دفاعا عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم - بینات من الهدی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بینات من الهدی - نسخه متنی

محمد الرصافی المقداد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







دفاعا عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم






بعد الفراغ من التوحيد الذي هو الأساس الأول للعقيدة الإسلامية، ننطلق بعونه تعالى إلى الأساس الثاني وهو النبوة، والتي لم تسلم هي الأخرى من الدس والتشويه على خطى اليهود، من قبل كل من كانت له مصلحة في تضليل الناس، ودفعهم عن الاعتقاد الصحيح بمقام النبوة وعصمة أصحابها، ويظهر أن الأنظمة التي كانت تحكم رقاب المسلمين في العصور الأولى، هي التي أسست لعقيدة الضلال تلك، وحالت بين المسلمين وبين الاعتقاد الصحيح بالنبوة والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله، فقد كانت ترى أن كل أساس سليم للدين يهدد سلطتها، ويشكل خطرا مهددا لعروشها، فنجحت من خلال استمالتها لعدد من المتفيقهين في إرساء عقيدة مشوهة بين المسلمين، حثتهم على اعتناقها عنوة، وفسحت المجال لها وحدها لتدرس، ويتخرج بها طلاب متاع الدنيا. وان كان للنبوة نصيب من ذلك، حيث استهدف هذا الركن إلى حملات عديدة أراد أصحابها الحط من مقام النبوة العالي، ونزع القداسة عنه تمهيدا لضرب غيره من المقامات الإلهية. قال تعالى: " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون".(1)







ولم تكن أنظمة الجبت والطاغوت منطلقة في عملها من فراغ، وهي التي كانت مقتفية في ذلك أثر حزب النفاق، الذي كان سباقا إلى زرع بذور الشك والريبة لإبطال دور النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بما روج عليه من أكاذيب حتى قام خطيبا في جموع المسلمين (الصحابة) فقال: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار".(2)







حتى هذا الحديث أيضا لم يسلم من التحريف، فقد ألصقوا به لفظ متعمدا لتتواصل سلسلة الكذب. وقد وجدت ستة روايات خالية من ذلك اللفظ وهي كالآتي:







حديث عن علي عليه السلام: " من كذب علي فانه يلج النار".(3)







حديث عن سلمة بن الأكوع: " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".(4)







حديث عن أبي قتادة: " من تقول علي ما لم أقل..."(5)







حديث عن جندررة: " من كذب علي أو قال علي غير ما قلت بني له بيت في جهنم".(6)







حديث عن أوس: " من كذب على نبيه لم يرح رائحة الجنة".(7)







حديث عن رافع بن خديج: " وليتبوأ من كذب علي مقعده من جهنم".(8)







وفي هذه الروايات الستة دليل على أن زيادة" متعمدا " لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما وضعت لغاية تخفيف خطورة الكذب عليه، فمن كذب غير متعمد أو روى كذبا عن كاذب، فهو غير متعمد، والتهديد لا يشمله، فكانت الإضافة معذرة وملاذا للمتعصبين من أصحاب البدع والأهواء، المتنكبين عن صراط الصفوة الطاهرة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، ومطية سهلة الركوب لنصرة مذاهبهم وتأييد حكامهم. وبين الضغوطات السلطوية والمذهبية خرج الاجتراء على الله ورسوله، وظهرت أعلام التشويه والانحراف، لذلك وجب علينا إن لا نسلم بكل ما القي إلينا من عقيدة، حتى نستصفي منها الصالح والسليم، ونرد كل ما وقع فيها على أعقابه مخذولا مقهورا، لأنه من عمل الشيطان وحزبه.







أسباب الكذب على الله ورسوله صلى اله عليه وآله وسلم







تعدد دافع الكذب على الله ورسوله بتعدد مصادره، حسب مصالحهم وأهوائهم وغاياتهم، فالمنافقون وحزبهم الذي كان نشطا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحقق بعض النجاح في بث الشك والريبة في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما في الرواية التي نقلها مسلم عن عبد الله بن عمرو حيث قال كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال أكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا إلا حق". لذلك لم تنته حملة التشكيك، وتقوت بعد وفاته بأن منع تدوين السنة النبوية، بل وأقدم الخليفة الأول والثاني على حرق ما طالته أيديهما من أحاديث، كانت مدونة عند عدد من الصحابة الذين خدعوا بالدعوة التي أطلقت من طرفهما: " من كان عنده شيء من حديث رسول الله فليأت به". ولا يخفى عن كل ذي لب وبصيرة أن السبب الأول الذي دعا هؤلاء القوم إلى اتخاذ ذلك الموقف المناوئ والمعادي للسنة، هو فصل الناس عن المعاني الواضحة، والتفاسير الدقيقة لعدد من الآيات القرآنية، التي تحدثت عن الولاية والحكومة الإسلامية، كيفيتها وطريقة نصبها، فكلامه في حقيقة الأمر قرآن مفسر، لما نزل عليه من قرآن مجمل، لذلك فان الله تعالى عد كلامه صلى الله عليه وآله وسلم قرآنا بقوله: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علما".







واستمر أمر حرق ومنع السنة النبوية من أن تكون قريبة من الناس من طرف الحكام الذين تسلطوا على رقاب المسلمين بدأ من السقيفة حتى جاء الطلقاء من بني أمية الذين ما كان لهم أن يحلموا بتنسم مقاليد أمر المسلمين وهم من أسس أساس الحرب عليهم وعلى نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، لولا جماعة السقيفة الذين كانوا في حقيقة الأمر الوطاء الذي مهد لهم اعتلاء سدة الحكم. كما كان لبني أمية موقف آخر من السنة أشد خطرا وأكثر ضررا، فمعاوية هو من شجع الكذب على الله ورسوله وأعطى ما أعطى من أموال ومناصب، فخلط أوراقها وبث فيها سموما كثيرة وهي التي لم تكن مدونة عند الكثيرين، كما لا يخفى على الدارس للتاريخ بما حواه من نقائص وكتب الحديث والسيرة وطبقات الرجال يرى جليا بصمات اليهود على الروايات التي تتعلق بالتوحيد والنبوة، فقد أمكن لكعب الأحبار أن يجد له مكانا مقدما بين الصحابة بفضل الخليفة الأول الذي أتاح له أن يقص في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويفرغ سمومه في عقول من كان يستمع إليه من الصحابة، فنجح في تلويث العقيدة الصافية التي ترك عليها النبي صلى الله عليه وآله الكثيرين منهم، ومن ثم نشأ الاعتقاد اليهودي للتوحيد والنبوة تحت غطاء وبعنوان إسلاميين. وكانت معاناة أهل البيت عليهم السلام في تلك الحقبة من الزمن كبيرة، وكان عليهم أن يستميتوا في حفظ تراث جدهم والدفاع عن مقامهم في الأمة، والخروج بين هاذين المطلبين بأخف الضرار عليهم وعلى الثلة المؤمنة التي والتهم، واتبعت وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم. وكان لهم أن نجحوا في أداء مهمتهم للأمة، فبينوا حقيقة التوحيد، ووضحوا معاني النبوة وذبوا عنهما ما ألصقه الظالمون والجهلة من ترهات لا تليق بهما. وبما أننا قد ذكرنا في بحث منفصل أسس التوحيد الصحيح لأهل البيت عليهم السلام، أشرنا إلى عقيدة غيرهم ممن تنكب عن نهجهم، في مقارنة تقطع على الصادق وجهته، فإننا في هذا المقام نتعرض لمعاني النبوة وحقيقتها في عقيدة أهل البيت عليهم السلام، مشيرين في نفس الوقت إلى ما يعتقده غيرهم من بقية الفرق الإسلامية بخصوص النبوة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، تاركين أمر اختيار الاعتقاد الصحيح إلى من في قلبه بصيص من نور وبقية من رجاء، فنقول بعونه تعالى:







النبوة هي مركز الاجتباء ومقام الولاية الثاني، جعله المولى سبحانه وتعالى سببا بينه وبين خلقه، وطريقا إليه، فهي بابه الذي يؤتى منه تعبدا وطاعة، وهي نوره ووجهه ولطفه ورحمته، وهي حجته على خلقه وينبوع علمه ومعرفته. والأنبياء اختارهم المولى سبحانه وتعالى ليكونوا وسائط بينه وبين خلقه، واختصهم برسالاته وشريعته لما ظهر من صفاء معادنهم وجلاء أرواحهم. سبقوا بقية الخلق إلى معرفته تعالى، فكافاهم بان اختارهم واصطفاهم قال تعالى: " إن الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس".(9)







وبما إن خالق الخلق غير متناه في كمال وفي جلال، وفي غيرهما من الصفات التي لا حصر لها ولا عد، فقد عسر على غير الصفوة معرفته حق المعرفة والدلالة عليه، لان تجلياته تعالى تتطلب وعاءا خاصا مستعدا لانعكاس الفيض الإلهي عليه، فدل ذلك على إن منتهى النقص لا يمكن له إدراك منتهى الكمال، إلا بواسطة تكون خالية من النقص، قابلة لاشراقات الباري تبارك وتعالى.







لقد دأب الأئمة الأطهار من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، على توضيح معالم الدين وأحكام الشريعة لكل من قصد بيوتهم التي أذن الله أن ترفع، رغم عداء الظالمين لهم، ومحاولة فصلهم عن دورهم الإلهي، استطاعوا أن يحفظوا المعالم الحقيقية التي جاء بها جدهم صلى الله عليه واله وسلم، ويبثوها صافية من أدران الطغاة نقية من شوائب أئمة الضلال عارية من كل شبهة جلية المعاني واضحة المعالم ولولا ألطافهم الإلهية، لاندرست معالم الدين، ولن أكون مغاليا في قولي هذا، لان كل من تجرد من عصبية التمذهب العمياء، سيقف على محجة الصادقين والسابقين، وسيكون بإذنه تعالى في زمرة أصحاب اليمين.







جاء عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، في جوابه للزنديق الذي سأله: من أين اثبت الأنبياء والرسل؟ قال: " إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا، لم يجز أن يشاهد خلقه ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء من خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاءهم وفي تركه فناءهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، المعبرون عنه عز وجل، وهم الأنبياء صفوته في خلقه، حكماء مؤيدين بالحكمة، مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم، مؤيدين عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك بكل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكي لا تخلوا أرض الله من حجة، يكون معه علم يدل على صدق مقالته، وجواز عدالته.(10)







إنقسم المسلمون في فهمهم وإدراكهم لحقيقة النبوة وجوهرها إلى قسمين:







القسم الأول:







يقول بعصمة الأنبياء قبل النبوة وبعدها، لما معناه عدم جواز صدور الذنوب عنهم صغيرها وكبيرها، عمدها وسهوها، واستدلوا على ذلك بأدلة عقلية ونقلية، وهم أتباع الأئمة الطاهرين من آل محمد الميامين صلى الله عليه وآله وسلم.







القسم الثاني:







يقول بعدم عصمتهم قبل النبوة، أما بعدها ففي التبليغ عن الله تعالى فقط، وجوزوا عليهم الأخطاء عمدا وسهوا ونسبوا لهم ما لا يجوز حتى على أهون المسلمين، وهم أتباع ما يسمى بالسنة والجماعة.







وحتى يتبين الرشد من الغي، وتظهر أعلام الحق عالية، لابد من موازنة بين الرأيين، فماذا يقول أصحاب الرأي الأول شيعة الأئمة الإثني عشر خلفاء الله في أرضه، والمستحفظين على شريعته بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟







إقتضت ألطاف المولى سبحانه وتعالى أن يكون الواسطة بينه وبين خلقه معصوما، لما لا يخفى من حكمته، واصطفاؤه لوسائطه من خلقه مبني على ذلك الأساس، وليست العصمة بالمعنى الذي إنغرس خطا في بعض العقول، والذي مفاده إن المعصوم مجبور على عدم فعل المعصية. وإنما هي ملكة عقلية وحسية بلغت من المعرفة للخالق تعالى والإدراك له، بحيث يكون صاحبها ممتنعا عن المعاصي مع قدرته عليها، ثم مسددا من قبل المولى بعد ذلك لما يظهر له من تجليات آياته تعالى.







وبناءا على ذلك نقول: انه لما كان المولى سبحانه وتعالى مطلعا على استعدادات خلقه وإمكاناتهم الباطنة فضلا عن الظاهرة، فان اختياره كان متجها إلى الأصلح والأكثر استعدادا على القيام بوظيفة التبليغ عنه، فيفعل به ألطافا، ويهيأ له ما يؤهله إلى الأداء عنه. فلا بد إذا من أن يكون الواسطة بين الله تعالى وخلقه أفضل وأحسن عقلاء عصره، معصوما من كل ذنب مبرأ من كل تهمة، خاليا من كل نقيصة وعاهة، متكاملا خلقا وخلقا منزها عن وضاعة الأصل ككفر الآباء والأمهات، معلوما عند الخالق تعالى قبل الخلق، غير مستدرك بعده، وإذا كانت هذه الصفات غاية يسعى للحصول عليها الفرد المؤمن وهو في طريقه المعرفي والعملي، فكيف لا تكون محصلة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ والعصمة هي قوة باطنة للعقل والفؤاد، موجودة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، متنامية مع نمو جسده الشريف، ملبية لمتطلبات أدواره الحياتية واجبة لاستكمال وثوق الناس به، والتسليم له دون أدنى شك أو ريب في ما يصدر عنه، أهو من المولى تعالى أم منه؟ فلو جاز صدور الذنب عنه، لسقط مقامه في الناس ولكان موضع رد ولوم بحسب الذنب الصادر عنه، وقد يقتضي ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعزيره وإيذاءه، وذلك مما لا يليق بالمقام العالي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي هو نيابة عن المولى سبحانه وتعالى.







والمصطفى سبقت العناية الإلهية إليه إعدادا وتهيئة، لحصول التكامل مع الوظيفة المناطة به، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أدبني ربي فأحسن تأديبي".(11)







وقال أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى خطبه: "وقد قرن به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره".(12)







فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مبرأ من كل العيوب منزه عن كل النقائص حتى السهو والنسيان والغفلة لا تجوز عليه لمعارضتها للدور المناط به ويؤيد ذلك ما ورد في القران الكريم كقوله تعالى: "... وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى "(13).







وقوله تعالى: " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "(14). وقوله تعالى: " سنقرئك فلا تنسى"







وقوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "(15). حتى وإن سلمنا بانقسام حياة النبي إلى محطتين، الأولى فترة ما قبل النبوة والثانية فترة النبوة، فإن ذلك التقسيم لا يتعدى كونه بيانا وفصلا تاريخيا لفترتين. أما الحقيقة فقد جاءت على لسان سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: " نبئت وآدم بين الماء والطين".(16) بمعنى أن خلقه ونبوته كان قبل خلق آدم عليه السلام، ولولا محمد صلى الله عليه واله وسلم لما خلق الله تعالى أرضا ولا سماء، ومن أجل محمد صلى الله عليه وآله وسلم خلق الله تبارك وتعلى الخلق، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم تقرب الأنبياء والمرسلين، وبه وبرسالته بشروا أممهم، فلا مجال للقول بعد ذلك بفترة ما قبل النبوة، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان نبيا في عالم الملكوت، عارفا عالما بنفسه متيقنا من ذاته، غير انه لم يكن مأمورا بالإفصاح عن مكنونه، وإظهار نبوته وشريعته طيلة أربعين سنة من ولادته. قال تعالى: "ولا تعجل بالقران من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علما ".(17)







أجمع المسلمون المتشيعون لمحمد وآله الأطهار صلى الله عليهم، على طهارة آباء وأمهات النبي صلى الله عليه وآله، وتنزههم عن الشرك والكفر، وما يضع من مقامه الشريف كالزنا ووضاعة الأصل. قال تعالى: " وتقلبك في الساجدين".(18)







وجاء تفسيرهم للآية بما وجدوه مرويا عندهم، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، وأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قولهما: " تقلب النبي صلى الله عليه وآله في أصلاب الموحدين والنبيين نبي بعد نبي، وموحد بعد موحد حتى أخرجه من صلب أبيه عبد الله، وأمه آمنة عليهما السلام.







فآباء الأنبياء كلهم موحدون مؤمنون، كذلك آباء النبي وأمهاته. فعبد المطلب عليه السلام كان موحدا، كذلك الحال بالنسبة لعمه سيدنا أبو طالب عليه السلام، ولم يكن كافرا كما يعتقده السواد الأعظم من المسلمين، وكما استطاع بنو أمية أن يغرسوه في اعتقادهم فيظلموا سيد قريش. ولم يؤثر عنه أنه سجد لصنم أو قرب قربانا لآلهة قريش طوال حياته الشريفة، بل جاءنا ما يفيد عكس ذلك تماما، فقد كان عبد المطلب يتعبد في غار حراء، ومن بعده أبو طالب قبل أن يسلك النبي صلى الله عليه وآله مسلكهما. من أشعار أبي طالب عليه السلام والتي تثبت اعتناقه للإسلام:









ولقد علمت بأن دين محمدمن خير أديان البرية دينا







وهو الذي آوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونصره، ورد عنه أذى المشركين، وتحمل من أجله لتبعات ذلك، فنفي من جملة من نفي إلى شعاب مكة، وقد سمي المنفى بشعب أبي طالب عليه السلام.







قال تعالى: " والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا".(19)







فمصلحة تعامله مع وجهاء ورؤوس قريش كانت تقتضي بان يكتم أبو طالب إيمانه، وكان حري بأن يلقب بمؤمن قريش كما لقب حزقيل عليه السلام مؤمن آل فرعون.







لكن بني أمية ومن حذا حذوهم، كبر عليهم أن يكون محمد وآله صلوات الله عليهم بلا عيب ولا مغمزة، وسلالاتهم غارقة في الشرك وخباثة الموالد، فوضعوا أحاديث تكفر آباء وأمهات وأولياء النبي صلى الله عليه وآله.







أما تعبده قبل الإذن له بالدعوة، فقد كان على دينه، وليس على دين أي من الأنبياء الذين سبقوه، لثلاثة أسباب هي:







السبب الأول:







لأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين.







السبب الثاني:







لأن كل الأنبياء جاؤوا ليبشروا بنبوته وبدينه. قال تعالى: " ووصى بها إبراهيم بنيه يا بني إن الله قد اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون".(20)







السبب الثالث:







لأنه إمام الأنبياء والمرسلين وأفضلهم، وكان متبوعا ولم يكن تابعا.







معنى النبي الأمي







جاء عن الصولي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، قلت له: يا ابن رسول الله، لم سمي النبي الأمي؟ قال ما يقول الناس؟ قلت: يقولون إنما سمي الأمي لأنه لم يكتب. قال: كذبوا أنى يكون ذلك والله تعالى يقول في محكم كتابه: " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة". فكيف يعلمهم ما لم يحسن؟ والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرا ويكتب باثنين وسبعين لسانا، وإنما سمي الأمي لأنه كان من مكة، ومكة من أمهات القرى، ذلك قول الله في كتابه: " لتنذر أم القرى ومن حولها".(21) وفي موضع آخر جاء تفسير الأمي بالذي لم ينزل في قومه كتاب، ومن ذلك قوله تعالى: " قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم".







عجيب أن تنقلب المفاهيم الصحيحة عند الناس، لتتحول معكوسة في أذهانهم، فكيف يصح أن نصف المتعلم من أفواه الناس عالما، والمتعلم من الله تعالى جاهلا لا يحسن القراءة والكتابة.. فتبصر..







أرسل المولى سبحانه وتعالى مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ورسولا، منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر رسولا، وأولي العزم منهم خمسة.







عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل " فقال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم. قلت: كيف صاروا أولي العزم؟ فقال: لان نوحا بعث بكتاب وشريعة، وكل من جاء بعد نوح اخذ بكتاب نوح وشريعته ومناهجه، حتى جاء إبراهيم بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرانه,فكل نبي جاء بعد إبراهيم اخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه، وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وبشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصحف، وكل نبي جاء بعد موسى أخذ بتوراته وبشريعته ومنهاجه حتى جاء عيسى بالإنجيل، وكل نبي جاء بعد عيسى أخذ بإنجيله وبشريعته ومنهاجه، حتى جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه, فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولي العزم من الرسل".(22)







عن زرارة قال: " سالت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: "وكان رسولا نبيا " ما الرسول وما النبي؟ قال: "النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك ".(23)







ونبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأنبياء والرسل، بل أفضل المخلوقات إطلاقا، فهو الذي بدأ الله تعالى به الخلق وجعله بشارة الأنبياء، وإيذانا بقرب خروجه، وكلهم بعثوا لأقوامهم خاصة، وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم بعثه الله تعالى للعالمين، من لدن بعثته حتى قيام الساعة.







لم يقف الأئمة الأطهار من ذرية خير الأخيار صلى الله عليه وعليهم من حملات الدس والتشويه والتحريف التي شنت على السنة النبوية المطهرة موقف المتفرج، بل كانوا يتصدون في كل مرة وكلما وجدوا فرصة لإنارة عقول المسلمين بعلومهم الإلهية التي لم تطلها أيدي العابثين، لان دين الله تعالى لا يترك سدى للناس يفعلون به الأفاعيل، إنما وقع حفظه بأهل البيت الأطهار عليهم السلام كما قال تعالى: " بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء".(24)







والدارس لأحاديثهم ورواياتهم في شتى مجالات الدين من عقيدة وشريعة، يقف على معنى الحفظ والمستحفظين. إن ذلك الدور لم يتركه المولى سبحانه وتعالى للناس، فيكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقصرا في وظيفته، بترك القرآن بلا جمع والأحاديث النبوية بلا تدوين، بل ما جاءنا عنهم عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غادر الدنيا متمما دوره واضعا كل شيء موضعه. قرآنه مجموع وسنته محفوظة عند أصحابه الموكلين بهما، والذين اذهب الله سبحانه وتعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين قال عنهم جل وعلا: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "(25)







وللإمام علي بن موسى الرضا ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام، مناظرات في عصمة الأنبياء جرت له مع أصحاب المقالات، تصدى فيها مدافعا عن مبدإ طهارة الأنبياء وعصمتهم، فجلى بكلامه وبيانه عن المسلمين غمة الإشكال والشك، ودفع عنهم ما إرتابوه في تلك المسالة، انقلها كما هي عن كتاب عيون أخبار الرضا عليه وعلى آله أفضل صلاة وأزكى تسليم:







حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال: حدثني أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: أن الأنبياء معصومون؟ قال: نعم قال: فما معنى قول الله عز وجل: " وعصى آدم ربه فغوى "، فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى قال لآدم: "أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة " وأشار لهما إلى شجرة الحنطة، "فتكونا من الظالمين " ولم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها، وإنما أكلا من غيرها، لما وسوس الشيطان إليهما وقال: "ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة " وإنما ينهاكما أن تقربا غيرها، ولم ينهكما عن الأكل منها "إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما من الناصحين " ولم يكن آدم وحواء شاهدين من قبل ذلك من يحلف بالله كذبا " فدليهما بغرور" فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن بذنب كبير استحق به دخول النار، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة، قال عز وجل: "إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض".







فقال له المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: "فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " فقال له الرضا عليه السلام: إن حواء ولدت لآدم خمس مائة بطن ذكرا وأنثى، وان آدم عليه السلام وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه، وقالا: " لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا". من النسل خلقا سويا بريئا من الزمانة والعاهة وكان ما آتاهما صنفين، صنفا ذكرانا وصنفا إناثا، فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما، ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل قال الله تبارك وتعالى: "فتعالى الله عما يشركون ".







فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقا، فاخبرني عن قول الله عز وجل في حق إبراهيم عليه السلام: "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي " فقال الرضا عليه السلام: إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف، صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج
من السرب الذي أخفي فيه، "فلما جن عليه الليل" فرأى الزهرة، قال: "هذا ربي " على الإنكار الاستخبار، "فلما أفل "الكوكب"قال لا أحب الآفلين " لأن الأفول من صفات المحدث، لا من صفات القدم "فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي " على الإنكار والاستخبار"فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالمين" "فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر" من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار، لا على الإخبار والإقرار " فلما أفلت " قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس: " يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين".







وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال عز وجل: " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه " فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله، فاخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام: " رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمون قال بلى ولكن ليطمئن قلبي".







قال الرضا عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: " إني متخذ من عبادي خليلا، إن سألني إحياء الموتى أجبته".







فوقع في نفس إبراهيم انه ذلك الخليل، فقال: " رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قل بلى ولكن ليطمئن قلبي". على الخلة، قال: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم".







فأخذ إبراهيم عليه السلام نسرا وطاووسا وبطا وديكا فقطعهن وخلطهن، ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله، وكانت عشرة، منهن جزء، وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء، فتطايرت تلك الجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه، فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطرن، ثم وقعن فشربن من ذلك الماء، والتقطن من ذلك الحب، وقلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم بل الله يحي ويميت وهو على كل شيء قدير.







قال: المأمون بارك الله فيك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: " فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان".







قال الرضا عليه السلام: إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها، وذلك بين المغرب العشاء، فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه".







فقضى موسى على العدو وبحكم الله تعالى ذكره، فوكزه فمات، قال: هذا من عمل الشيطان يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله، انه يعني الشيطان " عدو مضل مبين" فقال المأمون: فما معنى قول موسى " رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي " قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة " فاغفر لي " أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني " فغفر له انه هو الغفور الرحيم " قال موسى عليه السلام: رب بما أنعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة".







فلن أكون ظهيرا للمجرمين" بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى " فأصبح " موسى عليه السلام في المدينة " خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه " على آخر " قال له موسى انك لغوي مبين " قاتلت رجلا بالأمس وتقاتل هذا اليوم، لأوذينك، وأراد أن يبطش به" فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما " وهو من شيعته " قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريدان تكون من المصلحين " قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن، فما معنى قول موسى لفرعون: " فعلتها إذا وأنا من الكافرين " بي " قال موسى: " فعلتها إذا وأنا من الضالين "عن طريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك، "ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين" وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم "ألم يجدك يتيما فآوى " يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس " ووجدك ضالا" يعني عند قومك "فهدى" أي هداهم إلى معرفتك "ووجدك عائلا فأغنى" يقول: أغناك بان جعل دعاءك مستجابا، قال المأمون: بارك الله فيك يا ابن رسول الله، فما يعني قول الله عز وجل: "فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر إليك قال لن تراني" كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى ابن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم إن الله تعالى أعز من أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا، رجع إلى قومه فاخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: " لن نؤمن لك" حتى نستمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبع مائة ألف، رجل فاختاره منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبع مائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى: أن يكلمه، ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره، وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لان الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه ومن جميع الوجوه فقالوا"لن نؤمن لك " بان هذا الذي سمعناه كلام الله ": " حتى نرى الله جهرة " فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة، فأخذتهم بظلمهم، فماتوا، فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم، وقالوا انك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: انك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو، فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسى: يا قوم إن الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، إنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه، فقالوا: " لن نؤمن لك " حتى تسأله، فقال موسى: يا رب انك قد سمعت بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله عز وجل: يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى عليه السلام: " رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه" وهو يهوي" فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل "بآية من آياته" جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك" يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي " وأنا أول المؤمنين " منهم بأنك لا ترى.







فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: " لقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه".







فقال الرضا عليه السلام: إنها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله عز وجل: " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء". يعني القتل والزنا.







قال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فضن أن لن نقدر عليه".







فقال الرضا عليه السلام: ذلك يونس بن متى عليه السلام: ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن "أن لن نقدر عليه "أي لن نضيق عليه" رزقه "، ومنه قوله عز وجل: " وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه "، أي ضيق وقتر " فنادى في الظلمات "أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت "أن لا له إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت، فاستجاب الله له، وقال عز وجل: " فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون".







فقال المأمون: لله درك يا أبيا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا".







قال الرضا عليه السلام: يقول الله عز وجل: " حتى إذا استيأس الرسل" من قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا، فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر".







قال الرضا عليه السلام: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله 360 صنما، فلما جاءهم صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص، كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا: " اجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الأخرى إن هذا إلا اختلاق".







