المقدمة - حقیقة الاعتقاد بالإمام المهدی المنتظر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقیقة الاعتقاد بالإمام المهدی المنتظر - نسخه متنی

أحمد حسین یعقوب اردنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد
رسول الله وخاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، الذين اصطفاهم وميزهم
على علم من عباده المسلمين أما بعد:

فبعد أن طبعت كتابي الحادي عشر (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) صممت على الشروع بتأليف كتاب خاص عن (القضاء والافتاء عند أهل بيت
النبوة) وجمعت وهيأت المصادر والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع ورتبتها على
طاولتي، ولم يبق علي سوى المباشرة فعلا بالكتابة، بعد ذلك اجتمعت مع أخ
كريم، وصديق بارز، فسألني عن مشاريعي الجديدة بعد طباعة كتابي الأخير،
فأخبرته بما عزمت عليه، فقال أبو علي: لقد أثبت بالدليل القاطع في كتابيك
(المواجهة) و (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) أن عدد الأئمة الشرعيين من بعد
النبي اثنا عشر إماما، فما رأيكم لو كان كتابك الثاني عشر عن الإمام الثاني عشر
من أئمة أهل بيت النبوة وهو الإمام المهدي المنتظر ؟ ثم إنك قد غطيت بالبحث
والدراسة الفكر السياسي لأهل بيت النبوة خاصة، والنظام السياسي الإسلامي عامة
من خلال مؤلفاتك فلماذا تترك هذه الثغرة، لأن نظرية الإمام المهدي المنتظر
مقطع بارز بالفكر والنظام السياسي الإسلامي، وأن الإمام المهدي هو المؤسس
الفعلي لدولة آل محمد التي ستكون آخر الدول، وبالتالي فلا يمكنك تجاهل هذه
الحقائق، أو القفز عنها، والاهم أن تناول الإمام المهدي بالبحث والدراسة يشكل
إغلاقا مناسبا لدائرة بحوثك عن الفكر السياسي العالمي عامة، ولفكر أهل بيت
النبوة خاصة، وبعد ذلك فلا تثريب عليك لو طرقت أي موضوع شئت. فاقتنعت.

بصواب الاقتراح، وتفاءلت خيرا، ولكني أوجست في نفسي خيفة وتهيبت كثيرا،
لأن: كافة المعلومات المتعلقة بالإمام المهدي من أنباء الغيب التي لم تقع بعد،
ولا مجال فيها للاجتهاد ولا للتحليل، بل آلت إلى الأمة من الأحاديث النبوية
الشريفة، ثم إن الحديث النبوي نفسه قد تعرض لمحنة قاسية حيث منعت دولة
الخلافة التاريخية كتابة ورواية الأحاديث النبوية منعا باتا قرابة مائة عام تحت شعار
(حسبنا كتاب الله) وزاد المشكلة تعقيدا أن دولة الخلافة قد عزلت أئمة أهل بيت
النبوة، وهم ورثة علمي النبوة والكتاب، وفرضت عليهم نوعا من الإقامة الجبرية،
وهكذا حوصرت أنباء الغيب محاصرة تامة، وبعد المائة عام حدث الانفراج عن
مصادر تلك الأنباء، وبدأ المسلمون يروون ويكتبون الأحاديث النبوية علنا!! هذه
الظروف تجعل الوصول إلى الحقائق الشرعية الصادرة بالفعل عن رسول الله أمرا
ليس سهلا.

ويكمن الخوف والتهيب في منهجية عرض وتقديم نظرية الإمام المهدي
المنتظر، فالعشرات من العلماء الأجلاء قد بحثوا هذه النظرية، وعرضوها بأشكال
متشابهة، وما ينبغي أن يكتب يجب أن يكون مختلفا تماما.

ثم إن شعور النخبة المستنيرة من المسلمين ولا شعور الخاصة والعامة من
أبناء الجنس البشري قد انفض تماما من حول العقائد والأنظمة الوضعية، ويئس
من قدرتها على إنقاذ البشرية، وقد حمت عندهم وتواترت بينهم، واقتنعوا بأن
العالم الإنساني لن ينقذه، ولن يخلصه من مستنقعات واقعه إلا المهدي المنتظر!!

فعشقوه عشقا، وعشقوا حكومته العالمية التي سيخضع لسلطانها كافة سكان الكرة
الأرضية، والملتزمة بتطهير الأرض من الظلمة، ونشر العدالة المطلقة في
أرجائها، وتحقيق الكفاية التامة والرخاء المطلق لكل بني البشر، وإتمام المصالحة
التامة بينهم بعد أن تقتلع جذور الخلاف والاختلاف فيسود الانسجام التام، هؤلاء
بحاجة إلى دعم معنوي من الباحث، وتنسيق خاص لأنباء الغيب المتعلق بمثل هذه
الأمور، والاهم كيف يرتقي الواقع العالمي إلى مستوى فهم الإمام المهدي وأهدافه
وغاياته المعلنة ؟ وبتعبير أدق كيف تتسلسل الحادثات وحلقات الوقائع تسلسلا
منطقيا بحيث تؤدي أو تفضي مباشرة إلى دولة آل محمد، أو إلى عهد الإمام.

المهدي المنتظر ؟ وكيف نخلص هذا الكم من الآمال من بين مخالب واقع عالمي
يبعث على اليأس والقنوط ؟ كل هذا يحتاج إلى قدرة هائلة على الاستقراء
والاستنباط والمقارنة وتحليل الثوابت من النصوص تحليلا يبقيك دائما ضمن
دائرتها.

واجتزت حواجز التهيب والخوف، وصممت على الكتابة، وجمعت
مجموعة كبيرة من المراجع أهمها وأعظمها على الإطلاق (معجم أحاديث الإمام المهدي) الذي ألفته الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية تحت إشراف
سماحة الأخ والصديق الشيخ علي الكوراني، وهو يقع على خمسة مجلدات
اشتملت على كافة الأحاديث النبوية وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة، وشرعت
بالكتابة، ولم أجد بحمد الله ومنته عسرا، ولا حرجا، لأن مولانا الإمام المهدي
يسر وفرج.

وبعد أن أتممت الكتاب أيقنت أن قوانيننا، ومناهجنا وأساليبنا بالتغيير،
تعكس حجم قدراتنا وقوانا المحدودة، وأن لله نواميس وأساليب بالتغيير تعكس
حجم قدرته التي استطال بها على كل شئ، لا إله إلا هو شديد المحال، الكبير
المتعال.

وقد اشتمل فهرس الموضوعات على الأبواب والفصول ويمكنني القول
وبغير ادعاء أن الكتاب مختلف تماما عن الكتب التي سبقته والتي عالجت نفس
الموضوع، لقد قدمت نظرية الإمام المهدي المنتظر، بروح العصر ولغته بعد أن
أصلتها وجذرتها دينيا وتاريخيا.

