• عدد المراجعات :
  • 1882
  • 11/8/2011
  • تاريخ :

الوسيلة إلى الله – الإمام

 
الوسيلة إلى الله – الإمام

هل نستغني عن الهداة إلى اللَّه بعد الرسول؟

إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنجز المهمة المطلوبة منه وأدى دوره بابلاغ رسالة اللَّه، وكان دليل الخلق إلى خالقهم طيلة حياته الشريفة، ولكن عمره القصير نسبياً لم يتح له أن يبين تمام تفاصيل ما أرسل به، خاصة وأن الناس كانوا في بداية عهدهم بالرسول والرسالة، أفلا تحتاج الرسالة إلى من يقوم على حفظها وألا تحتاج الأحكام إلى من يحرسها فيمنع التلاعب بها، وما الضمانة التي بها يضمن اللَّه سلامة الرسالة ويحفظ الاستقامة على نهج الرسول محمد صلى الله عليه وآهل وسلم أليس في ذلك ضياع للجهود..

فالرسول قد بلغ ما تيسّر له من أحكام، وعلّم ما أمكن له من علوم، وربى ما أمكن له أن يربيه من نفوس... وكان في ذلك الظرف قائداً ودليلاً للبشر إلى اللَّه، فهل يا ترى يترك اللَّه هذه القافلة والملتحقين بها بلا قائد وبلا دليل، وأي عاقل يفعل ذلك... أليس في ذلك عدم حكمة، بل تهاون وإضاعة للجهد وعمل الرسول، ولذا قال اللَّه عن نصب الدليل بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)1.

فبالإمام تحفظ المسيرة إلى اللَّه، وبالإمام تستكمل الرسالة أهدافها، وبالإمام يتاح للمتأخرين فرصة الالتحاق بالموكب للوصول إلى دار الكرامة والشرف، فالإمام يكمل رسالة النبي ويتابع دوره المنوط به من اللَّه.

ولولا الإمام لما بقي للَّه حجة يحتّج بها على الناس، وبه يحفظ حق الأجيال الآتية بالانتفاع من جهود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

فالناس محتاجون إلى الدليل، والقائد، والمربي، والقدوة، والشريعة كذلك محتاجة إلى المبيّن والحافظ والمطبق والمجري لأحكامها، ولا تتم حجة اللَّه إلا بالإمام فبه تتم الحجة ويكمل الدين. (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)2.

فمن يقوم بقمع المخالفين والمبتدعين، ومن يقوم برد الشبهات؟ ومن يقوم بحفظ الدين وحفظ الأمة من الضياع والإنحراف؟.. إنه الإمام... الذي يكون منصَّباً من اللَّه عزّ وجلّ ليكمل مهمة الدعوة إلى اللَّه التي لا تكون إلا بإذنه، ولأنه حجة اللَّه فيجب أن يكون أميناً أي معصوماً وبإذن اللَّه، أي أن يكون منصوصاً عليه من اللَّه.

لضمان استقامة المسيرة واستقامة السير إلى اللَّه، لأن الإنسان ما دام موجوداً فهو يحتاج إلى من يأخذ بيده ليرشده ويقوده إلى الغاية والهدف، الذي هو معرفة اللَّه عزّ وجلّ وجوار اللَّه عزّ وجلّ ودار الكرامة من اللَّه.

فالإمام هو الصراط المستقيم الموصل إلى كل ذلك: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ).

فكما كان الناس في زمن رسول اللَّه يحتاجون إلى دليل وقائد وقدوة.

كذلك هم في سفرهم إلى اللَّه بعد الرسول يحتاجون إلى قائد وإمام وولي يسيرون خلفه، ويقتفون أثر خطوه، ويتمسّكون بولايته حتى يضمنوا عدم الانحراف، وعدم الضياع، (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)3.

