الكتاب: عمدة القاري
المؤلف: العيني
الجزء: 18
الوفاة: 855
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي
الناشر: دار إحياء التراث العربي
ردمك:
ملاحظات:
62
((بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قبل حجة الوداع))
أي: هذا بيان بعث النبي صلى الله عليه وسلم، أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل الخ، وفي بعض النسخ: باب بعث أبي موسى... الخ، والبعث: الإرسال مصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل كما قررناه، وقيل: أراد بقوله: قبل حجة الوداع، الإشارة إلى ما وقع في بعض أحاديث الباب: أن أبا موسى رجع من اليمن فلقي النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة في حجة الوداع، والقبلية أمر نسبي.
4342 ح دثنا موساى حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك عن أبي بردة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال واليمن مخلافان ثم قال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا فانطلق كل واحد منهما إلى عمله قال وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه فقال له معاذ يا عبد الله بن قيس أيم هاذا قال هذا رجل كفر بعد إسلامه قال لا أنزل حتى يقتل قال إنما جىء به لذالك فانزل قال ما أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل ثم نزل فقال يا عبد الله كيف تقرأ القرآن قال أتفوقه تفوقا قال فكيف تقرأ أنت يا معاذ قال أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. (الحديث 4342 طرفه في: 4345).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وموسى هو ابن إسماعيل الذي يقال له: التبوذكي، وأبو عوانة، بالفتح: الوضاح اليشكري، وعبد الملك بن عمير، وأبو بردة، بضم الباء الموحدة: واسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس، وهذا مرسل، وسيأتي من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى متصلا.
قوله: (مخلاف)، بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة: وهو لليمن كالريف للعراق، أي: الرستاق، والمخاليف الرساتيق، أي: الكور قوله: (واليم مخلافان)، أي: أرض اليمن كورتان، وكانت لمعاذ الجهة العليا إلى صوب عدن وكان من عمله الجند، بفتح الجيم والنون، وله بها مسجد مشهور إلى اليوم، وكانت جهة أبي موسى السفلي.
2
قوله: (إلى عمله)، أي موضع عمله. قوله: (إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا) كذا وقع في رواية الأكثرين: إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به أي: جدد العهد بزيارته، ووقع في رواية سعيد بن أبي بردة التي تأتي في الباب: فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى، وزاد في رواية حميد بن هلال: (فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال: إنزل) قوله: (يسير)، حال من الضمير الذي في: فجاء قوله: (وإذا هو جالس) كلمه: إذا، للمفاجأة، وكذا: وإذا، الثاني. قوله: (وإذا رجل)، لم يدر ما اسمه، لكن وقع في رواية سعيد بن أبي بردة أنه يهودي قوله: (قد جمعت يداه إلى عنقه)، جملة وقعت صفة لرجل قوله: (أيم)، بفتح الهمزة وضم الياء المشددة وفتح الميم، واصله: أي، التي للاستفهام فزيدت عليها، كلمة: ما فقيل: أيما، وقد تسقط الألف فيصير: أيم، وقد تخفف الياء فيقال: أيم، بفتح الهمزة وسكون الياء وفتح الميم، وذلك كما يقال: أيش أصله: أي شيء. قوله: (إنما جيء به لذلك)، أي: إنما جيء بالرجل المذكور للقتل. قوله: (فقال: يا عبد الله)، أي: فقال معاذ بن جبل لأبي موسى: يا عبد الله، وهواسمه كما غير مرة قوله: (أتفوقه) بالفاء والقاف أي: ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا بعد شيء، يعني: لا أقرأ وردي دفعة واحدة بل هو كما يحلب اللبن ساعة بعد ساعة، واصله مأخوذ من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر، ثم تحلب هكذا دائما قوله: (جزئي)، بضم الجيم وسكون الزاي، وكان قد جزأ الليل أجزاء: جزء للنوم، وجزء للقراءة، وجزءا للقيام. قوله: (فاحتسب) من الاحتساب من باب الافتعال، أي: اطلب الثواب في نومتي، بفتح النون وسكون الواو وفتح الميم: (كما أحتسب قومتي) بفتح القاف، وطلب الثواب في القومة ظاهر وأما في النومة بالنون، فلأنه من جملة المعينات على الطاعة من القراءة ونحوها.
4343 ح دثني إسحاق حدثنا خالد عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال وما هي قال البتع والمزر فقلت لأبي بردة ما البتع قال نبيذ العسل والمزر نبيذ الشعير فقال كل مسكر حرام..
مطابقته للترجمة في قوله: (بعثه إلى اليمن) وإسحاق هو ابن شاهين، قاله الحافظ المزي، وقال بعضهم: إسحاق هو ابن منصور والعمدة على الأول، وخالد هو ابن عبد الله الطحان والشيباني هو سليمان بن فيروز.
قوله: (البتع)، بكسر الباء الموحدة وسكون التاء المثناة من فوق وفي آخره عين مهملة. قوله: (والمزر) بكسر الميم وسكون الزاي وفي آخره راء. قوله: (كل مسكر حرام)، هذا لا خلاف فيه.
وقال صاحب (التوضيح): فيه: حجة على أبي حنيفة في تجويزه ما لا يبلغ بشاربه السكر مما عدا الخمر قلت: لا حجة عليه فيه، لأن أبا بردة قال عقيب تفسير البتع والمزر: كل مسكر حرام، يعني إذا أسكر، ولا يخالف فيه أحد.
رواه جرير وعبد الواحد عن الشيباني عن أبي بردة
أي: روى هذا الحديث جرير بن عبد الحميد، وعبد الواحد بن زياد عن سليمان الشيباني عن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري، بدون ذكر سعيد بن أبي بردة، أما تعليق جرير فوصله الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة من طريق يوسف بن موسى، كلاهما عن جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن أبي موسى، وأما تعليق عبد الواحد فوصله...
343 - (حدثنا مسلم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال بعث النبي
جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن فقال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا فقال أبو موسى يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر وشراب من العسل البتع فقال كل مسكر حرام فانطلقا فقال معاذ لأبي موسى كيف تقرأ القرآن قال قائما وقاعدا
3
وعلى راحلته وأتفوقه تفوقا قال أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي وضرب فسطاطا فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق فقال ما هذا فقال أبو موسى يهودي أسلم ثم ارتد فقال معاذ لأضربن عنقه)
مطابقته للترجمة ظاهرة ومسلم هو ابن إبراهيم وهذا مرسل ومعناه ظاهر
(تابعه العقد ووهب عن شعبة)
أي تابع مسلما عبد الملك بن عمرو العقدي ووهب بن جرير عن شعبة بن الحجاج عن سعيد بن أبي بردة ووصل متابعة العقد البخاري في الأحكام والعقدي بفتح العين والقاف نسبة إلى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد ووصل متابعة وهب إسحق بن راهويه في مسنده عنه
(وقال وكيع والنضر وأبو داود عن شعبة عن سعيد عن أبيه عن جده عن النبي
)
وصل تعليق وكيع البخاري في الجهاد مختصرا ووصل تعليق النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل البخاري في الأدب ووصل تعليق أبي داود هشام بن عبد الملك الطيالسي في مسنده المروي من طريق يونس بن حبيب عنه وكذلك وصله النسائي من طريق أبي داود * -
4346 ح دثني عباس بن الوليد حدثنا عبد الواحد عن أيوب بن عائذ حدثنا قيس ابن مسلم قال سمعت طارق بن شهاب يقول حدثني أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي فجئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم منيخ بالأبطح فقال أحججت يا عبد الله بن قيس قلت نعم يا رسول الله قال كيف قلت قال قلت لبيك إهلالا كإهلالك قال فهل سقت معك هديا قلت لم أسق قال فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة ثم حل ففعلت حتى مشطت لي امرأة من نساء بني قيس ومكثنا بذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه..
مطابقته للترجمة في قوله: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أرض قومي) فإن أرض قومه اليمن. وعباس، بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالسين المهملة: ابن وليد النرسي، بفتح النون وسكون الراء وبالسين المهملة قال الكلاباذي: نرس لقب جدهم كان اسمه نصرا فقال له بعض النبط: نرس، عوض: نصر فبقى لقبا عليه فنسب ولده إليه. وقال أبو علي الجياني: رواه ابن السكن والأكثر هكذا يعني: عباس، بالباء الموحدة وفي رواية أبي أحمد الجرجاني: حدثنا عباس، ولم ينسبه وقيل: عياش، بالياء آخر الحروف وبالشين المعجمة، وكذا ضبطه الدمياطي، وقال: عياش بن الوليد الرقام ورد هذا، والأول أصح وأشهر، وعبد الواحدهو ابن زياد، وأيوب بن عايذ، بالياء آخر الحروف وبالذال المعجمة: المدلجي البصري وثقه يحيى بن معين وغيره ورمى بالإرجاء وليس له في البخاري إلا هذا الموضع.
والحديث مضى في الحج في: باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب.. الخ.
قوله: (منيخ)، بضم الميم: أي نازل بالأبطح، وأبطح مكة مسيل واديها. قوله: (ثم حل)، بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام، بالإحلال. قوله: (حتى استخلف عمر)، أي: إلى أن استخلف عمر رضي الله تعالى عنه، ثم من بعد عمر وقع الاختلاف فيه وتنازعوا فيه، وقد مر تحقيق الكلام في الباب المذكور في الحج.
4
4347 ح دثني حبان أخبرنا عبد الله عن زكرياء بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم طاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وأبو معبد، بفتح الميم: اسمه نافذ، بالنون والفاء المكسورة وبالذال المعجمة. ومضى الحديث في أول كتاب الحج ولس فيه قوله: (فإن هم طاعوا لك بذلك فإياك)... الخ.
قوله: (طاعوا)، ذكره ابن التين بلفظ: طاعوا لك بذلك، أي: انقادوا لك بذلك، يقال: هو طوع فلان أي: مناقد له، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد: طاوعه. قوله: (فإنه)، أي: فإن الشأن. قوله: (ليس بينة)، أي: بين دعوة المظلوم، وإنما ذكر الضمير باعتبار أن الدعوة بمعنى الدعاء. قوله: (وكرائم)، جمع كريمة. وهي: النفيسة.
قال أبو عبد الله طوعت طاعت وأطاعت لغة طعت وطعت وأطعت
أبو عبد الله هو البخاري نفسه. وقد جرت عادته أنه يذكر تصرف بعض الألفاظ التي تقع في بعض أحاديث باب من الأباب، فقال: طوعت بمعنى. طاعت، كما في قوله تعالى: * (فطوعت له نفسه قتل أخيه) * (المائدة: 30) بمعنى: طاعت له نفسه قوله: (وأطاعت)، لغة يعني: أطاعت نفسه، بالألف لغة في: طاعت
نفسه، بلا ألف. قوله: (طعت)، يعني: يقال عند الإخبار عن نفسه: طعت فلانا، بكسر الطاء ويقال: طعت، بضم الطاء، ويقال أيضا: أطعت، بالألف قال الجوهري: طاع له يطوع إذا انقاد.
4348 ح دثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون أن معاذا رضي الله عنه لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 125) فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بن ميمون الأودي من المخضرمين كان بالشام ثم سكن الكوفة.
قوله: (إن معاذا لما قدم اليمن)، موصول، لأن عمرو بن ميمون كان باليمن لما قدم معاذ. قوله: (لقد قرت عين أم إبراهيم)، أي: لقد بردت دمعتها، وهو كناية عن السرور، لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة، ولذلك يقال للمدعو له، أقر الله عينه، وللمدعو عليه أسخن الله عينه. وقال ثعلب وغيره: معناه بلغ أمنيته فلا تطمع نفسه إلى من هو فوقه. فإن قلت: كيف قرر معاذ هذا القائل في الصلاة على حاله ولم يأمره بالإعادة. قلت: إما أن معاذا لم يكن يعلم حينئذ وجوب الإعادة بذلك، وإما أنه أمره بالإعادة ولم ينقل.
زاد معاذ عن شعبة عن حبيب عن سعيد عن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقرأ معاذ في صلاة الصبح سورة النساء فلما قال * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 125) قال رجل خلفه قرت عين أم إبراهيم.
5
معاذ هو ابن معاذ التميمي البصري، وحبيب هو ابن أبي ثابت، وسعيد هو ابن جبير، وعمرو هو ابن ميمون، وقد مضى ذكر هؤلاء آنفا. وأراد بالزيادة قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث معاذا) ولا منافاة بين هذا وبين الذي قبله لأن معاذا إنما قدم اليمن لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (فقرأ معاذ في صلاة الصبح)، يدل على أنه كان أميرا على الصلاة فقط. وحديث ابن عباس الذي مضى عن قريب يدل على أنه كان أميرا على المال أيضا، على ما لا يخفى.
61
((باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع))
أي: هذا باب في بيان بعث النبي صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنهما، وليس في بعض النسخ لفظ: باب.
4349 ح دثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق حدثني أبي عن أبي إسحاق سمعت البراء رضي الله عنه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه قال فغنمت أواق ذوات عدد.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن عثمان بن حكيم أبو عبد الله الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا. وشريح، بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة: ابن مسلمة، بفتح الميمين واللام وسكون السين: الكوفي، وإبراهيم هذا يروي عن أبيه يوسف، ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، ومات إسحاق قبل أبيه أبي إسحاق والحديث من أفراده.
قوله: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، كان ذلك البعث بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة. قوله: (أن يعقب)، من التعقيب وهو: أن يعود بعض العسكر بعد الرجوع ليصيبوا غزوة من العدو، وقال الجوهري: التعقيب أن يغزو الرجل ثم ينثني من سنته، وقال ابن فارس: التعقيب غزاة بعد غزاة. قوله: (أواق)، أصله: واقي، بتشديد الياء وتخفيفها فحذفت الياء استثقالا. قوله: (ذوات عدد)، أي: كثيرة.
4350 ح دثنا محمد بن بشار حدثنا روح بن عبادة حدثنا علي بن سويد بن منجوف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هاذا فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم قال لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم، عليا إلى خالد) وكان خالد في اليمن حينئذ. وروح، بفتح الراء: ابن عبادة، بضم العين وتخفيف الباء الموحدة، وعلي بن سويد بن منجوف، بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم سكون الواو وفي آخره فاه: السدوسي البصري، وليس له في البخاري إلا هذا، ووقع في رواية القابسي: علي بن سويد عن منجوف، وهو تصحيف، وعبد الله بن بريدة يروي عن أبيه بريدة، بضم الباء الموحدة وفتح الراء تصغير بردة ابن الخصيب، بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة: ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي، أسلم
6
قبل بدر ولم يشهدها وشهدا الحديبية، وكان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة مات بمرو وقبره بالحصين، بكسر الجيم وتشديد الصاد المهملة. والحديث من أفراده.
قوله: (عليا إلى خالد) أي: علي بن أبي طالب إلى خالد بن الوليد. قوله: (ليقبض الخمس)، أي: خمس الغنيمة، وفي رواية الإسماعيلي: ليقسم الخمس، وفي رواية: ليقسم الفيء. قوله: (وكنت أبغض عليا)، بضم الهمزة، وإنما أبغضه لأنه رأى عليا أخذ جارية، وفي رواية أحمد في السبي: وصيفة هي أفضل السبي، قال: فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر، وفي رواية الإسماعيلي: فأخذ منه، أي: من الخمس، جارية ثم أصبح يقطر رأسه. انتهى فظن بريدة أنه غل وكان ما فعله علي من ذلك سبب بغض بريدة إياه قوله: (وقد اغتسل)، كناية عن الوطء، أراد أن عليا وطئ الجارية التي أخذها من الخمس واصطفاها لنفسه. قوله: (فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا) القائل هو بريدة، وأشار: بهذا، إلى علي رضي الله تعالى عنه، وقال الخطابي: فيه إشكالان: أحدهما: أنه قسم لنفسه. والثاني: أنه أصابها
قبل الاستبراء، والجواب أن الإمام أن يقسم الغنائم بين أهلها وهو شريكهم، فكذا من يقوم مقامه فيها، وأما الاستبراء فيحتمل أن تكون الوصيفة غير بالغة، أو كانت عذراء، وأدى اجتهاده إلى عدم الاحتياج إليه قوله: (ذكرت ذلك له)، أي: ذكرت ما فعله علي للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فإن له في الخمس أكثر من ذلك) أي: فإن لعلي من الحق في الخمس أكثر من الذي أخذه، وعند أحمد من رواية عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفه، وزاد قال: فما كان من الناس أحد أحب إلي من علي، وفي رواية: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه، وفي رواية: قال: من كنت وليه فعلي وليه.
4351 ح دثنا قتيبة حدثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهاذا من هاؤلاء قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الأزار فقال يا رسول الله اتق الله قال ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلي فقال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر إليه وهو مقف فقال إنه يخرج من ضئضىء هاذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأظنه قال لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود..
مطابقته للترجمة في قوله: (بعث علي بن أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من اليمن) وعبد الواحد هو ابن زياد. قوله: (وعمارة)، بضم العين وتخفيف الميم: ابن القعقاع، بفتح القافين وسكون المهملة الأولى: ابن شبرمة، بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وضم الراء: الضبي الكوفي، وعبد الرحمن بن أبي نعم، بضم النون وسكون العين: البجلي الكوفي.
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء في: باب قول الله: * (وأما عاد فاهلكوا) * (الحاقة: 6). ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (بذهيبة) تصغير: ذهبة
7
قال الخطابي: انثها على معنى القطعة، قيل: فيه نظر لأنها كانت تبرأ قلت: قد يؤنث الذهب في بعض اللغات. وفي (مسلم): بذهبة: بفتحتين بغير تصغير. قوله: (مقروظ)، أي: مدبوغ بالقرظ، بالقاف والراء والظاء المعجمة، قال الخليل: هو شجر يدبغ بورقه ولونه إلى الصفرة. قوله: (لم تحصل) بصيغة المجهول، أي: لم تخلص من ترابها، قال بعضهم: أي لم تخلص من تراب المعدن. قلت: فيه نظر من وجهين. أحدهما: أنه لم يجز ذكر المعدن. والثاني: أنه لو رجع إلى المعدن لقيل: من ترابه، بتذكير الضمير، واختلف في هذه: الذهيبة، فقيل: كانت خمس الخمس، وقيل: من الخمس، وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم، أن يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة، وقيل: من أصل الغنيمة. قوله: (بين عيينة بن بدر)، وما بعده بدل من قوله: (بين أربعة نفر) وعيينة مصغر عينة ابن بدر وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، فنسب إلى جده الأعلى ويكنى أبا مالك، وقال أبو عمر: أسلم بعد الفتح وقيل: قبله، وشهد الفتح مسلما وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من الأعراب الجفاة وكان في الجاهلية من الجرارين يقود عشرة آلاف، وكان اسم عيينة: حذيفة، فأصابته لقوة فجحظت عيناه فسمي: عيينة. وفي (التوضيح): وكان عيينة من المنافقين ارتد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثه خالد إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه، في وثاق فأسلم وعفا عنه، وأقرع بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الراء وبالعين المهملة، واسمه: فراس، وكان في رأسه قرع فلقب بذلك، ابن حابس، بالمهملتين والباء الموحدة: ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي أحد المؤلفة قلوبهم. (وزيد الخيل)، هو زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي وفد طيء سنة تسع فأسلم وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد الخير، وكان يقال له: زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت عنده، ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا محسنا خطيبا لسنا شجاعا كريما، وكان قبل إسلامه أسر عامر بن الطفيل وجزنا صيته. قوله: (أما علقمة وإما عامر بن الطفيل)، شك من الراوي، وجزم في رواية سعيد بن مسروق أنه علقمة بن علاثة، بضم العين المهملة وبالثاء المثلثة: ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب الكلابي العامري، من المؤلفة قلوبهم وكان سيدا في قومه حليما عاقلا ولم يكن فيه ذلك الكرم، واستعمله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، على حوران فمات بها في خلافته. (وعامر بن الطفيل) مصغر الطفل القيسي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم وعاد من عنده فخرج به خراج في أصل أذنه فمات منه، ولذلك قيل: وذكر عامر بن الطفيل غلط من عبد الواحد فإنه كان مات قبل ذلك، وقال الدمياطي: مات كافرا. قوله: (فقام رجل)، قيل: هو ذو الخويصرة التميمي، وعند أبي داود: اسمه نافع، ورجحه السهيلي، وقيل: اسمه حرقوص بن زهير السعدي. قوله: (غائر العينين)، بالغين المعجمة على وزن فاعل من الغور، والمراد: أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة وهو ضد الجحوظ. قوله: (مشرف الوجنتين)، أي: بارزهما، من الإشراف بالشين المعجمة، والوجنتان: العظمان المشرفان على الخدين. قوله: (ناشز) بالنون والشين المعجمة والزاي، أي: مرتفع الجبهة، وأصله من النشز وهو ما ارتفع من الأرض. قوله: (كث اللحية): كثير شعرها، ويقال: لحية كثة مجتمعة، ورجل كث اللحية، وقوم كث. قوله: (محلوق الرأس)، كانوا لا يحلقون رؤوسهم وكانوا يفرقون شعورهم. قوله: (مشمر الإزار)، تشميره رفعه عن الكعب. قوله: (فقال خالد بن الوليد)، وفي رواية أبي سلمة عن سعيد. فقال عمر رضي الله تعالى عنه، وقد مضى في علامات النبوة، ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك، قيل: الأرجح أنه عمر لصلابته ولشك الراوي في خالد، ولأنه كان غائبا مع علي. قوله: (لعله أن يصلي) استعمل فيه:
لعل، استعمال: عسى. وقال الكرماني: قيل: فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة مقتول. قلت: هذا المفهوم ليس بحجة وفيه خلاف مشهور. قوله: (أن أنقب) من نقبت الحائط نقبا، إذا فتحت فيه فتحا، وقيل بتشديد القاف: من التنقيب، وهو التشديد، أراد أنه أمر بالأخذ بظواهر الأمور والبواطن لا يعلمها إلا الله. قوله: (وهو مقف)، جملة حالية من قفى، بالتشديد يقفي، والفاعل منه: مقف، بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء، أي: مول، ويروى: مقفي، بالياء من أقفى فهو مقفى، وأصله: مقفي، بضم الياء فحذفت الضمة للاستثقال وسكنت الياء لأجل كسر الفاء، يقال: قفي الرجل القوم إذا ولاهم قفاه، وأقفاهم يقفيهم إذا فعل ذلك فهو مقفي قوله: (من ضئضىء هذا)، بضادين معجمتين مكسورتين بينهما ياء آخر الحروف بهمزة ساكنة، وفي
8
آخر ياء بهمزة أيضا أي: من أصل هذا الرجل، وفي رواية الكشميهني: بصادين مهملتين، قال ابن الأثير: كلاهما بمعنى الأصل، وقذ مضى في أحاديث الأنبياء أن من ضئضىء هذا أو من عقب هذا. قوله: (رطبا) معناه المواظبة على التلاوة أو تحسين الصوت بها والحذاقة والتجويد فيها فيجري لسانه بها ويمر عليها لا يتغير ولا ينكسر، وقيل: معنى: رطبا، سهلا كما في الرواية الأخرى، وقال الخطابي: أي يواظب عليها فلا يزال لسانه رطبا بها، وقيل: يريد الذي لا شدة في صوت قارئه وهو لين رطب، وقيل: يريد أنه يحفظ ذلك حفظا حسنا. قوله: (حناجرهم) جمع حنجرة وهو الحلقوم معناه: لا ترفع في الأعمال الصالحة ولا تقبل منهم، وقيل: لم يتمكن في قلوبهم شيء كثير من اليقين به وإنما يحفظونه بالألسن وهي مقاربة للحناجر فنسب إليها ما يقاربها قوله: (يمرقون)، أي: يخرجون بالسرعة. قوله: (من الدين) أي: من الطاعة دون الملة، ويقال: طاعة الأئمة والأمراء وفي رواية سعيد بن مسروق، من الإسلام. قوله: (من الرمية) على وزن فعيلة بمعنى المفعول، والرمية: الصيد الذي ترميه فتقصده وينقذف فيه سهمك وهو كل دابة مرمية. قوله: (وأظنه قال) أي: وأظن النبي صلى الله عليه وسلم، قال إلى آخره، وتقدم في قصة هود: لأقتلنهم قتل عاد، والغرض منه الاستئصال بالكلية وهما سواء فيه، فعاد استؤصلت بالريح الصرصر، * (وأما ثمود فاهلكوا بالطاغية) * (الحاقة: 5) أي: الرجفة أو الصاعقة أو الصيحة، فإن قيل: إذا كان قتلهم جائزا فلم منع النبي صلى الله عليه وسلم خالدا من قتله؟ قيل له: لا يلزم من قتلهم جواز قتله. قال الخطابي: فإن قيل: لما كان قتلهم واجبا فكيف منعه منه؟ قلنا: لعلمه بأن الله تعالى يجري قضاء فيه حتى يخرج من نسله من يستحق القتل بسوء فعالهم ليكون قتلهم عقوبة لهم فيكون أبلغ في المصلحة. وقال القرطبي: إنما منع قتله وإن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه، وقال المازري: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن فهم من الرجل الطعن في النبوة، إنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، وليس ذلك كبيرة، والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع، واختلف في جواز وقوع الصغيرة منهم. انتهى. قلت: مذهبي أن الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها، والذي وقع من بعضهم شيء يشبه الصغيرة لا يقال فيه إلا أنه ترك الأفضل وذهب إلى الفاضل، وقيل: إنما لم يقتل الرجل ولم يعاقبه أيضا لأنه لم يثبت عنه ذلك، بل نقله عن واحد، وخبر الواحد لا يراق به الدم، وأبطل عياض هذا بقوله في الحديث: إعدل يا محمد، فخاطبه في الملأ بذلك حتى استأذنوه في قتله، والصواب ما تقدم.
4352 حدثنا المكي بن إبراهيم عن ابن جريج قال عطاء قال جابر أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يقيم على إحرامه.
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا في مجيء علي من اليمن إلى الحج في حجة الوداع. وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث مضى في الحج في: باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بعين هذا الإسناد والمتن.
زاد محمد بن بكر عن ان جريج قال عطاء قال جابر فقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعايته قال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال وأهدى له علي هديا. أي: زاد محمد بن بكر البرساني في روايته عن ابن جريج إلى آخره، ومضى هذا في الحج في الباب المذكور بعد أن روى حديث أنس فلينظر فيه. قوله: (بسعايته)، أي: توليته قبض الخمس، وكل من تولى شيئا على قوم فهو ساع عليهم.
4352 حدثنا المكي بن إبراهيم عن ابن جريج قال عطاء قال جابر أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يقيم على إحرامه.
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا في مجيء علي من اليمن إلى الحج في حجة الوداع. وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث مضى في الحج في: باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بعين هذا الإسناد والمتن.
زاد محمد بن بكر عن ان جريج قال عطاء قال جابر فقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعايته قال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال وأهدى له علي هديا. أي: زاد محمد بن بكر البرساني في روايته عن ابن جريج إلى آخره، ومضى هذا في الحج في الباب المذكور بعد أن روى حديث أنس فلينظر فيه. قوله: (بسعايته)، أي: توليته قبض الخمس، وكل من تولى شيئا على قوم فهو ساع عليهم.
4354 ح دثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن حميد الطويل حدثنا بكر البصري أنه ذكر
9
ل ابن عمر أن أنسا حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة وحجة فقال أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وأهللنا به معه فلما قدمنا مكة قال من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم هدي فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا فقال النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت فإن معنا أهلك قال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال فأمسك فإن معنا هديا.
مطابقته للترجمة في قوله: (فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن)، وبكر هو ابن عبد الله المزني البصري. والحديث قد مر في الحج.
62
((غزوة ذي الخلصة))
أي هذا بيان غزوة ذي الخلصة، بفتح الخاء المعجمة واللام والصاد المهملة. وحكى ابن دريد فتح أوله وسكون ثانية، وحكى ابن هشام ضمهما، وقيل بفتح أوله وضم ثانيه، والأول أشهر. وفي بعض النسخ: باب غزوة ذي الخلصة، وهو اسم البيت الذي كان فيه الصنم، وقيل: اسم البيت الخلصة. واسم الصنم: ذو الخلصة، وقيل: هو اسم صنم لدوس سيعبد في آخر الزمان، ثبت في الحديث: لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخصلة. وفي (التلويح): الخلصة في اللغة نبات ينبت نبات الكرم له حب كعنب الثعلب. وله ورق أغبر رقاق مدورة واسعة وله ورد كورد الموز وهو أحمر كخرز العقيق ولا يؤكل ولكنه يرعى، وموضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم، ذكره المبرد عن أبي عبيدة وبعض الشارحين وهم فيه وقال: إنه كان في بلاد فارس، فافهم.
4355 حدثنا مسدد حدثنا خالد حدثنا بيان عن قيس عن جرير قال كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة فنفرت في مائة وخمسين راكبا فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فدعا لنا ولأحمس..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وخالد هو ابن عبد الله الطحان، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن بشر، بكسر الباء الموحدة، وقيس هو ابن أبي حازم، وجرير بن عبد الله البجلي، بفتح الباء الموحدة والجيم.
والحديث مضى في: باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق الواسطي عن خالد عن بيان... الخ بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك. وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الحميد عن خالد به.
قوله: (يقال له: ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية)، قال النووي: فيه إشكال إذ كانوا يقولون له: الكعبة اليمانية، فقط، وأما الكعبة الشامية فهي الكعبة المعظمة التي بمكة، فلا بد من التأويل بأن يقال: كان يقال له: الكعبة اليمانية، والتي بمكة الكعبة الشامية، وقال: ذكر الشامية غلط. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون الكعبة مبتدأ. وقوله: (الشامية). خبره والجملة حال، ومعناها: أن الكعبة هي الشامية لا غير، وعند مسلم: وكان يقال له: الكعبة اليمانية والشامية، قال السهيلي: وهذا مشكل، ومعناه: كان يقال له: الكعبة والكعبة الشامية البيت، فزيادة: له، في الحديث سهو وبإسقاطه يصح المعنى، قاله بعض النحويين، وقال: وليس هو عندي بسهو وإنما معناه: وكان يقال له، أي: يقال من أجله الكعبة اليمانية، وله بمعنى: من أجله، لا ينكر في العربية وقال عياض: وفي بعض الروايات: والكعبة اليمانية الشامية، بغير واو، وقال: وفيه إبهام، قال: والمعنى: كان يقال له تارة هكذا وتارة هكذا. قوله: (ألا تريحني) كلمة: ألا، بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتحضيض، وقيل: طلب يتضمن الأمر، وتريحني، من الإراحة بالراء والحاء المهملة والمرادا راحة القلب، وإنما خص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه
10
وكان هو من أشرافهم. قوله: (فنفرت)، أي: خرجت مسرعا. قوله: (فكسرناه)، أي: البيت. قوله: (ولأحمس) على وزن أحمر بالمهملتين، وأحمس أخو بخيلة، رهط جرير رضي الله تعالى عنه، ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار، وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة، وقبيلة أخرى يقال لها: أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وليست هذه بمراده ههنا.
4355 حدثنا مسدد حدثنا خالد حدثنا بيان عن قيس عن جرير قال كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة فنفرت في مائة وخمسين راكبا فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فدعا لنا ولأحمس..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وخالد هو ابن عبد الله الطحان، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن بشر، بكسر الباء الموحدة، وقيس هو ابن أبي حازم، وجرير بن عبد الله البجلي، بفتح الباء الموحدة والجيم.
والحديث مضى في: باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق الواسطي عن خالد عن بيان... الخ بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك. وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الحميد عن خالد به.
قوله: (يقال له: ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية)، قال النووي: فيه إشكال إذ كانوا يقولون له: الكعبة اليمانية، فقط، وأما الكعبة الشامية فهي الكعبة المعظمة التي بمكة، فلا بد من التأويل بأن يقال: كان يقال له: الكعبة اليمانية، والتي بمكة الكعبة الشامية، وقال: ذكر الشامية غلط. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون الكعبة مبتدأ. وقوله: (الشامية). خبره والجملة حال، ومعناها: أن الكعبة هي الشامية لا غير، وعند مسلم: وكان يقال له: الكعبة اليمانية والشامية، قال السهيلي: وهذا مشكل، ومعناه: كان يقال له: الكعبة والكعبة الشامية البيت، فزيادة: له، في الحديث سهو وبإسقاطه يصح المعنى، قاله بعض النحويين، وقال: وليس هو عندي بسهو وإنما معناه: وكان يقال له، أي: يقال من أجله الكعبة اليمانية، وله بمعنى: من أجله، لا ينكر في العربية وقال عياض: وفي بعض الروايات: والكعبة اليمانية الشامية، بغير واو، وقال: وفيه إبهام، قال: والمعنى: كان يقال له تارة هكذا وتارة هكذا. قوله: (ألا تريحني) كلمة: ألا، بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتحضيض، وقيل: طلب يتضمن الأمر، وتريحني، من الإراحة بالراء والحاء المهملة والمرادا راحة القلب، وإنما خص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من أشرافهم. قوله: (فنفرت)، أي: خرجت مسرعا. قوله: (فكسرناه)، أي: البيت. قوله: (ولأحمس) على وزن أحمر بالمهملتين، وأحمس أخو بخيلة، رهط جرير رضي الله تعالى عنه، ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار، وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة، وقبيلة أخرى يقال لها: أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وليست هذه بمراده ههنا.
4356 ح دثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا إسماعيل حدثنا قيس قال قال لي جرير رضي الله عنه قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة وكان بيتا في خثعم يسمى الكعبة اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري حتى رأيت أثر
أصابعه في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها فكسرها وحرقها ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول جرير والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي عن قيس بن أبي حازم. والحديث مضى في الجهاد في: باب البشارة في الفتوح بعين هذا الإسناد.
قوله: (في خثعم) بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة: قبيلة باليمن، وقال الرشاطي: هو أقبل بن أنمار بن أرش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان، وقال ابن الكلبي عن أبيه: إنما سمي: أقبل، بخثعم بجمل له يقال له: خثعم. قوله: (جمل أجرب) بالجيم والباء الموحدة وهو كناية عن إزالة بهجتها وإذهاب زينتها. وقال الخطابي: المراد ها صارت مثل الجمل المطلي بالقطران من جربه، يعني: صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق، وروى عن مسدد: أجوف، بالواو والفاء بدل: أجرب، فإن صحت الرواية فمعناه: صارت خالية لا شيء فيها.
4357 ح دثنا يوسف بن موسى أخبرنا أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة فقلت بلى فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فما وقعت عن فرس بعد قال وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد يقال له الكعبة قال فأتاها فحرقها بالنار وكسرها قال ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك قال فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال لتكسرنها ولتشهدن أن لا إلاه إلا الله أو لأضربن عنقك قال فكسرها وشهد ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بذلك فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبرك النبي صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات..
هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي، سكن بغداد، عن أبي
11
أسامة حماد بن أسامة إلى آخره. والحديث مضى في الجهاد في: باب حرق الدور والنخيل.
قوله: (فيه نصب)، بضمتين وسكون الصاد أيضا، وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويذبحون عليه، فيحمر بالدم ويعبدونه، والضمير في: فيه، يرجع إلى البيت. وفي قوله: (فأتاها) إلى ذي الخلصة. قوله: (فحرقها) يعني: ما فيها من الأخشاب. و: (كسرها) أي: هدما فيها من البناء. قوله: (يستقسم). أي: يطلب قسمة من الخير والشر بالقداح. قال الله تعالى: * (وأن تستقسموا بالأزلام) * (المائدة: 3) وليس هذا من القسم بمعنى: اليمين. قوله: (يضرب بها)، أي: بالأزلام. قوله: (وكسرها) أي: الأزلام وشهد أن لا إله إلا الله. قوله: (يكنى أبا أرطأة) بفتح الهمزة وسكون الراء وبالطاء بعدها التاء، واسمه: حصين بن ربيعة وقع مسمى في (صحيح مسلم) ووقع لبعض رواته: حسين، بسين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف، وقيل: اسمه حصن، بكسر الحاء وسكون الصاد، ومن الرواة من قلبه فقال: ربيعة بن حصين، ومنهم من سماه: أرطاة والصحيح: أبو أرطأة حصين بن ربيعة بن عامر بن الأزور وهو صحابي بجلي وليس له ذكر إلا في هذا الحديث. قوله: (فبرك)، بالتشديد أي: دعا بالبركة. قوله: (خمس مرات)، فإن قلت: في حديث أنس: كان إذا دعا عائلا. قلت: هذا يحمل على الغالب والزيادة عليه لمعنى اقتضى ذلك.
وفي الحديث من الفوائد الدالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان من الصور أو الجماد، والبشارة في الفتوح، وفضل ركوب الخيل في الحرب، وقبول خبر الواحد، والمبالغة في نكاية العدو وفيه: منقبة عظيمة لجرير رضي الله تعالى عنه، وفيه: بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
64
((غزوة ذات السلاسل))
أي: هذا بيان غزوة ذات السلاسل، وفي بعض النسخ: باب غزوة ذات السلاسل، وسميت هذه الغزوة بذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا. وقيل: لأن بها ماء يقال له: السلسل، وقال ابن سعد: هي ما وراء وادي القرى بينهما وبين المدينة عشرة أيام، قال: وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة، وقيل: كانت سنة سبع، والله أعلم.
وهي غزوة لخم وجذام قاله إسماعيل بن أبي خالد وقال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة هي بلاد بلي وعذرة وبنى القين.
أي: غزوة ذات السلاسل غزوة لخم، بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة: وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينسبون إلى لخم واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد، وقال الرشاطي: رأيت في نسب لخم وأخيه جذام وأختهما عاملة اختلافا كثيرا، وقال في باب الجيم: كان لخم وجذام أخوين فاقتتلا، وكا اسم لخم مالك بن عدي، واسم جذام عامر بن عدي فجذم مالك إصبع عامر فسمي جذاما، لأن أصبعه جذمت، ولخم عامر مالكا فسمى لخما، واللخمة اللطمة. قوله: (قال إسماعيل بن أبي خالد) واسم أبي خالد: سعد، ويقال: هرمز، ويقال: كثير الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي. قوله: (وقال ابن إسحاق) هو محمد بن إسحاق صاحب (المغازي) (عن يزيد) من الزيادة ابن رومان المدني، يروى عن عروة بن الزبير بن العوام. قوله: (هي بلاد بلي) أي: ذات السلاسل هي بلاد هؤلاء الثلاثة، أما بلي، بفتح الباء الموحدة وكسر اللام الخفيفة وياء النسبة، فهي قبيلة كبيرة ينبسون إلى بلي بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة، وقال ابن دريد: بلي، فعيل من قولهم: بلوا سفرا، أي:
نضوا سفرا، ومن قولهم: بلوت الرجل: إذا اختبرته، وأما (عذرة)، بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة: فهي قبيلة كبيرة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم، بضم اللام أب الحاف بن قضاعة، وقال ابن دريد: هو من عذرت الصبي وأعذرته: إذا ختنته، والعذرة أيضا دار يصيب الناس في حلوقهم، وأما (بنو القين) بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالنون: فهي قبيلة كبيرة ينسبون إلى القين بن جسر، وقال الرشاطي: القين هو النعمان بن جسر بن شيع الله، بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره عين مهملة: ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، قال ابن الكلبي: النعمان حضنه
12
عبد يقال له القين فغلب عليه. قال أبو جعفر: كل عبد عند العرب قين والأمة قينة والقين الحداد، وفي كتابه أيضا: قين وهو قين ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة.
4358 ح دثنا إسحاق أخبرنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت ومن الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم. (انظر الحديث 3662).
مطابقته للترجمة في قوله: (بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل) وسبب ذلك ما ذكره ابن سعد: أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدنية فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين وأمره أن يلحق بعمرو وأن لا يختلفا، فأراد أبو عبيدة أن يؤمهم فمنعه عمرو، وقال: إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير، فأطاع له أبو عبيدة، فصلى بهم عمرو، وسار عمرو حتى وطئ بلاد بلى وعذرة. وذكرا نب حبان هذا الحديث وفيه، فلقوا العدو فهزموهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، يعني: عمرو بن العاص أمير القوم.
وأما حديث الباب فأخرجه عن إسحاق هو ابن شاهين عن خالد بن عبد الله الطحان عن خالد بن مهران الحذاء عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي، وهذ مرسل، وجزم به الإسماعيلي.
قوله: (قال: فأتيته) أي: قال عمرو بن العاص: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية معلى بن منصور في مسلم: (قدمت من جيش ذات السلاسل فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم). قوله: (فسكت)، بتشديد تاء المتكلم هو عمرو بن العاص، وفي هذا الحديث جواز تأمير المفضول عند وجود الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية فإنه كان في هذا الجيش أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فلا يقتضي تأمير عمرو في هذا أفضليته عليهما ولكن يقتضي له فضلا في الجملة، وفي هذه الغزوة تيمم عمرو بن العاص مخافة البرد.
4359 ح دثنا عبد الله بن أبي شيبة العبسي حدثنا ابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال كنت بالبحر فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ذو عمرو لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ ثلاث وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألناهم فقالوا قبض رسول الله واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله ورجعا إلى اليمن فأخبرت أبا بكر
13
بحديثهم قال أفلا جئت بهم فلما كان بعد قال لي ذو عمرو يا جرير إن لك على كرامة وإني مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوك.
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن جريرا لما هد ذا الخلصة بعد شهوده حجة الوداع ذهب إلى اليمن ثم لما رجع، بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وعبد الله هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان الحافظ العبسي، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وهو شيخ مسلم أيضا، يروي عن عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم.