اللهم اجعل عملي خالصا لوجهك الكريم، وتقبل منا إنك أنت السميع
العليم وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

المحامي أحمد حسين يعقوب

حقيقة الاعتقاد بالإمام

المهدي المنتظر

الباب الأول

نقض عرى الإسلام وغربته والتهيئة لظهور المهدي المنتظر

الفصل الأول نقض عرى الإسلام وناقضوها

الأسباب والنتائج

نجاح لا مثيل له في التاريخ البشري

لقد نجح محمد رسول الله نجاحا لا نظير له في تاريخ البشرية كلها، فقد نقل
العرب من دين إلى دين، وكون لهم دولة شملت كل بلادهم، ووحدهم وحدة
حقيقية لأول مرة في التاريخ كله بمدة لا تتجاوز 23 سنة وبكلفة بشرية لم تتجاوز
389 قتيلا من طرفي الصراع، ووضع تحت تصرفهم نظاما سياسيا لو أخذوا به
لدخل العالم كله في طاعتهم من غير إكراه، ولتغير مجرى التاريخ العالمي تماما،
ولما اختلف اثنان قط.

وبكل الحياد والتجرد والموضوعية، فإن نجاح النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا نجاح
لا يضاهيه نجاح في الدنيا قط، خاصة وأنه والهاشميون من خلفه قد شقوا طريقهم
بموضوعية وبحدود قدرة العقل البشري على الاستيعاب، وتخطوا قبل النجاح
عوائق عظمي لا طاقة لقدرة في الأرض على مواجهتها وتخطيها. واكتمل كل
شئ. بلغ الرسالة على خير ما تبلغ الرسالات، وأدى الأمانة على خير ما تؤدى
الأمانات، وانتهت مرحلة الإبداع والتأسيس، وخير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين النبوة والملك
والبقاء، وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، وأعلن للأمة أنه سيمرض بعد عودته
من حجة الوداع وسيموت في مرضه، وحذرها من فتن وعواصف ومحن تتربص
بها، وتنتظر موته بفارغ الصبر لتنقض كالصاعقة. فتلغي عمليا كافة الترتيبات.

الإلهية لعصر ما بعد النبوة وتضع ترتيبات بديلة تؤدي لتفريغ الإسلام من مضامينه
ومحتواه مع الإبقاء على القشرة أو الاسم ليكون الغطاء الشرعي للملك وضرورات
توسعه وتوسيعه.

بيان ما هو كائن وما سيكون

رحمة من النبي بالأمة، ورغبة منه بتبصيرها معالم الطريق، وإقامة للحجة
بين الرسول للأمة كل ما كان في الأمم السابقة، وما كان أثناء مرحلة بناء الدعوة
والدولة، وماذا سيكون بعد موته، وأن ما سيكون يمكن تجنبه تماما إذا التزمت
الأمة بتوجيهات نبيها، لأن النبي لا ينطق عن الهوى، بل يتبع ما يوحى إليه ويتكلم
بالعلم الإلهي اليقيني، وبيان ما كان وما سيكون هو جزء من رسالته، وهو فيض
الرحمتين الإلهية والنبوية، وأكد لهم النبي أن الفتن ستزحف عليهم بعد موته وهي
مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أيا من أي. قال حذيفة: قلت: (يا رسول الله، إنا
كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم!

قال حذيفة: ما هو ؟ قال النبي: فتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضا،
تأتيكم مشتبهة). (راجع صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة،
ورواه أحمد. راجع الفتح الرباني ج 23، ص 38)، وروى مسلم في صحيحه
كتاب الفتن ج 16 ص 18 وأحمد في الفتح الرباني ج 1 ص - 274) عن أبي زيد
أنه قال: (صلى بنا رسول الله الفجر وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر،
فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد
المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان، وبما هو كائن فأعلمنا
أحفظنا). قال أسامة: أشرف النبي على أطم من آطام المدينة، ثم قال: هل ترون
ما أرى ؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر). (رواه البخاري في
كتاب الحج من صحيحه ج 1 ص 322، ورواه مسلم في صحيحه ج 7 ص 8).

نقض عرى الإسلام كلها والناقضون

لقد حذر رسول الله المؤمنين بأنهم إن لم يتبعوا ما أمرهم به فإن عرى
الإسلام كلها ستنقض عروة بعد عروة، فطالما أعلن أمام أصحابه قائلا: (لينقض.

الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا
الحكم، وآخرهن الصلاة). (رواه أحمد وابن حبان والحاكم، راجع كنز العمال
ج 1 ص 238). وعملية نقض العرى لن تتم من تلقاء نفسها بل سيتولاها وينفذها
فريق من المسلمين المحسوبين على الأمة، لذلك كشف رسول الله حقيقة هذا
الفريق ليحذر الناس من شرورهم قبل وقوعها. قال حذيفة: (والله ما أدري أنسي
أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ
من معه ثلاثمائة فأكثر، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته). (رواه
أبو داود في عون المعبود حديث 4243 و 4222)، ووضع رسول الله النقاط على
الحروف، قال حذيفة: قال رسول الله: (إن في أصحابي اثني عشر منافقا منهم
ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، (رواه الإمام أحمد
والإمام مسلم، راجع كنز العمال ج 1 ص 169 ومعالم الفتن ج 1 ص 67)،
وقال حذيفة: أشهد أن الاثني عشر حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ويوم يقوم
الأشهاد (راجع صحيح مسلم ج 17 ص 125)، وروي عن عمار بن ياسر مثل
ذلك. (رواه الإمام أحمد، راجع الفتح الرباني ج 21 ص 202.) إن اثني عشر
مجموعة تخريبية كذبت بآيات الله واستكبرت عنها كما يستفاد ذلك من الآية 40
من سورة الأعراف. واقترب الرسول من نقطة الخطر فأعلن أمام أصحابه قائلا:

(إن هلاك أمتي على يد غلمة من قريش). (رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء
الخلق، باب علامات النبوة من صحيحه ج 2 ص 280) ثم قال: (يهلك أمتي هذا
الحي من قريش) (رواه البخاري أيضا في كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة من
صحيحه ج 2، ص 280 ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج 18 ص 41)، وعن
ابن عباس أنه قال: قال رسول: (ولتحملنكم قريش على سنة فارس والروم
ولتؤمنن عليكم اليهود والنصارى والمجوس). (رواه الطبراني، راجع مجمع
الزوائد ج 7 ص 236)، وقال الرسول مرة لأصحابه: (إن هذا الحي من مضر لا
تدع لله في الأرض عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته). (رواه الإمام أحمد، وقال
الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح الفتح الرباني ج 23
ص 240)..

