قراءة في حديث الاثني عشر خليفة برواية العامة - بینات من الهدی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بینات من الهدی - نسخه متنی

محمد الرصافی المقداد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید








قراءة في حديث الاثني عشر خليفة برواية العامة






إن من الأحاديث النبوية التي دلت على أحقية متبعيها بالصحة والنجاة، وميزت معتنقي خطها على غيرهم من ملل الإسلام ونحله، بالسمع والطاعة واتباع سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطبيق تعاليم الإسلام الصافي من وموارده الأصلية وأبوابه الحقيقية، التي أوجب الله تعالى إتيانها والتعبد بها، لأن العبادة بلا مثال يحتذى، وأنموذج يقتدى، في حقيقتها ليست سوى اتباع هوى وشبهات لا تقف على ساحل حقيقة. مصداقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمرالله "(1)







أحاديث الاثني عشر إماما أو خليفة كما جاء في عدد منها. هي من الأحاديث القليلة في خصوص الإمامة التي اتفق على صحة ورودها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأجمع رواة الفرق على نقلها وتدوينها، بعدما سلمت من أيدي المانعين والمحاربين لأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت دعاوى عديدة لا تستقيم مبرراتها، بل هي سبب البلية في الأمة وموضع الداء الذي نخر عودها قرون عديدة، فما فرق الأمة غير الإصرار على تغييب السنة النبوية في الصدر الأول من الإسلام، بدعوى اختلاطها بالقرآن، تحت عناوين ومبررات أخرى ظهرت حسيكة النفاق حائلة بين النبي صلى الله عليه وآله وأمته، تشكيكا في ما صدر عنه، تارة بأنه أذن وتارة أخرى بأنه يهجر، ولو ترك المحرفون لنا كل غميزة قذف بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما استوعبت طعونهم كتابا، ذلك السلوك الظالم أسفر عن حدوث هوة فصلت المسلمين عن نبيهم وتراثه الذي يعتبر ثاني مصادر تشريع الأمة والشارح لمقاصد آيات الله تعالى وكلامه، كما كانت نتيجة ذلك المنع انحسار تواتر الأحاديث إلى عدد محدود من الأحاديث التي لا تشكل في مضونها ولا في مقصدها خطرا على المؤسسين لخط الشورى الصوري.







الحديث: عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا.(2)







الحديث: وعنه أيضا، قال سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة. قال ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال كلهم من قريش.(3)







الحديث: عن قيس بن عبد الله قال كنا جلوسا في حلقة فيها عبد الله بن مسعود فجاء أعرابي فقال أيكم عبد الله بن مسعود؟ فقال عبد الله: أنا عبد الله بن مسعود، فقال هل حدثكم نبيكم (ص) كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال نعم اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل.(4)







لست في مقام النظر إلى أسانيد الروايات، لأن مضمون الحديث مما أجمع أرباب المجاميع الروائية عند كافة الفرق الإسلامية على التسليم بصحة وروده عن رسول الله صبى الله عليه وآله وسلم بلا معارضة من أحد من قدامى علماء الحديث النبوي، وإذا ما تسالم الجميع على صحة حديث لم يعد هناك لزوم للنظر في سنده، لذلك صرفت النظر إلى ما حواه متنه من دلالات ومعان متعلقة بالقيادة في الأمة الإسلامية، وهو الأهم في واقع الأمر، ولا أرى مسألة هي من الحساسية والخطورة كهذه، منها ضربت الأمة ضربة لا تزال تعاني من آثارها إلى اليوم.







للحديث دلالة غيبية على من سيلي الأمر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ناحية، وإعلان بأن هذا الدين (هذا الأمر) غير مسكوت عنه ولا متروك للناس يرون فيه رأيهم من ناحية أخرى، ولقد أدرجت حديثين من الأحاديث المتفق عليها لبسط البحث في انتظار دعمها بأحاديث أخر.







لقد اتفق المسلمون على صحة الرواية ومع التسليم بصحتها لم يعد هنالك مجال للقول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سكت عن الدور الذي يليه لأنه من تمام الدين وكمال الرسالة ودعوى السكوت أو الإهمال التي رفعها القائلون بأن الله تعالى أوكل للناس حفظ دينه هكذا بلا أدنى حصر ولا تقنين، وعوض أن تكون قيادة الأمة مستجيبة لقانون التفاضل الطبيعي واختيار الأفضل، نكس أمرها إلى اختيار لم يستجب لأبسط قواعد الشورى، ولا لأدنى معايير الاختيار، بل لعل الأدهى أن تصور الشورى عند القائلين به، انبنى على الأساس الذي أسسته حادثة السقيفة، ببعديه الديني والسياسي، وان كان ذلك البناء متداعيا منذ بدايته لأنه قد طوق به أصحابه بنقضهم لما أسسوا له من تصور شوروي للحكم فالخليفة الأول نص على الثاني والثاني حصر الحكم في ستة، ظاهر العملية يوحي بشورى محدودة وفي باطن الأمر فان المتتبع للحادثة وما سبقها وما تلاها يدرك أن الخليفة الثاني كان يهيئ لأمر إلى بني أمية منذ تعيين معاوية واليا على الشام مرورا بالتعيين الغير مباشر للخليفة الثالث عبر صهره عبد الرحمان بن عوف الذي أوكل له الخليفة الثاني اختيار من سيلي الأمر من بعده إذا تعادل الستة ثلاثة مقابل ثلاثة بقوله: "فانظروا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمان بن عوف"..