قوله: (ذا كلاع)، بفتح الكاف وتخفيف اللام واسمه: إسميفع، بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء وفي آخره عين مهملة، ويقال: إيفع بن باكوراء، ويقال: ابن حوشب بن عمر، وقال أبو عمرو: وأظنه من حمير، ويقال: إنه أب عمر كعب الأحبار يكنى أبا شرحبيل، ويقال: أبو شرحبيل كان ريئسا في قومه مطاعا متبوعا اسلم وكتب إليه صلى الله عليه وسلم في التعاون على الأسود ومسيلمة وطليحة وكان الرسول إليه جرير بن عبد الله البجلي فأسلم وخرج مع جرير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذو الكلام القائم بأمر معاوية في حرب صفين وقتل قبل انقضاء الحرب، ففرح معاوية بموته، وكان موته في سنة سبع وثلاثين. قال أبو عمرو. ولا أعلم لذي الكلاع صحبة أكثر من إسلامه واتباعه النبي صلى الله عليه وسلم، في حياته، وأظنه أحد الوفود عليه، والله أعلم، ولا أعلم له رواية إلا عن عمرو وعوف بن مالك، وقال أبو عمرو: وإنه أعتق عشرة آلاف أهل بيت. وقال ابن دريد: كان ذو الكلاع ادعى الربوبية في الجاهلية وأن إسلامه إنما كان أيام عمر رضي الله تعالى عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له مع جرير وجرير إنما قدم بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (وذا عمرو)، كان أحد ملوك اليمن، وقال أبو عمر: ذو عمر رجل من اليمن أقبل مع ذي الكلاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمين ومعهما جرير بن عبد الله البجلي، ويقال: كانا عزما على التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه. قوله: (أحدثهم)، إنما جمع الضمير باعتبار من كان معهما. قوله: (من أمر صاحبك) أراد بالصاحب النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (لقد مر على أجله منذ ثلاث) أراد إنه مات منذ ثلاثة أيام، قال الكرماني: فإن قلت: أين جزاء الشرط؟ قلت: جواب القسم جزاءا للشرط معنى. فإن قلت: الشرط شرطه أن يكون سببا للجزاء، وههنا ليس كذلك؟ قلت: هو متأول بالإخبار، إن تخبرني بذلك أخبرك بهذا، فالإخبار سبب للإخبار، وقال أيضا: إنما علم وفاته صلى الله عليه وسلم، إما بسماعه من
بعض القادمين من المدينة سرا، وإما أنه كان من المحدثين، وإما أنه كان في الجاهلية كاهنا، إنما أخبر بذلك عن اطلاع من الكتب القديمة لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم. قوله: (وأقبلا معي)، من كلام جرير، أي: أقبل ذو الكلاع وذو عمرو، يعني: متوجهين إلى المدينة. قوله: (فقالا) أي: ذو الكلاع وذو عمرو (أخبر صاحبك) أراد به: أبا بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (بحديثهم)، قد ذكرنا أن جمعه باعتبار اتباعهم أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان. قوله: (فلما كان بعد)، بضم الدال على البناء أي: بعد هذا الأمر. ولعله كان ذلك بعد أن هاجر ذو عمرو في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له: أن ذا الكلاع كا معه اثني عشر ألف بيت من مواليه، فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين، فقال ذو الكلاع: هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة. قوله: (كرامة) منصوب، قوله: (تآمرتم)، بمد الهمزة وتخفيف الميم، أي: تشاورتم، والائتمار المشاورة ويروى: (تأمرتم)، بالقصر وبتشديد الميم أي: أقمتم أميرا منكم عن رضى منكم أو عهد من الأول. قوله: (فإذا كانت)، أي: الإمارة: (بالسيف) أي: بالقهر والغلبة (كانوا ملوكا) أي: خلفاء، وهذا الكلام منه يدل على أن ذا عمر وله اطلاع على الأخبار من الكتب القديمة، لأنه يطابق حديث سفينة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا)، رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان.
14
66
((باب غزوة سيف البحر))
أي: هذا باب في بيان غزوة سيف البحر، بكسر السين المهملة وسكون الياء آحر الحروف وفي آخره فاء، وهو الساحل وليس في بعض النسخ لفظ: باب.
وهم يتلقون عيرا لقريش وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
لا بد من تقدير شيء قبل هذا ليتنظم الكلام، تقدير: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، بعثا قبل ساحل البحر فخرجوا وهم يتلقون عيرا، أي: يرصدون عيرا، وهكذا وقع في بعض الروايات: والعير، بكسر العين: الإبل التي تحمل الميرة، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر، وقيل: عبد الله بن عامر بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي الفهري، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة بالأردن من الشام، وبها قبره، وصلى عليه معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما.
4360 ح دثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة فخرجنا وكنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليل قليل حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة فقلت ما تغني عنكم تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منها القوم ثمان عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس. والحديث مر في الشركة في الطعام فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (قبل الساحل)، بكسر القاف وفتح الباه الموحدة، أي: جهته، وذكر ابن سعد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية، بفتح القاف والباء الموحدة: مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال، وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدا، وأن ذلك كان في شهر رجب سنة ثمان، وهذا لا يعارض ما في (الصحيح) لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة. قوله: (فخرجنا)، التفات من الغيبة إلى التكلم. قوله: (فكان مزودي تمر)، المزود: بكسر الميم، ما يجعل فيه الزاد. قوله: (يقوتنا) من قاته يقوته من الثلاثي المجرد، ويروى: يقوتنا، بضم الياء وتشديد الواو من: التقويت، والقوت ما يقوم به بدن الإنسان. قوله: (قليل قليل)، بدون الألف على اللغة الربيعية، والمشهور قليلا قليلا، بالنصب. قوله: (لقد وجدنا فقدها) أي: مؤثرا. قوله: (ثم انتهينا إلى البحر)، أي: إلى ساحل البحر. قوله: (فإذا حوت) كلمة: إذا، للمفاجأة، والحوت، اسم جنس لجميع السمك وقيل هو مخصوص بما عظم منها. قوله: (مثل الظرب)، بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء: وهو الجبل الصغير، ووقع في بعض النسخ بالضاد المعجمة، حكاه ابن التين، والأول أصوب وقال الفراء: هو بسكون الراء إذا كان منبسطا ليس بالعالي، وفي رواية أبي الزبير: فوقع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر. قوله: (بضلعين)، الضلع بكسر الضاد وفتح اللام.
4361 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال الذي حفظناه من عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح
15
نرصد عير قريش فأقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمي ذالك الجيش جيش الخبط فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منه نصف شهر وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه فعمد إلى أطول رجل معه قال سفيان مرة ضلعا من أضلاعه فنصبه وأخذ رجلا وبعيرا فمر تحته قال جابر وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم إن أبا عبيدة نهاه وكان عمرو يقول أخبرنا أبو صالح أن قيس بن سعد قال لأبيه كنت في الجيش فجاعوا قال انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قال انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قال انحر قال نحرت ثم جاعوا قال انحر قال نهيت..
هذا طريق آخر من حديث جابر. وسفيان هو ابن عيينة.
قوله: (ثلاثمائة راكب)، بالنصب بدل من قوله: بعثنا. قوله: (أميرنا أبو عبيدة) جملة اسمية وقعت حالا بدون الواو كما في كلمته: فوه إلى في. قوله: (الخبط)، بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة، وهو ورق السلم، يقال: خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط من ورقها، وفي رواية أبي الزبير: وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله، وهذا يدل على أنه كان يابسا، ويرد بهذا ما قاله الداودي: إنه كان رطبا. قوله: (نصف شهر)، سيأتي: ثمان عشرة ليلة، وفي رواية أبي الزبير: فأقمنا عليها شهرا، والجمع بين هذه الروايات: أن الذي قال: ثمان عشرة، ضبط ما لم يضبطه غيره، وأن من قال: نصف شهر، ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام، ومن قال: شهرا، جبر الكسر أو ضم بقية المدة التي قبل وجدانهم الحوت إليها، ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة، وقال ابن التين: إحدى الروايتين في البخاري وهم. قوله: (من ودكه)، بفتح الواو والدال المهملة: وهو من اللحم والشحم ما يتحلب منه. قوله: (فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه) كذا في رواية الأكثرين. وفي رواية المستملي: من أعضائه، والصواب هو الأول لأن سفيان قال مرة: ضلعا من أعضائه، فدل على أن الرواية الأولى: من أضلاعه. قوله: (وثابت)، بالثاء المثلثة أي: رجعت أجسامنا إلى ما كانت عليه من القوة والسمن. قوله: (وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر) أي: عندما جاعوا، والجزائر جمع جزور، وهو البعير ذكرا كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة تقول: هي الجزور وإن أردت ذكرا. قوله: (وكان عمرو)، هو ابن دينار، (وأبو صالح) ذكوان السمان. قوله: (أن قيس بن سعد) إلى آخره، مرسل لأن عمرو بن دينار لم يدرك زمان تحديث قيس لأبيه لكنه في (مسند الحميدي) موصول أخرجه أبو نعيم في (المستخرج) من طريقه ولفظه: عن أبي صالح عن قيس بن سعد بن عبادة، قال: قلت لأبي وكنت في ذلك الجيش جيش الخبط فأصاب الناس جوع، قال لي: أنحر! قلت: نحرت. فذكره. قوله: (نهيت)، على صيغة المجهول والناهي هو أبو عبيدة.
4362 ح دثنا مسدد حدثنا يح يى عن ابن جريج قال أخبرني عمرو أنه سمع جابرا رضي الله عنه يقول غزونا جيش الخبط وأمر أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول قال أبو عبيدة كلوا فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فآتاه بعضهم فأكله..
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عمرو بن دينار... الخ.
قوله: (أمر)، بضم الهمزة وتشديد الميم المكسورة على صيغة المجهول، وفي رواية ابن عيينة عند
16
مسلم: وأميرنا أبو عبيدة. قوله: (فأخبرني أبو الزبير)، القائل هو ابن جريج، وهو موصول بالإسناد المذكور، وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي. قوله: (فأتاه)، بالمد أي: فأعطاه، وفي رواية ابن السكن: فآتاه بعضهم بعضو منه فأكله، قال عياض: هو الوجه، وفي رواية أحمد من طريق ابن جريج الذي أخرجه البخاري: فكان معنا في شيء فأرسل به إليه بعض القوم فأكل منه. فإن قلت: وقع في رواية أبي حمزة عن جابر عن ابن عساكر: فلما قدموا ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا منه فما الوجه بين هذه وبين رواية أبي الزبير؟ قلت: وجه ذلك أن رواية أبي حمزة تحمل على أنه قال ذلك ازديادا منه بعد أن أحضروا له منه، وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه.
وفي الحديث: أن ميتة الحوت تؤكل. وفيه: مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة. وفيه: أن الاجتماع على الطعام يستدعي البركة فيه.
67
((حج أبي بكر بالناس في سنة تسع))
أي: هذا بيان حج أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، بالناس. قوله: حج أبي بكر، مضاف ومضاف إليه مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: في سنة تسع، أي: كان، أو: وقع في سنة تسع من الهجرة، ويجوز أن يكون لفظ: حج فعلا ماضيا، فيقال: حج أبو بكر، ويكون: أبو بكر، فاعله ولم يختلف في أن حجه كان في سنة تسع، ولكنهم اختلفوا في أي شهر حج أبو بكر، فذكر ابن سعد وغيره بإسناد صحيح عن مجاهد: أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة، ومنهم من قال: إن حجته كانت في ذي الحجة، ومنهم من لم يبين ذلك، وقال الواقدي: إنه خرج في تلك الحجة مع أبي بكر ثلاثمائة من الصحابة، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة. وذهب جماعة إلى أن حج أبي بكر هذا لم يسقط عنه الفرض بل كان تطوعا قبل فرض الحج.
4363 ح دثنا سليمان بن داود أبو الربيع حدثنا فليح عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
مطابقته للترجمة ظاهرة وسليمان بن داود أبو الربيع ضد الخريف العتكي الزهراني البصري، وفليح، بضم الفاء: ابن سليمان، وكان اسمه: عبد الملك وفليح لقبه فغلب على اسمه والحديث مضى في الحج في: باب لا يطوف بالبيت عريان، فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن ابن شهاب وهو الزهري عن حميد بن عبد الرحمن... الخ، وقد مضى الكلام فيه هناك.
4364 ح دثني عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال آخر سورة نزلت كاملة براءة وآخر سورة نزلت خاتمة سورة النساء * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (النساء: 176).
مطابقته للترجمة من حيث إن براءة نزلت وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه، على الحج، فقيل: لو بعث بها إلى أبي بكر فقال: لا يؤدي
عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا عليا، فقال: أخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى.. الحديث رواه ابن إسحاق. وقال الكرماني: وجه تعلقه بالترجمة مناسبة الآية التي في براءة وهي قوله تعالى: * (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * (براءة: 28) لما وقع في حجته، وكل من الوجهين لا يخلو عن تعسف مع أن الأول أقرب.
وعبد الله بن رجاء ضد الخوف ابن المثنى الغداني البصري، وربما يروى عنه البخاري بواسطة، وإسرائيل هو ابن يونس يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن عبيد
17
الله بن موسى.
قوله: (كاملة) قال الداودي: لفظ: كاملة، ليس بشيء لأن براءة نزلت شيئا بعد شيء. قلت: ولهذا لم يذكر لفظ: كاملة، في هذا الحديث في التفسير، ولفظه هناك: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت يستفتونك وذكر النحاس عن ابن عباس: آخر سورة نزلت: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (النصر: 10) وسيأتي في التفسير عن ابن عباس: أن آخر آية نزلت آية الربا، وآخر سورة نزلت... الخ قال الكرماني: يستفتونك، ليس آخر سورة نزلت، بل آخر آية من السورة كما صرح به في التفسير، ثم قال: المراد من السورة فيه القطعة من القرآن أو الإضافة فيهما بمعنى من البيانية نحو شجر أراك، أي: آخر من سورة، أو بمعنى: من البيانية نحو شجر أراك، أي: آخر من سورة، أو بمعنى: من، التبعضية أي: الآخر بعض السورة. قلت: لفظ الحديث في (الأطراف) للحافظ المزي: وآخر آية نزلت، وهو الصواب فلا يحتاج إلى هذه التعسفات.
68
((وفد بني تميم))
أي: هذا بيان وفد بني تميم. وهو ابن مر بن اد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار، وشرع البخاري من هنا في بيان الوفود، وذكر ابن إسحاق أن أشراف بين تميم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عطارد بن حاجب الدارمي، والأقرع وعيينة شهدا الفتح ثم كانا مع نبي تميم. فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته، فيهم: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) * إلى قوله: * (غفور رحيم) * (الحجرات: 4 5) فأسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل اثني عشرة أوقية ونشأ وأعطى لعمر بن الأهتم خمس أواق لحداثة سنة، وكان هذا قبل الفتح.
4365 ح دثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي صخرة عن صفوان بن محرز المازني عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال أتى نفر من بني تميم النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا يا رسول الله قد بشرتنا فأعطنا فرىء ذلك في وجهه فجاء نفر اليمن فقال اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري، وأبو صخرة، بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة: واسمه جامع بن شداد، بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال: المحاربي الأسدي الكوفي، وصفوان بن محرز على صيغة اسم الفاعل من الأحراز بالحاء المهملة والراء والزاي. والحديث مر في أول كتاب بدء الخلق بأتم منه، ومر الكلام فيه هناك، فافهم.
69
((باب))
أي: هذا باب، ولا يعرب إلا بهذا التقدير: لأن الإعراب لا يكون إلا بالعقد والتركيب، وهذا كالفصل لما قبله.
قال ابن إسحاق غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبري من بني تميم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأغار وأصاب منهم ناسا وسبى منهم نساء.
أي: قال محمد بن إسحاق صاحب (المغازي). قوله: غزوة، مصدر مضاف إلى فاعله، ومفعوله هو قوله: بني العنبر من بني تميم، وعنبر هو ابن عمرو بن تميم، وقد مر أن تميم هو ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وذكر الواقدي، رحمه الله: أن سبب بعث عيينة هو أن بني تميم أغاروا على ناس من خزاعة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عيينة بن حصن في خمسين ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري، فاسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيا، فقدم رؤساؤهم بسبب ذلك، قال ابن سعد: كان ذلك في المحرم سنة تسع.
18
363 - (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعته من رسول الله
يقولها فيهم هم أشد أمتي على الدجال وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قوم أو قومي)
مطابقته للترجمة المذكورة قبل لفظ الباب المجرد عن الترجمة من حيث أن فيه ذكر تميم ومدحهم وجرير بن عبد الحميد وأبو زرعة هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي * والحديث مضى في كتاب العتق في باب من ملك من العرب رقيقا بعين هذا الإسناد وبإسناد آخر قوله ' بعد ثلاث ' أي بعد ثلاثة أشياء من الخصال قوله ' سمعته ' صفة لقوله ثلاث قوله ' يقولها ' تأنيث الضمير فيه باعتبار معنى الثلاث وفي سمعته باعتبار اللفظ قوله ' هم أشد أمتي ' أول الثلاث قوله ' وكانت فيهم ' ثانيها وفي
رواية الكشميهني منهم وحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض قوله ' سبية ' بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف أو بسكونها بهمزة مفتوحة أي جارية سبيئة بمعنى مسبوءة قوله ' وجاءت صدقاتهم ' ثالثها قوله ' قوم ' بالكسر بلا تنوين لأنه قد حذف منه ياء المتكلم أو قومي شك من الراوي وفي رواية أبي يعلى عن زهير بن حرب شيخ البخاري فيه صدقات قومي بلا تردد * -
4367 ح دثني إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد بن زرارة قال عمر بل أمر الأقرع بن حابس قال أبو بكر ما أردت إلا خلافي قال عمر ما أردت خلافك فتمار يا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذالك * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * (الحجرات: 1) حتى انقضت..
مطابقته لما قبله ظاهرة. وإبراهيم بن موسى بن يزيد أبو إسحاق الفراء الرازي. وهشام بن يوسف الصنعاني، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله التميمي الأحول المكي القاضي على عهد عبد الله بن الزبير.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن الحسن بن محمد وعن بسرة بن صفوان. وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن المثنى. وأخرجه النسفي فيه وفي القضاء عن الحسن بن محمد الزعفراني به.
قوله: (أمر) بتشديد الميم: أمر من التأمير، و: (القعقاع بن معبد) بفتح الميم والباء الموحدة: ابن زرارة ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي، أحد وفد بني تميم، وإنما أشار أبو بكر بتأمير القعقاع لأنه كان أرق من الأقرع، وأشار عمر بالأقرع لأنه كان أحرى من القعقاع، وكل أراد خيرا. قوله: (فتماريا) التماري هو: المجادلة والمخاصمة. قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله، واتقوا الله إن الله سميع عليم) * (الحجرات: 1) ومعنى: لا تقدموا لا تقطعوا أمرا إلا بعد ما يحكم الله ورسوله ويأذنان فيه فتكونوا إما عاملين بالوحي، وإما مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه يدور تفسير ابن عباس: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. وقال عطية: لا تكلموا بين يدي كلامه، وحذف المفعول ليفيد شموله لكل ما يخطر بالبال مما تقدم. قوله: (بين يدي الله ورسوله)، من باب التمثيل وحقيقته من قولهم: جلست بين يدي فلان، أن تجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله، فسميت الجهتان: يدين، لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه قوله: (إن الله سميع عليم)، سميع بأقوالكم عليم بأفعالكم قوله: (حتى انقضت) أي: الآية إلى قوله: * (وأنتم لا تشعرون) * (الحجرات: 1).
19
70
((باب وفد عبد القيس))
أي: هذا باب في بيان وفد عبد القيس، وهي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين وينسبون إلى عبد القيس بن أفصى، بفتح الهمزة وسكون الفاء وبالصاد المهملة على وزن أعمى بن دعمي، بضم الدال المهملة وسكون العين المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف: ابن جديلة، بفتح الجيم على وزن كبيرة ابن أسد بن ربيعة بن نزار، وكانت قريتهم بالبحرين أول قرية أقيمت فيها الجمعة بعد المدينة تسمى جواثى، بضم الجيم وتخفيف الواو والثاء المثلثة، وكان عدد هؤلاء الوفد ثلاثة عشر رجلا في سنة خمس أو قبلها، وقال ابن إسحاق: وكان قدوم وفد عبد القيس قبل الفتح.
4368 ح دثني إسحاق أخبرنا أبو عامر العقدي حدثنا قرة عن أبي جمرة قلت ل ابن عباس رضي الله عنهما إن لي جرة ينتبذ لي فيها نبيذ فأشربه حلوا في جر إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح فقال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مرحبا بالقوم غير خزايا ولا الندامى فقالوا يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين من مضر وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم حدثنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو به من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله هل تدرون ما الإيمان الله شهادة أن لا إلاه إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس وأنهاكم عن أربع ما انتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه، وأبو عامر عبد الملك بن عمر والعقدي، وقرة، بضم القاف وتشديد الراء هو ابن خالد السدوسي، وأبو جمرة، بفتح الجيم والراء: نصر بن عمران الضبعي البصري.
والحديث مر في كتاب الإيمان في: باب أداء الخمس من الإيمان، بأتم منه.
قوله: (إن لي جرة)، ويروى: إن لي جارية، فإن صحت هذه الرواية فقوله: تنتبذ، بتاء المضارعة للمؤنث، وعلى الرواية المشهورة تكون: ننتبذ، بنون المتكلم. قوله: (في جر)، يتعلق بمحذوف هو صفة جرة المذكورة تقديره إن لي جرة كانت في جملة جرار، وقال الجوهري: الجرة من الخزف والجمع جرر وجرار. قوله: (خشيت) جواب: إن، معناه: إن أكثرت من نبيذ الجر فجالست الناس وطال جلوسي خشيت أن افتضح، لما أكاد تشتبه أفعالي وأقوالي بالسكارى، ومعنى البقية قد مر في الباب المذكور.
4369 ح دثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أبي جمرة قال سمعت ابن عباس يقول قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نخلص إليك إلا في شهر حرام فمرنا بأشياء نأخذ بها وندعوا إليها من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله شهادة أن لا إلاه إلا الله وعقد واحدة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء والنقير والخنتم والمزفت..
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس. قوله: (من ربيعة)، هو ابن نزار بن معد بن عدنان، قال الرشاطي: ربيعة هذا شعب واسع فإنه قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ قوله: (إنا هذا الحي)، أراد به عبد القيس، وأسقط في هذا: صوم رمضان، لأن الظاهر أن القصة وقعت مرتين، ففي المرة الأولى ذكر ما الأمر فيه أهم بالنسبة إليهم أو نسيه الراوي.
20
4370 ح دثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أخبرني عمرو وقال بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير أن كريبا مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس وعبد الرحمان ابن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالوا اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد العصر وإنا أخبرنا أنك تصليهما وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها قال ابن عباس وكنت أضرب مع عمر الناس عنهما قال كريب فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني فقالت سل أم سلمة فأخبرتهم فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني إلى عائشة فقالت أم سلمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما وإنه صلى العصر ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما فأرسلت إليه الخادم فقلت قومي إلى جنبه فقولي تقول أم سلمة يا رسول الله ألم أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين فأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان. (انظر الحديث 1233).
مطابقته للترجمة في قوله: (أتاني أناس من عبد القيس) ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي. سكن مصر، يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن عمرو بن الحارث.
وأخرج البخاري هذا الحديث في أواخر الصلاة في: باب إذا كلمه وهو يصلي، عن يحيى المذكور، فقال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني بن وهب المصري، قال: أخبرني عمرو بن كريب: أن ابن عباس والمسور ابن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه الحديث. وهنا أخرجه بهذا الإسناد أيضا. وأخرجه أيضا معلقا بقوله: وقال بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن كريب إلى آخره، ووصل الطحاوي هذا التعليق من طريق عبد الله بن صالح عن بكر بن مضر إلى آخره.
وبكر، بفتح الباء الموحدة: ابن مضر، بضم الميم: ابن محمد القرشي المصري، وبكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي.
قوله: (وإنا أخبرنا)، بضم الهمزة وسكون الخاء على صيغة المجهول. قوله: (سل أم سلمة) بفتح اللام، واسمها: هند بنت أبي أمية المخزومية. قوله: (من بني حرام)، بفتح الحاء المهملة: وهو ابن كعب بن غنم بن كعب بن مسلمة بن سعد بن ساردة بن تزيد، بالتاء المثناة من فوق. ابن جشم بن الخزرج، وبقية الكلام مرت في الباب المذكور.
4371 ح دثنا عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا أبو عامر عبد الملك حدثنا إبراهيم هو ابن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثي يعني قرية من البحرين. (انظر الحديث 892).
ذكر هذا هنا لأجل ذكر عبد القيس فيه، وفيه فضيلة لعبد القيس أيضا، وأبو جمرة بالجيم مر عن قريب، وجواثي، بضم الجيم وتخفيف الواو وفتح الثاء المثلثة مقصورا: حصن قريب من البصرة، والبحرين موضع بساحل بحر عمان.
71
((باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال))
أي هذا باب في بيان وفد بني حنيفة، وحنيفة هو ابن لجيم بالجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن، وثمامة، بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم: ابن أثال، بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة: ابن النعمان بن
21
مسلمة الحنفي، وهو من فضلاء الصحابة، وكانت قصته قبل وفد بني حنيفة بزمان، فإنها كانت قبل فتح مكة، فلا وجه لذكرها ها ههنا فقيل: ذكرها ها ههنا استطرادا وليس بشيء.
4372 ح دثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك حتى كان الغد ثم قال له ماذا عندك يا ثمامة قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك فقال أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي والله ما كان من دين ابغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا والله ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ظاهرة وسعيد بن أبي سعيد المقبري واسم أبي سعيد كيسان المديني وقد مر غير مرة، والحديث مر مختصرا في: باب الصلاة في: باب الاغتسال، إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد بهذا الإسناد بعينه.
قوله: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا) أي: فرسان خيل، وهذا من ألطف المجازات وأحسنها. قوله: (قبل نجد)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي: جهتها قوله: (فجاءت برجل)، يعني: أسروه وجاؤوا به وزعم سيف في (كتاب الردة) إن الذي أسره العباس بن عبد المطلب، ورد عليه بأن العباس: إنما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في زمان فتح مكة، وقصة ثمامة قبل ذلك. قوله: (ماذا عندك؟) أي: أي شيء عندك؟ وقال بعضهم: يحتمل أن تكون: ما استفهامية، و: ذا، موصولة، وعندك، صلته أي: ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك؟ انتهى. قلت: هذا يأتي على أوجه. الأول: أن تكون: ما استفهامية، وذا، إشارة نحو: ماذا الوقوف؟ الثاني: أن تكون ما استفهامية، و: ذا، موصولة بدليل افتقاره للجملة بعده الثالث: أن تكون: ماذا، كله استفهاما على التركيب كقولك: لماذا جئت؟ الرابع: أن تكون: ماذا، كله اسم جنس بمعنى: شيء، أو موصولا بمعنى: الذي الخامس: أن تكون: ماذا زائدة و: ذا للإشارة. السادس: أن تكون: ما، استفهاما و: ذا، زائدة على خلاف فيه. قوله: (عندي خير)، يعني: لست أنت ممن تظلم بل أنت تعفو وتحسن. قوله: (ذا دم)، بالدال المهملة وتخفيف الميم عند الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بالذال المعجمة وتشديد الميم، وقال النووي: معنى الأول: إن تقتل تقتل ذا دم، أي: صاحب دم لأجل دمه، ومعنى الثاني: ذا ذمة، وكذلك وقع في رواية أبي داود، ورده عياض: لأنه ينقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله، فوجهه النووي: بأن المراد بالذمة الحرمة في قومه. قوله: (حتى كان الغد)، ويروى فترك حتى كان الغد، وإنما ذكر في اليوم الأول شيئين، لأن أحدهما: أشق الأمرين. وهو القتل. والآخر: أشقى الأمرين واقتصر في اليوم الثاني على الشيء الثاني لأجل الاستعطاف، وطلب الإنعام واقتصر في اليوم الثالث على الإجمال تفويضا
22
إلى جميل خلقه صلى الله عليه وسلم. قوله: (أطلقوا ثمامة)، وفي رواية قال: قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقك. قوله: (إلى نخل)، بالخاء المعجمة وفي كتاب الصلاة: بالجيم، وهو الماء، قاله الكرماني. قوله: (وبشره)، أي: بخير الدنيا والآخرة. قوله: (صبوت)، أي: ملت إلى دين غير دينك. قوله: (قال: لا)، أي: لا صبوت من الدين، لأن عبادة الأوثان ليست بدين حتى إذا تركتها أكون خارجا من دين بل دخلت في دين الإسلام و (أسلمت مع محمد) بمعنى: وافقته على دين الحق فصرنا متصاحبين في الإسلام، وفي رواية ابن هشام: ولكن تبعت خير الدين دين محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم) أي: إلى أن يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال ابن هشام: ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة: أن تخلى بينهم وبين الحمل إليهم.
4373 ح دثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن عبد الله بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت وهذا ثابت يجيبك عني ثم انصرف عنه. قال ابن عباس فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك اري الذي أريت فيه ما رأيت فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي أحدهما العنسي والآخر مسيلمة..
مطابقته للجزء الأول للترجمة لأن مسيلمة قدم في وفد نبي حنيفة: وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة، وقد تكرر ذكرهما، وعبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث النوفلي، تابعي صغير مشهور نسب هنا إلى جده، ونافع بن جبير بن مطعم بن مهدي بن نوف بن عبد مناف القرشي المدني، مات في خلافة سليمان بن عبد الملك.
والحديث مضى بهذا الإسناد في: باب علامات النبوة ومضى الكلام فيه هناك، ونذكر بعض شيء وإن كان في بعضه تكرار.
قوله: (قدم) إلى المدينة (مسيلمة) تصغير مسلمة ابن ثمامة بن بكير، بالباء الموحدة: ابن حبيب بن الحارث من بني حنيفة، قال ابن إسحاق: ادعى النبوة سنة عشر وقدم مع قومه وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا منه جائزته، وأنه قال لهم: إنه ليس بشركم، وأن مسيلمة لما ادعى أنه أشرك النبوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، احتج بهذه المقالة. قيل: هذا شاذ ضعيف السند لانقطاعه، فكيف يوافق ما في (الصحيح) أن النبي صلى الله عليه وسلم، اجتمع به وخاطبه بما ذكره في الحديث؟ ثم وفق بينهما بأن يكون له القدوم مرتين: مرة تابعا، ومرة متبوعا، فإن قيل: القصة واحدة، قيل له: كانت إقامته في رحالهم باختياره أنفة واستكبارا أن يحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وعامله النبي صلى الله عليه وسلم، معاملة الكرم على عادته في الاستئلاف. ومعنى قوله: (إنه ليس بشركم) أي: مكانا، لكونه كان يحفظ رحالهم، وأراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل، فلما لم يفد في مسيلمة توجه بنفسه إليه ليقيم عليه الحجة. قوله: (إن جعل لي محمد)، أي: الخلافة، ويروى: (إن جعل لي محمد الأمر)، وهذا هو الأشهر. قوله: (وقدمها)، أي: المدينة (في بشر كثير) وقال الواقدي: كان معه من قومه سبعة شعر نفسا. قوله: (ولن تعدو)، بالنصب في رواية الأكثرين، وروى
23
بعضهم: (لن تعدو)، بالجزم على لغة من يجزم: بلن، والمراد بأمر الله: حكمه بأنه كذاب مقتول جهنمي قوله: (ولئن أدبرت) أي: خالفت الحق (ليعقرنك الله) أي: ليهلنك. قوله: (أريت)، على صيغة المجهول من رؤيا المنام قوله: (وهذا ثابت يجيبك عني) لأنه كان خطيب الأنصار قوله: (فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) المفعول محذوف يفسره قوله: (فأخبرني أبو هريرة) لأن هذا الحديث، رواه ابن عباس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم. قوله: (بينا)، قد مر غير مرة أن أصله: بين، فزيدت فيه: الألف والميم، أيضا في بعض المواضع، ويضاف إلى الجملة. قوله: (رأيت)، جوابه قوله: (من ذهب) كلمة:
من، بيانية. قوله: (إن أنفخهما)، بالخاء المعجمة قوله: (العنسي)، بفتح العين المهملة وسكون النون وبالسين المهملة: نسبة إلى عنس وهو زيد بن مالك بن أدد، ومالك هو جماع مذحج، وقال ابن دريد: العنس الناقة الصلبة، وأراد بالعنسي: الأسود، ولقبه: عبهلة من قولهم: عبهل الأمر أهمله، وقال ابن إسحاق: خرج بصنعاء وعليها المهاجرين أبي أمية، وكان أول ما ضل به عدو الله أنه مر به حمار فلما انتهى إليه عثر لوجهه. فقال، لعنه الله: سجد لي ولم يقم الحمار حتى قال له عدو الله: شأ، فقام، وقتل بعمدان وحمل رأسه وسلبه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: شأ، بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة، وهي كلمة تستعمل عند دعاء الحمار، ومنهم من يقول: كان ذلك في خلافة أبي بكر، والله أعلم. وعن فيروز: خرج الأسود في عامة حج بعد حجة الوداع وكان كاهنا مشعبذا يريهم الأعاجيب، وكان يسبي قلوب من يسمع نطقه معه شيطان وتابع له، وخرج على مالك اليمن فقتله ونكح امرأته وملك بلاده ولم يكاتب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه وصفا له ملك اليمن، وقال عروة: أصيب الأسود قبل وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوم أو ليلة، وعن ابن عباس: جاءه خبر الأسود من ليلته وجاءته الرسل صبيحة ليلة قبضه صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أتاه الخبر من السماء في لليلة التي قتل فيها الأسود فبشرنا به، وقال: قتله البارحة رجل مبارك من أهل بيت مباركين، قيل: ومن هو؟ قال: فيروز، وقال: دخل عليه فيروز فقال له: ما تقول؟ فإن محمدا يزعم أنه ليس إلا إله واحد؟ قال الأسود: بل هو آلهة كثيرة، فقال: ابسط يدك أبايعك! فلما بسط يده مد فيروز يده وأخذ بعنقه فقتله، وقال عبيد بن صخر: كان بين أول أمره وآخره ثلاثة أشهر.
4375 ح دثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فذهبا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر مسلمة الكذاب من حيث التضمن في قوله: (وصاحب اليمامة). وهمام هو ابن منبه ابن كامل اليماني الأنباري.
والحديث أخرجه البخاري أضا تعبير الرؤيا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. وأخرجه مسلم في الرؤيا عن محمد بن رافع.
قوله: (كبر على)، بضم الباء الموحدة على صيغة الإفراد، أي: عظم وثقل، ويروى: (كبرا)، بالتثنية. قوله: (صاحب صنعاء) بفتح الصاد المهملة وسكون النون وبالمد: قاعدة اليمن ومدينتها العظمى وصاحبها الأسود العنسي، واليمامة: مدينة باليمن على مرحلتين من الطائف وصاحبها مسيلمة الكذاب، لعنه الله تعالى.
4376 ح دثنا الصلت بن محمد قال سمعت مهدي بن ميمون قال سمعت أبا رجاء العطاردي يقول كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا ننصل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه شهر رجب.
24
وسمعت أبا رجاء يقول كنت يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم غلاما أرعى الإبل على أهلي فلما سمعنا بخروجه فررنا إلى النار إلى مسيلمة الكذاب.
مطابقته للترجمة في قوله: (مسيلمة الكذاب) والصلت، بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن محمد بن عبد الرحمن الخاركي، بالخاء المعجمة: البصري الثقة، وأبو رجاء ضد الخوف عمران بن ملحان العطاردي، بالضم: نسبة إلى عطارد بطن من تميم، أسلم زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وهذا لا يحسب من الثلاثيات لأنه لم ير وحديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل حكى عن حاله فقط بخروجه أي: بظهوره على قومه من قريش بفتح مكة، وليس المراد منه مبدأ ظهوره، بالنبوة ولا خروجه من مكة إلى المدينة.
قوله: (هو أخير)، بمعنى: خير، وليس بمعنى: أفعل التفضيل، وفي رواية الكشميهني: أحسن. بدل: أخبر، والمراد بالخيرية الحسية من كونه أشد بياضا أو نعومة ونحو ذلك من صفاة الحجارة المستحسنة. قوله: (جثوة)، بضم الجيم وسكون الثاء المثلثة: وهي القطعة من التراب يجمع فيصير كوما ويجمع على جثي. قوله: (فحلبنا عليه)، أي: على التراب، والحلب على التراب إما حقيقة وإما مجاز عن التقرب إليه بصدقة له. قوله: (ننصل الأسنة) بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر الصاد المهملة. يقال: أنصلت الرمح: إذا نزعت منه سنانة، ونصلته إذا جعلت له نصلا، وفي رواية الكشميهني بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الصاد، وكانوا ينزعون الحديد من السلاح إذا دخل شهر رجب لترك القتال فيه لتعظيمه قوله: (فلا ندع) إلى قوله: (وسمعت) تفسير لقوله: (ننصل الأسنة) وهو جمع سنان. قوله: (شهر رجب)، أي: في شهر رجب، ويروى: لشهر رجب.
قوله: (وسمعت أبا رجاء)... الخ حديث آخر متصل بالإسناد المذكور، وفاعل: سمعت، مهدي بن ميمون الراوي قوله: (إلى مسيلمة الكذاب) بدل من قوله: (إلى النار) بتكرير العامل. والله أعلم.
71
((قصة الأسود العنسي))
أي: هذه قصة الأسود العنسي، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
4378 ح دثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن عبيدة بن نشيط وكان في موضع آخر اسمه عبد الله أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث وكانت تحته بنت الحارث بن كريز وهي أم عبد الله بن عامر فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وهو الذي يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه فقال له مسيلمة
إن شئح خليت بيننا وبين الأمر ثم جعلته لنا بحدك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت وهذا ثابت بن قيس وسيجيبك عني فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبيد الله بن عبد الله سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكر فقال ابن عباس ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ففظعتهما وكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطار فأولتهما
25
كذابين يخرجان فقال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب..
ليست فيه قصة العنسي، وإنما فيه قصة مسيلمة بطريق الإرسال، وفيها ذكر العنسي وسعيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي، بفتح الجيم وسكون الراء: نسبة إلى جرم، وجرم في قبائل، في قضاعة: جرم بن زبان، وفي بجيلة: جرم بن علقمة، وفي عامله: جرم بن شعل، وفي طي: جرم وهو ثعلبة بن عمرو هو شيخ مسلم أيضا ثقة مكثر، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وصالح هو ابن كيسان، وابن عبيدة، بضم العين: ابن نشيط، بفتح النون وكسر الشين المعجمة وبالطاء المهملة: واسمه عبد الله بن عبيدة، وبينه بقوله: وفي موضع آخر اسمه عبد الله، احترازا عن أخيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف جدا وأخوه عبد الله ثقة، وكان عبد الله أكبر من موسى بثمانين سنة، وعبيد الله، بضم العين: ابن عبد الله، بالفتح ابن عتبة، بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي أحد الفقهاء السبعة.
وفي هذا الإسناد: ثلاثة من التابعين في نسق، وهم: صالح وابن عبيدة وعبد الله.
قوله: (فنزل) إلى قوله: (فأتاه كريز). بضم الكاف وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي: ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. وفيه: وهي أم عبد الله بن عامر، وقال الدمياطي: الصواب أم أولاد عبد الله بن عامر لأنها زوجته لا أمه، فإن أم ابن عامر أروى بنت كريز، وهي والدة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وقيل: لعله كان فيه أم عبد الله بن عبد الله بن عامر فإن لعبد الله بن عامر ولدا اسمه عبد الله كاسم أبيه، وهو من بنت الحارث. واسمها: كيسة، بتشديد الياء آخر الحروف بعدها سين مهملة: وهي بنت عم عبد الله بن عامر بن كريز، ولها منه أيضا عبد الرحمن وعبد الملك. وكانت كيسة قبل عبد الله بن عامر بن كريز تحت مسلمة الكذاب، وإذا ثبت ذلك ظهر وجه نزول مسيلمة عليها لكونها كانت امرأته. وقال الكرماني: وبنت الحارث بالمثلثة امرأة من الأنصار من بني النجار. قلت: هذا من كلام ابن إسحاق، وذكر غيره أن اسمها: رملة بنت الحارث بن نعامة بن الحارث بن زيد، وهي من الأنصار من بني النجار، ولها صحبة وتكنى أم ثابت وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور، وقال ابن سعد: كانت دار بنت الحارث معدة لنزول الوفود فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم لوافي دار بنت الحارث. انتهى. قلت: إذا كان الأمر كذلك فلا حاجة إلى ذكر وجه نزول مسيلمة في دار بنت الحارث، لأنه من جملة الوفود. قوله: (ثم جعلته) أي: الأمر. قوله: (بعدك)، يرد كلام ابن إسحاق أنه ادعى الشركة، ولكن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع. قوله: (ذكر)، على صيغة المجهول. والذاكر هو أبو هريرة، يظهر ذلك من الحديث الذي قبله. قوله: (ففظعتهما). من فظع بالفاء والظاء المعجمة والعين المهملة يقال: فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار، وقال الكرماني: بكسر الظاء. قلت: ليس بصحيح، بل هو بضم الظاء، وقال الجوهري: فظع الأمر بالضم فظاعة، وذكره في (دستور اللغة) من باب بصر يبصر، وفي (التوضيح) يقال: فظع الأمر، بالضم. فظاعة فهو فظيع أي شديد بشيع جاوز المقدار، وكذلك أفضع الأمر فهو مفظع، وأفظع الرجل على ما لم يسم فاعله أي: نزل به أمر عظيم، وقال ابن الأثير: الفظيع الأمر الشديد. وجاء هنا متعديا والمعروف: فظعت به وفظعت منه، فيحمل التعدية على المعنى، أي: خفتهما أو اشتد أمرهما على قوله: (الذي قتله فيروز باليمن) وم قصته أن الأسود كان له شيطانان يقال: لأحدهما: سحيق، بمهملتين وقاف مصغرا والآخر: شقيق، بمعجمة وقافين مصغرا، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان باذان عامل النبي صلى الله عليه وسلم، بصنعاء فمات فجاء شيطان الأسود فأخبره فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجة بازان، فواعدها رازوبة وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز من معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز وحز رأسه وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى ذلك عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر شيء من ذلك عن قريب.
73
((قصة أهل نجران))
أي: هذا بيان قصة أهل نجران، بفت النون وسكون الجيم: وهو بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن، يشتمل على
26
ثلاث وسبعين قرية مسيرة يوم للراكب السريع، وكان نجران منزلا للنصارى، وكان أهله أهل كتاب.
4380 ح دثني عباس بن الحسين حدثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أمين هذه الأمة..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعباس، بالباء الموحدة: ابن الحسين أبو الفضل البغدادي، مات قريبا من سنة أربعين ومائتين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث مفردا وآخر في التهجد مقرونا، ويحيى بن آدم بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري. وقد أخرج الحاكم في (المستدرك) عن يحيى هذا بهذا الإسناد عن ابن مسعود بدل
حذيفة، وكذلك أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق آخر عن إسرائيل. ورجح الدارقطني في (العلل) هذه الرواية ورد الترجيح بأن أصل الحديث رواه شعبة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة مثل حديث الباب، وقد مر في مناقب أبي عبيدة ويحيى عن قريب أيضا، فالبخاري استظهر برواية شعبة، والظاهر من هذا أن الطريقين صحيحان، والله أعلم. وقال المزي: وحذيفة أصح، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وصلة بن زفر العبسي الكوفي، وحذيفة بن اليمان العبسي.
والحديث أخرجه البخاري في خبر الواحد أيضا. وأخرجه بقية الجماعة غير أبي داود.