فلما فتح الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مكة، قال له يا محمد: " إنا فتحنا لك " مكة " فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر". عند مشركي أهل مكة، بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم، وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذ دعا الناس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.







فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسين، فأخبرني عن قول الله عز وجل: " عفا الله عنك لم أذنت لهم " قال الرضا عليه السلام: هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته، وكذلك قوله تعالى: " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين "وقوله عز وجل: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا"...







فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا بن رسول الله وأوضحت لي ما كان ملتبسا علي، فجازاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا.







قال علي بن الجهم: فقام المأمون إلى الصلاة وأخذ بيد محمد بن جعفر بن محمد عليهما السلام وكان حاضرا في المجلس وتبعتهما فقال له المأمون: كيف رأيت ابن أخيك؟ فقال له عالم ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم، فقال المأمون: إن ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم: "ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى، ولا يدخلونكم في باب ضلالة".







وانصرف الرضا عليه السلام إلى منزله، فلما كان الغد غدوت إليه وأعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له فضحك عليه السلام ثم قال: يا بن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه سيغتالني والله تعالى ينتقم لي منه.(26)







ولو أمكنك تصفح جميع كتب الإمامية الإثني عشرية - وهي الفرقة التي تمثل الإسلام المحمدي النقي تسمت بذلك الاسم لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " سيكون عليكم اثني عشر إماما".







فانك لا تجد حديثا أو رواية واحدة تمس من شخص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أو تحط من مقامه، فلا الوضاعون من يهود ومنافقين استطاعوا أن يخرقوا طوق الإمامة، ولا أنصارهم من الظالمين والجبابرة، وفقوا إلى دس شيء يمكنه أن يفل في كيان العقيدة القوي الذي يعتنقه أتباع هذا الخط.







ولا يتم البحث، وتنجلى حقائقه وتقطف ثماره، إلا بعرض ما وصلت إليه يدي من روايات عند من ينتسبون إلى سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عنها فنقول:







عندما نتناول الكتب الروائية لما اصطلح عليه بأهل السنة والجماعة، وخصوصا ما أسموه بالصحاح الستة، وهي الجامع (الصحيح) للبخاري، ومسلم، والمعبر عنهما بالشيخين، وسنن الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة، والتأكيد خصوصا على ما يلقبونهما بالصحيحين، لأنهما الكتابان اللذان لا يتطرق إليهما شك، في ما حوته دفتاهما من روايات منسوبة إلى النبي صلى اله عليه وآله وسلم، عند معتنقي ذلك الخط، غير أن الحقيقة تقول أن في كثير منها مساس بعقيدة التوحيد، من تجسيم للمولى تعالى، وإظهاره بمظهر لا يليق بذاته المقدسة، وطعن في النبوة بما نسبوه لها من ترهات، وحط من شخص النبي الأعظم بنسبة عدد من الأفعال التي لا تصدر حتى عن إنسان عاقل بسيط. ولقائل أن يقول: لماذا سميت تلك الكتب دون غيرها من الكتب الروائية عند من عرفوا بأهل السنة والجماعة بالصحاح، والحال أن هناك غيرها من نفس المذهب تفوقها قيمة، كمسند احمد بن حنبل والذي يعتبر أقدمها، هذا إذا غضضنا الطرف عن الكتب الروائية الأخرى التي تتواجد في الساحة الإسلامية ولا يأبه لها أحد من هؤلاء؟







والجواب أن تسمية تلك الكتب بالصحاح جاء بعد وفاة أصحابها، من قبل أنظمة يشهد لها بالطغيان والظلم، والبعد عن الدين الحق والعداء له ولمعتنقيه. لقد نظرت تلك الأنظمة في كتب الحديث لاعتمادها رسميا في مدارسها، ومرجعا لفقهائها وعلمائها لتكون النواة للدين الرسمي في بلادها، فلم تجد كتبا مغيبة لروايات أئمة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وطامسة لمقاماتهم غير تلك الكتب فاعتمدتها وزكتها وباركتها، وأضفت عليها مسحة الصحة والقداسة، وتسالمت الأجيال عليها جيلا بعد جيل، حتى أصبح مجرد الوقوف عند حديث مما رواه الشيخان مدعاة للتفسيق والتكفير، فانغرس ذلك الاعتقاد عند العامة، والناس على دين ملوكهم، إلى أن اكتسبت صفة القداسة، واستمرت الأجيال على تلك الوتيرة حتى أصبح جامع أحاديث البخاري مقدما في أسطول الدولة العثمانية، خصص له قارئ يتلوه في كل سفينة تيمنا وتبركا بمحتواه، وترسخت تلك القداسة عند الناس إلى أن أصبحوا يحلفون بها ففي تونس التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية بقيت آثار تلك الثقافة حتى أواخر القرن العشرين عند كبار السن الذين كانوا يحلفون، عندما يريدون التأكيد على صحة كلامهم بقولهم: " والجاه والبخاري "، "و الشفا والبخاري " والجاه هنا القصد منه السلطان العثماني والباي الذي يمثله بتونس، والشفا هنا القصد منه كتاب الشفاء للقاضي عياض، قاض قضاة السلطة.







وعلى ذلك فإننا اليوم نجاة بأنفسنا من الأتون الذي وضعنا فيها رغما عنا، مطالبون بالنظر في ما حوته تلك الكتب من ترهات لا تليق بالإسلام عقيدة وشريعة، نظر المبصر الواعي بما آل إليه حال الأمة من ترد وانحطاط وتخلف وضياع، سببه الإصرار على التعبد بالوراثة، ومواصلة تحمل تبعات من أسسوا أساس هذا الضياع الذي نتخبط فيه.







لقد بذلت ما في وسعي للدلالة على فساد كثير من الروايات المخرجة في تلك الكتب، واضعا الإصبع على نقطة من موضع الداء، ومشيرا إلى أن بيت العلم الذي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له باب، فقد قال: " أنا مدينة العلم وعلي بابها". وجرت العادة أن البيوت تؤتى من أبوابها، ومن جاءها من غير مدخلها سمي سارقا أو جاهلا. وتجاهل الإمام علي عليه السلام والانصراف عنه وعن ذرية النبي الطاهرة عليهم جميع افضل صلاة وأزكى تسليم، إلى مجهولي الحال ومتعاوني الضلال، للنكارة اقرب منهم إلى المعرفة، عافهم التاريخ فلم يحتفظ منهم بغير كنايات جوفاء، مدعاة للتساؤل لماذا رضينا لأنفسنا أن سلك خطوطا بعيدة كل البعد عن أهل البيت عليهم السلام، في حين أننا مطالبون بأن نكون أكثر قربا ومودة وحبا وارتباطا بهم، لأنهم شكلوا على مر التاريخ قاعدة الدين الصافي، والعلم الوافي، والثورة المتأججة ضد الظلم أبدا، لم يسجل عليهم التاريخ زلة، ولا أظهر عنهم إلا ما يثلج الفؤاد ويفيد العباد.







1 أخرج البخاري في باب التعبير، عن عائشة قالت في حديث طويل:







"... فكان (ص) يأتي حراء فيتحنث فيه (يتعبد) الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها حتى فجئه الحق، وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ، فقال له النبي (ص) فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فغطني ثانية فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، حتى بلغ ما لم يعلم، فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة مالي؟ واخبرها الخبر، وقال قد خشيت على نفسي، فقالت له، كلا ابشر والله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي، وهو بن عم خديجة أخو أبيها، وكان أمرا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عمي اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة ابن أخي ماذا ترى؟ فاخبره النبي (ص) فقال ورقة: هذا الناموس الذي انزل على موسى يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله (ص) أو مخرجي هم. فقال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي، فترة حتى حزن النبي (ص) فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقى منه نفسه تبدي له جبريل فقال يا محمد انك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك.(27)







هذا الحديث أخرجه جل حفاظ ما يسمى بأهل السنة والجماعة، غير أن البخاري تفرد بخاتمته، وأي خاتمة؟







قبل أن نتناول الحديث بالدراسة متنا، لا بد لنا من تقييمه سندا، وان كان ذلك ممتنعا عند المتيمين بحب البخاري، إلا أنه لما نجد أن المس والقدح والتهمة وصلت إلى معتقدنا في تنزيه الباري تعالى وعظمته، وكيل التهم والأفعال الشنيعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فانه من واجب كل من في قلبه ذرة من إيمان أن يتصدى لهذه الظاهرة الغريبة عن الدين والبعيدة عن العلم والمنطق والواقع.







نظرة في سند الحديث:







- الليث بن سعد: قال بن معين: كان يتساهل في الشيوخ والسماع(28)







- عقيل بن خالد الأيلي: قال أبو حاتم: لم يكن بالحافظ، قال أبو الوليد: قال لي الماجشون: كان عقيل جلوازا. والجلواز هو الشرطي. قال أحمد بن حنبل: ذكر عند يحي القطان إبراهيم بن سعد وعقيل فجل كأنه يضعفهما.(29)







- يحي بن عبد الله بن بكير: قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة.(30)







- ابن شهاب الزهري: كان داعية الأمويين، المقرب عندهم، وضع لهم أحاديث عندما كان عبد الله بن الزبير مستوليا على مكة، وقد أتينا على ذكره في الدراسة التي تخص التوحيد(31)







- أما بخصوص عائشة بنت ابن أبي قحافة فإنها ولدت بعد نزول الوحي ولم تذكر عمن أخذت الرواية من ناحية، ومن ناحية أخرى فان كل طامة وبيلة فيها مساس بالرسول صلى الله عليه وآله إلا وهي طرف فيها، سواء كان ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وآله، أو بعد وفاته، وهذه إحدى طاماتها، وحري بمن له دين أن لا يأخذ عنها شيئا، لفرط غيرتها وبغضها لبيت فاطمة وعلي، حتى السيدة خديجة لم تسلم من أذاها ميتة لما رأت بأم عينيها عناية النبي صلى الله عليه وآله بصاحبات خديجة واهتمامه بهن، مما دفعها إلى وصف سيدة النساء بالعجوز الحمراء الشدقين، واجترائها على رسول الله بقولها أكثر من مرة " أتزعم أنك رسول الله "فأراد أبوه أن يضربها فمنعه النبي صلى الله عليه وآله بقوله: "دعها فإنها امرأة غيراء لا تعرف أسفل الوادي من أعلاه".(32) فكيف يعتمد الناس في دينهم على امرأة غيراء بهذا الوصف الفظيع الذي وصفه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخروجها من بيتها على جمل وقد دعاها المولى تعالى إلى أن تقر في بيتها، طلبا لحكومة ابن أختها عبد الله بن الزبير، وقيادتها لفلول الفتنة من أعراب الجزيرة، ومنازعتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علبيه السلام في إمامته الشرعية، وقتل آلاف من المسلمين بسببها من أجل أطماعها، دليل آخر على ما كانت تنطوي عليه نفسيتها، ولعل المثل الذي ضربه المولى لها في زوجة نوح ولوط عليهما السلام كاف لمن أدرك معنى الأمثلة التي ضربها لنساء النبي صلى الله عليه وآله.







إن كل من يتدبر ما يقع بين يديه، وله قلب واع، يستهجن كثيرا من الروايات الموضوعة والمدونة في تلك الكتب، ولا يستسيغ مواقف وضعوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله لا تشرف أبسط بسطاء الأمة، يدرك جيدا بعد وخطر المؤامرة التي حيكت للدين وأصحابه.







ولست أدري إن كانت العلة صادرة عن عائشة، أم عن من روى عنها من أبناء أختها، أو ممن كان يدور في فلكها من عباد الدنيا ومتنسمي السلطة والمناصب، من أشباه الفقهاء والقصاصين الذين طالت أعناقهم عند العامة بعائشة ومن كان في شاكلتها. إلا أنني أقول جازما أن التي تجرأت على النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده أمير المؤمنين عليه السلام، ومن بعده إبناه الحسنان عليهما السلام، عندما خرجت على بغلة تألب الناس كي يمنعوا الإمام الحسين عليه السلام من دفن أخيه الإمام الحسن عليه السلام، بجانب جده رسول الله، حتى قال فيها القائل: " تجملت، تبغلت ولو عشت تفيلت، أي أنك خرجت على الإمام محاربة إياه على ظهر جمل، ثم خرجت تمنعين دفن الحسن عليه السلام وتألبين عليه بني أمية، على ظهر بغلة، وقد تخرجين على ظهر فيل من أجل محاربة أي ميزة لأهل البيت الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.







ولكن طالما أنها هي التي فتحت على نفسها منفذ الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لتظهر بمظهر العالمة الفقيهة، مقابل باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى بالأخذ عنه، وتلقف منها المتلقفون يمنة ويسرة، فهي المسؤولة عما آلت إليه رواياتها. لقد جاءت كتب التاريخ والسيرة لتحدث أنها قد اتخذت لنفسها ذلك المقام فكان الخلفاء الثلاثة الأوائل يطلبون منها الإفتاء وإبداء رأيها في كثير من المسائل التي يقدمون بها عليها، ولم تتخلى عن عثمان إلا عندما خذلها وأهمل جانبها، فكانت من المحرضين على قتله بل لقد صرحت بذلك على الملإ عندما قالت أقتلوا نعثلا فقد كفر. ومن ذلك قول الشاعر:










منك البداء ومنك الغيرومنك الرياح ومنك المطر
فأنت أمرت بقتل الإماموقلـت لـنا انـه قد كفر







إلا أن الأمويين وظفوا بعد ذلك دور عائشة، فكان مروان بن الحكم يقول: " كيف يسأل أحد وفينا أزواج نبينا وأمهاتنا". دون أن يكون القصد من حديثه شاملا لبقية نساء النبي صلى الله عليه وآله لأن بقية النساء امتنعن عن القيام بدور ليس لهن.







رواية بسند منقطع كهذا، حيث لم تذكر عائشة من أخبرها، لأنها لم تكن مولودة في ذلك الوقت، وان كانت قد ولدت فهي صغيرة جدا لا تعي شيئا مما يدور حولها، ورواة تشكل منهم السند كعقيل الجلواز وابن شهاب داعية الظلم الأموي والليث بن سعد المتساهل في الرواة والرواية، لا تقوم بهم حجة.







أما من حيث المتن فتحدثت الرواية عن بدء نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله، بأسلوب لا يمكن للعاقل أن يقبله، فإرسال الرسل في حقيقته هو لطف من الباري تعالى، وهو شامل لكل مخلوقاته، وأول ما نزل به جبريل عليه السلام هو سورة" إقرأ" والتي بدأت ببسم الله الرحمان الرحيم، فكيف يمكننا أن نسلم بالطريقة الفظة التي تعامل بها المولى تعالى مع أفضل مخلوقاته، وهو الرحمان الرحيم، يأمر جبريل عليه السلام بأن يغطه ثلاث مرات، في كل مرة تكاد تزهق فيها روحه، فهل عند نبي الله شيء يراد إخراجه منه، فمورست عليه تلك الطريقة من الشدة؟ أم إن جبريل عليه السلام أراد إعطاء شيء للنبي صلى الله عليه وآله؟ أم إن الوحي لا يتم إلا بالغط والخنق الشديدين؟







وكيف يمكننا أن نقنع بأن النبي صلى الله عليه وآله لا يدري أنه مرسل حتى نزول جبريل عليه؟ فيكون يحي وعيسى عالمين بنبوتهما ناطقين بها وهم صبية في المهد ولم يبلغا الحلم، بقوله تعالى: " يا يحي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا". وقال أيضا: " إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا". وأمن من الخوف موسى بقوله: " لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون". فكيف يصل الخوف بالرسول الأعظم والنبي الخاتم إلى ذلك الحد الذي صورته الرواية، والله تعالى لا يخاف لديه المرسلون؟







ولم تقف الرواية عند ذلك الحد من الدس والتشويه، لتتواصل إلى حد إستبلاه وتقزيم مقام النبي صلى الله عليه وآله بالادعاء عليه فوق ذلك كله أنه لا يدري ما يفعل به، ولا هو واع بما يجري له، فأخذه إلى ورقة بن نوفل، وتفسير ورقة لما حدث له بأنه الوحي الذي نزل على موسى. لكن لماذا قال ورقة موسى ولم يقل عيسى وهو الذي ذكرت الرواية انه كان رجلا يتنصر ويكتب الإنجيل وعيسى هو آخر الأنبياء، وهو الذي من المفترض أن يستشهد به قبل موسى؟ ليس هناك من تفسير سوى القول بأن واضع الرواية يعتقد أن الإنجيل نزل على موسى، فتأمل.







ثم تأتي الرواية بمزيد من تجاهل لمقام النبوة، فتفسح المجال لورقة في نبوءاته مقابل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيعلمه بأن قومه سيعادونه وسيخرجونه، وهو لا يدري، ومع موت ورقه يفتر الوحي، ولست أدري هنا إن كانت فترة الوحي حزنا على ورقة، أم ترددا في بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ مما دفع الأمر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تخير شواهق الجبال لتسلقها ليس للنزهة، إنما ليلقي بنفسه منها إنتحارا وأسفا وحزنا، تماما كما يفعل اليائسون من روح الله، والمنقطع رجاءهم منه تعالى، ويتكرر المشهد في كر وفر بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين فتور الوحي.







هكذا إذا يضعون رسول الله صلى الله عليه وآله، ويحطون من شخصه ونبوته، ويتباهون بالرواية دون التعمق في ما تحويه من دسائس وأمراض، من استخفاف بالله وملائكته ورسوله الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم. وإذا لفت أحد نظرهم لخطإ ما يخص هذه الرواية أو غيرها، خرجوا إليك بتبريرات وتأويلات واهية، كما هو شأن النووي على سبيل المثال في هامش مسلم النيسابوري في باب فضائل موسى، والذي سنأتي عليه في خاتمة الروايات إتماما للحجة على قوم عششت الخرافة والأكاذيب في كتبهم، بحيث أصبحت مطية أعداء الإسلام والباب الذي دخلوا منه ليضربوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.







2 أخرج السيوطي والبزار والطبراني وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي وعبد بن حميد بطرق مختلفة عن السدي قال: خرج النبي (ص) إلى المسجد ليصلي فبينما هو يقرأ إذ قال: " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى " ألقى الشيطان على لسانه، فقال: تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى، حتى إذا بلغ آخر السورة سجد وسجد المشركون لذكر آلهتهم، فلما رفع رأسه حملوه واشتدوا به بين طرق مكة يقولون: نبي بني عبد مناف. حتى إذا جاءه جبريل عرض عليه فقرأ ذينك الحرفين، فقال جبريل: معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا واشتد عليه، فانزل الله يطيب نفسه: " وما أرسلنا من قبلك..."(33)







إن ما أخرجه الحفاظ المذكورون من روايات، ونسجوا خيوط متونها وأسانيدها بحيث تصلح من وجهة نظرهم أن تكون تفسيرا لظاهر الآية 1 5 من سورة الحج لهي من التهافت والإسفاف بما كان لأسباب هي:







أولا:







تناقض الروايات مع القرآن الكريم فقوله تعالى: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقول إلا حقا ولا ينطق إلا صدقا.







وقوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة". وقوله أيضا: " وقال الذين كفروا لولا انزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا". والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أول المؤمنين وأول المثبتين.







قوله تعالى: " إلا عبادي ليس لك عليهم سلطان".







فأي سلطان للشيطان على رسول الله صلى الله عليه وآله بعد هذه الآية، حتى يتمكن من ذلك الفعل الشنيع الذي تتضرر به الرسالة بأكملها إن أمكن وقوعه.







ثانيا:







تضارب الروايات مع المبدإ العام لعصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يتلخص في عدم صدور الذنب عنه كبيرا أو صغيرا عمدا أو سهوا، وفي الرواية ما هو أشنع من صدور الذنب، وهو الكفر بالله تعالى، وتعظيم آلهة قريش بالسجود لها.







ثالثا:







امتناع التمازج بين الدور الرباني والدور الشيطاني في وظيفة النبوة، كامتناع صدور الذنب عن النبي صلى الله عليه وآله، لما لا يخفى من مصلحة الصدق والاستقامة، ومفسدة الكذب والانحراف في التبليغ عن المولى سبحانه وتعالى.







رابعا:







اضطراب الروايات من حيث وضعية الرسول صلى الله عليه وآله عند نطق كلمات تمجيد آلهة قريش، فقد ذكرت إحداها انه حين قرأها كان يصلي، وفي أخرى أنه كان جالسا في نادي قومه، وفي الثالثة أنه حدث بها نفسه فجرت على لسانه، وفي الرابعة أنه كان يصلي عند المقام فنعس.







خامسا:







اختلاف الروايات في محصل الكلمات التي نطق بها إلى 11 قولا منها:







"إنهن لفي الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى". و" إن تلك الغرانيق العلى" و"إنهن لهن الغرانيق العلى" و" تلك الغرانقة العلى"...







سادسا:







معارضة سياق نزول القرآن لما أوردوه في الرواية أن آية " وما أرسلنا من قبلك " نزلت لتطييب نفس النبي صلى الله عليه وآله، لأن الحادثة ونزول سورة النجم كانا بمكة، بينما الآية المشار إليها في سورة الحج وهي مدنية من دون استثناء، كما هو مروي عن ابن عباس وابن الزبير.







أما من حيث أسانيد الروايات، فانه ربحا للوقت صرفنا النظر عنها بعدما تبين اضطراب الروايات متنا، وتعارضها من حيث المحتوى، وطبيعة إرسال الرسل من الله تعالى، ومخالفتها الصريحة للنصوص القرآنية.







يقول السيد محمد حسين الطباطبائي: في تفسير الآية: التمني: تقدير الإنسان وجود ما يحبه، سواء كان ممكنا أو ممتنعا كتمني الفقير أن يكون غنيا، ومن لا ولد له أن يكون ذا ولد، وتمني الإنسان أن يكون له بقاء لا فناء معه، وربما جاء بمعنى القراءة والتلاوة يقال: تمنيت الكتاب أي قرأته، والإلقاء في الأمنية: المداخلة فيها بما يخرجها عن صرفتها ويفسد أمرها. ومعنى الآية على أول المعنيين: وهو كون التمني هو تمني القلب: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى "وقدر بعض ما يتمناه من توافق السباب على تقدم دينه وإقبال الناس عليه وإيمانهم به، "ألقى الشيطان في أمنيته"، ودخل فيها بوسوسة الناس وتهييج الظالمين، وإغراء المفسدين، لأفسد الأمر على ذلك الرسول أو النبي، وأبطل سعيهم" فينسخ الله" يزيل" ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته "بإنجاح سعي الرسول أو النبي، وإظهار الحق، "والله عليم حكيم ".







والمعنى الثاني: هو كون التمني بمعنى القراءة والتلاوة: إلا إذا تلا وقرأ آيات الله، ألقى الشيطان شبها مضلة على الناس بالوسوسة، ليجادلوه بها ويفسدوا على المؤمنين إيمانهم، فيبطل الله ما يلقيه الشيطان من الشبه، ويذهب به بتوفيق النبي لرده، أو بإنزال ما يرده(34)







ويضيف في بحثه الروائي تعقيبا على رواية الغرانيق: الرواية مروية بطرق عديدة عن ابن عباس وجمع من التابعين، وقد صححها جماعة منهم الحافظ ابن حجر، لكن الأدلة القطعية على عصمته صلى الله عليه وآله سلم تكذب متنها وان فرضت صحة سندها، فمن الواجب تنزيه ساحته المقدسة عن مثل هذه الخطيئة، مضافا إلى أن الرواية تنسب إليه صلى الله عليه وآله وسلم أشنع الجهل وأقبحه، فقد تلا " تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى " وجهل أنه ليس من كلام الله ولا نزل به جبريل، وجهل أنه كفر صريح يوجب الارتداد، ودام على جهله حتى سجد وسجدوا في آخر السورة، ولم ينتبه ثم دام على جهله حتى نزل عليه جبريل، وأمره أن يعرض عليه السورة، فقراها عليه وأعاد الجملتين، وهو مصر على جهله حتى أنكر عليه جبريل...







على أنه لو جاز مثل هذا التصرف من الشيطان على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإلقاء آية أو آيتين من القرآن الكريم، لارتفع الأمن من الكلام الإلهي، فكان من الجائز حينئذ أن يكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان.







... وبذلك يرتفع الاعتماد والوثوق بكتاب الله من كل جهة، وتلغى الرسالة والدعوة النبوية بالكلية، جلت ساحة الحق من ذلك(35)







3 أخرج ابن جرير عن السدي قوله تعالى: " فوجدك ضالا " قال: كان على أمر قومه أربعين عاما(36)







4 أخرج الحلبي عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله (ص) يشهد مع المشركين مشاهدهم، فسمع ملكين خلفه، واحد يقول لصاحبه اذهب بنا نقوم خلف رسول الله (ص) فقال الآخر: كيف نقوم خلفه؟ وإنما عهده باستلام الأصنام قبل، فلم يعد بعد ذلك يشهد مع المشركين مشاهدهم.(37)







وتستمر الحرب المعلنة على النبوة عموما والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله خصوصا، بلا هوادة، ولولا أنني وجدت هذه الروايات في كتب محسوبة على الإسلام، لقلت أن أصحابها لا ينتمون إلى الدين بصلة، وأكون محقا في ذلك لأن ما أخرجوه في كتبهم يجعلهم للتهمة والشك أقرب، فمن يرضى بالنقيصة والطعن في سيد الكونين صلى الله عليه وآله وسلم، ويثبت في كتبه كل الترهات التي نحن بصدد الرد عليها لا يمكن أن يحسب من المسلمين فضلا عن كونه من العلماء.







فهل يعقل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله، صفوة الخلق خاتم الأنبياء والمرسلين وإمامهم، حبيب رب العالمين، نور الله المبين، على ما جاء في الروايتين ضالا منحرفا قبل البعثة عابدا للأصنام، مشركا مثل قومه؟ فيكون في قومه من هو أفضل منه، ممن كانوا يتألهون ويوحدون كقس بن ساعدة، وعبد المطلب عليه السلام.







وقد زاد ابن هشام في سيرته أنه (ص) أهدى للعزى شاة عفراء وهو على دين قومه(38) ولو كان كذلك لعد في قومه مرتدا عن آلهتهم، متنكرا لها بعد سنين الاعتقاد بها والطاعة لها، فلا تستقيم دعوته ولا يؤخذ منه شيئا.







ومبدأ الاصطفاء الإلهي في خصوصياته يتعارض ولا يتفق مع الروايتين إطلاقا لأن اختيار المولى سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله مبدئي لا استدراك فيه، تماما كالوعاء الذي خصصه أهله لاحتواء الزيت فلا يمكن أن يكون قد حوى نفطا أو سائلا محاكيا له في اصطباغ الوعاء بلونه ورائحته.







5 أخرج ابن جرير عن قتادة قوله: " ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك" كانت للنبي ذنوب قد أثقلته فغرها الله له.(39)







6 أخرج الحلبي عن ابن سعد قال قال رسول الله (ص): حضرت حرب الفجار مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحب أن أكون فعلت. وكان له من العمر14سنة(40)







تضمنت هاتان الروايتان إشارة إلى عدم عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بحيث تحدثت الرواية الخامسة عن ذنوب أثقلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغفرها الله له، وفي السادسة تعبيره عن الندم على مشاركته في حرب الفجار وهو صغير، في حين أن الواقع يقول غير ذلك، ففي سورة " ألم نشرح " لم يكن معنى الآية" ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك "منصرفا إلى الذنب كما نقله رواة وعلماء الضلالة وإنما تفسيره كما جاء عن الطاهرين من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، نقله السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره حيث قال: "الحمل الثقيل وإنقاض الظهر كسره والمراد به ظهور ثقل الوزر عليه ظهورا بالغا، والمراد بوضع وزره صلى الله عليه وآله وسلم على ما يفيد السياق إنفاذ دعوته، وإمضاء مجاهدته في الله بتوفيق الأسباب، فإن الرسالة والدعوة، وما يتفرع على ذلك هي الثقل الذي حمله إثر شرح صدره".(41)







أما مشاركته في حرب الفجار فالرواية من الأكاذيب التي وقع تلفيقها لتشويه صورة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ووضعه على صعيد واحد مع الصحابة الذين كانوا قبل إسلامهم منغمسين في تلك الحرب.