وعندما ذكر رسول الله الغلمة من قريش، والحي من قريش طالب الناس
باعتزالهم قائلا: (لو أن الناس اعتزلوهم). (راجع صحيح البخاري ج 2 ص 280
وصحيح مسلم ج 18 ص 41 والفتح الرباني ج 23 ص 39 ومعالم الفتن ج 1
ص 303). ثم وقف النبي طويلا عند بني أمية، وحذر الأمة منهم، فبين أن أكثر بطون
قريش بغضا لمحمد ولآل محمد هم بنو أمية، وبنو مخزوم... (راجع المستدرك
على الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم، وكنز العمال ج 11 ص 169
حديث 31074)، وتحدث عن الشجرة الملعونة وعن رؤى نزو الأمويين على
منبره نزو القردة، وتيقن المسلمون من استياء النبي البالغ من تلك الرؤيا، (رواه
الحاكم في المستدرك ج 3 ص 171، وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية
والنهاية ج 6 ص 243، ورواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي) وتحدث
النبي عن أصحاب الخطر من بني أمية، وركز عليهم واحدا واحدا، وحذر الأمة
منهم. ثم وقف النبي وقفة طويلة وخاصة عند الحكم بن العاص والد وجد الخلفاء
الأمويين، فقال أمام أصحابه: (ويل لأمتي مما في صلب هذا) (رواه ابن عساكر
راجع الكنز ج 11 ص 167)، وقال أيضا: (ويل لأمتي من هذا وولد هذا)،
(الكنز ج 11 ص 167 والإصابة لابن حجر ج 2 ص 29)، وقال النبي لأصحابه
عن الحكم: (إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ
دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته، (رواه الدارقطني الكنز ج 11 ص 166
وابن عساكر ج 11 ص 360 والطبراني ج 11 ص 667).

وبعد أن كشف الرسول حقيقة هذا الخطر لعنه رسول الله، ولعن ولده. (قال
عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان بن الحكم: (إن رسول الله لعن أباك) (رواه البزار
ومجمع الزوائد ج 5 ص 21)، وقال الحسن بن علي لمروان: لقد لعنك الله على
لسان رسوله، وأنت في صلب أبيك (رواه أبو يعلى مجمع الزوائد ج 5 ص 240،
وابن سعد وابن عساكر ج 11 ص 357 وابن كثير في البداية ج 8 ص 280).

وحتى يكون الأمر معلوما للجميع، والخطر واضحا أمام الجميع أمر رسول الله.

بنفي الحكم بن العاص، فنفاه الرسول من المدينة وأعلن أن الحكم بن العاص
عدو لله ولرسوله، وبقي الحكم منفيا طوال عهد النبي المبارك، وبعد وفاة النبي
راجع عثمان أبا بكر لإعادة الحكم فرفض ذلك أبو بكر، وبعد وفاة أبي بكر راجع
عثمان عمر فرفض عمر ذلك، ولما آلت الخلافة لعثمان أدخله معززا مكرما،
واتخذ ابنه مروان رئيسا لوزرائه، ولما مات الحكم أقام عثمان على قبره فسطاطا
تعبيرا عن حزنه وعميق مصابه بموت الحكم (راجع الإصابة ج 2 ص 29).

استمع المسلمون إلى كافة تحذيرات الرسول مما سيكون!! وتعجبوا كيف
يكون ذلك!! وهل يعقل أن تنقض عرى الإسلام كلها!! فأراد الرسول أن يحذر
أصحابه أنفسهم، وأن يضعهم أما مسؤولياتهم فذكرهم أنه سينتظرهم على
الحوض وفاجأهم قائلا: (... وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال
بيني وبينهم. (راجع صحيح بخاري ج 4 ص 141 كتاب الدعوات وصحيح مسلم
ج 5 ص 153 كتاب الفضائل والفتح الرباني ج 1 ص 192)، وفي رواية عن
عبد الله: (فأقول يا رب أصحابي!! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك). (صحيح
البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141 وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15
ص 159، ورواه أحمد والبيهقي، راجع كنز العمال ج 14 ص 418)، وفي رواية
عن أبي هريرة: (فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم
القهقرى). (راجع صحيح البخاري ج 4 ص 142 باب الصراط)، وفي رواية عن
ابن عباس: (فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم). (راجع
صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160، وصحيح مسلم ج 17
ص 194)، ونادى مناد فقال هلم، قلت: أين ؟ قال: إلى النار والله! قلت: ما
شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا
مثل همل النعم) (راجع صحيح البخاري ج 4 ص 142 كتاب الدعوات باب
الصراط). هذه التحذيرات التي أطلقها الرسول بمواجهة أصحابه كانت إغلاقا
للدائرة فقد بين كل شئ على الإطلاق، فمن وعى بيانه تيقن أن الوقائع التي جرت
بعد وفاته، ما كانت إلا ترجمة حرفية، لكل ما حذر منه، وباختصار شديد قال
رسول الله: (وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء). (رواه ابن

ماجة راجع الكنز ج 11 ص 370).

أخطر التحذيرات النبوية

لغايات إكمال الحلقة، وحتى لا يضل الناس بعد هدى، وتبيانا يقينيا لما
سيكون قال النبي لأصحابه ومنهم أصحاب الخطر: (أكثر ما أتخوف على أمتي من
بعدي رجل يتأول القرآن، يضعه على غير مواضعه، ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر
من غيره)، (رواه الطبراني في الأوسط، راجع معالم الفتن ج 1 ص 91)، لأن الله
تعالى قد خصص فئة معينة لفهم القرآن فهما يقينيا، وهم أهل البيت والمتأول يقف
بما ليس له به علم، ويتولى مهمة مخصصة لغيره، ولأن هذا المتأول محكوم بهواه
فسيضطر، لترك النصوص الشرعية التي لا تتفق حتما مع هواه، واتباع آرائه
الشخصية، مما يعني إهمال مضامين النصوص الشرعية وإحلال التحليلات والآراء
الشخصية محلها تحت شعار أن هذا المتأول مشفق وناصح لله ولرسوله، وأنه يرى
ما لا يرون!!! وبين الرسول أن القرآن سيقرأه في زمن الأزمان ثلاثة (مؤمن ومنافق
وفاجر). (رواه الحاكم وأقره الذهبي في ذيل المستدرك ج 4 ص 507)، ولكن لا
يمسه ولا يفهم المقصود الشرعي منه إلا المطهرون، وليقنع الرسول أصحابه، بأن
ما يقوله يقينا ومن عند الله، فقد ذكر أصحابه قائلا: (لم يزل أمر بني إسرائيل
معتدلا حتى نشأ فيهم المولودون وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها،
فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا). (رواه الطبراني في الكبير، راجع كنز العمال ج 11
ص 181).

أما الشق الآخر من الخطر المحدق الذي حذر منه رسول الله فهو رجل يرى
أنه أحق بهذا الأمر من غيره!! لقد أعلن رسول الله بأمر من ربه حديث الثقلين، وبين
بأمر من ربه بأنه قد ترك هذين الثقلين، خليفتين من بعده، وبين أيضا بأن القرآن
لا يمسه إلا المطهرون، والمطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس هم أهل البيت
أحد الثقلين، بمعنى أن النقاط موضوعة على الحروف وأن كل شئ مرتب ترتيبا
إلهيا محكما، وأخطر ما حذر الرسول من الوقوع فيه بعد موته هو ادعاء عمرو أو

زيد من الناس أنه أحق بالأمر أي (بقيادة الأمة) ومس القرآن من أهل بيت النبوة
وأن (مصلحة المسلمين) تقتضي تقديم المفضول على الأفضل، وهكذا وبجرة قلم
ينقضوا أعظم عروة من عرى الإسلام، وهي نظام الحكم ويلغوا كافة الترتيبات
الإلهية المتعلقة بها، وكافة النصوص الشرعية التي تعالجها مستندين إلى الرأي
الشخصي والتأويلات الخاطئة، وهكذا يضلون ويضلون الأمة، ويدخلوها...