لذلك فان مسألة الشورى عند رافعي شعارها مجهظة منذ البداية لبعد النظرية عن التطبيق.







فنتج عن ذلك انفراط أمر القيادة في الأمة إلى من لم يكن ليهدي أحدا من الأمة إلا أن تقع هدايته، ثم رجع الأمر إلى من لا يقبل الهداية أبدا ولا يدركها مطلقا، وتلقفها الطلقاء تلقف الكرة كما قال أبو سفيان عند تولي عثمان سدة الحكم واجتمع بنوا أمية في داره، وتواصل انحدار الحكومة إلى شاربي الخمور ومعلني الفجور والمعطلين لأحكام الله تعالى والمحاربين له بكل ما طالته أيديهم القذرة. وهم أغلب ما حكم من بني أمية وبني العباس. وقنن ذلك النتاج الخاطئ لتصبح تولية المفضول مع وجود الفاضل أمرا واقعا وتثبيتا لممارسة أقر المؤسس لها بكونها فلتة وقى الله المسلمين شرها ومن عاد إلى مثلها وجب قتله. فحكم على صنيعه بالفلتة وعلى نفسه بالقتل.







وبصحة الحديث صح العدد الغيبي الذي فيه، ذلك العدد الذي يتفق مع السنن والنواميس الإلهية كعدة الساعات الاثني عشر وعدة الشهور وعدة الأبراج، وعدة العيون التي انفجرت لموسى، وعدة الكواكب التي رآها يوسف في المنام ساجدة له وعدة الأسباط وأممهم، إلا أن الجدل الذي قام كان من جهة الأشخاص المعنيين فيه، من هم؟ فأعرض عن ذلك من أعرض وأدلى من أدلى بدلوه لفك لغز العدد، طبقا للمحصل التاريخي للحكومة وليس استنادا إلى ما جاء به النبي الكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت النتيجة خلط وخبط كما انتهى إلى ذلك الشيخ جلال الدين السيوطي في استنتاجه وصدق من قال عنه إنه حاطب ليل في ذلك الخصوص.







على أن ذلك العدد الذي ورد في الحديث يدفع البعض إلى التساءل هل إن عدة الخلفاء أو الأئمة مقيدة في بقية الديانات أم إن الأمر متعلق فقط بالدين الإسلامي؟







الجواب: نعم لقد سن المولى تعالى عدة خلفائه في أرضه وأئمة عباده، حفظة الدين ووعاة الشريعة فكانوا اثنا عشر كأسباط بني إسرائيل واثنا عشر كحواريي عيسى بن مريم عليه السلام، وعليه فان أمر العدد والوظيفة قد حسمه المولى تعالى ولم يدعه مطية لكل من انطوت سريرته على أطماع القيادة وفتح لنفسه بابا يفضي إليها بدعوى أو بأخرى.







إن المتأمل في الروايات التي نقلها حفاظ الخط الأشعري (السنة) يلاحظ إطلاق العدد من دون تقييد على أهميته القصوى وتأثيره البالغ في مصير الأمة، وهو أمر لم يكن مألوفا في أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأن كلامه هو تفسير لا يحتاج في حقيقة الأمر إلى تفسير آخر يفسر القصد من كلامه، كما إن إحدى الروايات أشارت إلى محاولة لطمس معنى قد يؤدي مفاده إلى رفع الغموض عن الأئمة الاثني عشر، بقول الراوي (وقال ثم تكلم يشئ لم أفهمه) ثم استفسر أباه (فقال: كلهم من قريش)، فهل أن الذي لم بفهمه الراوي هو نسبة الخلفاء (الأئمة) وهي أنهم من قريش كما صرحت الرواية بذلك، أم انه كلام أكثر دقة من عموم ما أطلقته؟







لكننا هل خفي معنى الحديث عند الجيل الأول من المسلمين وغاب عنهم سؤال النبي عن أشخاص الخلفاء الاثني عشر، إذا لم يكن قد بينه دون الحاجة إلى من ينبهه إلى ذلك، وهو عهده دائما؟ وقد مضى صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع كل ما تحتاجه الأمة وضعه، فلم يترك مبهما ولا لبسا يؤدي بالأمة إلى الانتكاس وهو دوره على كل حال.







ولقد كان حريصا على المدينة في سفره وغزواته يستخلف عليها في كل مرة من يقوم مقامه لعلمه بأن تركها من دون استخلاف هو تضييع من شأنه أن يفسح المجال إلى أطماع الطامعين وأخص بالذكر منهم المنافقون الذين فضح مخططاتهم المولى سبحانه وتعالى في سورة المنافقون وفي غيرها من السور التي خصصت حيزا هاما منها لفضح مخططاتهم وكشف صفاتهم.







وكان عزمهم إخراج المسلمين من المدينة كما صرحت بذلك الآية: " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأ ذل".(5)







إذا كان حرص النبي صلى الله عليه وآله على المدينة في حياته بذلك الشكل فحرصه عليها بعد مماته أوكد وأشد.







إن المتتبع لمصادر أحاديث النبي صلى الله عليه وآله عند عامة المسلمين، والمدقق لتفاصيلها يمكنه أن يقف على أساليب بتر الأحاديث وتقطيع متونها وتدليس أسانيدها وإسقاط بعض عباراتها التي لا تتماشى وكما درج على ذلك البخاري في جامعه وغيره من الرواة والحفاظ الذين كانت تدفعهم عوامل عديدة للسكوت عن بعض الأحاديث وتجاهل البعض الآخر، منها ما هو منطبع في أنفس الرواة والحفاظ كالتعصب ومنها ما هو خارج عن نطاقهم وهو عامل السلط الغاشمة التي كانت تتصنع التدين لمسخه وتحريف أحكامه وسننه، ولا يخفى أن مسألة الخلافة أو الإمامة هي راس الدين وأساسه.