لذلك، فقد جرت العادة عندهم، أن لا يتم إعلاء مقام صحابي، إلا بوضع مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسنأتي على ذلك في روايات أكثر وضوحا من هذه الرواية.







7 أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: إستب رجلان، رجل من اليهود ورجل من المسلمين، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا (ص) على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين. قال فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى رسول الله (ص) فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول الله (ص): لا تخيروني على موسى فان الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا بموسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أم كان ممن استثنى الله".(42)







8 - أخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله (ص): كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها.(43)







9 أخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال يعني الله تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبد لي، وقال ابن المثنى: لعبدي أن يقول أنا خير من يونس بن متى عليه السلام".(44)







روايات مفاضلة الأنبياء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سوف لن تقف عند ذلك الحد، بل ستتجه إلى مفاضلة الصحابة على رسول الله، وسنأتي بكل عل حدة لنميز الخبيث من الطيب.







في هذا الباب من مفاضلة الأنبياء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقول: بناء على أن مصدر هذه الروايات هو أبو هريرة الدوسي، فان مأتى هذه الأكاذيب هم اليهود من جهة، وجهل الراوي الذي لم يكن خافيا على أحد، فالذي قضى دهرا لا يعرف إلى القراءة والكتابة طريقا، لا يمكنه أن يفقه شيئا، يفيد به نفسه قبل أن يفيد به غيره، فالمتأمل في سيرة أبي هريرة، يجد أن الرجل كان كثير التردد والانكفاء على كعب الأحبار، ومن شدة ملازمته له زمن معوية بن أبي سفيان اختلط عليه الأمر فلم يعد يدري وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أأصاب حديث كعب أم أصاب حديث رسول الله، أما إذا نحن اقتنعنا بأن انخراط أبي هريرة في طابور عباد الدنيا واللاهثين وراء متاعها القليل، الذي كان بنو أمية يخلعونه عليهم، فإننا سنجزم حتما بأن الرجل استعمل ورقة لتضليل العامة المفتونة بثقافة تقديس الصحابة بطم طميمهم. وإلا فمن يشكك أن محمدا بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من أرسل وخير من خلق. فقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع".(45)







كما إن قوله تعالى: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض". دليل على أن تفاوت مراتب الأنبياء.







كما إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: " آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة".(46)







وقوله أيضا: " أنا أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا".(47) أدلة أخرى على أفضلية نبينا صلى الله عليه وآله على غيره من الأنبياء والمرسلين.







هذا من حيث الرواية الثامنة والتاسعة أما ما جاء في السابعة من أن الشيطان يستثني في مسه مريم بنت عمران وابنها فالرواية مردودة بقوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان".







وقوله أيضا: " لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين".







فكل من اصطفاه المولى واختاره للتبليغ عنه يمتلك من الخصائص والاستعدادات ما يحول دون وصول الشيطان إليه، ووسيلة الشيطان لمساس البشر والسيطرة عليهم هي الجهل وجنوده، وهي غير موجودة في من اصطفاهم الله تعالى، لأن المصطفى له من الخصائص والمؤهلات ما يحول بينه وبين الشيطان فلا يستطيع الاقتراب منه أبدا.







ليس هناك من تفسير للغاية التي دفعت إلى وضع هذه الروايات، سوى التشكيك في أفضلية الإسلام، ورفعة مقام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على غيره من الأنبياء، والطعن عليه بكل وسيلة، حتى وان كانت تافهة ومستهجنة لا يقبلها العقل السليم، وبمزيد تقدمنا في سرد روايات الطعن المحسوبة سنة، والمتقيد بكتبها ما يقارب المليار مسلم، تزداد صورة التحريف والتلفيق لتظهر من خلالها بصمات اليهود المتسترين وراء زمرة الصحابة، ممن أتى النفاق على البقية الباقية من دينهم، فأعمتهم عن الوصول إلى المعاني السامية للدين الحنيف، فوقفوا على أعتاب أمجاد جاهليتهم، وتربصوا على مشارف طغيان أنفسهم المستكبرة، فلم تنفذ كلمات الله تعالى، ولا بيانات رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله إلى عقولهم وقلوبهم، فضلت معلقة تذروها رياح شكوكهم ووسوستهم.







10- أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه. ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم " وأعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم "(48)







منذ متى كان أبو هريرة مفسرا للقرآن، وهو الذي لم يمسك في حياته قلما ولا قرأ صحيفة، ولم يكن معدودا في حياة النبي من قراء القرآن ولا من مفسريه. وإلا كيف تفوته آية التطهير التي تقول: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".







أفلا تدل هذه الآية على عصمة أهل البيت عليهم السلام من الشيطان وشروره، ثم شتان بين إرادة المولى الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وبين دعاء زوجة عمران أم مريم، وكذلك بقية آيات الاصطفاء التي تشمل رسول الله صلى الله عليه وآله، بل هو المقدم دائما فيها.







11 أخرج الترمذي والحاكم النيسابوري عن عائشة قالت: أنزل " عبس وتولى " في ابن أم مكتوم العمى أتى رسول الله (ص) فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله (ص) يعرض عنه، ويقبل على الآخر فيقول له: أترى بم أقول بأسا، فيقول: لا. فنزلت " عبس وتولى" وأخرج أبو يعلى مثله عن أنس.(49)







أخرج ابن جرير الطبري عشرة روايات بخصوص " عبس "واهية الأسانيد فيكفي أن نقول أن الروايات جاءت من طريق عائشة وأنس وابن عباس، والذين إن ولد واحد منهم في تلك الفترة، فلا يعدو أن يكون صغيرا لا يعي شيئا مما يدور حوله، إضافة إلى غياب أنس عن حادثة نزول الآية والتي وقعت في مكة، لأنه من أهل المدينة. لذلك فان انقطاع سند الرواية يسقطها مقام الروايات الصحيحة.







أما متون الروايات المتحدثة عن عبوس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم تكن متفقة بخصوص من تصدى له رسول الله، ففي واحدة يقولون: وعند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظماء قريش، وفي ثانية يقولون: كان يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل والعباس بن عبد المطلب، وفي ثالثة، أنه كان يناجي أمية بن خلف رجل من علية قريش، وفي رابعة أنه كان يناجي أبي بن خلف، وفي خامسة تصدى لرجل من مشركي قريش كثير المال رجاء أن يؤمن(50)







وباضطراب الروايات تسقط بعضها البعض من ناحية ولعدم استقامة توجه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للأغنياء من مشركي قريش، وهم الذين حاربوه وصدوا عن دينه صدودا منذ اليوم الأول من دعوته، ولم يكن لديهم استعداد لسماعه ومجالسته، فضلا عن مناجاته، خصوصا أشد أعدائه وألداء خصومه، عتبة بن ربيعة وأبو جهل، وأمية بن خلف، بدليل أن دعوته لم تجد آذانا صاغية، لدى هؤلاء ووجدت لها من المستضعفين من يتقبلها ويحملها، كما جرت العادة في سابق دعوات الأنبياء، قال تعالى: " وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي".(51)







وقال أيضا: " أنومن لك واتبعك الأرذلون".(52)







فكان توجه الأنبياء عليهم السلام عموما، والرسول الأعظم خصوصا إلى الفقراء والمستضعفين كأولوية لا حياد عنها، لأن الدين جاء أساسا ليخلص هؤلاء من تبعية وسلطة وغطرسة وظلم وعبادة الأغنياء، إلى عبادة الباري تعالى رب الأرباب واله الآلهة، ليرشدهم إليه والى عدله وولايته ورحمته.







ولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا كان من عادته الحرص والتهافت على أغنياء قريش وأشرافهم وصناديدهم، كما جاءت به الروايات التي نحن بصددها، لأن الدين جاء لاغيا لتلك المفاضلة الزائفة، والتي لم تكن مستندة إلى مقياس عادل، وإنما هي جاهلية انغرست في قريش دهرا طويلا، جاء الإسلام ليلغيها بكل بساطة، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وقوله تعالى: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم". ولم يقل أغناكم، لقد جاء الدين كله ليؤكد على أن متاع الدنيا قليل وزائل، وان علاقة الناس ببعضهم لا يجبب أن تأخذ بعين الاعتبار في المفاضلة ذلك المتاع. كما أن الغنى مادة للشر إذا لم يكن صاحبه مؤمنا، قال تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا".







وبعودتنا إلى الآيتين في سورة عبس، نكتشف الحقيقة بيسر، وهي أن الخطاب في الآيتين جاء مبنيا للمجهول، ولم يؤثر عن الباري تعالى انه خاطب نبيه بضمير الغائب، وكان من الأولى بالنسبة لمن يعتقد في نبوة أشرف وأكرم الخلق عند الله تعالى، أن ينزه ساحته عن هذه الفرية الأموية، لأن العبوس من مساوئ الأخلاق، لا تجوز على المؤمن البسيط، فضلا عن من عظم الباري تعالى خلقه فقال: " وانك لعلى خلق عظيم".







وقال عنه كذلك: "عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم".







فكيف يعقل أن يذهب حرص النبي على المؤمنين، والذي صرح به المولى تعالى وينصرف إلى المشركين، فيكون عاملا بخلاف الأوامر الإلهية، وساعيا عكس إرادة الباري تعالى.







فكان من باب الإيمان صرف هذه النقيصة، وإلصاقها بصاحبها فهو أولى بها، والآية أشارت إلى أن العبوس حصل بمجرد مجيء الأعمى لقوله تعالى: " عبس وتولى أن جاءه الأعمى" وهو عبوس لا مبرر له، لأنه جاء بدون مقدمات عكس ما حكته الروايات.







يقول السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الآية: وليست الآية ظاهرة الدلالة على أن المراد بها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه، بل فيها ما يدل على أن المعني بها غيره، لأن العبوس ليس من صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين، ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة قال تعالى: "وأنذر عشيرتك المقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين" فأمره بخفض الجناح للمؤمنين، والسورة من السور المكية النازلة في أوائل الدعوة.







وكذا قوله: "وكذا قوله: " واخفض جناحك للمؤمنين" وفي سياق الآية: " فأصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين" النازلة في أول الدعوة العلنية، فكيف يتصور منه العبوس والإعراض عن المؤمنين وقد أمر باحترام إيمانهم وخفض الجناح لهم، وأن لا يمدن عينيه لأهل الدنيا.(53)







وقد ذهب نظام الدين النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن إلى الإسراف في إلصاق الآية بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: قال أهل المعني في الالتفات من الغيبة إلى الخطاب دلالة على مزيد الإنكار، كمن يشكو جانيا بطريق الغيبة وهو حاضر، ثم على الجاني موجها التوبيخ. وفي ذكر الأعمى نحو من الإنكار أيضا، لأن الأعمى يوجب العطف والرأفة عند ذوي الآداب غالبا لا التولي والعبوس، ولا يخفى أن نظر النبي (ص) كان على أمر كلي وهو رجاء إسلام قريش فانه في الظاهر أهم من إجابة رجل أعمى على الفور إلا أنه سبحانه عد هذا الجزئي كليا من ناحية أخرى هي تطييب قلوب الفقراء والضعفاء وإهمال جانب أهل الغنى والثراء، فان هذا أدخل في الإخلاص، وابتغاء رضوان الله وذلك مضنه للتهمة والرياء. يحكى عن سفيان الثوري أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء، وأيضا فائدة الإرشاد والتعليم بالنسبة إلى هذا الأعمى أمر معلوم.(54)







أنظر هداك الله إلى الحق، وبصرك بمسلك الصدق، كيف يوغل هؤلاء وعلماؤهم في إتباع الظن، وإلصاق كل نقيصة ومذمة بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حتى وان كانت بعيدة الاحتمال، متعارضة مع شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودوره. ويضربون مثل الاستقامة بسفيان الثوري في خفض جناحه للفقراء. ولا غرابة فيما صدر عنهم لاعتمادهم عدم عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففي أحسن الحالات عندهم يقولون بعصمته في التبليغ فقط.







أما ما جاء بعد الآيتين من خطاب مباشر يتصور أنه موجه للنبي، وما هو في حقيقته غير محاكاة لخطاب العرب في الكنايات والاستعارات، من قبيل" إياك أعني واسمعي يا جارة" وفي الكتاب العزيز أمثلة كثيرة على ذلك. قال تعالى: "وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا". والخطاب هنا موجه للمسلمين وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه يتيم الأبوين.







قال تعالى: " لئن أشركت ليحبطن عملك" وقال أيضا: "ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما محسورا". ، الخطاب موجه للمسلمين لأنه لا يمكن للصفوة أن تجعل مع الله شريكا.







12 أخرج مسلم عن عائشة، وعن أنس أن النبي (ص) مر بقوم يأبرون النخل فقال: لو لم يفعلوا لصلح، قال فخرج شيصا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا، قال أنتم أعلم بأمر دنياكم".(55)







هذه الرواية هي من أعظم البلايا التي ابتلي بها فكر جانب هام من الأمة الإسلامية، إن لم نقل أغلبهم باعتقادهم صحتها واعتمادهم على مضمونها، فما يسمى بأهل السنة والجماعة يرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير معصوم فيما يصدر عنه عدا الوحي، وطالما أنه كذلك في معتقدهم فلماذا أطلقوا على أنفسهم تسمية أهل السنة، والسنة هي مجموع أفعال وأقوال وتقارير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يصح اعتماد سنته مع ما وصفوه بعدم عصمته؟ فيكونون بذلك قد أخذوا الجانب الذي يحتمل فيه الخطأ.







لا شك أن الرواية التي ملأت طباق كتبهم من وضع أولياء الشيطان من منافقين وطغاة، تمهيدا لإفراغ الدين من محتواه، وبتر دوره وانتهاء إلى سلب كل بارقة عنه. وبذلك أصبحت هذه الرواية مقصد كل طاعن، ومرجع كل قائل بفصل الدين عن الحياة، حتى الذين رفعوا شعار إحياء الدين وتجديد مظاهره في المجتمع السني من رموز حركات التجديد لم يكونوا بمنأى اعتماد الرواية دون ابسط نظر في ما تحتويه. وما هي في حقيقتها غير أكذوبة مفضوحة، عارية من كل قرينة تقوي جانب الاعتماد عليها، وبقطع النظر عما عليه أسانيد روايات تأبير النخل، ومهما ارتقت صعودا في صحة رجالها فان لمتونها مناقشات تتداعى بها أركانها وهي:







أولا:







إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن جاهلا بشيء من الأشياء يخص محيطه ويحتاجه الناس طالما أنه متصل بمنبع المعارف والعلوم الوحي ومسالة تابير النخل من أبسط المعارف التي لا تتطلب تفكيرا أو تفلسفا للإحاطة بها، وترك النخل بدون تأبير يعني تشيص أو تصيص الثمار وعدم نضجه على طبيعته.







ثانيا:







إذا سلمنا جدلا بجهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتأبير فكيف نسلم بغفلة جبريل عليه السلام، والمولى سبحانه وتعالى عن ذلك، خاصة إذا علمنا أن التمر عند سكان تلك الربوع هو من أهم الموارد الغذائية، علما وأن فترة التأبير تستمر أكثر من شهر ونصف.







ثالثا:







خروج الدلاء من النخلة لا يكون دفعة واحدة وتشققها لخروج العراجين الصغيرة يتم تباعا وقد ينتهي الفلاح من تأبير نخيله وتبقى بعض الدلاء متخلفة، فتشيص، بمعنى أن التجربة سبقت ودلت على أن عدم التأبير مفسدة للتمر، فكيف قنع أهل المدينة بمقالة الترك، وهم متيقنون من عدمه دون نقاش، وقد جاءنا في السيرة أنهم كانوا لا يتحرجون في الرد عليه صلى الله عليه وآله وسلم ومناقشته، كقولهم في بدر على لسان الحباب بن المنذر: أمنزل أنزلكه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ على سبيل الاحتجاج على القائلين بصحة رواية التأبير، لأن هذه الرواية التي استدللت بها على هؤلاء لا تصح عند من يدرك حقيقة مقام النبي ودور النبوة، نعم قد تكون الرواية أقل حدة وأخف وطأة على مقام الوحي، لو أن الناس ردوا على النبي في حينه بأنه كلامه من الله أم منه، وأن تجربتهم في التأبير دلت على عدم صحة قوله، عندها يمكننا أن ندرج الرواية ضمن الروايات التي طعنت في معرفته وعلمه، أما والحال بهذا الشكل فإنها تتجاوز النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مقامات الوحي.







رابعا:







تهافت الرواية بنسبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجهل المركب فهو في نظر هؤلاء المعتقدين بصحة الرواية، لا يعلم صلاح التأبير من فساده، ويرشد الناس إلى فساده ثم يمر بهم بعد فترة وهو ناس أمره الأول معهم، فيعتذر بعذر هو أقبح من ذنب لا يستقيم مع رسالته والعلة التي من أجلها بعث للناس، وهي صلاح الدنيا وإقامة كل اعوجاج فيها.







خامسا:







تعارض الرواية مع القرآن الكريم:







قال تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم " ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم مسألة التأبير لكان خالف معنى هذه الآية، ولم يؤثر عنه انه خالف أمر به إطلاقا، بل إن العلة من إرساله صلى الله عليه وآله وسلم هي أن يكون المثال الحي للكتاب العزيز وتشريعاته.







وقال أيضا: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"







وفي الآية إطلاق لكل أمر ونهي قام به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يتفق ذلك مع نهيه الخاطئ في الرواية؟







وقال أيضا: " وما فرطنا في الكتاب من شيء " وقال أيضا: " فيه تبيان كل شيء" وقال كذلك: " ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" ومسألة التأبير من مشمولات الوحي، بدليل الآيات الثلاث المذكورة، وعليه فان الرواية لا تستقيم لهذا السبب.







سادسا:







لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخير الدنيا والآخرة، والمتدبر للقرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ولا اقصد بها هنا في ما يسمى بالصحاح بل ما ورد عن الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا يقف على حقيقة أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو لصلاح الدنيا، والقوانين التي جاء بها هي لتصحيح ما حرفه الناس، وليس العكس، فكل ما يتعلق بأوجه الحياة من عمل وزواج وتعليم وسياسة وتعامل هي من الدين والى الدين، لم يفرط الكتاب ولا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شيء من ذلك، فكيف يحسن أن يكون المخلوق أعلم من الخالق تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.







سابعا:







خلق الله تعالى الخلق أزواجا، وللنخيل نصيب في ذلك التقدير والخلق ن بأن جعل منها الذر والأنثى وخص الذكر بالتأبير، ومنه تؤخذ شماريخه، لتوضع وسط العرجون المراد تأبيره.







ثامنا:







قوله تعالى: "وأرسلنا الرياح لواقحا"وفي الآية ما يدل على أن المولى سبحانه وتعالى قد حدث نبيه عن اللقاح وأنواعه.







لقد جاءت هذه الأكذوبة لتكرس مبدأ فصل الدين عن الحياة، تحييدا لشريعة الله تعالى، وقطعا لجسور التواصل بينها وبين كافة أوجه الحياة، وتحررا من الأحكام والقوانين التي وضعها الباري تعالى للمجتمعات البشرية، بدأ بالمعاملات البسيطة، وانتهاء بأحكام الولاية والحكومة. إن الامتثال الكلي للأحكام الإلهية لا يترك المجال لذوي الأطماع في القيادة، الأمر الذي دفعهم إلى وضع جملة من الروايات المشككة في قدرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ناسبة له الجهل والخطأ إيهاما للناس أن الدين لا يتعدى كونه شعائر تعبدية، لا تتجاوز العلاقة بين الفرد وخالقه، وما عدا ذلك فالناس موكولين إلى أنفسهم، يفعلون ما يحلو لهم، وفي هذه الرواية ما فيها، من فسحة للعبث والتسلط على رقاب الناس.







وحتى تنطلي المؤامرة على عقول المسلمين، وتدخل في أعماق قناعاتهم، ويتقبلوها بالرضى والتسليم، أوجد أتباع هذه الخطوط مسألة اجتهاد النبي، وكونه قد يخطئ وقد يصيب في الأشياء التي لم ينزل فيها وحي. ولا أخال عاقلا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله يجتهد في وجود أسباب تمنعه من ذلك، وهي اتصاله الدائم وارتباطه المتواصل بالله تعالى وبروحه الأمين، فمن أين جاء اجتهاده إذا؟ لم تأت هذه البلية من طريق سليم فمحصل أدلة القوم هي الأحاديث الموضوعة التي نحن بصدد تفنيدها، كتأبير النخل، ومسألة أسرى بدر، وغيرها من المفتريات التي لا يقبل عقل سليم أنها صادرة عن النبي صلى الله عليه وآله.







13 أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله (ص) إحدى صلاة العشي، إما الظهر وإما العصر، في ركعتين ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليه مغضبا، وخرج سرعان الناس: قصرت الصلاة، فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي (ص) يمينا وشمالا: ما يقول ذو اليدين، قالوا صدق، لم تصل إلا ركعتين. فصلى ركعتين وسلم(56)







تحدثت الرواية عن حالة قد تكون طبيعية عند الناس، ولكنها غير ذلك عند الأنبياء والمرسلين، قد يسهو الإنسان عن فعل ما، وقد ينسى أمرا ما، والسهو والنسيان من جنود الجهل، والجهل من الشيطان، والشيطان ليس له سلطان على صفوة الله تعالى. أن ينسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين من صلاة رباعية، وتتابعت الأحداث ليسهو عن نسيانه، ويخرج الناس دون فعل شيء، حتى يتقدم ذو اليدين لينبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نسي نصف صلاته، ثم لا يقنع بذلك حتى يؤكد آخرون وقوع السهو منه، فذلك من قبيل التحامل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد نعتبر المسألة من باب تعليم الناس كيف يفعلون في صلاتهم عند السهو، كما تعذر لي بعض من أشرب حب الشيخين في قلوبهم، ولكن الطريقة التي بنيت عليها الركعتان المضافتان لا تصح لما تخلل ذلك من حركة وكلام، كافيان لإبطال الصلاة كلها وإعادتها من جديد. أيكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندهم بتلك الحال من الضياع والتيه بحيث لا يدري ما يفعل وهو متوجه إلى خالقه، محتاج إلى تعدد من يرشده حتى يعي بحاله؟ ثم متى كان صلى الله عليه وآله وسلم يصلى مغضبا، أو يصدر عنه غضب حال الصلاة؟ وهو الذي علمنا الخضوع والخشوع والسكينة والخوف والبكاء والرجاء وحضور القلب والتوجه، وليس الغضب والسهو المركب. هذا من حيث المتن أما من حيث السند فيكفي الرواية سقوطا استشهاد ذو اليدين في غزوة بدر وقدوم أبو هريرة وإسلامه بعد انتهاء المسلمين من فتح خيبر مع أشعريي اليمن، فكيف يتفق حضور ذو اليدين زمن أبي هريرة، وما بين السنة الأولى للهجرة، وخيبر السنة السابعة منها ست سنوات، اللهم إلا إذا كانت الرواية كلها بتفاصيلها حلما أو رؤيا رآها أبو هريرة، وما أكثرها في كتب (الصحاح) عندهم، فاختلط عليه الأمر فنسي أنها رؤيا وحدث بها الناس على أنها رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.







ذهب جماعة من العلماء العارفين العاملين بأن العالم بالفقه لا يسهو في صلاته، ولا ينسى منها ركنا، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أعلم الناس وأعبد الناس، وأقربهم إلى ربه أولى بذلك، فلا تصح نسبة السهو والنسيان له، لأنه مسدد من قبل الوحي، بعد حضوره الذهني والروحي بين يدي خالقه تعالى.







14 أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: عرسنا مع نبي الله (ص) فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي (ص) ليأخذ كل رجل رأس راحلته، فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان. ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة.(57)







ويطل علينا أبو هريرة من خلال الكثير من رواياته العجيبة والغريبة، إطلالة أخرى لا تقل عن سابقاتها. ففي هذه الرواية التي تفتقت بها قريحته، وذلك شأنه منذ أن التزم معاوية وقصر الخضراء بالشام، يتلذذ من موائد بني أمية ما جعله يستغني عن خدمة الناس على ملا بطنه، كما كان دأبه سابقا.







بطلان هذه الرواية جاء من وجهين:







الوجه الأول:







قوله: "فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس".







حتى إذا استثنينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تلك السفرة أو الغزوة، فان الرواية لا تصح لاستحالة انخراط مئات من المسلمين ممن دأبوا على أداء الصلوات في وقتها، وتربوا على التهجد آناء الليل في نوم عميق، بلا حرس ولا عسس، وقد يكون عدو ما متربص بهم فكيف يستقيم ذلك؟ أما النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فحاشا أن يكون كذلك وهو الذي تنام عيناه ولا ينام قلبه.







الوجه الثاني:







قوله: " ليأخذ كل رجل رأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان".







وإذا سلمنا بحضور الشيطان لكل من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يحضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحال أن الشيطان لا سلطان له على عباد الله المخلصين، وهم الصفوة المختارة من أنبياء ومرسلين وأوصياء. ثم ما علاقة المنزل بذلك الحضور حتى ينحى باللائمة وتلقى التبعة عليه، وينتقل منه إلى مكان آخر؟ ألسيطرة الشيطان على ذلك المكان؟ أم لعدم طهارته؟ وفي كلتا الحالتين فان الوحي كفيل بكشفها، وعليه فلا مجال لصحة الرواية لعدم استقامة أركانها، وتهافت موضوعها على استنقاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم.







15 أخرج مسلم عن حذيفة قال: كنت مع النبي (ص) فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما.(58)







لا أعتقد أن كل مسلم فيه بقية غيرة ودين على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يقبل بأن يصل الطعن على أفضل المخلوقات بهذا الشكل السافر، نبي عظم الله تعالى خلقه، جاء بآداب فيها الخير للبشرية كلها، يأتي بأشياء كثر نهيه عنها، وعندما ينهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر يكون أول المتقيدين به والممتثلين له، فيضرب مع قوله مثلا من فعله، وعندما ينهى عن التبول قائما، فانه حتما لا يأتي بذلك العمل، وكل ما روي من أنه أتى بخلاف قوله، أو جاء بأمر تعارض مع الآيات القرآنية فهو كذب عليه، إفتراه كل من له مصلحة في تشويه صورة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، للدس في دين الله ما ليس منه، وحشر اسم من أسماء الصحابة الكبار الموالين لأهل البيت عليهم السلام وهو حذيفة بن اليمان صاحب أسماء المنافيقن الذين حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة وهو راجع من غزوة تبوك، تلك الأسماء التي لم نجد لها أثرا في كتب إخواننا من ممن تسموا بالسنة والجماعة







16 أخرج البخاري عن عائشة، أن رجلا جاء النبي (ص) يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم(59)







أما أن تدركه صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة وهو جنب فيصوم، فذلك مما لا يقف على بينة، والمعروف خلافه، حتى في حال مرضه الذي توفي فيه، فقد كان يفرغ على بدنه الماء ليس لأنه جنب على غير طهر، وإنما لينشط على الّنهوض، وكان من عهده صلى الله عليه وآله وسلم تربية المؤمنين على الاستدامة في طهارة البدن والثوب، فكان يقول: "الوضوء سلاح المؤمن"و" الوضوء على الوضوء أو إسباغ الوضوء نور على نور". فكيف يتبدل الحال إلى أن تدركه الصلاة والصوم وهو جنب؟ وكيف يصلى صلا ته حتى نقنع بصومه وهو جنب؟ أليس من شرائط الصوم أن يكون الصائم طاهرا طيلة فترة صومه؟ أليس من مستلزمات النبوة أن يكون صاحبها دائما على طهارة لتلقي الوحي في أي وقت؟ كما إن من مستلزمات الإيمان، وأثر تربية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون المؤمن على طهارة دائما، ألم يجرب أحدكم عندما يكون جنبا ثقل تلك الحال على نفسه؟ وكيف تراه لا يهدأ ولا يهنأ حتى يتخلص منها سريعا، ذلك حال المؤمن البسيط، فما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.