فلو قررنا السفر في البر أو البحر، لا نستغني عن دليل وربان يقود السفينة يكون أعلم بطرق البر والبحر، وكذا في السفر إلى اللَّه، فإنا نحتاج إلى دليل أعلم بطرق السماوات والأرض، وطرق الأنفس إلى اللَّه، لنضمن الوصول وعدم الضياع، لأن الوصول لو تم تكون إلى السعادة التامة والنعيم المقيم، وأما الضلال فيرمينا في وديان التعاسة والخسران. ثم إن الإسلام فيه أحكام وشريعة، وقوانين لبناء النظام السياسي والاجتماعي الصالح لعمارة الأرض، واستقامة البشر، ولنشر العدل، فمن يقوم على رأس هذا النظام ويرعى تطبيقه ويجري أحكامه، فمن هو خليفة اللَّه وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

من هم الهداة إلى اللَّه بعد النبي محمد؟

لا يمكن لنا أن نحدد بأنفسنا واستقلالاً من هو الدليل، ومن هو الولي الذي علينا أن نتمسك بحبل ولايته لننجو من الغرق، فنحن عاجزون عن ذلك، ولأن هؤلاء منسوبون إلى اللَّه وهو نسبهم إلى نفسه وأعطاهم عهده، فهو الذي يعرفهم وهو الذي يختارهم، وعليه وحده بيان من هم عبر وسائله ووسائطه التي اعتمدها من رسول كريم أو قرآن.

وقد حدد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قائلاً: "

إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض

أو "أني تارك ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي"5.

وهم على حد عبارة الرسول سفينة النجاة من أمواج الفتن والضلال، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك"6.

وحددهم الرسول بالعدد ومن أين: "لا يزال أمر أمتي ظاهراً حتى يمضي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش"7.

وحددهم بأسمائهم، ففي رواية أنه جاء رجل يهودي يدعى نعثلا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وكان من بين الأسئلة التي سألها عن أوصياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه من بعده فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن وصيي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسينُ تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين قال: يا محمد فسمهم لي؟ قال: إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه علي فإذا مضى علي فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر"8.

وكان اللَّه تعالى في القرآن الكريم قد حدد أولهم قائلاً: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)9.

كيف نبني العلاقة مع ولي اللَّه؟

ثبت مما سبق أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الاثني عشر عليهم السلام هم مخلوقون وعبيد مقربون من اللَّه عزّ وجلّ، ولذا فهم قريبو المقام من اللَّه، فالقرب من القريب من اللَّه قرب من اللَّه، وهم باب اللَّه الذي جعله موصلاً إليه.

"أين باب اللَّه الذي منه يؤتى"10.

فمن أراد اللَّه عليه أن يأتي إليه من الباب الذي جعله اللَّه موصلاً إليه، ولذا فإن العلاقة معهم عليهم السلام يفترض أن تبدأ من الإيمان بأنهم أئمة وأنهم أولياء اللَّه وأدلاء عليه، ثم اتباعهم وإطاعة أوامرهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)11.

فطاعتهم طاعة للَّه وطاعة لرسول اللَّه، ومنفعتها تعود على المطيع واتباعهم يعود على من يتبعهم، ونحن مأمورون بمحبتهم.

(قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)12.

ولذا فإن كان أحد منا يحب أحداً ما وكان لهذا الأحد قريب أو حبيب، فإنه يحبه لحبه، فحب حبيب اللَّه حب للَّه، وطريق لمحبة اللَّه، كيف وقد أمرنا اللَّه بحبهم.

فحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حب للَّه، وحب أئمة أهل البيت حب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحب للَّه، وعلائم الحب لا بد أن تظهر على المحب

فحبهم يعني طاعتهم، وحبهم يعني زيارتهم، وحبهم يعني التوسل بهم وحبهم يعني التصديق بمقاماتهم، وحبهم يعني الأخذ عنهم وتصديقهم والتسليم لهم، لأنهم هم الصادقون الذين أمرنا اللَّه أن نكون معهم.