إننا عندما نقابل الروايات التي جاءت في المسانيد المعتبرة عند هؤلاء مع ما ورد من طريق أئمة أهل البيت عليهم السلام نجد التفسير الصحيح ورفع اللبس إلى طوقه الطغاة عبر العصور، فقد جاء عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى اله عليه وآله قوله: الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمتي بعدي، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر.(6)







وعن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله (ص): الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله تبارك وتعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها.(7)







وما حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله الأنصاري في أنه سيدرك خامس عترته الطاهرة الإمام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علهم السلام الملقب بباقر العلوم، وعهد إليه أن يقرئه السلام عندما يلتقي به وكان ذلك كذلك.







لم أر حديثا أبلغ وأكمل مما أخرجه الشيخ علي بن بابويه الملقب بالصدوق، حيث أورد بإسناده عن المضل بن عمر عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لما أسري بي إلى السماء أوحى إلي ربي جل جلاله فقال: "يا محمد إني قد أطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فجعلتك نبيا، واشتققت لك اسما من أسمائي فأنا المحمود وأنت محمد ثم أطلعت ثانية فاخترت منها عليا فجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك، واشتقت له اسما ن أسمائي فأنا العلي الأعلى وهو علي، وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ثم عرضت ولايتكم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقربين.







يا محمد لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتهم، ما أسكنته جنتي ولا اظللته تحت عرشي، يا محمد أتحب أن تراهم؟ فقلت: نعم يا رب.







فقال عز وجل ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بم الحسن القائم في وسطهم كأنهم كوكب دري.







فقلت. يارب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحلل حلالي ويحرم حرامي وبه أنتقم من أعدائي وهو راحة لأوليائي وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين".(8)







الأحاديث عن الأئمة الاثني عشر طفحت بها كتب الفريقين وشغلت حيزا مهما من مصادر المدرستين، إلا أن التي أخذت دينها من مصدره الذي حدده الله تعالى وهي مدرسة أهل البيت عليهم السلام قد اعتصمت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، قد وجدت لكل مشكلة حل ومن كل فتنة ملجأ، سلكت بدينها من براثن الظالمين على المحجة البيضاء، فلم يغيرهم تلون الناكثين ولا تنمر القاسطين ولا استكبار المارقين، ومضوا على يقين تام من أمرهم.







لقد اعترضتني رواية وأنا في بحثي هذا تشير إلى الترتيب في عدد الأئمة أو الخلفاء زيادة عن العدد الذي أشارت إليه الروايتين الأوليين:







الحديث: عن أبي هريرة قال رسول الله (ص): كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وانه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثروا.







قالوا: فما تأمرنا؟.







قال: فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم فان الله سائلهم عما استرعاهم.(9)







لقد دل الحديث على أن عدد الخلفاء أو الأئمة المشار إليه في الحديثين الأولين مرتب في الحديث الثالث وفيه دعوة إلى الوفاء ببيعة الأول فالأول، وعلى ذلك يمكن القول بأن مسألة الحكومة قد كانت من ضمن اهتمامات الوحي وأولى لها النبي صلى الله عليه وآله عناية فاقت حد استخلاف قصير على المدينة، وتجاوزته إلى إعداد من يقوم مقامه في سياسة المسلمين طبقا لمحتوى الدستور الإلهي، لانتفاء دعوى النقص في الشريعة، ولعدم حكمة ترك المسلمين بلا قائد يدفع عنهم غائلة الاختلاف ويجمع كلمتهم وينتصف لهم ويعلمهم دينهم، ويرشدهم إلى الطريق الأقوم، ويكون فيهم مثالا يحتذى وقدوة مثلى وعنوان هداية وسبيل رشاد. لا أن يتركهم النبي كما زعموا بلا قائد، لأن الترك مدعاة إلى التفريط، وهو ما ينفيه الوحي بما حواه من دلالات واشارات وتوضيح، تكفي كل ذي عقل، على أنه من جانب آخر لم يظهر من معاصري النبي صلى الله عليه وآله عموما ما يرجح كفة إيكال أمر القيادة في الأمة إليهم، ولا ترك لهم طريقا إلى ذلك، ولا كيفية يمكن اعتمادها، ولا استبان لهم من الدين ما يرجح كفة التعيين حسب الشرط والصفة، لأن المجتمع الحديث العهد بالإسلام والقديم العهد بالجاهلية لا يمكنه أن يستوعب المنظومة الجديدة بسرعة فضلا عن تقبلها من الأصل.







بل إن ما جاء في الروايات العديدة والآيات المتعددة ما يفيد قصور هؤلاء الناس عن فهم أبسط الأحكام الشرعة فضلا عن تناول مسألة الحكومة وفق ما يراه الشارع المقدس.







