر فان المرتد لما لم يكن له عاقلة تجب الدية في ماله و الذمي الذي لا عاقلة له تلزمه الدية و من رمى سهما ثم أسلم أو كان مسلما فارتد أو كان عليه الولاء لموالي أمه فانجر إلى موالي أبيه ثم أصاب بسهم إنسانا فقتله كانت الدية في ماله لتعذر حمل عاقلته عقله كذلك ههنا فنحرر منه قياسا فنقول : قتيل معصوم في دار الاسلام تعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله كهذه الصورة و هذا أولى من إهدار دماء الاحرار في أغلب الاحوال فانه لا يكاد يوجد عاقلة تحمل الدية كلها و لا سبيل إلى الاخذ من بيت المال فتضيع الدماء و يفوت حكم إيجاب الدية ، و قولهم إن الدية تجب على العاقلة ابتداء ممنوع و انما تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة عنه ، و ان سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم اما مع عدمهم فلا يمكن القول بوجوبها عليهم ثم ما ذكروه منقوض بما أبديناه من الصور فعلى هذا تجب الدية على القاتل ان تعذر حمل جميعها أو باقيها ان حملت العاقلة بعضها و الله أعلم