قوله: (جاء العاقب)، بالعين المهملة وبالقاف المكسورة وبالباء الموحدة: واسمه عبد المسيح. قوله: (والسيد)، بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، واسمه: الأيهم، بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف، ويقال: شرحبيل، وذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتب إلى أهل نجران فخرج إليه وفدهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فيهم العاقب وهو عبد المسيح رجل من كندة وأبو الحارث بن علقمة رجل من ربيعة وأخوه كرز والسيد وأوس ابنا الحارث وزيد بن قيس وشيبة وخويلد وخالد وعمرو وعبد الله، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم: العاقب أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، والسيد وهو صاحب رحالهم، فدخلوا المسجد وعليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوهم، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: ذلك من أجل زيكم فانصرفوا يومهم ثم غدوا عليه بزي الرهبان، فسلموا فرد عليهم ودعاهم إلى الإسلام فأبوا وكثر الكلام واللجاج وتلا عليهم القرآن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم بأهلكم فانصرفوا على ذلك. قوله: (يريدان أن يلاعناه)، أي: يباهلاه، من الملاعنة: وهي المباهلة وفيه نزلت: * (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل) * (آل عمران: 61) والمباهلة أن يجتمع قوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون: لعنة الله على الظالم. قوله: (فيقال أحدهما لصاحبه) ذكر أبو نعيم في الصحابة أنه السيد، وقيل: هو العاقب، وقيل: شرحبيل قوله: (فلاعناه)، بفتح العين وتشديد النون على صيغة المتكلم مع الغير وفي رواية الكشميهني: فلاعننا، بفتح النونين على أن: لاعن، فعل ماض فيه الضمير يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و: نا مفعوله قوله: (من بعدنا) وفي رواية ابن مسعود ولا عقبنا من بعدنا أبدا. قوله: (قالا)، أي: العاقب والسيد: (إنا نعطيك ما سألتنا) وذلك بعد أن انصرفوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ممتنعون عن الإسلام، كما ذكرنا عن قريب، وجاء السيد والعاقب وقالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وفي رواية ابن سعد: فغدا عبد المسيح وهو العاقب ورجلان من ذوي رأيهم فقالوا: قد بدالنا أن لا نباهلك، فاحكم علينا بما أحببت ونصالحك، فصالحهم على ألفي حلة في رجب وألف في صفر أو قيمة ذلك من الأواق، وعلى عارية ثلاثين
27
درعا وثلاثين رمحا وثلاثين بعيرا وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد. ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم غائبهم وشاهدهم وبيعهم، لا يغير أسقف عن سقيفاه ولا راهب عن رهبانيته ولا واقف عن وقفا نيته، وأشهد على ذلك شهودا منهم أبو سيفيان والأقرع بن حابس والمغيرة بن شعبة فرجعوا إلى بلادهم، فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما. انتهى. قوله: (فاستشرف)، من الاستشراف وهو الاطلاع، وأصله أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، كالذي يستظل من الشمس، حتى يستبين الشيء، والحاصل أنهم ترقبوا له كل منهم يأمل أن يكون هو المبعوث، إليهم، فإن قلت: ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضي الله تعالى عنه، إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم. قلت: قصة على غير قصة أبي عبيدة، فإن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع، وعلي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية، وأخذ ممن أسلم منهم ما استحق عليه من الصدقة.
4381 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت أبا إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه قال جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث لنا رجلا أمينا فقال لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح. هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه مختصرا، وأخرجه في مناقب أبي عبيدة عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة إلى آخره.
4382 ح دثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن خالد عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه (انظر الحديث 3744 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم قاله حين بعثه إلى نجران بقرينة الحديث السابق، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وخالد هو ابن مهران الحذاء البصري، وأبو قلابة، بكسر القاف: عبد الله بن زيد الجرمي. ومضى الحديث في مناقب أبي عبيدة فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن عبد الأعلى عن خالد عن أبي قلابة رضي الله تعالى عنهم، ومضى الكلام فيه هناك.
74
((قصة عمان والبحرين))
أي: هذا في بيان قصة عمان، بضم العين المهملة وتخفيف الميم. وقال عياض: فرضة بلاد اليمن ولم يزد في تعريفها شيئا، وقال الرشاطي: عمان في اليمن، سميت بعمان بن سبأ وفي بلاد الشام بلدة يقال لها: عمان، بفتح العين وتشديد الميم وليست بمرادة هنا قطعا. والبحرين ثنية بحرفي الأصل موضع بين البصرة وعمان، والنسبة إليه بحراني.
4383 ح دثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان سمع ابن المنكدر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك
28
هكذا وهكذا ثلاثا فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتني قال جابر فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا قال فأعطاني قال جابر فلقيت أبا بكر بعد ذاك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فلم يعطني فقلت له قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني فقال أقلت تبخل عني وأي داء أدوأ من البخل قالها ثلاثا ما منعتك من مرة إلا إنا أريد أن أعطيك..
ليس فيه قصة عمان ولا قصة البحرين، ولكن يمكن أن يكون قد أشار إلى ذلك بقوله: (لو قد جاء مال البحرين) فإنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم، بعث إليهم على ما رواه الطبراني من حديث المسور بن مخرمة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسله إلى الملوك وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني جلندي ملك عمان، وفيه: فرجعوا جميعا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توفي وعمرو بالبحرين. قلت: جيفر، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء بعدها الراء، و: عياذ، بكسر العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف بعدها ذال معجمة، و: الجلندي، بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال مقصورا، و: سفيان هو ابن عيينة. قوله: (سمع ابن المنكدر)، أي: محمد جابر بن عبد الله، فابن المنكدر فاعل سمع، وجابر بن عبد الله بالنصب مفعوله، وفي رواية الحميدي في (مسنده): حدثنا سفيان، قال: سمعت ابن المنكدر، وقال: سمعت جابرا، والحديث مضى في كتاب الهبة، في: باب إذا وهب هبة أو وعد، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان إلى آخره، وفيه اختصار قوله: (قلت: تبخل عني؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار أي: اتنسب إلى البخل. قوله: (أدوأ): ضبطه الدمياطي بخطه بالهمزة، وقال ابن التين: إنه غير مهموز، وقال ابن الأثير في باب الدال مع الواو: ومنه الحديث: وأي داء أدوى من البخل، أي: أي عيب أقبح منه، والصواب أدوأ بالهمزة، والبخل بضم الياء وسكون الخاء وبفتحها، وهو أن يمنع المرء ما يجب عليه فلا يؤديه.
وعن عمر و عن محمد بن علي سمعت جابر بن عبد الله يقول جئته فقال لي أبو بكر عدها فعددتها فوجدتها خمسمائة فقال خذ مثلها مرتين.
هذا معطوف على الإسناد الأول، وعمرو هو ابن دينار، ومحمد بن علي هو ابن الحنفية رضي الله تعالى عنه، ووقع في رواية الحميدي: حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرني محمد بن علي فذكر إلى آخره، وهذا مضى في الكفالة في: باب من تكفل عن ميت دينا، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو وسمع محمد بن علي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، إلى آخره، فلينظر هناك، وصاحب (التلويح) قد ذهل عنه فقال: أخرجه مسلم في (صحيحه) عن إسحاق عن سفيان عنه، وقد مر الكلام فيه هناك.
74
((باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن))
أي: هذا باب في بيان قدوم الأشعريين، وهو جمع أشعري، نسبة إلى الأشعر، وهو نبت بن أدد بن زيد بن يشحب ابن عريب بن زيد بن كهلان، وإنما قيل له: الأشعر، لأنه ولدته أمه أشعرا، والشعر على كل شيء منه. وقال الكرماني: قوله: الأشعرين، بحذف إحدى اليائين وتخفيف الباقي. قوله: (وأهل اليمن)، من عطف العام على الخاص، لأن الأشعريين من أهل اليمن.
وقال أبو موساى عن النبي صلى الله عليه وسلم هم مني وأنا منهم.
أي: وقال أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: هم أي: الأشعريون مني، وأراد به المبالغة في اتصالهم في الطريق واتفاقهم على الطاعة، وكلمة: من، هنا تسمى بمن الاتصالية أي: هم متصلون بي فيما ذكرناه، وهو
29
طرف حديث قد وصله البخاري في الشركة في الطعام: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن بريد عن أبي بريدة عن أبي موسى، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة... الحديث، وفي آخره: فهم مني وأنا منهم، ومر الكلام فيه هناك.
377 - (حدثني عبد الله بن محمد وإسحاق بن نصر قالا حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى رضي الله عنه قال قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت من كثرة دخلوهم ولزومهم له)
مطابقته للترجمة في قوله قدمت أنا وأخي من اليمن وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وإسحاق بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري ويحيى بن آدم بن سليمان الكوفي وسقط في رواية أبي زيد المروزي ذكر شيخي البخاري المذكورين وابتداء الإسناد بيحيى بن آدم والصواب ثبوتهما لأن البخاري لم يدرك يحيى بن آدم وابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة واسمه ميمون ويقال خالد الهمداني الكوفي يروي عن أبيه زكريا الأعمى الكوفي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي والأسود بن يزيد من الزيادة النخعي الكوفي والحديث مضى في فضل ابن مسعود أخرجه عن محمد بن العلاء عن إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد إلى آخره قوله ' أنا وأخي ' واسم أخيه أبو رهم أو أبو بردة قوله ' ما نرى ' بضم النون أي ما نظن قوله ' وأمه ' واسم أمه أم عبد الله بنت عبد ود بن سواء بن قريم وأمها هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب ولها صحبة قوله من أهل البيت أي بيت النبي
* -
378 - (حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم قال لما قدم أبو موسى أكرم هذا الحي من جرم وإنا لجلوس عنده وهو يتغدى دجاجا وفي القوم رجل جالس فدعاه إلى الغداء فقال إني رأيته يأكل شيئا فقذرته فقال هلم فإني رأيت النبي
يأكله فقال إني حلفت لا آكله فقال هلم أخبرك عن يمينك إنا أتينا النبي
في نفر من الأشعريين فاستحملناه فأبى أن يحملنا فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا ثم لم يلبث النبي
أن أتي بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذود فلما قبضناها قلنا تغفلنا النبي
يمينه لا نفلح بعدها أبدا فأتيته فقلت يا رسول الله إنك حلفت أن لا تحملنا وقد حملتنا قال أجل ولكن لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير منها)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إنا أتينا النبي
في نفر من الأشعريين أي في جماعة منهم وكان طلبهم عند إرادة النبي
غزوة تبوك وأبو نعيم الفضل بن دكين وعبد السلام بن حرب سكن الكوفة وهو من أفراده وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء على وزن جعفر بن مضرب بالضاد المعجمة وكسر الراء الجرمي الأزدي البصري والحديث مضى في الخمس أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب وفيه بعض زيادة ومضى الكلام فيه هناك قوله لما قدم أبو موسى قال
30
الكرماني حين قدم اليمن ونسبه بعضهم إلى الوهم فقال أي لما قدم الكوفة أميرا عليها في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه ثم قال لأن زهدما لم يكن من أهل اليمن قوله من جرم وهي قبيلة مشهورة ينسبون إلى جرم بن ربان براء وباء موحدة مشددة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة قوله ' فقذرته ' بفتح القاف وكسر الذال المعجمة وفتحها أي استقذرته وكرهته قوله هلم من أسماء الأفعال ومعناه تعال قوله ' ذود ' بفتح الذال المعجمة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر قوله ' تغفلنا النبي
' أي استغفلناه واغتنمناه غفلته
379 - (حدثني عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان حدثنا أبو صخرة جامع بن شداد حدثنا صفوان بن محرز المازني حدثنا عمران بن حصين قال جاءت بنو تميم إلى رسول الله
فقال أبشروا يا بني تميم قالوا أما إذ بشرتنا فأعطنا فتغير وجه رسول الله
فجاء ناس من أهل اليمن فقال النبي
اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله)
مطابقته للترجمة في قوله ' فجاء ناس من أهل اليمن ' وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد والحديث مضى في أول بدء الخلق فإنه أخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز إلى آخره فإن قلت قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقيب فتح خيبر سنة سبع قلت يحتمل أن طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك
380 - (حدثني عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود أن النبي
قال الإيمان ههنا وأشار بيده إلى اليمن أو الجفاء وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومضر)
مطابقته للترجمة من حيث الاستطراد لأجل ذكر اليمن فيها وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري والحديث مضى في أواخر كتاب بدء الخلق في باب خير مال المسلم غنم فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن إسماعيل إلى آخره قوله ' إلى اليمن ' أي إلى جهة اليمن ويراد به أهل البلد لا من ينتسب إليه من غيره قوله ' في الفدادين ' تفسيره على وجهين (أحدهما) أن يكون جمع الفداد بالتشديد وهو الشديد الصوت وذلك من دأب أصحاب الإبل (والآخر) أن يكون جمع الفداد بالتخفيف وهو آلة الحرث وإنما ذم هؤلاء لأنهم يشتغلون عن أمور الدين ويلتهون عن أمور الآخرة قوله ' من حيث يطلع ' يعني من جهة الشرق وعبر عن الشرق بذلك لأن الشيطان ينتصب في محاذاة المطلع حتى إذا طلعت الشمس كانت بين جانبي رأسه فتقع السجدة له حين تسجد عبدة الشمس لها قوله ' ربيعة ومضر ' قبيلتان مشهورتان بالفتح فيهما لأنهما بدل من الفدادين وغير المنصرف يكون مفتوحا في موضع الجر ويجوز أن يكونا مرفوعين على تقديرهم ربيعة ومضر فيكون المبتدأ فيه محذوفا
4388 ح دثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم..
31
مطابقته للترجمة في أول الحديث. وأيضا مثل ما ذكرنا في الحديث السابق، لأن الترجمة في ذكر اليمن، وابن أبي عدي هو محمد، واسم أبي عدي إبراهيم، وسليمان هو الأعمش، وذكوان، بفتح الذال المعجمة أبو صالح.
والحديث مر في: باب خير مال المسلم غنم، أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وفيهما زيادة ونقصان فليعتبر ذلك.
قوله: (أتاكم)، خطاب للصحابة وفيهم الأنصار فليرد بهذا قول من يقول: المراد بقوله: الإيمان يمان، الأنصار، لأنهم يمانون في الأصل فيتعين بما ذكرنا أن الذين أتاهم غير هم. قوله: (أرق أفئدة)، جمع فؤاد، قال الخطابي: وصف الأفئدة بالرقة والقلوب باللين لأن الفؤاد غشاء القلب إذا رق نفذ القول فيه وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ تعذر وصوله إلى داخله، فإذا صادف القلب شيئا علق به، أي: إذا كان لينا، والمشهور أن الفؤاد هو القلب، فعلى هذا تكرار لفظ القلب بلفظين أولى من
تكرره بلفظ واحد، وقيل: الفؤاد غير القلب وهو عين القلب، وقيل: باطن القلب، وقيل: غشاء القلب. قوله: (الإيمان يمان)، أصله: يماني، حذفت الياء للتخفيف، وإنما أوقع اليمان، خبرا عن الإيمان لأن مبدأه من مكة وهي يمانية أو المراد منه وصف أهل اليمن بكمال الإيمان، وقيل: المراد مكة والمدينة، لأن هذا الكلام صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك، فتكون المدينة حينئذ بالنسبة إلى المحل الذي هو فيه يمانية. قوله: (والحكمة يمانية)، اضطربت الأقوال في تفسيرها، فقال النووي: والذي صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على معرفة الله تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن ابتاع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك، وفيه الثناء على أهل اليمن لمبادرتهم إلى الدعوة وإسراعهم إلى قبول الإيمان. قوله: (والفخر) هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما. قوله: (والخيلاء)، بالضم والكسر: الكبر والعجب، ومنه: اختال فهو مختال. قوله: (والسكينة) أي: المسكنة (والوقار) أي: الخضوع.
وقال غندر عن شعبة عن سليمان سمعت ذكوان عن أبي هريرةعن النبي صلى الله عليه وسلم
غندر، بضم الغين المعجمة: محمد بن جعفر وسليمان هو الأعمش، وإنما أورد هذا المعلق لوقوع التصريح بقول سليمان: سمعت ذكوان، ووصله أحمد عن غندر بهذا الإسناد.
382 - (حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن النبي
قال الإيمان يمان والفتنة ههنا ههنا يطلع قرن الشيطان)
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن ثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد المدني وفيهم ثور آخر لكنه ابن يزيد بزيادة الياء آخر الحروف في أوله الشامي وأبو الغيث بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة واسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي المدني قوله ' والفتنة ههنا ' يعني نحو المشرق وأشار إليه بقوله ههنا يطلع قرن الشيطان وقد مر عن قريب أنه ينتصب في محاذاة المطلع حين تطلع الشمس بين قرنيه وأما كون الفتنة من المشرق فلأن أعظم أسباب الكفر منشؤه هنالك كخروج الدجال ونحوه
383 - (حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
قال أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية)
هذا طريق آخر عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة عن النبي
قوله ' أضعف قلوبا ' ذكر فيما مضى ألين قلوبا لأن الضعف عبارة عن السلامة من
32
الغلظ والشدة والقسوة التي وصفت بها قلوب الآخرين واللين عبارة عن الاستكانة وسرعة الإيجاب والتأثر بقوارع التذكير قوله ' الفقه يمان ' المراد بالفقه هنا الفهم في الدين واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها قوله ' والحكمة يمانية ' قد مر تفسير الحكمة عن قريب واليمانية بتخفيف الياء لأن الألف المزيدة فيه عوض عن ياء النسبة المشددة فلا يجمع بينهما وقيل سمع بالتشديد أيضا
4391 ح دثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال كنا جلوسا مع ابن مسعود فجاء خباب فقال يا أبا عبد الرحمان أيستطيع هاؤلاء الشباب أن يقرؤا كما تقرأ قال أما إنك لو شئت أمرت بعضهم فيقرأ عليك قال أجل قال اقرأ يا علقمة فقال زيد بن حدير أخو زياد بن حدير أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا قال أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه فقرأت خمسين آية من سورة مريم وقال عبد الله كيف ترى قال قد أحسن قال عبد الله ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى قال أما إنك لن تراه علي بعد اليوم فألقاه.
مطابقته للترجمة تؤخذ بالتعسف من ذكر علقمة في الإسناد في متن الحديث أيضا لأنه نخعي، والنخع من اليمن وهي قبيلة مشهورة ينسبون إلى النخع، واسمه: حبيب بن عمرو بن علة، بضم العين المهملة وتخفيف اللام: ابن مالك بن أدبن زيد، وإنما قيل له: النخع، لأنه نخع عن قومه أي: بعد.
وعبدان هو عبد الله بن عثمان وقد تكرر ذكره، وأبو حمزة، بالحاء والزاي: واسمه محمد بن ميمون اليشكري، والأعمش سليمان، وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن قيس النخعي.
قوله: (جلوسا)، بالضم جمع جالس. قوله: (خباب) هو: ابن الأرت الصحابي المشهور. قوله: (يا أبا عبد الرحمن)، وهو كنية عبد الله بن مسعود. قوله: (أيستطيع؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (أمرت بعضهم فيقرأ عليك)، وفي رواية الكشميهني: (فقرأ)، بصيغة الفعل الماضي. قوله: (أجل) أي: نعم. قوله: (فقال زيد بن حدير)، بضم الحاء المهملة وفتح الدار مصغرا، وهو أخو زيد بن حدير، وزياد من كبار التابعين أدرك عمر رضي الله تعالى عنه، وله رواية في (سنن أبي داود) ونزل الكوفة وولي إمرتها مرة، وهو أسدي من بني أسد ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. قوله: (أتأمر؟) الهمزة فيه للاستفهام. قوله: (أما)، بتخفيف الميم وهو حرف استفتاح بمنزلة: ألا، ويكون بمعنى: حقا، والمعنى هنا على الأول، ولهذا كسرت: إن، بعدها وعلى المعنى الثاني تفتح: أن، بعدها. قوله: (في قومك وقومه)، يشير بهذا إلى ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على النخع لأن علقمة نخعي، وإلى ذم بني أسد وزياد بن حديد أسدي، أما ثناؤه على النخع فقد أخرجه أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن مسعود، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع ويثنى عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم، وأما ذمه لبني أسد ففي حديث أبي هريرة: أن جهينة وغيرها خير من بني أسد وغطفان، وقد تقدم في المناقب. قوله: (وقال عبد
الله: كيف ترى؟) موصول بالإسناد المذكور، وخاطب عبد الله بهذا خبابا لأنه هو الذي سأله أولا وهو الذي قال: قد أحسن، وفي رواية أحمد عن يعلى عن الأعمش: فقال خباب: أحسنت. قوله: (وقال عبد الله) هو موصول أيضا. قوله: (ما أقر أشيئا إلا وهو يقرؤه)، يعني: علقمة، وفيه منقبة عظيمة لعلقمة حيث شهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه مثله في القراءة. قوله: (ألم يأن؟) أي: ألم يجيء وقت إلقاء هذا الخاتم؟ وكلمة: أن، مصدرية و: أن يلقى، على صيغة المجهول، وفيه تحريم لباس الذهب على الرجال إما للتشبيه بالنساء أو للكبر والتيه، وأما لبس خباب الخاتم من الذهب فيحمل على أنه لم يبلغه التحريم، لأن بعض الصحابة كان يخفى عليه أمر الشارع. وفيه: الرفق في الموعظة وتعليم من لا يعلم.
33
رواه غندر عن شعبة
أي: روى الحديث المذكور محمد بن جعفر الملقب بغندر عن شعبة عن الأعمش بالإسناد المذكور، ووصله أبو نعيم في (المستخرج) من طريق أحمد بن حنبل: حدثنا محمد بن جعفر وهو غندر بإسناده.
76
((قصة دوس والطفيل بن عمر و الدوسي))
أي: هذا بيان قصة دوس، بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة: ابن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد، ومعنى الدوس ظاهر. قوله: (والطفيل بن عمرو) أي: قصة الطفيل، بضم الطاء: ابن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وله حكاية عجيبة غريبة طويت ذكرها مخافة التطويل. ومنها أنه: رأى رؤيا فقال لأصحابه: عبروها قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت رأسي حلق، وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأة لقيتني فأدخلتني في فرجها، وكان أبي يطلبني طلبا حثيثا، فحيل بيني وبينه. قالوا: خيرا. قال: أنا والله فقد أولتها: أما حلق الرأس فقطعه، وأما الطائر فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي فأدفن فيها، فقد روعت أن أقتل شهيدا، وأما طلب أبي إياي فلا أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة، ولا أراه يلحق في سفرنا هذا، فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة، وجرح أبوه ثم قتل يوم اليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا.
4392 ح دثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن ذكوان عن عبد الرحمان الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن دوسا قد هلكت عصت وأبت فادع الله عليهم فقال اللهم اهد دوسا وأت بهم. (انظر الحديث 2937 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو ابن عيينة، وابن ذكوان هو عبد الله بن ذكوان أبو الزناد، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج.
قوله: (قد هلكت) ادعى الداودي أن قوله: (هلكت)، ليس بمحفوظ، وإنما قال: عصت وأبت. قوله: (اللهم اهد دوسا وأئت بهم)، دعا النبي صلى الله عليه وسلم، لهم بالهداية في مقابلة العصيان، والإتيان به في مقابلة الإباء. وفيه: حرص النبي صلى الله عليه وسلم، على من يسلم على يديه.
4393 ح دثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا إسماعيل عن قيس عن أبي هريرة قال لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق.
* يا ليلة من طولها وعنائهاعلى أنها من دارة الكفر نجت
*
وأبق غلام لي في الطريق فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة هاذا غلامك فقلت هو لوجه الله فأعتقته.
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا هريرة دوسي لأنه من دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد، وقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، وقال خليفة بن خياط: أبو هريرة هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشرس بن طريف بن عباب بن أبي صعبة بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وقال أبو أحمد الحاكم: أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة: عبد الرحمن بن صخر، وقد غلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له غيرها، أسلم أبو هريرة عام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، رغبة في العلم، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسة آلاف حديث وثلاثمائة حديث وأربعة وسبعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثمائة حديث وخمسة وعشرين حديثا، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين، وليس في الصحابة أحد أكثر حديثا منه. وقال البخاري: روى عنه
34
أكثر من ثمانمائة رجل من بين صاحب وتابع، استعمله عمر رضي تعالى الله عنه، على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة حتى مات فيها سنة سبع وخمسين، قاله خليفة بن خياط، وقال ابن الهيثم بن عدي: توفي سنة ثمان وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين، وقيل: مات بالعقيق وحمل إلى المدينة وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان أميرا على المدينة لمعاوية بن أبي سفيان، وروى عنه أنه قال: إنما كنيت بأبي هريرة لأني وجدت أو لا دهرة وحشية فحملتا في كمي، فقيل: ما هذه قلت: هرة، قيل: فأنت أبو هريرة، وقيل: رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كمه هرة، فقال: يا أبا هريرة.
ثم الحديث رواه البخاري هنا عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة، وأخرجه في كتاب العتق في: باب إذا قال رجل لعبده: هو لله، من ثلاث طرق، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (لما قدمت) أي: لما أردت القدوم. قوله: (وعنائها)، بفتح العين المهملة وهو التعب والنصب قوله: (من دارة الكفر) الدارة أخص من الدار. قوله: (
وأبق غلام لي)، ادعى ابن التين أنه وهم، وإنما ضل كل واحد منهما من صاحبه، وقيل: لا دليل له على ذلك. قلت: يجوز أن يكون قوله في الرواية الماضية في العتق: فأضل أحدهما صاحبه، دليلا على ذلك، وقال بعضهم: لا يلتفت إلى إنكار ابن التين أنه أبق، لأن رواية: أبق، فسرت وجه الإضلال. قلت: لا إبهام في الإضلال حتى يفسره بلفظ: أبق ولا يصلح أيضا أن يكون: أبق، مفسرا له من حيث اللغة، ولا وجه لذلك أصلا، لأن في الإباق معنى المخالفة للمولى والهرب عنه، وهو أكبر العيوب في العبد، وليس في الإضلال هذا المعنى أصلا، فعلى هذا التوفيق بين الروايتين بأن يقال: إنه أطلق: أبق، على معنى: أضل، لأن في كل من هذين اللفظين معنى الاستتار والاحتباس.
77
((قصة وفد طيىء وحديث عدي بن حاتم))
أي: هذا في بيان قصة وفد طيء، وفي بعض النسخ: باب قصة وفد طيء، وفي بعضها، وفد طيء، وحديث عدي بن حاتم بلا لفظ: قصة، والطيء، بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف بعدها همزة: ابن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وقال الرشاطي: كان اسمه جلهمة بن أدد، وقال ابن دريد عن الخليل: إن أصل طيء: طاوي، بالواو والياء، فقلبوا الواو ياء فصارت ياء ثقيلة، قال: وكان الأصل فيه: طوى، وقال السيرافي: ذكر بعض النحويين أن: طيأ، من الطأة وهو الذهاب في الأرض. وقال ابن سعيد: ليس غير هذا القول بشيء لأن طوى طيا لا أصل له في الهمزة، وطيء مهموز، وحكى سيبويه في قوله: في طيء، طائي أنه على غير القياس، وقال في موضع آخر: النسبة إلى طأي طائي، وقال ابن الكلبي: سمي طيا لأنه أول من طوى المناهل قوله: (وحديث عدي)، بفتح العين المهملة وكسر الدار وتشديد الياء: ابن حاتم، بالحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق المكسورة: ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج، بالحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وبالراء بعدها جيم على وزن جعفر: ابن امرئ القيس بن عدي بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد بن زيد بن كهلان، قدم عدي على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع، قاله أبو عمر، وقال الواقدي: قدم في شعبان سنة عشر ثم قدم على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، بصدقات قومه في حين الردة، ومنع قومه وطائفة معه من الردة بثبوته على الإسلام وحسن رأيه وكان سريا شريفا في قومه، خطيبا ظاهر الجواب، فاضلا كريما، ونزل عدي بن حاتم الكوفة وسكنها وشهد مع علي رضي الله تعالى عنه، الجمل وففئت عينه يومئذ ثم شهد مع علي صفين والنهروان، ومات بالكوفة سنة سبع وستين في أيام المختار، وهو ابن مائة وعشرين سنة.
4394 ح دثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك عن عمرو بن حريث عن عدي بن حاتم قال أتينا عمر في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا ويسميهم فقلت أما تعرفني يا أمير المؤمنين قال بلى أسلمت إذ كفروا وأقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا وعرفت إذ أنكروا فقال عدي فلا أبالي إذا.
35
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عوانة الوضاح اليشكري، وعبد الملك هو ابن عمير، وعمرو بن حريث المخزومي صحابي صغير، قال أبو عمر: عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه ومسح برأسه ودعا له بالبركة، وقيل: قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، نزل الكوفة وولي إمارة الكوفة ومات بها سنة خمس وثمانين.
والحديث أخرجه مسلم من وجه آخر قال: أتيت عمر رضي الله تعالى عنه، فقال: إن أول صدقة بيضت وجه النبي صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيء، جئت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد أحمد في أوله: أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يعرض عني، فاستقبلته فقلت: أتعرفني؟ فذكر نحو ما رواه البخاري مسلم. قوله: (أتيت عمر)، أي: في خلافته. قوله: (في وفد)، بفتح الواو وسكون الفاء وفي آخره دال مهملة، وهم قوم يجتمعون ويردون البلاد، واحده وافد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيادة واستر فادوا انتجاع وغير ذلك، تقول: وفد يفد فهو وافد، واوفدته على الشيء فهو موفد إذا أشرف. قوله: (ويسميهم) أي: قبل أن يدعوه. قوله: (يا أمير المؤمنين)، أصله: يا أمير المؤمنين. قوله: (إذ)، بمعنى: حين، في الأربعة المواضع، وقوله: (إذا) في الأخير بالتنوين بمعنى: حينئذ قال الكرماني: أي: حين عرفتني بهذه المرتبة يكفيني سعادة، وقيل: معناه إذا كنت تعرف قدري فلا أبالي إذا قدمت على غيري.
78
((باب حجة الوداع))
أي: هذا باب في بيان حجة الوداع، يجوز فتح الحاء وكسرها وكذلك كسر الواو وفتحها، وإنما سميت حجة الوداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعدها، وسميت أيضا: حجة الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج من المدينة غيرها ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها، وقد قيل: إن فريضة الحج نزت عامئذ، وقيل: سنة تسع، وقيل: قبل الهجرة، وهو غريب وسميت: حجة البلاغ، أيضا لأنه صلى الله عليه وسلم بلغ الناس فيها شرع الله في الحج قولا وفعلا ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده إلا وقد بلغه صلى الله عليه وسلم، وسميت أيضا: حجة التمام والكمال، وحجة الوداع أشهر.
4395 ح دثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت معه مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين
الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا..
مطابقته للترجمة في قوله: حجة الوداع. والحديث مر في الحج في: باب التمتع والإقران، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك مختصرا، وأخرجه عن عائشة مطولا، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: (فأهللنا) أي: أحرمنا. قوله: (هذه مكان) بالرفع والنصب.
4396 ح دثني عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن جريج قال حدثني عطاء عن ابن عباس إذا طاف بالبيت فقد حل فقلت من أين قال هذا ابن عباس قال من قول
36
الله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق ومن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع قلت إنما كان ذلك بعد المعرف قال كان ابن عباس يراه قبل وبعد.
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (حجة الوداع)، وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي، ويحيى بن سعيد القطان، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح.
والحديث أخرجه مسلم في المناسك عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (فقد حل)، أي: قبل السعي والحلق. قوله: (فقلت)، القائل هو ابن جريج، والمقول له عطاء. قوله: (قال) أي: عطاء. قوله: (بعد المعرف)، بفتح الراء: التعريف أي: الوقوف بعرفة، يقال: عرف الناس إذا شهدوا عرفة. قوله: (قبل وبعد)، أي: قبل المعرف وبعده.
4397 ح دثني بيان حدثنا النضر أخبرنا شعبة عن قيس قال سمعت طارقا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فقال أحججت قلت نعم قال كيف أهللت قلت لبيك بإهلال كإهلال رسول لله قال طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل فطفت بالبيت وبالصفا والمروة وأتيت امرأة من قيس ففلت رأسي..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم) لأن قدومه كان والنبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع.
وبيان، بفتح الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبعد الألف نون: ابن عمرو البخاري، والنضر، بالضاد المعجمة: هو ابن شميل، وقيس هو ابن مسلم، وطارق هو ابن شهاب الأحمسي البجلي الكوفي، أدرك الجاهلية وله رؤية وغزوة مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
قوله: (بالبطحاء)، حال أي: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، حال كونه نازلا بالبطحاء، وهو مسيل وادي مكة. قوله: (أحججت؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار أي: آحرمت بالحج؟ هو شامل للحج الأكبر والأصغر الذي هو العمرة. قوله: (ثم حل)، بكسر الحاء وتشديد اللام: أمر من الإحلال. قوله: (فقلت رأسي) بفتح اللام المخففة أي: فتشت رأسي وأخرجت القمل منه من: فلي يفلي فليا وهو أخذ القمل من الشعر، ومضمون الحديث من الفقه قد مر في الحج في: باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلاله.
4398 ح دثني إبراهيم بن المنذر أخبرنا أنس بن عياض حدثنا موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر أخبره أن حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع فقالت حفصة فما يمنعك فقال لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي..
مطابقته للترجمة في قوله: (عام حجة الوداع)، والحديث مضى في: باب التمتع والإقران. أخرجه عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة وهي بنت عمر بن الخطاب وأخت عبد الله بن عمر.
قوله: (فما يمنعك أنت؟) تخاطب به حفصة النبي صلى الله عليه وسلم، بقولها: فما يمنعك أنت؟ أي: فما يمنعك عن التحلل يا رسول الله؟ قوله: (لبدت رأسي) من التلبيد وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من صمغ ليصير شعره كاللبد لئلا يشعث في الإحرام، (وقلدت) من التقليد، وتقليد الهدي: أن يعلق في عنقه شيء ليعلم أنه هدي.
4399 ح دثنا أبو اليمان قال حدثني شعيب عن الزهري وقال محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي قال أخبرني ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن
37
امرأة من خثعم استفتت رسول الله في حجة الوداع والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي أن أحج عنه قال: نعم..
مطابقته للترجمة في قوله: (حجة الوداع). أخرجه من طريقين أحدهما: موصول وهو: عن أبي اليمان الحكم ابن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن سليمان بن يسار ضد اليمين عن عبد الله بن عباس. والآخر: غير موصول. وهو قوله: (وقال محمد بن يوسف) هو الفريابي، وهو شيخ البخاري، أيضا، وكأنه لم يسمعه منه فلذلك علقه. وهو يروي عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن بن شهاب وهو الزهري عن سليمان بن يسار، وهذا التعليق وصله أبو نعيم في (المستخرج) من طريقه. وهذا الحديث قد مضى في الحج في: باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى.
4400 ح دثني محمد حدثنا سريج بن النعمان حدثنا فليح عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو مردف أسامة عل القصواء ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ عند البيت ثم قال لعثمان ائتنا بالمفتاح فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة وبلال وعثمان
ثم أغلقوا عليهم الباب فمكث نهارا طويلا ثم خرج وابتدر الناس الدخول فسبقتهم فوجدت بلالا قائما من وراء الباب فقلت له أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى بين ذينك العمودين المقدمين وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين العمودين من السطر المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره واستقبل بوجهه الذي يستقبلك حين تلج البيت بينه وبين الجدار قال ونسيت أن أسأله كم صلى وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء..
مطابقته للترجمة في قوله: (عام الفتح)، لأن حجة الإسلام كانت فيه، وهي حجة الوداع، ومحمد شيخ البخاري ابن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري. كذا قاله النسائي، وقال الحاكم: هو محمد بن يحيى الذهلي، بضم الذال المعجمة، وسريج، بضم السين المهملة وفتح الزاي وفي آخره جيم، مصغر السرج: ابن النعمان أبو الحسن البغداي الجوهري، وهو شيخ البخاري، تارة يروى عنه بواسطة كما في هذا الموضع، وتارة بلا واسطة، وفليح، بمض الفاء: هو ابن سليمان.
قوله: (وهو مردف)، الواو فيه للحال. قوله: (على القصواء)، وهو اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي ابتاعها أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وأخرى معها من بني قشر بثمانمائة درهم، وهي التي هاجر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت إذ ذاك رباعية، وكان لا يحمله غيرها إذا نزل عليه الوحي. وفي (عيون الأثر): كانت ناقته التي هاجر عليها تسمى القصواء والجدعاء والعضباء، وقيل: العضباء غير القصواء، والعضباء هي التي سبقت، فشق ذلك على المسلمين، والقصواء تأنيث الأقصى، قال ابن الأثير: القصواء الناقة التي قطع طرف أذنها من قصوته قصوا فهو مقصو، وناقة قصواء، ولا يقال: بعير أقصى، ولم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قصواء، وإنما كان هذا لقبا لها، وقيل: كانت مقطوعة الأذن. قوله: (وعثمان بن طلحة) بن أبي طلحة، واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، قتل أبوه طلحة يوم أحد كافرا، وهاجر عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت هجرته في هدنة الحديبية مع خالد بن الوليد، فلقيا عمرو بن العاص مقبلا من عند النجاشي يريد الهجرة، فاصطحبوا جميعا
38
حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة فأسلموا، وشهد عثمان فتح مكة فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مفتاح الكعبة إليه وإلى شيبة بن عثمان، ثم نزل عثمان المدينة فأقام بها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انتقل إلى مكة فسكنها حتى مات بها في أول خلافة معاوية سنة ثنتين وأربعين، وقيل: إنه قتل بأجنادين. قوله: (ثم أغلقوا) ويرو: غلقوا، بتشديد اللام. قوله: (فقلت له)، أي: لبلال رضي الله تعالى عنه. قوله: (فقال: صلى) إلى آخر الحديث، رواية عبد الله بن عمر عن بلال: ومضى في الصلاة في: باب الصلاة بين السواري. قوله: (سطرين) بالسين المهملة، وفي رواية بالمعجمة، وأنكره عياض. قوله: (حين تلج) أي: حين تدخل، من الولوج. قوله: (وبينه) أي: وبين الذي يسلك أو بين رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (مرمرة حمراء)، قال الكسائي: المرمرة الرخام. قلت: المرمرة غير الرخام، وهي معروفة ويجمع على: مر مر، والأبحاث المتعلقة به قد مرت في أبواب كثيرة لأن البخاري أخرج هذا الحديث: في الصلاة وفي الجهاد وفي المغازي وفي الحج، وأخرجه مسلم في الحج عن جماعة، وأبو داود فيه أيضا عن جماعة، والنسائي كذلك عن جماعة، وابن ماجة كذلك عن دحيم.
4401 ح دثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثني عروة بن الزبير وأبو سلمة ابن عبد الرحمان أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتهما أن صفية بنت حيى زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت في حجة الوداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم أحابستنا هي فقلت إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم فلتنفر..
مطابقته للترجمة في قوله: (في حجة الوداع)، وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث مضى من طريق آخر في الحج في: باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، وقد مر الكلام فيه هناك.
4402 ح دثنا يحيى بن سليمان قال أخبرني ابن هب قال حدثني عمر بن محمد أن أباه حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره وقال ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته أنذره نوح النبييون من بعده وإنه يخرج فيكم فما خفى عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم ثلاثا إن ربكم ليس بأعور وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية. ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد ثلاثا ويلكم أو ويحكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي البخاري، سكن مصر وروى عن عبد الله بن وهب المصري، وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن الخطاب، وعمر هذا يروي عن أبيه محمد، ومحمد يروي عن جده عبد الله بن عمر.
وحديث محمد هذا أخرجه البخاري في مواضع بطرق مختلفة في الديات عن أبي الوليد وفي الفتن عن حجاج ابن منهال وفي الأدب عن عبد الله بن عبد الوهاب وفي الحدود عن محمد بن عبد الله وفي الحج عن محمد بن المثنى، وأول حديثه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى: أتدرون أي يوم هذا؟ وأخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة وغيره.
39
وأخرجه أبو داود في السنة عن أبي الوليد به. وأخرجه النسائي في المحاربة عن أحمد بن عبد الله، وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن دحيم مختصرا.
قوله: (كنا نتحدث بحجة الوداع). قوله: (والنبي صلى الله عليه وسلم)، الواو فيه للحال. قوله: (ولا ندري ما حجة الوداع) لأنه صلى الله عليه وسلم كان ذكرها فتحدثوا بها، ولكنهم ما فهموا المراد من الوداع: هل هو وداع النبي صلى الله عليه وسلم أم غيره؟ حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم فعلموا عند ذلك أنه
وادع الناس بالوصايا التي أوصاها لهم قرب أيام موته منها. قوله: (لا ترجعوا بعدي كفارا). قوله: (فحمد الله وأثنى عليه) فيه حذف تقديره: ركب واجتمع الناس إليه وخطب فحمد الله وأثنى عليه، وفي رواية أبي نعيم في (المستخرج): فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث وحده، وأثنى عليه الله، وفي قصة الدجال، وفيه: ألا إن الله حرم عليكم دماءكم... وهذه الخطبة كلها كانت في حجة الوداع. قوله: (فاطنب)، أي: طول. قوله: (أنذره نوح) إنما عين نوحا بتصريح اسمه بعد أن كان داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته) لأن نوحا ومن بعده خلق ثان، لأن من قبله هلكوا كلهم ولم يبق إلا نوح وأولاده الثلاثة: يافث وسام وحام، وهو أب ثان، والأب الأول هو آدم، عليه السلام. قوله: (وإنه)، أي: وإن الدجال يخرج فيكم، أراد في أمته عند قرب الساعة. قوله: (فما خفي عليكم)، كلمة: ما، شرطية أي: إن خفي عليكم بعض شأنه فلا يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور، والثاني بدل من الأول، أي: لا يخفى عليكم أنه ليس مما يخفى أنه ليس أعوار، واستئناف قوله: (وإنه أعور عين اليمنى)، وقد مر تفسير هذا في: باب * (واذكر في الكتاب مريم) * (مريم: 16) وكذلك تفسير قوله: (كأن عينه عنبة طافية)، وقد ذكرنا أنه في رواية أخرى: أنه جاحظ العين كأنها كوكب، وفي أخرى: أنها ليست بناتية ولا حجراء، وههنا: أنه أعور عين اليمنى، وفي حديث حذيفة. أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، وفي حديث آخر: أنه أعور عين اليسرى، ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة، فيصح أن يقال لكل وحادة عوراء، إذ الأصل في العور العيب. قوله: (ألا إن الله) كلمة: ألا للاستفتاح، وفيه معنى الحث على سماع ما يأتي. قوله: (كحرمة يومكم هذا)، قال الطيبي رحمه الله: هذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت به العادة، كما في قوله تعالى: * (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) * (الأعراف: 171) كانوا يستبيحون دماءهم وأموالهم في الجاهلية في غير الأشهر الحرم ويحرمونها فيها كأنه قيل: إن دماءكم وأموالكم محرمة عليكم أبدا كحرمة يومكم وشهركم وبلدكم. قوله: (ألا هل بلغت؟) بتشديد اللام. قوله: (ثلاثا)، أي: ثلاث مرات، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف أي: قاله قولا ثلاثا. قوله: (أو ويحكم) شك من الراوي، وكلمة: ويحكم، كلمة ترحم وتوجع، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب، وانتصابه على المصدرية ويستعمل مضافا وغير مضاف، والويل في الأصل الحزن والهلاك، ويستعمل عند التوجع والتعجب، وههنا هو المراد. قوله: (لا ترجعوا بعدي كفارا) قال الكرماني: هو تشبيه أو هو من باب التغليظ فهو مجاز، أو المراد معناه اللغوي وهو التستر بالأسلحة، والأولى أنه على ظاهره وهو النهي عن الارتداد، وأوله الخوارج بالكفر الذي هو الخروج عن الملة: إذ كل كبيرة عندهم كفر، ويقال: معناه لا تكن أفعالكم تشبه أعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين، ويقال: معناه إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى ولا تظلموا أحدا ولا تحاربوا المسلمين ولا تأخذوا أموالهم بالباطل، فإن هذه الأفعال من الضلالة والعدول عن الحق إلى الباطل. قوله: (يضرب بعضكم رقاب بعض)، جملة مستأنفة مبينة لقوله: (لا ترجعوا بعدي كفارا).
4404 ح دثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال حدثني زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها حجة الوداع قال أبو إسحاق وبمكة أخري. (انظر 3949 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (حجة الوداع). وعمرو بن خالد الحراني، وزهير مصغر زهر بن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي. والحديث مضى في أول المغازي من حديث شعبة عن أبي إسحاق.