والعالم معهم في ليل طويل، لا آخر له. وقد حذرهم الرسول إن فعلوا ذلك قائلا:

(إنه سيلي أمركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة
عن مواقيتها. وعندما سأله ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم ؟ أجابه النبي قائلا:

(يا بن أم عبد، لا طاعة لمن عصى الله)، قالها ثلاث مرات. (رواه أحمد، الفتح
الرباني ج 29 ص 23 وقال: حديث صحيح).

الله ورسوله يكشفان العقول والجموع التي ستنقض عرى الإسلام

إن نقض عرى الإسلام لم يتم آليا أو بصورة عفوية إنما كان وراء عملية
النقض، تخطيط محكم، وعقول كبيرة كانت تعرف ما تريد وتسعى، بلا كلل ولا
ملل، لتحقيق ما تريد، وتقف وراءها جموع إلهها هواها، ولا هم لها إلا هدم دين
الإسلام وتفريغه نهائيا من مضامينه، والابقاء على قشوره ليستقيم لها الملك الذي
جاءت به النبوة. وقد أشرنا إلى قيادات النقض، بالقدر الذي تحتمله عقول العامة،
ونشير الآن إلى الجموع التي وقفت خلف تلك القيادات التي تولت كبر عملية
نقض عرى الإسلام وهذه الجموع هي:

1 - بطون قريش:

منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة
والكتاب، وطوال مدة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة النبوية، وبطون قريش
ال 23 تقف وقفة رجل واحد ضد محمد، وضد بني هاشم، وقد استعملت بطون
قريش كافة سهام كيدها، وفنون مكرها، وتآمرت على قتل النبي مرات متعددة،
لأنها ببساطة تحسد الهاشميين، وتكره ما أنزل الله، ولا تريد أن يكون النبي من
بني هاشم، ولما هاجر النبي جيشت بطون قريش الجيوش، واستعدت العرب على.

النبي وحاربته حربا لا هوادة فيها، وبعد حروب طاحنة، ولما هزمها النبي
اضطرت مكرهة أن تدخل، أو أن تتظاهر بالدخول في الإسلام، وبنفس الوقت
أخفت تركة صراع طويل، وحسدا متمكنا من النفوس، وحقدا دفينا ألقى أجرانه
في القلوب. ولما رأت بطون قريش أن النبوة قد أسفرت عن ملك رأت من مصلحتها أن تعترف بهذه النبوة طمعا بالانقضاض على الملك ذات يوم، وعندما
تيقنت البطون، بأن الرسول قد رتب مرحلة ما بعد النبوة، وأنه قد عين خليفتين من
بعده (كتاب الله وعترة النبي أهل بيته)، صممت بطون قريش أن تستولي على
الملك من بعد النبي، وأن تحارب الإسلام بأسلحته فروجت، بإن الإسلام قد جاء
بالعدل والمساواة والانصاف، وليس من العدل ولا من الإنصاف أن ينال
الهاشميون الملك والنبوة معا، وأن تحرم بطون قريش من هذين الشرفين معا،
والأفضل أن يختص الهاشميون بالنبوة، وأن تختص بطون قريش بالملك تتداوله
فيما بينها، لذلك صممت بطون قريش على فرض هذه القسمة بالقوة الغاشمة بعد
وفاة النبي، وهكذا نقضت بطون قريش عمليا العروة الأولى من عرى الإسلام،
وهي الحكم. واتحدت ضد آل محمد بعد وفاة النبي تماما، كما اتحدت ضد
النبي، وحاربت آل محمد بكل وسائل الحرب وفنونه، تماما كما حاربت النبي من
قبل، واستعدت عليهم العرب، تماما كما استعدت العرب على النبي من قبل!!

وكانت بطون قريش على استعداد أن تمد يدها للشيطان إن ساعدها على تحقيق
ذلك كله. وقد وثقنا ذلك في كتابنا (المواجهة) وسقت 394 دليلا على ذلك من
عيون المراجع المعتمدة عند أهل السنة، فليرجع إليه من يشاء.

2 - المنافقون:

وهم العمود الفقري للجموع التي دعمت نقض عرى
الإسلام، وكانت لهم قواعد في المدينة، وما حولها وفي مكة وما حولها، وقد
حمل عليهم القرآن حملات متكررة، حتى كشفهم وعراهم على حقيقتهم، ووضع
الله ورسوله معيارا لمعرفة المؤمن من المنافق، فمن والى عليا بن أبي طالب
وأحبه، فهو مؤمن، ومن عاداه وأبغضه فهو منافق. (راجع على سبيل المثال
صحيح الترمذي ج 2 ص 299 ومسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 292 وصحيح
النسائي ص 27 وصحيح ابن ماجة ص 2)..

وكتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) ص 225 يشتمل على عشرات المراجع
والمثير للدهشة أنه لم يرو راو قط أن أحدا من المنافقين على الإطلاق قد عارض
أي خليفة، أو امتنع عن بيعة أي خليفة، أو تلكأ عن نصرة أي خليفة من الخلفاء
الذين حكموا الأمة عبر التاريخ، والوحيد الذي عارضه المنافقون وامتنعوا عن
بيعته هو علي بن أبي طالب، وهكذا فعلوا مع ابنه السبط الإمام الحسن!! أتحدى
أي عالم على وجه الأرض أن ينقض هذه الحقيقة!! بل الأعظم من ذلك أنه بعد
موت النبي اختفت المخاوف من ظاهرة النفاق، واندمج المنافقون في المجتمع
اندماجا تاما!! ووقفوا بكل قواهم مع دولة الخلافة، ومارسوا حياتهم بحرية،
وأصبح الولاء للدولة هو المعيار لتمييز الحق من الباطل، فمن يوالي دولة
الخلافة فهو على الحق، أو مستور الحال بغض النظر عن إيمانه أو نفاقه! ومن
يعارضها فهو على الباطل، وشاق لعصا الطاعة، ومفرق للجماعة، ودمه حلال
للخليفة!!

3 - الذين في قلوبهم مرض:

وهم غير الفئة المنافقة، ويمكن أن نسميهم
بأصحاب المصالح، أو ضعاف الإيمان، وقد وصفهم القرآن الكريم وصفا دقيقا،
وقد ساهمت هذه الفئة في نقض عرى الإسلام.