وحبهم يعني إعانتهم على أداء وظائفهم، ومساعدتهم بالقيام بمهامهم والتهيؤ لذلك وتمهيد الأرض لهم.

خاتمة

أيها العزيز اسع لتعظيم مكانة هؤلاء العظام في قلبك، وتأدب بأدبهم، وواظب على زيارتهم ووصلهم، واسع ليكون قلبك معهم لتكون معهم في الدنيا ومعهم في الآخرة، ولتنال رضا اللَّه ومحبتهم، واتبعهم لأن المحب يقتفى أثر حبيبه والمرء مع من أحب.

خلاصة

1- الناس يحتاجون بعد النبي إلى قدوة وهادي يواصل ما كان يفعله النبي.

2- الإمامة منصب إلهي والأئمة يعيّنهم اللَّه وقد عينهم وأمر نبيه بالابلاغ عنهم.

3- الأئمة اثنا عشر أولهم علي فالحسن فالحسين فالمعصومون من ذرية الحسين وآخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .

4- علينا أن نطيع الأئمة ونتبعهم ونحبهم ونعزز علاقتنا بهم ونمهد لخاتمهم.

أسئلة

1- من المقصود بقوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).

2- من المقصود بأولي الأمر في قوله تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).

3- أجب بـ(صح أم خطأ):

أ- الدور الأساسي للإمام بعد النبي قتل الكافرين والمنافقين.

ب- من رحمة اللّه تعالى أنه ترك للناس إختيار إمامهم بأنفسهم.

ج- يفصل بين كل إمام والإمام الذي يليه فترة زمنية.

د- الثقلان في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين هما الكتاب والسنّة.

للمطالعة

حياء الإنسان يوم القيامة

يوم القيامة هو يومٌ تظهر فيه الحقائق، وتبرز فيه الخفايا إلى العلن، فيدرك الإنسان أن اللَّه كان دائماً، وفي كل مكان معه، ناظراً إلى أقواله وأفعاله، ويرى ــ من جهة أخرى ــ أن صورته، وشكله الظاهري، يتطابق مع أخلاقه القبيحة، وحالاته الباطنيّة، كما جاء في الحديث: "يحشر الناس على صورة تحسن عندها القردة والخنازير".

ويرى نفسه أكثر فظاظة وقبحاً من الخنزير، والقرد، ويجد أيضاً أعماله القبيحة ماثلة أمامه، كما يقول القرآن الكريم: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)13.

وفي هذه الحال تعرض له من شدة الحياء والخجل حالة يتمنّى معها ــ كما جاء في الروايات ــ الإسراع به إلى جهنّم، حتى يتخلص من شدة الحياء في موقف الحساب، وفي مشهد من الخلائق، فيا لها من شدّة بالغة تهون معها جهنّم عنده!!

ولعلّ فيما جاء عن حالات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إشارة إلى هذا الأمر، فقد كان عليه السلام إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث بكى، وإذا ذكرت الجنة والنار، اضطرب اضطراب السقيم، وإذا ذكر العرض على اللَّه غُشي عليه.

  اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي

القسم العربي – تبيان

هوامش

1- المائدة: 67.

2- المائدة: 3.

3- آل عمران: 103.

4- بحار الأنوار، ج5، ص21.

5- الارشاد، ج1، ص176.

6- مناقب أمير المؤمنين، ج2، ص146.

7- بحار الزنوار، ج63، ص231.

8- ينابيع المودة لذوي القربى، ج3، القنوزي، ص281.

9- المائدة: 55.

10- دعاء الندبة، بحار الأنور، ج99، ص107.

11- النساء: 59.

12- شورى: 23.

13- آل عمران:30.


أبعاد الروح الإنسانية– العبادة

معني الايمان لغويا

معني الإيمان اصطلاحاً

ما هي الخطوات المعتبرة لمعرفة الدين؟

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)