يستمر عبث العابثين في تشويه النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، بأن صوروه يقف للصلاة بالناس في المسجد، فيتذكر أنه جنب فيشير إليهم أن يقفوا مكانهم حتى يعود، فيذهب ليغتسل ثم يرجع إليهم يقطر ماء. يدونون مثل هذه الافتراءات دون أدنى شعور بالغيرة على نبي الإسلام ولا احترام لشخصه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا خوفا من غضب الله على هؤلاء الذين تطاولوا على حبيبه، بتشويه شخصه والتقليل من قيمته، والحط من مقامه، بالكذب والبهتان عليه. وستأتي الرواية تحت رقم 42.







17 أخرج البخاري عن أنس (رض) أن النبي (ص) كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وله تسع نسوة".(60)







18 أخرج مسلم عن عائشة قالت: إن رسول الله (ص) كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم لكنه أملككم لإربه. ّ(61)







19 أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله، فقال الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل ونسي، فطاف بهن ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان، قال النبي (ص): لو قال إن شاء الله لم يحنث، وكان أرجى لحاجته".(62)







20 أخرج مسلم عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا، أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتتأزر بإزار ثم يباشرها".(63)







لم يترك المناوئون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأعداء دينه السوي وخصماء بارئهم بابا من أبواب النيل من ثوابت الدين وركائزه إلا دخلوه، ولم يستنكفوا عن إلصاق كل مغمزة وشنئة تحط من شخصه صلى الله عليه وآله وسلم، وتضعه موضع التهمة، ومثار الشك والريبة، ففي هذه الروايات التي وسوس بها الشيطان لأوليائه، فنطقوا بها كأنها من العلم الضروري الذي لا بد منه لاستقامة الدين، غير متحرجين ولا متأثمين، وتلقاها عنهم أشباه العلماء، ومدوني الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وحفاظ البدع، فأثبتوها في كتبهم دون التفات إلى محتواها، ولا انتباه إلى معناها.







فقد جاءت رواية أنس لتخبرنا أن النبي صلى الله عليه وآله يطوف على نسائه التسع في ليلة واحدة، ولم يتحر البخاري فيها رشده كما حكي عنه، فصوروه لنا عقلا وقادا نادر الوجود في الفطنة والذكاء ودقة الحفظ إلى درجة تفوق الخيال، كما حكي عنه أنه وقعت مناظرته في الحديث، فجاء عشرة رجال كل واحد بعشرة أحاديث مقلوبة المتون والأسانيد فكان يقول في كل مرة لا أعلم حتى إذا انتهوا ابتدر الأول منهم فقال له قلت كذا وكذا والصحيح أن تقول كذا وكذا. إلى أن أتى على العشرة.







رجل يحفظ مائة حديث على غير وجهها، ومن سماع ثم يرد عليها بشكل ملزم كما في خرافة مناقبه، كيف يدعي أنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ولا يوجد في كتابه (الصحيح) غير خمسة آلاف على أقصى تقدير، أين ذهبت بقية الصحاح؟ وإذا كان ما نحن بصدده من الصحاح عند البخاري ومن تبعه، فكيف يكون المكذوب؟







ولا أكون متحاملا على البخاري إن قلت أنه سعى لجمع كل بخار وسراب في كتابه بلا حياء من الله تعالى ورسوله، ولا خشية من المؤمنين الذين سيكتشفون زيف كتابه فيفضحوه.







لقد قدم البخاري ومن شاكله بهذه المرويات الفاسدة خدمة مجانية للمتربصين بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبدينه القويم أمثال سلمان رشدي لعنهم الله، فانبروا يكتبون تعاليقهم ويظهرون سخرياتهم ويتفننون في الحط من مقام سيد الكونين صلى الله عليه وآله وسلم ولولا تلك الكتب لما وجدوا طريقا للقدح والمس والسخرية.







هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مزواجا إلى ذلك الحد الذي صورته روايات البخاري وأصحابه، بحيث لا تنطفئ غريزته إلا بطوافه في الليلة الواحدة على نسائه التسع؟







أتبلغ الغريزة عند البشر من القوة ذلك الحد حتى تتفوق على البهائم؟







أما ما رواه أبو هريرة من أن سليمان بن داود عليه السلام طاف في ليلة واحدة بمائة امرأة، فخيال الخيال وتهيئات من أخذت الخمرة بعقله أو الأفيون بوعيه فانبرى خلط ويهذي، لأنه لا طاقه لبشر القيام بذلك. والأنبياء كلهم مبرئون من ذلك متحكمون في غرائزهم ومسيطرون على شهواتهم.







ولقد نظم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوقاته مع أزواجه، فجعل لكل واحدة منهن ليلة وجعل لنفسه ليلة، وفي كل الليالي كلن أكثر وقته متجها إلى خالقه يعبده ويقوم بين يديه، وليس كما يعتقد أصحاب هذه المرويات المتهالكة، محتضنا زوجته من أول الليل حتى طلوع النهار. كما إن زواجه المتعدد لم يكن لشهوة يريد قضاءها، وإنما كان القصد منه تأليف القبائل وجمعها حوله، فكان زواجه في أغلبه تأليفيا، فلا يبقى لذلك الطواف بعد أدلتنا هذه معنى.







أما ما جاء عن عائشة من قولها بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل ويباشر وهو صائم، فذلك من سقط القول ومكذوب الادعاء، لأن الصوم ما هو إلا إمساك عن كل المباحات من أكل وتلذذ بالجنس، حتى إن نية قطع الصوم تفسده، وإذا ما تخلل الصوم شيء من تقبيل أو مباشرة فقد فسد، فان كان سهوا فحكمه القضاء وان كان عمدا فعليه القضاء والكفارة. والمؤمن أرفع من أن ينساق إلى شهواته فتنسب إليه مثل تلك الممارسات، فكيف بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهو الذي كان يردد دائما: " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات".







أما الرواية الأخيرة عن عائشة نفسها فهي أعظم من سابقاتها إذ تنسب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة أزواجه وهن حيض، عصيانا لأمر الله تعالى إذ يقول: " ولا تقربوا النساء في الحيض حتى يطهرن". والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أول المكلفين قبل أن يكون أول المبلغين، وتعارض الرواية مع لآية تسقط الرواية، فهل أسقطها أصحاب (الصحاح) كالبخاري ومن شاكله من كتبهم.







21- أخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يؤذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي".(64)







لقائل أن يقول عندما يقرأ هذه الرواية عن الفائدة التي يمكن أن تحصل لواضعها؟ لكني أقول إن رائحة طغاة بني أمية فائحة منها ومن مثيلاتها التي سعت جاهدة لتشويه آباء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وما كيدهم إلا في تباب.







تحدثت الرواية عن نقطتين:







الأولى:







قوله استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يؤذن لي.







استوقفني استئذان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربه كي يستغفر لأمه، وهو طلب لا يخلو من غرابة، لأنه لو كانت أمه آمنة كافرة كما تحاول الرواية إلصاق ذلك لما كان جائزا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقدم على طلب المحال الذي لا يغفر بالنص القرآني، ولو كانت عليها السلام مؤمنة، فكيف يستأذن فيما هو مباح له؟ بل من ضرورات الدين وواجباته لأن صلة الرحم غير مخصوصة بالحياة، وهي بعد الوفاة أوكد وأشد، واحتياج الميت للحي مما لا يسأل عنه خاصة إذا كانت رابطة القربى متصلة به مباشرة كالأم والأب، وحديثه الذي يقول: " يكون المرء بارا بوالديه في حياتهما فيكتب عاقا لهما بعد وفاتهما ويكون المرء عاقا لوالديه في حياتهما فيكتب بارا لهما بعد وفاتهما " وفيه ما فيه من الحث والتحريض والتشديد على زيارة الوالدين والاستغفار والدعاء لهما والتصدق عليهما وتلاوة القرآن والصلاة والحج عنهما كل ذلك مما أجازه الشرع وتناوله الفقهاء في كتبهم وعد جملته برا وصلة وطاعة.







وحتى أكون أكثر وضوحا في كلامي أقول إن المؤمنين من شيعة محمد وآله الكرام صلى الله عليه وآله وسلم يعتقدون بما توفر لديهم من نصوص قرآنية وروائية أن والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصوله النسبية من المؤمنين الموحدين من لدن آدم حتى ظهوره عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم. قال تعالى: " وتقلبك في الساجدين". وفي تفسير الآية قال صاحب مجمع البيان: تقلبك في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا وه والمروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام.(65)







أما بقية المسلمين ممن لقبوا بالسنة قولا وخرجوا منها فعلا، فيعتقدون بكفر آباء وأمهات النبي صلى الله عليه وآله وسلم استنادا إلى روايات واهية، وتأويلات لا تقوم بها حجة ن تناقلوها جيلا عن جيل، وخلفا عن سلف، حتى أصبحت من سمات مذاهبهم وعنوانا من عناوين بغضهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونصبهم لأهل بيته عليهم السلام من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون، وإلا كيف يركنون إلى ركام غطى به أعداء الإسلام طريق الولاية ومسلك الهداية، يراد به وأد الإحساس الحقيقي بقيمة هذا الدين ومدى أهمية كل شعيرة من شعائره التي كان من الواجب على الذين سعوا للحط منها أن يعظموها امتثالا لأمر الله تعالى: " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". فلا يظهر للناس من الدين ما يخبثه ويعكر صفو الشريعة ويدنسها.







النقطة الثانية:







واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي.







لماذا يؤذن له في زيارة القبر وقد منع من الاستغفار لها؟ وما الفائدة من ذلك؟ خاصة إذا علمنا كما جاءت به الرواية أن المنع صادر في الأصل أي محتوى القبر فلا تبقى فائدة من زيارة قبرها، طالما أن الأعمال التي سيقوم بها الزائر للقبر من قبيل الاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن والتصدق والبكاء طلبا للرحمة وصلة للرحم، وتربية على تليين القلب، وتثبيتا لمعاني الحزن في الوجدان، ومن فقد تلك العلامات صار كالحجارة أو أشد قسوة.







وبناء على ذلك نقول برجوعنا إلى القرآن الكريم نرى في قوله تعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض".







وبعودتنا إلى السنة المطهرة من شوائب المتنطعين على منابر الدين، الناطقين بها من زكاهم المولى تعالى واصطفاهم على بقية الخلق، نرى في حديثه الذي رواه الطاهرون والذي يقول: لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية".







إن آباء وأمهات النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنون موحدون حقا لا يرتاب فيهم غير الجاهل أو الانحراف، استنادا إلى النصوص المذكورة وعملا بمبدأ الاصطفاء والعصمة.







وتراهم أحيانا يخرجون روايات كاشفة للحقيقة التي يفرون منها، فلا يهتدون إلى ذلك سبيلا، فقد اخرج الحليبي في سيرته قوله: كان أول من تحنث فيه (أي غار حراء) من قريش جده عبد المطلب، فقد قال ابن الأثير: أول من تحنث بحراء عبد المطلب كان إذا دخل شهر رمضان طلع حراء وأطعم المساكين.(66)







22 أخرج ابن كثير عن مسلم وأبي داود واحمد عن أنس: إن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار. فلما قفى دعاه فقال: إن أباك وأبي في النار".(67)







هذه الرواية كسابقتها، تحاول أن تقنعنا بان عبد الله بن عبد المطلب عليه السلام ذلك المؤمن الفذ الذي خرج من صلبه أعظم الأنبياء كافر بالله تعالى مشرك أيما إشراك صيره إلى النار. مخالفين بذلك مبدأ الاصطفاء الإلهي وهو قوله تعالى: " ذرية بعضها من بعض" وقوله أيضا: " وتقلبك في الساجدين".







إلا أنه عندما نرى أن آباء وأجداد حكام بني أمية مضوا على الكفر والشرك ومحاربة الدين وأهله، فإنهم لم يستسيغوا أن ينقل أن آباؤهم في النار وحدهم فوضعوا هذه الرواية مثيلاتها ليساووا بينهم وبين الصفوة الطاهرة عليهم السلام، ومن هنا جاء ابتعاد الناس عن معاني الاصطفاء ومفاهيم الولاية الحقيقية. فتمسكوا بخليط اعتقدوه صادر عن الله تعالى ونبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فتعبدوا به دونما ريبة أوشك، ومضى على ذلك الناس إلى يومهم هذا.







ونقل هؤلاء الرواة لمثل هذه الترهات يكشف عن سطحية في معتقداتهم بأصل من الأصول الاعتقادية في الإسلام، وقلة إدراك بالقرآن ومعانيه، إلى درجة أننا نجد من يحفظ القرآن ولكن لا يفقه أبسط معانيه، جريا على سنة الجاهل بالأب، الذي كان يقول كلما عجز عن فهم شيء، ولا أراه فهم شيئا،: " ما عرفتموه من كتاب الله فخذوا به وما لم تعرفوا فكلوه إلى ربه". وعدم تمييز بين رواية سليمة وأخرى سقيمة، وكلما أمعنت في الاطلاع على رواياتهم، تبين لك حرصهم الشديد على نقل كل شاذ، والتمسك بكل غريب، عاملين بالمبدا القائل خالف تعرف.







23- أخرج البخاري عن عائشة قالت: سمع النبي (ص) قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: يرحمه الله لقد ذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا.(68)







وتتواصل سلسلة الكذب والافتراء على نبي الرحمة والهدى من قبل أدعياء سنته، فمن مختلق الرواية إلى المتصل به سندا إلى من لقف عنهما إلى الحافظ الذي دون الأكذوبة في كتبه، لا أراهم يعقلون شيئا ولا يهتدون، ما هم إلا عبيد دنيا، وما أظن أنهم قرءوا القرآن من أصله، وان قرءوه فهم صم بكم عمي لا يعقلون، وإلا كيف يتجاسر أحد لينسب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إسقاط آيات من القرآن بعامل النسيان، ويذكره بها قارئ يقرأ من الليل بالمسجد؟ أليس هذا طعن في المولى تعالى الذي قال له: " سنقرؤك فلا تنسى". وفي الروح القدس: " وأيدناه بروح القدس" وفي النبي الأكرم ونسبة التهاون التقصير إليه في حفظ تعاليم ربه، تعالوا كلهم عن ذلك علوا كبيرا.







ألم يقرأ البخاري القرآن؟ ألم تعترضه آيات كثيرة تعارض هذه الرواية، وتفضح سخافة واضعها، أم أنه أعجمي لا يفهم المعاني العربية؟ وإذا كان كذلك وحاله أقرب، فكيف يرضى لنفسه أن يكون خصيما لله تعالى ولرسوله" يوم ينظر المرء ما قدمت يداه"







يجمعون بين طيات كتبهم المعتبرة مثل هذه الأكاذيب المفضوحة، والتي تحمل على القول بالنقيصة في كتاب الله، تماما كقول عائشة: إن داجنا أكل سورة من القرآن فلم تعد تسمعها بين الناس. وفي روايات أخرى عن السور والآيات التي قالوا بضياعها. لا يلتفتون البتة إلى هول ما هم فيه، ويرمون غيرهم بأباطيل ودعاوى واهية تقول بتحريف القرآن.، وهم من أسس أساس تلك الدعوى، ومع ذلك يرمون بها الأبرياء.







هذا من حيث المتن، أما من حيث السند ففي الرواية: بشر بن آدم الضرير: قال بن سعد: سمع الكثير ورأيت أصحابنا يتقونه. قال الدارقطني: ليس بالقوي.(69)







24- أخرج البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم قال له أصحابه: وأنت يا رسول الله، قال: وأنا رعيتها لأهل مكة على قراريط (وهي أجزاء من الدراهم والدنانير)(70)







للمتن مناقشات تقول: إن الإشكال الواقع في الرواية ليس في رعي الغنم لأنه عمل شريف، وإنما في دعوى إلصاق رعي الغنم بكل الأنبياء عليهم السلام، وفيما أعلم أنه ليس هناك نبي رعى الغنم غير موسى بن عمران عليه السلام، والذي رعاها شرطا مقابل زواجه من ابنة النبي شعيب عليه السلام واستحكاما لاستتاره واستخفائه عن أعين أعدائه، أما لماذا لم يرع الأنبياء الأغنام؟ فلأنهم بعثوا إلى أقوامهم وهم من أشرفهم وأوجههم، فكيف يتفق رعي الغنم مع مكانتهم بين أقوامهم، ورعي الغنم فيما هو متعارف بين الناس قديما وحديثا لا يلجأ إليه إلا من انقطعت به السبل، ولم يجد طريقا أفضل في الحصول على الرزق، فأنيط ذلك العمل قديما بالعبيد، وحديثا بمن لا اختصاص ولا خبرة ولا علم له، ولم يعرف عن وجيه قوم رعى الغنم خصوصا إذا كان المجتمع يتخذ من الرق أداة للتكسب وإناطة الأعمال الشاقة بهم، والرعي في حقبة من الزمن كان مقصورا على العبيد دون الأحرار، وعلى الفقراء المتقعين دون غيرهم، والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليرعى الغنم على ذلك المقابل المزري (على قراريط)، لم يفعلها عند جده عبد المطلب عليه السلام ولا عند عمه أبو طالب عليه السلام، ولا كانا مستعدين لتركه يفعلها، لأنهما كانا شديدي الحرص على رعايته واستيفاء حاجاته، ولم يكونا مقصرين في حقه حتى يلتجئ إلى رعي الغنم على سد الرمق، كما يستشف من الرواية.







ولما كان راوية الحديث هو أبو هريرة فان الدافع الذي ألجاه إلى ذلك القول لا يخرج عن احتمالين:







الأول:







مقاربته لكعب الأحبار من اليهود المتأسلمين، لقف عنه ما كان يقصه على البله والسذج الذين كانوا على شاكلته، مدعيا على لنبي الأكرم رعي الغنم كما رعى موسى ليه السلام، دونما التفات إلى السبب الذي دفع موسى إلى رعي الغنم، والذي هو ركن أساسي غير متوفر في نبينا الخاتم والذي كان سيد بني هاشم ومحاطا بأشرافهم كجده وعمه، لذلك فانه يستحيل عليه رعي الغنم في وجود هاذين الرجلين الذين بذلا ما في وسعهما للإشراف عليه حتى كبر واشتد عوده، وجاءه الوحي، ولم يمت عمه أبو طالب إلا بعد نزول الوحي بسنين عديدة قاربت مدة إقامته في مكة، فلم يؤثر عنه أنه رعى الغنم صغيرا لأنه كان في حماية أهله وأمام أعينهم، وحرصهم عليه كان ناشئا من الظواهر الملفتة التي كانت تحيط به، ومن ظهور بعض الدلائل على أنه سيكون له شأن في قادم الأيام.







الثاني:







رعي أبي هريرة نفسه الغنم لابنة غزوان، ليس على قراريط كما في روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما على ملإ بطنه، وكلا الأجرين من الزهادة والدون سواء، فيكون أبو هريرة باختلاقه هذه الرواية قد نال شرف عمل قام به الأنبياء جميعهم وبم أنه راوية خط التحريف الأول، كان لا بد من أن يجد صفة يشترك فيها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترفع من وضاعته، وتقيم اندراس معالم شخصه.







ولم يتبين لنا من خلال مراجعة حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رعى الغنم، إلا إذا استثنينا فترة بقائه في بني سعد قوم حليمة السعدية مرضعته، وه صبي صغير فقد يكون اقتفى اثر إخوته من الرضاع، أو أثر الرعاة معهم، لأن الصغار عادة ما ينجذبون إلى الحيوانات الأهلية ليلاعبوها، وبالتالي لا يمكن اعتبار اقتفاء أثر الرعاة أو ملاعبة صغار الغنم عملا يدر على صاحبه قراريط، فمتى رعى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم الغنم إذا؟







أما من حيث السند فان أبا هريرة الدوسي قد عرف كما جاءنا من أخباره، بأنه كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن بعض الصحابة كانوا يعكسون ما كان يقوله كما كان يفعل الإمام علي عليه السلام، وضيق عليه بعضهم، باللفظ حينا وبالضرب حينا آخر كما كان يفعل به الخليفة الثاني، أما عائشة فلم تكن لترضاه أبدا. ومع ذلك فان علماء الجرح والتعديل عند هؤلاء أبوا إلا أن يعدلوه رغم ما صدر عنه أيام معاوية إرضاء له ولبني أمية. فلا تجريح عندهم لجميع الصحابة حتى من ظهر كذبه وفسقه وبهتانه، حتى من سماه الله تعالى فاسقا في كتابه العزيز كالوليد بن عقبة والمغيرة بن شعبة، فهم عدول عندهم.







وأبو هريرة كما ذكر اختلف في اسمه إلى أكثر من أربعين قولا. وإذا كان حال شخص مجهول الاسم في زمن معلوم فكيف ستكون بقية حاله؟







أسلم بعد فتح خيبر عندما قدم مع أشعريي اليمن، لم يتحرج من طلب نصيب من غنائم الفتح مع انه لم يشارك في القتال، بل لعل يده لم تلامس سيفا أو رمحا أو نبلا طوال حياته، إلا أن تكون زينة فترة توليته أميرا على المدينة، بعدما وضع الأحاديث التي تحط من مقام الإمام علي عليه السلام إرضاء لمعاوية. بقي بعد إسلامه في المدينة سنة ونصف إذا استثنينا مدة خروجه إلى البحرين تحت قيادة العلاء الحضرمي. لا يعرف القراءة والكتابة، وكان كما قلت قبل أن يسلم يرعى الغنم في اليمن لابنة غزوان على ملإ بطنه، ولم يكن له أي دور في الفترة التي عاشها حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الحال في خلافة الخليفة الأول والثالث، أما دعوى توليته على عهد الخليفة الثاني فلا أعتقد صحتها لأن موقف ابن الخطاب منه كان واضحا وقد تكون المسألة من تلافيق بني أمية، وعند اختيار الإمام علي عليه السلام اختيارا عاما. لم يكن موجودا في الحروب التي خاضها الإمام عليه السلام لم يؤثر عنه غير قوله: الصلاة وراء علي أتم والكل مع معاوية أدسم، والجلوس على الرابية أسلم". ولا أخاله صلى وراء علي أبدا ولا كانت لديه الجرأة ليجلس على الرابية قبالة حرب طاحنة قد يصله منها رمح أو نبل أو سيف طامع أو حاقد.







وكان من دعائه: " اللهم هب لي ضرسا طحونا ومعدة هضوما ودبرا نثورا". تحسرا على فوت لذيذ الطعام، بعد ملا جعبته منه، وقد كان يعرف بشيخ المضيرة، وهي صنف يسيل منه لعلب أبي هريرة ومن شاكله.







شخص بمثل تلك الانتهازية، ما ذا يمكنه أن يقدم للمسلمين؟ وجد فيه معاوية ضالته في الدس والكذب فقربوه إليهم وأدنوه من مجالسهم وموائدهم، وقربوا له كعبا ليكون له معلما وملهما، فخرجت من بين شدقيه عفونة التلفيق، ورداءة التأليف، يعلو مكانه وترتفع أسهمه بين الصحابة الأفذاذ، فيحسب راوية حديث رسول الله لا محيص عنه، ومن هم أهل الذكر والدراية والعلم والمكانة ينكرون وينسون.







25 أخرج مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) مضطجعا في بيتي كاشفا فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله (ص) وسولا ثيابه. قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك. فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة.(71)







عندما يبلغ الإفلاس بمن باعوا دينهم بدنيا زائلة يصيبون بعض لذاتها، يقدمون على وضع أحاديث واهية، تبعث على الأسى والأسف لما آلت إليه عقول الوضاعين والرواة والحافظين لمثل هذه السخافات التي سودوا بها صفحات كتبهم.







وكيف يمكن لمسلم أن يقبل عن نبيه مثل يقال أنه صدر عنه؟







لكنك عندما تقرأ في كتب التاريخ كتاريخ الطبري وغيره تقف على أن معوية بن أبي سفيان هو الذي دفع وحرض، وأغرى وأنفق على وضع روايات المفاضلة لبعض الصحابة، تلبيسا على المسلمين، وطمسا للأحاديث الصحيحة التي توجب على لمسلمين إتباعها والعمل بمقتضاها، والامتثال لما جاء فيها. وإذا تعددت الوجهات وتكاثرت المفاضلات أشكلت الوجهة وتساوت عناصر التفضيل، واختلط الحابل بالنابل. عند ذلك يصبح الحليم حيرانا بأي الأسباب يأخذ ومن أي جانب يأتي؟







فنجح في سعيه، واستطاع أن يحيد أغلبية من عاصره عن صراع باطله مع حق أهل البيت والإمام علي عليه السلام في أحقيتهم في الحكومة الإسلامية.







ولكن مع ذلك كله تبقى منارة حق، وقبس هدى فوق اللبس والشبهة لكل من ألقى السمع وهو شهيد، وتبقى كذلك أراجيف المحرفين وافتعالات المنافقين دالة على وضاعة أصحابها وانحطاطهم الفكري. وككل رواية تكون عائشة أو أبو هريرة من مصادرها تنبعث منها رائحة التكلف وقلة العلم، ورداءة المعنى، ويكتنفها الكذب، وتطغى عليها الجرأة على الله ورسوله. صلى الله عليه وآله وسلم.







وفي هذه الرواية التي يحاول واضعها أن يجد مكانا لعثمان بن عفان بين شوامخ رواسي أهل البيت عليهم السلام، غير متفطن أن دهاءه قد خانه وحيلته أردت به إلى اللامعقول الذي لا يمكنه أن ينطلي إلا على من عميت بصيرته، وإلا كيف يمكن لعاقل أن يقبل رواية يصور فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مضطجعا وكاشفا عن فخذيه وبين يديه واحد من الناس كائن من كان، لا يأبه له ولا يبالي به، وهو الذي يهش للصغير والكبير والغني والفقير على حد سواء، وكان من أخلاقه أن يجلس عندما يتحدث، أو يستمع إلى أحد ن وما تعظيم المولى لخلقه إلا دليل على أنه لا يميز في تعامله مع الناس، بل الناس كلهم سواسية، في استقباله واهتمامه.







وكيف يستحي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالواسطة؟ ألم يكن حييا بطبعه بحيث لا يفارقه ذلك الحياء، فيكون حياؤه من خالقه قبل حيائه من الملائكة أو ممن تستحي منه الملائكة.







إن الوضع الذي صوروا فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يليق بالمسلم الملتزم ناهيك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدرك لحدود العورة، وقد ورد أنه وجد رجلا كاشفا فخذه فأمره بسترها لأنها عورة







أما حياءه فقد قال عنه أبو سعيد الخدري: لقد كان النبي (ص) أشد حياء من العذراء في خدرها(72) لم يكن من السهل على بني أمية قبول نزول الآيتين في صاحبهم عثمان بن عفان، خاصة بعد ما ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال فيه أنه رجل تستحي منه الملائكة، فلم يستسيغوا أن تتناقض الآراء فيه، فنسبوا نزول الآية في النبي صلى الله عليه وآله هروبا من انكشاف شخصية عثمان الخليفة الراشد عندهم، ولأن دأب المقدسين للصحابة على وجه العموم كان مبدؤهم دائما عدم ذكر جرائم الصحابة والتستر عليهم خصوصا إذا نزل فيهم قدح من طرف المولى تعالى أو من قبل نبيه الكرم صلى الله عليه وآله فما هو مدون بين أيدينا من تراث لا يكاد يعيب فيهم واحدا، رغم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة نسبت أكثرهم إلى الانحراف وقلة العلم، وما جاء من أحداث تاريخية ثابتة كشفت الوجه الحقيقي لأكثرهم.







استنتاجات بخصوص الرواية:







أولا:







أوردت الرواية ترتيبا وتتابعا وتتابع لدخول أبي بكر وعمر وعثمان، تكرر في عدد من الروايات الأخرى كأنما هناك جاذبية تستقطب هؤلاء دون غيرهم، وكأنما يريد واضع الرواية تثبيت ترتيب الخلافة، أو إعطائها المزيد من الشرعية والترسيخ في أذهان الناس للاستدامة على الاعتقاد بصحتها. وكانوا في اغلب الأحيان يتجاهلون اسم علي عليه السلام، كأنما هو رجل مبعد عن دائرة النبي صلى الله عليه وآله.