قوله: (لم يحج بعدها حجة الوداع)، يعني
40
ولا حج قبلها إلا أن يريد نفي الحج الأصغر وهو العمرة فلا فإنه اعتمر قبلها قطعا. قوله: (حجة الوداع) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف يعني: هي حجة الوداع، حاصله أنه بعد الهجرة لم يحج إلا حجة الوداع. قوله: (قال أبو إسحاق)، هو الراوي وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (وبمكة أخرى) يعني: حج حجة أخرى بمكة قبل أن يهاجروا، وهذا يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا حجة واحدة، وليس كذلك، بل حج قبل الهجرة مرارا عديدة، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
4405 ح دثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع لجرير استنصت الناس فقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن مدرك، بضم الميم وسكون الدار وكسر الراء: النخعي الكوفي من ثقات التابعين وماله في البخاري إلا هذا الحديث، لكنه أورده في مواضع في الفتن وفي الديات، وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة: اسمه هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله بن جابر البجلي، وأبو زرعة يروي عن جده جرير.
وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكرة وآخرين. وأخرجه النسائي في العلم عن محمد بن عثمان وغيره. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن بندار.
قوله: (استنصت الناس)، أي: أسكتهم، وفيه دليل على وهم من زعم أن إسلام جرير كان قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما، لأن حجة الوداع كانت قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يوما، لأن جريرا قد ذكر أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع.
4406 ح دثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن محمد عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس ذو الحجة قلنا بلى قال فأي بلد هاذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس البلدة قلنا بلى قال فأي يوم هاذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم قال محمد
وأحسبه قال وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هاذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه فكان محمد إذا ذكره يقول صدق محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا هل بلغت مرتين..
مطابقته للترجمة من حيث إن ما رواه أبو بكرة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو خطبته كان في حجة الوداع. وعبد الهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن، واسم أبيه أبي بكرة: نفيع، بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة: ابن الحارث، وقد تقدم غير مرة.
والحديث تقدم في كتاب العلم في موضعين الأول: في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رب مبلغ أوعى من سامع، أخرجه عن مسدد، الثاني: في: باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب، وأخرجه أيضا في مواضع أخر ذكرناها في
41
: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رب مبلغ أوعى من سامع، وذكرنا أيضا هناك جميع ما يتعلق بالحديث.
قوله: (عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة) وذكر في: باب رب مبلغ، عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكر الابن أعني: عبد الرحمن ولم يذكره في: باب ليبلغ العلم، حيث قال: عن محمد عن أبي بكرة، وقد بسطنا الكلام فيه هناك، وذكرنا أيضا ما يتعلق بشرح الحديث، فلنذكر بعض شيء.
فقوله: (الزمان) اسم لقليل الوقت وكثيره، وأراد به ههنا السنة. قوله: (حرم)، بضمتين جمع: حرام. قوله: (ثلاث متواليات)، وقال ابن التين: الصواب: ثلاثة متوالية، قيل: لعله أعاد على المعنى: ثلاث مدد متواليات، فكأنه عبر عن الشهر بالمذكر. قوله: (ذو القعدة)، قال ابن التين: الأشهر فتح القاف. قوله: (رجب مضر)، إنما أضيف رجب إلى هذه القبيلة لأنهم كانوا يحافظون على تحريمه أشد من سائر العرب، وإنما قال: (بين جمادى وشعبان) تأكيدا وإزاحة للريب الحادث فيه بسبب النسيء، وكانوا يحلون الشهر الحرام ويحرمون مكانه شهرا آخر لغرض من الأغراض، والنسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر، وقد أبطل الشارع هذا وأعاد الأشهر الحرم على ما كانت عليه. قوله: (البلدة) أراد بهامكة، والألف واللام فيه للعهد، وقيل: هي اسم من أسمائها. قوله: (قال محمد) هو ابن سيرين. قوله: (ضلالا) بضم الضاد وتشديد اللام: جمع ضال، وقد تقدم بعض الشرح أيضا في الحج.
4407 ح دثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب
أن أناسا من اليهود قالوا لو نزلت هاذه الآية فينا لاتخذنا ذالك اليوم عيدا فقال عمر أية آية فقالوا: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا) * (المائدة: 3) فقال عمر إني لأعلم أي مكان أنزلت أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة)، لأنه في حجة الوداع.
والحديث قد مضى في الإيمان في: باب زيادة الإيمان ونقصانه، فإنه أخرجه هناك عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون عن أبي العميس عن قيس بن مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرؤنها إلى آخره، وقد ذكروا أن المراد من قوله: أن رجلا من اليهود هو كعب الأحبار، وقد استشكل من جهة أنه كان قد أسلم، وأجيب: بأنه قد قيل: إنه كان قد أسلم وهو باليمين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم على يد علي رضي الله تعالى عنه، فإن ثبت هذا يحتمل أن يكون الذين سألوا جماعة من اليهود اجتمعوا مع كعب على السؤال، وتولى هو السؤال عن ذلك. قلت: فيه نظر، لأن كعب الأحبار أسلم في زمن عمر رضي الله تعالى عنه، قاله الذهبي وغيره، وتقدم شرح الحديث هناك.
400 - (حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله
فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة ومنا من أهل بحج وعمرة وأهل رسول الله
بالحج فأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى يوم النحر)
مطابقته للترجمة من حيث أنه كان في حجة الوداع لأنه صرح بذلك في هذا الحديث الذي قد مضى في كتاب الحج في باب التمتع والأقران أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك الخ وتقدم أيضا في أول الباب من طريق آخر عن عائشة بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك
(حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك وقال مع رسول الله
في حجة الوداع)
هذا الطريق قد مضى في الحج الذي ذكرناه الآن وصرح بأنه كان في حجة الوداع وهي حجة الإسلام وحجة البلاغ *
42
(حدثنا إسماعيل حدثنا مالك مثله)
هذا طريق آخر عن إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله بن أخت مالك يروي عن خاله مالك مثل الحديث المذكور * -
4409 ح دثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم هو ابن سعد حدثنا ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه قال عادني النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت أفأتصدق بشطره قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك أن نذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في
امرأتك قلت يا رسول الله آاخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة رثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي، كان على قضاء بغداد، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وعامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، يروي عن أبيه سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك.
والحديث مر في الجنائز في: باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة. فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد.. الخ، ومضى أيضا في الوصايا في: باب أن تترك ورثتك أغنياء، فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد.. الخ، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: (أشفيت) أي: أشرفت. قوله: (أن تذر)، أي: تترك. قوله: (عالة)، جمع عائل وهو الفقير. قوله: (يتكففون)، أي: يمدون أكفهم للسؤال. قوله: (البائس)، هو شديد الحاجة وهي كلمة ترحم وكان سعدمها جريا بدرا مات بمكة في حجة الوداع، وكان يكره أن يموت بمكة ويتمنى أن يموت بغيرها، فلم يعط لاما يتمنى فترحم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (رثي له)... الخ من كلام الزهري أحد رواة الحديث، أي: رق ورحم.
4410 ح دثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أبو ضمرة حدثنا موساى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع. (انظر الحديث 1726 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأوب ضمرة، بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء: واسمه أنس بن عياض من أهل المدينة. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود في الحج كلاهما عن قتيبة.
4411 ح دثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج أخبرني موساى بن عقبة عن نافع أخبره ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع وأناس من أصحابه وقصر بعضهم. (انظر الحديث 1726 وطرفه).
هذا طريق آخر من طريق ابن عمر أخرجه عن عبيد الله بن سعيد بن يحيى السرخسي وهو شيخ مسلم أيضا عن محمد بن
43
بكر بن عثمان البرساني عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. قوله: (وأناس) أي: وحلق أيضا أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصر بعض الأصحاب.
4412 ح دثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن ابن شهاب. وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بمنى في حجة الوداع يصلي بالناس فسار الحمار بين يدي بعض الصف ثم نزل عنه فصف مع الناس..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرج الحديث من طريقين: أحدهما: متصل عن يحيى بن قزعة عن مالك بن أنس عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الله.. الخ. والآخر: معلق عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب... الخ. ومضى الحديث في الصلاة عن عبد الله بن يوسف عن مالك الحديث، وفي: باب سترة الإما سترة لمن خلفه. قوله: (نزل عنه) أي: ثم نزل ابن عباس عن الحمار.
4413 ح دثنا مسدد حدثنا يح يى عن هشام قال حدثني أبي قال سئل أسامة وأنا شاهد عن سير النبي صلى الله عليه وسلم في حجته فقال العنق فإذا وجد فجوة نص. (انظر الحديث 1666 وطرفه).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (عن سير النبي صلى الله عليه وسلم في حجته)، فإن المراد منها حجة الوداع. ويحيى هو ابن سعيد القطان، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير، وأسامة هو ابن زيد.
والحديث قد مضى في الحج في: باب السير إذا دفع من عرفة، وأنه أخرج هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه... الحديث.
قوله: (العنق)، بفتح العين المهملة والنون وبالقاف: وهو ضرب من السير متوسط، والفجوة: الفرجة والمتسع. قوله: (نص)، بفتح النون وتشديد الصاد المهملة أي: سار سيرا شديدا.
4414 ح دثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن أبا أيوب أخبره أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء جميعا. (انظر الحديث 1674).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن يزيد الخطمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة: نسبة إلى خطمة، وهم قوم من الأوس، واسمه عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس بن حارثة من الأنصار، وعبد الله هذا له صحبة، وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد الأنصاري.
والحديث مضى في الحج في: باب من جمع بينهما ولم يتطوع، فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد... الخ.
قوله: (جميعا) أي: بالجمع بينهما في وقت واحد.
79
((باب غزوة تبوك))
أي: هذا باب في بيان غزوة تبوك، بتفح التاء المثناة من فوق وضم الباء الموحدة وسكون الواو وفي آخره كاف، وقيل: سميت تبوك بالعين التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم، الناس أن لا يحسوا من مائها شيئا، فسبق إليها رجلان وهي تبض بشيء من ماء، فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماؤها، فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهما فيما ذكر القتبي: ما زلتما تبوكانها منذ اليوم، قال القتبي: فبذلك سميت العين تبوك، والتبوك كالنقش والحفر في الشيء، ويرد هذا ما رواه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم
44
لا تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها تبوك قبل أن يأتيها. وفي رواية ابن إسحاق؛ فقال، يعني النبي صلى الله عليه وسلم من سبق إليها؟ قالوا: يا رسول الله! فلان وفلان وفلان، وفي رواية الواقدي: سبقه إليها أربعة من المنافقين: معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائي ووديعة بن ثابت ويزيد بن لصيت، وبينها وبين المدينة نحو أربع عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، وقال الكرماني: تبوك موضع بالشام. قلت: فيه نظر، لأن أهل تقويم البلدان قالوا: تبوك بليدة بين الحجر والشام وبه عين ونخيل، وقيل: كان أصحاب الأيكة بها، والمشهور ترك الصرف للتأنيث والعلمية، وجاء في البخاري: حتى بلغ تبوكا، تغليبا للموضع، وغزوة تبوك هي آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وقال ابن سعد: خرج إليها رسول الله في رجب سنة تسع يوم الخميس، قالوا: بلغه صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدمائهم إلى البلقاء، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج، وأعلمهم بالمكان الذي بريد ليتأهبوا لذلك، وذلك في حر شديد، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وهو أثبت عندنا. وقال أبو عمر: ألا ثبت عندنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقال ابن سعد: فلما سار تخلف ابن أبي ومن كان معه فقدم صلى الله عليه وسلم تبوك في ثلاثين ألفا من الناس كانت الخيل عشرة آلاف، وأقام بها عشرين يوما يقصر الصلاة ولحقه بها أبو ذر وأبو خيثمة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا، وقدم في شهر رمضان سنة تسع، وقال ابن الأثير في (كتاب الصحابة): عن أبي زرعة الرازي: شهد معه تبوك أربعون ألفا، وفي كتاب الحاكم: عن أبي زرعة: سبعون ألفا، ويجوز أن يكون عد مرة المتبوع ومرة التابع، وقال البيهقي: وقد روي في سبب خروجه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وسبب رجوعه خبر إن صح، ثم ذكر من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم: أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم! إن كنت صادقا أنت نبي فالحق بالشام فإنها أرض المحشر، وأرض الأنبياء، عليهم السلام، فصدق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل: * (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) * إلى قوله: * (تحويلا) * (الإسراء: 76)، وأمره تعالى بالرجوع إلى المدينة، وقال: فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث... الحديث، وهو مرسل بإسناد حسن.
وهي غزوة العسرة
أي: غزوة تبوك غزوة العسرة، بضم العين وسكون السين المهملتين، مأخوذ من قوله تعالى: * (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) * (التوبة: 117) وروى ابن خزيمة من حديث ابن عباس، قيل لعمر رضي الله تعالى عنه: حدثنا عن بيان ساعة العسرة؟ قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فأصابنا عطش... الحديث، وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن أبي عقيل، قال: خرجوا في قلة من الظهر وفي حر شديد حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة في الماء وفي الظهر وفي النفقة، فسميت: غزوة العسرة.
4415 ح دثني محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موساى رضي الله عنه قال أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان لهم إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك فقلت يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم على شيء ووافقته وهو غضبان ولا أشعر ورجعت حزينا من منع النبي صلى الله عليه وسلم ومن مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه علي فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي أي عبد الله بن
45
قيس فأجبته فقال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيته قال خذ هاذين القرينتين وهذين القرينين لستة أبعرة ابتاعهن حينئ ذ من سعد فانطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هاؤلاء فاركبوهن فانطلقت إليهم بهن فقلت إن النبي صلى الله عليه وسلم يحملكم على هاؤلاء ولكني والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلي من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تظنوا أني حدثتكم شيئا لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لي إنك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت فانطلق أبو موساى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه إياهم ثم إعطاءهم بعد فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى رضي الله عنه..
مطابقته للترجمة في قوله: (إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك) وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء: ابن عبد الله بن أبي بردة، بضم الباء أيضا. واسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، وبريد هذا يروي هذا الحديث عن جده أبي بردة بن أبي موسى.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذر. وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور بإسناد البخاري.
قوله: (أسأله الحملان)، بضم الحاء المهملة، أي: الشيء الذي يركبون عليه ويحملهم، وقال الكرماني: الحملان، بالضم: الحمد. قوله: (ووافقته) أي: صادقته، والواو في: (وهو غضبان) للحال. قوله: (ولا أشعر) أي: والحال لا أعلم أبي: لم يكن لي علم بغضبه. قوله: (حزينا)، نصب على الحال. قوله:
(ومن مخافة)، بفتح الميم مصدر ميمي أي: ومن خوف أن يكون وكلمة: أن، مصدرية. قوله: (وجد في نفسه) من: وجد عليه يجد وجدا وموجدة أي: غضب. قوله: (سويعة) تصغير ساعة وهي في الأصل جزء من الزمان، وقد تطلق على جزء من أربعة وعشرين جزء التي هي مجموع اليوم والليلة. قوله: (أي عبد الله)، يعني: يا عبد الله، هو أبو موسى الأشعري. قوله: (فأجب)، بفتح الهمزة وكسر الجيم: أمر من الإجابة. قوله: (هذين القرينين) وهو تثنية: قرين، وهو البعير المقرون بآخر، يقال: قرنت البعيرين إذا جمعتهما في حبل واحد، وفي رواية أبي ذر عن غير المستملي: هاتين القرينتين، أي: الناقتين، وقد تقدم في قدوم الأشعريين أنه صلى الله عليه وسلم، أمر لهم بخمس ذود، وهنا بستة أبعرة فأما تعددت القضة أو زادهم على الخمس واحدا. فإن قلت: قوله: (هذين القرينين)، يقتضي أربعة، فكيف قال: ستة أبعرة. وكان ينبغي أن يذكر لفظ: القرينين، ثلاث مرات لتكون ستة؟ قلت: يحتمل أن يكون اختصارا من الراوي، أو كانت الأولى اثنتين والثانية أربعة، لأن القرين يصدق على الواحد وعلى الأكثر، واللام في قوله: (لستة أبعرة)، يتعلق بقوله: (قال: خذ). قوله: (أبتاعهن)، في رواية الكشميهني: ابتاعهم، وكذا في رواية: فانطلق بهم وهو تحريف، والصواب رواية الجماعة، وقال الكرماني: هذا من تشبيه الأبعرة بذكور العقلاء. قوله: (لا أدعكم) أي: لا أترككم.
4416 ح دثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليا فقال أتخلفني في الصبيان والنساء قال ألا ترضاى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي. (انظر الحديث 3706).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو ابن سعيد القطان، والحكم، بفتحتين هو ابن عتيبة تصغير عتبة الباب ومصعب بن سعد ابن أبي وقاص يروي عن أبيه سعد.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في المناقب عن ابن المثنى وابن بشار به.
قوله: (واستخلف عليا) يعني: المدينة قوله: (ألا ترضى)... الخ: معناه أن تكون خليفة عني في سفري هذا بمنزلة استخلاف موسى أخاه هارون عليه السلام، على بني إسرائيل حين توجه إلى الطور؟ قوله:
46
(إلا)، وجه هذا الاستثناء الدلالة على أن الخلافة ليست في النبوة، لأنه لا نبي بعده.
وقال أبو داود حدثنا شعبة عن الحكم سمعت مصعبا.
أي: قال أبو داود سليمان بن داود الطيالسي من أفراد مسلم، أراد بذلك بيان التصريح بالسماع في رواية الحكم عن مصعب، وأخرج التعليق البيهقي في (دلائله) من حديث يونس بن حبيب: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة... فذكره.
4417 ح دثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يخبر قال أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم العسرة قال كان يعلى يقول تلك الغزوة أوثق أعمالي عندي قال عطاء فقال صفوان قال يعلى فكان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر قال عطاء فلقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته قال فانتزع المعضوض يده من في العاض فانتزع إحدى ثنيتيه فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته قال عطاء وحسبت أنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أفيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فحل يقضمها..
مطابقته للترجمة في قوله: (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم العسرة)، لأن العسرة هي غزوة تبوك كما مر فيما مضى، وعبيد الله بن سعيد بن يحيى أبو قدامة اليشكري، ومحمد بن بكر بن عثمان البرساني، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء بن أبي رباح.
والحديث قد مضى في الجهاد في: باب الأجير، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن سفيان عن ابن جريج... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (العسرة) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي: العسيرة، بالتصغير، وهي غزوة تبوك. قوله: (أوثق أعمالي عندي)، وقد تقدم في الإجارة: أوثق أحمالي، وبالعين المهملة أصح. قوله: (فعض) من الغض بالأسنان وأصله عضض، من باب علم يعلم، وقيل: من باب ضرب يضرب، والأول أصح لقوله تعالى: * (ويوم يعض الظالم على يديه) * (الفرقان: 27) قوله: (إحدى ثنيتيه)، وهي تثنية ثنية، وهي مقدم الأسنان وهن أربعة: ثنتان من الأعلى وثنتان من الأسفل. قوله: (أفيدع؟) أي: أفيترك؟ الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار. قوله: (تقضمها) أي: تمضغها، بفتح الضاد، يقال: قضمت الدابة شعيرها تقضمه أي: تأكله. قوله: (كأنها في في فحل) أي: في فم فحل.
80
((في حديث كعب بن مالك))
أي: هذا في بيان حديث كعب بن مالك بن أبي كعب، واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عدي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله، شهد العقبة الثانية واختلف في شهوده بدرا، وشهد أحدا والمشاهد كلها حاشا تبوك، فإنه تخلف عنها، وكان أحد الشعراء في الجاهلية، وتوفي في خلافة معاوية سنة خمسين، وقيل: ثلاث وخمسين، وهو ابن سبع وسبعين، وكان قد عمي في آخر عمره، ويعد في المدنيين، وروى عنه جماعة من التابعين.
وقول الله عز وجل: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 118).
أي: وفي بيان قول الله عز وجل: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 118) والثلاثة هم: كعب بن مالك المذكور، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع،
تخلفوا عن غزوة تبوك فتاب الله عليهم وعذرهم، وأنزل في حقهم * (وعلى الثلاثة خلفوا) * أي: عن غزوة تبوك، أي: وتاب الله على الثلاثة، وهو عطف على ما قبله، وهو قوله: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار) إلى قوله: * (رؤوف
47
رحيم) * (التوبة: 117) ثم عطف عليه قوله: (وعلى الثلاثة)، قال مجاهد قوله: * (لقد تاب الله) * (التوبة: 117) الآية نزلت في غزوة تبوك، واختلف في معنى التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هو مفتاح كلام، لأنه لما كان سبب توبة التائبين ذكر معهم كقوله: * (فإن لله خمسة وللرسول) * (الأنفال: 41) وقال الزمخشري: تاب الله على النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 2) ومثل قوله: * (واستغفر لذنبك) * (غافر: 55، محمد: 19) وقيل: معناه تاب الله عليه من إذنه للمنافقين في التخلف عنه، كقوله: عفا الله عنك.
4418 ح دثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها كان من خبري أني لم أكن قط أقوي ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان وإن قال كعب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادي بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه
48
ونظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب بن مالك فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بما ذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقة وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخط بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضي به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس
49
مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل
اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هاذا الأمر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولاكن لا يقربك قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت والله لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بالتوبة يقولون لتهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني
50
والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذالك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلي يومي هاذا كذبا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله وكانوا مع الصادقين فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إلى قوله فإن الله لا يرضي عن القوم الفاسقين قال كعب وكن تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولائك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه..
مطابقته للترجمة أظهر ما يكون وقد أخرج البخاري غزوة تبوك وتوبة الله على كعب بن مالك في عشرة مواضع مطولا ومختصرا: في الوصايا وفي الجهاد وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي وفود الأنصار وفي موضعين من المغازي وفي موضعين من التفسير وفي الاستئذان وفي والأحكام. وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الطاهر بطوله وعن محمد بن رافع. وأخرجه أبو داود في الطلاق عن أبي الطاهر وسليمان بن داود. وأخرجه النسائي فيه عن سليمان وغيره.
قوله: (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب)، كذا وقع عند الأكثرين، ووقع عند الزهري في بعض هذا الحديث رواية: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وهو عم عبد الرحمن بن عبد الله الذي حدث به عنه هنا، وفي رواية: عن عبد الله بن كعب، نفسه. قال أحمد بن صالح فيما أخرجه ابن مردويه: كان الزهري سمع هذا القدر من عبد الله بن كعب نفسه، وسمع الحديث بطوله من ولده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وعنه أيضا في رواية: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بالتصغير ووقع عند ابن جرير من طريق يونس عن الزهري في أول الحديث بغير إسناد قال الزهري: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك الحديث. قوله: (وكان قائد كعب من بنيه)، بفتح الباء الموحدة وكسر النون بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ووقع في رواية القابسي وكذا لابن السكن في الجهاد: من بيته، بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف بعدها تاء مثناة
51
من فوق. قوله: (حين تخلف)، مفعول به لا مفعول فيه. قوله: (عن قصة) يتعلق بقوله: يحدث قوله: (يعاتب أحدا) أي: لم يعاتب الله أحدا، ويروى: لم يعاتب، على صيغة المجهول، وأحد بالرفع. قوله: (تخلف عنها) أي: عن غزوة بدر. قوله: (عير قريش)، بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف: وهي الإبل التي تحمل الميرة. قوله: (ليلة العقبة) وهي: التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الأنصار على الإسلام والإيواء والنصر، وذلك قبل الهجرة، والعقبة هي التي في طرف منى التي تضاف إليها جمرة العقبة، وكانت بيعة العقبة مرتين كانوا في السنة الأولى اثني عشر، وفي الثانية سبعين كلهم من الأنصار. قوله: (حين تواثقنا) أي: تعاهدنا وتعاقدنا. قوله: (وما أحب إن لي بها مشهد بدر) أي: أزلي بدلها. قوله: (وإن كانت بدر)، أي: غزوة بدر (أذكر) أي: أعظم ذكرا في (في الناس) أي: بين الناس، وفي رواية مسلم عن يونس بن عن شهاب: وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها، ولفظ: أذكر، على وزن أفعل التفضيل. قوله: (وأقوى ولا أيسر)، وزاد مسلم لفظة: مني. قوله: (إلا ورى)، بفتح الواو وتشديد الراء أي: أوهم (بغيرها) وهو من التورية، وهي: أن يذكر لفظ يحتمل معنيين أحدهما: أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد. قوله: (فجلى)، بفتح الجيم وتشديد اللام، أي: كشف وأوضح، ويجوز بتخفيف اللام أيضا. قوله: (أهبة) الأهبة، بضم الهمزة تجهيزها ما يحتاجون إليه. قوله: (غزوهم)، ويروى: عدوهم. قوله: (والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
كثير)، وقد ذكرنا عن قريب أنه كان معه أربعون ألفا وقيل: سبعون ألفا. قوله: (ولا يجمعهم كتاب حافظ) بالتنوين فيهما، وفي رواية مسلم بالإضافة، وزاد في رواية مغفل: يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان حافظ. قوله: (يريد الديوان)، من كلام الزهري، وأراد به: أن المراد من قوله: (كتاب حافظ) هو الديوان، وهو الكتاب الذي يجمع فيه الحساب، وهو يكسر الدال وقيل بفتحها أيضا، وهو معرب، وقيل: عربي. قوله: (قال كعب)، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فما رجل)، وفي رواية مسلم: قل رجل، قوله: (إلا ظن أنه سيخفى)، وفي رواية الكشميهني: إن سيخفى، بتخفيف نون: أن، بلا هاء، وفي رواية مسلم: أن ذلك سيخفى له. قوله: (فطفقت أعدو)، بالطاء وبالفاء والقاف، وهو من أفعال المقاربة معناه: أخذت في الفعل قوله: (حتى اشتد بالناس الجد)، بكسر الجيم، وهو: الجهد في الشيء والمبالغة فيه، وقال ابن التين: وضبط في بعض الكتب برفع: الناس، على أنه فاعل، ويكون: الجد، منصوبا بإسقاط الخافض، أو هو نعت لمصدر محذوف أبي: اشتد الناس الاشتداد الجد، وعند ابن السكن: اشتد بالناس الجد، برفع: الجد، وزيادة: الباء الموحدة في الناس، وهو رواية أحمد ومسلم، وفي رواية ابن مردويه: حتى شمر الناس الجد. قوله: (من جهازي)، بفتح الجيم وكسرها وهو: الأهبة. قوله: (حتى أسرعوا)، من الإسراع، وفي رواية الكشميهني: حتى شرعوا، بالشين المعجمة من الشروع، قيل: هو تصحيف. قوله: (وتفارط الغزو) أي: فات وسبق من الفرط وهو السبق، وفي رواية ابن أبي شيبة: حتى أمعن القوم وأسرعوا. قوله: (وليتني فعلت)، فيه تمني ما فات فعله. قوله: (مغموصا)، بالغين المعجمة والصاد المهملة، أي: مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق، وقيل: معناه مستحقرا، تقول: غمصت فلانا إذا استحقرته، وكذلك: اغمصته. قوله: (حتى بلغ تبوك)، بغير صرف للعلمية والتأنيث، كذا هو في رواية الأكثرين. ويروي: تبوكا، بالصرف على إرادة المكان أو الموضع. قوله: (من بني سلمة)، بكسر اللام، وفي رواية معمر: من قومي، وهو عبد الله بن أنيس، كذا قاله الواقدي قوله: (حبسه برداه) تثنية، برد. قوله: (والنظر)، أي وحبسه النظر (في عطفيه) بكسر العين المهملة أي: جانبيه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه، وقيل: كنى بذلك عن حسنه وبهجته، والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفا لوقوعه على عطفي الرجل قوله: (فلما بلغني أنه) أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا في رواية مسلم. قوله: (قافلا) أي: راجعا من سفره إلى المدينة، وقال ابن سعد: كان قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة في رمضان. قوله: (حضرني همي)، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حضرني هم قوله: (قد أظل قادما) أي: قددنا قدومه إلى المدينة. قوله: (زاح)، بالزاي وبالحاء المهملة أي: زال. قوله: (فأجمعت صدقه) أي: جزمت بذلك وعقدت عليه قصدي، وفي رواية ابن أبي شيبة: وعزمت أنه لا ينجيني إلا الصدق. قوله: (المخلفون)، أي: الذين تأخروا عن الذهاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فطفقوا) أي: أخذوا (يعتذرون) أي: يظهرون العذر. قوله: (وكانوا بضعة وثمانين)، وقد مر غير مرة أن: البضعة في العدد، ما بين الثلاثة إلى
52
التسعة، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة، وهو بكسر الباء، وحكي الفتح أيضا، وذكر الواقدي أن هذا العدد كان من منافقي الأنصار وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلا من بني غفار وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء، وكانوا عددا كثيرا. قوله: (علانيتهم)، أي: ظاهرهم. قوله: (تبسم المغضب)، أي: كتبسم المغضب، بفتح الضاد، وفي (مغازي ابن عائذ): فأعرض عنه، فقال: يا نبي الله! لم تعرض عني؟ فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت. قال: فما خلفك؟. قوله: (ابتعت ظهرك)، أي: اشتريت راحلتك. قوله: (أعطيت) على صيغة المجهول. قوله: (جدلا)، أي: فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما ينتسب إلي مما يقبل ولا يرد قوله: (ليوشكن الله) أي: ليعجلن الله على بسخط منك. قوله: (تجد)، بكسر الجيم، أي: تغضب. قوله: (وثار رجال) أي: وثبوا. قوله: (قد كان كافيك ذنبك)، أي: من ذنبك وحذفت كلمة: من، قوله: (استغفار)، بالرفع لأنه مرفوع بقوله: (كافيك) لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله. قوله: (يؤنبوني)، ويروى: يؤنبونني، من التأنيب وهو اللوم العنيف. قوله: (مرارة)، بضم الميم وتخفيف الراءين: ابن الربيع، ويقال: ابن ربيعة العمري نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وقال الكرماني: وفي بعض الروايات العامري، أنكره العلماء وقالوا: صوابه العمري. قلت: لأنه كان من بني عمرو بن عوف شهد بدرا. قوله: (وهلال بن أمية) الأنصاري (الواقفي) من بني واقف ابن امرئ القيس بن مالك بن الأوس شهد بدرا. قوله: (إسوة)، بكسر الهمزة وضمها، وقال ابن التين: التأسي بالنظير ينفع في الدنيا بخلاف الآخرة، قال الله تعالى: * (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) * (الزخرف: 39)... الآية. قوله: (أيها الثلاثة)، بالرفع وهو في موضع نصب على الاختصاص، أي: متخصصين بذلك دون بقية الناس. قوله: (فاجتنبنا الناس) بفتح الباء الموحدة بعدها نون المتكلم، وهي جملة من الفعل والمفعول. وقوله: (الناس)، بالرفع فاعله. قوله: (تنكرت)، أي: تغيرت. قوله: (فما هي التي أعرف)، أي: تغير كل شيء علي حتى الأرض فإنها توحشت وصارت كأنها أرض لم أعرفها لتوحشها علي. قوله: (وأطوف) أي: أدور. قوله: (فأسارقه النظر)، وبالقاف أي: أنظر إليه في خفية. قوله: (من جفوة الناس)، بفتح الجيم وسكون الفاء أي: من جفائهم وإعراضهم. قوله: (حتى تسورت)، أي: صعدت على سور الدار. قوله: (حائط أبي قتادة)، الحائط: البستان، وأبو قتادة، بفتح القاف: اسمه الحارث بن ربعي، بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وبالعين المهملة: ابن بلذمة الأنصاري السلمي الخزرجي من بني غنم بن كعب بن سلمة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، هكذا يقول ابن شهاب وجماعة أهل الحديث أن اسم أبي قتادة الحارث بن ربعي، قال ابن إسحاق: وأهله يقولون اسمه النعمان بن عمرو بن بلذمة، قال أبو عمر: يقولون بلذمة، بالفتح، وبلذمة باضم، وبلذمة بالذال المنقوطة والضم أيضا، توفي بالكوفة في خلافة علي رضي الله تعالى عنه، وصلى هو عليه. قوله: (ما رد على السلام)، لعموم النهي عن كلامهم. قوله: (وهو ابن عمي) قيل: إنما قال: إنه ابن عمي، لكونهما معا من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه، وقال الكرماني، وليس هو ابن عمه بل ابن عم جد جده. قوله: (أنشدك)، بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة، أي: أسألك بالله. قوله: (الله ورسوله أعلم) وليس تكليما لكعب. قوله: (حتى تسورت الجدار)، أي: للخروج من
الحائط، وفي رواية معمر: فلم أملك نفسي أن بكيت ثم اقتحمت الحائط خارجا. قوله: (إذا نبطي) كلمة: إذا للمفاجأة، و: النبطي، بفتح النون والباء الموحدة: الفلاح، سمي بالنبطي لأن اشتقاقه من استنباط الماء واستخراجه، والأنباط كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، وهذا النبطي كان نصرانيا شاميا، وقيل: النبطي منسوب إلى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام. قوله: (من ملك غسان)، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة، وهو من جملة ملوك اليمن، سكنوا الشام. قيل: هو جبلة بن الأيهم، نص عليه ابن عائذ، وعن الواقدي: إنه الحارث بن أبي بشر، وقيل: جند بن الأيهم، وفي رواية ابن مردويه: فكتب إلى كتابا في سرقة من حرير. قوله: (هوان)، أي: ذل وصغار. قوله: (ولا مضيعة)، بفتح الميم وسكون الضاد المعجمة وكسرها أيضا لغتان، أي: حيث يضيع حقك. قوله: (نواسك)، بضم النون وكسر السين المهملة من: المواساة. قوله: (فتيممت بها التنور) أي: قصدت بها. أي: بالكتاب الذي أرسله ملك غسان، وإنما أنت الضمير باعتبار الصحيفة، والتنور معروف وهو ما يخبز فيه. قوله: (فسجرته)
53
أي: فسجرت التنور أي: أوقدته، بها أي: بالكتاب الذي هو الصحيفة، وهذا الصنيع من كعب يدل على قوة إيمانه ومحبته لله ورسوله. قوله: (إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، كلمة: إذا للمفاجأة، وعن الواقدي: إن هذا الرسول هو خزيمة بن ثابت. قوله: (أن تعتزل امرأتك) اسمها: عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية، أم أولاده الثلاثة: عبد الله وعبيد الله ومعبد، ويقال: اسم امرأته التي كانت عنده يومئذ: خيرة، بالخاء المعجمة المفتوحة وسكون الياء آخر الحروف، وقال الذهبي: عميرة بنت جبيرصلت القبلتين وهي زوجة كعب بن مالك، وقال أيضا: خيرة امرأة كعب بن مالك لها حديث غريب في (كتاب الوجدان) لابن أبي عاصم، وقال أبو عمر: خيرة امرأة كعب بن مالك الشاعر، ويقال: حيرة، بالحاء المهملة، حديثها عند الليث بن سعد من رواية ابن وهب وغيره بإسناد ضعيف لا يقوم به حجة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا يجوز لامرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها. قوله: (ألحقي بأهلك)، هذا اللفظ من الكنايات، ومحلها في الفروع قوله: (فجاءت امرأة هلال بن أمية) هي: خولة بنت عاصم، وقال الذهبي: هي التي لاعنها هلال ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهما. قوله: (فقال لي بعض أهلي) استشكل هذا مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة. وأجيب: بأنه يحتمل أن يكون عبر عن الإشارة بالقول، وقيل: لعله من النساء، لأن النهي لم يقع عن كلام النساء اللاتي في بيوتهم، وقيل: كان الذي كلمه منافقا، وقيل: كان ممن يخدمه ولم يدخل في النهي. قوله: (حتى كملت)، بضم الميم وفتحها وكسرها. قوله: (على الحالة التي ذكر الله تعالى)، وهو في قوله تعالى: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) * (التوبة: 118)... الآية قوله: (على جبل سلع)، بفتح السين المهملة وسكون اللام: وهو جبل معروف بالمدينة، وفي رواية معمر: من ذروة سلع، أي: أعلاه. قال الواقدي: الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق. قوله: (يا كعب بن مالك! أبشر)، من البشارة وفي رواية عمر بن كثير عند أحمد عن كعب: إذ سمعت رجلا على الثنية يقول: كعب كعب، حتى دنا مني، فقال: بشروا كعبا. قوله: (فخررت)، أي: أسقطت نفسي على الأرض حال كوني ساجدا، وفيه مشروعية سجدة الشكر، وكرهها أبو حنيفة ومالك. قوله: (وآذن)، أي: أعلم. قوله: (وذهب قبل صاحبي)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي: جهة صاحبي، بفتح الباء الموحدة وتشديد الياء، تثنية: صاحب وهما: هلال ومرارة. قوله: (مبشرون)، فاعل ذهب، جمع: مبشر قوله: (وركض إلى رجل فرسا) وهو الزبير بن العوام، وقيل: حمزة ابن عمرو، ووالله أعلم. قوله: (وسعى ساع)، هو حمزة بن عمر، ورواه الواقدي، وقال: أبو عمر حمزة بن عمر والأسلمي من ولد أسلم ابن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر، يكنى أبا حاتم، ويعد في أهل الحجاز، مات سنة إحدى وستين وهو ابن ثمانين سنة، روى عنه أهل المدينة وكان يسرد الصوم، وعند ابن عائذ: إن اللذين سعيا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، لكنه صدره بقوله: زعموا قوله: (فأوفى على الجبل)، أي: ارتفع وأشرف، وقال الواقد: الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد، وكان الذي بشر مرارة بتوبته سلكان بن سلامة أو سلمة بن سلامة بن وقش. قوله: (قلما جاءني الذي سمعت صوته) هو حمزة بن عمرو الأسلمي. قوله: (والله ما أملك غيرهما يومئذ)، يعني: من جنس الثياب. قوله: (فوجا فوجا) أي: جماعة جماعة. قوله: (واستعرت ثوبين)، استعارهما من أبي قتادة. قاله الواقي. قوله: (لتهنك)، بكسر النون، وزعم ابن التين أنه بفتحها، قال: لأنه من: يهنأ، بالفتح. قوله: (ولا أنساها لطلحة)، وهو طلحة بن عبيد الله المذكور، وهو أحد العشرة المبشرة. قوله: (أبشر بخير يوم مر عليك) فإن قلت: يوم إسلامه خير أيامه؟ قلت: قال الكرماني: المراد به سوى يوم إسلامه ولظهوره تركه، وقيل: يوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها، فهو خير من جميع أيامه فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها. قوله: (قال: لا) أي: ليس من عندي بل من عند الله. قوله: (إذا سر)، على صيغة المجهول أي: إذا حصل له السرور (استنار وجهه) أي: تنور. قوله: (حتى كأنه قطعة قمر) فإن قلت: لم لم يقل: كأنه قمر؟ فما الحكمة في تقييده بالقطعة؟ قلت: قيل: للاحتراز من قطعة السواد التي في القمر. قوله: (وكنا نعرف ذلك منه) وفي رواية الكشميهني: فيه، وذلك إشارة إلى ما كان يحصل له من استنارة وجهه عند السرور قوله: (أن أنخلع)، أي: أن أخرج من مالي بالكلية. قوله: (صدقة)، بالنصب أي:
54
لأجل التصدق، ويجوز أن يكون حالا بمعنى: متصدقا. قوله: (إلى الله) كلمة: إلى بمعنى اللام، أي: صدقة خالصة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أمسك عليك بعض مالك)، إنما أمره بذلك خوفا من تضرره بالفقر وعدم صبره على الفاقة، ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، بجميع ماله لأنه كان صابرا راضيا. قوله: (أبلاه الله)، أي: أنعم عليه. قوله: (أن لا أكون)، بدل من قوله: (من صدقي) أي: ما أنعم أعظم من عدم كذبي ثم عدم هلاكي. قال النووي رحمه الله: قالوا لفظة: لا، زائدة ومعناه: أن أكون كذبته نحو ما منعك أن لا تسجد. قوله: (فأهلك) بالنصب أي: فإن لك، بكسر اللام وفتحها. قوله: (كما هلك الذين) أي: كهلاك الذين، (كذبوا) قوله: للذين أي: لأجل الذين كذبوا. قوله: (شر ما قال لأحد) أي: قال قولا سر ما قال، بالإضافة أي: شر
القول الكائن لأحد من الناس، ثم بين ذلك بقوله، فقال تبارك وتعالى: * (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم ولا تؤنبوهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * (التوبة: 95 96) وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين الذين تخلفوا بقوله: إنهم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عنهم ولا تؤنبوهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس أي: خبثاه نجس بواطنهم واعتقاداتهم ومأواهم في آخرتهم جهنم جزاء أي لأجل الجزاء بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا، ثم أخبر عنهم بأنهم يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين، أي: الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفسق هو الخروج ومنه سميت الفأرة: فهو فويسقة، لخروجها من جحرها، ويقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها. قوله: (وكنا تخلفنا)، وفي مسلم: خلفنا. قوله: (وأرجأ) أي: أخر، من الإرجاء بالهمزة في آخره، وحاصل معنى قول كعب أنه فسر قوله تعالى: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 118) أي: أخروا حتى تاب الله عليهم، وليس المراد أنهم خلفوا عن الغزو، وفي (تفسير عبد الرزاق): عن معمر عمن سمع عكرمة في قوله: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 118) قال: خلفوا عن التوبة. قوله: (مما خلفنا)، على صيغة المجهول. قوله: (عن الغزو) أي: غزوة تبوك. قوله: (وإنما هو تخليفه)، أي: تخليف الله إينا أي: تأخيره إيانا أي: تأخيره أمرنا عن أمر من حلف له واعتذر إليه فقبل منه اعتذاره وحلفه فغفر له.
فوائد الحديث المذكور أكثر من خمسين فائدة: فيه: جواز طلب أموال الكفار دون الحرب. وفيه: جواز الغزو في الشهر الحرام، والتصريح بجهة الغزو وإذا لم تقتضي المصلحة ستره، وأن الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير. فإن قلت: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم عموما لغزوة تبوك فغضبه على من تخلف ظاهره، وإن لم يستنفرهم عموما فالجهاد فرض كفاية، فما وجه غضبه على المخلفين؟ قلت: كان الجهاد فرض عين في حق الأنصار لأنهم بايعوه على ذلك، فغضبه على المتخلفين كان في محله. وفيه: إباحة الغنيمة لهذه الأمة إذ قال: يريدون عير قريش. وفيه: فضيلة أهل بدر والعقبة والمتابعة مع الإمام وجواز الحلف من غير استحلاف والتأسف على ما فاته من الخبر وهجران أهل البدعة، وأن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بإمساك الكلام عنه وترك قربان الزوجة واستحباب صلاة القادم ودخوله المسجد أولا، وتوجه الناس إليه عند قدومه والحكم بالظاهر وقبول المعاذير واستحباب البكاء على نفسه، ومسارقة النظر في الصلاة لا تبطلها، وفضيلة الصدق وأن السلام ورده كلام، وجواز دخوله في بستان صديقه بلا إذنه، وأن الكناية لا يقع بها الطلاق ما لم ينوه، وإيثار طاعة الله ورسوله على مودة القريب، وخدمة المرأة لزوجها، والاحتياط بمجانبته ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه إذ لم يستأذن في خدمة امرأته لذلك، وجواز إحراق ورقة فيها ذكر الله إذا كان لمصلحة، واستحباب التبشير عند تجدد النعمة واندفاع الكربة واجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة وسروره بما يسر أصحابه، والتصدق بشيء عند ارتفاع الحزن، والنهي عن التصدق بكل ماله عند عدم الصبر، وإجازة البشير بخلعه وتخصيص اليمين بالنية، وجواز العارية ومصافحة القادم والقيام له والتزام مداومة الخير الذي ينتفع به واستحباب سجدة السكر. وفيه: عظم أمر المعصية وعن الحسن البصري أنه قال: يا سبحان الله: ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما ولا سفكوا دما حراما ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما سمعتم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر؟ رواه ابن أبي حاتم. وفيه: أن القوي يؤاخذ أشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين. وفيه: جواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه. وفيه: جواز مدح الرجل بما فيه من الخير إذا أمن
55
الفتنة، وتسلية نفسه عما لم يحصل له بما وقع لنظيره. وفيه: جواز ترك السلام على من أذنب، وجواز هجرة ثلاثة أيام. وفيه: تبريد حر المعصية بالتأسي بالنظير. وفيه: جواز ترك رد السلام على المهجور عمن سلم عليه، إذ لو كان واجبا لم يقل كعب: هل حرك شفتيه برد السلام؟ وفيه: أن قول المرء: الله ورسوله أعلم، ليس ليس بخطاب ولا كلام، فلا يحنث به من حلف أن لا يكلم فلانا إذا لم بنو به مكالمته. وفيه: مشروعية العارية.