ونخلص إلى القول بأن تعيين القائد في الأمة أمر يتقبله العقل السليم إذا جاء من طرف يوثق بإمكانياته وقدراته، وليس أقدر من خالق الكون والحياة في تحديد اللطف والخير في الأمة وهو الذي خلق أفرادها ويعلم خائنة أعينهم وما تخفي صدورهم، والشريعة شريعته والدين دينه، له وحده الحق في أن يحدد كيفية الحكم ونوع الحكومة وشروط الحاكم بأمره لا بأمر الناس، لطفه تعالى يوجب ذلك الاختيار، وتركهم بلا قائد ليس فيه أدنى حكمة، ومدعاة إلى زوال كل ما بناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أسس للدولة الإسلامية المستمدة هداها من الأمثلة الحية، وأعني بهم الأئمة الاثني عشر الذين جعلهم خلفاءه في أرضه وأمناءه على عباده، وأعطاهم مقام القيمومة على الدين، ومنارات هدى في مجتمعاتهم.







ولقائل أن يقول: هل هناك دلالة في القرآن على صحة دعوى الاستخلاف، لتكون ردءا لهذه الروايات وغيرها، وتأييدا لوجهتنا في القول بصحة دعوى الإمامة الإلهية?







الجواب نعم لقد أشار القرآن إلى الحكومة إشارات فعرض علينا بعضا مما طرأ على الأمم السابقة، عرض مثل الاعتبار، وبيان الحكم الجاري العمل به من أول الخليقة إلى آخرها لأن الاختيار والاصطفاء سنة إلهية قال تعالى: "سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا".







وقوله تعالى أيضا: "سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا".(10)







قال تعالى: " اني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين".(11)







لقد جرت سنة المولى في أولي العزم من الرسل أن تكون لهم مع وظيفة النبوة والرسالة الإمامة، والآية مخاطبة إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.







وقد فرح بها إبراهيم وطلبها لذريته فكان له ذلك بشرط أن لا ينالها ظالم من ذريته عليه السلام كما في الآية الشريفة.







قال تعالى: "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا وأنى يكون له الملك علينا ولم يؤت سعة من المال، قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم".(12)







لقد اصطلحت الآية على الخليفة أو الإمام بلفظ الملك، ودلت على أن التعيين في وظيفة ما بعد النبي عليه السلام من مشمولات الباري تعالى، لاشتمال الوظيفة على دور الهداية والحفظ الذي يلي دور النبوة في البلاغ والتأسيس، على أنه لا يمكننا أن نغفل على ما اشتملت عليه الآية في مضمونها من دلالات تفيد حرص الناس على الفوز بالحكومة حسب منظورهم المادي وعقيدتهم في أنها أمر منفصل عن الدين وما جاء به النبي (ص)، لذلك كان استنكارهم للتعيين الإلهي وردهم على ذلك الاستخلاف بما انطبع في سرائرهم من قياس باطل.







قال تعالى: " انا نحن نزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء".(13)







صرحت هذه الآية بمراتب الولاية المستمدة من الله تعالى كما نصت عليه التوراة هي كالآتي:







المرتبة الأولى: الأنبياء:







وهم صفوة الباري تعالى حملة وحيه وسفراءه بينه وبين عباده والقائمون على شريعته والمؤسسون لمجتمع العدل والقسط، مضافا إلى ذلك هم المثال الأقوم الذي ضربه تعالى للناس حتى يلامسوا أحكامه ويقفوا على حقيقة الدين، ومن دون ذلك لا يمكن تحقيق الرؤية الصحيحة للدين ولا الغاية من إرسال الرسل ورسالاتهم.







قال تعالى: "أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده".(14)







المرتبة الثانية: الربانيون:







وهم الأئمة أو خلفاء الرسل الموكلين بحفظ الشريعة وتطيقها بين الناس.







ومثلهم في القرآن كمثل سيدنا آصف بن برخيا الذي قال فيه: "وقال رجل عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك".(15) وسيدنا طالوت الذي أسلفنا ذكر الآية التي تحدثت عنه، ومع ما كان يتمتع به من معرفة وعلم زاده الله تعالى بسطة فيه ليتم دوره في الحفظ والهداية على أكمل وجه.







المرتبة الثالثة: الأحبار:







وهم علماء الدين الذين تصدوا للقيام بدور البلاغ والهداية والحفظ كل حسب جهده ومقدرته في غياب المرتبتين الأولين أو في حال حضورهما وبأمر منهما.







قال تعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وبه يعدلون".(16)







أما الآيات الخاصة نزولها في الأئمة الاثني عشر الذين فهي:







قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر".(17)







دلت الآية على أن المراد بأولي الأمر في الآية هم من خصهم الله تعالى بقيادة الأمة بعد النبي صلى الله عليه وأله لاستحالة أن يأمرنا بطاعة من تصدر عنه المعصية ويترتب من اتباعه الزيغ والضلال، ودل ذلك أيضا أن أولي الأمر المقصودين في الآية معصومون من الخطا، أدوات هداية ورشاد.