ثانيا:







ذكرت الرواية احتجاج عائشة وتساؤلها عن سبب عدم اهتمام النبي بأبيها وصاحبه، وهو أمر لم يكن من عاداته على الإطلاق حتى مع أعدائه، والحال أن تصرفه كان مغايرا تماما مع عثمان، حيث سوى ثيابه وحسن من مظهره. وفي كل الحالات فان النبي صلى الله عليه وآله كان عادلا حتى في استقباله للناس، يعطي لكل أحد مكانته وقيمته كمخلوق لله تعالى قبل أي شيء آخر.







ثالثا:







لعل الأولى بالتساؤل هنا هما أبو بكر وعمر اللذان من المفترض أن يستغربا سلوك النبي صلى الله عليه وآله إن صح صدوره حيالهما، بل إن في الرواية ما يدعو إلى القول بان الرجلين يتطفلان عليه، وهو يريد صرفهما والتخلص منهما.







رابعا:







أراد واضع الرواية أن يرفع من مكانة عثمان، فوضع من مكانة أبي بكر وعمر، بل جعلهما لا يساويان شيئا بإهمال النبي صلى الله عليه وآله لهما، وكان حري باتباع مذاهب هذه الرواية أن يتساءلوا لماذا لم يكن حيي الملائكة وحيي النبي بالواسطة أن يكون أول خليفة بدلا عن الذين أهملهما النبي صلى الله عليه وآله.







26 أخرج أحمد في مسنده: استشار رسول الله (ص) في الأسرى يوم بدر فقال: إن الله قد مكنكم منهم. قال فقال عمر (رض) فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النبي (ص) ثم عاد فقال: يا أيها الناس إن الله قد مكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس. فقام عمر (ض) فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه رسول الله (ص) ثم عاد فقال: للناس مثل ذلك فقال أبو بكر (رض) فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء. قال فذهب عن وجه رسول الله (ص) ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فلما كان الغد غدا عمر إلى رسول الله (ص) فإذا هو وأبو بكر يبكيان، فقال ما يبكيكما؟ وفي لفظ ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فان وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما فقال رسول الله (ص): إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم. لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب.







تحدثت الرواية عن اختلاف المسلمين في أسرى بدر من المشركين أيقتلونهم أم يفادوهم؟ والذي عليه الرواية أن عمر كان مصرا وحده دون غيره على قتل الأسرى، وتكرر موقفه في الرواية وإعراض النبي صلى الله عليه وآله عنه كأنما كان يريد رأيا آخر لم يفصح عنه، إلى أن قام أبو بكر واقترح الفداء، فطابت نفس النبي صلى الله عليه وآله وذهب عنه الغم وقبل الفداء. غير أن المتفحص للرواية يرى فيها تفككا واستدراكا وتنناقضا من جهة المعنى، فقول رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله قد مكنكم منهم. لا يرجح ميله إلى الفداء، وقول الراوي لما تكلم أبو بكر: فذهب عن وجه رسول الله ما كان فيه من الغم. يناقض قوله الأول، ويوحي بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخفي رغبة، كان يبحث بين الناس عمن يظهرها بدله، وهي طريقة لم يعرف بها النبي صلى الله عليه وآله...







والرواية مردودة من وجهين:







الأول:







معارضتها للآية التي نزلت بخصوص الحادثة والتي تقول: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم".(73) ومعناها كما أورده الطبرسي: " ما كان لنبي " أي ليس له ولا في عهد الله إليه"أن يكون له أسرى" من المشركين ليفديهم أو يمن عليهم" حتى يثخن في الأرض" حتى يبالغ في قتل المشركين وقهرهم ليرتدع بهم من ورائهم" تريدون عرض الدنيا" هذا خطاب لمن دون النبي صلى الله عليه وآله من المؤمنين الذين رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى في أول وقعة ورغبوا في الحرب للغنيمة.(74)







ويؤيد ذلك ما نقله محمد بن جرير بن رستم الطبري عن كتاب علي بن إبراهيم قوله: لما قتل رسول الله صلى الله عليه وآله النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معي ط خافت الأنصار أن يقتل الأسرى، فقالوا: يا رسول الله قتلنا سبعين من قومك وأسرنك، أتجد أصلهم؟ (قطعه مستأصلا) فخذ يا رسول الله منهم الفداء، وفي أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله كره أخذ الفداء وانما نزل عند رغبة المسلمين فكيف يكون محبا لأخذ الفداء؟







الوجه الثاني:







معارضة الرواية للآية الثانية والتي تقول: " لولا كتاب من الله سبق لمسكم في ما أخذتم عذاب عظيم".







ولا يعقد عاقل أن رسول الله (ص) كاد يمسه العذاب وعمر الخطاب هو الناجي الوحيد منه، وهل هذا إلا الباطل بعينه، وهو ما يزيد الرواية افتضاحا، وليت شعري من هو ابن الخطاب هذا حتى ينجو من عذاب الله تعالى ويقع فيه حبيبه وصفوته وخيرته من خلقه من الأولين والآخرين، رحمته المهداة إلى البشرية، ووسيلته وسببه، "وانهم ليقولن منكرا من القول وزورا".







إن الذين كان سيمسهم العذاب هم الذين أصروا على أخذ الفداء ومالوا إليه طلبا للغنيمة والدنيا، وما الكتاب الذي سبق إلا دليل على بطلان الرواية من أساسها، وهي الآية رقم 38 من نفس السورة والتي تقول: " ما كان الله معذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون". ، ولم تقف الآية عند حد درء العذاب برسول الله صلى الله عليه وآله حيا وميتا وإنما ذهبت حتى درء العذاب عن الأمة طالما فيها مستغفرون، وطالما أن مقام عمر في الرواية بتلك العظمة والرفعة فلماذا قدم أبا بكر عليه؟ ولماذا تقدم أبو بكر وهو يعلم أن ابن الخطاب مقدم عند الله من النبي نفسه صلى الله عليه وآله؟







ولئن أفلح بنو أمية وعلى رأسهم معاوية في تمرير هذه الخدع، ودس الكذب والبدع فان الله تعالى قيض للدين الحق أهلا لا تنطلي عليهم ألاعيب المنحرفين عن صراطه المستقيم، وعناوينهم البراقة كالسراب الذي إذا جاءه الطالب لم يجده شيئا.







27- اخرج البخاري عن عائشة أن نساء رسول الله (ص) كن حزبين، حزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله (ص) وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله (ص) عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريدون أن يهديها إلى رسول الله (ص) أخرها حتى إذا كان رسول الله (ص) في بيت عائشة بعث صاحب الهدية في بيت عائشة. فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله (ص) يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله (ص) هدية فليهديها حيث كان من بيوت نسائه. فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل شيئا. فسألنها فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها فكلميه قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلن يقل لها شيئا. فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك، فدار إليها فكلمته فقال لها: لا تؤذني في عائشة، فان الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة. قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثم إنهن دعون فاطمة بنت الرسول (ص) فأرسلت إلى رسول الله (ص) تقول إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر، فكلمته فقال: يا بنية ألا تحبين ما أحب قالت: بلى. فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن، ارجعي إليه فأبت أن ترجع فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي قحافة. فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله (ص) ينظر إلى عائشة هل تتكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها. قالت فنظر النبي (ص) إلى عائشة فقال: إنها بنت أبي بكر. قال البخاري، الكلام الأخير قصة فاطمة يذكر عن هشام بن عروة عن رجل عن الزهري(75)







28- أخرج البخاري عن عائشة أن رسول الله (ص) كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث يشاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها. قالت عائشة فمات في اليوم الذي كان يدور فيه علي فيه، في بيتي فقبضه الله وان رأسه لبين نحري وسحري مخاط ريقه ريقي.(76)







ما يمكن ملاحظته في الروايتين أن كل بلية وطامة إلا وهي مسندة هكذا، عن هشام بن عروة عن عائشة، ولو دققنا النظر فيما جاء من الروايات بهذا الإسناد لما حصلنا منها على شيء من دين، وانما هي جلها أضغاث أحلام أو تهيئات لا طائل من ورائها، أو غيرة امرأة لا حد لأنانيتها، أو تلفيق وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وآله أوهن من بيت العنكبوت.







وبعودتنا إلى الرواية السادسة والعشرون نرى أن الكذب بدأ عندما وقع تقسيم أزواج النبي صلى الله عليه وآله إلى حزبين، في حين أن القرآن والسيرة مجمعين على خلاف ذلك، ويعلمانا أن نساء النبي صلى الله عليه وآله قد خاطبهن الباري تعالى مجتمعات في سورة الأحزاب، وخاطب عائشة وحفصة مجتمعتين في سورة التحريم مهددا إياهن بقوله تعالى: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فان الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا".(77). وقد اجمع المفسرون والرواة أن التهديد الصادر عن المولى سبحانه وتعالى كان بخصوص عائشة وحفصة، والقصة معروفة بين أهل التفسير والحديث ملخصها أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل عسلا عند زوجته وابنة عمته زينب بنت جحش فدفعت الغيرة بعائشة إلى أن تتآمرا على النبي بالكذب علبه والادعاء بأنه أكل مغافير (رائحته كريهة) فصدقهن وامتنع من أكل العسل، فنزل في ذلك قوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك".(78) وأنزل تهديدا لعائشة وحفصة في قوله تعالى: " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات ثيبات وأبكارا".(79)







ثم يتواصل الكذب بدعوى حب رسول الله صلى الله عليه وآله لعائشة دون غيرها من النساء، إلى درجة أن الناس كانوا يؤخرون هداياهم إلى النبي صلى الله عليه وآله حتى يوم عائشة، ولعمري لم أجد ابتذالا وإسفافا وتآكلا، بهذا الحجم كما وجدته في هذه الرواية التي تحاول أن توهم المسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله متيم بحب عائشة إلى درجة اللاوعي، وأن المسلمين على عهده تنسموا منه ذلك، ولكن لماذا يؤخرون تقديم هداياهم إلى يوم عائشة؟ ألا يكون ذلك مثارا للريبة ودافعا إلى الإجحاف في حق بقية النساء، وتجاهل التشكيات الصادرة عنهن، وهو الذي جاء بالقسط والعدل. وعدم الاكتراث بالزهراء وما أدراك ما الزهراء عليها السلام في تدخلها لفائدة بقية النسوة، وسباب زينب وعائشة بحضرة النبي صلى الله عليه وآله، دون تدخل لوضع الأمور مواضعها، ويأتينا الراوي في النهاية ليتقول على النبي بأنه قال بعد أن ردت عائشة على زينب سبابها إلى أن أسكتتها: إنها بنت أبي بكر. إعجابا أو تفاخرا؟







إنني أنزه النبي صلى الله عليه وآله من أن يقع الشتم والسب على مرآى منه ومسمع وفي بيته ولا يحرك ساكنا، وهو المأمور قبل غيره بالنهي عن كل منكر.







وهل أن ظاهرة تأخير الهدايا وأي هدايا؟ علامة خير، وتصرفا صحيحا يزكيه عاقل فضلا عن نسبته للنبي صلى الله عليه وآله، مضافا إلى ما سيستتبعه ذلك من إثارة مشاكل لا حد لها في البيت النبوي، مما هو في غنى عنه، وتكون الحكمة في إيقافه أولى من التمادي فيه. وما أرى في هذا كله إلا خرافة من خرافات بني أمية الذين ألبسوا على المسلمين دينهم، بما دونوه من أكاذيب على النبي صلى الله عليه وآله، لو نظر فيها المتنورون الواعون لردوا فاسدها.







وما يميز ابنة أبي بكر عن غيرها؟ إنني لما بحثت في بعض المصادر دون أن أتمكن من بقيتها نظرا لضيق الوقت وعدم توفر البقية لدي دفعتني إلى أن أقف لبعض الأسطر كي أذكر بعض الذي نقله رواة ما يسمى بأهل السنة والجماعة عن عائشة ليكون ابلغ للحجة.







وقفة مع عائشة في سلوكها مع النبي وموقف النبي صلى الله عليه وآله منها:







من المعلوم بل من الطبيعي أن الحب إذا تمكن من رجل وامرأة كان متبادلا وتظهر آثاره على سلوك الطرفين، وفي علاقة النبي صلى الله عليه وآله بعائشة ما ينبئ العكس، فبداية ألقيت إليه وهي صبية دون طلب، فبني بها بعد ذلك تأليفا بينه وبين القبائل فعرى المصاهرة لها بعدها النفسي لدى القبائل العربية. بنى بغيرها بعد أن مات خديجة عليها السلام وبعد الهجرة، وهي عند طلبه لو أراد، وهذا يؤكد أن الحب المزعوم لا أساس له بينه صلى الله عليه وآله وبينها.







كانت في علاقتا بالنبي صلى الله عليه وآله متوترة غيراء لا تدري ما تقول، بغضت أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وهم علي عليه السلام وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين والحسن والحسين عليهم السلام، فحاربت عليا في وقعة الجمل وقد أشرنا إلى ذلك وحرضت على الحسن عليه السلام فلم يدفن بجانب جده، ولو عاشت إلى الحسين عليه السلام لأعانت عليه.







تجسسها عليه:







قالت عائشة ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال قالت لما كانت ليلتي التي النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال ما لك يا عائش حشياء رائبة قالت قلت لا شيء يا رسول الله قال لتخبرنني أو ليخبرني اللطيف الخبير قالت قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال فأنت السواد الذي رأيت أمامي قلت نعم فلهزني في ظهري لهزة فأوجعتني وقال أظننت أن يحيف عليك الله ورسوله...(80)







ادعائها بأنه غير عادل:







قالت إنها خاصمت النبي صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر، فقلت: يا رسول الله أقسط (اعدل) فلطم أبو بكر خدي وسال الدم على ثيابي.(81)







عائشة وحفصة تصوران رسول الله بالشيطان:







يوم قالتا لمليكة زوجته الجديدة إن رسول الله يحب من تقول له منهن: أعوذ بالله منك. فقالت المسكينة للنبي صلى الله عليه وآله ذلك فألحقها بقومها وطلقها. فماتت كمدا.(82) ويظهر أن عائشة وحفصة قد كررتا العملية أكثر من مرة، فقد وقعت في مصيدتهما أسماء بنت النعمان وقالت له: أعوذ بالله منك. فقال صلى الله عليه وآله: أبالله عائذة مني الحقي بأهلك.(83)







عائشة وحفصة تؤذيان النبي صلى الله عليه وآله:







أخرج البخاري والحاكم أن عائشة وحفصة كانتا تؤذيان رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يظل يومه غضبان.(84)







عائشة تكذب على النبي صلى الله عليه وآله







أرسل النبي صلى الله عليه وآله إلى امرأة من كلب لتنظر إليها فذهبت فذهبت ثم رجعت، فقال لها: ما رأيت؟ فقالت: لم أر طائلا (أي ليس فيها ما يعجب) فقال لها: لقد رأيت خالا في خدها اقشعرت له كل شعرة منك، وكان جبريل قد اطلعه عليها. فقالت عائشة يا رسول الله ما دونك ستر.(85)







النبي صلى الله عليه وآله طلق عائشة وحفصة:







أخرج البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله طلق عائشة وحفصة وسودة واعتزل باقي نسائه شهرا ثم راجعهن بعد ذلك. وأيد مسلم في كتابه نزول الآية في تلك الحادثة وهي قوله تعالى: " عسى ربه إن طلقكن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا".(86) ودلت الآية كذلك على أن هنالك في نساء عصرهن من كن خيرا منهن.







عائشة وحفصة تغضبان النبي صلى الله عليه وآله:







أخرج البخاري في ما يسمى بالصحيح كتاب تفسير القرآن وابن سعد في طبقاته أن عائشة وحفصة كانتا تراجعان النبي صلى الله عليه وآله حتى يظل يومه غضبانا.(87)







عائشة تغار من خديجة وتسبها وهي ميتة:







عن عائشة قالت ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها قالت وتزوجني بعدها بثلاث سنين وأمره ربه عز وجل أو جبريل عليه السلام أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.







وفي رواية أخرى أنها قالت استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال اللهم هالة قالت فغرت فقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها.







وفي ثالثة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها قال ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء.(88)







وما كثرة ذكر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لخديجة عليها السلام إلا لأنه لم يجد من بين نسائه من ينسيه خديجة، فكان حبه الكبير لها يدفعه دائما إلى تذكرها، والى تعهد حتى صاحباتها وقرابتها، أما بشارته الحقيقية لها فقد كتمتها عائشة غيرة، وهي أنها سيدة نساء العالمين مع ابنتها فاطمة الزهراء عليهما السلام، أما بشارته لها ببيت في الجنة من قصب فهو أيضا محاولة للتقليل من البشارة لأن مقامها في الجنة ومقام النبي صلى الله عليه وآله واحد، ولو أ، نساء النبي صلى الله عليه وآله كلهن اجتهدن مجتمعات في الوصول إلى ما أعده المولى تعالى لخديجة لما أفلحن، وأي قصب هذا الذي تتحدث عنه عائشة في الجنة؟ والجنة كما ظهر لنا من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله فيها قصور بنيت من ذهب وفضة ومعادن نفيسة وليس قصبا أو جريدا.







نعم لقد علم المسلمون الفطنون العارفون حب رسول الله لخديجة وابنتها فاطمة الزهراء عليهما السلام، ولو كان هناك هدايا كما تصور الرواية لما عدلوا بها عن البيت الذي أذهب الله تعالى عنه الرجس وطهره تطهيرا، والذي كان يأتيه كل صلاة فيطرقه مذكرا بحلول وقت صلاة الجماعة مناديا بآية التطهير، ومعلما بقية المسلمين بمقام ذلك البيت عنده وعند الله تعالى، فهم أولى بالهدية من عائشة التي أجاز لها الله تعالى أن تأكل الصدقة شأنها في ذلك شأن بقية المسلمين، ولم يجز لأهل البيت عليهم السلام أن يأكلوا إلا الهدية أو الخمس.







ولو كان حب رسول الله لعائشة صحيحا لما تزوج عليها أكثر من سبع نساء. فخديجة عاشت مع النبي حوالي27 سنة أي ثلاثة أضعاف عمره الشريف مع بقية النساء ولم يتزوج عليها إلى أن ماتت، وسمى العام الذي توفيت فيه بعام الحزن. فهل يبقى بعد هذا ادعاء قائم لحب مزعوم غير حب الطاهرين سلام الله عليهم.







أما التقول على الزهراء بأنها تدخلت لفائدة النسوة، فلم تفلح في ثني النبي عن موقفه المطلق لفائدة عائشة، فبهتان لا يقوم على دليل، بل العكس صحيح لأنها المرأة التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، لا يرد لها طلب، ولا تسقط لها وساطة أبدا، وإذا وقفت الزهراء عليها السلام أمام النبي صلى الله عليه وآله، لم يعدل بها أحدا، ولبى كل طلباته وتدخلاتها ووساطاتها لأنها لا تسلك إلا مسلك الحق والصدق.







أما الرواية السابعة والعشرون ففي ظاهرها وله رسول الله صلى الله عليه وآله بعائشة كأنما هي ركن من أركان الدين أو شعيرة من شعائر العقيدة، وفي باطن الرواية السم الزعاف وبيان ذلك كالآتي:







أولا:







لم يصدر عن رسول الله، ولا يمكن لمعتقد بأفضلية النبي على الخلق، أن يقبل بظهور النبي صلى الله عليه وآله على الصورة التي جاءت بها الرواية حيث جعلته كالصبي الوله الذي لا يقبل عن أمه بديلا فتراه ينادي كلما غابت عن عينه: أين أمي، أين أمي، أو فاقد لعقله لا يدري ما يقول، حتى على سبيل افتراض صحة ذلك الحب المزعوم فان النبي صلى الله عليه وآله مطالب بعدم إظهاره لما لا يخفى من عدل وحكمة في تسيير شؤون البيت النبوي، وقد اعترفت عائشة نفسها عندما تحاملت على خديجة وهي ميتة من فرط غيرتها من كثرة ذكر النبي الأكرم لها واهتمامه البالغ بأختها هالة وصاحباتها، برفعة ذلك المقام عنها عندما نقلت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: " والله ما استبدلني خيرا منها".







ثانيا:







قبول بقية الأزواج بأن يمرض النبي صلى الله عليه وآله حيث يشاء ليس له ما يقويه خاصة إذا علمنا أن لرسول الله صلى الله عليه وآله حجرته الخاصة التي يختلي فيها إلى نفسه ويستعملها في أوقات اللزوم كما فعل ذلك مرارا، فعند طلاقه لنسائه ومن بينهم عائشة، استعمل تلك الحجرة







وعند مرضه أيضا استعمل تلك الحجرة ومنها انتقل إلى الرفيق الأعلى والتي استولت عليها عائشة بعد استيلاء أبيها على السلطة بدعم من بني أمية ومن كان رافضا للاختيار الإلهي في كون الإمام علي بن أبي طالب إمام الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله، وهي التي دفنت أباها ثم عمر بجانب







النبي صلى الله عليه وآله دون مشورة ولا استئذان، لأنه لا دعوى لها في الإرث لنفي أبيها له، هذا إن صحت أن الحجرة كانت حجرتها في الأصل، وهو أمر أكدنا بعده عن الواقع، بل لعل اتباع هذه المرأة افتعلوا الرواية ليرضعوا عنها كل تبعة من خروج ونحوه وقد أمرها الله تعالى أن تقر في بيتها، فكيف تفعل وليس لها بيت؟







ثالثا:







ادعاؤها وفاة النبي صلى الله عليه وآله ورأسه الشريف بين سحرها ونحرها، كذب وبهتان، لأن النبي لم يبعث لعائشة حتى تستفرد به دون بقية الخلق، وفي حضور علي وفاطمة الذين هما أحب الناس إليه ليس عن هوى كما تحاول روايات الحب المزعوم لعائشة إيهامه للناس وإنما لأن الله تعالى أحبهما وأحب نسلهما وجعل حبهم جميعا طاعة له والصلاة عليهم عبادة لا تضاهيها عبادة، ولما تبين لنا أن مع رواية عائشة جاءت روايات أخرى لتقول أن النبي صلى الله عليه وآله مات بين يدي علي عليه السلام وعلى صدره فاضت روحه الشريفة، وهو الذي تولى تغسيله وتكفينه، ونظم عميلة الصلاة عليه، ودفنه والناس يختصمون على السلطة.







وإذا قال علي عليه السلام إن رسول الله مات بين يديه، فلا يبقى لكلام عائشة ولا عروة ابن أختها ولا لبنيه ولا للزهري داعية الأمويين وزن ولا قيمة. بل إن الصحيح الذي لا مراء فيه هو أن الذي تولى أمر النبي مذ حضر هو علي بن أبي طالب عليه السلام بلا فصل ومن قال غير ذلك فهو متبع هوى الضلالة ومتخذا مطية الكذب على الله ورسوله، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس ملكا لعائشة حتى تتصرف فيه بذلك الشكل. أما بقية كلام الرواية فهي مزايدة لا فائدة منها، وان تكلمت عائشة عن الريق ففي روايات أخرى قد أشرنا إليها ما هو أدهى.







29- أخرج الحلبي في سيرته: خرج رسول الله (ص) يبادرهم، يسابق قريشا إلى الماء فسبقهم إليه حتى جاء أدنى ماء أي من بدر، اقرب ماء إلى بدر من بقية مياهها فنزل به (ص) فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله تعالى ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم إن نزل القوم يعني قريشا كان الماء أقرب المياه أي محله اقرب المياه إليهم. قال الحباب فاني أعرف غزارة مائه وكثرته بحيث لا ينزح فننزله. ثم نغور ما عداه من القلب وهي الآبار غير المبنية، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء فنشرب ولا يشربون، لأن القلب كلها حينئذ تصير خلف ذلك القليب. فقال رسول الله (ص) لقد أشرت بالرأي ونزل جبريل عليه السلام على النبي (ص) فقال الرأي ما أشار إليه الحباب، فنهض رسول الله (ص) ومن معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم.(89)







والرواية مردودة لأسباب:







أولها:







أن الرأي والحرب والمكيدة غير منفكة عن العلوم التي علمها المولى سبحانه وتعالى رسوله الكرم صلى الله عليه وآله، ولا هي بمنأى عن الوحي حتى يكون النبي صلى الله عليه وآله محتاجا إلى من يرشده ويصحح خطأه. ففي أحد مثلا دل تخطيطه على انه صاحب تمرس بالحرب وذو رأي سديد ودراية كبيرة بالمواضع الهامة في ساحة القتال، عندما أكد على عدد من أصحابه بعدم النزول من الجبل لحماية ظهور المقاتلين من هجوم مباغت من تلك الجهة، وأكد أصحابه الذين تركهم على ذلك الموضع قلة فهمهم وطمعهم في الغنائم والدنيا فنزلوا طمعا في كسبها، وكانت هزيمتهم من تلك الجهة.







ثانيها:







إن مسابقته في الرواية على الماء دليل على أن القصد منه وجهة معينة وبئر معينة، وإلا فلا معنى لمسابقة غير محددة الهدف.







ثالثها:







إن المولى سبحانه وتعالى دائم الرعاية لنبيه صلى الله عليه وآله، دائب التسديد له بألطافه وبجبريل وبالملائكة المقربين، غير محتاج لأحد كي يصحح له أمرا أبرمه، فلا تكون كل المؤيدات متأخرة عن النبي صلى الله عليه وآله بحيث لا تتم إلا بعد وقوع الخطإ منه وتقويم الناس له، وفي ذلك ما فيبه من مساس بالنبوة، من حيث مصداقيتها، وغاية التقويم والإصلاح وإيجاد الحلول للبشرية، أما أن تكون محتاجة لمن يقومها من البشر فذلك رأي الذي لم يستوعب من الدين شيئا.







هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجتهد؟







جريمة أخرى ألصقوها بالنبي صلى الله عليه وآله والدين الخاتم، تتمثل في نسبة النقص في دين الله تعالى، مما فسح المجال للقول باجتهاد النبي صلى الله عليه وآله فيما لا نص فيه بحسب زعمهم. فقد جاء في كتاب إجتهاد الرسول للدكتورة نادية شريف العمري قولها: " واجتهاده في الحكام التي لم ينزل بها وحي عنوان على بشريته وإنسانيته، ولم يكن الرسول (ص) وهو أعلم أهل الأرض وأتقاهم وأخشاهم لله تعالى، يستأثر برأي يراه بل يعرضه على أصحابه ويشاورهم في الأمر، وكانت استشارة الصحابة الكرام فرضا عليه (ص) تنفيذا لقول الله تعالى: " وشاورهم في الأمر".







واصبح تبادل الآراء والأفكار سمة ظاهرة لمجتمع النبوة، وحكى القرآن عنهم هذه الخصلة الحسنة فقال سبحانه: " وأمرهم شورى بينهم.." وهذه الآية الكريمة يتعبد بها الناس منذ ذلك العهد التليد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".







وانتقلت بعد ذلك إلى الحديث عن اختلاف الأصوليين في جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله من عدمه، إلى قولين اثنين:







الأول:







القائلون بجوازه عقلا وهم ابن الحاجب والآمدي وسائر الحنفية، وجميع الحنابلة، واليه ذهب بعض الشافعية كالفخر الرازي والبيضاوي، كما قال به أيضا القاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري من المعتزلة. وقال ابن تيمية في المسودة: يجوز لنبينا أن يحكم باجتهاده فيما لم يوح إليه فيه.







الثاني: المنع مطلقا







وهو مذهب ابن حزم حبث قال: إن من ظن أن الاجتهاد يجوز على الأنبياء عليهم السلام في شرع شريعة لم يوح إليهم فيها فهو كفر عظيم ويكفي من إبطال ذلك أمره تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول: " إن أتبع إلا ما يوحى إلي".







ويظهر من خلال ما نقلنا أن عقلية نسبة الاجتهاد للنبي ترسخت من خلال عاملين:







الأول:







بعد تدوين الكتاب العزيز عن السنة النبوية الشارحة لمجمل آياته وأحكامه، مما أدى إلى ضياع كثير من الأحاديث الصحيحة والتي تحمل بين مضامينها بيان الأحكام، وتوضيح ما غمض من آيات.







ثانيا:







تسرب الروايات الموضوعة تحت عناوين كتب أضفيت عليها هالة الصحة والقداسة، فيها ما يدفع إلى الاعتقاد بوقوع الاجتهاد من طرف النبي صلى الله عليه وآله.