81
((باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر))
أي: هذا باب في بيان نزول النبي صلى الله عليه وسلم، الحجر، بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وفي آخره راء: وهي منازل ثمود قوم صالح عليه الصلاة والسلام، بين المدينة والشام عند وادي القرى، وليس في بعض النسخ لفظة: باب.
4419 ح دثنا عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (حتى أجاز الوادي) لأن فيه معنى النزول إلى الوادي والصعود منه. ولو قال في الترجمة: باب مرور النبي صلى الله عليه وسلم، بالحجر لكأن أصوب وأقرب. والحديث مر في أحاديث الأنبياء في: باب قول الله تعالى * (وإلى ثمود أخاهم صالحا) * (الأعراف: 73) ومر أيضا في كتاب الصلاة في: باب الصلاة في مواضع الخسف.
قوله: (أن يصيبكم)، بفتح الهمزة مفعول له، أي: كراهة الإصابة. قوله: (وقنع)، أي: ستر رأسه بالقناع. قوله: (حتى أجاز). أي: حتى سلك الوادي أو حتى قطعه.
4420 ح دثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هاؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم..
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر. قوله: (لأصحاب الحجر) قال الكرماني: أي الصحابة الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع فاضيفوا إلى الحجر بملابسة عبودهم عليه وقال بعضهم وقد تكلف الكرماني في ذلك وتعسف وليس كما قال بل اللام في قوله: (لأصحاب الحجر) بمعنى: عن، وحذف المقول لهم ليعم كل سامع، والتقدير: قال لأمته عن أصحاب الحجر وهم ثمود: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين) أي: ثمود. انتهى. قلت: هو أيضا تكلف أكثر منه، والمعنى الواضح الذي لا غبار عليه أن: اللام، في (لأصحاب الحجر) بمعنى: عند. كما في قولهم: كتبته لخمس خلون، أي: قال عند أصحاب الحجر، وهم المعذبون هناك: لا تدخلوا عليهم. قوله: (أن يصيبكم) أي: خشية أن يصيبكم.
82
((باب))
أي: هذا باب: وقع كذا بلا ترجمة وهو كالفصل لما تقدم، لأن أحاديثه تتعلق ببقية قصة تبوك، والباب الذي قبله أيضا يتعلق بتبوك، فافهم.
413 - (حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة قال ذهب
56
النبي
لبعض حاجاته فقمت أسكب عليه الماء لا أعلمه إلا قال في غزوة تبوك فغسل وجهه وذهب يغسل ذراعيه فضاق عليه كم الجبة فأخرجهما من تحت جبته فغسلهما ثم مسح على خفيه)
مطابقته للترجمة المتقدمة في قوله لا أعلمه إلا قال في غزوة تبوك والحديث قد مضى في كتاب الوضوء في باب الرجل يوضىء صاحبه فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير بن مطعم عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة أنه كان مع رسول الله
في سفر الحديث ولم يذكر غزوة تبوك وكذلك أخرجه في باب المسح على الخفين عن عمرو بن خالد الحراني عن الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير الخ ولم يذكر فيه إلا أنه خرج لحاجته فاتبعه المغيرة بأداوة فيها ماء الحديث وعلم منه أن الليث له شيخان أحدهما في حديث الباب عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون والآخر يحيى بن سعيد في الباب المذكور قوله ' لبعض حاجاته ' بالجمع قوله ' كم الجبة ' ويروى كمي الجبة بالتثنية
4422 ح دثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان قال حدثني عمرو بن يحيى عن عباس ابن سهل بن سعد عن أبي حميد قال أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال هاذه طابة وهاذا أحد جبل يحبنا ونحبه..
مطابقته للترجمة المتقدمة ظاهرة. وخالد بن مخلد، بفتح الميم واللام، وسليمان هو ابن بلال، وعمرو بن يحيى المازني، وأبو حميد، بضم الحاء: اسمه عبد الرحمن، وقيل غير ذلك الساعدي. والحديث مضى في مواضع في الحج وفي المغازي وفي فضل الأنصار وفي الزكاة ومضى الكلام فيه مفرقا.
قوله: (طابة)، بفتح الباء الموحدة المخففة، وهو اسم من أسماء مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (عطف بيان.
4423 ح دثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم رجع غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر. (انظر الحديث 2838 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن محمد بن موسى يقال له مردويه السمسار المروزي، يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي.
قوله: (إلا كانوا معكم)، أي: في حكم النية والثواب. قوله: (وهم بالمدينة)، الواو فيه للحال. والحديث مضى في الجهاد في: باب من حبسه العذر عن الغزو.
83
((باب كتابه النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر))
أي: هذا باب في بيان كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، بكسر الكاف وفتحها، وهو لقب كل من ملك الفرس، ومعناه بالعربية: المظفر، وكسرى هذا الذي أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، الكتاب هو كسرى أبرويز بن هرمز بن أنو شروان، وهو كسرى الكبير المشهور، وقيل: كسرى هذا أنو شروان، وليس كذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر بأنه يقتله ابنه، والذي قتله ابنه هو كسرى أبرويز. قوله: (وقيصر)، هو لقب كل من ملك الروم، والمراد منه: هرقل، وقد ترجمناه في أول الكتاب.
57
4424 ح دثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه مزقه فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن راهويه، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وإبراهيم بن سعد يروي عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله، بضم العين، عن عبد الله، بفتحها ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة عن عبد الله بن عباس.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب ما يذكر في الناولة، فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد. الخ، وليس فيه اسم: عبد الله بن حذافة، وإنما فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين الحديث، وعبد الله بن حذافة، بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة
المخففة وبعد الألف فاء: ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، يكنى أبا حذافة، كناه الزهري، أسلم قديما وكان من المهاجرين الأولين، ويقال: إنه شهد بدرا ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين، وكانت فيه دعابة، وقال خليفة: أسرت الروم عبد الله في سنة تسع عشرة، وقال ابن لهيعة: توفي عبد الله بن حذافة بمصر ودفن بمقبرتها.
قوله: (بعث بكتابه إلى كسرى)، ذكره ابن إسحاق في السنة السادسة، قال: وفيها، أي: وفي سنة ست بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر مصطحبين حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان، عرب النصارى بالشام، ودحية الكلبي إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم، وسليط بن عمرو إلى هوذة ابن عمرو والحنفي، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى ملك الفرس، وقال الواقدي: كان ذلك في آخر سنة ست بعد عمرة الحديبية، أرسلهم في يوم واحد، وقيل: في المحرم في سنة ست، وقال البيهقي: في سنة ثمان بعد غزوة مؤتة، وترتيب البخاري يدل على أنه كان في سنة تسع، فإنه ذكره بعد غزوة تبوك، وأنه ذكر في آخر الباب حديث السائب بن يزيد: أنه تلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع مقدمة من غزوة تبوك. قال ابن إسحاق: كتب معه:
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس.
قال ولما قرأه شقه، قال: وكان يكتب إلي بهذا وهو عبد؟ وذكر القصة مطولة، وفيها: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا. قال الواقدي: وكان قتله ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الآخرة في سنة تسع من الهجرة لست ساعات مضت فيها. قوله: (إلى عظيم البحرين)، هو نائب كسرى على البحرين واسمه المنذر بن ساوي العبدي. قوله: (فدفعه عظيم البحرين)، هو نائب كسرى على البحرين واسمه المنذر بن ساوي العبدي. قوله: (فدفعه عظيم البحرين)، فيه حذف تقديره: فتوجه إليه أعطاه الكتاب فتوجه فدفعه إلى كسرى. قوله: (فلما قرأه)، بالضمير المنصوب رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فلما قرأ، بدون الضمير، قال بعضهم: فيه مجاز فإنه ل يقرأه بنفسه، وإنما قرىء عليه. قلت: الكلام يدل على أنه هو الذي قرأه. والمصير إلى المجاز يحتاج إلى دليل لأنه لا مانع عقلا ولا عادة من أنه كان يعرف القراءة. قوله: (فدعا عليهم)، أي: على كسرى وجنوده. قوله: (أن يمزقوا)، أي: بأن يمزقوا أي التمزيق كل ممزق بحيث لا يبقى منهم أحد، وهكذا جرى ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة ولا أمر نافذ، وأدبر عنهم الإقبال حتى انقرضوا بالكلية في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه.
4425 ح دثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال لقد نفعني
58
الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
مطابقته للترجمة من حيث إن تولية بنت كسرى لم تكن إلا بعد كسرى الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن كسرى هذا لما قتله ابنه شيرويه لم يعش بعده إلا ستة أشهر، فلما مات لم يخلف أخا لأنه كان قتل إخوته حرصا على الملك، ولم يخلف ذكرا وكرهوا خروج الملك عن بنت كسرى فملكوا عليهم بنت كسرى واسمها: بوران، بضم الباء الموحدة وفي آخره نون.
وعثمان بن الهيثم، بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة: ابن الجهم أبو عمرو والمؤذن البصري، وعوف، بفتح العين المهملة وبالفاء ابن أبي جميلة، يعرف بالأعرابي، والحسن هو البصري، وأبو بكرة نفيع بن الحارث.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن. وأخرجه الترمذي في الفتن عن محمد بن المثنى. وأخرجه النسائي في الفضائل عن محمد ابن المثنى.
قوله: (أيام الجمل)، يتعلق بقوله: (نفعني) لأن المعنى لا يستقيم إلا بان يقال: نفعني الله أيام الجمل بكلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، والمراد بالجمل: الجمل الذي تحت عائشة رضي الله عنها، حين توجهت إلى ناحية البصرة ومعها طلحة والزبير لطلب دم عثمان، وأصحاب الجمل هم عسكر عائشة رضي الله عنها، وبه سميت وقعة الجمل، وقصتها مشهورة. قوله: (بنت كسرى)، هي بوران كما ذكرناها الآن، وذكر الطبري: أن أختها أو زيمدخت ملكت أيضا، قال الخطابي: في الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء.
4426 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت الزهري عن السائب بن يزيد يقول أذكر أني خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سفيان مرة مع الصبيان. (انظر الحديث 3083 وطرفه).
وجه ذكر هذا الحديث هنا من حيث أن تلقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عند مقدمه من غزوة تبوك، كما صرح به في الحديث الذي يليه، وأن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الملوك كان في غزوة تبوك، فمن هذه الحيثية يكون متعلقا بقصة كسرى.
وعلي بن عبد الله المعروب بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، والسائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود ابن أخت النمر، فيل: إنه كناني، وقيل: ليثي، وقيل هذلي، وقيل: أزدي، ولد في السنة الثانية من الهجرة، وقال السائب: حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن سبع سنين، مات في سنة ثمانين، وقيل: في سنة ست وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين، وهو ابن أربع وتسعين.
والحديث قد مر في الجهاد في: باب استقبال الغزاة، فإنه أخرجه هناك عن مالك بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة. الحديث.
قوله: (سمعت الزهري عن السائب)، ويروى: سمعت الزهري يقول: سمعت السائب. قوله: (إلى ثنية الوداع)، الثنية: طريق العقبة، وكان ثمة يودع أهل المدينة المسافرين. قوله: (وقال سفيان)، هو ابن عيينة الراوي، وهو موصول ولكن الراوي عنه بين أنه قال تارة: مع الغلمان، وتارة: مع الصبيان.
59
84
((باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته))
أي: هذا باب في بيان مرض النبي صلى الله عليه وسلم وبيان وقت وفاته، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، وروى الإمام أحمد من حديث عائشة، قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء، وتفرد به، وعن عروة: توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول، وعن الأوزاعي: توفي يوم الاثنين قبل أن ينشب النهار، وفي حديث أبي يعلى بإسناده عن أنس أنه توفي آخر يوم الاثنين، وروى البيهقي بإسناده عن سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي، قال: مرض النبي صلى الله عليه وسلم لاثنين وعشرين ليلة من صفر، وبدىء وجعه عند وليدة له يقال لها: ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض يوم السبت، وكانت وفاته يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة. وقال الواقدي: حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمعت عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. وقال الواقدي: قالوا: بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من سفر، وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول، وبه جزم محمد بن سعد كاتبه، وزاد: ودفن يوم الأربعاء. وعن الواقدي من حديث أم سلمة: أنه بدىء به في بيت ميمونة، وقال ابن إسحاق: توفي لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا، وعن يعقوب بن سفيان عن ابن بكير عن الليث، أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول، وقال سعد بن إبراهيم الزهري: توفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي يوم الاثنين مستهل ربيع الأول، وروى سيف بن عمر بإسناده عن ابن عباس، قال: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة وأقام بها ذا الحجة ومحرم وصفر، ومات يوم الاثنين لثاني عشر خلون من ربيع الأول من سنة إحدى عشرة. وقال السهيلي في (الروض) لا يتصور وقوع وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة، وكان أول ذي الحجة يوم الخميس، فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام وبعضها ناقص لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول. وأجيب: باختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخمس، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة.
وقول الله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * (الزمر: 31)
وقول الله تعالى، بالجر عطف على قوله: مرض النبي صلى الله عليه وسلم والتقدير: وفي بيان قول الله تعالى: إنك ميت: إلى آخره، وجه ذكر هذه الآية جزءا من الترجمة لأجل صحة الجزء الثاني من الترجمة التي هي قوله: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، حتى لا ينكر إطلاق الموت على النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف ينكر وقد خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: * (إنك ميت وإنهم ميتون) *؟ فأخبر الله تعالى بأن الموت يعمهم، وكان مشركو قريش يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر الله تعالى أن لا معنى للتربص وأنزل: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * وقال قتادة: نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفسه ونعيت إليكم أنفسكم. قوله: * (ثم إنكم) * أي: إنك وإياهم، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغائب: * (يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * فتحتج عليهم بأنك بلغت، ويعتذرون بمالا طائل تحته، يقول الأتباع: أطعنا سادتنا وكبراءنا، وتقول السادات: أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون.
4428 وقال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذالك السم.
60
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري هو محمد بن مسلم، وعروة هو ابن الزبير بن العوام.
وهذا معلق وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد.
وقوله: (ما أزل أجد ألم الطعام) أي: أحس الألم في جوفي بسبب الطعام، وقال الداودي: المراد أنه نقص من لذة ذوقه، وقال ابن التين: هذا ليس بشيء، لأن نقص الذوق ليس بألم. قوله: (فهذا أوان) مبتدأ وخبر، وقيل: أوان، بالفتح على الظرفية وبنيت على الفتح لإضافتها إلى مبنى وهو الماضي، لأن المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد. قوله: (أبهري)، بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الهاء، وهو عرق مستبطن القلب، قيل: وهو النياط الذي علق به القلب، فإذا انقطع مات، وقيل: هما أبهران يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشرايين، وقيل: هو عرق في الصلب متصل بالقلب. قوله: (من ذلك السم)، بفتح السين وضمها، الذي سمته تلك المرأة في غزوة خيبر، واسمها زينب بنت الحارث، وقيل: أخت مرحب من شجعان أهل خيبر، وقد مر بيانه في الباب الذي ذكرت في غزوة خيبر حكاية الشاة المسمومة.
4429 ح دثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن أم الفضل بنت الحارث قالت سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله..
مطابقته للترجمة في قوله: (حتى قبضه الله). وهؤلاء الرواة قد تكرر ذكرهم. وأم الفضل هي والدة ابن عباس، وهي بنت الحارث ابن حزن الهلالية أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمها لبابة، يقال: إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل عندها، وروت عنه أحاديث كثيرة. والحديث قد مر في الصلاة في: باب القراءة في المغرب.
421 - (حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدني ابن عباس فقال له عبد الرحمن بن عوف إن لنا أبناء مثله فقال إنه من حيث تعلم فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية * (إذا جاء نصر الله والفتح) * فقال أجل رسول الله
أعلمه إياه فقال ما أعلم منها إلا ما تعلم)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فقال أجل رسول الله
وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس الواسطي والحديث قد مر في غزوة الفتح في باب مجرد عن الترجمة بأتم منه وأطول قوله ' يدني ابن عباس ' أي يقربه من نفسه وقوله ابن عباس من إقامة الظاهر مقام المضمر ومقتضى الكلام أن يقال يدنيه على ما لا يخفى
422 - (حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله
وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها)
مطابقته للترجمة في قوله اشتد برسول الله
وجعه وسفيان بن عيينة وفي بعض النسخ هكذا
61
والحديث مضى في كتاب العلم في باب كتابة العلم من غير هذا الوجه ومضى أيضا في الجهاد في باب جوائز الوفد فإنه أخرجه هناك عن قبيصة عن ابن عيينة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ولنذكر بعض شيء قوله ' يوم الخميس ' مرفوع على أنه خبر للمبتدأ المحذوف أي هذا يوم الخميس ويجوز العكس قوله ' وما يوم الخميس ' مثل هذا يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر في الشدة والتعجب منه وزاد في الجهاد من هذا الوجه ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى قوله ' اشتد برسول الله
وجعه ' زاد في الجهاد يوم الخميس فهذا يدل على تقدم مرضه عليه قوله ' ائتوني ' أي بكتاب وكذا هو في كتاب العلم قوله ' ولا ينبغي عند نبي ' قيل هذا مدرج من قول ابن عباس والصواب أنه من الحديث المرفوع ويؤيده ما في كتاب العلم ولا ينبغي عندي التنازع قوله ' أهجر ' بهمزة الاستفهام الإنكاري عند جميع رواة البخاري وفي رواية الجهاد هجر بدون الهمزة وفي رواية الكشميهني هناك هجر هجر رسول الله
بتكرار لفظ هجر وقال عياض معنى هجر أفحش ويقال هجر الرجل إذا هذى وأهجر إذا أفحش قلت نسبة مثل هذا إلى النبي
لا يجوز لأن وقوع مثل هذا الفعل عنه
مستحيل لأنه معصوم في كل حالة في صحته ومرضه لقوله تعالى * (وما ينطق عن الهوى) * ولقوله
' إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا ' وقد تكلموا في هذا الموضع كثيرا وأكثره لا يجدي والذي ينبغي أن يقال إن الذين قالوا ما شأنه أهجر أو هجر بالهمزة وبدونها هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام ولم يكونوا عالمين بأن هذا القول لا يليق أن يقال في حقه
لأنهم ظنوا أنه مثل غيره من حيث الطبيعة البشرية إذا اشتد الوجع على واحد منهم تكلم من غير تحر في كلامه ولهذا قالوا استفهموه لأنهم لم يفهموا مراده ومن أجل ذلك وقع بينهم التنازع حتى أنكر عليهم النبي
بقوله ولا ينبغي عند نبي التنازع وفي الرواية الماضية ولا ينبغي عندي تنازع ومن جملة تنازعهم ردهم عليه وهو معنى قوله ' فذهبوا يردون عليه ' ويروى يردون عنه أي عما قاله فلهذا قال دعوني أي اتركوني والذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله عز وجل فإنه أفضل من الذي تدعونني إليه من ترك الكتابة ولهذا قال ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله
وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب وقال ابن التين قوله ' فذهبوا يردوا عليه ' كذا في الأصول يعني بحذف النون ثم قال وصوابه يردون يعني بنون الجمع لعدم الجازم والناصب ولكن ترك النون بدونهما لغة بعض العرب قوله ' وأوصاهم ' أي في تلك الحالة بثلاث أي بثلاث خصال (الأولى) قوله ' أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ' وهي من العدن إلى العراق طولا ومن جدة إلى الشام عرضا قوله ' وأجيزوا ' هي (الثانية) من الثلاث المذكورة وهو بالجيم والزاي معناه أعطوا الجائزة وهي العطية ويقال أن أصل هذا أن ناسا وفدوا على بعض الملوك وهو قائم على قنطرة فقال أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجها فسميت عطية من يفد على الكبير جائزة ويستعمل أيضا في إعطاء الشاعر على مدحه ونحو ذلك قوله بنحو ما كنت أجيزهم أي بمثله وكانت جائزة الواحد على عهد النبي
أوقية من فضة وهي أربعون درهما والضمير المنصوب في أجيزهم يعود إلى الوفد المذكور تقديرا وهو مفعول قوله أجيزوا أي أجيزوا الوفد وقد حذف لدلالة أجيزوا عليه من حيث اللفظ والمعنى قوله ' وسكت عن الثالثة ' أي عن الخصلة الثالثة قيل القائل ذلك هو سعيد بن جبير وقد صرح الإسمعيلي في روايته بأنه هو سفيان بن عيينة وفي مسند الحميدي من طريقه وروى أبو نعيم في المستخرج قال سفيان قال سليمان بن أبي مسلم لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها وهذا هو
الأظهر الأقرب واختلفوا في الثالثة ما هي فقال الداودي الوصية بالقرآن وبه قال ابن التين وقال المهلب تجهيز جيش أسامة وبه قال ابن بطال ورجحه وقال عياض هي قوله لا تتخذوا قبري وثنا يعبد فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود وقيل يحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله الصلاة وما ملكت أيمانكم قوله ' أو قال فنسيتها ' شك من الراوي * -
62
4432 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال بعضهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذالك فلما أكثروا اللغو والإختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذالك الكتاب لاختلافهم ولغطهم..
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور.
قوله: (لما حضر)، بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة، على صيغة المجهول يقال: حضر فلان واحتضر إذا دنا موته، وقال ابن الأثير: وروي بالخاء المعجمة، وقيل: هو تصحيف. قوله: (وفي البيت رجال)، أي: والحال أن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم رجال من الصحابة، ولم يرد أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (لا تضلوا)، ويروى: لا تضلون بنون الجمع على اختلاف كلمة: لا فإن كانت: لا، الناهية فتترك النون، وإن كانت: لا، للنفي فبالنون. قوله: (قوموا)، أي: قوموا عني، وهكذا هو في رواية ابن سعد. قوله: (إن الرزية)، بفتح الراء وكسر الزاي وتشديد الياء: المصيبة. قوله: (ولغطهم) اللغط بفتح الغين المعجمة وبالطاء المهملة: الصوت والصياح.
424 - (حدثنا يسرة بن صفوان بن جميل اللخمي حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت دعا النبي
فاطمة عليها السلام في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت فسألناه عن ذلك فقالت سارني النبي
أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت)
مطابقته للترجمة في قوله ' في شكواه الذي قبض فيه ' ويسرة بالياء آخر الحروف والسين المهملة والراء المفتوحات ابن صفوان بن جميل بفتح الجيم اللخمي بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة نسبة إلى لخم وهو مالك بن عدي بن الحارث سمي لخما لأنه لخم أي لطم من اللخمة وهي اللطمة وقال ابن السمعاني لخم وجذام قبيلتان من اليمن ينسب إلى لخم خلق كثير وهو من أفراده مات سنة خمس عشرة أو ست عشرة ومائتين وقد مر في غزوة أحد وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث مضى في علامات النبوة عن يحيى بن قزعة عن إبراهيم الخ قوله ' في شكواه ' أي في مرضه وكذلك الشكوى والشكاة والشكاية بمعنى المرض قوله ' فسارها ' من المساررة قوله ' فسألنا عن ذلك ' ويروي فسألناها عن ذلك أي سألنا فاطمة عن ذلك يعني عن البكاء أولا وعن الضحك ثانيا وفي رواية يحيى بن قزعة قالت عائشة فسألتها عن ذلك واختلف فيما سارها به ثانيا فضحكت ففي رواية عروة إخباره إياها بأنها أول أهله لحوقا به وفي رواية مسروق إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة وروى الطبراني من حديث عائشة أنه قال لفاطمة أن جبرائيل عليه السلام أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم ذرية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا قوله ' فقالت سارني ' الخ جواب فاطمة عن سؤال عائشة عن ذلك ولكنها ما أخبرت بذلك إلا بعد وفاة النبي
63
وفي حديث مسروق فسألتها عن ذلك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله
حتى توفي النبي
فسألتها فقالت الحديث قوله ' أول أهله ' ويروى أهل بيته قوله ' يتبعه ' حال وقد وقع مثل ما قال فإنها كانت أول من ماتت من أهل بيت النبي
بعده حتى من أزواجه * -
4435 ح دثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة قالت كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول مع الذين أنعم الله عليهم الآية فظننت أنه خير..
مطابقته للترجمة في قوله: (في مرضه الذي مات فيه). وغندر لقب محمد بن جعفر، وسعد هو ابن إبراهيم المذكور آنفا في الحديث السابق، يروي عن عروة بن الزبير.
والحديث أخرجه أيضا في التفسير عن محمد بن عبد الله بن حوشب.
قوله: (حتى يخير)، بضم الياء على صيغة المجهول، ولم تبين عائشة فيه من الذي كانت تسمع منه أنه: لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، وبنيت ذلك في الحديث الذي يليه على ما يأتي. قوله: (بحة)، بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء المهملة، وهي شيء يعترض في مجاري النفس فيتغير به الصوت فيغلظ، يقال: بححت، بالكسر بحا، ورجل أبح إذا كان ذلك فيه خلقة، وقيل: يقال رجل بح وابح، ولا يقال: باح، وامرأة بحاء. قوله: (فظننت أنه خير)، على صيغة المجهول، أي: خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وروى أحمد من حديت أبي مويهبة، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض
والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاى ربي والجنة، فاخترت لقاء ربي والجنة، وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه: خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل، فاخترت التعجيل.
426 - (حدثنا مسلم حدثنا شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة قالت لما مرض النبي
المرض الذي مات فيه جعل يقول في الرفيق الأعلى)
هذا طريق آخر في حديث عائشة عن مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري قوله في الرفيق الأعلى قال الجوهري الرفيق الأعلى الجنة وكذا روي عن ابن إسحاق وقيل الرفيق اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه والمراد به الأنبياء عليهم السلام ومن ذكر في الآية وقال الخطابي الرفيق الأعلى هو الصاحب المرافق وهو ههنا بمعنى الرفقاء يعني الملائكة وقال الكرماني الظاهر أنه معهود من قوله تعالى * (وحسن أولئك رفيقا) * أي أدخلني في جملة أهل الجنة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والحديث المتقدم يشهد بذلك وقيل المراد بالرفيق الأعلى الله سبحانه وتعالى لأنه رفيق بعباده وغلط الأزهري قائل ذلك وقيل أراد رفق الرفيق وقيل أراد مرتفق الجنة وقال الداودي هو اسم لكل ما سما وقال الأعلى لأن الجنة فوق ذلك وفي التلويح والمفسرون ينكرون قوله ويقولون إنه صحف الرقيع بالقاف والرقيع من أسماء السماء ورد على هذا بما روي من الأحاديث التي فيها الرفيق * منها حديث رواه أحمد من رواية المطلب عن عائشة مع الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم إلى قوله رفيقا * ومنها حديث رواه النسائي من رواية أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه وفيه فقال أسأل الله الرفيق الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل ومنها رواية الزهري في الرفيق الأعلى ورواية عباد عن عائشة اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى وفي رواية عن ذكوان عن عائشة فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ورواية ابن أبي مليكة عن عائشة وقال في الرفيق الأعلى وعن الواقدي إن أول كلمة تكلم بها
وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها كما في حديث عائشة في الرفيق الأعلى وروى الحاكم من حديث أنس أن آخر ما تكلم به جلال ربي الرفيع
427 - (حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال عروة بن الزبير إن عائشة قالت
64
كان رسول الله
وهو صحيح يقول إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخير فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال اللهم في الرفيق الأعلى فقلت إذا لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح)
هذا حديث آخر عن عائشة بوجه آخر عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة إلى آخره قوله ' ثم يحيا أو يخير ' شك من الراوي ويحيا بضم الياء آخر الحروف وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء الأخيرة أي ثم يسلم إليه الأمر أو يملك في أمره أو يسلم عليه تسليم الوداع قوله شخص بصره بفتح الخاء المعجمة أي ارتفع ويقال شخص بصره إذا فتح عينه وجعل لا يطرف قوله ' إذا لا يجاورنا ' من المجاورة وروي إذا لا يختارنا من الاختيار وفي التوضيح إذا لا يجاورنا بفتح الراء لاعتماد الفعل على إذا وإن اعتمد على ما قبلها سقط عملها كما في قولك أنا إذا أزورك فيرفع لاعتماد الفعل على أنا * -
4438 ح دثنا محمد حدثنا عفان عن صخر بن جويرية عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها دخل عبد الرحمان بن أبي بكر على النبي بن وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمان سواك رطب يستن فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا ثم قضى وكانت تقول مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي..
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم قضى وكانت تقول: مات) ومحمد شيخ البخاري مبهم، لكن الكرماني قال: قوله: (محمد)، هو ابن يحيى الذهلي، وفي (كتاب رجال الصحيحين) محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري روى عنه البخاري في غير موضع في قريب من ثلاثين موضعا، ولم يقل: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا، ويقول: حدثنا محمد، ولا يزيد عليه، ويقول: محمد بن عبد الله، فينسبه إلى جده، ويقول: محمد بن خالد، فينسبه إلى جد أبيه، والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه، فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه، مات بعد البخاري بيسير سنة سبع وخمسين ومائتين. وعفان، بفتح العين المهملة وتشديد الفاء: ابن مسلم الصفار، وصخر، بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة: ابن جويرية مصغر الجارية بالجيم: النميري، يعد في البصريين، و عبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
قوله: (يستن به) أي: يستاك، وقال الخطابي: أصله من السن، ومنه: المسن الذي يسن عليه الحديد. قوله: (فأبده)، بالباء الموحدة المفتوحة وتشديد الدال أي: مد نظره إليه، يقال: أبددت فلانا النظر، إذا طولته إليه، وفي رواية الكشميهني: فأمده، بالميم موضع الباء. قوله: (فقضمته)، بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة أي: مضغته، والقضم الأخذ بأطراف الأسنان، يقال: قضمت الدابة بكسر الضاد شعيرها، تقضمه بالفتح إذا مضغته، وحكى عياض أن الأكثر رواه بالصاد المهملة، أي: كسرته وقطعته، والقصامة من السواك ما يكسر منه، وحكى ابن التين رواية بالفاء والصاد المهملة، وقيل: إذا كان بالضاد المعجمة فيكون قولها: فطيبته تكرارا، وإن كان بالمهملة فلا، لأنه يصير المعنى: كسرته لطوله أو لأنه آلة المكان الذي تسوك به عبد الرحمن ثم لينته ثم طيبته أي: بالماء، ويحتمل أني كون قوله: (طيبته)، تأكيدا لقوله: لينته. قوله: (ونفضته)، بالفاء والضاد المعجمة، قوله: (فما عدا أن فرغ) أي: ما عدا الفراغ من السواك. قوله: (رفع يده أو
65
إصبعه) شك من الراوي. قوله: (حاقنتي)، بالحاء المهملة وكسر القاف، وهي النقرة بين الترقوة وحبل العاتق، وقيل: المطمئن من الترقوة والحلق، وقيل: ما دون الترقوة من الصدر، وقيل: هو تحت السرة، وقال ابن فارس: ما سفل من البطن. قوله: (وذاقنتي) بالذال المعجمة وبالقاف، وهي طرف الحلقوم، وقيل: ما يناله الذقن من الصدر، وقال أبو عبيدة: والذاقنة جمع ذقن وهو مجمع أطراف اللحيين، والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم، مات ورأسه بين حنكها وصدرها فإن قلت تعالى: يعارضه ما رواه الحاكم وابن سعد من طريقه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، مات ورأسه في حجر علي رضي الله عنه. قلت: لا يعارضه ولا يدانيه، لأن في كل طريق من طرقه شيعي فلا يلتفت إليهم، ولئن سلمنا فنقول: إنه يحتمل أن يكون على آخرهم عهدا به، وأنه لم يفارقه إلى أن مات فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض.
4439 ح دثني حبان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
مطابقته للترجمة في قوله: (وجعه الذي مات فيه). وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن عبد العزيز بن عبد الله. وأخرجه مسلم فيه أيضا عن أبي الطاهر بن السرح، وحرملة بن يحيى.
قوله: (إذا اشتكى)، أي: إذا مرض قوله: (نفث)، أي: تفل بغير ريق أو مع ريق خفيف. قوله: (بالمعوذات)، أي: بسورة: * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو أرادهما مع سورة الإخلاص فهو من باب التغليب، وقيل: المراد بها الكلمات المعوذة بالله من الشيطان والأمراض والآفات ونحوها. قوله: (طفقت) قد ذكرنا غير مرة أنه من أفعال المقاربة بمعنى: أخذت أو شرعت، ويروى: فطفقت، بالفاء في أوله. قوله: (أنفث)، جملة حالية. قوله: (وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه)، وفي رواية معمر: وأمسح بيد نفسه لبركتها، وهذا الحديث وقع في بعض النسخ رابعا بعد قوله: وقال يونس.
4440 ح دثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن مختار حدثنا هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلي ظهره يقول اللهم أغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (قبل أن يموت). وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن عبد الله بن أبي شيبة. وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم عن قتيبة وغيره، وأخرجه الترمذي في الدعوات عن هارون بن إسحاق وأخرجه النسائي في الوفاة في اليوم والليلة عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (وأصغت إليه)، من الإصغاء يقال: أصغيت إليه إذا أملت سمعك نحوه. قوله: (بالرفيق) قد مر تفسيره، ويروى: بالرفيق الأعلى.
4441 ح دثنا الصلت بن محمد حدثنا أبو عوانة عن هلال الوزان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة لولا ذالك لأبرز قبره خشي أن يتخذ مسجدا..
66
مطابقته للترجمة في قوله: (في مرضه الذي لم يقم منه) وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح اليشكري. والحديث مر في كتاب الجنائز في: باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، فإنه أخرجه هناك عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن هلال إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (خشي) أي: قالت عائشة: خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مسجدا.
4442 ح دثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر قال عبيد الله فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة قال قلت لا قال ابن عباس هو علي وكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن قالت ثم خرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم..
وأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عاشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالا لما نزل برسول الله
طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا أخبرني عبيد الله أن عائشة رضي الله عنها قالت لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله
عن أبي بكر * رواه ابن عمر وأبو موسى وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي
)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله واشتد به وجعه والحديث مضى في الطهارة في باب الوضوء والغسل في المخضب والقدح فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب
عن الزهري عن عبيد الله إلى قوله ' أن قد فعلتن ' وفي الهبة في باب هبة الرجل لامرأته مضى من قوله قالت عائشة لما ثقل النبي
إلى قوله قال هو علي بن أبي طالب وفي الخمس في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي
مضى من قوله لما ثقل النبي
استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له ذكر هذا المقدار وقد مضى الكلام فيه في هذه الأبواب ولنذكر ما لم يذكر فيها قوله ' لما ثقل ' أي في وجعه قوله ' أن يمرض ' على صيغة المجهول من التمريض وهو تعاهد المريض والنظر في حاله والقيام بخدمته قوله ' فأذن ' بتشديد النون فعل جماعة النساء من الماضي من الإذن قوله ' هو علي ' أي ابن أبي طالب الذي لم تسمه عائشة قال الكرماني فإن قلت لم قالت رجل آخر وما سمعته قلت لأن العباس كان دائما يلازم أحد جانبيه وأما الجانب الآخر فتارة كان علي فيه وتارة أسامة فلعدم ملازمته لذلك لم تذكره لا لعداوة ولا لنحوها حاشاها من ذلك انتهى قلت فيه نظر لأن عليا كان ألزم لرسول الله
67
في كل حاله من غيره قوله ' وكانت عائشة تحدث ' هو موصول بالإسناد المذكور قوله ' هريقوا ' أي أريقوا من الإراقة والهاء مبدلة من الهمزة ويروى أهريقوا بالهمزة في أوله أي صبوا قوله ' أوكيتهن ' جمع وكاء بكسر الواو وهو رباط القربة قوله ' مخضب ' بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين وفي آخره باء موحدة وهي الإجانة قوله ' طفقنا ' من أفعال المقاربة وقد ذكرناه عن قريب قوله ' أن قد فعلتن ' أن هذه مفسرة نحو وأوحينا إليه أن اصنع الفلك ويحتمل المصدرية قوله ' لعلي أعهد ' أي أوصي قوله ' فصلى لهم ' ويروى فصلى بهم قوله ' وأخبرني عبيد الله ' هو مقول الزهري وهو موصول أيضا قوله ' لما نزل برسول الله
' على صيغة المجهول أي لما نزل المرض به
قوله ' خميصة ' بفتح الخاء المعجمة وهي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة والجمع خمائص قوله ' فإذا اغتم ' يقال اغتم إذا كان يأخذه النفس من شدة الحر قوله ' يحذر ' على صيغة المعلوم أي يحذر النبي
وهي جملة حالية قوله ' أخبرني عبيد الله ' أي قال الزهري أخبرني عبيد الله المذكور في الإسناد قوله ' في ذلك ' أي في أمره
أبا بكر بإمامة الصلاة قوله ' بعده ' أي بعد النبي
قوله ' مقامه ' أي مقام النبي
قوله ' ولا كنت ' عطف على قوله إلا أنه لم يقع قوله ' أرى ' أي أظن وحاصل المعنى وما حملني عليه إلا ظني بعدم محبة الناس للقائم مقامه وظني بتشاؤمهم منه قوله ' رواه ابن عمر ' أي روى الذي يتعلق بصلاة أبي بكر عبد الله بن عمر ووصل هذا البخاري في أبواب الإمامة في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة رواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله عن أبيه وهو عبد الله بن عمر قال ' لما اشتد برسول الله
وجعه قيل له في الصلاة قال مروا أبا بكر ' إلى آخره قوله ' وأبو موسى ' أي رواه أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ووصله البخاري في هذا الباب رواه عن إسحاق بن نصر عن حسين عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى قال ' مرض النبي
' الحديث إلى آخره ووصله أيضا في أحاديث الأنبياء في ترجمة يوسف عليه الصلاة والسلام رواه عن الربيع بن يحيى عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه الحديث قوله ' وابن عباس ' أي رواه عبد الله بن عباس ورواه في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به مع حديث عائشة عن أحمد بن يونس عن زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال ' دخلت على عائشة ' الحديث بطوله * -
4446 ح دثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمان ابن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت مات النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة في قوله: (مات النبي صلى الله عليه وسلم) وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن الهاد، مات سنة تسع وثلاثين ومائة.
قوله: (وإنه)، أي: والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر تفسير الحاقنة والذاقنة عن قريب. قوله: (فلا أكره شدة الموت). قد بنيت عائشة في حديثها الآخر، كماس يأتي، شدة الموت بقولها وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهها وجهه، يقول: (لا إل
1764; ه إلا الله إن للموت سكرات)، وروى أحمد والترمذي من طريق القاسم عن عائشة: رأيته وعنده قدح فيه ماء وهو يموت، فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: (اللهم أعني على سكرات الموت).
4447 ح دثني إسحاق أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة قال حدثني أبي عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب
68
عليهم أن عبد الله بن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني لارى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت أذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هاذا الأمر إن كان فينا علمنا ذالك وإن كان في غيرنا علمناه فأوصي بنا فقال علي إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة في قوله: (في وجعه الذي توفي فيه) وإسحاق هو ابن راهويه، قاله أبو نعيم، وقال الغساني: قال ابن السكن: هو إسحاق بن منصور، وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: أبو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، يروي عن أبيه شعيب عن محمد بن مسلم الزهري.
وفي هذا الإسناد يروي تابعي عن تابعي وهما: الزهري وعبد الله بن كعب، ويروي صحابي عن صحابي، وهما: كعب بن مالك وابن عباس.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان.
قوله: (أخبرني عبد الله بن كعب)، قال الدمياطي: في سماع عبد الله بن كعب من عبد الله بن عباس نظر، ورد عليه بأن الإسناد صحيح وسماع الزهري من عبد الله بن كعب ثابت لم ينفرد به شعيب، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق صالح عن ابن شهاب فصرح أيضا به، قوله: (وكان كعب أحد الثلاثة)، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 118) وهم: كعب هذا، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وقد مر فيما مضى. قوله: (فقال الناس: يا أبا الحسن)، هو كنية علي بن أبي طالب. قوله: (بارئا)، اسم فاعل من: برأ، بالهمزة بمعنى: أفاق من المرض. قوله: (بعد ثلاث عبد العصا)، هو كناية عن أن يصير تابعا لغيره. والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم يموت بعد ثلاثة أيام وتصير أنت مأمورا عليك بلا عز ولا حرمة بين الناس، هذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه. قوله: (لأرى)، بفتح الهمزة بمعنى: اعتقد، وبضمها بمعنى: أظن، قوله: (سوف يتوفى)، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قاله عباس مستندا إلى التجربة لأنه جرب ذلك في وجوه الذين ماتوا من بني عبد المطلب. قوله: (فيمن هذا الأمر؟) أي: الخلافة. قوله: (فأوصى بنا)، وفي مرسل الشعبي: وإلا وصى بنا فحفظنا من بعده، وله من طريق أخرى. فقال علي رضي الله عنه: وهل يطمع في هذا الأمر غيرنا؟ قال: أظن والله، سيكون. قوله: (فمنعناها)، بفتح النون جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قوله: (فلا يعطيناها الناس بعده)، أي: بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا كان، لأنهم احتجوا بمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم. قوله: (لا أسألها)، أي: الخلافة، أي: لا أطلبها منه، وزاد ابن سعد في (مرسل الشعبي) في آخره: فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، قال العباس لعلي: إبسط يدك أبايعك الناس، ولم يفعل.
4448 ح دثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين وأبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة فقال أنس وهم المسلمون
69
أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر..
مطابقته للترجمة تؤخذ من تتمة هذا الحديث من رواية أبي اليمان عن شعيب، وتوفي من يومه ذلك. والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أنس بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (بينماهم)، ويروى: بيناهم، بدون الميم، وقد مر الكلام فيه غير مرة. قوله: (يفجؤهم)، جواب: بينما قوله: (فنكص) أي: تأخر إلى ورائه. قوله: (وهم المسلمون)، أي: قصدوا إبطال الصلاة بإظهار السرور قولا أو فعلا. قوله: (وأرخى الستر) أي: الستارة، وزاد أبو اليمان عن شعيب: وتوفي من يومه ذلك، كما ذكرنا أنه مطابق للترجمة.