على أنه لا بد من الإشارة إلى أن الخطاب في الآية موجه إلى المؤمنين آمرا إياهم بطاعة الله والرسول وأولي الأمر، ثم يعود الخطاب إلى المؤمنين من جديد ليطرح احتمال التنازع فيما بينهم دون مراتب الولاية المأمورين بطاعتهم، مؤكدا من جديد على رد ذلك التنازع إلى الله والرسول وإلى أولي الأمر كما في الآية التالية: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعمه الذين يستنبطونه منهم".(18)







فدل ذلك على أن أولي الأمر مرتبة خاصة وان كان ظاهرها مطلق اللفظ والدلالة، بل إن الآية الأخيرة أوضحت من جهة أنه لم يوجد من الحكام الذين نصبوا أنفسهم على رقاب المسلمين من كان في مستوى رفع كل الإشكاليات التي مرت بها الأمة، فمن ذا الذي يرد إليه كل ما يتعلق بمختلف أوجه الحياة ويكون في مقدوره الإجابة دون عجز، لم نجد في تاريخ الأمة إلا شخصا واحدا كان يردد على منبر الكوفة والمدينة سلوني قبل أن تفقدوني غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فعلومه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلوم ذريته منه، أولئك الذين اختارهم الله تعالى حفظة لدينه ورعاة لشريعته، شهد لهم الصديق والعدو بتميز الشخصية وتفرد العقل وسعة المعارف، فكان الناس قاطبة عيالا عليهم.







قال تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون".(19)







حيث نزلت الآية عندما تصدق الإمام علي عليه السلام بخاتمه في الصلاة وهو راكع، ولا يستبعد كون نزولها بلفظ الجمع إشارة إلى أنه عليه السلام أصل الأئمة ورمز الإمامة.







على أنه لابد من الإشارة إلى تحامل عدد ممن نصبوا أنفسهم أبوابا لابطال الحق بدعوى التحقيق وموازين تطفيف بعنوان القسط، همهم الأوحد رد خصائص أهل البيت عليهم السلام وتوهين رواتها تحت عناوين متعددة، متبعين في ذلك سنة معاوية وبني أمية في إعفاء ذلك كله ورده بل ومحاربته بكل الوسائل المتاحة، وقد صرح الطبري بعزم معاوية ناقلا عنه أساسه الذي أسسه في رد ومحاربة كل ما اختص به أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وامتازوا به عن غيرهم من أبناء عصرهم، وما جاء في شأنهم من قرآن وأحاديث نبوية شارحة لكل ذلك، هذا وليس الحديث ولا الخصائص المشار إليها معنية بأشخاص نكرة أو ممن جهل حاله قي الأمة حتى ترد جملة وتفصيلا، إنما الأمر متعلق بمن اصطفاهم الله تعالى كما اصطفى غيرهم من بيوتات الأنبياء عليهم السلام، فلم التحامل إذا؟ لا يمكننا الاستمرار في هضم حقوق من أمرنا الله تعالى بمودتهم تأسيا بسير الظالمين لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل الذين ناصبوا العداء للصفوة الطاهرة عنادا وكبرا، لا يطيق عليا ولا أهل بيته عليهم السلام، لأنه بقي الكاشف لفلولهم والمتتبع لذئبانهم.







لقد انطلق الذين أنكروا التنصيص على إمامة أهل البيت عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الواقع التاريخي الذي فرض على الأمة، ومن زيف الروايات التي جمع شتاتها عدد من الحفاظ الذين لم يكونوا بمنأى عن مؤثرات الأنظمة التي عاشوا تحت سلطتها، بل لعلهم كانوا من أعوانها جبرا أم اختيارا، فلم تكن لهم الحرية في نقل ما صح عن النبي صلى الله عيه وآله وسلم، وما قد يتعارض مع رؤى أمرائهم، ومع تقدم حركة الوضع في أحاديث النبي (ص) عن حركة التدوين ما يزيد عن القرن عند عموم المسلمين، تلك الحركة التي قادها كما أشرنا معاوية بن أبي سفيان والتي أطلق فيها المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب وأبي هريرة وغيرهم من باع دينه بمتاع زائل، فأدخلوا في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ما ليس منه، فتسببوا خلط السليم بالسقيم، فدرج الناس على وتيرة عرجاء وتربت أجيال عديدة على التعبد بالموضوع حتى صار سنة متبعة ودينا حقا وهو أبعد ما يكون من الحقيقة ولو تفطن الناس إلى ذلك الخلل لعدلوا عنه إلى الحق، لأن الحق أحق أن يتبع.







إن أئمة أهل البيت ممن لا يخفى حالهم عن البعيد والقريب، كانوا ولا يزالون القمة والقدوة في كل شيء، عهدتهم أجيالهم ممن استقامت حالهم في السر والعلن ولم يحمل إلينا التاريخ طعنا واحدا ثابتا عليهم، فكانت كل أقوال المتحدثين عنهم متطابقة ومتفقة على أن العلم والتقوى وعلو الأخلاق والهمة وتواضع النفس والكرم والصبر وغيرها من الصفات لم نتتقل عنهم ولا إذا ذكرت انصرفت الإشارة إلى غيرهم، من بيوتهم جاءنا القرآن والفقه وشتى العلوم التي إذ ا لم ينفردوا فقد تميزوا بها عن غيرهم ممن كان يأتي إليهم ليأخذ الفقه وسائر العلوم الشرعية، ولا يتبادر إلى الذهن أن الدين جاء عن غيرهم هيهات، هيهات إن اللبيب عندما يتناول كتبهم يدرك أن بقية الناس عيال عليهم، نطقهم ينبيك عن كنون ومخزون علومهم، وإجاباتهم إذا اطلعت عليها تشفي صدور المؤمنين، وأدعيتهم العبقة بفنون البلاغة والعرفان والتأمل تصدح بأن الولاية على الأمة منصب الهي واعداده الهي، وتصريفه الهي.







إن الإمامة أعظم مرتبة وأشد خطرا من أن تنالها عقول الناس فهي علاوة على حفظ الشريعة من التحريف والتشويه وسوء الفهم، مثال حي تجسدت فيه معاني الدين الحنيف كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قرآنا متحركا بين الناس، وهو المثال الأعظم للإمامة الربانية، وهي كذلك في الآخرة مرتبة الشهادة بين الناس في المحشر، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.