إن الادعاء بأن النبي صلى الله عليه وآله مجتهد فيما لم يرد عليه فيه نص، لهو من شطط القول وبهتان الرأي، لأن الله تعالى قد أكمل دينه وأتم شريعته بحيث لا يحتاج رسوله صلى الله عليه وآله إلى إعمال الرأي فيها، بمعزل عن الوحي المتصل به طوال عمره الشريف. وقد جاءت آيات عديدة في كتاب الله تعالى لتأكد على أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن في أدائه وبلاغه طوال حياته متبعا غير سبيل الوحي، فدل ذلك على أن الدور المناط به لم يكن ليتجاوز إطاره، ولا كان الوحي منفكا عنه حتى يحتاج إلى إعمال رأيه في مسألة لم ينزل فيها وحي، هذا إذا لم نقل أن كلامه وأفعاله كلاهما وحي من الله تعالى.







فقوله تعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء".







وقوله تعالى: "فيه تبيان كل شيء".







وقوله أيضا: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".







وقوله كذلك: "ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين".







كما إن إطلاق الآية للفظ: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".







وفي فوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". دلالات تصب كلها في خانة أن النبي مكلف بالبيان والتبليغ فقط، لأن الله تعالى لم يتركه محتاجا إلى أي شيء، وما جاء من روايات تفيد العكس تلقى عرض الحائط، لأنها وبكل بساطة مخالفة للقرآن. وعجبي في من أصبح يتوقف أمام رواية موضوعة أخرجها البخاري ومن شاكله هيبة وتعظيما، ولا يتوقف أمام الآيات البينات التي تسقط تلك الروايات وتتهم أصحابها.







على انه لا بد من الإشارة إلى أن عصر النبوة لم يكن بالصورة التي يحاول البعض إلصاقها، وتمريرها إلى عقول المقدسين لذلك الجيل، فقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي: أن ذلك المجتمع كان قليل الهمة في تحصيل العلم، غير مهتم بما يدور حوله، منشغل بمعائشه، منصرف إلى إضاعة الوقت في ما لا يعني، متهيب من السؤال، لم يكن يدرك للشورى فهما ولا معنى، وقد سقطوا في أول امتحان اعترضهم وهو سقيفة بني ساعدة وما تلاها من تنصيب لا يمت إلى الشورى بصلة. أما الآية التي نسبتها الدكتورة إلى مجتمع النبوة كميزة تميزهم في الشورى فليس فيها ما يفيد ذلك بل إن المعنى عام يتحدث عن خصائص المجتمع المسلم بصفة عامة وصفاته التي ليست حكرا على جيل دون آخر. وهي وان ظهرت في فترة ما فإنها مقيدة بثلة قليلة، هي التي تناط بها مسؤولية التوعية والقيمومة والرعاية والحفظ.







قال تعالى: "فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون* والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون* والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون* والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون".







وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون* والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون".







30- أخرج ابن هشام قال ابن إسحاق: وحدثني نور بن زيد عن بعض أهل العلم ولا أحسبه إلا خالد بن معدان الكلاعي، أن نفرا من أصحاب رسول الله (ص) قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك؟ قال: نعم، أنا دعوة إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، بينما أنا مع أخ لي خلف بيوتنا رعى بهما لنا إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا ثم أخذاني فشقا بطني واستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقاه ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بهم، فوزنهم، ثم قال زنه بمائة فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: دعه عنك فالله لو وزنته بأمته لوزنها.(90)







31- اخرج مسلم عن انس بن مالك أن رسول الله (ص) أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه عقله، فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه وأعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال انس: وقد كنت أرى اثر المخيط في صدره.(91)







32- أخرج مسلم عن أنس، لعله قال عن مالك بن صعصعة عن رجل من قومه قال قال نبي الله (ص) بينا أنا عند البيت بين النائم واليقضان إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت فانطلق بي فأتيت بطست من ذهب فيها من ما زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا، قال قتادة فقلت للذي معي ما يعني؟ قال إلى اسفل بطنه فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة.(92)







نظرة في أسانيد الروايات:







- شيبان بن فروخ قال أبو حاتم: كان يرى القدر اضطر الناس إليه بآخرة(93)







ولست ادري السبب الذي دفع الناس إلى أن يضطروا إلى قدري مثل هذا؟







حماد بن سلمة: قال فيه الذهبي له أوهام، عن عبد الرحمان بن مهدي قال: كان حماد لا يعرف بهذه الأحاديث التي في الصفات حتى خرج إلى عبادان فجاء وهو يرويها، فلا احسب إلا شيطانا خرج إليه من البحر فألقاها إليه. وقال عباد بن صهيب: إن حماد كان لا يحفظ وكانوا يقولون إنها دست في كتبه وقد قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه.(94)







وأقول ما الفائدة من راو كهذا تدس في كتبه الأكاذيب والمختلقات وهو لا يدري، وما الفائدة من رواية ورواة ومذاهب بنيت دعائمها على ّ"قيل" و"لعل" إن يتبعون إلا الظن.







ثابت البناني: كان قاصا قال ابن عدي ما وقع في حديثه من النكارة فإنما من الراوي عنه لأنه روى عنه ضعفاء.(95)







وأعتقد جازما أن كل ما ألقي في السنة النبوية ما ليس منها فهو في معظمه من تخاريف القصاصين واختلاقات أوهامهم التي بنى أساسها عمر بن الخطاب عندما أمر كعب الأحبار وتميم الداري بأن يقصوا بالمسجد النبوي، وزاد بنوا أمية فأطلقوا عنانها بأن اجروها سنة في جميع مساجد البلاد.







رغم سقوط الروايات الواردة في حادثة شق الصدر سندا بسقوط بعض رجالها، فان لمتونها مناقشات لا يجب أن تغيب عن عين البصير. فقد ولى عصر الغفلة والانكفاء، وذهب القصاصون ووعاض السلاطين، وبقيت آثارهم وجرائمهم شاهدة على العبث الذي اجروه مجرى الدين.







وردت هذه الرواية في كتب السير والحديث والتفسير، وهي من حيث المضمون تنبئك بجهل واضعيها وسخافة عقولهم، ولما كان الوضع عندهم من مستلزمات الإبقاء على مذاهبهم المتداعية فهم لا يتحرجون من إيراد أي شيء عجيب وغريب، عملا بالمثل القائل خالف تعرف. فآية "ألم نشرح "لا تحتاج إلى هذه الخرافة لتفسيرها، والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله كامل في خلقه وفي خلقه غير محتاج إلى مثل هذا الاستدراك كي يستكمل مؤهلاته البدنية والعقلية والقلبية، ولا أن تحسب وهي بهذه الحالة من الخيال، معجزة وخارقة لا تصدر عادة إلا عن نبي، وكعادة الكذب الذي إذا تعددت مصادره يقع في تناقض بين رواياته، وكما ابتلي أهل الشرائع السابقة بالكذابة والكذب فان شريعتنا شأنها شأن البقية تماما كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: " لتحذون حذو من خلوا من قبلكم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى إذا لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".(96)







وحادثة شق الصدر هذه من قبيل جحر الضب، لأنها لا تقف على سبب واحد يقيم اختلاقها.







أما من حيث المتن فان وجه الغرابة فيه تكمن في عملية شق الصدر أو البطن، لأن في الروايات اختلاف في تحديد موضع الشق، ففي سيرة ابن هشام تقول: فشقا بطني واستخرجا قلبي. ولا يخفى أن القلب محله الصدر بين قفص الرئتين مفصولا عن البطن بغشاء لحمي رقيق. ومن البطن لا يمكن الوصول إلى الصدر ومن الصدر لا يمكن الوصول إلى البطن إلا بفتح ذلك الغشاء. أما البيهقي فقد حدث عن انس عن الشق فحده عند الصدر إلى أسفل البطن، فهل إن الدقة في الشق قد خانت الملكين بحيث لم يمكنهما تحديد مكان القلب ففتحوا صدر النبي كل تلك الفتحة ليستخرجا قلبه وشقاه ليخرجا منه علقة سوداء؟ قالوا في روايات أخرى هي حظ الشيطان منه، وفي رواية الغل والحسد، وادخل مكانهما الرأفة والرحمة، وفي أخرى حشي إيمانا وحكمة. فهل أن خلق وخلق النبي صلى الله عليه وآله كان من النقص بحيث وقع استدراكه بتلك الطريقة المريبة؟ وحتى لو سلمنا جدلا بإمكانية وقوع مثل ذلك الاستدراك فان الطريقة التي مورست عليه غلب عليها الخيال ولا تصدر عن ملائكة الله المقربين ولا هي من تفاصيل النبوة والاصطفاء، ولا جاءت بها سير الأنبياء السابقين، ولا هي من سنن المولى في التعامل مع صفوته، وهو الذي أتقن كل شيء صنعه، وحتى إن صح الاستدراك فان أمره بين الكاف والنون، فلم كل تلك السفسطة؟







أما وزن النبي صلى الله عليه وآله فهو أغرب ما سمعنا، وأي وزن يراد أهو وزن البدن أم وزن قيمة الشخص أم وزن أعماله؟ وبأي ميزان؟ لأن الرواية لم تتحدث إلا عن طست من ذهب مملوءة ثلجا، والذي يحتاج إلى طست لا بد أن يكون محتاجا إلى ميزان ليزن به، فمن أين جاء الميزان؟ ومن أين جيئ بأفراد الأمة وهم لم يسلموا بعد وفيهم من لم يولد في ذلك الوقت، فهل بلغ الجهل بالملكين إلى الإقدام على معادلته بعدد من أمته، ومتى اختلط الريب فيه حتى يوزن؟ وهل كانا يعتقدان برجحان أمته عليه؟ أو حتى هذا العالم كله عليه؟ تعسا لعقول سباها الجهل وعششت بين جنباتها الخرافة.







خلاصة القول في هذا الشأن:







أولا:







إن الاستدراك الإلهي في الخلق غير ممكن لقوله تعالى: " ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، نعم هناك الإمدادات الإلهية، التي تتم بقدرته تعالى دون حاجة إلى فتح أو غلق أو بقر لأنه علمه يقتضي ذلك ولا هو محتاج إلى تدارك فاته، ولا خطا وجب تلافيه.







ثانيا:







إن الاصطفاء الإلهي للأنبياء والرسل والأوصياء هو اختيار للأصل والمعدن، فيكون المصطفى كاملا من تاريخ خلقه، لأن ذلك داخل في علم المولى وقدرته.







ثالثا:







بتجميع الروايات المتناولة لحادثة شق الصدر نلاحظ تعددا لها وتكررا على ما جاء يوحي بوضع الروايات، فاختلاف الرواة في موضع الحادثة وفي تحديد موضع الشق وفي كيفية العملية وأدواتها، فرواية قالت بوقوعها في بيته بمكة وثانية أثناء إقامته في بني سعد وثالثة أنها وقعت في الكعبة.







رابعا:







إذا سلمنا بتعدد عمليات شق الصدر، وذلك بسبب تلك العلقة السوداء البغيضة، فهل نسلم بأن حظ الشيطان غدة سرطانية تعود لتنمو كلما استأصلت؟ وهل هان النبي الأعظم على خالقه الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، حتى يقع عليه ما وقع من شق واستخراج للقلب، وتنظيف بماء زمزم، أو بالثلج بحيث يكون ماؤهما مطهرا لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أصل طهارة كل شيء.







خامسا:







تقول إحدى الروايات أن أنس كان يرى أثر المخيط على صدر النبي صلى الله عليه وآله، فهل أن الذي شق القمر ثم أعاده كما كان عجز عن إعادة صدر النبي صلى الله عليه وآله كما كان؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.







أما من حيث السند فيكفي أن فيه أنس بن مالك، وهو غير موجود بمكة، فتسقط روايته لعدم ذكر من روى عنه.







33- أخرج مسلم والبخاري عن عائشة قالت: سحر رسول الله (ص) يهودي من يهود بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم، قالت حتى كان رسول الله (ص) يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى إذا كانت ذات ليلة دعا رسول الله (ص) ثم دعا ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي، أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي ما وضع الرجل، قال مطبوب، قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء، قال: في مشط ومشاطة..."(97)







الحديث أخرجه البخاري وغيره ممن انتسب للسنة المطهرة، وهم للبدعة أقرب وأجدر، يصور النبي صلى الله عليه وآله على أنه سحر من طرف يهودي يذكر المكل اسمه ويستعيض عن اسم النبي صلى الله عليه وآله باسم "الرجل"، ويؤثر ذلك السحر في النبي صلى الله عليه وآله بحيث اصبح لا يعي شيئا، وما بين سحره وبرئه فترة ليست بالقصيرة، فهل ترى أن الله تعالى يترك رسوله على تلك الحال من اللاوعي وهو المكلف بالتبليغ عنه للناس وبتطبيق ذلك التكليف؟ إن كل منصف لا يعتقد ذلك، ولا يصدق رواية بهذه التفاهة والوضاعة، يهودي وضيع يتغلب على أفضل مخلوقات الله تعالى فيضعه تحت سيطرته بمفعول السحر. وإذا سلمنا جدلا بوقوع النبي تحت سيطرة السحر، فكيف نسلم بتباطئ العناية الإلهية والمدد الرباني عنه؟ ويدل على بطلان الرواية ما جاء في الكتاب العزيز من الآيات ما يدحضها، ويلقي بها عرض الحائط، نستعرض منها ما يلي:







قال تعالى: " ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين".(98)







وقال أيضا: " ولا يفلح الساحرون".(99)







وقال أيضا: " وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا".(100)







وقال أيضا: " ولا يفلح الساحر حيث أتى". وعلى ذلك نستخلص أن الرواية باطلة بناء على:







- أن النبي صلى الله عليه وآله لا يمكن أن يطاله السحر بناء على العلاقة التي تربطه بمرسله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.







- إن عمل الساحر غير مفلح بدليل الآية الثانية والأخيرة.







- نسبة الظلم والضلال لكل من ادعى سحر النبي صلى الله عليه وآله بدليل الآية الثالثة.







34 أخرج البخاري واحمد بن حنبل في مسنده عن عائشة قالت: خرج النبي (ص) في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته، فسكت حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك.(101)







الرواية أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما لكنني لم أقف على الباب الذي أخرجها فيه لمراوغته في إخراج الروايات في غير أبوابها وإجادته في قطعها وجعل بعضها في مكان والبعض الآخر في مكان آخر بحيث انك لا تعثر على بغيتك منه إلا بضربة حظ، لذلك ذهب الكثيرون من اتباع ذلك الخط إلى تفضيل جامع أحاديث مسلم عليه، على كل حال دعونا ننظر في متن الرواية بقطع النظر عن إسنادها، والذي قد يكون صحيحا لاعتماد الوضاعين في تمرير أباطيلهم على أسماء الثقاة أو من قع توثيقه لأنه من أنصار ذلك المذهب حتى وان صدر منه ما صدر والأمثلة مثيرة لسنا في مقام عرضها، وقد لا تسقط الرواية سندا لكنها تتداعى متنا لمعارضتها للقرآن الكريم أو روايات أخرى أكثر صحة، أو لمخالفتها العقل والمنطق لأن الدين برمته لم يأت مخالفا للعقل والمنطق ولا مجانبا للفطرة التي فطر الله الناس عليها. ولا اعتقد أن عاقلا راشدا متزنا وقورا حييا يقدم على مسابقة زوجته أمام الناس أو من ورائهم من لدن آدم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فضلا عن كون المسابق رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك لأسباب هي:







أولا:







ليس هناك دافع واحد يبرر ذلك السباق الذي أراده النبي صلى الله عليه وآله فجأة ودون مقدمات في سفر يحتاج فيه المسافر إلى تقسيط جهده.







ثانيا:







ليس من عادة النبي صلى الله عليه وآله أن يأمر الناس بأوامر لا معنى لها وتنم عن عسف واستكبار واحتقار لهم كأنما يتعامل مع قطيع من الأغنام، وهو الذي قال عنه تعالى أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم.







ثالثا:







تصور الرواية الرسول الأعظم على أنه محب لنفسه ومضمر لما لا يظهر في تعامله، فسكوته على هزيمته في السباق على ما تدعي الرواية لم يكن غير تحين لفرصة أخرى حتى يثأر لنفسه، ودل على ذلك قوله: هذه بتلك.







رابعا:







ذكرت الرواية أن عائشة لما سبقت النبي كانت نحيفة ولم يسبقها في المرة الثانية إلا بعد ما كسيت لحما وبدنت، فما دخل البدانة والنحافة في السباق إذا كان يجيد الجري؟ وعلى ذلك نقول حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينزل إلى مسافل السوقة والهمج الرعاع الذين لا خلاق ولا حياء لهم فيسابق زوجته على مرأى ومسمع من المؤمن والمنافق وبمشهد من الله تعالى وملائكته وسكان سماواته.







خامسا:







قد يترتب عن الجري العثرة والسقوط والانكفاء، وعثرة الرجل قد لا تفسد من حاله بينما عثرة المرأة قد تكشف عورتها، وهذا مما لا يمكن أن يغيب عن ذهن عاقل.







سادسا:







قوله تقدموا يعني بالضرورة امتثال الناس لأمره وجعل الرسول وعائشة وراء ظهورهم كي لا يشاهدوا السباق المزعوم، خاصة إذا علمنا أن فيهم من كان يسترق النظر إلى النساء في المسجد وهو ساجد وقد نزل بخصوص تلك الحادثة قرآن.







أخرج الترمذي وابن ماجة والنسائي وأحمد بن حنبل: 3047 عن بن عباس قال كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله تعالى (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين)(102)







فكيف بهؤلاء وهم قائمون وأعينهم تدور في محاجرها.







أخرج البخاري عن عائشة قالت: دخل رسول الله (ص) وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمار شيطان عند رسول الله (ص) فأقبل عليه رسول الله (ص) فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله (ص) وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت نعم. فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني إرفدة، حتى إذا مللت قال حسبك؟ قلت نعم. قال: فاذهبي.(103)







36- أخرج أحمد والترمذي عن بريدة قال: خرج رسول الله (ص) في بعض، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله اني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن اضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال رسول الله إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا. فجعلت تضرب، فدخل ّأبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليها فقال رسول الله (ص): إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، اني كنت جالسا وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت ألقت الدف، وفي رواية أخرى، قالت عائشة: يا رسول الله (ص) كان حلالا فلما دخل عمر صار حراما فقال (ص): ليس كل الناس مرخا عليه.(104)







37- أخرج أبو نعيم عن السود بن سريع قال أتيت النبي (ص) فقلت: قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك. فقال (ص): إن ربك عز وجل يحب الحمد. فجعلت انشده، فاستأذن رجل طويل أصلع، فقال لي رسول الله (ص) أسكت. فدخل فتكلم ساعة ثم خرج، فأنشدته ثم جاء فأسكتني النبي (ص) فتكلم ثم خرج ففعل ذلك مرتين أو ثلاثة فقلت يا رسول الله من هذا الذي أسكتني له (وفي رواية من هذا يا نبي الله الذي إذا دخل قلت أمسك وإذا خرج قلت هات) فقال (ص): هذا عمر رجل لا يحب سماع الباطل.(105)







38- أخرج مسلم عن أبي هريرة قال بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله (ص) بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب، فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها فقال له رسول الله (ص) دعهم يا عمر.(106)







39- أخرج ابن حجر عن عائشة: لما وصل النبي (ص) المدينة والولائد يقلن:









طلع البدر علينامن ثنيات الوداع







فعدل ذات اليمين حتى نزل بقباء فجعل رسول الله (ص) يرقص بأكمامه.(107)







عندما يفقد المتأسلمون عقولهم بحثا بين مزابلهم العاكفين عليها عن منقبة أو فضيلة لبعض أوليائهم، فلا يجدون ناعقا يركبونه غير الكذب الرديء، والاختلاق الذي لا يكشف عن أبسط معرفة، لأنهم ومن أجل الرفع من مقام أبي بكر أو عمر أو غيره من أصحاب مؤامرة السقيفة فلا يهم عندهم أن تداس قدسية النبي صلى الله عليه وآله، وإلا لما بلغت بهم الجرأة على إخراج مثل هذه الخزايا، وفي كتب ينعتونها بالصحاح وما شاكلها في التسمية.







ففي الرواية الرابعة والثلاثون:







جاريتان عند عائشة تغنيان بغناء يوم بعاث ورسول الله مضطجع يسمع أشعار يوم الاقتتال الجاهلي بين الأوس والخزرج، فلا ينتهرهن، ثم يأتي أبو بكر لينتهرهن بقوله: أمزمار شيطان عند رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يأبه رسول الله لذلك، بل يطلب من أبي بكر أن يدعهما.







ثم تقول عائشة فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وأنا أقول منذ متى كان رسول الله يغفل، وهو الذي تنام عيناه ولا ينام قلبه، أبلغ رسول الله ذلك المبلغ من عدم الإدراك واللاوعي بما يدور حوله حتى يغفل وتتدارك عائشة الأمر فتغمز الجاريتين للكف عن الغناء والانصراف؟







ولم تكتف الرواية بذلك الحد المزري، بل تتواصل لتحيلنا على صورة أخرى؟ وهن من الأولى وفيها أن عائشة لا تدري إن كانت سألت النبي صلى الله عليه وآله أو بادرها إلى رغبتها في مشاهدة السودان يلعبون بالدرق والحراب يوم العيد في المسجد كيف أقامها وراءه خدها على خده، أما كيف قامت وراءه حسب الرواية بالطبع- فالحالة لا تخرج عن احتمالين:







الأول:







يقول إن عائشة لا يمكنها أن تضع خدها على خد النبي صلى الله عليه وآله ألا إذا كانت أطول منه قامة وعنقا وهو احتمال مستبعد.







الثاني:







وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد حملها على ظهره، وهو الأقرب للرواية، وفيه ما فيه من حط لمقام نبي الأمة وقائدها وقدوتها، هذا إذا كانت عقيدتنا تنطوي على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء للناس كافة، أما إذا بعث ليلبي رغبات شخص واحد، ويوقف نفسه على خدمة أهواء ذلك الشخص ونزواته، فليس في تصور اقل المسلمين عقيدة بالنبوة والنبي الأعظم صلى الله عليه وآبه. وتعالى الله ورسوله أن تكون النبوة وشخصها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة لتلبية الرغبات وقضاء الشهوات، ومثارا للشبهات.







وفي الرواية الخامسة والثلاثون:







جاء فيها أن جارية نذرت أن تضرب بالدف بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وتتغنى لأنه لا معنى للضرب بالدف بدون غناء (والنذر كما هو معلوم التزام تعبدي يستوجب الوفاء به طالما أنه لا يتجاوز الطاعات إلى القيام بالمعاصي) أما في هذه الحال فان النذر معصية، ويصبح إلى الهذر أقرب منه إلى أي شيء آخر. وقول رسول الله صلى الله عليه وآله ردا عليها: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا، يؤكد على أن الرواية مفتراة عليه، لأن صدور ذلك القول لا ينطبق على نبي معصوم يعلم بطلان نذر المعصية.







وتمضي الرواية قدما لتصل إلى مفاضلة غريبة جاءت لتضع رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعلي وعثمان على صعيد واحد، من قبول الغناء والرقص والضرب بالدف، بينما وضعت عمر وحده كعدو للدف والرقص والغناء عارف بحرمته، ووجوده يخيف الشيطان ويفسد ألاعيبه، فيكون عمر عند هؤلاء المتأسلمين أقوى وأشد في مناوئة الباطل من رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى يخاف منه الشيطان ويفر بمجرد دخوله حجرة الرسول صلى الله عليه وآله؟ فيكون الشيطان قد وجد ملاذا بزعمهم من عمر في بيت النبي صلى الله عليه وآله، وأي دين يمكن أن يكون عليه أقوام ملئت صحائفهم بهذه المفتريات؟







أما الرواية السادسة والثلاثون:







فقد جاءت لتؤيد منحى الرواية السابقة وتصور عمر على أنه رجل لا يحب سماع الباطل، بينما يحبه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويخاف ويتهيب من عمر كلما دخل عليه يسكت الرجل حتى لا يسمع عمر ذلك الباطل، فيفسد الأمر على المتغني وعلى النبي صلى الله عليه وآله.







على أنك إذا تأملت في مقدمة الرواية، ترى أن ما أنشده الأسود بن سريع هو نوع من الحمد والذكر، فقوله: قد حمدت ربي بمحامد مدح وإياك، ومباركة الرسول صلى الله عليه وآله لذلك بقوله: إن ربك عز وجل يحب الحمد، فما وجه نسبة تلك المحامد إلى الباطل؟







أما الرواية السابعة والثلاثون:







فتقول إن عمر دخل المسجد والحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وآله بحرابهم، فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله نهاه عن ذلك. وهذه الرواية هي من قبيل سابقاتها، لم تجد منقبة تسند لهؤلاء غير الإسفاف، وهي تظهر لنا قلة أدب عمر في حضرة النبي صلى الله عليه وآله، وهو كعادته إلى العجرفة والغلظة في تعامله أميل، وان شئت أحلتك على ممارسات حقيقية صدرت عنه حيال النبي صلى الله عليه وآله، كمعارضته له يوم الحديبية دون موجب، كأنما حصل على وصاية على الإسلام وأهله، تبيح له الوقوف في وجه النبي صلى الله عليه وآله كلما رأى في ذلك مخالفة لرأيه، وتخوفه بعد ذلك من أن ينزل فيه قرآن، وفراره إلى أقصى الجمع حتى جاءه ابنه وقد بايع، وقد استظرف البخاري الحادثة فعنون عليها بقوله إن ابن عمر أسلم قبل أبيه. وتصديه في حجرة النبي صلى الله عليه وآله يوم الخميس لمنعه من كتابة وصيته بقوله إن النبي يهجر (يهذي ويخلط) حسبنا كتاب الله، فلم يعقب على موقف عمر معقب منهم ليعطي كل ذي حق حقه، بل إن بعضهم كالنووي الذي صوب عمر وخطأ رسول الله صلى الله عليه وآله. وعمر من الذين حصبوا باب النبي صلى الله عليه وآله بالحصباء ليخرجوه إلى صلاة الليل، طالما أننا لم نجد في الروايات شخصا آخر يهوي إلى الحصباء ليحصب بها الحبشة. ومن الذين نزلت فيهم: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم البعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون". " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون". وغير ذلك مما لا مجال لتقصيه في هذا البحث ويتطلب بحثا منفردا، فأين هذه الحقيقة من ذلك الخيال؟ لقد أثمرت هذه الأكاذيب على رسول الله وجود عقليات تؤمن بأن النبي صلى الله عليه وآله ناقص من دون أبي بكر وعمر وعثمان، وكيف يكون كاملا وعندهم إن القرآن نزل تأييدا لعمر وأبي بكر، بل في رواياتهم ما يفيد أن بعض الآيات نزلت بعد أن نطقها عمر كآية: " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين". فقد أخرجوا في التفسير المأثور عن عمر، أن يهوديا جاء إلى عمر فقال: إن جبريل عدو لنا، فانتهره عمر قائلا الآية ولم تنزل بعد على النبي صلى الله عليه وآله، وعندما دخل عمر على النبي صلى الله عليه وآله، وجد أن الآية التي نطقها قد نزلت. أتباع هؤلاء يتهمون شيعة آل محمد بما ليس عندهم كنسبتهم للشيعة أن جبريل أخطأ
في نزول الوحي، وتحريف القرآن، كذبا وبهتانا بينما هم يتفننون في الكفر والجرأة على الله ورسوله ومقدساته تفننا، ويتلاعبون بالدين لعب الصبي الأبله.







أما الرواية الثامنة والثلاثون:







فقد جاءت لتفتري على رسول الله صلى الله عليه وآله، وتضعه في موضع سخيف، يرقص بأكمامه كما يفعل الدراويش.







40-أخرج البخاري عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله (ص) في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فقام رسول الله (ص) على التماسه، وقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناس أبا بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة، أقامت رسول الله (ص) والناس ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله (ص) والناس ليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله (ص) على فخذي فقام رسول الله (ص) حين اصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم.(108)







لقد دأب الوضاعون ومن تحزب لهم على إظهار تفرد عائشة وتربعها على مجامع قلب النبي صلى الله عليه وآله، والصحيح عكس ذلك لأن النبي ليس له في قلبه غير حب الله تعالى وحب من يحبه الله تعالى.







