تفسير سورة النمل من آية 87
إلى الآية 93
(ويوم ينفخ في الصور) النفخة الأولى نفخة الإماتة في القيامة الصغرى (ففزع من في السماوات ومن في الأرض) من العقلاء المجردين والجهال البدنيين، أو منالقوى الروحانية والجسمانية (إلا من شاء الله) من الموحدين الفانين في الله، والشهداء
القائمين بالله (وكل أتوه) إلى المحشر للبعث، صاغرين، أذلاء، لا قدرة لهم ولا
اختيار، أو أتوه منقادين قابلين لحكمه بالموت.(وترى) جبال الأبدان (تحسبها جامدة) ثابتة في مكانها (وهي تمر) وتذهب
وتتلاشى بالتحليل كالسحاب لتجتمع أجزاؤها عند البعث في اليوم الطويل (صنع الله)
أي: صنع هذا النفخ والإماتة والإحياء لمجازاة العباد بالأعمال صنعا متقنا يليق به (إنه خبير بما تفعلون) (من جاء بالحسنة) أي: بمحو صفة من صفات نفسه بالتوبة إلى الله
عنها من قيام صفة إلهية مقامها. (ومن جاء بالسيئة) باحتجابه بصفة من صفات نفسه
(فكبت وجوههم) بتنكيس بنائهم لشدة ميلهم إلى الجهة السفلية في نار الطبيعة (هل تجزون) إلا بصور أعمالكم وجعل هيئاتها صوركم.(إنما أمرت أن) لا ألتفت إلى غير الحق و (أعبد رب هذه البلدة) أي: القلب
(الذي حرمها) حماها عن استيلاء صفات النفس ومنعها من دخول أهل الرجس وآمنها
وآمن من فيها لئلا ينكب وجهي في نار الطبيعة (وله كل شيء) أي: تحت ملكوته
وربوبيته يعطي عابده ما شاء أن يعطيه ويمنعه ما شاء أن يمنعه ويدفع من غالبه (وأمرت أن أكون من المسلمين) الذين أسلموا وجوههم بالفناء فيه (وأن أتلوا القرآن) أفضل
الكمالات المجموعة في إبرازها وإخراجها إلى الفعل في مقام البقاء (وقل الحمد لله)
بالاتصاف بصفاته الحميدة (سيريكم) صفاته في مقام القلب (فتعرفونها) أو آيات
أفعاله وآثارها بالقهر في مقام النفس فتعرفونها عند التعذب بها أو (يوم ينفخ في الصور) بتجلي الذات في القيامة الكبرى، ففزع من السماوات ومن في الأرض)
بصعقة الفناء والقهر الكلي إلا من شاء الله من أهل البقاء الذين أحيوا لحياته وأفاقوا بعد صعقة الفناء به (وكل أتوه داخرين) [النمل، الآية: 87] ساقطين عن درجة الحياة والوجود،
مقهورين. وترى جبال الوجودات تحسبها جامدة ثابتة على حالها ظاهرا وهي تمر مر
السحاب في الحقيقة زائلة.