قال تعالى: " يوم ندعو كل أناس بإمامهم".(20) وقال أيضا: "وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم".(21)







وفي نفس السياق أيضا: " ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".(22)







وجاء في أحاديث أهل البيت عليهم السلام: " إنما الأئمة قوام الله على خلقه، وعرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه".(23)







وقولهم عليهم السلام أيضا: إياك أن تقول وتعتقد أن الله أهمل الخلق نولا يهملهم طرفة عين من قيام إمام من أعقاب الرسل والأئمة، يقوم بأمر الأمة، فان من قال بخلاف هذا فقد أشرك".(24)







ولعل الذين لا يزالون على غيهم القديم الذي ورثوه بلا وعي من زمر النفاق وفلول الظلم لا يدركون إلى يوم الناس هذا حيفهم على الصفوة الطاهرة من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولو أنهم اقتربوا قليلا من بيوتهم لعرفوا فداحة تجنبهم على هداة الأمة ومصابيح رشادها وملاذها عند التباس الأمور، وبتركهم للعروة الوثقى التي لا انفصام لها زاغت بهم السبل عن سبيل الله تعالى، وانحرفوا عن صراطه المستقيم الذي بينه للناس بلا أدنى شك، إلا أن الناس أنفسهم أبوا أن يسلكوا طريق الرشاد، والدلائل بينة والأعلام واضحة جلية كالشمس.







إذا لا يعتقد عاقل بأن الله تعالى قد أرسل رسله وحملهم شرائعه وأمرهم بإنفاذ أحكامه الصادرة عنه ناسيا لنفسه المرجعية الأولى والأصل لكل حكم، فقال: "إن الحكم إلا لله".(25) وقال أيضا: "ألا له الحكم".(26) لينته في آخر الأمر إلى التفريط في دستوره ليكون تحت رحمة الناس الذين وصف أكثرهم بالجهل والتخاذل وعدم الإدراك، والآيات القرآنية عديدة في هذا المعنى كقوله تعالى: "وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وان هم إلا يخرصون".(27) وقوله أيضا: " وأكثرهم للحق كارهون".(28)







وقوله تعالى أيضا: "وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا".







لقد صرحت الآيات القرآنية بمقام الحكومة وأهميته في التشريع والمجتمع، فتعدد ذكرها في الكتاب العزيز إلى درجة يستحيل معها سكوت الناس عن الاستفسار عن ماهية الحكومة ونظام الحكم في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمكن لمن كلف بالتبليغ والبيان وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقصر في التبليغ والبيان أو يسكت عن مسألة لها أهميتها القصوى في استمرار عطاء الدين وسلامته.







قال تعالى: "فاحكم بينهم بما أنزل الله".(29) وقال أيضا "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون".(30) وقال أيضا: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".(31)







إلى غير ذلك من الآيات التي تناولت مسألة الحكم وشددت على أهمته، بحيث يستحيل معه ادعاء سكوت فضلا عن تفريط أو إهمال من المكلف بأدائه، وعليه فان الذي ادعى السكوت عن نظام الحكم في الإسلام ادعى الإهمال لدين الله وشريعته قد ادعى النقص أيضا ووضع نفسه موضع الراد على الله ورسوله الذين لم يفرطا في دين الله تعالى شيئا.







على ذلك يتأكد لكل ذي عقل وبصيرة أن الباري تعالى ذكره وجل شأنه، وبعد مسيرة البشرية الطويلة التي امتلأت بالتحريف والعصيان والتمرد على شرائعه ودساتيره، قد أدرج ضمن قوانينه آلية تمنع ذلك الزيغ وتجنب البشرية من الانحراف.







وعلمه السابق بمآل الناس ودسائس صدورهم يرجح فرضية وجود تلك الآلية المانعة من الزيغ والانحراف.







إن المتدبر لكتاب الله، وأقصد به كل من يقرأه ليعرف ما فيه لا الذي يقرأه وفي ذهنه أنه يريد ثواب القراءة فقط من دون أن يهتم بمعانيه العظيمة - وأحكامه السياسية منها محل تساؤلنا وبحثنا- يتأكد من أنه جل شأنه أكرم من أن يترك الناس سدى وهو المشير إلى ذلك بل وتقتضي حكمته بأن يختار لهم الأصلح لمواصلة مسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تربية الأمة وتثقيفها وفق المنهجية التي رسمها للبلوغ بالإنسان إلى أرقى درجات الكمال البشري.







ولئن دأب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على سنة الاستخلاف على المدينة حتى في غيابه القصير عنها، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نسلم بفرضية ترك الناس بلا قائد وفي كلامه تعالى حث على اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الأمر عليهم السلام.







إن اختيار الأصلح للقيادة بعد النبي (ص) من طرف الباري تعالى هو الصواب والأقوم لأنه ليس هناك من هو مؤهل لمعرفة خبايا الناس وحقائقهم غير خالقهم، لقد صرح النبي الأكرم كما سبق منا القول في مرحلة من هذا البحث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عين عن خالقه وبأمر منه من يلي الأمر من بعده على الأمة، ذلك التعيين هو سنة إلهية لم تتغير منذ بداية التكليف وإرسال الرسل، لأن الرسالات الإلهية مناطة بدورين الدور الأول هو مخصوص بالنبي في التبليغ والتأسيس والدور الثاني هو دور الإمام والمعبر عنه بولي الأمر الذي يرجع إليه أمر حفظ الدين والولاية على المؤمنين.