ومضت الرواية على درب ذلك العشق المزعوم لتحيلنا على مأساة حقيقية، والكذب عند هؤلاء القوم لا يقف عند حاجز ولا يراعي ثابتة من ثوابت الدين. المهم عندهم إبراز الوهم وإظهاره على أنه الحقيقة المثلى التي لا تظاهيها حقيقة، ولكي نميط اللثام عن زيف هذه الرواية نقول:







أولا:







تهافت الرواية على دعوى التماس عقد عائشة الذي ضاع منها واقامة رسول الله صلى الله عليه وآله في طلبه، ووقوف الناس معه في ذلك الطلب، وهم دون ماء وفي مكان ليس فيه ماء، يدفع إلى القول بأن المسألة بعيدة عن الواقع لأن النبي لم يؤثر عنه أنه حمل الناس على أمر اختياري بهذا الشكل الغير مألوف عنه.







ثانيا:







كثرة عدد الناس المتطوعين في البحث، يعجل في سرعة العثور على العقد، أو سرعة عدم العثور عليه، وفي كلا الاحتمالين لايمكن لمدة البحث عنه أن تطول بالشكل الذي عليه الرواية.







ثالثا:







نسبت الرواية تشكي الناس وتذمرهم لأبي بكر، وعدم رضاهم وتشكيهم من تصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، طلبا للتوسط في الموضوع على ما يظهر من قصد الناس وسياق الرواية، فيكون ذلك التصرف مخالفا للسلوك العام حيال النبي صلى الله عليه وآله ومعصية جماعية للوحي، إن كان أمر البحث صادرا عن النبي صلى الله عليه وآله.







رابعا:







كيف يمكن أن نقبل بتذمر الناس وتشكيهم لأبي بكر، والرسول صلى الله عليه وآله موجود ومنذ متى كان لأبي بكر أو غيره تفويض حتى يقتحم مكان النبي صلى الله عليه وآله دون استئذان، حتى لو كان صهره.







رابعا:







لوم أبي بكر لابنته فترة غير محددة وطويلة على ما في الرواية (فعاتبني أبو بكر ما شاء الله) من شأنه أن يسرع في يقظة النائم العادي، فما بالك بنبي تنام عيناه ولا ينام قلبه، ناسبة ثقل نوم النبي ورأسه على فخذ عائشة، وطعن أبي بكر لخصر عائشة دافع آخر يرجح استيقاظه، لأن المرأة لابد أن تصدر منها حركة لا إرادية يفعل الطعن، ومع ذلك تمضي الرواية في نسبة النوم الثقيل للنبي كأنما هو مخدر في ذلك الوضع.







خامسا:







تحاول الرواية الادعاء على النبي صلى الله عليه وآله بأنه أمر الناس يبحثون عن عقد زوجته بينما ذهب هو لينام على فخذ عائشة، ولم يؤثر عنه إلا المبادرة إلى كل أمر يصدر عنه فيكون أول المطبقين.







سادسا:







ما وجه لوم الناس على عائشة، ورسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي أوقف الناس للبحث عنه؟







سابعا:







كيف يتفق انقطاع العقد مع فقد الناس كلهم للماء؟ أوصلت بهم البلاهة إلى ذلك الحد الذي دخلوا فيه في سفر محدد المسافة دون زاد لازم من ماء ومؤونة؟







ثامنا:







اختلاق الرواية لإظهار فضل عائشة وعقدها في نزول آية التيمم غير خاف على كل ذي بصيرة. والحال أن آية التيمم نزلت مع آية الوضوء، قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون". لذلك فان من سخافة العقل القول بأن الفضل في التيمم جاءت به عائشة وعقدها وفضلها على المسلمين غير خاف من مقصد الرواية التعيسة.







تاسعا:







هل كان الصحابة يعتقدون أن الذي أوقف الناس هي عائشة وليس رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وتصريحهم ضمنيا بتأثيرها في قرارات رسول الله صلى الله عليه وآله وتصويره منفذا لرغباتها حتى لو كانت على حساب بقية المسلمين.







ولا بد من التعريج على رواية أخرى ملفقة لعائشة حول افكها المزعوم وعقد الجزع الذي فقدته وهي تقضي شأنا لها في سفرة أخرى، غير أن الخلاف بينهما تمثل في انتشار خبر فقد العقد في الرواية الآنفة الذكر، وطلب النبي صلى الله عليه وآله من الناس التماسه، وتكتم عائشة عن العقد الثاني حتى تستقيم تمثيلية الإفك، وتطول مدة بحثها بحيث ينساها رسول الله صلى الله عليه وآله وينصرف الناس عنها، وفي الرواية نقل طريف للهودج لم يجد خيال بمثله، فقد نقل الهودج وفي اعتقد الناقلين أن في وسطه عائشة، فلم يتفطنوا إلى عدم وجودها نظرا لخفة وزنها كما بررت هي خفة نساء ذلك العصر، وهل سمعتم بهودج يركب على الجمل والراكبة فيه؟ أين يمكنها أن تضع قديها؟ أم أنها ستتعلق بعصي الهودج كالقرود؟ لا أعتقد واضع الرواية هذه إلا من سكان الحضر الذين لا يعرفون شيئا عن الهودج، لذلك تصور أنه يركب وحده، ثم تركب فيه المرأة ثم ينقل على الجمل.







وحتى لا نستغرق طويلا في ترهة مثل هذه نقول:







إن قلب الحقائق عند المنافقين طال كثيرا من الأشياء المتصلة بمحيط النبي صلى الله عليه وآله فلإفك الذي وقع على مارية القبطية، اختلقوا له رواية العقد الضائع لعائشة حتى يحلوها محل مارية في الإفك، وأين مارية من عائشة؟ لقد نقل مسلم عن أنس: " إن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله (ص).(109) لم تذكر الرواية اسم مارية ولا الرجل الذي اتهم ولا من اتهمه وبعودتنا لوقائع الحادثة من الجانب الذي أهمله قالبوا الحقائق نكتشف أن أم الولد هي مارية القبطية وأن الرجل هو العبد الذي جيء به معها هدية من المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما من أشعل الإفك فعائشة هي التي طعنت النبي صلى الله عليه وآله في نسبة إبراهيم عليه السلام إليه، قائلة انه لا يشبهه، بل يشبه فلان تعني به العبد، بدافع الغيرة العمياء التي تأصلت في نفسها وازدادت كلما سمعت بولادة تهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي العاقر التي لا تلد، بل إنني أرجح أن صفوة الخلق لما علم حالها لم يقاربها حتى توفي(110)







ولم يعد بناء على ذلك للعقدين شأن وللروايتين قيمة، فالأول بطل بنزول آية الوضوء والتيمم معا بلا فاصل، والثاني افتضح أمره بتهافت الرواية واستغراقها في الكذب المفضوح.







41- أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله (ص) شغل عنها يعني صلاة العشاء، فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقضنا ثم رقدنا ثم استيقضنا ثم خرج علينا النبي (ص) ثم قال: ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم.(111)







والرواية تتعارض مع شريعة الإسلام السمحة قرآنا وسنة صحيحة، فقوله تعالى: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. وفي السنة المطهرة كان النبي صلى الله عليه وآله يحث دائما على تعاهد الصلاة، والحرص على أدائها في أول وقتها، وكان يقول لبلال: أرحنا بها يا بلال.







والصلاة لها وقتان، وقت اختياري بدخول أول وقت الصلاة وهو وقت المعصومين والعارفين والمؤمنين، ووقت إجباري بما يتسع لأدائها وهو وقت الغافلين والمحرومين، ومن غلبهم حب الدنيا.، ويكون الأجر في الأداء متناقصا فيكون كاملا في أول الوقت. وحرص النبي صلى الله عليه وآله على أداء صلواته في أول وقتها مما هو معلوم بالضرورة عنه، وحث المسلمين على ذلك مما جاء في الأثر عنه، وفي هذه الرواية ما ينافي ذلك كله، بحيث نسبت انشغاله عن صلاة العشاء الأمر الذي أدى إلى تأخيرها حتى رقد من في المسجد، ثم استيقظوا ثم رقدوا ثم استيقظوا، وبحساب زمني بسيط يتبين لنا من خلال انتظار الناس للصلاة من أول وقتها إلى استفاقتهم من رقادهم الثاني أن الصلاة خرجت عن وقتها الإجباري فأصبحت قضاء على كل من في المسجد، ناسبة التقصير لرسول الله صلى الله عليه وآله واستخفافه بالناس وتركه ينتظرون زمنا طويلا، ليخرج إليهم في النهاية بقول لا يبرر تأخيره وهو الذي بابه قبلة يفتح على المسجد مباشرة، حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفعل ذلك، الملفت للنظر في هذه الرواية طريقة رقاد الصحابة الجماعي كأنما شربوا مخدرا، أو تحولوا إلى آلات تشتغل معا وتتوقف معا، ووداعتهم الغير معهودة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيهم من كان يحصب بابه ليخرجه إلى صلاة النافلة في شهر رمضان، فقد أخرج مسلم ما يلي: احتجر رسول الله (ص) حجيرة بخصفة أو حصير، يصلي فيها فتتبع إليه رجال يصلون بصلاته، قال ثم جاؤا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله (ص) عنهم قال فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله (ص) مغضبا فقال: مازال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فان خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.(112)







ولو افترضنا أن النبي صلى الله عليه وآله شغل عن إمامة الصلاة، فانه حتما سيبادر إلى تعيين من يقوم مقامه فيها، كما كان يفعل كلما اقتضى الأمر، أو فلنجاري هؤلاء في بعض دعاويهم فنقول لهم لماذا لا يقدم الصحابة أحدا يصلي بهم طالما لم يخرج إليهم؟ وقد كانوا قدموا على ما في مختلقاتهم ابن أبي قحافة. وسيأتي بعد هذه الرواية كيف أن هؤلاء قد تركوا رسول الله صلى الله عليه وآله ذهب للوضوء فقدموا عبد الرحمان بن عوف للصلاة ولم ينتظروه رغم علمهم بأنه ذهب ليقضي حاجته.







42- أخرج مسلم عن المغيرة بن شعبة في حديث له عن رسول الله (ص) قال: إنه غزا مع رسول الله (ص) تبوك فتبرز رسول الله (ص) قبل الغائط فحملت معه إداوة قبل صلاة الفجر فلما رجع رسول الله (ص) إلي أخذت أهريق على يديه من الإداوة، وغسل يديه من الإداوة، وغسل يديه ثلاث مرات ثم ذهب يخرج جبته عن ذراعيه فضاق كما جبته فادخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة، وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ على خفيه، ثم أقبل قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمان بن عوف، فصلى لهم، فأدرك رسول الله (ص) إحدى ركعتين، فصلى مع الناس الركعة الآخرة، فلما سلم عبد الرحمان بن عوف، قام رسول الله (ص) يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما قضى النبي (ص) صلاته، قال أحسنتم أو قال أصبتم، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.(113)







لم يكن المغيرة بن شعبة ذا شأن يذكر مذ أسلم، وباعتباره أمويا دخل الدين على غرة اقترفها فارا من القتل، فحاول أن يجد لنفسه موقعا بين المتربصين بالنبي صلى الله عليه وآله فلم يجد غير إداوة الماء التي تتبع بها النبي على ما في الرواية، وهل كان النبي صلى الله عليه وآله محتاجا إلى من يحمل معه طهوره، وهو الذي يحث على عدم الاستعانة في الطهارة إلا لضرورة لا تحتمل غيرها، وان كان لا بد من أن يحمل أحد للنبي صلى الله عليه وآله اداوته، فان المغيرة بن شعبة سيكون آخر من يطلب منه ذلك، لأنه وبكل بساطة لن يجد مكانا بين خلص المؤمنين الحافين برسول الله صلى الله عليه وآله.







لست أدري السبب الذي دفع المسلمين وهم في غزوة ورسول الله صلى الله عليه وآله بينهم، إلى ترك قائدهم ونبيهم ينصرف للوضوء استعدادا للصلاة، فيقدمون عبد الرحمان بن عوف بدلا عنه، مهما طالت غيبته، وكم من الوقت يستهلك الوضوء والطهارة حتى يعدل الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وعملية الاستبدال تلك هي تمرد وانقلاب، واستخفاف بالنبي صلى الله عليه وآله إن صحت الرواية، لا يرتضيها ولا يقبلها المؤمنون الذين رافقوه، أما الادعاء بأن النبي صلى الله عليه وآله صلى خلف عبد الرحمان هذا فلا يصح، لأنه لم يؤثر عنه أنه صلى خلف أحد، نبيا مرسلا كان أو ملكا مقربا، بل ثبت عن أنه أم الأنبياء كلهم في بيت المقدس، وما معهم من ملائكة، فكيف يتجرأ أحد يدعي الإسلام وحب النبي ومعرفة مقامه عند الله بالقول أنه صلى خلف أحد بدون موجب؟ لأن المسألة ليست من متعلقات التواضع بقدر ما هي تطبيق لشرائط الإمامة.







قد نصدق أحدا غير المغيرة بن شعبة لو كان راويا لهذه المتناقضات، ولكن لما كان هو الراوي وجب علينا ذكر السبب الذي دفعنا إلى التحفظ على كل ما يصدر منه، فقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي عنه قائلا: كان إسلام المغيرة من غير اعتقاد صحيح، ولا إنابة ونية جميلة. كان صحب قوما في بعض الطرق فاستغفلهم وهم نيام فقتلهم، وأخذ أموالهم، وهرب خوفا أن يلحق فيقتل أو يؤخذ ما فاز به من أموال، فقدم المدينة وأظهر الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يرد على أحد إسلامه، فمن كان إسلامه على هذا الوجه وكانت خاتمته ما قد تواتر الخبر به من لعن علي عليه السلام على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل، وكان المتوسط من عمره الفسق والفجور وإعطاء البطن والفرج سؤلهما، وممالأة الفاسقين، وصرف الوقت من غير طاعة لله، لذلك فان رواية الصلاة تلك لا تصح سندا لمحل المغيرة، ولا متنا لتعارضها مع أحكام الفقه وعرف المسلمين في القدوة والاقتداء، ومع العقل لاستحالة ذلك التقديم اللهم ألا إذا كانت هناك مؤامرة حيكت ضد النبي صلى الله عليه وآله ولم تكتمل فصولها. وصادفت غزوة تبوك التي جاء فيها أن المنافقين تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وآله، في أول فرصة تتاح لهم وهو ما حصل في العقبة عندما دحرج الدباب على ناقته لتنفيرها وإسقاطه منها، في محاولة لقتله.







أغرب من ذلك الباب الذي أخرج فيه مسلم الرواية حيث عنونه كالتالي: باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة في التقديم. وأي مفسدة أكبر من ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذهب لقضاء حاجته وليتوضأ، فيقدم عليه تحت أي تبرير.. فتأمل.







43- أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله (ص) فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب، فقال لنا: مكانكم ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر فصلينا معه.(114)







سبق أن ذكرنا أبا هريرة من جهة السند المتصل بالرواية في موضع آخر، وأشرنا إلى طرف من أحواله رغم القائلين بعدالة جميع الصحابة، مخالفة لله تعالى ولرسوله، في تنزيههم من الكذب وفيهم من كذب عليه فأكثروا حتى نبه إلى خطورة ذلك الكذب، لكن المنافقين منهم لم يكونوا ليأبهوا بكل ذلك، ولا أن يظهروا ندما على ما قاموا به، فنزل في هؤلاء الصحابة ما نزل من آيات فاضحة، تعددت في كل حركة تصدر منهم، أما الصحابة الذين لم يكونوا من ذلك الحزب وانضموا إليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، لذلك يمكن القول أن الصحابة ليسوا كلهم ذوي شأن عند الله ورسوله، ولم يأت في كتاب الله ما يفيد عدالتهم، وانما كان الخطاب خاصا ومحصورا في فئة منهم







قال تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم".







وقال أيضا: "محمد رسول الله والذين معه..... وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما".







وقال أيضا: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة".







أدلة على عدم عدالتهم جميعا، فالآية الأولى تحدثت عن الوعد الإلهي بالمغفرة والأجر لعدد من الذين مع رسول الله بدليل (منهم) وهنا لا بد لي من أن اطرح سؤالا مفاده: هل كان الصحابة كلهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله في كل المواطن يدا واحدة؟ الجواب طبعا يأتي بالنفي، فالمتدبر لآيات القرآن الكريم، والذي لم يمر عليها أصما ولا أعمى يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان وحده في غار ثور رغم أنه كان مرفوقا، بدليل أن السكينة نزلت عليه وحده، وكان صاحبه خارجا منها، وفي حنين وأحد، كان رسول الله صلى الله عليه وآله في عدد قليل من المؤمنين يستميتون في الدفاع عن دين الله فأنزل سكينته عليهم، وخرج منها الفارون بجلودهم.







أما السنة المطهرة الصحيحة فان المتأمل فبي أحاديث الحوض يعلم بما لا يدع مجالا للشك أن عدالة جميع الصحابة تلفيق من الظلمة وأعداء الإسلام الحق افتعلت مقابل عصمة أهل البيت عليهم السلام لتشكل حيالهم منظومة السلط الغاشمة والإسلام الملفق. ومن شاء الاطلاع على أحاديث الحوض فليعد إليها في كل الكتب الروائية.







أما من حيث المتن فان شخصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ووظيفته تتعارضان مع تلك الحركة التي لا تصدر عن عامة الناس فضلا عن الأنبياء والعلماء.







لقد جاءت هذه الرواية لتضع خاتم الأنبياء في وضع عجيب وغريب، يتقدم للصلاة بالناس وهو جنب، ساهيا، ثم يتذكر بعد أن اصطف الناس، فيشير إليهم بانتظاره، فيذهب ليغتسل ثم يعود إليهم فيصلي بهم، أتساءل هنا عن الذين تعودوا تقديم أحد على رسول الله لماذا لم يقدموا أصحابهم، ووقت الغسل أطول من التخلي والوضوء؟







هكذا صوروا نبي الله صلى الله عليه وآله كما صور أهل الملل المحرفة أنبياءهم، ألم يكن رسول الله مؤيدا ومسددا من قبل الباري تعالى حتى يكون النموذج المجسد للشريعة السمحة والمثال المحتذى للإنسان الكامل؟ ألم يكن نبي الله صلى الله عليه وآله مأمورا بالطهارة الدائمة تحسبا لنزول الوحي في أي لحظة؟ ألا يستحي واضع هذه الرواية وناقلها من الله ورسوله وهو ينقل عنه ما لا يتصوره حتى الشيطان نفسه، لكني ماذا أقول فيمن خانتهم ضحالة علومهم وكانت الدنيا أكبر همهم، فجاءوا ببلايا ليجعلوها ميزة كتبهم وعلامة تدينهم، أأقول تبا أم أقول تعسا، لكني أقول حسبنا الله ونعم الوكيل.







44- أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث. فقال الناس سبحان الله. تعجبا وفزعا: أبقرة تتكلم؟ فقال رسول الله (ص): فإني أو من به وأبو بكر وعمر. قال أبو هريرة: قال رسول الله (ص) بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السبع ليس لها راع غيري. فقال سبحان الله، فقال رسول الله (ص) فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر.(115)







أردت من خلال هذه الرواية التدليل على الحالة التي وصلت إليه سنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، عند من سماهم الظلمة بها، ونسبوهم إليها ليقطعوا على الناس وجهتهم، ويوهموهم أن الإسلام بكل تفاصيله عند الصحابة، ومن اتخذهم مرجعا فانه قد هدي إلى الحق، لذلك فانك كلما تقدمت في البحث بين رواياتهم المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، تزايدت قناعتك بان المقام الذي أنت فيه بعيد كل البعد عن العلم، وعلى طرفي نقيض مع العقل، ويمجه المنطق السليم، هم هؤلاء الوحيد حشر أسماء ابن أبي قحافة وابن الخطاب ومن بعدهم يأتي عثمان ثم يستوي الناس كما قال ابن عمر عندكما سئل عن أفضل الصحابة، ولا أرى فيها غير بصمات معاوية بن آكلة الأكباد، الذي أراد أن يجعل بين أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وبين الناس حاجزا، أسس بنيانه ودس فيه من الكذب ما جعله يستطيل ويكبر، ليس هذا الكلام من استنتاجي وانما هو إقرار المؤرخين كالطبري في تاريخه وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة نقلا عن بعض المصادر.







نعم أومن بجميع معاجز النبي صلى الله عليه وآله كتسبيح الحصى بين يديه وتكليم الضبية، وإطاعة الشجرة، وانشقاق القمر له، وغير ذلك من براهين النبوة ومعاجز البعثة وآيات الدلالة على إرساله من طرف خالقه تعالى، أما أن تكلم البقرة رجلا كلاما تافها لا معنى له، وأن يخاطب ذئب راعيا بعدما افتك منه شاته، فليس في ذلك دعم للإعجاز النبوي، ولا فيه رشح من علم يفيد الناس، ولا جاءنا ما يفيد وقوع مثل هذه الغرائب في أي عصر، اللهم إلا إذا كان المخاطب نبيا يفهم لغة الحيوان، أما أن يتكلم حيوان بلغة القرآن فهذا ما لم يقل به إنسان، ولا علاقة له بالدين إطلاقا. مضافا إلى أن السنن الإلهية اقتضت أن لا يفهم الناس منطق الحيوان عدا المرسلين، تأييدا لهم وخرقا للعادة الكونية التي تقتضي عدم معرفة الإنسان لمنطق الحيوان والعكس بالعكس.







أما أن يتطابق إيمان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بإيمان أبي بكر وعمر، فذلك مما لا حجة لواردها، بل جاء القرآن والأحاديث الصحيحة ليقولا عكس ذلك، وقد أخرج البخاري في الإيمان والنذور عن عمر قوله لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك. ذلك اعتراف الرجل بنفسه، أما ما زيد من كونه قد استدرك، وقال له رسول الله الآن يا عمر، فهي لا تفيد غير اللوم على ما صدر منه من انكشاف أمر حبه لنفسه أكثر من حب النبي صلى الله عليه وآله، وهي دلالة على عدم إيمان بشخص النبي صلى الله عليه وآله ومقامه العالي، أنه أما الذين أولوا آخر الرواية بأن المعنى أنه الآن كمل إيمانك، فلا تفيد في شيء، لأن الحب ليس سحرا ولا آلة تركب وتنزع كيفما شاء، بل إن الأمر يحتاج إلى تربية وتوطين نفس.







والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لا يقاس به أحد كائنا من كان فكيف بقاتل النفس البشرية بلا ذنب وعابد الحلوى وآكلها دهرا، وكل إناء بما فيه يرشح.







أنا لا أستغرب من واقعنا الإسلامي اليوم كيف أصبح وفي أي موضع تردى، وأنا أتعثر وسط شائكة هذه الروايات التي لا تزيد العقل البشرى إلا جمودا وانغلاقا على الخرافة وتشبثا بالخيال.







45-أخرج مسلم عن عائشة زوجة النبي (ص) حدثت أن رسول الله (ص) خرج من عندها ليلا قالت فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع، فقال مالك يا عائشة أغرت؟ فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك، فقال رسول الله (ص) لقد جاءك شيطانك، قلت: يا رسول الله أو معي شيطان، قال نعم، قلت: ومع كل إنسان، قال نعم، قلت ومعك؟ قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم.(116)







وأنا أقول، أخي المسلم إن اعترضتك رواية في سندها واحد من أبناء الزبير وخالتهم فاحذر من مضمونها، لأنك لن تجد في معظمها غير البهتان، بل لن تجد فيها ما يوحي إلى الدين في شيء، وهذه الرواية لم تخالف القاعدة لأنها جاءت لتطعن العصمة في الصميم، وترد على القرآن العظيم، وإلا فأي شيطان يقترن برسول الله صلى الله عليه وآله؟ وأي شيطان يمكن أن يسلم منذ آدم حتى يوم القيامة؟ ولئن صح من الرواية شيء فانه لا يصح منها سوى أن عائشة امرأة غيراء لها شيطان لم يسلم، وهو الذي أوعز لها بغض الأطهار من أهل بيت النبوة عليهم السلام إلى درجة محاربتهم والفرح في أحزانهم والحزن في أفراحهم، وما علامة النفاق التي حدث عنها رسول الله صلى الله عليه وآله إلا حبهم ومودتهم وموالاتهم، وما عدا ذلك فهو تلفيق وبهتان.







46- أخرج مسلم عن أبي هريرة قال النبي (ص) ليس أحد منكم ينجيه عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله، قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة.(117)







47- أخرج مسلم عن أبي هريرة قال رسول الله (ص) حين أنزل عليه وأنذر عشيرتك الأقربين: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنكم من اله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئا.(118).







بنظرة سريعة في سند الرواية السادسة والأربعين نلاحظ فيها انقطاعا بين أبي هريرة ومن لقف منه، فأبو هريرة كما هو معلوم لم يظهر بين المسلمين إلا بعد فتح خيبر وشتان ما بين أول الدعوة وما بين فتح خيبر، إضافة إلى أن المعنى اللفظي للرواية لا يشير إلى أن أبا هريرة حدثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، لذلك فان الرواية لا تصح من هاذين الوجهين.







أما من حيث المتن فالروايتان لا يستقيمان لأسباب هي:







أولا:







في مضمون الرواية الأولى دعوة إلى إبطال جدوى العمل وفلسفة الوجود بأسره، من أن الإنسان خلق ليعمل من أجل تحصيل الزاد الذي يؤهل لمقام أفضل في الحياة القادمة والاستعداد للرحيل بأخف الأوزار والتبعات، وقد جاءت رسل الرحمان لتؤكد على أن العمل الصالح هو وسيلتنا إلى الله تعالى، فلا يقربنا منه سواه، قال تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". وقال أيضا: " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه". وقال كذلك: "ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره".







ثانيا:







تشكيك الرواية بمقام الرسول صلى الله عليه وآله وعمله بما يتعارض مع القرآن الكريم. وقد زاد البخاري على ذلك بإخراجه لرواية أخرى جاء فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم". كأنما هذا الوجود بأسره في غاية الإبهام وشرائع الله تعالى في منتهى الغموض بحيث أشكل الآمر حتى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.







أما بالنسبة للرواية الثانية فانه لما نزلت: "وأنذر عشيرتك الأقربين". كان رسول الله صلى الله عليه وآله







مكلفا بأن يدعو الذين كان يتوسم فيهم خيرا من أهله من بني عبد المطلب خصوصا وبني هاشم عموما من ناحية، ولأن الإنذار جاء في فترة دعوته السرية التي تتعارض مع كل مظهر للدعوة العلنية، كما جاءت به الرواية من ناحية أخرى، ولأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أغنى في توجه الأنبياء السابقين به إلى الله تعالى وتقربهم وتوسلهم به إليه، ويغني في التماسنا شفاعته يوم القيامة، ويغني الآن في التوجه به إلى الله تعالى لقضاء حوائجنا للدنيا والآخرة، وهو حي عند ربه يسمع ويجيب ويتوسط، وكذلك بقية عترته من الذين نزلت فيهم آية التطهير، كالإمام علي عليه السلام، وفاطمة الزهراء عليها السلام، والسادة النجباء من ذريتهما عليهم أفضل صلاة أزكى تسليم، وجعلنا في زمرتهم وتحت لوائهم في الدنيا والآخرة.







ومعارضة هذه الرواية بما أخرجه في كتابه عن العباس قال: قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك قال: نعم(119)







فكيف تتفق الروايات وهي متناقضة بهذا الشكل؟...