4449 ح دثني محمد بن عبيد حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد قال أخبرني ابن أبي مليكة أن أبا عمرو وذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل علي عبد الرحمان وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه وقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته وبين يديه ركوة أو علبة يشك عمر فيها فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول لا إلاه إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن عبيد الله، بضم العين مصغر العبد: ابن ميمون وهو المشهور بمحمد بن عباد، وقد مر في الصلاة، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي، وعمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي المكي يروي عن عبد الله بن أبي مليكة، وذكوان بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف وبالواو والنون دبرته عائشة، وكان من أفصح القراء، مات في زمن الحرة.
قوله: (إن من نعم الله)، بكسر النون وفتح العين جمع: نعمة. قوله: (علي)، بتشديد الياء. قوله: (سحري)، بفتح السين وسكون الحاء المهملتين، ويحكى ضم السين: الرئة، والنحر موضع القلادة من الصدر، وقال الداودي: السحر ما بين الثديين. قوله: (ركوة أو علبة)، شك من الراوي، والعلبة، بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الباء الموحدة: المحلب من الجلد. قوله: (يشك عمر)، هو عمر بن سعيد الراوي. قوله: (فجعل يدخل)، بضم الياء من الإدخال. قوله: (سكرات)، جمع سكرة وهي: الشدة.
4450 ح دثنا إسماعيل قال حدثني سليمان بن بلال حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها قالت عائشة فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي ثم قالت دخل عبد الرحمان بن أبي بكر
70
ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له أعطني هاذا السواك يا عبد الرحمان فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند إلى صدري..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس المدني. وهذا طريق آخر بوجه آخر في حديث عائشة.
قوله: (فأذن)، بتشديد النون بصيغة الجمع المؤنث من الماضي. وقوله: (أزواجه) فاعله وهو من قبيل: أكلوني البراغيث. قوله: (وخالط ريقه ريقي)، أي: بسبب السواك. قوله: (وهو مسند إلى صدري)، وفي الرواية الماضية: وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية ابن سعد من حديث جابر عن علي رضي الله عنه: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لمستند إلى صدري، وعن الشعبي عن علي بن حسين: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجر علي، وعن ابن عباس: والله لتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لمستند إلى صدر علي رضي الله عنه، وهو الذي غسله وأخي الفضل وأبى أبي أن يحضر فقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان يستحي أن أراه حاسرا. وفي (الإكليل) للحاكم بإسناده إلى علي رضي الله عنه، قال: أسندت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري فسالت نفسه، ومن حديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان علي آخرهم عهدا به جعل، يساره وفوه على فيه ثم قبض، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما حضره الموت: أدعو لي حبيبي، فقلت: ادعوا علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد ريد غيره، فلما رآه نزع الثوب الذي كان عليه وأدخله فيه، ولم يزل يحضنه حتى قبض ويده عليه.
4451 ح دثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى: ومر عبد الرحمان بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه فاستن بها كأحسن ما كان مستنا ثم ناولنيها فسقطت يده أو سقطت من يده فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة..
هذا طريق آخر بوجه آخر، وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة هو عبد الله وقد مر غير مرة.
قوله: (وفي يومي) أي: في نوبتي بحسب الدور المعهود. قوله: (مستنا)، هو صيغة يستوي فيه اسم الفاعل واسم المفعول وعند فك الإدغام يفرق بينهما لأن في الفاعل تكون النون الأولى مكسورة، وفي المفعول مفتوحة. قوله: (في آخر يوم) أي: من أيام النبي صلى الله عليه وسلم.
4453 ح دثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة أن عائشة أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي أنت وأمي والله
71
لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. قال الزهري وحدثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس أن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر فقال أبو بكر أما بعد من كان منكم يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) * إلى قوله: * (الشاكرين) * (آل عمران: 144) وقال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هاذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها فأخبرني سهيد بن المسيب أن عمر قال والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. والحديث في كتاب الجنائز في: باب الدخول على الميت، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (بالسنح)، بضم السين المهملة وسكون النون وبضمها أيضا وبالحاء المهملة: وهو موضع في عوالي المدينة كان للصديق مسكن ثمة، ويقال: هو من منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، وقيل: كان مسكن زوجته. قوله: (فتيمم)، قصد. قوله: (وهو مغشى)، أي: مغطى (بثوب حبرة)، بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة: وهو ثوب يماني، ويقال: ثوب حبرة، بالإضافة وبالصفة. قوله: (موتتين)، إنما قال ذلك أبو بكر حين قال عمر حين مات النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله سيبعث نبيه فيقطع أيدي رجال قالوا إنه مات ثم يموت آخر الزمان، فأراد أبو بكر رد كلامه، أي: لا يكون ذلك في الدنيا إلا موتة واحدة. وقال الداودي: أي لا يموت في قبره موتة أخرى، كما قيل في الكافر والمنافق بعد أن ترد إليه روحه ثم تقبض، وقيل: لا يجمع الله عليك كرب هذا الموت، قد عصمك من عذابه ومن أهوال يوم القيامة، وقيل: أراد بالموتة الأخرى موت الشريعة، أي: لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك.
قوله: (قال الزهري وحدثني أبو سلمة)، وفي بعض النسخ: قال: وحدثني، بدون ذكر الزهري. قوله: (وعمر يكلم الناس)، أي: يقول لهم: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أحمد بإسناده عن عائشة، فقال عمر: لا يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ينفي المنافقين. قوله: (فأخبرني سعيد بن المسيب) من كلام الزهري أي: قال الزهري: فأخبرني سعيد بن المسيب، وقال الخطابي: ما أدري من يقول ذلك أبو سلمة والزهري؟ قيل: صرح عبد الرزاق عن معمر بأنه الزهري. قوله: (فعقرت)، بضم العين وكسر القاف، أي: هلكت، ويروى بفتح العين، أي: دهشت وتحيرت، وقيل: سقطت، ورواه يعقوب بن السكيت بالفاء من العفر وهو التراب، وفي رواية الكشميهني: فقعرت، بتقديم القاف على العين، قيل: هو خطأ والصواب الأول. قوله: (ما تقلني) بضم أوله وكسر القاف وتشديد اللام: أي ما تحملني، ومنه قوله تعالى: * (حتى إذا أقلت سحابا ثقالا) * (الأعراف: 57). قوله: (أهويت)، وفي رواية الكشميهني: هويت، قال بعضهم:
هويت، بفتح أوله وكسر الواو: أي سقطت. قلت: ليس كذلك، بل هو بفتح الهاء والواو معا لأنه من: هوى يهوي هويا من باب ضرب يضرب، ومنه قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى) * (النجم: 1) وأما: هوي، بكسر الواو يهوي بمعنى أحب، فمن باب علم يعلم. قوله: (حين سمعته تلاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد مات) هكذا رواية الأكثرين ويروى: حين سمعته تلاها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، قال الكرماني: فإن قلت: كيف قال: تلاها إن النبي صلى الله عليه وسلم، قد مات، وليس في القرآن ذلك؟ قلت: تقديره: تلاها رجل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ولتقرير ذلك. وقال بعضهم: قوله: (أن النبي) بدل من: الهاء، في قوله: (تلاها)، أي: تلا الآية، معناها: أن النبي صلى الله عليه وسلم
72
قد مات، وهي قوله: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * (الزمر: 30) قلت: الذي قاله الكرماني أوضح وأحسن.
4457 ح دثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته..
مطابقته للترجمة في قوله: (بعد موته) ويحيى بن سعيد هو القطان، وسفيان هو الثوري، والحديث أخرجه البخاري أيضا عن علي بن عبد الله على ما يأتي، وأخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار وغيره. وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن المثنى وفيه وفي الوفاة عن يعقوب الدورقي. وأخرجه ابن ماجة في الجنائز عن أحمد بن سنان وغيره، وفيه: لا بأس بتقبيل الميت.
4458 حدثنا علي حدثنا يحيى وزاد قالت عائشة لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال ألم أنهكم أن تلدوني قلنا كراهية المريض للدواء فقال لا يبقى أحد في البيت إلا لدو أنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم.
مطابقته للترجمة في قوله: (في مرضه)، وعلى هو ابن المديني ويحيى هو ابن سعيد القطان.
قوله: (وزاد)، أي: وزاد يحيى، أشار بهذا إلى أن علي بن المديني وافق عبد الله بن أبي شيبة في روايته عن يحيى بن سعيد الحديث الذي قبله، وزاد عليه قصة اللد. قوله: (لددناه)، أي: جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره، فهذا هو اللد، والذي يصب في الحلق يسمى: الوجور، والذي يصب في الأنف يسمى: السعوط. قوله: (كراهية المريض)، قال عياض: ضبطناه بالرفع أي: هذا منه كراهية المريض، وقال أبو البقاء: هو خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا الامتناع كراهية. قلت: ليس فيه زيادة فائدة لأن ما قاله مثل ما قاله عياض، ويجوز النصب على أنه مفعول، أي: لأجل كراهية المريض، ويجوز انتصابه على المصدرية أي: كرهه كراهية المريض الدواء. قوله: (وأنا أنظر) جملة حالية. أي: لا يبقى أحد إلا لد في حضوري، وحال نظري إليهم قصاصا لفعلهم وعقوبة لهم لتركهم امتثال نهيه عن ذلك، أما من باشره فظاهر، وأما من لم يباشره فلكونهم تركوا نهيهم عما نهاهم هو عنه. قوله: (فإنه لم يشهدكم)، أي: لم يحضركم حالة اللد، وميمونة أم المؤمنين كانت معهم فلدت أيضا وإنها الصائمة لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: قال ابن إسحاق في (المغازي) إن العباس هو الآمر باللد، وقال: والله لألدنه، ولما أفاق قال: من صنع هذا بي؟ قالوا: يا رسول الله عمك. وأجيب: بأنه يمكن التلفيق بينهما بأن يقال: لا منافاة بين الأمر وعدم الحضور وقت اللد.
رواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: روى الحديث المذكور عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير، ووصل هذا التعليق محمد بن سعد عن محمد بن الصباح عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بهذا السند وكان لفظه: كانت تأخذ رسول الله الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه، فلما أفاق قال: كنتم ترون أن الله يسلط علي ذات الجنب؟ ما كان الله ليجعل لها علي سلطانا، والله لا يبقى أحد في البيت إلا لد، ولددنا ميمونة وهي صائمة.
4459 ح دثنا عبد الله بن محمد أخبرنا أزهر أخبرنا ابن عون عن إبراهيم عن الأسود قال ذكر عند عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصي إلي علي فقالت من قاله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانخنث فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي. (انظر الحديث 2741).
73
مطابقته للترجمة في قوله: (فمات) وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وأزهر هو ابن سعد السمان البصري، وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري. وإبراهيم هو النخعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي خال إبراهيم والحديث مضى في أول الوصابا فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن زرارة عن إسماعيل عن عون الخ ومضى الكلام فيه.
قوله: (ذكر)، على صيغة المجهول. قوله: (فدعا بالطست)، يعني: ليتفل فيه. قوله: (فانخنث)، بالخاء المعجمة وفي آخره ثاء مثلثة أي: استرخى ومال إلى أحد شقيه، من الانخناث، وهو الميل والاسترخاء.
4460 ح دثنا أبو نعيم حدثنا مالك بن مغول عن طلحة قال سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما آوصى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا فقلت كيف على الناس الوصية أو إمروا بها قال أوصى بكتاب الله. (انظر الحديث 2740 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إنه مطابق للحديث السابق، والمطابق للمطابق بشيء مطابق لذلك الشيء. وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، ومالك بن مغول، بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو وفي آخره لام، وطلحة هو ابن مصرف بلفظ اسم الفاعل أو المفعول من التصريف.
والحديث مضى في الوصايا فإنه أخرجه هناك عن خلاد بن يحيى عن مالك بن مغول... الخ.
(فقال: لا)، يعني: ما أوصى فإن قلت: كيف نفى هنا الوصية ثم أثبتها بقوله: (أوصى بكتاب الله)؟ قلت: قال الكرماني: الباء زائدة، يعني أوصى كتاب الله أي
: أمر بذلك، وإطلاق لفظ الوصية على سبيل المشاكلة فلا منافاة بينهما أو المنفي الوصية بالمال أو بالإمامة، والمثبت الوصية بكتاب الله تعالى. قال: فإن قلت: كيف طابق السؤال الجواب؟ قلت: معناه أوصى بما في كتاب للها، ومنه الأمر بالوصية.
4462 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام واكرب أباه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت * يا أبتاه أجاب ربا دعاه * يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه * يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فلما دفن)، وحماد هو ابن زيد وثابت بن أسلم البناني.
والحديث أخرجه ابن ماجة في الجنائز عن علي بن محمد الطنافسي.
قوله: (لما ثقل)، أي: لما اشتد به المرض. قوله: (جعل يتغشاه)، فاعل: جعل، الثقل الذي يدل عليه لفظ: ثقل، والضمير المرفوع في: يتغشاه، يرجع إلى الثقل المقدر، والضمير المنصوب يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بالثقل: الكرب الذي هو الغم الذي يأخذ بالنفس والشدة، ولا يقال: إنه نوع من النياحة لأن هذا ندبة
74
مباحة ليس فيها ما يشبه نوح الجاهلية من الكذب ونحوه. قوله: (واكرب أباه)، مندوب، والألف ألف الندبة، والهاء هاء السكت لأجل الوقف، قوله: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم)، يعني: لا يصيبه بعد اليوم نصب ولا يجد له كربا إذا ذهبنا إلى دار الكرامة، قوله: (يا أبتاه) أصله: يا أبي، والتاء المثناة من فوق التي فيه مبدلة من ياء أبي، والألف للندبة لمد الصوت، والهاء للسكت. قوله: (من جنة الفردوس)، وميم كلمة: من، مفتوحة وهي موصولة، و: جنة الفردوس، خبره مقدما، أي: مأواه خبره أي منزله وقيل كلمة من بكسر الميم حرف جر فعلى هذا قوله (مأواه) مبتدأ ومن جنة الفردوس خبره مقدما أي كائن من جنة الفردوس، وقال بعضهم: هذا أولى قلت: الأول أولى على ما لا يخفي على من يدقق نظره. قوله: (ننعاه) مضارع: نعى الميت ينعاه نعيا ونعيا بتشديد الياء: إذا ذاع موته وأخبر به وإذا ندبه. وقيل: الصواب نعاه يعني بصيغة الماضي وقال بعضهم: الأول موجه فلا معنى لتغليط الرواة بالظن قلت: من نص على أن الرواة رووه بصيغة المضارع فلم لا يجوز أن يكون ذلك من النساخ؟ قوله: (فلما دفن قالت فاطمة)، هذا من رواية أنس عن فاطمة حيث قالت: (أطابت أنفسكم) الخ معناه: كيف طابت أنفسكم على حثو التراب عليه مع شدة محبتكم له؟ وسكت أنس عن الجواب لها رعاية وتأدبا، ولكنه أجاب بلسان الحال: قلوبنا لم تطب بذلك ولكنا قهرنا على فعله امتثالا لأمره، والله أعلم.
85
((باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم عند طلوع روحه الكريم.
4463 ح دثنا بشر بن محمد حدثنا عبد الله قال يونس قال الزهري أخبرني سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال أللهم الرفيق الأعلى فقلت إذا لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح قالت فكانت آخر كلمة تكلم بها أللهم الرفيق الأعلى..
مطابقته للترجمة في قولها: (فكانت آخر كلمة) إلى آخره، وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي، وعبد الله وابن المبارك.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب الرقاق عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم إلى آخره وفي الدعوات عن سعيد ابن عفير، وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده.
قوله: (في رجال من أهل العلم)، أي: أخبرني في جملة رجال منهم عروة بن الزبير، كما في كتاب الرقاق، أو: أخبرني في حضور رجال. قوله: (وهو صحيح)، جملة حالية، قوله: (ثم يخير)، على صيغة المجهول من التخيير. قوله: (فلما نزل به)، أي: فلما صار المرض نازلا به، والرسول منزولا به. قوله: (الرفيق) بالنصب، أي: اختار الرفيق أو أريده، وتفسيره قد مر.
85
((باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، في أي السنين، وفي بعض النسخ: باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومتى توفي؟ وابن كم؟
4464 ح دثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا..
مطابقته للترجمة تدل بالالتزام لا بالصريح، وذلك أن قوله: (وبالمدينة عشرا) يدل على أنه توفي عند تمام العشر، فطابق
75
الترجمة من هذه الحيثية، فلا يدل على وقت معين، ويدل على أنه عمر ستين سنية لأن العشر الذي في مكة هو العشر الذي أنزل فيه القرآن ولم ينزل عليه القرآن إلا بعد
تمام الأربعين كما دلت عليه الدلائل من الخارج، فيكون عمره ستين سنة فإن قلت: روى عن عائشة أيضا أنه عمر ثلاثا وستين سنة؟ قلت: تحمل رواية الستين على إلغاء الكسر فإن قلت: روى مسلم عن ابن عباس: أن عمره خمس وستون قلت: إما بحمل الزيادة على الإلغاء كما ذكرنا، أو يكون على قول من قال: إنه بعث وهو ابن ثلاث وأربعين، وأكثر ما قيل في عمره خمس وستون، والمشهور عند الجمهور ثلاث وستون.
وأبو نعيم الفضل بن دكين، وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير صالح، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
4466 ح دثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب مثله..
هذه الرواية عن عائشة هي ما عليه الجمهور كما قلنا الآن. قوله: (قال ابن شهاب)، موصول بالإسناد المذكور. قوله: (مثله)، أي: مثل ما سمع ابن شهاب عن عروة: أنه عمر ثلاثا وستين سنة، سمع عن سعيد بن المسيب أيضا: أنه عمر ثلاثا وستين.
87
((باب))
أي: هذا باب، كذا عند جميع الرواة بلا ترجمة، وهو كالفصل لما قبله.
4467 ح دثنا قبصة حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين يعني صاعا من شعير..
وجه ذكر هذا الحديث الذي مضى في الرهن وغيره لأجل ذكر وفاته هنا، وللإشارة إلى أن ذلك من آخر أحواله وقبيصة هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري، والأعمش هو سليمان، وإبراهيم هو النخعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي، وهؤلاء كلهم كوفيون.
قوله: (بثلاثين)، كذا لأكثر الرواة، وفي رواية المستملي وحده: ثلاثين صاعا من الشعير، وفي الترمذي: عشرين صاعا بدل ثلاثين.
88
((باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضه الذي توفي فيه))
أي: هذا باب في بيان بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم من أبويه، وكان تجهيزه أسامة يوم السبت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيومين، لأنه مات يوم الاثنين، وكان بعثه إلى الشام، وقال ابن إسحاق: لما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدىء برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده، ثم قال: أغز باسم الله، فقاتل من كفر بالله وسر إلى موضع مقتل أبيك فقد وليتك على هذا الجيش فاغز صباحا على أهل أبنى، وهي أرض لسراه ناحية البلقاء، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، منهم: أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وغيرهم، فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة قطيفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ وإن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله إن كان خليقا بالإمارة وإن ابنه بعده لخليق للإمارة، ثم نزل فدخل
76
بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. قال ابن هشام: وإنما طعنوا في أسامة لأنه ابن مولى وكان صغير السن، وقيل: إنما قال ذلك المنافقون، ولما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي صلى الله عليه وسلم مغمور، فطأطأ أسامة رأسه فقبله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم ورجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الاثنين فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا وأمر أسامة الناس بالرحيل، فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة وأقبل معه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر رضي الله عنه، أمر أسامة أن يمضي إلى وجه، وسار عشرين ليلة فشن عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وحرق منازلهم وحرثهم ونخلهم، وكان أسامة على فرس أبيه سبحة، وقتل قاتل أبيه في الغارة ثم قسم الغنيمة ثم قصد المدينة وما أصيب من المسلمين أحد، وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم، وكان أسامة دخل على فرس أبيه سبحة واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب، وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء، فلم يزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
4468 ح دثني أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن الفضيل بن سليمان حدثنا موساى بن عقبة عن سالم عن أبيه استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسامة فقالوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغني أنكم قلتم في أسامة وإنه أحب الناس إلي..
مطابقته للترجمة في قوله: (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم، أسامة)، وقد مرت الآن قصته، والفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة، وسالم هو ابن عبد الله بن
عمر يروي عن أبيه عبد الله بن عمر، والحديث أخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن يحيى.
قوله: (فقالوا فيه)، أي: طعنوا في أسامة. قوله: (وإنه)، أي: وإن أسامة (أحب الناس إلي)، ومراده أحب الناس الذين طعنوا فيه إلي.
89
((باب))
4470 ح دثنا أصبغ قال أخبرني ابن وهب قال أخبرني عمرو عن ابن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي أنه قال له متى هاجرت قال خرجنا من اليمن مهاجرين فقدمنا الجحفة
77
فأقبل راكب فقلت له الخبر فقال دفنا النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمس قلت هل سمعت في ليلة القدر شيئا قال نعم أخبرني بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في السبع في العشر الأواخر.
مطابقته للترجمة التي هي قوله: باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله: (دفنا النبي صلى الله عليه وسلم) والبابان اللذان بعده متعلقان به وليس لهما حكم الاستبداد، فافهم. وأصبغ، بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وفي آخره غين معجمة: وهو ابن الفرج أبو عبد الله المصري، سمع عبد الله بن وهب المصري، وعمرو، بالفتح: ابن الحارث، وابن أبي حبيب هو يزيد من الزيادة أبو رجاء المصري، واسم أبي حبيب سويد، وأبو الخير اسمه مرثد، بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وفي آخره دال مهملة: ابن عبد الله اليزني المصري، ويزن، بالياء آخر الحروف والزاي والنون: بطن من حمير، والصنابحي، بضم الصاد المهملة وتخفيف النون وبعد الألف باء موحدة مكسورة وبالحاء المهملة: وهو عبد الله ابن عسيلة مصغر العسلة بالمهملتين: ابن عسل بن عسال الشامي، وأصله من اليمن ونسبته إلى صنابج بن زاهر بن عامر بطن من مراد، حل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض وهو بالجحفة، ثم نزل الشام ومات بدمشق. وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.
قوله: (إنه قال) أي: أن أبا الخير قال للصنابحي: متى هاجرت؟ من الهجرة. قوله: (الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء، وهي إحدى مواقيت الحج. قوله: (الخبر)، أي: ما الخبر من المدينة؟ ويجوز فيه النصب على تقدير: هات الخبر. قوله: (منذ خمس) ليال. قوله: (قلت: هل سمعت؟) القائل هو أبو الخير. والمقول له الصنابحي. قوله: (في العشر الأواخر من رمضان)، وليس هو بدلا من السبع، بل التقدير: السبع الكائن في العشر، أو كلمة: في، بمعنى: من، وجمع الأواخر باعتبار أيام العشر أو جنس العشر كالدراهم البيض. قوله: (الأواخر)، صفة للسبع وللعشر كليهما فاكتفى بأحدهما عن الآخر، وهو نوع من باب التنازع.
90
((باب كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب يقال فيه: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم؟
4471 ح دثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال سألت زيد بن أرقم رضي الله عنه كم غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سبع عشرة قلت كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم قال تسع عشرة. (انظر الحديث 3949 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وإسرائيل هذا يروي عن جده أبي إسحاق. ومر الحديث في أول المغازي عن عبد الله بن محمد عن وهب، ومر الكلام فيه هناك.
454 - (حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق حدثنا البراء رضي الله عنه قال غزوت مع النبي
خمس عشرة)
هذا الإسناد بعينه هو الإسناد الذي سبق غير أن أبا إسحاق روى الحديث هناك عن زيد بن أرقم وههنا عن البراء واختلف في عدد غزوات النبي
فقال يعقوب بن سفيان بإسناده عن مكحول أن رسول الله
غزا ثمان عشرة غزوة وقاتل في ثمان غزوات أولهن (بدر) ثم (أحد) ثم (الأحزاب) ثم (قريظة) ثم (بئر معونة) ثم (غزوة بني المصطلق من خزاعة) ثم (غزوة خيبر) ثم (غزوة مكة) ثم (حنين والطائف) قال ابن كثير قوله أن بئر معونة بعد بني قريظة فيه نظر والصحيح أنها بعد أحد وعن الزهري قال غزا رسول الله
أربعا وعشرين غزوة رواه الطبراني وروى عبد بن حميد في مسنده عن جابر قال غزا رسول الله
إحدى وعشرين غزوة وقال ابن
78
إسحاق جميع ما غزا رسول الله
بنفسه الكريمة سبعا وعشرين غزوة وعن قتادة أن مغازي رسول الله
وسراياه ثلاث وأربعون أربع وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة وخرج في ثمان منها بنفسه وقال ابن إسحاق بعوثه وسراياه ثمانية وثلاثون وقال صاحب التلويح غزوات النبي
وسراياه نيفت على المائة ما بين غزوة وسرية * -
4473 ح دثني أحمد بن الحسن حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال حدثنا معتمر بن سليمان عن كهمس عن ابن بريدة عن أبيه قال غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
أحمد بن الحسن بن الجنيدب، بضم الجيم وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة: الترمذي أحد حفاظ خراسان، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وهو من أقران البخاري وأفراده، وأحمد بن محمد بن حنبل ابن هلال المروزي الشيباني، خرج من مر وحملا وولد ببغداد ومات بها وقبر مشهور يزار ويتبرك به، وكان إمام الدنيا وقدوة أهل السنة، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين ولم يخرج البخاري له في هذا الجامع مسندا غير هذا الحديث، نعم استشهد به، قال في النكاح في: باب ما يحل من النساء: قال لنا أحمد بن حنبل، وقال في اللباس في: باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر: وزادني أحمد، وكهمس، بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة: ابن الحسن النمر، بالنون: المصري مر في الصلاة، وأبو بريدة، بضم الباء الموحدة مصغر البردة: واسمه عبد الله يروي عن أبيه بريدة بن حصيب، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: الأسلمي الصحابي الكبير.
قوله: (غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشرة غزوة). هذا أحد الأحاديث الأربعة التي أخرجها مسلم عن شيوخ أخرج البخاري تلك الأحاديث بعينها عن أولئك الشيوخ بواسطة، ووقع من هذا النمط للبخاري أكثر من مائتي حديث.
65
((كتاب تفسير القرآن))
أي: هذا كتاب في بيان تفسير القرآن الكريم، وفي رواية أبي ذر هكذا: كتاب تفسير القرآن، وعند غير أبي ذر البسملة مؤخرة عن الترجمة، والتفسير مصدر من فسر من باب التفعيل ومعناه اللغوي: البيان، يقال: فسرت الشيء بالتخفيف وفسرته بالتشديد: إذا بينته، ومعناه الاصطلاحي: التفسير هو التكشيف عن مدلولات نظم القرآن.
الرحمان الرحيم اسمان من الرحمة: الرحيم والراحم بمعنى واحد كالعليم والعالم
قوله: (من الرحمة) أي: مشتقان من الرحمة، وهي في اللغة: الحنو والعطف، وفي حق الله تعالى مجاز عن إنعامه على عباده وعن ابن عباس: الرحمن الرحيم إسماه رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن الرقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق، وقيل: الرحمن لجميع الخلق، والرحيم للمؤمنين، وقيل: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، وعن ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، وعن المبرد: الرحمن عبراني والرحيم عربي. قلت: في العبراني بالخاء المعجمة. قوله: (الرحيم والراحم بمعنى واحد)، فيه نظر، لأن الرحيم إن كان صيغة مبالغة فيزيد معناه على معنى الراحم، وإن كان صفة مشبهة فيدل على الثبوت، بخلاف الراحم فإنه يدل على الحدوث، وأجيب بأن ما قاله بالنظر إلى أصل المعنى دون الزيادة.
1
((باب ما جاء في فاتحة الكتاب))
أي: هذا باب في بيان ما جاء في فاتحة الكتاب من الفضل أو من التفسير أو أعم من ذلك، إعلم أن لسورة الفاتحة ثلاثة عشر إسما. الأول: فاتحة الكتاب، لأنه يفتتح بها في المصاحف والتعليم، وقيل: لأنها أول سورة نزلت من السماء. الثاني: أم القرآن على ما يجيء. الثالث: الكنز. والرابع: الوافية، سميت بها لأنها لا تقبل التنصف في ركعة. والخامس: سورة الحمد، لأنه أولها: الحمد. والسادس: سورة الصلاة. والسابع: السبع المثاني. والثامن: الشفاء والشافية، وعن أبي سعيد الخدري، قال
79
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاتحة الكتاب شفاء من كل سم. والتاسع: الكافية لأنها تكفي عن غيرها. والعاشر: الأساس لأنها أول سورة القرآن فهي كالأساس. والحادي عشر: السؤال لأن فيها سؤال العبد من ربه. والثاني عشر: الشكر، لأنها ثناء على الله تعالى. والثالث عشر: سورة الدعاء لاشتمالها على قوله: (اهدنا الصراط).
وسميت أم الكتاب أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة
أي: وسميت سورة الفاتحة أم الكتاب وذلك بالنظر إلى أن الأم مبدأ الولد، وقيل: سميت بها لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وقيل: لأن فيها ذكر الذات والصفات والأفعال. وليس في الوجود سواء. وقيل: لاشتمالها على ذكر المبدأ والمعاش والمعاد، وسميت: أم القرآن لأن الأم في اللغة الأصل، سميت به لأنها لا تحتمل شيئا مما فيه النسخ والتبديل، بل آياتها كلها محكمة فصارت أصلا، وقيل: سميت أم القرآن لأنها تؤم غيرها كالرجل يؤم غيره فيتقدم عليه.
والدين الجزاء في الخير والشر كما تدين تدان وقال مجاهد بالدين بالحساب مدينين محاسبين
أشار به إلى تفسير الدين في قوله: * (مالك يوم الدين) * وهو كلام أبي عبيدة حيث قال: الدين الجزاء والحساب، يقال في المثل: كما تدين تجازي، أي كما تفعل تجازى به، وروي هذا حديثا مرسلا، رواه بعد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي أيضا بهذا الإسناد عن أبي قلابة عن
أبي الدرداء موقوفا، وأبو قلابة: عبد الله بن زيد لم يدرك أبا الدرداء. قوله: (وقال مجاهد: بالدين بالحساب). هو تفسير قوله تعالى: * (أرأيت الذي يكذب بالدين) * (الماعون: 1) ووصله عبد بن حميد في التفسير من طريق منصور عن مجاهد في قوله: * (كلا بل تكذبون بالدين) * (الانفطار: 9)، قال: الحساب والدين يأتي لمعان كثيرة: (العادة) (والعمل) (الحكم) (والحال) (والحق) (والطاعة) (والقهر) (والملة) (والشريعة) (والورع) (والسياسة)، قوله: (مدينين محاسبين)، أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فلولا أن كنتم غير مدينين) * (الواقعة: 86) وفسر مدينين بقوله: محاسبين، بفتح السين.
4474 ح دثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثني خبيب بن عبد الرحمان عن حفص ابن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ثم قال ألا أعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له ألم نقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى بن سعيد القطان، وخبيب، بضم الخاء العجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة: ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف، بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة: أبو الحارث الأنصاري الخزرجي المدني، وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبو سعيد، بفتح السين وكسر العين وسكون الياء آخر الحروف: ابن المعلى، بضم الميم وفتح العين واللام المشددة على لفظ اسم مفعول من التعلية، واختلف في اسم أبي سعيد هذا فقيل: اسمه رافع، وقيل: الحارث، وقيل: أوس، وقال أبو عمر: من قال هو رافع بن المعلى فقد أخطأ لأن رافع بن المعلى قتل ببدر، وأصح ما قيل الله أعلم في اسمه: الحارث بن نفيع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة من بني زريق الأنصاري الزرقي توفي سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وسبعين، وقال أبو عمر أيضا: لا يعرف في الصحابة إلا بحديثين: أحدهما: عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن إلى آخر ما ذكر هنا، والآخر: عند الليث بن سعد وهو حديث طويل، وأوله:
80
كنا نغدو إلى السوق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث المذكور في الباب، وقيل: نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعهما البيضاوي هذا الحديث إلى أبي سعيد الخدري، وهو وهم، وإنما هو أبو سعيد بن المعلى، وقال بعضهم: وروى الواقدي هذا الحديث أيضا في رواية عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب وليس كذلك، والذي هنا هو الصحيح، وشيخ الواقدي هنا مجهول أيضا وهو محمد بن معاذ، وقال أيضا: الواقدي شديد الضعف إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ قلت: ذكر الحافظ المزي هذا ولم يتعرض إلى شيء من ذلك، ومن العجب أن الواقدي أحد مشايخ إمامه الشافعي ويحط عليه هذا الحط وهو، وإن كان ضعفه بعضهم، فقد وثقه آخرون، فقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام، وعن مصعب بن الزبير: ثقة مأمون، وكذا وثقه أبو عبيد وأثنى عليه ابن المبارك وآخرون.
وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضائل القرآن عن علي بن عبد الله وفي التفسير أيضا عن إسحاق بن منصور، وعن بندار. وأخرجه أبو داود في الصلاة عن عبيد الله بن معاذ. وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن إسماعيل بن مسعود وفي فضائل القرآن عن بندار. وأخرجه ابن ماجة في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (في المسجد)، أي: في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فلم أجبه)، لأنه ظن أن الخطاب لمن هو خارج عن الصلاة. قوله: (ألم يقل الله استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم) هذا خاص به صلى الله عليه وسلم. قوله: (ألا أعلمنك) كلمة: إلا للحث والتحضيض على ما يقوله القائل في مثل هذا الموضع، وأعلمنك، بنون التأكيد المشددة. قوله: (أعظم سورة في القرآن) قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أعظم بمعنى عظيم، وقال ابن التين: معناه أن ثوابها أعظم من غيرها، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وقد منع ذلك الأشعري وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل، وأسماه الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها، وأجيب عن هذا بأن الأفضلية من حيث الثواب والنفع للمتعبدين لا من حيث المعنى والصفة، فإن قلت: يؤيد التفضيل قوله تعالى: * (نأت بخير منها أو مثلها) * (البقرة: 106) قلت: الخيرية في المنفعة والرفق لعباده لا من حيث الذات. قوله: (قال: الحمد لله رب العالمين)، هذا صريح في الدلالة على أن البسملة ليست من الفاتحة. قوله: (هي السبع المثاني)، أما السبع فلأنها سبع آيات بلا خلاف إلا أن منهم من عد: أنعمت عليهم دون التسمية، ومنهم من مذهبه على العكس، قاله الزمخشري، قلت: الأول قول الحنفية، والعكس قول الشافعية، فإنهم يعدون التسمية من الفاتحة ولا يعدون: أنعمت عليهم آية، ولكل فريق حجج وبراهين عرفت في موضعها، وإما تسميتها بالمثاني فلأنها تثني في كل ركعة، وقيل: المثاني من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله تعالى، وفيه نظر، والمثاني: جمع مثنى الذي هو معدول عن اثنين اثنين، فافهم. وروى ابن عباس: أن السبع المثاني هي السبع الطوال: (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) و (الأعراف) و (يونس) وكذا روي عن سعيد بن جبير، وكذا ذكره الحاكم، وقال: الكهف، بدل: يونس، وذكر الداودي عن غيره: أنها من (البقرة) إلى (براءة) قال: وقيل: هي السبع التي تلي هذه السبع، وقيل: السبع الفاتحة، والمثاني القرآن، وقال الخطابي: يعني بالعظيم عظيم المثوبة على قراءتها وذلك لما تجمع هذه السورة من الثناء والدعاء والسؤال، والواو في: والقرآن العظيم، ليست واو العطف الموجبة للفصل بين الشيئين وإنما هي الواو التي تجيء بمعنى التخصيص كقوله: * (وملائكته ورسله وجبريل) * (البقرة: 98)، وكقوله: * (فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمن: 68) وقال الكرماني المشهور بين النحاة أن هذه الواو للجمع بين الوصفين، فمعني: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * أي: ما يقال له: السبع المثاني والقرآن العظيم، وما يوصف بهما انتهى. قلت: قول الخطابي: إن هذه الواو وليست للعطف خلاف ما قاله النحاة وغيرهم، وهذا من عطف
العام على الخاص، وقد مثل هو أيضا بقوله: * (فاكهة ونخل ورمان) * (الحجر: 87) وهذا يرد كلامه على ما لا يخفى، وكون العطف عطف العام على الخاص أو بالعكس لا يخرج الواو عن العطفية.
2
((باب غير المغصوب عليهم ولا الضالين))
أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *، ولا وجه لذكر لفظ: باب هنا، ولا ذكره حديث الباب ههنا مناسبا لأنه لا يتعلق بالتفسير، وإنما محله أن يذكر في فضل القرآن.
81
4475 ح دثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسمي، بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء: مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث، وأبو صالح ذكوان الزيات. والحديث مضى في الصلاة في: باب جهر الإمام بآمين، بهذا الإسناد، ومضى الكلام فيه هناك.
2
((سورة البقرة))
أي: هذا بيان ما في سورة البقرة من التفسير، وفي رواية أبي ذر: بسم الله الرحمن الرحيم، أي: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة في اللغة واحد السور وهي كل منزلة من البناء، ومنه: سور القرآن لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى، والجمع: بفتح الواو، وقال الجوهري: ويجوز أن يجمع على سورات وسورات، وسورة البقرة مدنية في قول الجميع، وحكى الماوردي القشيري: إلا آية واحدة، وهي قوله تعالى: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * (البقرة: 281) فإنها نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى، وهي خمسة وعشرون ألف حرف وخمسمائة حرف، وستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة، ومائتان وست وثمانون آية في العدد الكوفي، وهو عدد علي رضي الله عنه، وفي عدد أهل البصرة: مائتان وثمانون وسبع آيات، وفي عدد أهل الشام: مائتان وثمانون وأربع آيات، وفي عدد أهل مكة: مائتان وثمانون وخمس آيات، وهي أول سورة نزلت بالمدينة في قول، وقيل لها: فسطاط القرآن، فيها خمسة عشر مثلا، وخمسمائة حكمة، وفيها ثلاثمائة وستون رحمة.
1
((باب قول الله تعالى: * (وعلم آدم الأسماء كلها) * (البقرة: 31))
أي: هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى: * (وعلم آدم الأسماء كلها) * (البقرة: 31) هكذا وقع في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره سقط لفظ: باب قول الله.
4476 ح دثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هاذا فيقول لست هناكم ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي فيقول ائتوا خليل الرحمان فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا موساى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيقول لست هناكم ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال
82
ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود قال أبوا عبد الله إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى خالدين فيها..
مطابقته للترجمة في قوله: (وعلمك أسماء كل شيء) وأخرجه من طريقين: الأول: عن مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس. والثاني: عن خليفة بن خياط عن يزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع عن سعيد بن أبي عروبة البصري عن قتادة عن أنس.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب التوحيد في قول الله تعالى: * (لما خلقت بيدي) * (ص: 75) عن معاذ بن فضالة عن هشام عن قتادة عن أنس الخ بطوله وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى وبندار. وأخرجه النسائي في التفسير عن أبي الأشعث. وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن نصر بن علي.
قوله: (وقال لي خليفة) في الطريق الثاني هو على سبيل المذاكرة، وقيل: هو بمنزلة التحديث على رأى من رآه، وقيل: روى البخاري عن خليفة هذا في عشرة مواضع مقرونا ومنفردا، والغالب أنه إذا أفرده ذكره بصيغة: قال لي. قوله: (وعلمك أسماء كل شيء)، أي: كل شيء من سائر الأشياء حتى القصعة والقصيعة، روي ذلك عن ابن عباس، وقيل: علمه أسماء معدودة، وفيه أربعة أقوال: الأول: أنه علمه أسماء الملائكة. الثاني: أنه علمه أسماء الأجناس دون أنواعها كقولك: وملك. الثالث: أنه علمه أسماء ما خلق الله في الأرض من الدو أب والهوام والطير. الرابع: أنه علمه أسماء ذريته. فإن قلت: هل التعليم مقصور على الاسم دون
المعنى أو عليهما؟ قلت: فيه قولان. قوله: (حتى يريحنا)، بضم الياء وبالراء: من الإراحة، وقيل: بالزاي، يعني: يذهبنا ويبعدنا عن هذا المكان، وهو موقف العرصات عند الفزع الأكبر. قوله: (لست هناكم)، يعني: لم يخبر أن له ذلك، وهنا، للقريب، والكاف، للخطاب. قوله: (ويذكر ذنبه)، وهو قربان الشجرة والأكل منها. قوله: (فإنه أول رسول) أي فإن نوحا عليه السلام، أول رسول من الرسل الذين أرسلهم الله. فإن قلت: آدم هو أول الرسل؟ قلت: معناه: أول رسول أرسله الله بعد الطوفان، وقيل: آدم كان نبيا لا رسولا، وهو غير صحيح، لأنه أول رسول أرسله الله بالإنذار لأولاده والإرشاد لهم. قوله: (ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم) وهو قوله: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * (نوح: 26). قوله: (قتل النفس) هو قتله القبطي، قوله: (وكلمة الله وروحه) قال الله تعالى: * (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) * (النساء: 171) قيل له: كلمة الله، لأنه وجد بكلمة: كن، وروح الله بقوله: * (فنفخنا فيه من روحنا) * (الأنبياء: 91) والحصول الروح فيمن أحي من الموتى، وقال الزمخشري: هو كلمة الله لأنه قد وجد بأمر الله وكلمته من غير واسطة أب ونطفة، وروح الله لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح كالنطفة المنفصلة من الأب الحي، وإنما اخترع اختراعا من عند الله تعالى. قوله: (حتى استأذن على ربي)، وفي رواية: في داره، فمعناه: داره التي خلقها العبادة، كما قيل: بيت الله للكعبة والمساجد. قوله: (تشفع) على صيغة المجهول بتشديد الفاء، أي تقبل شفاعتك. قوله: (فيحدلي حدا)، أي: يعين لي قوما. قوله: (إلا من حبسه القرآن)، أي: إلا من حكم عليه القرآن بالحبس والخلود في النار قال تعالى: * (خالدين فيها) *، أي الكفار والمنافقين، وهو معنى قوله: (ووجب عليه الخلود)، أي: في النار. قوله: (وقال أبو عبد الله) هو البخاري نفسه، أشار بهذا إلى أن معنى قوله: (حبسه القرآن هو قوله تعالى: * (خالدين فيها) * فإن قلت: في هذا الحديث: إنهم يخرجون من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في رواية: فأمر الملائكة أن يخرجوا قوما من النار. قلت: لا منافاة فيه لأنهم قد يؤمرون أن يخرجوهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
2
((باب))
أي: هذا باب، كذا وقع بلا ترجمة في رواية الكل.
قال مجاهد إلى شياطينهم أصحابهم من المنافقين والمشركين
83
أشار به إلى تفسير قوله تعالى: * (وإذا خلوا إلى شياطينهم) * (البقرة: 14) وهذا التعليق وصله عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وروي عن قتادة قال: إلى إخوانهم من المشركين ورؤوسهم، ومعنى: خلوا رجعوا، ويجوز أن يكون من الخلوة يقال: خلوت به وخلوت معه وخلوت إليه والكل بمعنى واحد، والشيطان المتمرد العاتي من الجن والإنس ومن كل شيء، واشتقاقه من: شطن، أي: بعد عن الخير، وقيل: من شاط يشيط إذا التهب واحترق، فعلى الأول النون أصلية، وعلى الثاني زائدة.