والأئمة الاثني عشر كما نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمرنا بأن نفي لهم بحقهم في بيعة الأول فالأول كما في روايات من خالف الأئمة، هم كالآتي:







الإمام الأول: أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام.







الإمام الثاني: المجتبى أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام







الإمام الثالث: سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.







الإمام الرابع: زين العابدين أبي محمد علي بن الحسين عليهما السلام.







الإمام الخامس: باقر العلوم أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام.







الإمام السادس: الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام.







الإمام السابع: الكاظم أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام.







الإمام الثامن: الرضا أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام.







الإمام التاسع: الجواد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام.







الإمام العاشر: الهادي أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام.







الإمام الحادي عشر: أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام.







الإمام الثاني عشر: المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، أبي القاسم محمد بن الحسن عيه السلام.







لكن قد يتقول قائل لم يفقه فلسفة الاختيار ولا فهم دور الإمامة في الأمة، فيطرح سؤالا يريد به التشكيك في عقيدة التعيين الإلهي لمنصب الإمامة مفاده: أن أئمة الذكورين لم يتسلم أغلبهم مقاليد الحكم في الأمة، فكيف يمكن أن ينطبق حلهم مع الحديث؟







وجوابه: إن الإمامة كالنبوة لطف من الله تعالى يبينه للناس وعليهم أن يبادروا إلى السمع والطاعة، ولا أدل من قوله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين إماما قاما أو قعدا".







بمعنى أن القيام المادي إن لم يقع بتقاعس الأمة فذلك لا يغير من وظيفة الإمام.







وقد ظهر دورهم جلا على مر التاريخ فكانوا القادة الفعليين والرموز الصالحة في الأمة. وبقيت أثراهم وعلومهم ونسبتهم محل احترام وتبجيل واكبار.







هؤلاء هم الأئمة الهادة الذين أمرنا الله تعالى باتباعهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم جاءنا الدين القيم والعلم الحق، فه نبعه الصافي وعنهم أخذ الناس واليهم رجع من رجع ليتفقه كما كان الشأن بالنسبة لأبي حنيفة النعمان ومالك بن أنس وغيرهما كثير ممن كان يأتي إلى مجالسهم ودروسهم فيأخذ عنهم علوم رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم، أخذ المسلم بصحة ورودها، القانع بسلامة نقله والمخبت للحق.







ولو استقصينا عدد الذين أخذوا عن هؤلاء الهداة لما أمكننا أن ننتهي من جمعهم، فيكفي أن مخالفي هؤلاء الأئمة قد قالوا عنهم كل خير وأثنوا عليهم الثناء الكثير، ونقلوا عنهم ما أمكنهم نقله من فقه وأدعية وعلوم أخرى كشأن جابر بن حيان عالم الكيمياء والرياضيات الذي تتلمذ على يدي الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، أما سيرتهم وسلوكهم في الأمة فقد شهد بها القاصي والداني وأقر بنقائها المخالف والموالف وهنا لا بد من الإشارة إلى حادثة وقعت أمام أعين الشاعر الفرزدق الذي سجلها في شعره فكان من روائع الشعر:







روى أبو نعيم الأصفهاني وهو من علماء العامة بإسناده قال: حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه، ونصب لهشام منبر فقعد عليه، فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير؟ فقال لا أعرفه، فقال الفرزدق: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين، وانشأ قائلا:


















هـذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبـيـت يعـرفه والحـل والحرم
هذا ابن خـير عـباد الله كـلهم
هـذا التـقي النـقي الطاهر العـلم
يـكاد يـمسكه عـرفان راحـته
ركـن الحـطـيـم إذا ما جاء يستلم
إذا رأتـه قـريش قـال قـائلها
إلى مـكارم هـذا يـنـتهي الكـرم
إن عـد أهـل التقى كانوا أئمتهم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
هـذا ابن فـاطمة إن كنت جاهله
بـجـده أنـبـياء الله قـد خـتـموا
ولـيس قـولك مـن هذا بضائره
العـرب تـعرف من أنكرت والعجم
يـغضي حياء ويغضى من مهابته
فـلا يـكـلـم إلا حـيـن يـبتـسم
ينشق ثوب الدجى عن نور غرته
كـالشـمس تنجاب من إشراقها الظلم
الله شـرفـه قـدمـا وعـظمه
جـرى بـذلك لـه لـوحـه الـقـلم







إلى آخر القصيدة التي هي مدونة في ديوانه والتي تناهز الثلاثين بيتا من بديع الشعر ومصفاه، وقد تسبب ذلك التحدي الذي أطلقه الشاعر الفرزدق في سجنه فترة وصله فيها الإمام علي بن الحسين زين العابدين بعطاء، ردا على مدحه، وتعاطفا معه في محنته التي جرت عليه فيها قصيدته التي لم ترق لبني أمية.(32)







ولم نر أحدا من فرق الإسلام الكثيرة قد اتخذ من حديث الاثني عشر خليفة أو إماما شعارا صار يعرف به غير المسلمين الشيعة الاثني عشرية الذين يعتقدون بأن الإمامة ركن من أركان عقدتهم ودورها لا يقل أهمية عن دور النبوة، والدين كله رهن قيامها، ولا أدل على صحة ما يقولون من واقعنا الذي نعيشه اليوم وعاشه أجدادنا على مدى قرون طويلة أفرغ فيها الدين من جوهره وذبل عوده حتى كادت روحه أن تزهق، لولا تصدي عدول الأمة من الصفوة الطاهرة من آل محمد صلى الله عليهم أجمعين ومن شايعهم على رؤيتهم لمعالم دينهم، لاندرست معالمه ولذهب مع من ذهب من الأديان التي طالتها أيدي التحريف.