4 - الذين في قلوبهم زيغ:

وهم فئة رابعة متميزة عن غيرها من
الفئات، وهؤلاء يفرون من الوضوح إلى الغموض، ومن الحق إلى الباطل، وهم
التاركون للنص الآخذون بالرأي حرصا على مصلحة الإسلام والمسلمين!!!

5 - أصحاب التخشع الكاذب:

فئة يتظاهر أفرادها بالورع، والتقى والدين،
وهم كاذبون ولهم القدرة على خداع كل الناس، وأبرز مثال على هذه الفئة ابن ذي
الثدية، فقد خدع أبا بكر، وخدع عمر رضي الله عنهما، وتصورا أنه خاشع تقي
فكلف رسول الله أبا بكر ليقتله فلم يفعل تقديرا لخشوعه، ثم كلف الرسول عمر
بقتله فلم يفعل، لأنه قد اغتر بخشوعه، فأمر الرسول عليا بقتله فلم يجده، وأخبر
الرسول. أن هذا المتخشع الكاذب مارق، وأن عليا سيقتله ذات يوم وقتله علي
بالنهروان بالفعل، (راجع البداية والنهاية لابن كثير ج 7 ص 299، ومجمع
الزوائد ج 6 ص 227). وقد ساهمت هذه الفئة بنقض عرى الإسلام، وقد كشف.

الله ورسوله حقيقة هذه الفئة، كما كشف حقيقة غيرها من الفئات التي ستقود،
وتتبنى عمليا عملية نقض عرى الإسلام.

البيان اليقيني وإقامة الحجة على الجميع

من خلال الترابط والتكامل بين القرآن وبيان النبي لهذا القرآن، وبمتابعة من
الوحي الإلهي الذي لم يتوقف، بين الترتيبات الإلهية لمرحلة ما بعد موت النبي،
وأثبت بالدليل القاطع، بأن هذه الترتيبات محكمة، وأنها صنع الله، وهي الهدى
بعينه، وهي الصراط المستقيم نفسه.

ونجح النبي نجاحا منقطع النظير في وصف الطريق التي سيسلكها المسلمون
بعد وفاته، وكشف مخاطرها ومنعطفاتها، وتحديد الأعداء تحديدا دقيقا، وبيان
طريق النجاة من كل خطر، والمنهج الفرد لهزيمة الشيطان وأوليائه. وهكذا وضع
الله ورسوله تحت تصرف طلاب الهدى التصور اليقيني، لما هو كائن ولما ينبغي
أن يكون، فقامت الحجة على الجميع، فمن يترك الطريق القويم لا يتركها بشبهة،
أو بعذر لأنه لا شبهة مع اليقين، إنما يتركها منحرفا متعمدا مع سبق الإصرار.

المفاجأة الكبرى

بعد أن وضع النبي تحت تصرف المسلمين التصور اليقيني لما هو كائن،
ولما ينبغي أن يكون، وبعد أن رسم لهم مخططا للطريق التي سيسلكونها بعد
وفاته، مرض كما أخبرهم من قبل، وأعلن أنه سيموت في مرضه، وأنه سيلخص
لهم الموقف خطيا، فيؤمنهم ضد الضلالة والانحراف تأمينا شاملا، وضرب موعدا
لكتابة توجيهاته النهائية للأمة، ودعا لهذا الموعد الخلص من أصحابه، ليأمنهم
على عهده، وليشهدوا كتابة توجيهاته النهائية، وما أن جلس النبي مع خلص
أصحابه، وفي الوقت الذي هم بكتابة توجيهاته النهائية فوجئ النبي والخلص من
أصحابه بجمع كبير من بطون قريش يدخل حجرة النبي دون استئذان، ويجلسون
دون دعوة متجاهلين بالكامل وجود النبي، ولم يثن هذا التصرف النبي عما أراد،
فقال النبي لخلص أصحابه: (قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا)، فتجاهل.

جمع بطون قريش وجود النبي، وتجاهلوا ما قاله، ووجهوا كلامهم للخلص من
أصحابه قائلين: إن النبي قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله) أن النبي يهجر حسبنا
كتاب الله استفهموه! إنه يهجر!!! القرآن وحده يكفينا ولا حاجة لوصية
الرسول!!!

احتج الخلص من أصحاب النبي على هذا التصرف المستغرب، واصطدموا
مع جمع البطون، وعلت الأصوات بين أصحاب النبي الخلص القلة، وبين الكثرة
من بطون قريش، وتنازعوا، فأطلت النسوة من وراء الستر، وقلن: ألا تسمعون
رسول الله يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ؟ فنهرهن أحد الصحابة
قائلا لهن: (إنكن صويحبات يوسف) هنا تكلم النبي فقال: (إنهن خير منكم) ما
أنا فيه خير مما تدعونني إليه، قوموا فلا ينبغي عندي تنازع!! وهكذا صرف النبي
النظر عن كتابة توجيهاته الخطية، إذ لو أصر النبي على الكتابة لأصرت بطون
قريش في ما بعد على أن الكتابة قد صدرت عن النبي وهو يهجر حاشاه، مع ما
يستتبع ذلك من خطر ماحق على الدين نفسه، وهكذا نجحت بطون قريش ومن
لف لفها بإخراج النبي من التأثير على سير الأحداث بلحظات حاسمة، وحرمت
الأمة والعالم من الاستفادة من توجيهات النبي النهائية الخطية. وما ذكرناه حقائق
رواها البخاري في صحيحه في ست روايات، ورواها مسلم في صحيحه، والنووي
في شرحه على صحيح مسلم وابن القيم الجوزي في تذكرة الخواص، وأبو حامد
الغزالي في سر العالمين، وكشف ما في الدارين، ولا خلاف إطلاقا بين المسلمين
على صحة وحقيقة هذه الوقائع، وهكذا صدمت بطون قريش خاطر النبي الشريف،
وقصموا ظهر الإسلام بالفعل. وتلك حادثة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي
الإسلامي، فما من خليفة على الإطلاق إلا وقد مرض قبل موته، واشتد به الوجع
أكثر مما اشتد الوجع برسول الله. وما من خليفة على الإطلاق إلا وقد كتب
توجيهاته النهائية أثناء مرضه، وقبل موته، ولم يصدف على الإطلاق أن قال أحد
لأي خليفة من الخلفاء أنت تهجر، أو أن الوجع قد اشتد بك، وأنه لا حاجة لنا
بوصيتك، ولا بتوجيهاتك لأن القرآن عندنا وهو يكفينا ويغنينا عنك!!. بل على
العكس فقد كانت وصايا الخلفاء وهم على هذه الحالة تنفذ كأنها وحي إلهي.

تنزلت به الملائكة علنا، وعلى رؤوس الأشهاد!! وبعض الخلفاء وهو مشرف
على الموت أوحى بقتل كل من لا يلتزم حرفيا بتوجيهاته النهائية التي أصدرها،
وهو مريض على فراش الموت، ومع هذا نفذت تلك التوجيهات بدقة متناهية.

