بقلم : سماحة الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) استاءثر علم الرجال (بالمعنى الاعم) باهتمام المسلمين منذ الصدرالأول للاسلام ، فحظي بالأولوية ـ عند العلماء ـ بين علوم الحديث الاخرى ،لأهمية موضوعه ، وخطورة النتائج المترتبة عليه ; لأن معرفة الرواة وأحوالهم وطبقاتهم ، التي يتوقف عليها تصحيح أسانيد الأحاديث أوتضعيفها، هي جميعاً تعتمد على علم الرجال . وهذا أمر بالغ الاهمية ، بل هوالمناط غالباً في قبول الرواية أو ردها. لذلك فإن مناقشة متن الحديث دلالةًهي رتبة متاءخرة عن مناقشته سنداً، وإلاّ فالمناقشة الدلالية مع ضعف السند هي مساءلة افتراضية لا يترتب عليها ـ عادة ـ أثر معين .وقد اشتدت الحاجة الى هذا العلم بعد وفاة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، حيث تعرّضت السنّة الشريفة لتلاعب الرواة والمحدّثين الكذّابين والوضّاعين ، نتيجة عدد من العوامل الموضوعية التي يقف فيمقدمتها العداء للاسلام ، ومنع تدوين السنّة ، والتقرب من الحكام وغيرها.ولم يقتصر هذا الاهتمام على مدرسة أهل السنة ـ التي ترى انتهاءعصر النص مع وفاة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ بل شمل مدرسة أهل البيت عليهم السلام أيضاً، على الرغم من امتداد عصر النص عندهم حتى نهاية الغيبة الصغرى (سنة 329هـ).واتسم موقف المسلمين تجاه هذه الظاهرة السلبية ـ التي أضرّت بالدين الحنيف كثيراً ـ بالصلابة والحزم ، فانبرى علماؤهم لتاءليف الكتب المختصة بمعرفة الرواة وأحوالهم وطبقاتهم ومشايخهم ، وظهر الجرح والتعديل ، ودوّنت الفهارس . فاءلّف عبيد اللّه بن أبي رافع كتاباً في"الطبقات " خلال القرن الاول الهجري، وألّف عبد اللّه الكناني (ت 219هـ)كتاباً في "الرجال "، وكذلك الحسن بن فضال (ت 224هـ)، وعلي بن الحسن بن فضال (المولود عام 206هـ)، والبرقي (ت 280هـ)، وغيرهم كثيرون ،كابن عقدة والكشي والعقيقي، الذين دُونت أسماؤهم في كتب الفهارس .أما في القرنين الرابع والخامس الهجريين ، فقد تصدّى العالمان الجليلان الشيخ أحمد بن علي النجاشي (ت 450هـ) والشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ)، لهذه المهمة ، وألّفا أربعة كتب رئيسية في علم الرجال ،جمعا فيها ما تراكم من تراث رجالي خلال القرون المنصرمة ، وهي: "اختيارمعرفة الرجال " و "الفهرس " و"الرجال " للشيخ الطوسي، و"الفهرس "(المعروف برجال النجاشي) للشيخ النجاشي.