محيط بالكافرين: الله جامعهم
أشار به إلى آخر قوله تعالى: * (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين) *. وفسره بقوله: (الله جامعهم) وهذا وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور عن مجاهد، وقال الزمخشري: وإحاطة الله بالكافرين مجاز، والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط حقيقة، وهذه الجملة اعتراض لا محل لها. انتهى. قلت: هي جملة اسمية، فالجملة لا يكون لها محل من الإعراب إلا إذا وقعت في موقع المفرد، ومعنى قوله: مجاز، استعارة تمثيلية شبه حاله تعالى مع الكفار في أنهم لا يفوتونه ولا محيص لهم من عذابه بحال المحيط بالشيء لأنه لا يفوته المحاط.
صبغة دين
أشار بهذا إلى أن الصبغة التي في قوله تعالى: * (صبغة الله) * (البقرة: 138) مفسرة: بالدين، وكذا فسرها مجاهد، رواه عنه عبد بن حميد من طريق منصور عنه قال: صبغة الله، أي: دين الله، وروي من طريق ابن أبي نجيح عنه، قال: صبغة الله أي: فطرة الله.
على الخاشعين على المؤمنين حقا
أشار به إلى قول الله تعالى: * (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها الكبيرة إلا على الخاشعين) * (البقرة: 45) ثم فسر الخاشعين بقوله: (على المؤمنين حقا) ووصله عبد بن حميد عن شبابة بالسند المذكور عن مجاهد، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال: في قوله تعالى: * (إلا على الخاشعين) * (البقرة: 45) يعني: الخائفين، ومن طريق مقاتل بن حبان، قال: يعني به المتواضعين.
قال مجاهد بقوة يعمل بما فيه
أشار به إلى قوله تعالى: * (خذوا ما آتيناكم بقوة) * (البقرة: 63 93) ثم فسر القوة بقوله: (يعمل بما فيه)، وعن أبي العالية: القوة الطاعة، وعن قتادة والسدي: القوة الجد والاجتهاد.
وقال أبو العالية مرض شك
أشار به إلى قوله تعالى: * (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) * ثم حكى عن أبي العالية أنه قال: مرض شك، ووصل هذا ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر
الرازي عن أبي العالية، واسمه: رفيع بن مهران الرياحي.
وما خلفها عبرة لمن بقي
أشار به إلى قوله تعالى: * (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) * (البقرة: 66) ثم فسر قوله: * (وما خلفها) * بقوله: (عبرة لمن بقي) ومعنى الآية: فجعلناها، أي: المسخة التي تفهم من قوله قبل هذا: * (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا) * أي: عبرة، تنكل من اعتبر بها، أي: تمنعه، ومنه النكل وهو القيد. قوله: * (لما بين يديها) * (البقرة: 65) أي: لما قبلها. قوله: * (وما خلفها) * (البقرة: 66) أي، وما بعدها من الأمم و القرون، وفسر البخاري قوله: (وما خلفها) بقوله: (عبرة لمن بقي) بعدهم من الناس، وكذا فسره أبو العالية، ورواه ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر عنه، وقال الزمخشري: وقيل: نكالا عقوبة منكلة لما بين يديها لأجل ما تقدمها من الذنوب وما تأخر منها.
لا شية لا بياض
أشار به إلى قوله تعالى: * (إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها) * ثم فسر قوله: (لا شية)، بقوله (لا بياض) وقال الزمخشري: لا شية فيها: لا لمعة في بقيتها من لون آخر سوى الصفرة، فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها،
84
والشية في الأصل مصدر وشاه وشيا وشيه إذا خلط بلونه لون آخر قلت: أصل شية، وشي حذفت الواو منه ثم عوض عنها التاء كما في عدة.
وقال غيره
أي: غير أبي العالية، وهو أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وأراد بهذا: أن تفسير الألفاظ المذكورة إلى هنا من قول أبي العالية المذكور، والذي بعدها من قول غيره.
يسومونكم: يولونكم
أشار به إلى قوله تعالى: * (يسومونكم سوء العذاب) * (البقرة: 49)، ثم فسر قوله: * (يسومونكم) * (الأعراف: 141) بقوله: * (يولونكم) * (إبراهيم: 6) بضم الياء وسكون الواو، وهو تفسير أبي عبيدة. وقال الطبري: معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم، وقيل: معناه يصرفونكم في العذاب مرة كذا ومرة كذا، كما يفعل في الإبل السائمة.
الولاية مفتوحة مصدر الولاء وهي الربوبية وإذا كسرت الواو فهي الإمارة
أشار به إلى قوله تعالى: * (هنالك الولاية لله الحق) * (الكهف: 44) قوله: (مفتوحة) أي: حال كونها مفتوحة، الواو مصدر الولاء، وهي الربوبية، ومن أسماء الله تعالى: الوالي، وهو مالك الأشياء جميعها المنصرف فيها، ومن أسمائه: الولي لأمور العالم والخلائق القائم بها. قوله: (وإذا كسرت الواو) أي: الواو التي في: الولاية، فتكون بمعنى: الإمارة، بسكر الهمزة، وهذا كلام أبي عبيدة حيث قال في قوله تعالى: * (هنالك الولاية لله الحق) *، الولاية بالفتح مصدر الولي، وبالكسر مصدر وليت العمل والأمر تليه.
وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها) * (البقرة: 61) وحكى عن البعض وأراد به عطاء وقتادة: الحبوب التي تؤكل كلها فوم، بالفاء، وهكذا حكاه الفراء عنهما في: (معاني القرآن) حيث قال: كل حب يختبز، وروى ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما: أن الفوم الحنطة، وقال الزمخشري: البقل ما أنبتته الأرض من الخضر، والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس: كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها والفوم الحنطة، ومنه: فوموا لنا، أي: اخبزوا، وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش: الثوم، بالثاء المثلثة، وبه فسره سعيد بن جبير وغيره.
وقال قتادة فباؤوا فانقلبوا
أي: قال قتادة بن دعامة السدوسي في تفسير. قوله: * (فباؤوا بغضب من الله) * أي: فانقلبوا، وقال الزمخشري: فباؤوا، من قولك: باء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته، أي: صاروا أحقاء بغضبه، وقال الزجاج: البوء التسوية، بقوله: باؤوا، أي: استوى عليهم غضب الله، ويقال: البوء الرجوع أي: رجعوا وانصرفوا بذلك، وهو قريب من تفسير قتادة.
وقال غيره يستفتحون يستنصرون
أي: وقال غير قتادة، وهو أبو عبيدة إن معنى قوله: تعالى: * (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) * (البقرة: 89) يعني: يستنصرون، وروى الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس: يستظهرون، قال الله تعالى: * (ولما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) * قوله: * (ولما جاءهم) * أي: اليهود * (كتاب من عند الله) * وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم * (مصدق لما معهم) * يعني: من التوراة، قوله: (وكانوا أي اليهود: من قبل، أي: من قبل مجيبي القرآن على لسان هذا الرسول يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، فيقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد). قوله: * (فلما جاءهم ما عرفوا) * يعني: فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه وعرفوه * (كفروا به فلعنة الله على الكافرين) * قال الزمخشري
: أي: عليهم، وضعا للظاهر موضع المضمر، واللام للعهد، ويجوز أن يكون للجنس. ويدخلوا فيه دخولا أوليا.
شروا باعوا
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولبئس ما شروا به أنفسهم) * (البقرة: 102) ثم فسره بقوله: (باعوا) وكذا أخرجه ابن أبي
85
حاتم من طريق السدي.
راعنا من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا راعنا
أشار به إلى قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا قولوا أنظرنا) * الآية نهى الله تعالى المؤمنين أن يشتبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص، فإذا أرادوا أن يقولوا: إسمع لنا، يقولون: راعنا، ويورون بالرعونة الحماقة، ومنها: الراعن وهو الأحمق، والأرعن عن مبالغة فيه فنهى الله تعالى المؤمنين عن مشابهة الكفارة قولا وفعلا، فقال: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) * الآية، وروى أحمد من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم، وقرأ عبد الله بن مسعود: عونا، وقرأ الحسن: راعنا، بالتنوين من الرعن وهو الحماقة أي: لا تقولوا قولا راعنا منسوبا إلى الرعن. بمعنى: رعينا. وقرأ الجمهور بلا تنوين على أنه فعل أمر من المراعاة، والذي قاله البخاري يمشي على قراءة الحسن.
لا تجزي لا تغني
أشار به إلى قوله تعالى: * (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) * (البقرة: 48) وفسره بقوله: * (لا تغني) * (البقرة: 123) وكذلك فسره أبو عبيدة، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي، قال: لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا.
خطوات من الخطو والمعنى آثاره
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * (البقرة: 168 208) وقال: خطوات من الخطو والخطو مصدر خطا يخطو خطوا، والخطوة بالضم بعدما بين القدمين في المشي، وبالفتح المرة، وجمع الخطوة في الكثرة: خطى، وفي القلة: خطوات، بتثليث الطاء، وفسر خطوات الشيطان بقوله: * (آثاره) * (الأنعام: 142).
3
((باب: قوله تعالى: * (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) * (البقرة: 22))
ذكر هذه الآية توطئة للحديث الذي ذكره بعدها، ولما خاطب الله عز وجل أولا الناس من المؤمنين والكفارة والمنافقين بقوله: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم) * (البقرة: 21) إلى قوله: * (فلا تجعلوا) * أي: وحدوا ربكم الذي من صفاته ما ذكر، خاطب الكفار والمنافقين بقوله: * (فلا تجعلوا الله أندادا) * وهو جمع: ند بكسر النون وتشديد الدال وهو النظير قوله: * (وأنتم تعلمون) * جملة حالية، أي: والحال أنكم تعلمون أن الله تعالى منزه عن الأنداد والأضداد والأشباه.
ومن أول الباب إلى هنا سقط جميعه من رواية السرخسي ولهذا إلا يوجد في كثير من النسخ، ويوجد بعضه في بعض.
4477 ح دثني عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت إن ذالك لعظيم قلت ثم أي قال وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك.
ذكر هذا الحديث مناسبا للآية التي قبله. وعثمان هو أخو أبي بكر بن أبي شيبة، وأبو بكر اسمه عبد الله، واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو جدهما، وأبوهما محمد بن أبي شيبة وهو شيخ مسلم أيضا، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري أيضا هنا عن مسدد، وأخرجه في التوحيد أيضا عن قتيبة وفي الأدب عن محمد بن كثير وفي المحاربين عن عمرو بن علي. وأخرجه مسلم في الإيمان عن عثمان بن إسحاق. وأخرجه أبو داود في الطلاق عن محمد بن كثير. وأخرجه الترمذي في التفسير عن بندار. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وفيه وفي الرجم عن قتيبة وفي المحاربة عن محمد بن بشار.
قوله: (أن تجعل لله ندا) قدمه لأنه أعظم الذنوب، قال الله تعالى: * (إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13) ثم ثناه
86
بالقتل لأن عند الشافعية أكبر الكبائر بعد الشرك القتل ثم ثلثه بالزنا، لأنه سبب لاختلاط الأنساب لا سيما مع حليلة الجار، لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه فإذا قابل هذا بالذب عنه كان من أقبح الأشياء. قوله: (ثم أي؟) قال ابن الجوزي: أي: ههنا مشدد منون، كذا سمعته من أبي محمد بن الخشاب، قال: لا يجوز إلا تنوينه لأنه اسم معرب غير مضاف. قوله: (وأن تقتل ولدك) فيه ذم شديد للبخيل لأن بخله أداه إلى قتل ولده مخافة أن يأكل معه. قوله: (تخاف)، في موضع الحال. قوله: (أن تزاني) من باب المفاعلة من الزنا معناه: أن تزني برضاها، ولأجل هذا ذكره من باب المفاعلة. قوله: (حليلة)، بالحاء المهملة: الزوجة، سميت بذلك لكونها تحل له فهي حليلة بمعنى محلة لكونها تحل معه بضم الحاء، وقيل: لأن كلا منهما يحل أزرة الآخر، وهي أيضا: عرسه وظعينته وربضه وطلعته وحنته وبيته وقعيدته وشاعته وبعلته وضبينته وجارته وفرشه وزوجته وعشيرته وأهله.
4
((باب: وقوله تعالى: * (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * (البقرة: 57)
وقال مجاهد المن صمغة والسلوى الطير.))
ذكر هذه الآية ولم يذكر شيئا من تفسيرها غير ما ذكره من قول مجاهد، ولما ذكر الله تعالى ما دفع عن قوم موسى من النقم المذكورة قبل هذه الآية، ذكرهم هنا بما أسبغ عليهم من النعم، فقال: (وظللنا عليكم الغمام) وهو جمع غمامة، سمي بذلك لأنه يغم السماء أي يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس، وعن مجاهد: ليس من زي مثل هذا السحاب بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا، وذكر سنيد في تفسيره: عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: قال ابن عباس، رضي الله عنهما: غمام أبرد من هذا وأطيب، وهو الذي يأتي الله فيه في قوله: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) * (البقرة: 210) وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر. قوله: (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) وفسر مجاهد: المن، بقوله صمغة، والسلوى، بالطير، رواه عنه عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه ويأكلون منه ما شاؤوا، وقال عكرمة: شيء يشبه الرب الغليظ، وعن السدي: إنه الترنجبين، وقال الربيع بن أنس: المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه، وقال وهب بن منبه: هو خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي، وروى ابن جرير بإسناده عن الشعبي، قال: عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنه العسل.
واختلفت عبارات المفسرين في (المن) ولكنها متقاربة فمنهم من فسره بالطعام، ومنهم من فسره بالشراب، والظاهر والله أعلم أن كل ما امتن الله به عليهم من طعام أو شراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كد، فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما، وإن مزج مع الماء كان شرابا طيبا وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر. وأما (السلوى) فكذلك اختلفوا فيه، فقال علي بن أبي طلحة: عن أبي عباس: السلوى طائر شبيه السمان يأكلوه منه، وكذا قال مجاهد والشعبي والضحاك والحسن وعكرمة والربيع بن أنس، وعن وهب: هو طير سمين مثل الحمامة يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت، وعن عكرمة: طير أكبر من العصفور، وقال ابن عطية: السلوى طير بإجماع المفسرين، وقد غلط الهذلي في قوله: إنه العسل، وقال القرطبي: دعوى الإجماع لا يصح لأن المؤرخ أحد علماء اللغة والتفسير قال: إنه العسل، وقال الجوهري: السلوى العسل، قالوا: والسلوى جمع بلفظ الواحد أيضا، كما يقال: سماني للواحد والجمع، وقال الخليل: واحده سلوة، وقال الكسائي: السلوى واحد وجمعه سلاوي. قوله: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) أمر إباحة وإرشاد وامتنان. قوله: (وما ظلمونا) الآية، يعني: أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا فخالفوا وكفر لظلموا أنفسهم. وقال الزمخشري: فظلموا بأن كفروا هذه النعم.
4478 ح دثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الملك عن عمرو بن حريث عن سعيد
87
بن زيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين.
قال الخطابي: لا وجه لإدخال هذا الحديث هنا لأنه ليس المراد من الكمأة في الحديث أنها نوع من المن المنزل على بني إسرائيل، فإن ذلك شيء كان يسقط عليهم كالترنجبين، وإنما المراد أنها شجرة تنبت بنفسها من غير استنبات ولا مؤونة، ورد عليه: بأن في رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير في هذا الباب من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، رواه الدارقطني، وبهذا تظهر المناسبة في ذكره هنا، وكأن الخطابي لم يطلع على رواية ابن عيينة عن عبد الملك، فلذلك قال ذلك.
وأبو نعيم: بضم النون: الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري هنا، وإن كان سفيان بن عيينة يروي أيضا عن عبد الملك بن عمير، لأن الغالب إذا أطلق: سفيان عن عبد الملك، يكون الثوري، وكذا ذكره أبو مسعود لما ذكر هذا الحديث، وعمرو بن حريث القرشي المخزومي وله صحبة، وسعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن محمد بن المثنى. وأخرجه مسلم في الأطعمة عن محمد بن المثنى وعن غيره. وأخرجه الترمذي في الطب عن أبي كريب وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم وفي الوليمة عن يحيى بن حبيب وغيره وفي التفسير عن محمد بن المثنى وغيره. وأخرجه ابن ماجة في الطب عن محمد بن الصباح.
قوله: (الكمأة)، بفتح الكاف وإسكان الميم وفتح الهمزة: واحدها كمء، وعكسه. تمرة وتمر، وهو من النوادر، وقال ابن سيده: جمع الكمء أكمؤه وكمأة، هذا قول أهل اللغة، وقال سيبويه: ليست الكمأة بجمع، كمء، لأن فعلة ليس مما يكسر على فعل، وإنما هو اسم الجمع، وقال أبو حنيفة: كمأة واحدة وكمأتان وكماء. وعن أبي زيد: أن الكمأة تكون واحدة وجمعا. وفي (الجامع): الجمع القليل أكمؤة على أفعل، والجمع الكثير: كماء، وقال صاحب (التلويح): الصحيح من هذا كله ما حكاه سيبويه، وذكر عبد اللطيف بن يوسف البغدادي أن الكمأة جدرى الأرض وتسمى بنات الرعد، لأنها تكثر بكثرته وتنفطر عنها الأرض، وقال أبو حنيفة: أول اجتناثها سقوط الجبهة، وهي تتطاول إلى أن يتحرك الحر، وكمأة السهل بيضاء رخوة، والتي بالآكام سوداء جيدة، وقيل: الكمأة هي التي إلى الغبرة والسواد. وفي (الجامع): تخرج ببعض الأرض، وقال ابن خالويه في كتابه: ليس في كلام العرب من أسماء الكمء إلا الذي أعرفك: الذعلوق والبرنيق والمغرود والفقع والجب وبنات أوبر والعقل والقعيل، بتقديم القاف على العين، والجباة. يقال: كمأت الأرض أخرجت كماءها، وأجبأت أخرجت جباءها وهي الكمأة الحمراء، والبدأة يقال بدئت الأرض بكسر الدال، وعن أبي حنيفة: الفردة والفراد وعصاقل وقرحان والخماميس، ولم أسمع لها بواحد، قاله الفراء: وعند القزاز: العرجون ضرب من الكمأة قدر شبر أو دون ذلك وهو طيب ما دام غضا، والجمع العراجين، والفطر قال ابن سيدة: هو ضرب من الكمأة. قوله: (من المن)، ظاهره أن الكمأة من نفس المن، وأبو هريرة أخذ بظاهره على ما رواه الترمذي من حديث قتادة، قال: حدثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسة أو سبعا فعصرتهن وجعلت ماءهن في
قارورة وكحلت به جارية فبرئت، وقال ابن خالويه: يعصر ماؤها ويخلط به أدوية ثم يكتحل به، قال ابن العربي: الصحيح أنه ينتفع بصورتها في حال وبإضافتها في أخرى. وفي (الجامع) لابن بيطار: هي أصل مستدير لا ورق ولا ساق لها ولونها إلى الحمرة مائل تؤخذ في الربيع وتؤكل نية ومطبوخة، والغذاء المتولد منها أغلظ من المتولد من القرع وليست بردي، الكيموس، وهي في المعدة الحارة جيدة لأنها باردة رطبة في الدرجة الثانية، وأجودها أشدها تلذذا وملاسا، وأميلها إلى البياض، والمتخلخلة الرخوة رديئة جدا، وماؤها يجلو البصر كحلا، وهي من أصلح أدوية العين، وإذا رتب بها الإثمد واكتحل به قوى الأجفان، وزاد في الروح الباصرة قوة وحدة، ويدفع عنها نزول الماء. وذكر ابن الجوزي: أن الأطباء يقولون: إن أكل الكمأة يجلو البصر، وقيل: تؤخذ فتشق وتوضع على الجمرة حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ ميل فيصير في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل به، ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة، وقيل: أراد الماء الذي تنبت به وهو أول مطر ينزل إلى الأرض فتربى به الأكحال، وقيل: إن كان في العين حرارة فماؤها وحده شفاء، وإن كان لغير ذلك فيركب مع غيره. وقال ابن التين: قيل: أراد أنها تنفع من تأخذه العين التي هي النظرة، وذلك أن في بعض ألفاظ الحديث: وماؤها شفاء من العين، قال: وقيل: يريد من داء العين، فحذف المضاف، وقال الخطابي في قوله: (والكمأة من المن)، ما ملخصه: أنه لم يرد به أنها من المن الذي أنزل على موسى
88
بني إسرائيل عليه الصلاة والسلام، فإن المروي أنه شيء كان يسقط عليهم كالترنجبين، وقد ذكرنا هذا في أول الحديث، والجواب عنه أيضا: وقال النووي: قال كثيرون: شبهها بالمن الذي أنزل عليهم حقيقة، عملا بظاهر اللفظ، وقيل: معنى قوله: (الكمأة من المن) يعني: مما من الله على عباده بها بإنعامه ذلك عليهم.
5
((باب * (وإذ قلنا ادخلوا هاذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة تغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) * (البقرة: 58))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (وإذا قلنا) * الآية، وفي بعض النسخ: باب قوله تعالى: * (وإذ قلنا) * وفي بعضها ليس فيها لفظ: باب، وفي رواية أبي ذر: باب: * (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم) *، الآية كذا وجد في رواية غيره إلى قوله: (المحسنين). قوله: (وإذ قلنا)، يعني: اذكر، وهو العامل في: إذ، وفي الأعراف: * (وإذ قيل لهم) * (الأعراف: 161)، قوله: (ادخلوا)، قال في الأعراف: اسكنوا وكان هذا الأمر أمر تكليف. قوله: (هذه القرية)، أي: بيت المقدس، وقيل: أريحا من قرى الشام. قوله: (فكلوا)، وفي الأعراف بالواو، قوله: (رغدا) أي: واسعا كثيرا، وقيل: الرغد سعة المعيشة، وقيل: الرغد الهنيء، وعن مجاهد: الرغد الذي لا حساب فيه. قوله: (وادخلوا الباب) أي: باب القرية، وقيل: باب القبة التي كانوا يصلون إليها. قوله: (سجدا). أي: ركعا لتعذر الحمل على حقيقته، فيكون المعنى: خاضعين خاشعين، وكذا روي عن ابن عباس. قوله: (حطة)، أي: أمرك حطة، يعني: شأنك حط الذنوب ومغفرتها، قال الزمخشري: الأصل النصب، يعني: حط عنا ذنوبنا، وقرأ ابن أبني عبلة بالنصب على الأصل. قوله: (وسنزيد المحسنين)، يعني: من كان منكم محسنا أنت تلك الكلمة له سببا في زيادة ثوابه، ومن كان مسيئا كانت له توبة ومغفرة.
4479 ح دثني محمد حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالؤا حطة حبة في شعرة. (انظر الحديث 3403 وطرفه).
مطابقته للآية ظاهرة. ومحمد الذي ذكره بغير نسبة، قال الغساني: الأشبه أنه ابن بشار، بالباء الموحدة والشين المعجمة، وابن المثنى ضد الفرد وقال ابن السكن: هو ابن سلام، وقيل: يحتمل أن يكون محمد بن يحيى الهذلي لأنه يروي عن عبد الرحمن بن مهدي أيضا، وابن المبارك هو عبد الله. والحديث مضى في كتاب الأنبياء في باب مجرد بعد حديث الخضر مع موسى عليه السلام. وأخرجه النسائي أيضا في التفسير عن محمد بن إسماعيل ببعضه مسندا.
6
((باب: من كان عدوا لجبريل. وقال عكرمة جبروميك وسراف عبد إيل الله))
وفي رواية أبي ذر: باب من كان. قوله: (جبريل)، بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة بعدها راء: وهو من جبرائيل. قوله: (وميك)، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف بعدها كاف مفتوحة: وهو من ميكائيل. قوله: (وسراف)، بفتح السين المهملة وتخفيف الراء وبالفاء المكسورة بعد الألف: هو من إسرافيل. قوله: (عبد)، أي: معنى هذه الألفاظ الثلاثة: عبد. قوله: (إيل)، بكسر المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها لام. قوله: (الله)، أي: معنى لفظ: إيل الله. والحاصل أن معنى جبريل وميكائيل وإسرافيل: عبد الله، قاله عكرمة مولى ابن عباس، ووصله الطبري من طريق عاصم عنه، قال جبريل عبد الله، وميكائيل عبد الله، إيل: الله، وعن عكرمة عن ابن عباس: كل اسم فيه: إيل، فهو الله، ويقال: إيل الله بالعبرانية، وروى الطبري من طريق علي ابن الحسين، قال: اسم جبريل عبد الله، وميكائيل عبيد الله، يعني بالتصغير، وإسرافيل عبد الرحمن، وكل اسم فيه إيل، فهو عبد الله، وذكر عكس هذا وهو: أن إيل معناه: عبد، ومعنى ما قبله اسم لله. وله وجه، وهو أن الاسم المضاف في لغة غير العرب غالبا يتقدم
89
فيه المضاف إليه على المضاف، قال الزمخشري: قرىء جبرئيل بوزن قفشليل، وجبرئل بحذف الياء، وجبريل بحذف الهمزة، وجبريل بوزن قنديل، وجبرايل بلام شديدة، وجبرائيل بوزن جبراعيل، وجبرائل بوزن جبراعل، ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة. قال: وقرئ ميكال بوزن قنطار، وميكائيل كميكاعيل، وميكائل كميكاعل ومكئل كميعل وميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل، وقال ابن جني: العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه.
7
((باب قوله تعالى: * (ننسخ من آية أو ننساها) * (البقرة: 106))
أي: هذا باب قوله تعالى: * (ما ننسخ) * وقرئ: ما تنسخ، بتاء الخاب، (وما ننسخ)، بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر السين، والنسخ في الآية إزالتها بإبدال أخرى مكانها. قوله: (أو ننساها) بفتح النون الأولى من النسي وهو التأخير لا إلى بدل، وقرئ ننسها، بضم النون الأولى وكسر السين: من الإنساء، وهو أن يذهب بحفظها من القلوب، وقرئ: وننسها، بضم النون الأولى وفتح
90
الثانية وكسر السين المشددة، وقرئ: وتنسها، بفتح التاء للخطاب وسكون النون، وقرئ: وتنسها، بضم التاء على صيغة المجهول، وكانت اليهود طعنوا في النسخ فقالوا: أفلا ترون إلى محمد؟ يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا؟ فنزلت * (ما ننسخ) * (البقرة: 106) الخ.
4481 ح دثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال عمر رضي الله عنه أقرأنا أبي وأقضانا علي وإنا لندع من قول أبي وذاك أن أبيا يقول لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننساها.
مطابقته للآية ظاهرة. وعمرو، بفتح العين: ابن علي بن بحر أبو حفص البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا ويحيى هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وحبيب، هو ابن أبي ثابت واسمه قيس بن دينار الكوفي.
وهذا حديث موقوف وأخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعا. وفيه ذكر جماعة، وأوله: أرحم أمتي أبو بكر، وفيه: وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب الحديث، وصححه الترمذي وقال غيره: والصواب إرساله.
قوله: (وأقضانا علي)، أي: أعلمنا بالقضاء علي بن أبي طالب، وقد روي هذا أيضا مرفوعا عن أنس ولفظه: أقضى أمتي علي بن أبي طالب، رواه البغوي قوله: (وإنا لندع من قول أبي)، أي: لنترك، وفي رواية صدقة: من لحن أبي، أي: من لغته، وفي رواية ابن خلاد وإنا لنترك كثيرا من قراءة أبي، وذلك إشارة إلى قول عمرو: إنا لندع. قوله: (أن أبيا يقول)، أي: أن أبيا يقول: (لا أدع شيئا) أي: لا أترك شيئا (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكان لا يقول أبي بنسخ شيء من القرآن، فرد عمر رضي الله عنه ذلك بقوله: وقد قال الله تعالى: * (ما ننسخ من آية) * فإنه يدل على ثبوت النسخ في البعض، وهذه الجملة، وإن كانت شرطية، إلا أنها لا تدل على وقوع الشرط، فالسياق هنا يدل عليه لأنها نزلت بعد وقوعه وإنكارهم عليه، ويمنع عدم دلالتها في مثل هذا لأنها ليست شرطية محضة.
8
((باب: * (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) * (البقرة: 116))
أي: هذا باب: * (قالوا) * بالواو قراءة الجمهور، وقرأ ابن عامر: قالوا، بحذف الواو، واتفقوا على أن الآية نزلت فيمن زعم أن لله ولدا من يهود خيبر ونصارى نجران، ومن قال من مشركي العرب: الملائكة بنات الله، فرد الله تعالى عليهم.
4482 ح دثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن عبد الله بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله كذ بني ابن آدم ولم يكن له ذاك وشتمني ولم يكن له ذالك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع وعبد الله هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين القرشي النوفلي المكي، ونافع بن جبير، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة: ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المدني.
والحديث من أفراده. وقال صاحب (التوضيح): وسلف في بدء الخلق، قلت: ما سلف في بدء الخلق إلا عن أبي هريرة من رواية الأعرج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي: قال: قال الله أراه يقول الله شتمني ابن آدم الحديث، وهذا من الأحاديث القدسية. قوله: (كذبني) من التكذيب وهو نسبة المتكلم إلى أن خبره خلاف الواقع. قوله: (ذلك) أي: التكذيب. قوله: (وشتمني)، من الشتم وهو توصيف الشخص بما هو أزرا وأنقص فيه، وإثبات الولد له كذلك لأن الولد إنما يكون عن والدة
91
تحمله ثم تضعه، ويستلزم ذلك سبق النكاح، والناكح يستدعي باعثا له على ذلك، والله سبحانه وتعالى منزع عن جميع ذلك. قوله: (فسبحاني)، لفظ: سبحان، مضاف إلى ياء المتكلم يعني: أنزه نفسي (أن أتخذ) بأن اتخذو: وأن، مصدرية أي: من اتخاذ الصاحبة أي: الزوجة والولد.
9
((باب قوله: * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * (البقرة: 125))
أي: هذا باب، وليس في كثير من النسخ لفظ: باب، وإنما المذكور قوله تعالى: * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * قوله: (واتخذو)، بكسر الخاء المعجمة، أمر للجماعة على إرادة القول، أي: وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة، وهكذا هو عند الجمهور، وقرئ: واتخذوا، بفتح الخاء: جملة فعلية ماضية، وهي قراءة نافع وابن عامر، أي: واتخذ الناس من مكان إبراهيم، عطف على قوله: * (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا) * الآية، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي عليه أثر قدميه، وعن عطاء، مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها. قوله: (مصلى)، أي: موضع صلاة تصلون فيه، وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب، وقيل: مصلى، أي: مدعى.
مثابة يثوبون يرجعون
هو في قوله: * (وإذا جعلنا البيت مثابة) * يعني: مرجعا للناس من الحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه، والمثابة: الموضع الذي يرجع إليه مرة بعد أخرى، من ثاب ثوبا وثوبانا رجع بعد ذهابه، وأصله: مثوبة، نقلت حركة الواو إلى ما قبلها ثم قلبت ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها، ونقل بعضهم عن أبي عبيدة: أن مثوبة، مصدر يثوبون. قلت: ليس بمصدر بل هو اسم للمصدر، ويجوز أن يكون مصدرا ميميا.
92
10
((باب: قوله تعالى: * (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) * (البقرة: 127))
أي: أذكر إذ يرفع أي: حين يرفع إبراهيم، وهي حكاية حال ماضية، والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه، وقال الفراء: القواعد أساس البيت، وقال الطبري: اختلفوا في القواعد التي رفعها إبراهيم وإسماعيل، صلوات الله عليهما، أهما حدثاها أم كانت قبلهما؟ ثم روى بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانت قواعد البيت، قيل ذلك، ومن طريق عطاء قال: قال آدم عليه السلام: أي رب، لا أسمع أصوات الملائكة، قال: ابن لي بيتا ثم أخفف به كما رأيت الملائكة تحت بيتي الذي في السماء، فزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل حتى بناه إبراهيم عليه السلام، بعد وقال الزمخشري: معنى رفع القواعد: رفعها بالبناء. قوله: (ربنا)، أي: يقولان: ربنا، يعني: يرفعانها حال كونهما قائلين: ربنا. قوله: (إنك أنت السميع العليم) أي: لدعائنا، العليم أي: بضمائرنا ونياتنا.
القواعد أساسه واحدتها قاعدة والقواعد من النساء واحدها قاعد
أشار بهذا إلى الفرق بين القواعد التي هي جمع قاعدة البناء، وبين جمع القواعد التي هي جمع قاعد من النساء بلا تاء، حاصله أن لفظ القواعد مشترك بين قواعد الأساس وقواعد النساء، والفرق في مفرديهما أن القاعدة بتاء التأنيث الأساس، وبدونها المرأة التي قعدت عن الحيض، وذلك لتخصيصهن بذلك في هذه الحالة وفي غير هذا الحال بالتاء أيضا، وذلك من القعود خلاف القيام، فافهم.
4484 ح دثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله ابن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم ترى أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال لولا حدثان قومك بالكفر فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هاذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم..
مطابقته للآية في قوله: (واقتصروا عن قواعد إبراهيم) وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والحديث مضى في كتاب الحج في: باب فضل مكة وبنيانها ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (حدثان)، بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين وبالثاء المثلثة: مصدر حدث يحدث حدوثا وحدثانا، وجواب: لولا، محذوف تقديره: لولا قرب عهد قومك ثابت لرددتها. قوله: (الحجر) بكسر الحاء، وذلك لأن ستة أذرع منه كانت من البيت، فالركنان اللذان فيه لم يكونا على الأساس الأول. قوله: (لم يتمم) ويروى: لم يتم.
11
((باب: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) * (البقرة: 136))
أي: هذا باب يذكر فيه: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) * ولم يثبت لفظ: باب إلا في رواية أبي ذر. قوله: (قولوا)، خطاب للمؤمنين، قاله الزمخشري، ويجوز أن يكون خطابا للكافرين.
4485 ح دثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية
93
ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم * (وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) * (البقرة: 136) الآية.
مطابقته للآية في قوله: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم) * إلى قوله: * (ونحن له مسلمون) *. والحديث ذكره البخاري أيضا في الاعتصام وفي التوحيد عن محمد بن بشار أيضا. وأخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن المثنى.
قوله: (كان أهل الكتاب)، أي: من اليهود. قوله: (لا تصدقوا)، إلى آخره، يعني: إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه، أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج، ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه. وقال الخطابي: هذا الحديث أصل في وجوب التوقف عما يشكل من الأمور فلا يقضي عليه بصحة أو بطلان ولا بتحليل وتحريم، وقد أمرنا أن نؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء، عليهم السلام، إلا أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم صحيح ما يحكونه عن تلك الكتب من سقيمه، فنتوقف فلا نصدقهم لئلا نكون شركاء معهم فيما حرفوه منه، ولا نكذبهم فلعله يكون صحيحا فنكون منكرين لما أمرنا أن نؤمن به، وعلى هذا كان يتوقف السلف عن بعض ما أشكل عليهم وتعليقهم القول فيه كما سئل عثمان رضي الله عنه، عن الجمع بين الأختين في ملك
اليمين، فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، وكما سئل ابن عمر عن رجل نذر أن يصوم كل اثنين، فوافق ذلك اليوم يوم عيد، فقال: أمر الله بالوفاء بالنذر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن صوم يوم العيد، فهذا مذهب من يسلك طريق الورع وإن كان غيرهم قد اجتهدوا واعتبروا الأصول فرجحوا أحد المذهبين على الآخر، وكل على ما ينويه من الخير ويؤمه من الصلاح مشكور.
12
((باب: * (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * (البقرة: 142).
وفي بعض النسخ: باب قوله تعالى: * (سيقول السفهاء) * ولكن في رواية أبي ذر إلى قوله: * (ما ولاهم عن قبلتهما) * فقط، والسفهاء جمع سفيه. قال الزمخشري: سيقول السفهاء أي: خفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة وأنهم لا يرون النسخ، وقيل: المنافقون بحرصهم على الطعن والاستهزاء، وقيل: المشركون. قالوا: رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها والله ليرجعن إلى دينهم. قوله: (ما ولاهم) أي: أي شيء رجعهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وهو بيت المقدس، قل يا محمد (لله المشرق والمغرب)، أي: بلاد الشرق والغرب والأرض كلها، وهذا جواب لهم أي الحكم والتصرف في الأمر كلمة لله * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * فيأمرهم بالتوجه إلى أي جهة شاء، وقيل: أراد بالمشرق الكعبة لأن المصلي بالمدينة إذا توجه إلى الكعبة فهو متوجه للمشرق، وأراد بالمغرب بيت المقدس لأن المصلي في المدينة إلى بيت المقدس متوجه جهة المغرب.
13 - (حدثنا أبو نعيم سمع زهيرا عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله
صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي
قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله * (وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم)
مطابقته للآية ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزهير تصغير زهر ابن معاوية وأبو إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء هو ابن عازب رضي الله تعالى عنه والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان فإنه أخرجه هناك بأتم
94
منه عن عمرو بن خالد عن زهير إلى آخره ومر الكلام فيه هناك مطولا قوله ' أو سبعة عشر ' شك من الراوي قوله ' قبل البيت ' بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة الكعبة قوله ' أو صلاها ' شك من الراوي قوله ' صلاة العصر ' بالنصب بدل من الضمير المنصوب الذي في صلاها قوله ' رجل ' قيل هو عباد بن نهيك الخطمي الأنصاري قاله أبو عمر في كتاب الاستيعاب وقال ابن بشكوال هو عباد بن بشر الأشهلي قوله ' إيمانكم ' أي صلاتكم * -
13
((باب قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيد) * (البقرة:))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم) * الآية، هذا هكذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره إلى قوله: * (لرؤوف رحيم) * (البقرة: 143) قوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أي: كما اخترنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأولاده وأنعمنا عليهم بالحنيفية جعلناكم أمة وسطا. وقال ابن كثير في (تفسيره): يقول الله تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكن بالفضل. وقال الزمخشري: وكذلك جعلناكم، ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا أي خيارا، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
4487 ح دثنا يوسف بن راشد حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ ل جرير عن الأعمش عن أبي صالح. وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا فذالك قوله جل ذكره: * (وكذالك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) *. والوسط العدل. (انظر الحديث 3339 وطرفه).
مطابقته للآية ظاهرة. ويوسف هو ابن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي، وجرير هو ابن عبد الحميد، وأبو أسامة حماد بن أسامة، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان، وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان.
والحديث مضى في كتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، في: باب قوله تعالى: * (إنا أرسلنا نوحا) * (نوح: 1) ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (والوسط: العدل) قيل، هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهمه بعضهم. قلت: فيه تأمل، وقال ابن جرير: الوسط العدل والخيار، وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين مثل: وسط الدار، وروي أن الرب عز وجل إنما وصفهم بذلك لتوسطهم في الدين فلاهم أهل غلو فيه كالنصارى ولاهم أهل تقصير فيه كاليهود، وقال الزمخشري: وقيل للخيار: وسط، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعواز والأوساط محفوظة.
14
((باب قوله تعالى: * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم) *))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول) * إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية التي ذكرناها. قوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) يعني: وما جعلنا القبلة التي تحب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء لنعلم الثابت على الإسلام الصادق فيه ممن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد. قوله: (وإن كانت)، كلمة: إن المخففة التي تلزمها اللام الفارقة، والضمير في: كانت، يرجع إلى التحويلة أو إلى القبلة. قوله: (لكبيرة)، أي: لثقيلة شاقة * (إلا على الذين هدى الله) * وهم التائبون الصادقون في اتباع الرسول. قوله: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي: ثباتكم على الإيمان، وعن ابن عباس: وما كان الله ليضيع إيمانكم أي: بالقبلة
95
الأولى، وتصديقكم نبيكم باتباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطيكم أجرهما جميعا.
4488 ح دثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء فقال أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فتوجهوا إلى الكعبة..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أنزل الله على النبي قرآنا أن يستقبل القبلة) ويحيى هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري. والحديث مضى في أوائل الصلاة في: باب ما جاء في القبلة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر الحديث.
15
((باب قول الله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * إلى * (عما تعلمون) * (البقرة: 144))
أي: هذا باب في بيان قوله: (قد نرى) إلى آخره، والمذكور على هذا الوجه رواية كريمة. وفي رواية غيرها: إلى قوله: (في السماء).
4489 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا معتمر عن أبيه عن أنس رضي الله عنه قال لم يبق ممن صلى القبلتين غيري.
مطابقته للآية تؤخذ من قوله: ممن صلى القبلتين، لأن الآية مشتملة على أمر القبلتين، وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، ومعتمر على وزن اسم فاعل من الاعتمار ابن سليمان بن طرخان.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (ممن صلى القبلتين) يعني: الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة، وقال أنس: ذلك في آخر عمره، ولعل مراده: أنه آخر من مات بالبصرة، ممن صلى إلى القبلتين، وهم المهاجرون الأولون والسابقون، وقد ثبت لجماعة ممن سكن البوادي من الصحابة تأخرهم عن أنس.
16
((باب: * (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) * إلى قوله: * (إنك إذا لمن الظلمين) * (البقرة: 145))
أي: هذا باب في ذكر قوله تعالى: * (ولئن أتيت) * إلى آخره، وهكذا هو في رواية أبي ذر، يعني: إلى قوله: * (ما تبعوا قبلتك) * الآية وفي رواية غيره إلى: * (لمن الظالمين) * يعني: المذكور فيه. قوله: (ولئن أتيت)، جواب للقسم المحذوف، قال الزمخشري: قلت: لأن اللام توطئة للقسم. قوله: (بكل آية) أي: بكل برهان. قوله: (ما تبعوا قبلتك) يعني: لم يؤمنوا بها، ثم حسم مادة أطماعهم في رجوعه صلى الله عليه وسلم، إلى قبلتهم بقوله: * (ولئن اتبعت أهواءهم) * الآية، الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة.
4490 ح دثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان حدثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما بينما الناس في الصبح بقباء جاءهم رجل فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه الناس إلى الشام فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة..
مطابقته للآية تتأتى بالتعسف يوضحها من يمعن النظر فيه. وخالد بن مخلد، بفتح الميم: البجلي الكوفي، وسليمان هو ابن بلال. والحديث مرعن قريب. إلا كلمة تحضيض وحث. قوله: (فاستقبلوها) أمر للجماعة.
96
17
((باب: * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق) * إلى قوله: * (فلا تكونن من الممترين) * (البقرة: 146))
أي: هذا باب يذكر فيه: * (الذين آتيناهم) * إلى آخره. وهذا هكذا رواية غير أبي ذر، ورواية أبي ذر هكذا: باب * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) * إلى هنا فحسب. قوله: (يعرفونه) أي: يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم (كما يعرفون أبناءهم) بحيث لا يشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم، وإنما اختص الأبناء لأن الذكور أشهر وأعرف وهم لصحبة الآباء ألزم. قال الواحدي: نزلت في مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته في كتابهم كما يعرفون أولادهم إذا رأوهم، وقال ابن سلام: لأنا كنت أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني يا بني، فقال له عمر رضي الله عنه: كيف ذاك؟ قال: لأني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا وأنا لا أشهد بذلك لابني لأني أدري ما أحدثت النساء. فقال له عمر: وفقك الله. قوله: (وإن فريقا منهم)، يعني: من علمائهم (ليكتمون) أي: صفة النبي صلى الله عليه وسلم واستقبال الكعبة. قوله: (الحق من ربك) أي: الحق الذي مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقرأ علي: الحق، بالنصب على الإغراء. قوله: (من الممترين)، أي: الشاكين في كتمانهم الحق مع علمهم وفي أنه من ربك، وقيل: الخطاب للرسول، والمراد الأمة.