حلقة من مخطط وخطوة على طريق

لم تكن مواجهة بطون قريش للنبي في الحجرة المقدسة وقولهم له (أنت
تهجر، والقرآن يغنينا عنك، ولا حاجة لنا بوصيتك) وليدة لحظتها إنما كانت
الحلقة قبل الأخيرة من مخطط أعد له بدقة، ونفذ خطوة بعد خطوة. كانت بطون
قريش ومن لف لفها تريد أن تبقي من الدين والنبوة فقط، ما هو ضروري لبقاء
الملك الذي تمخضت عنه النبوة وما لا يتعارض مع هذا الملك، وتريد في النهاية
الاستيلاء على هذا الملك بالقوة والقهر والتغلب، وأن تنسف كافة تعاليم الدين
وترتيباته التي تتعارض مع أهدافها تلك. لقد أدركت هذه الجبهة خطورة البيان
النبوي، وقدرة النبي على إيصال ما يريد إلى قلوب سامعيه، وأدركت إحكام
الترتيبات الإلهية لذلك، وأثناء حياة النبي وصحته كانت بطون قريش تشكك بكل
ما قاله النبي، وتصد عن كتابة أحاديث النبي. قال عبد الله بن عمرو بن العاص:

(كنت أكتب كل شئ سمعته من رسول الله... فنهتني قريش وقالت: الرسول بشر
يتكلم في الغضب والرضى... (راجع سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن
الدارمي ج 1 ص 125 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 162 و 207 و 216
والمستدرك للحاكم ج 1 ص 105 و 106 وجامع بيان العلم لابن عبد البر)،
وكانت بطون قريش تشيع بأن الرسول يفقد السيطرة على أعصابه، فيسب ويشتم
ويلعن من لا يستحق ذلك، (راجع صحيح البخاري، كتاب الدعوات باب قول
النبي (من آذيته)، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبي)، وأن
النبي قد سحر وأنه يخيل إليه أنه قد فعل الشئ وما فعله.. (راجع صحيح
البخاري، بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وصحيح مسلم باب السحر)..

إلى آخره من تلك الأراجيف والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة، ولما
أدركت البطون الطامعة بالملك فشل إشاعاتها، واستبطأت أجل النبي صممت على.

قتله، وشرعت في جريمتها في غزوة تبوك، ولكن الله حمى نبيه، كل ذلك يجري
تحت خيمة الإسلام التي استظلت بها الفئة الطامعة بالملك، فجاء يوم الرزية كما
يسميه ابن عباس، وهو يوم المواجهة في الحجرة المقدسة ليكشف الأسرار،
وليظهر حقيقة توجهات البطون الحاقدة على بني هاشم.

كانت جبهة الصد عن سبيل الله تشكل فريقا حقيقيا، وحزبا منظما، رتب كل
شئ، واقتسم الملك والغنائم، حتى قبل موت النبي، وجاءت المواجهة في
الحجرة المقدسة بمثابة استعراض للقوة، ولإقناع أولياء النبي بأنه لا فائدة ترجى
من المعارضة، فإما أن يقبلوا بترتيبات البطون وما قبلته من الإسلام، أو يواجهوا
الموت، ويتوقعوا عودة الشرك بعد التوحيد، وهذا يفسر اضطرار بعض الصحابة
الكرام لمجاراة هذا التيار الساحق. وكانت هذه الجبهة تضم بطون قريش التي
قاومت النبي قبل الهجرة، وحاربته بعد الهجرة، ثم اضطرت مكرهة للدخول في
الإسلام، وتضم المنافقين من أهل المدينة، ومن حولها، منافقون من أهل مكة،
وممن حولها من الأعراب بالإضافة إلى المرتزقة من الأعراب الذين لا هم لهم إلا
الكسب، الذين ينتظرون من تدور عليه الدوائر ليأكلوه، والقاسم المشترك بين هذه
الفئات هي كراهيتهم لآل محمد، وعدم قبولهم بأن يجمع الهاشميون النبوة
والملك معا!!! لأن في ذلك إجحاف بحق البطون!! فهل من العدل - برأي
البطون - أن يجمع الهاشميون النبوة والملك، وأن ينالوا الشرفين، ويحوزوا
الفخرين معا، وتحرم بقية البطون!! أليس محمد من قريش!! لماذا يرث سلطانه
الهاشميون وحدهم!! ومن الذي يضمن للبطون أن الهاشميين لن يجحفوا عندما
يؤول الملك إليهم بعد وفاة النبي!! ثم إن الهاشميين قد وتروا بطون قريش أثناء
حروبها مع النبي، فما من بطن من بطون قريش إلا وقتل منه الهاشميون، فهل تقبل
بطون قريش رئاسة الذين قتلوا أبناءها، ويتموا أطفالها ورملوا نساءها!! إن من
مصلحة الإسلام أن تتوحد بطون قريش خلفه، ولن تتحقق هذه الوحدة إلا إذا
استبعد الهاشميون عن الملك، وسلمت قيادة المسلمين لبطون قريش، ومن والاها
من العرب خاصة وأن الجميع يتلفظون بالشهادتين والبواطن لله. أما الاحتجاج
بالترتيبات التي أعلنها النبي في غدير خم، فالنبي بشر والناس أعلم بشؤون

دنياهم!!! وهكذا صارت الفتنة كوجوه البقر، لا تدري أيا من أي، وأصبح أولياء
النبي أقلية يخافون مرة ثانية أن يتخطفهم الناس من حولهم. وقد وثقنا كل ذلك
بكتابنا، المواجهة.

وهكذا افترق الإسلام عن السلطان (مع أنهما توأمان لا يصلح واحد منهما
إلا بصاحبه، فالاسلام أس والسلطان حارس، وما لا أس له يهدم، وما لا حارس
له ضائع). (رواه الديلمي، راجع كنز العمال ج 6 ص 1). ومع الأيام آلت
الخلافة لمن لا مؤهل له، إلا الغلبة وكثرة الأتباع ولمن لا يعرف من الدين إلا
اسمه!!!.

الفصل الثاني بطون قريش وأنصارها يستولون عمليا على مقاليد الدولة الإسلامية

قبل فتح مكة كانت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية وسط أغلبية ساحقة من
المشركين والمنافقين والمرتزقة من الأعراب. وبعد فتح مكة ودخول العرب
بالإسلام بقيت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية أيضا وسط أكثرية ساحقة من المنافقين
والمرتزقة من الأعراب وحديثي الدخول بالإسلام الذين يجهلون تاريخه ورجاله.