على أن الإنذار الصحيح وقع عندما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين رجلا من قرابته القريبة، وصنع لهم طعاما لا يكفي عدد أصابع اليد الواحدة... فأكلوا منه كلهم حتى شبعوا دون أن ينقص منه شيئا... ثم خطب فيهم وقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم من بعدي؟ فأحجم القوم عنها غير علي وكان أصغرهم- إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله برقبته وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.(120) غير أن يد التحريف الغبية قد طلت بعض مواضع الرواية، بدافع الحسد والبغض، فحذف من حذف قول النبي صلى الله عليه وآله: أخي ووصيي وخليفتي فيكم من بعدي". واستبدلت بأخي وكذا وكذا.(121)







48 اخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي".(122)







الرواية باطلة سندا، ففيها حرملة بن يحي قال الذهبي: لكثرة ما انفرد بغرائب، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن عدي: سألت عبد الله بن محمد الفهرواني أن يملي علي شيئا عن حرملة فقال: هو ضعيف. وفيه أيضا يونس بن زيد الأيلي: قال ابن سعد: ليس بحجة، وقال وكيع: سيئ الحفظ، واستنكر له أحمد أحاديث وقال الأثرم ضعف أحمد أمر يونس. أما ابن شهاب الزهري فقد أتينا على ذكره في ما تقدم من بحث في الروايات التي مضت(123)







هذا من حيث السند، أما من حيث المتن فيتواصل هدم شخصية الرسول الأعظم بمفتريات التشكيك، وبشتى وسائل الكذب والتلفيق، وهؤلاء القوم من خلال صنيعهم ذلك يريدون هدم الدين كله، بحيث لا تكون فيه لبنة ثابتة أو ركيزة صحيحة. وإذا ما تم ذلك فلن تقوم له ولمعتنقيه قائمة، طالما انهم مستمسكون بحبال واهية وتصورات هي للخيال أقرب. لم تبق معرة يمكنهم أن ينسبوها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا قذفوه بها اعترافا منهم بجميل ما أداه وجسيم ما عاناه. جاءوا بهذه الرواية المشككة في إيمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في محاولة منهم لفتح باب الشك على الأمة في ثوابتها ومعتقداتها التي لا يرقى إليها شك. وطالما أن سيد الخلق من الشاكين في قدرة الله تعالى ووجوده، وكدليل على صحة رواياتهم واستنادا لدعواها الواهية، فجاءوا بالآيات القرآنية وحملوها على غير محملها، دون الرجوع إلى أهل الذكر الدين هم عندهم علم الكتاب من أهل بيت خاتم المرسلين الذين اذهب عنهم الباري الرجس وطهرهم تطهيرا صلى الله عليهم وسلم. وقد أتيت على ذكر الآية وتفسيرها في الحديث الذي أخرجته عن الإمام علي بن موسى الرضا ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام، بخصوص عصمة الأنبياء عليهم السلام، فعد إليه تجد فيه ضالتك وتشف منه غليلك، وتروي ضماك من لظى المشككين ورمضاء المبطلين، وقحط المتنكبين عن صراط الطاهرين والصادقين من ذرية المصطفي وبضعته الزهراء وصنوه المرتضى عليهم افضل صلاة وأزكى تسليم.







49-اخرج مسلم والبخاري عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له اجب ربك. قال فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: انك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني. قال فرد الله إليه عينه.. إلى آخر الرواية.(124)







50- أخرج مسلم والبخاري عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده، فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا انه آدر (عظيم الخصيتين) قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه. قال فجمع موسى بأثره يقول ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى وقف على ملا من بني إسرائيل ونزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها".(125)







51- أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله 'ص) قال: لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات، اثنتين في ذات الله، قوله اني سقيم، وقوله بل فعله كبيرهم هذا، وواحدة في شأن سارة إلى آخر الرواية.(126)







52-أخرج مسلم عن أبي هريرة قال اقل رسول الله (ص): اختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم(127)







كما كنت أشرت في معرض حديثي عن الأنبياء، عند مناقشة الرواية الأولى، أنقل في خاتمة هذه الدراسة أربع روايات ما كان لها أن تدون في كتب تمثل المرجعية عند السواد الأعظم من المسلمين، فتتلطخ بها صفحاتها، لكن العيب كل العيب القيه على من أخذها بعين الاعتبار وأفرد لها في كتبه الروائية أبوابا، وعدها من فضائل ما خص الأنبياء، كأنما اختلطت على هؤلاء معاني الفضيلة والرذيلة، والمنقبة والمعرة، وانعدم ذوقهم فما عادوا يميزون شيئا.







ففي الرواية الثامنة والربعين:







نسب أبو هريرة أضغاث أحلامه، أو خرافات صاحبه اليهودي كعب الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأين كلامه المتصف بالبلاغة والحكمة من هذا الهذر الذي لا قيمة له؟







لكني قبل أن أناقش متن الرواية لا بد لي من نقل خلاصة شرح علمائهم لها:







قال النووي: لهذا الحديث مناقشات لبعض الملاحدة، وأجوبة عديدة وتوجيهات للعلماء وجملة ذلك ما ذكر في القسطلاني حيث قال: أرسل ملك الموت إلى موسى في صورة آدمي اختبارا وابتلاء كابتلاء الخليل بالأمر بذبح ابنه. فلما جاءه ظنه آدميا حقيقة تسور عليه منزله بغير إذنه ليوقع به مكروها، فلما تصور ذلك (ص) صكه أي لطمه على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاء فيها دون الصورة الملكية، ففقأها، كما صرح به مسلم في روايته، ويدل عليه قوله الآتي هنا فرد عز وجل عليه عينه(128)







انظر هداك الله إلى رضاه كيف يمعن هؤلاء في غيهم فيأولون الخرافة على أنها كلام مقدس، تهيبا من الاصداع بتكذيب الباطل، كي لا تسقط مذاهبهم كورق الخريف وهي المبنية على الكذب والخرافة ولا تمت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بالقدر الذي قبلوا به روايات الحفاظ من المسلمين الشيعة في ما يسمى بالصحاح وعددهم يناهز المائة راو.







ولمناقشة الرواية نقول:







أولا:







من المسلمات الاعتقاد بأن الملائكة عموما وملك الموت خصوصا معصومين من كل خلل وخطا ونقيصة. قال تعالى: " بل عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".







فإذا أرسل أحدهم في مهمة فانه لا يتأخر عنها ويؤديها كما يريد المولى سبحانه وتعالى منه. وملك الموت عندما يجد مكتوبا عنده أن موسى عليه السلام جاء أجله فانه لا يتردد في إنفاذ أمر الله فيه.







ثانيا:







ليس في الرواية ما يوحي بأن ملك الموت أرسل في صورة آدمي كما يبرر ذلك النووي وهو عذر أقبح من ذنب واضع الرواية لكن ومجاراة في تبريره نقول على افتراض أن ملك الموت جاء إلى موسى في صورة آدمي، فهل في ذلك ما يخرجه عن صفته الملائكية، وينزع عنه وظيفته؟ إذا كان للجن قدرة عجيبة وخارقة على التشكل بأي صورة يريدون فان للملائكة قدرات أكبر، ولا يغير ذلك من صفاتهم ولا قدراتهم ولا يمكن لبشر أن يصلهم بأذى مهما كان، تماما كالبشر إذا تنكر وتخفى في لباس لا يعرف به عادة، هل ينقص منه ذلك اللباس شيئا؟. فجبريل مثلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صورة دحية الكلبي لكن ذلك لم يمنعه من أداء دوره.







ثالثا:







لكل أجل كتاب، فكيف يتفق ذلك مع الرواية التي تقول أن ملك الموت لم يستطع قبض روح موسى والله تعالى يقول: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".







رابعا:







جاءت الرواية لتصور لنا موسى على أساس أنه جبار باطش بكل ما يتحرك حوله، كأنما هو خارج عن ناموس هذا الكون، وذلك يعكس سوء فهم للقرآن أدى إلى هذا التصور السقيم.







خامسا:







إذا نحن سلمنا بعملية الضرب، فإننا لا نسلم بوصول الضربة إلى ملك الموت لأنها لا يمكنها أن تؤثر في الصورة فضلا عن الأصل.







سادسا:







إذا سلمنا بفقء عين الصورة، فان قدرة ملك الموت في التشكل تمكنه أن يعيد العين على صورتها دون الرجوع إلى الله تعالى، وان كان في الأصل فذلك محال لأنه كائن نوراني لا يمكن لبشر أن يصل إليه بسوء.







سابعا:







قول ملك الموت لموسى أجب ربك، ليس فيه ما يوحي بالشر، ليندفع موسى إلى الضرب، فهل هذا إلا من مهازل هؤلاء الجهلة الذين ضيعوا على كثير من المسلمين أوقاتا وأعمارا كان يمكن أن توظف في الحق عوض هذا الباطل الذي اتخذوه دينا.







أما الرواية التاسعة والأربعون:







فقد جاء فيها هذيان آخر لأبي هريرة، حيث خلط بين الحادثة التي ادعى وقوعها زمن النبي موسى عليه السلام وبين الآية القرآنية التي قال أنها نزلت بعد وقوفه عريانا أمام بني إسرائيل فكيف يتفق المقصد الرباني مع الوضعية التي جر إليها النبي عليه السلام جرا؟ ألم تأت الشرائع السابقة بأحكام العورة وحدود سترها، ألم يتحدث المولى تعالى عن لباس التقوى؟ أليست تلك من السنن التي لا تتغير ولا تتبدل عبر الزمن؟







ثم كيف يمكن لحجر أن يفر بثياب موسى إلا أن يكون مأمورا من قبل الباري تعالى، وهو ما لا يمكن حصوله، لأن فيه هتك عورة نبيه عليه السلام، والعورة معلومة الحد منذ آدم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ثم إن المولى تعالى غير محتاج إلى طريقة فجة مثل هذه كي يبرئ نبيه مما أشاعه عليه بنو قومه، علاوة على أن بني إسرائيل على ما في الرواية كان يمكنهم التجسس على نبيهم ورؤيته عريانا دون الحاجة إلى تدخل المعجزة الإلهية لتبرئته، وأذية موسى وافتضاحه في هذه الحادثة أقرب إلى تبرئته، وبناء على ذلك تلحق الرواية بسابقاتها إلى كناسة الوضع والتلفيق الذي كان كعب الأحبار وأبو هريرة يقذفونه للناس.







أما الرواية الخمسون:







ففيها نسبة الكذب إلى خليل الرحمان وهو منزه عن ذلك لامتناع صدور الذنب عن المعصوم وكما كنت أشرت سابقا وعودا على بدء أقول لقد خانت هؤلاء الناس إمكاناتهم العلمية فانبروا يجمعون الشاذ والغريب والموضوع، فكشف ذلك كله مكنون شخصياتهم وفضح مستوى عقولهم.







لم يكذب خليل الرحمان كما ادعاه أبو هريرة ومن ركن إليه واتبعه في غيه وضلالته، بل كان صادقا في دعاويه الثلاثة.







ففي الأولى: قوله: " إني سقيم "ليس بالمعنى الذي ذهب إليه هؤلاء فنسبوه إلى الكذب في دعواه، وإنما القصد منه أنه مريض من اعتقاداتهم الفاسدة وأعمالهم المنحرفة، كما هو متعارف من استعارات العرب وأمثالها التي لا تكاد تحصى، ناهيك أننا لا نزال نستعمل هذه الاستعارة إلى الآن.







وفي الثانية: قوله: " بل فعله كبيرهم هذا..." فلو كان إبراهيم يقصد الكذب والمراوغة لتوقف عند هذا القول، والمتأمل في باقي الآية يفهم أنه عليه السلام تكلم معهم بمنق استدلالي ذكي يريد أن يفهمهم أن الأصنام ليست آلهة تعبد دون الله الواحد القهار لأنها لا تملك لأنفسها شيئا، تماما كاستدلاله على عبدة الكواكب وتلك حجة المولى تعالى قد أعطاها لخليله إبراهيم، أما تتمة الآية فهي: "... فاسألوهم إن كانوا ينطقون". فدل قوله على انه هو الذي كسر الأصنام فاتهموه دون أن يصدر منهم قول بتكذيبه.







وفي الثالثة: عندما قال عن سارة إنها أخته، فانه عليه السلام لم يكذب لأنها أخته في الدين، قال ذلك وهو غير منفك عن الوحي وفي موضع تجب فيه التقية، فأين الكذب إذا؟







أما الرواية الواحدة والخمسون:







فقد جاءت لإبراهيم باختتان عجيب استعمل فيه القدوم، وهو ابن ثمانين سنة، حاول أن تتخيل رجلا يختن نفسه بقادوم كيف يتم له ذلك، أما إذا تحققت من أن هذه الرواية محض خيال فاعلم أن الأنبياء كلهم يولدون مختونين طاهرين من كل ما يعتري عامة الناس، وقد اثبت أبو هريرة انه شاذ لا ينقل إلا شاذا، ثم إننا قد نجد لدى عامة الناس من يولد مختونا من بطن أمه، فكيف بصفوة الله تعالى؟







هل تعتقدون أن متعبدا بهذه الروايات، معتقدا بمحتواها، يأمل في ثواب الله تعالى ويرجو رضى رسوله الكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟







أليس من العار على معتنقي الديانة الخاتمة أن تتسرب إلى معتقداتهم في التوحيد والنبوة هذه المفتريات الفاسدة؟







أليس من الحمق والبله أن يتعصب متعصب لهذه الخطوط التي تكاثرت، أصبحت مجلبة العار والجهل والتطرف؟







أليست هذه الروايات ومثيلاتها السبب في إصابة عقول كثيرة بالصدمة والتذبذب أخرجتها عن فطرتها ودينها القويم؟







ألم يحن الوقت بعد لأتباع هذه الخطوط المتعرجة أن يستفيقوا ويقتنعوا أن الحق واحد، والدين واحد؟ طاهر نقي لا شائبة عليه ولا لبس فيه، لا يتناقض في أصل ولا فرع، وكل ما اعتراه هو صنيع أولياء الشيطان، آن الأوان لردها ورفضها جملة وتفصيلا، ولا يتم ذلك إلا بإعادة الحق إلى أهله، وموالاة أصحاب الحق في قيادة الأمة بما استحفظوا عليه من علوم ربانية صافية، وترك من تنكب عن نهجهم يتخبط في ظلمات التجسيم، وغياهب الجهل بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وبدع التحريف التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتجاوزات الخطيرة للنصوص وما استتبعها من تربية فاسدة وممارسات أفسد منها، أدت إلى تشويه الصورة النقية للدين المحمدي.







وبعد أن عرضت عليك هذا العدد من الروايات دون أن آتي عليها كلها، لأن ذلك يتطلب جهدا أكبر، ووقتا اكثر، ومراجع تفي بالغاية، أدعوك إلى النظر بتبصر وعقلانية لكل ما ألبسه الظالمون جلباب الدين، وعكفوا على رعايته قرونا طويلة حتى أصبح الدين الرسمي لأغلب الأمة. فعلم الجرح والتعديل والمعروف بعلم الرجال، الذي يتناول الرواية من جهة سندها لم يكتب بتجرد من طرف أهله، لأن النزعة المذهبية كانت الحاكمة في جل كلامهم، فلم يسلم من تجريحهم مخالف لهم في الفكرة، وعكس ذلك أمن متعصبوهم من أصحاب الكذب والتلفيق، فعدلوهم أجازوا أكاذيبهم الأمر الذي وضع كثيرا من الروايات موضع الصحيح من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله.







لذلك لم أعتمد عند استعراض أكثر الروايات على أسانيدها لما أسلفت ذكره من بليات الجرح وطامات التعديل، وركزت بدل ذلك على مناقشة متونها من وجهتين عقلية حيث تعاملت مع الرواية الموضوعة بما تألفه العقل السليم، ووجهة شرعية تمثلت في مقارنة الرواية بالثوابت القرآنية التي تقوم مقام الإثبات أو النفي، آملا أن أكون قد وفقت إلى ما ينفع الأمة التي لا تزال تعاني من آثار هذه الترهات والله المستعان على ما تصف ألسنة المبطلين.







أخيرا، وبعد أن أتيت على ما أمكنني جمعه من روايات ملفقة على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، معتمدة عند اخوتنا الذين اختلق لهم الظالمون اسم أهل السنة والجماعة ووضعوا لهم كتبا جمعوا لهم فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم، ولولا وجود ثلة من الرواة المؤمنين فيهم لما وصل إليهم من الدين القويم شيء، فاني أتساءل إذا كان حال الصحيح عند هؤلاء القوم هكذا، فما حال المكذوب؟







فالبخاري مثلا قيل عنه انه كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح، لم يخرج منه غير أربعة آلاف ظهر فيها ما قد رأيت فيما يخص النبوة والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وما قد أشرت إليه في التوحيد وغير ذلك في بقية أبواب الفقه، وإذا كان حال الصحيح المقدم عنده هكذا فكيف يكون حال الصحيح الباقي، وهو ستة وتسعون ألف حديث، ثم كيف حال الضعيف والموضوع بعد ذلك؟







وما حظ البخاري الذي أوقعه انحرافه عن الحق، وتنكبه عن الطاهرين من آل محمد صلى الله عليهم، بأوفر من بقية أصحاب الحديث عند تلك المذاهب. فالقضية ليست رواية عن راو كما يتصوره البعض، وانما هي وعاية وحفظ، كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بخصوص أهل البيت عليهم السلام: " هم عيش العلم وموت الجهل ينبئكم حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن مكنون منطقهم، اخذوا العلم اخذ وعاية ورعاية لا أخذ سماع ورواية، فان رواة العلم كثير ووعاته قليل".







وبثبوت انتشار الكذب على الله ورسوله واستشرائه في آفاق المسلمين بوضع الأحاديث ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأويل القرآن وتحريف معانيه كما أشار إلى ذلك الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حيث قال: " وأقاموا حروفه وحرفوا حدوده"، وبانحراف مسار الأمة عما هو مرسوم لها، فإنني أقف بين يديك لأذكرك، وأوجه لك نداء القائد العظيم والنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لعلك إذا رجعت إليه وعملت به تحفظ نفسك من اتباع سبيل الوضاعين ومسلك الكذابين، فقد أدى صلى الله عليه وآله وسلم الأمانة ونصح في الدين ولم يترك الأمة إلا وقد بين لها كل شيء، وأدى عن المولى تعالى ما أمر به. وأحاديثه وسننه هي من الدين وليست خارجة عنه حتى تترك للناس يفعلون بها ما يريدون، بل إن مسألة الحفظ هي من مشمولات الشريعة وصاحبها، فقد أحالنا الباري تعالى ونبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على أهل بيته عليهم السلام لأنهم هم المستحفظون على الدين والقائمون عليه من بعده، هم العروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهم حبل اله المتين، وهم الإمام المبين، وهم الهداة الذين أمر الباري تعالى بالاقتداء بهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسلوك نهجهم واتباع صراطهم المستقيم، لأنهم هم من أنعم الله تعالى عليهم، هم الأبرار الذين نزلت فيهم أول سورة الدهر (الإنسان) وهم الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ليكونوا الوعاء الصافي والمعدن المختار لحمل أعباء الإمامة وحفظ الشريعة. لقد وجهنا رسول الله إليهم في أحاديث عديدة، أنقل منها حديثين أخرجهما أخوتنا من أهل السنة في كتبهم المعتمدة عندهم لكنهم لم يعملوا بها، تجاهلا من بعضهم، وتأويلا على غير وجهه من البعض الآخر، وتكذيبا من حثالة منهم لا تساوي شيئا ممن اتبعوا منهاج ابن تيمية وفلول الوهابية وجماعة القاعدة الذين لم يعلموا من الدين شيئا، سوى تشويهه وتنفير الناس منه.







الحديثان يدفعان بمن يقرأهما إلى التدبر فيهما وانطلاقة للبحث كما حصل لي، قد تؤدي بكل من أراد الله به خيرا إلى الإقرار بولاية أهل البيت عليهم السلام، والتخلي عن ولايات غيرهم، لأنها لم تأت بخير مطلقا، وهم في اتباعهم لها من سيئ إلى أسوء، وعصرنا اليوم هو عصر غربة الدين، وعودته لن تكون على شاكلة مسار الظالمين، ولا تخطيطاتهم التي استمرت أربعة عشر قرنا.







قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الأول: " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".(129)







وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الثاني: " إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق".(130)







جعلنا الله تعالى وإياكم من أتباعهم وأشياعهم وأنصارهم وأعوانهم وخدامهم والمستشهدين بين أيديهم، ونسأله تعالى أن يحشرنا في وفدهم وزمرتهم وتحت لوائهم، "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا.













1 سورة التوبة الآية 32







2- مسلم ج1ص7 أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة







3- رواه البخاري لقط اللآلي المتناثرة للزبيدي ص261-281







4- رواه ابن ماجة في سننه- لقط اللآلي المتناثرة للزبيدي ص261-281







5- رواه الطبراني- لقط اللآلي المتناثرة للزبيدي ص261-281







6- رواه الطبراني- لقط اللآلي المتناثرة للزبيدي ص261-281







7- رواه الطبراني- لقط اللآلي المتناثرة للزبيدي ص261-281







8- رواه الطبراني- لقط اللآلي المتناثرة للزبيدي ص261-281







9- سورة الحج الآية 75







10- حق اليقين للسيد شبر ج1ص209







11- حق اليقين للسيد شبر ج1ص209







12- نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام







13- سورة النجم الآية 3







14- سورة الحشر الآية 7







15- سورة الأحزاب الآية 33







16- حق اليقين ج1ص209







17- سورة طه الآية 114







18- سورة الشعراء الآية 219







19- سورة الأنفال الآية 74







20- سورة البقرة الآية







21- حق اليقين ج1ص246







22- حق اليقين ج1ص246







23- حق اليقين ج1ص184







24- حق اليقين ج1ص185







25- سورة التوبة الآية 119







26- عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص174/182







27- جامع أحاديث البخاري ج4ص208 كتاب التعبير باب أول ما بدئ به رسول الله (ص) من الوحي والرؤيا الصالحة حديث: 6467.







28- ميزان الاعتدال للذهبي ج3ص89







29- ميزان الاعتدال للذهبي ج3ص391







30- السيرة الحلبية







31- الدر المنثور للسيوطي ج17ص65/69







32- الميزان في تفسير القرآن ج14ص429-البخاري كتاب المناقب ح3536-مسند أحمد باقي مسند الأنصار ح24016







33 الميزان في تفسير القرآن ج14ص435







34- جامع البيان للطبري ج30ص149







35- السيرة الحلبية ج1ص125







36- سيرة ابن هشام ج1ص86







37- جامع البيان ج30ص150







38- السيرة الحلبية ج1ص127







39- الميزان في تفسير القرآن ج20ص449







40- مسلم ج7ص79







41- البخاري ج2ص249 مسلم ج7ص101







42- مسلم ج7ص102







43- حق اليقين ج1ص209







44- حق اليقين ج1ص209







45- حق اليقين ج1ص209







46- مسلم ج7ص102







47- جامع البيان للطبري ج30ص32/33







48- سورة هود الآية 27







49- سورة الشعراء الآية 111







50- الميزان في تفسير القرآن ج20ص309







51- نظام الدين النيسابوري هامش الطبري سورة عبس.







52- مسلم ج2ص86







53- مسلم ج2ص138







54- مسلم ج2ص138







55- مسلم ج1ص151







56- مسلم ج3ص138







57- البخاري ج3ص238







58- مسلم ج3ص135







59- مسلم ج1ص166







60- البخاري ج3ص267







61- مسلم ج3ص65







62- مجمع البيان ج7ص207







63- السيرة الحلبيةج3ص237







64- تفسير ابن كثير ج4ص347







65- البخاري ج2 ص32/33







66- ميزان الاعتدال للذهبي







67- البخاري ج2 ص 32/33







68- مسلم ج7ص116







69- أخرجه الشيخان







70- مسلم ج7ص134







71- السيرة الحلبية ج2ص171







72- تفسير الميزان جلد 6 صفحة 308.







73- سورة الأنفال الآية 67







74- البخاري ج2ص89







75- البخاري ج3ص263







76- سورة التحريم الآية







77- مسلم ج1ص102







78- مسلم ج1ص104







79- سيرة ابن هشام ج1ص302







80 عمدة الأخبار ص 124 تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شيبة النميري ج1 ص 89 مسند أحمد بن حنبل كتاب باقي مسند الأنصار ح 24671







81- تفسير القرطبي ج 18 ص 161 تاريخ بغداد ترجمة محمد بن أبي بكر كنز العمال ج 7 ص 116 إحياء علوم الدين للغزالي كتاب آداب النكاح.







82- طبقات ابن سعد ج 8 ص 145- المستدرك للحاكم ج4 ص 37 الاستيعاب لابن عبد البر ج 2 ص 703 الإصابة ج 3 ص 530 في ترجمة نعمان ابن أبي الجون







83- الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص 45 المحبر ص 94/95







84- البخاري ما سمى بالصحيح ج6 ص 69- طبقات ابن سعد ج 8 ص 5







85- أنساب الأشراف للبلاذري ج2ص601







86- مسلم ج4ص188-الحاكم في المستدرك ج4ص16







87- البخاري ج6ص69-طبقات ابن سعد ج8ص56







88- سورة يونس الآية 81







89- سورة الفرقان الآية 8و9 الإسراء الآية 47و48







90- مسند أحمد ج6ص264- السيرة الحلبيةج2ص290







91- البخاري ج2ص154-ج1ص170







92- مسند أحمد ج3ص353 الترمذي ج2ص293 البيهقي ج10ص73







93- حلية الأولياء لأبي نعيم ج2ص46







94- مسلم ج3ص23







95- فتح الباري ج7ص204-السيرة الحلبيةج2ص54







96- البخاري ج1ص70







97- مسلم ج7ص100







98- البخاري ج1ص108







99- مسلم ج7ص99







100- البخاريج1ص65







101- سنن أبي داود كتاب الجهاد ح2214-سنن ابن ماجة كتاب النكاح ح1969 مسند أحمد باقي مسند الأنصار ح22989 وح25075







102- سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن ح3047-النسائي في سننه كتاب الإمامة ح860- ابن ماجة في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة ح1036 أحمد في مسنده كتاب مسند بني هاشم ح2647







103- مسلم ج1ص139







104- مسلم ج8ص140و ج1ص133







105- مسلم ج7ص98







106- ميزان الاعتدال للذهبي ج1ص472







107- ميزان الاعتدال للذهبي ج4ص484







108- مسلم ج3ص23







109- مسلم ج3ص23







110- مسلم ج3ص23







111- مسلم ج3ص23







112- مسلم ج2ص188باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.







113- مسلم كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة التقديم، حديث640







114- مسلم ج7ص119/120







115- البخاري، كتاب المزارعة، باب استعمال البقر للحراثة حديث 2156







116- مسلم كتاب صفة القيامة حديث 5020-مسند احمد ح23705 باقي مسند الأنصار







117- مسلم ح5036 كتاب صفة القيامة-البخاري ح6500 كتاب التعبير







118- البخاري كتاب تفسير القرآن حديث 4398-الترمذي كتاب تفسير القرآن ح3108-سنن النسائي تفسير القرآن ح3586 مسند أحمد، باقي مسند المكثرين ح8373







119- البخاري كتاب المناقب ح3594، كتاب الأدب ح5740







120- تفسير الطبري ج19 ص121







121- تاريخ الطبري ج2ص319







122- البخاري كتاب أحاديث الأنبياء ح3121







123- ميزان الاعتدال للذهبي ترجمة حرملة بن يحي







124- البخاري ج2ص90 كتاب الجنائز وج2ص157 كتاب بدء الخلق باب وفاة موسى







125- البخاري ج4 ص156 مسلم ج7ص99 باب فضائل موسى







126- البخاري كتاب الأنبياء ح3108







127- البخاري كتاب الاستئذان ح5824







128- مسلم باب فضائل موسى الهامش للنووي.







129- حديث الثقلين: أخرجه: الترمذي ج5ص328 ح3874 ص329 ح3876-مسند أحمد ج5 ص182و وبعدة طرق أخرى 189 أخرجه الحاكم النيسابوري معلقا عليه بقوله: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، واعترف بذلك الذهبي في تلخيص المستدرك-خصائص النسائي ص21 الصواعق المحرقة ص 147 مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ج7ص122 تفسير ابن كثير الدمشقي ج4ص113 مصابيح السنة للبغوي ص206-كنز العمال للمتقي الهندي ج 1ص 154وبعدة طرق أخرى.... رواه من الصحابة 35 صحابيا...







130- حديث السفينة: أخرجه: تلخيص المستدرك للذهبي المعجم الصغير للطبراني ج2ص22 الصواعق المحرقة ص91 حلية الأولياء ج4ص306 الجامع الصغير للسيوطي ج2ص132 المستدرك للحاكم ج2ص343 منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 95...













/ 34