ولقد رووا حديث الاثني عشر إماما من طرقهم وطرق غيرهم كما أشرنا في موضع متقدم من هذا البحث مما جعل الحديث متواترا لفظا ومعنى، فقد أخرج الصدوق علي بن بابويه القمي رضوان الله تعالى عليه في الإكمال وفي من لا يحضره الفقيه والشيخ الطوسي في عدة من كتبه الاستبصار والتهذيب والأمالي والشيخ الكليني في الكافي، والشيخ المفيد في الأمالي والاختصاص وغيرهم من علماء وحفاظ خط الولاية الحق ما دحض حجة الناكرين للنص، الكاتمين للحق والمزورين الكلم عن مواضعه، ويضعنا موضع الماضي على بصيرة من أمره، اتخذ دينه نصب عينيه ولم يكن كالذي اتخذ إلهه هواه، فمضى زائغا عن الحق ولو كان يدري خطأ ما هو فيه لانسلخ عنه وثاب إلى رشده ورجع إلى ربه، لكنه ركن إلى من أسلم له فسه وأعطاه مقاليد أمر دينه ودنياه، فضل في الدنيا ويوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض ولن ينفعهم ذلك أبدا.







إن الأمة الإسلامية مطالبة اليوم أن تتدارك أمرها في تنقية معتقداتها من الشوائب التي لحقت بها ليستقيم دينها فتتوضح بذلك رؤيتها لتستطيع التمييز بين ما لديها من موروث، وتتخلص من كل دخيلة لحقت بالدين أضرت المتعبدين بها لأنها محدثة بعد رسول الله ما أنزل الله بها من سلطان، وقد كان حريا بالأمة أن لا تنساق في خط الظالمين الذين زينوا لهم أشياء لا تمت إلى الدين بسبب، عليها الآن أن تتخذ إلى ربها سبيلا لتكفر عن ما فات وتترد الأمر إلى أهله لأن لديهم الحل الأنجع والدواء الدواء الناجع والبلسم الشافي من كل هذه الأمراض التي لحقتها.







قال الله تعالى: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذي استنبطه منهم".(33)







هذه هي أرادة الله تعالى في رد كل ما أشكل علي الأمة إلى الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولم يثبت عن غيرهم أن رفع عن الأمة إشكالا وقع، فكان علي بن أبي طالب عليهما السلام الوحيد ومن بعده ذريته المصطفون ملجأ الأمة عند الشدائد، كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سئل عن إمامة أمير المؤمنين: ما الدليل على إمامة علي عليه السلام؟ فقال: استغناؤه عن الكل واحتياج الكل إليه دليل على إمامته". وما أبلغه من استدلال يغني عن النصوص.







ولله الأمر أولا وآخرا ووله الحمد والشكر على نعمه السابغة التي من بها علي بأن هداني صراطه المستقيم ومنحني فرصة القرب منه ومعرفته ووفقني إلى ما ضاق عنه وسع غيري فصرفوا الأنظار عنه، إلى ما لا يغني من الله تعالى شيئا، فيتبرأ الذين أتبعوا من الذين اتبعوا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله تعالى بقلب سليم وبضاعة مجزاة حب آل طه وموالاتهم،، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم













1 رواه كل من مسلم والبخاري في جامعيهما







2 رواه أصحاب المجاميع والمسانيد ورواة والسيرة والحديث والتاريخ بدون استثناء.







3- ورواه أصحاب المجاميع والمسانيد ورواة السيرة والحديث والتاريخ بون استثناء في باب الامارة. ٍ







4 المصادر السابقة







5 سورة المنافقون الآية: 8







6 عيون أخبار الرضا ج 2 ص 61\ 62







7 عيون أخبار الرضا ج 2 ص 66 \67







8 إثبات الهداة ج 1 ص475 /476 لمحمد بن الحسن الحر العاملي عن عيون أخبار الرضا.







9 جامع الأحاديث لمسلم ح 44 باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول.







10 سورة الفتح الآية: 23 سورة الأحزاب الآية: 62







11 سورة البقرة الآية: 124







12 سورة البقرة الآية: 247







13 سورة المائدة الآية: 47







14 سورة الزمر الآية: 18







15 سورة النمل الآية: 40







16 سورة الأنبياء الآية: 73







17 سورة النساء الآية: 58







18 سورة النساء الآية: 82







19 سورة المائدة الآية: 58







20 الإسراء الآية: 71







21 سورة الأعراف الآية: 45







22 سورة الأعراف الآية: 47







23 أخلاق محتشمي لنصير الدين الطوسي ص18







24 المصدر السابق ص18







25- سورة الأنعام الآية: 57







26- سورة يوسف الآية: 40 و67







27 سورة الأنعام الآية: 62







28 سورة الأنعام الآية: 116







29 سورة المؤمنون الآية: 71







30 سورة المائدة الآية: 51







31 سورة المائدة الآية: 53







32 سورة المائدة الآية: 50







33 حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني







34 سورة النساء الآية: 82












/ 34