وفي الحالتين كان وجود النبي كقيادة إسلامية، والتفاف الفئة المؤمنة الصادقة
حوله الضمانة الوحيدة لنقاء الحكم الإسلامي وبقائه. وهنا يكمن سر تركيز النبي
المكثف على من يخلفه. لقد أدركت بطون قريش هذه الناحية، ورأت أن
استغلالها هي الطريق الوحيد للوصول إلى الملك، وفصل السلطان عن الإسلام،
لذلك استغلت هذه البطون سماحة الإسلام وعدالته، وجمعت حولها كافة العناصر
التي اشتركت بمقاومة النبي ومحاربته سابقا، وانصب هدفها على عزل الفئة
المؤمنة عن المجتمع، وتهميشها تماما ودس الوقيعة بين رموزها، واستعمال
الكثرة الساحقة، كطريق فرد للاستيلاء على الدولة الإسلامية. والتفرد بالملك
الذي تمخضت عنه النبوة!! وكمرحلة أولى رأت البطون أن تسند رئاسة الدولة
لرموز إسلامية مقبولة ومعروفة (الخليفة الرمز) على أن تكون بطانته، وقادة جنده
وعمال ولايته وأهل الحل والعقد عنده، وبعد أن تضرب جذور البطون في الأرض
تلغي فكرة الخليفة الرمز وتستولي علنا ورسميا على كافة مقاليد الدولة الإسلامية،
وتفرض على الناس مناهجها التربوية والتعليمية، وخلال هذه المدة تمنع رواية

الحديث النبوي وكتابته، حتى تطمس كل ما يذكر الناس بالحقيقة وبالشرعية
السياسية الإلهية. وسواء في عهد الخليفة الرمز، أو عندما استولت البطون على
مقاليد الدولة، كانت الفئة المؤمنة مهمشة تماما. وراجت قناعة بأن أفرادها لا
يصلحون للقيادة، وغير موالين لدولة البطون ومتحفزين لشق عصا الطاعة،
ومفارقة الجماعة!! ومن مصلحة الإسلام والمسلمين، ومن دواعي استقرار الدولة
أن تبقى هذه الفئة تحت الرقابة المباشرة للخليفة الرمز وبطانته، وأن لا يتولى
أفرادها أي مصلحة من المصالح العامة، بمعنى أن الفئة المؤمنة عمليا تحت
الإقامة الجبرية، فنادرا ما يأذن الخليفة لأحد من أفرادها بمغادرة العاصمة إلى
الأقاليم البعيدة عن إشرافه المباشر. ولأن الخليفة عادل فقد كان يغدق على
الشخصيات البارزة من أفراد هذه الفئة المؤمنة الأموال الطائلة من بيت مال
المسلمين تأليفا لقلوبها، واتقاء لخطرها وطمعا باستقرار الدولة، حتى صارت
تلك الشخصيات من أصحاب الملايين في مجتمع أكثريته الساحقة جائعة
ومحتاجة!!.

المعايير الجديدة لتعبئة الوظائف العامة

عندما نجح التحالف الذي قادته بطون قريش، بالاستيلاء على مقاليد الدولة
اختفت المعايير التي كانت سائدة في زمن الرسول، فلم يعد منها البلاء في سبيل
الله، ولا السابقة في الإسلام، ولا العلم، ولا الإخلاص لله ولرسوله، وحلت
محلها معايير جديدة أهمها، موالاة دولة البطون، وإرضاء رموزها والأكثرية
الساحقة، والقدرة على تنفيذ سياسة الدولة وبرامجها التربوية والتعليمية، ومعاداة
أعداء الدولة، والحط من قيمتهم، بحيث لا يبقى لهم شأن ولا ذكر، وإرغام
أنوفهم لتبقى دوما في التراب!

الاستعانة بالمنافقين والفاسقين والمرتزقة

قال ابن حجر في فتح الباري (والذي يظهر من سيرة عمر رضي الله عنه في
أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل
كان يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة السياسية، فلأجل ذلك استخلف معاوية

والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين
والعلم، (راجع فتح الباري، كتاب الأحكام ج 13 ص 198).

قال حذيفة: (أمين سر رسول الله) لعمر بن الخطاب يوما: (يا عمر إنك
تستعين بالرجل الفاجر)، (راجع كنز العمال ج 5 ص 77) (والله يا عمر إنك
تستعمل من يخون وتقول ليس عليك شئ وعاملك يفعل كذا وكذا)، (راجع
تاريخ الطبري ج 5 ص 31)، وكان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم ويستعملهم
فجار، أو منافقون أو خونة لله ولرسوله ولكنه كان يبرر استعماله لهم بالقول:

(نستعين بقوة المنافق، وإثمه عليه). (رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، راجع كنز
العمال ج 4 ص 614). وهكذا صارت الاستعانة وتأمير الفاسقين والمنافقين
والفجار طمعا بقوتهم سنة ونظرية تتبناها دولة البطون وتنفذها بوفاء، فأينما
وجدت القوة، استعانت بصاحبها بغض النظر عن دينه، أو علمه أو سابقته أو
جهاده أو ماضيه، والقوة تعني الالتزام بسياسة الدولة العامة، والولاء لها، وكراهية
أعدائها، وحرمان أولئك الأعداء وأوليائهم من كافة الوظائف العامة، والكارثة حقا
أن (أعداء) الدولة ومعارضيها سواء بالعلن أم بالسر هم أولياء النبي وقرابته
الأدنون، ومن قام الإسلام كله على أكتافهم!!

طواقم جديدة من الولاة

بعد أقل من شهرين على وفاة الرسول الأعظم تم عزل كافة العمال والولاة
والأمراء الذين عينهم الرسول، وقتل بعضهم شر قتلة، كمالك بن نويرة، ونجا
أسامة بن زيد الذي عينه الرسول أميرا على جيش من العزل بأعجوبة!! وعينت
الدولة طواقم جديدة من الولاة والأمراء بدلا من الذين عينهم رسول الله،
واقتسمت بطون قريش الوظائف العامة، وحصل البطن الأموي على نصيب الأسد،
لأن هذا البطن قد ساهم مساهمة فعالة بإقامة دولة البطون. وهذا البطن مشهور
بعداوته للنبي وببغضه لآل النبي، وحقده عليهم، فالعرب كلهم بل العالم بأسره
يعلم بأن أبا سفيان وأولاده خاصة، والأمويين عامة هم الذين قادوا جبهة الشرك
ضد رسول الله طوال فترة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأنهم هم الذين جيشوا

الجيوش وألبوا العرب على رسول الله وحاربوه بكل فنون القتال، وعادوه بكل
وسائل العداء حتى أحيط بهم عندما فتح الرسول مكة، فاضطروا مكرهين للتلفظ
بالشهادتين، وكتموا إحباطهم وحقدهم على آل محمد، لأنهم فئة موتورة، فما من
بيت من بيوت البطن الأموي إلا وأصاب الهاشميون منه مقتلا، وقد بين الرسول
لأصحابه، بأن الأمويين هم أكثر بطون قريش بغضا لآل محمد، وأنهم طامعون
بملك النبوة لأنه رآهم ينزون على منبره نزو القردة، وطلب من الناس أن يعتزلوهم
وأن يحذروا منهم، وبعد وفاة النبي بفترة وجيزة ولت الدولة يزيد بن أبي سفيان
قائدا عاما لجيش الشام، ولما مات يزيد عينت أخاه معاوية أميرا على الشام خلفا
لأخيه، (راجع البداية والنهاية ج 8 ص 118، وتاريخ الطبري ج 5 ص 69،
والاستيعاب ج 3 ص 596، وكنز العمال ج 13 ص 606) وأطلق عمر بن
الخطاب يد معاوية في بلاد الشام، وأعطاه الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء،
وليتصرف على الوجه الذي يراه، بلا رقيب ولا حسيب، فقد قال عمر لمعاوية
يوما: (... لا آمرك ولا أنهاك)، (راجع البداية والنهاية ج 8 ص 125، وتاريخ
الطبري ج 6 ص 184)، وكان عمر يوطد له بين الناس فيقول عن معاوية: (إنه
فتى قريش وابن سيدها)، (راجع البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب
ج 8 ص 397)، وكان يقول للناس: (تذكرون كسرى وعندكم معاوية)، (راجع
تاريخ الطبري ج 6 ص 184)، وخاطب عمر أصحاب الشورى قائلا: (إذا
اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام)، (راجع الطبقات الكبرى
لابن سعد ج 5 ص 535). وكان عمر يعرف أن معاوية يعد أهل الشام للخروج،
وأنه سيخرج ذات يوم، فقد صرح عمر في يوم من الأيام قائلا: (يا أهل الشام
استعدوا لأهل العراق). (راجع الدلائل لابن سعد، وكنز العمال ج 12
ص 354). ومع هذا لم يتعرض له عمر، إنما تركه ليكمل استعداداته وعدته
ويخرج في الوقت المناسب!! وكان وراء تأمير عمرو بن العاص، فقد أعلن عمر
أمام علية القوم قائلا: (لا ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا).

(راجع الإصابة ج 5 ص 3)، واستعان عمر بقوة الوليد بن عقبة، مع أن الوليد
فاسق بنص القرآن، وكان يسكر علنا وصلى بالناس وهو سكران. (راجع الإصابة.

ج 3 ص 363). واستعان عمر بعبد الله بن أبي سرح، وكان من المقربين إليه،
(راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 59، والبداية والنهاية ج 8 ص 214). وعبد الله
ابن أبي سرح هذا هو الذي افترى على الله الكذب، وأباح الرسول دمه حتى لو
تعلق بأستار الكعبة، ثم أتمها عمر على بني أمية، ووضع الأساس المتين لحكمهم
يوم عهد عمليا بالخلافة لعثمان.

واستعان عمر بقوة أبي الأعور السلمي الذي شهد حنين مشركا، (راجع الإصابة ج 2 ص 540، وأسد الغابة ج 6 ص 16)، وقد لعنه رسول الله (رواه
أبو نعيم، راجع كنز العمال ج 8 ص 82). وكان من أشد المبغضين لعلي بن
أبي طالب، وقد أمره عمر، وجعله على مقدمة جيش. (راجع الإصابة ج 2
ص 541).

وأمر عمر يعلى بن منبه على بعض بلاد اليمن، وكان من الحاقدين على
علي بن أبي طالب، فقد أعان الزبير بأربعمائة ألف عندما خرج على علي، واشترى
لعائشة أم المؤمنين جملا يقال له (عسكر)، وجهز سبعين رجلا من قريش لقتال
علي بن أبي طالب. (راجع الاستيعاب ج 3 ص 662 - 663).

واستعان عمر ببسر بن أرطأة، وأياس بن صبيح، وهو من أصحاب مسيلمة
الكذاب، أسلم وولاه عمر القضاء على البصرة، (راجع الإصابة ج 1 ص 120).

واستعان عمر بطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد النبي، وقد أعجب عمر به
ورضي عنه، وكتب إلى أمرائه أن يشاوروه. (راجع البداية والنهاية ج 7
ص 130). وابن عدي الكلبي الرجل النصراني الذي تلفظ بالشهادتين، وفورا دعا
له عمر برمح فولاه الإمارة، قال عوف بن خارجة، ما رأيت رجلا لم يصل صلاة
أمر على جماعة من المسلمين قبله، (راجع الإصابة ج 1 ص 116). واستعمل
عمر أبا زبيد على صدقات قومه وكان نصرانيا، ولأنه قوي استعمله، ولم يستعمل
نصرانيا غيره. (راجع الإستيعاب ج 4 ص 80). واستعان عمر بكعب الأحبار
اليهودي الذي أسلم فصار من خلص الخليفة وأصفيائه ومرجعه وموضع أسراره،
والمجيب الموثوق على كل تساؤلاته، وتولى كعب عملية القص في المساجد
وصار القص سنة. (راجع الإصابة ج 3 ص 316)، فكان كعب يقص ما يحلو له.

في مسجد رسول الله، في الوقت الذي منعت فيه دولة الخلافة كتابة ورواية
أحاديث رسول الله نفسه!!

ولما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت ولايات الدولة وأعمالها
ووظائفها العامة غاصة بأصحاب (القوة) من الفاسقين والمنافقين، وقد استخدمهم
الخليفة ليستعين بقوتهم، كما قال ونفاقهم وفسقهم على أنفسهم.

ولما آلت الخلافة إلى عثمان رضي الله عنه، رفع شعار صلة الرحم، بدلا من
القوة، فعمر كان يبحث عن الأقوياء ليستعين بقوتهم، أما عثمان فقد كان يبحث
عن الأرحام ليصلها، ومن نافذة الأرحام وبابها الواسع دخل الأمويون كلهم،
ودخل معهم أولياؤهم إلى ولايات الدولة وأعمالها ووظائفها، فما من مصر من
الأمصار، وما من عمل من الأعمال، إلا وواليه أموي، أو موال لبني أمية. وكان
أول الداخلين من هذا الباب الحكم بن العاص، طريد رسول الله وعدوه اللدود،
لعنه رسول الله وطرده وحرم عليه دخول المدينة، ولما آلت الخلافة لعثمان أعاده
للمدينة معززا مكرما، ولما مات بنى على قبره فسطاطا، ومع الحكم دخل ابنه
مروان. قالت عائشة أم المؤمنين لمروان: (أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله
لعن أباك وأنت في صلبه). قال الذهبي وابن عبد البر وغيرهما: (مروان أول من
شق عصا المسلمين بلا شبهة). (راجع شذرات الذهب ابن العماد ج 1 ص 69).

وكان مروان من أسباب قتل عثمان. (راجع الإصابة ج 6 ص 157). ومع أن
مروان ملعون على لسان نبيه، إلا أنه تولى الخلافة، ولقب أمير المؤمنين وتوارث
أبناؤه ملك النبوة. وقد وصف مروان بن الحكم وضع دولة الخلافة بآخر أيام
عثمان، وصفا دقيقا فقال لجموع الثوار الذين احتشدوا حول دار عثمان: (ما
شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بإذن
صاحبه إلا من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اخرجوا عنا، غب
رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا). (راجع
تاريخ الطبري ج 5 ص 110).

والخلاصة أن دولة الخلافة تحولت إلى ملك أموي خالص، وأن الأمويين
قد غلبوا على كل شئ، وأن الأكثرية الساحقة مع بني أمية طمعا بما هم غالبون.

/ 13