4491 ح دثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشأم فاستداروا إلى الكعبة..
مطابقته للآية مثل ما ذكرنا في الحديث السابق. والحديث قد مضى الآن وقد رواه هنا من وجه آخر.
18
((باب: * (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير) * (البقرة: 148)
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: (ولكل وجهة). هكذا هو في رواية غير أبي ذر، وفي رواية أبي ذر هكذا: باب * (ولكل وجهة هو موليها) * الآية. قوله: (ولكل). أي: ولكل من أهل الأديان (وجهة) أي: قبلة. وفي قراءة أبي: ولكل قبلة. قوله: (هو موليها)، أي: هو موليها وجهه، فحذف أحد المفعولين. قوله: (فاستبقوا الخيرات)، أي: فتوجهوا الكعبة وأعرضوا عن قول الكفار فإن الله يجازيهم يوم القيامة. قوله: (أينما) ظرف لتكونوا. وقوله: (يأت بكم الله جميعا) جزاء، ولهذا أجزم الفعلين، يعني: يات بهم للجزاء من موافق ومخالف لا تعجزونه (إن الله على كل شيء قدير).
97
19
((باب: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعلمون شطره تلقاؤه) * (البقرة: 149))
هكذا هو في غير رواية أبي ذر، وفي رواية أبي ذر: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام) * الآية قوله: (من حيث خرجت) أي: ومن أي بلد خرجت للسفر (فول وجهك شطر المسجد الحرام) إذا صليت. قوله: (وإنه) أي: وإن هذا المأمور به (للحق من ربك) وقرئ: تعملون، بالتاء والياء. هذه الآية أمر آخر من الله باستقبال القبلة نحو المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض. قوله: (شطره) تلقاؤه أي: شطر المسجد الحرام تلقاؤه، وهو مبتدأ وخبر والشطر في أصل اللغة: النصف، وهنا المراد به تلقاء المسجد الحرام.
4493 ح دثنا موساى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبد الله بن دينار قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول بينا الناس في الصبح بقباء إذ جاءهم رجل فقال أنزل الليلة قرآن فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها واستداروا كهيئتهم فتوجهوا إلى الكعبة وكان وجه الناس إلى الشأم..
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر الماضي. عن قريب.
20
((باب: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم) * إلى قوله: * (ولعلكم تهتدون) * (البقرة: 150)
كرر هذا لحكمة نذكرها الآن.))
4494 ح دثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشأم فاستداروا إلى القبلة..
هذا طريق آخر من وجه آخر في حديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أخرجه عن قريب عن يحيى بن قزعة عن مالك، واختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرار، فقيل: تأكيد، لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منزل على أحوال: فالأمر الأول: لمن هو مشاهد للكعبة. والثاني: لمن هو في مكة غائبا عنها. والثالث: لمن هو في بقية البلدان، قاله الرازي. وقال القرطبي: الأول: لمن هو بمكة. والثاني: لمن هو في بقية الأمصار. والثالث: لمن خرج في الأسفار.
21
((باب قوله: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) * (البقرة: 158))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله عز وجل: * (إن الصفا) *، الآية، والآن يأتي تفسيره، وسبب نزول هذه الآية ما روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: إن الناس إلا عائشة إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخر من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بني الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * وأما الذي في الطواف بالكعبة فما ذكره في: (تفسير مقاتل): قال يحيى ابن أخطب وكعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وابن صوريا وكنانة ووهب بن يهودا وأبو نافع للنبي صلى الله عليه وسلم لم تطوفون بالكعبة حجارة مبنية؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنكم لتعلمون أن الطواف بالبيت حق، وأنه هو القبلة مكتوب في التوراة والإنجيل، فنزلت، أي: الآيات المذكورة آنفا.
98
شعائر علامات واحدتها شعيرة
فسر شعائر، المذكورة بقوله: ثم أشار بأنها جمع وواحدتها: شعيرة، بفتح الشين وكسر العين، هكذا فسرها أبو عبيدة، وقال ابن الأثير: شعائر الحج آثاره، وقيل: هو كل ما كان من أعماله: كالوقوف والطواف والسعي والرمي والذبح وغير ذلك.
وقال ابن عباس: الصفوان، الحجر ويقال الحجارة الملس التي لا تنبت شيئا والواحدة صفوانة بمعنى الصفا والصفا للجميع.
قول ابن عباس وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة. قوله: (الصفوان)، بفتح الصاد وسكون الفاء، وهو جمع وواحده: صفوانه. وقال الطبري: الصفا واحد، والمثنى صفوان والجمع أصفار وصفيا وصفيا، وقيل: صفيا وصفيا من الغلط القبيح والصواب صفي وصفي قلت: هكذا الصواب، وقال ابن الأثير: الصفوان الحجر الأملس، والجمع صفي، وقيل: هو جمع واحده صفوانه قلت: هذا بعينه قول ابن عباس المذكور. قوله: (الملس)، بضم الميم وسكون اللام: جمع أملس. قوله: (والصفا للجميع)، يعني: أنه مقصور جمع الصفاة: وهي الصخرة والصماء.
4495 ح دثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فما أري علي أحد شيئا أن لا يطوف بهما فقالت عائشة كلا لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزلت هاذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذالك فأنزل الله * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * (البقرة: 158).
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث قد مضى في الحج مطولا في: باب وجود الصفا والمروة، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (إن الصفا)، مقصورا، مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام وهو أنف من جبل أبي قبيس وهو الآن إحدى عشر درجة فوقها أزج كإيوان، فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدما كان عليه صنم على صورة رجل يقال له: أساف بن عمرو، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى: نائلة بنت ذئب، ويقال: بنت سهيل، زعموا أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله عز وجل فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا. وزعم عياض: أن قصيا حولهما فجعل أحدهما ملاصق الكعبة والآخر بزمزم، وقيل: جعلهما بزمزم ونحر عندهما، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة كسرهما. وفي (تفسير مقاتل): كان على الصفا صنم يقال له أساف، وعلى المروة صنم يقال له نائلة، فقال الكفار: إنه حرج علينا أن نطوف بهما، فأنزل الله تعالى: * (إن الصفا والمروة) * الآية، وفي: (فضائل مكة): لرزين: لما زنيا لم يمهل الله تعالى أن يفجرا فيها فمسخهما، فأخرجا إلى الصفا والمروة، فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة ونصبهما على زمزم فطاف الناس. قوله: (المروة)، المروة الحصاة الصغيرة يجمع قليلها على مروات وكثيرها مرو مثل: تمرة وتمرات وتمر، وقال الزمخشري: الصفا والمروة علمان للجبلين كالصمان والمقطم، وقيل: سمي الصفا به لأنه جلس عليه آدم صفي الله عليه السلام، والمروة سميت بها لأن حواء عليها السلام، جلست عليها. وفي (تفسير النسفي)، روي عن ابن عباس أنه كان في المسعى سبعون وثنا، فقال السملمون: يا رسول الله! هذه الأرجاس الأنجاس في مسعانا ونحن نتأثم منها؟ فأنزل الله تعالى: * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * أي: فلا إثم عليه أن يسع بينما ويطوف، فأمر بها فنحيت عن المسعى، وكذلك فعل
99
بالأوثان التي كانت حول الكعبة، شرفها الله تعالى. قوله: (حذو قديد)، الحذو بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره واو: وهو الحذاء والإزاء والمقابل (وقديد)، بضم القاف وفتح الدال: موضع من منازل طريق مكة إلى المدينة قوله: (يتحرجون)، أي: يتأثمون.
4496 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عاصم بن سليمان قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة فقال كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله الفريابي وسفيان هو الثوري وعاصم بنس ليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري. والحديث مر في الحج في: باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، قوله: (كنا نرى)، بضم النون وفتحها. قوله: (أنهما)، أي: أن الصفا والمروة، ولم يقع في بعض النسخ لفظ، والظاهر أنه من الكاتب، إذ لا بد منه لأن المعنى لا يتم إلا به.
22
((باب قوله تعالى: * (من الناس من يتخذ من دون الله أندادا) * (البقرة: 165) أضدادا واحدها ند))
أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى: * (ومن الناس) * وهم المشركون، جعلوا الله أندادا، وفسرها البخاري بقوله: أضدادا، وكذا فسرها أبو عبيدة، قيل: الند في اللغة المثل لا الضد، وأجيب: بأن المثل المخالف المعادي فيه معنى الضدية.
4497 ح دثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار وقلت أنا من مات وهو لا يدعو لله ندا دخل الجنة. (انظر الحديث 1238 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن في الآية ما يدل على أن من مات وهو يدعو لله نداد دخل النار. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وأبو حمزة، بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون، والأعمش سليمان، وشقيق أبو وائل بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود. والحديث مضى في أول الجنائز فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قيل: من أين علم ابن مسعود ذلك؟ وأجيب: بأنه استفاد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتفاء السبب يقتضي انتفاء المسبب، وهذا بناء على أن لا واسطة بين الجنة والنار، وفيه تأمل.
23
((باب: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر) * (البقرة: 178) إلى قوله: * (عذاب أليم) *. عفي ترك))
أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * (البقرة: 178) هكذا وقع في رواية الكل غير أبي ذر، وفي روايته: باب: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص) *. الآية: قال الفراء: نزلت هذه الآية في حيين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الكثرة والشرف، فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهر، فقتل الأوضع من الحيين من الشريف قتلى، فأقسم الشريف ليقتلن الذكر بالأنثى والحر بالعبد وأن يضاعفوا الجراحات، فأنزل الله تعالى هذا على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ أيضا، نسخة قوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * (المائدة: 45) إلى آخر الآية، فالأولى منسوخة لا يعمل بها ولا يحكم، ومذهب أبي حنيفة: أن الحر يقتل بالعبد بهذه الآية، وإليه ذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود، وهو مروي عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي
100
وقتادة والحكم، وعن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وعكرمة، وهو مذهب الشافعي ومالك: أن الحر لا يقتل بالعبد والذكر لا يقتل بالأنثى، أخذا بهذه الآية، أعني قوله: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * (البقرة: 178) وقد قلنا: إنها منسوخة. قوله: (كتب عليكم القصاص)، ذكر الواحدي: أن معناه في اللغة المماثلة والمساواة، وقال ابن الحصار: القصاص المساواة والمجازاة، والمراد به العدل في الأحكام، وهذا حكم الله عز وجل الذي لم يزل ولا يزال أبدا، فلا نسخ فيه ولا تبديل له، والمراد بآية المائدة تبين العدل في تكافىء الدماء في الجملة وترك التفاضل لاجتهاد العلماء، وعلى هذا فليس بينهما تعارض قلنا الأنسب عموم آية المائدة وفيها مقابلة مطلقة، وهذه الآية فيها مقابلة مقيدة، فلا يحمل المطلق على المقيد، على أن مقابلة الحر بالحر لا ينافي مقابلة الحر بالعبد لأنه ليس فيه إلا ذكر بعض ما يشمله العموم على موافقة حكمه، وذلك لا يوجب تخصيص ما بقي. قوله: (عفي ترك) أشار به إلى تفسير قوله: * (فمن عفي له من أخيه شيء) * أي: فمن ترك وصفح له من الواجب عليه في العمد فرضي بالدية * (فاتباع بالمعروف) * أي: فعلى القتيل
4498 ح دثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال سمعت مجاهدا قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهاذه الأمة: * (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) * فالعفو أن يقبل الدية في العمد * (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * يتبع بالمعروف ويؤدي بإحسان * (ذالك تخفيف من ربكم ورحمة) * مما كتب على من كان قبلكم * (فمن اعتدى بعد ذالك فله عذاب أليم) * قتل بعد قبول الدية.
مطابقته للآية أوضح ما يكون، والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده وهو: حميد بن زهير، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن قتيبة. وأخرجه النسائي في التفسير عن عبد الجبار وفي القصاص عن الحارث بن مسكين.
قوله: (فمن عفي له من أخيه شيء)، معناه: قبول الدية في العمد، وقيل: فيمن قتل وله وليان فعفا أحدهما فللآخر أن يأخذ مقدار حصته من الدية. وقال الخطابي: العفو في الآية يحتاج إلى تفسير، وذلك أن ظاهر العفو يوجب أن لا تبعة لأحدهما على الآخر، فما معنى الاتباع؟ والإعفاء فمعناه: أن من عفي عنه الدم بالدية فعلى صاحب الدية اتباع، أي مطالبة بالدية وعلى القاتل أداء الدية إليه؟ وقال الزمخشري وأخوه: هو ولي المقتول، وقيل له: أخوه، لأنه لابسه من قبل أنه ولي الدم ومطالبه به أو ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام. وقال: إن عفا يتعدى: بعن، لا باللام، فما وجه قوله: (فمن عفا له؟) قلت: يتعدى: بعن إلى الجاني وإلى الذنب، فيقال: عفوت عن فلان وعن ذنبه. قال الله تعالى: * (عفا الله عنك) * (التوبة: 43) وعفا الله عنها فإذا تعدى إلى الذنب قيل: عفوت لفلان عما جنى، كما تقول: عفوت له ذنبه وتجاوزت له عنه، وعلى هذا ما في الآية كأنه قيل فمن عفا له عن جنايته، فاستغنى عن ذكر الجناية. قوله: (شيء)، أي: من العفو، إنما قيل ذلك للإشعار بأن بعض العفو عن الدم أو عفو بعض الورثة يسقط القصاص ولم يجب إلا الدية. قوله: (فاتباع بالمعروف)، أي: فليكن اتباع، أو: فالأمر اتباع، وقد ذكرناه عن قريب. قوله: (ذلك)، أي: الحكم المذكور من العفو والدية، لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص اليته وحرم عليهم العفو واخذ الدية وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية وخيرت هذه الأمة بين الثلاث: القصاص والدية والعفو، وتوسعة عليهم وتيسيرا. قوله: (كما كتب على من كان قبلكم) هم أهل التوراة والإنجيل. قوله: (فمن اعتدى بعد ذلك)، أي: بعد التخفيف وتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد أخذ الدية، وهو معنى قوله: (قتل بعد قبول الدية) وهو على صيغة المعلوم من الماضي، وقع تفسيرا لقوله: (فمن اعتدى). قوله: (فله عذاب أليم) نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة.
4498 ح دثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال سمعت مجاهدا قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهاذه الأمة: * (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) * فالعفو أن يقبل الدية في العمد * (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * يتبع بالمعروف ويؤدي بإحسان * (ذالك تخفيف من ربكم ورحمة) * مما كتب على من كان قبلكم * (فمن اعتدى بعد ذالك فله عذاب أليم) * قتل بعد قبول الدية.
مطابقته للآية أوضح ما يكون، والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده وهو: حميد بن زهير، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن قتيبة. وأخرجه النسائي في التفسير عن عبد الجبار وفي القصاص عن الحارث بن مسكين.
قوله: (فمن عفي له من أخيه شيء)، معناه: قبول الدية في العمد، وقيل: فيمن قتل وله وليان فعفا أحدهما فللآخر أن يأخذ مقدار حصته من الدية. وقال الخطابي: العفو في الآية يحتاج إلى تفسير، وذلك أن ظاهر العفو يوجب أن لا تبعة لأحدهما على الآخر، فما معنى الاتباع؟ والإعفاء فمعناه: أن من عفي عنه الدم بالدية فعلى
صاحب الدية اتباع، أي مطالبة بالدية وعلى القاتل أداء الدية إليه؟ وقال الزمخشري وأخوه: هو ولي المقتول، وقيل له: أخوه، لأنه لابسه من قبل أنه ولي الدم ومطالبه به أو ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام. وقال: إن عفا يتعدى: بعن، لا باللام، فما وجه قوله: (فمن عفا له؟) قلت: يتعدى: بعن إلى الجاني وإلى الذنب، فيقال: عفوت عن فلان وعن ذنبه. قال الله تعالى: * (عفا الله عنك) * (التوبة: 43) وعفا الله عنها فإذا تعدى إلى الذنب قيل: عفوت لفلان عما جنى، كما تقول: عفوت له ذنبه وتجاوزت له عنه، وعلى هذا ما في الآية كأنه قيل فمن عفا له عن جنايته، فاستغنى عن ذكر الجناية. قوله: (شيء)، أي: من العفو، إنما قيل ذلك للإشعار بأن بعض العفو عن الدم أو عفو بعض الورثة يسقط القصاص ولم يجب إلا الدية. قوله: (فاتباع بالمعروف)، أي: فليكن اتباع، أو: فالأمر اتباع، وقد ذكرناه عن قريب. قوله: (ذلك)، أي: الحكم المذكور من العفو والدية، لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص اليته وحرم عليهم العفو واخذ الدية وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية وخيرت هذه الأمة بين الثلاث: القصاص والدية والعفو، وتوسعة عليهم وتيسيرا. قوله: (كما كتب على من كان قبلكم) هم أهل التوراة والإنجيل. قوله: (فمن اعتدى بعد ذلك)، أي: بعد التخفيف وتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد أخذ الدية، وهو معنى قوله: (قتل بعد قبول الدية) وهو على صيغة المعلوم من الماضي، وقع تفسيرا لقوله: (فمن اعتدى). قوله: (فله عذاب أليم) نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة.
101
4499 ح دثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد أن أنسا حدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كتاب الله القصاص..
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه البخاري في الصلح وفي الديات وهنا تارة مطولا وتارة مختصرا، وهذا من ثلاثيات البخاري، وهو: السادس عشر. منها. قوله: (كتاب الله) أي: حكم الله ومكتوبه، وكتاب الله مبتدأ، أو: القصاص، خبره ويجوز النصب فيهما على أن الأول إغراء والثاني بدل منه، ويجوز في الثاني الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي: اتبعوا كتاب الله فيه القصاص.
4500 ح دثني عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حميد عن أنس أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في: باب الصلح في الدية، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد عن أنس، وقال الحافظ المزي: لم يذكره أبو مسعود وذكره خلف، وقد مضى الكلام فيه هناك.
والربيع، بضم الراء مصغر الربيع ضد الخريف وهي بنت النضر عمة أنس، والجارية المرأة الشابة (وأنس بن النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، هو: أخو الربيع. قوله: (لأبره) أي: جعله بارا في قسمه وفعل ما أراده، قيل: كيف يصح القصاص في الكسر وهو غير مضبوط؟ وأجيب: بأن المراد بالكسر: القلع، أو كان كسرا مضبوطا. قلت: في الجواب نظر، والصواب أن يقال: أراد بالكسر الكسر الذي يمكن فيه المماثلة، وقيل: ما امتنع عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنكر الكسر. وأجيب: بأنه أراد لاستشفاع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إليهم ولم يرد به الإنكار، أو أنه قبل أن يعرف أن كتاب الله القصاص على التعيين، وظن التخيير بين القصاص والدية.
24
((باب: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) * (البقرة: 183))
أي: هذا باب فيه ذكر قوله: (يا أيها الذين آمنوا) الآية. قوله: (كتب)، أي: فرض عليكم الصيام وهو الإمساك عن المفطرات الثلاث: الأكل والشرب والجماع نهارا مع النية. قوله: (كما كتب على الذين من قبلكم) أي: على الأمم الذين مضوا قبلكم. قال النسفي في (تفسيره): تكلموا في قضية التشبيه، قيل: إنه تشبيه في أصل الوجوب لا في قدر الواجب، وكان الصوم على آدم عليه الصلاة والسلام، أيام البيض، وصوم عاشوراء على قوم موسى، وكان على كل أمة صوم، والتشبيه لا يقتضي التسوية من كل وجه، ويقال: هذا قول الجمهور، وأسنده ابن أبي حاتم والطبري عن معاذ وابن مسعود وغيرهما من الصحابة والتابعين، وزاد الضحاك: ولم يزل الصيام مشروعا في زمن نوح عليه السلام، وقال النسفي: وقيل: هذا التشبيه في الأصل والقدر والوقت جميعا. وكان على الأولين صوم رمضان لكنهم زادوا في العدد ونقلوه من أيام الحر إلى أيام الاعتدال، وروى فيه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر مرفوعا بإسناد فيه مجهول، ولفظه: صيام رمضان كتبه الله تعالى على الأمم قبلكم، وبهذا قال الحسن البصري والسدي.
102
4501 ح دثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان قال من شاء صامه ومن شاء لم يصمه. (انظر الحديث 1892 وطرفه).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فلما نزل رمضان). ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله هذا هو ابن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد مضى هذا في كتاب الصيام في: باب صوم يوم عاشوراء، من وجه آخر. وتقدم الكلام فيه هناك. قوله: (فلما نزل رمضان) أي: صوم رمضان.
4502 ح دثنا عبد الله بن محمد حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان عاشوراء يصام قبل رمضان فلما نزل رمضان قال من
شاء صام ومن شاء أفطر.
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الذي قبله وابن عيينة هو سفيان والحديث مضى في الصيام في باب صوم يوم عاشوراء، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن الزهري بأتم منه قوله: (كان عاشوراء)، أي: يوم عاشوراء (يصام فيه) قوله: (قبل رمضان)، أي: قبل فرض شهر رمضان.
4503 حدثني محمود أخبرنا عبيد الله عن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال دخل عليه الأشعث وهو يطعم فقال اليوم عاشوراء فقال كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فادن فكل.
مطابقته للترجمة مثل ذلك. ومحمود هو ابن غيلان. قال الكرماني: وفي بعض النسخ: محمد، والأول أصح، وعبيد الله هو ابن موسى بن باذام الكوفي وهو شيخ البخاري أيضا روى عنه هنا بالواسطة، وإسرائيل هو أبو يونس، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن قيس، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه مسلم في الصوم عن إسحاق ابن منصور.
قوله: (دخل عليه الأشعث)، بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة، ابن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة الكندي، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في وفد كندة، وكان رئيسهم. وقال ابن إسحاق عن الزهري قدم في ستين راكبا من كندة وأسلم وكان في الجاهلية رئيسا مطاعا في كندة، وكان في الإسلام وجيها في قومه إلا أنه كان ممن ارتد عن الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم راجع الإسلام في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، مات سنة أربعين بعد مقتل علي بن أبي طالب بأربعين يوما بالكوفة. قوله: (وهو يطعم)، أي: والحال أن عبد الله كان يأكل. قوله: (فقال)، أي: الأشعث. قوله: (فقال كان يصام)، أي: فقال عبد الله، كان عاشوراء يصام قبل أن ينزل فرض صوم رمضان. قوله: (ترك)، على صيغة المجهول. أي: ترك صومه. قوله: (فادن) أمر، من: دنا يدنو وكذلك قوله: (فكل) أمر من أكل.
4504 ح دثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا هشام قال أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة وترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه.
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنه. والحديث مضى في الصيام في: باب صيام عاشوراء فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام. ومضى الكلام فيه هناك.
103
25
((باب قوله: * (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) * (البقرة: 184))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (أياما معدودات) * إلى آخر الآية. قوله: (أياما)، منصوب بفعل محذوف تقديره: صوموا أياما معدودات. يعني: في أيام معدودات أي: مؤقتا بعدد معلوم، وقيل: منصوب بقوله: (ولعلكم تتقون أياما) أي: في أيام. وقال الزمخشري: انتصاب: أياما بالصيام كقولك: نويت الخروج يوم الجمعة، وقال بعضهم: وللزمخشري في إعرابه كلام متعقب ليس هذا موضعه. (قلت) التعقيب في كلام المتعقب من غير تأمل. وقد سمعت الأساتذة الكبار من علماء العرب والعجم: أن من رد على الزمخشري في غير الاعتقاديات فهو رد عليه، والمتعقب هو أبو البقاء حيث قال: لا يجوز أن ينصب بالصيام لأنه مصدر وقد فرق بينه وبين أيام بقوله: كما كتب. وما يعمل فيه المصدر كالصلة، ولا يفرق بين الصلة والموصول بأجنبي انتهى (قلت). قال القاضي أيضا نصبها ليس بالصيام لوقوع الفصل بينهما، بل بإضمار صوموا. (قلت) للزمخشري فيه دقة نظر وهو أنه إنما قال: انتصاب أياما بالصيام نظرا إلى أن قوله: كما كتب. حال فلا يكون أجنبيا عن العامل والمعمول. وقال صاحب (اللباب) يجوز أن ينتصب بالصيام إذا جعلت: (كما كتب) حالا. وقال الزجاج: الأجود أن يكون العامل في أياما، الصيام كأن المعنى: كتب عليكم أن تصوموا أياما معدودات. ولقد أجاد من قال:
* وكم من عائب قولا صحيحا
* وآفته من الفهم السقيم
*
قوله: (أو على سفر) أي: أو راكب سفر قوله: (فعدة)، أي: فعليه عدة، وقرئ بالنصب يعني: فليصم عدة. قوله: (من أيام أخر)، وفي قراءة أبي: (من أيام أخر متتابعات). قوله: (وعلى الذين يطيقونه)، أي: الصوم أي: الذين لا عذر لهم إن أفطروا (فدية طعام مسكين) نصف صاع من بر أو صاع من غيره، وكان ذلك في أول الإسلام حين فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه فاشتد عليهم. فرخص لهم في الإفطار والفدية، وقرأ ابن عباس: (يطوقونه)، أي: يكلفونه. وعنه: (يتطوقونه)، يعني: يتكلفونه، وهم الشيوخ والعجائز وحكمهم الإفطار والفدية قوله: (فمن تطوع خيرا)، أي: زاد على مقدار الفدية قوله: (فهو خير له)، أي: فالتطوع خير له وقرئ: (فمن يطوع)، بمعنى: يتطوع. قوله: (وأن تصوموا)، أي: وصومكم أيها المطيقون (خير لكم) من الفدية وتطوع الخير، وفي قراءة أبي: (والصيام خير لكم).
وقال عطاء يفطر من المرض كله كما قال الله تعالى
أي: قال عطاء بن أبي رباح: يفطر المريض مطلقا، أي مرض كان: كما قال الله عز وجل، من غير قيد، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي وجع أفطر في رمضان؟ قال: من المرض كله.
وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل: إذا خافتا على أنفسهما
أو ولدهما تقطران ثم تقضيان
أي: قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي الخ. وتعليق الحسن وصله عبد بن حميد من طريق يونس بن عبيد عنه قال: المرضع إذا خافت على ولدها أفطرت وأطعمت، والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت، وهي بمنزلة المريض. ومن طريق قتادة عن الحسن: تفطران وتقضيان، وتعليق إبراهيم وصله عبد بن حميد أيضا من طريق أبي معشر عنه. قال: الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وقضتا صومهما.
وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر
عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبرا ولحما وأفطر
104
أي: وأما الشيخ الكبير إذا لم يقدر على الصوم فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر بكسر الباء الموحدة. قوله: (عاما)، أي: في عام. قوله: (أو عامين) شك من الراوي تقدير الكلام. أما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصوم. فقد استحق الأكل يأكل وليس قوله: فقد أطعم جواب أما بل هو دليل على الجواب محذوفا كما قلناه: وروى عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس عن أنس: أنه أفطر في رمضان وكان قد كبر، فأطعم مسكينا كل يوم. انتهى وكان أنس حينئذ في عشرة المائة.
قراءة العامة يطيقونه وهو أكثر
دأب البخاري أنه يذكر عند عقيب آية من القرآن ما يتعلق بلغة لفظ منها أو بقراءة فيها. قوله: (يطيقونه) من أطاق يطيق، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
4505 ح دثني إسحاق أخبرنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ * (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين) * قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينا.
إسحاق هو ابن راهويه. قال بعضهم: وقال صاحب (التوضيح)، إسحاق هو ابن إبراهيم، كما صرح به أبو نعيم في (مستخرجه) قلت روى البخاري عن خمسة أنفس كل منهم يسمى إسحاق بن إبراهيم ولم يبين أي إسحاق بن إبراهيم هو، والظاهر أنه إسحاق ابن إبراهيم الذي يقال له. راهويه، لأنه روى عن روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق المكي عن عمرو بن دينار المكي عن عطاء ابن أبي رباح المكي.
قوله: (يطوقونه) بضم الياء وتخفيف الطاء وتشديد الواو على البناء للمجهول بمعنى يتكلفونه، وكذا وقع تفسيره عند النسائي وهي قراءة ابن مسعود أيضا قوله: (قال ابن عباس) إلى آخره إشارة إلى أن ابن عباس لا يرى النسخ في هذا، وقد خالفه الجمهور. وحديث مسلمة الذي يأتي عن قريب يدل على أنها منسوخة وحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح القيم بإيجاب الصيام عليه لقوله تعالى: * (فمن شهد منك الشهر فليصمه) * (البقرة: 185) وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصوم فله أن يفطر ولا قضاء عليه، ولكنه هل يجب عليه إذا أفطر أن يطعم عن كل يوم مسكينا إذا كان ذا جدة، فيه قولان للعلماء: أحدهما: لا يجب كالصبي وهو أحد قولي الشافعي. والثاني: هو الصحيح وعليه أكثر العلماء: أنه يجب عليه فدية عن كل يوم، كما فسره ابن عباس على قراءة: يطوقون، أي: يتجشمونه. كما قاله ابن مسعود وغيره، وهو اختيار البخاري حيث قال: وأما الشيخ الكبير، الخ كما مر آنفا.
26
((باب: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (البقرة: 185))
أي: هذا في بيان قوله تعالى:) * * (فمن شهد) * أي: فمن كان شاهدا أي حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصمه ولا يفطر قال الزمخشري: الشهر، منصوب على الظرف وكذلك الهاء في: فليصمه ولا يكون مفعولا لأنه انتهى. قلت: أراد بهذا الرد على من قال أنه مفعول به ومثل لما قاله بقوله كقولك: شهدت الجمعة، لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر.
4506 ح دثنا عياش بن الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ فدية طعام مساكين قال هي منسوخة
.
عياش، بالياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد الرقام البصري يروي عن عبد الأعلى السامي البصري عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
قوله: (فدية طعام) بالإضافة ومساكين، بالجمع وهي قراءة نافع وابن ذكوان والباقون بتنوين فدية، وتوحيد: مسكين، وطعام بالرفع على أنه بدل من فدية. قوله: (هي منسوخة)، أي: الآية التي هي قوله: * (وعلى الذين يطيقونه) * (البقرة: 184) وقد مر الكلام فيه عن قريب، ورجحه ابن المنذر من جهة قوله: * (وأن
105
تصوموا خير لكم) * (البقرة: 184) قال: لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال: * (وإن تصوموا خير لكم) * مع أنه لا يطيق الصيام.
4507 ح دثنا قتيبة حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة قال لما نزلت * (وعلى الذين يطيقونه فدية
طعام مسكين) * كان من أراد أن يفطر ويقتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
هذا أيضا صريح في دعوى النسخ وأخرجه مسلم في الصوم وأبو داود والترمذي أيضا فيه والنسائي في التفسير، خمستهم عن قتيبة عن بكر بن مضر.
قال أبو عبد الله مات بكير قبل يزيد
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، هذا ثبت في رواية المستعلى وحده، أي: مات بكير بن عبد الله بن الأشج الراوي عن يزيد بن أبي عبيد مولى مسلمة قبل شيخه يزيد، وكانت وفاة بكير سنة عشرين ومائة، وقيل: قبلها أو بعدها، ومات يزيد سنة ست أو سبع وأربعين ومائة.
27
((باب: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) * (البقرة: 187))
أي: هذا في بيان أحكام هذه الآية وهكذا هو في رواية أبي ذر. وساق في رواية كريمة إلى آخر الآية قوله: (أحل لكم) وقرئ (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) على بناء الفاعل في: أحل، وبنصب الرفث أي أحل الله لكم الرفث أي: الجماع. وقرأ عبد الله الرفوث، وإنما أفصح فيما ينبغي أن يكنى عنه استقباحا لما وجد منهم قبل الإباحة كما سماه اختنانا لأنفسهم عدى بكلمة إلى لتضمنه معنى الإفضاء وسبب نزول الآية هو دفع المشقة عن عباده، وذلك أن الرجل كان يحل له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد، فإذا صلى أو رقد ولم يفطر حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى القابلة. ثم أن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام والشراب بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه واقع أهله بعد العشاء، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل. وقام ناس أيضا فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء. فنزلت رخصة من الله ورفع ما كانوا عليه في ابتداء الإسلام قوله: (هن لباس لكم) استئناف كالبيان لسبب الإحلال، ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه. قوله: (تختانون أنفسكم)، أي: تظلمونها وتنقصونها حظها من الخير والاختنان من الختن كالاكتساب من الكسب فيه زيادة شدة. قوله: (فتاب عليكم)، أي: حين تبتم من المحظور. قوله: (فالآن باشروهن)، أي: في الوقت الذي كان يحرم عليكم الجماع فيه. والمباشرة المجامعة لتصلاق بشرة كل منهم بصاحبه. قوله: (وابتغوا ما كتب الله لكم)، أي: اطلبوه يقال: بغى الشيء يبغيه بغيا وابتغاه يبتغيه ابتغاء. ومعنى: (ما كتب الله لكم) ما قضاه لكم من الولد. وقيل: ما أحل لكم من الجماع. وقيل: ما كتب في اللوح المحفوظ والأمر أمر إباحة وقال أهل الظاهر أمر إيجاب وختم.
4508 ح دثنا عبيد الله عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء وحدثنا أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة قال حدثني إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى * (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) *.
106
مطابقته للترجمة في قوله: (فأنزل الله)، إلى آخره وأخرجه من طريقين (الأول): عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن جده أبي إسحاق عن البراء بن عازب (والثاني): عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن شرح، بالشين المعجمة وبالحاء المهملة عن إبراهيم بن يوسف عن أبيه يوسف بن إسحاق عن جده أبي إسحاق عن البراء.
والحديث أخرجه البخاري بالطريق الأول في الصوم عن عبيد الله أيضا وأخرج الثاني هنا فقط، وقد مضى الكلام فيه هناك.
قوله: (كانوا لا يقربون النساء) وقد اقتصر هنا على إتيان النساء والذي مضى في كتاب الصيام من حديث البراء: أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا، وأن الآية نزلت في ذلك: ولكن وردت أحاديث تدل على عدم الفرق فحينئذ يحمل قوله: (كانوا لا يقربون النساء) على الغالب فتنفق الأخبار قوله: (وكان رجال يخونون أنفسهم) منهم عمر بن الخطاب وكعب بن مالك.
28
((باب قوله: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * إلى قوله * (تتقون) * * (العاكف المقيم) * (البقرة: 187))
قوله تعالى: * (وكلوا واشربوا) * أمر إباحة أباح الله تعالى الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض والخيط الأسود وقال الزمخشري الخيط أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود والخيط الأسود ما يمتد معه من غسق الليل، شبههما بالخيط الأبيض والأسود. قوله: (من الفجر) بيان الخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود. لأن بيان أحدهما للآخر، وكان هذا تشبيها مخرجا من باب الاستعارة. قوله: (ولا تباشروهن)، أي: ولا تجامعوهن. والحال أنكم (عاكفون) أي: معتكفون فيها والاعتكاف هو اللبث في المسجد بنية التعبد.
4509 ح دثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن الشعبي عن عدي قال أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا فلما أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادتي عقالين قال إن وسادك إذا لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك.
مطابقته للترجمة في ذكر الخيط الأبيض والأسود وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي
، والشعبي عامر بن شراحيل، والحديث مضى في الصيام في باب قوله تعالى: (وكلوا واشربوا) وتقدم الكلام فيه هناك.
4510 ح دثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن مطرف عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان قال إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال لا بل هو سواد الليل وبياض النهار.
هذا طريق آخر في حديث عدي عن قتيبة عن جرير بن عبد الحميد عن مطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة ابن طريف إلى آخره.
4511 ح دثنا ابن أبي مريم حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال وأنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل
107
من الفجر وكان رجال إذا أردوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعده من الفجر فعلموا أنما يعني الليل من النهار.
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم البصري، وأبو غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف بلفظ اسم الفاعل من التطريف بالطاء المهملة ملة وبالراء المدني، وأبو حازم، بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار. والحديث مضى في الصيام في باب قوله: * (كلوا واشربوا) * (البقرة: 187) بهذا الإسناد والمتن، ومر الكلام فيه هناك.
29
((باب قوله: * (ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولاكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون) * (البقرة: 189))
أي: هذا باب في ذكر قوله: (وليس البر) الآية كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره ساق إلى آخر الآية، واختلفوا في سبب نزول هذه الآية. فروى أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء، قال: كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية وقال الحسن البصري: كان أقوام الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفره الذي خرج له ثم بدا له بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره لم يدخل البيت من بابه ولكن يتسوره من قبل ظهره. فقال الله تعالى: * (ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) * (البقرة: 189) الآية. وقال مجاهد: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل من باب البيت فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال عطاء بن أبي رباح: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها، ويرون ذلك من أدنى البر فقال الله تعالى: * (ليس البربان تأتوا البيوت من ظهورها) * (البقرة: 189).
4512 ح دثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله * (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولاكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي.
والحديث من أفراده بهذا الطريق وعن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا لا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون الأمن الباب في الإحرام فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري: فقالوا يا رسول الله أن قطبة بن عامر رجل فاجر، وإنه خرج معك من الباب فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته ففعلته. فقال إني رجل أحمس. قال: فإن ديني دينك، فأنزل الله: * (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) * (البقرة: 189) الآية قلت الحمس: بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبسين مهملة جمع أحمس: وهم قريش وكنانة وجديلة قيس سمو: حمسا لأنهم تحمسوا في دينهم أي: تشددوا والحماسة الشجاعة وكانوا يقفون بمزدلفة ولا يقفون بعرفة ويقولون نحن أهل الله فلا تخرج من الحرم وكانوا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون.
30
((باب قوله: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * (البقرة: 193))
.
108
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (وقاتلوهم) * الآية. قوله: قوله: (وقاتلوهم) أي: المشركين. قوله: (حتى لا تكون فتنة)، أي: شرك، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حبان والسدي وزيد بن أسلم. قوله: (ويكون الدين) أي: دين الله كله لله لأنه الظاهر العالي على سائر الأديان قوله: (فإن انتهوا) أي: عن الشرك والقتال (فلا عدوان إلا على الظالمين) فلا تعتدوا على المنتهين لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم فوضع قوله: (إلا على الظالمين)، موضع على المنتهين كذا فسره الزمخشري لكن يحتاج إلى تحرير الكلام لأن هذه الجملة الأسمية لا يمكن أن تكون جزاء لأن الشرط لا بد أن يكون سببا للجزاء وإثبات العدوان على سبيل الحصر على الظالمين ليس سببا لانتهاء المشرك عن الشرك. وهذا الموضع لا يحتمل بسط الكلام فيه.
4513 ح دثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبيير فقالا إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * (البقرة: 193) فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله. وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة وتكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن
شريح عن بكر بن عمر والمعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمان ما حملك على أن تحج عام وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمان ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * (الحجرات: 9) قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختمه وأشار بيده فقال هاذا بيته حيث ترون.
مطابقة للآية ظاهرة، وفيه عشرة رجال (الأول): محمد بن بشار، بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وقد تكرر ذكره (والثاني): عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي (الثالث): عبيد الله بن عمر العمري. (الرابع): نافع مولى ابن عمر. (الخامس): عثمان بن صالح السهمي وهو من شيوخ البخاري. وقد أخرج عنه في الأحكام حديثا غير هذا. (السادس): عبد الله بن وهب (السابع): فلان قيل إنه عبيد الله بن لهيعة، بفتح اللام وكسر الهاء وبالعين المهملة. قاضي مصر مات سنة أربع وتسعين ومائة، وقال البيهقي: اجمعوا على ضعفه وترك الاحتجاج بما ينفرد به (الثامن): حيوة بن شريح المصري، وهذا غير حيوة بن شريح الحضرمي، فلا يشتبه عليك (التاسع): بكر بن عمر والعابد القدوة المعافري، بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء وبالراء، وقيل بضم الميم نسبة إلى المعافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن قرة بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان، ينسب إليه كثير وعامتهم بمصر (العاشر): بكير. مصغر ابن عبد الله بن الأشج، ومن عثمان بن صالح إلى هنا كلهم
109
مصريون.
قوله: (رجلان) (أحدهما): العلاء بن عرار، بالمهملات والأولى مكسورة قال ابن ماكولا: علاء بن عرار سمع عبد الله بن عمر وروى عنه أبو إسحاق السبيعي (والآخر) حبان: بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: صاحب الدثنية، ضبطه بعضهم بفتح الدال والثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف المفتوحة، وقال: هو موضع بالشام، قلت: كل ذلك غلط، وقال ابن الأثير: الدثنية، بكسر الثاء المثلثة وسكون الياء ناحية قرب عدن. قوله: (في فتنة ابن الزبير) وهي محاصرة الحجاج عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، وكانت في أواخر سنة ثلاث وسبعين، وكان الحجاج أرسله عبد الملك بن مروان لقتال ابن الزبير، وقتل عبد الله بن الزبير في آخر تلك السنة ومات عبد الله بن عمر في أول سنة أربع وسبعين. قوله: (أن الناس ضيعوا)، بضم الضاد المعجمة وكسر الياء آخر الحروف المشددة من التضييع وهو الهلاك في الدنيا والدين هذه رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بفتح الصاد المهملة، وفيه حذف تقديره: صنعوا ما ترى من الاختلاف.
قوله: (وزاد عثمان بن صالح) أي: زاد على رواية محمد بن بشار. قوله: (أن رجلا) قيل: إنه حكيم، ذكره الحميدي عن البخاري. قوله: (وتترك الجهاد) أي الجهاد الذي هو القتال مع هؤلاء كالجهاد في سبيل الله في الأجر، وليس المراد الجهاد الحقيقي الذي هو القتال مع الكفار. قوله: (أما قتلوه وأما يعذبوه) إنما قال في القتل بلفظ الماضي وفي العذاب بلفظ المضارع لأن التعذيب كان مستمرا بخلاف القتل. قوله: (فكرهتم أن تعفوا عنه) بلفظ خطاب لجمع ويروى أن يعفو بالإفراد للغائب أي: الله عز وجل. قوله: (وخنته)، بفتح الخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق وبالنون. قال ابن فارس: الختن أبو الزوجة، وقال الأصمعي: الأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الزوج، والصهر يجمع ذلك كله. قوله: (فهذا بيته)، يريد بين بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد بذلك قربه.
31
((باب قوله: * (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) * (البقرة: 195))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وأنفقوا) * الخ. قوله: (وأنفقوا) عطف على قوله: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * (البقرة: 193) وسبب نزولها أن الأنصار كانوا ينفقون ويتصدقون فأصابتهم سنة فأمسكوا، والسبيل الطريق والمراد به طريق الخيرات. قوله: (ولا تلقوا بأيدكم) قال الزمخشري الباء زائدة المعنى، أي لا تقبضوا التهلكة أيديكم، وقيل: معناه لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، فالأنفس مضمرة والباء أداة والأيدي عبارة عن كل البدن، كما في قوله تعالى: * (تبت يدا أبي لهب) * (المسد: 1) أي: تب هو، قال الحسن البصري: التهلكة البخل، وقال سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (البقرة: 195) أن يذنب الرجل الذنب فيقول: لا يغفر لي فأنزل الله تعالى: * (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة) * الآية، رواه ابن مردويه، وروى عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس التهلكة عذاب الله قوله: (وأحسنوا) فيه أقوال. أحدها: في أداء الفرائض والثاني: الظن بالله. الثالث: تفضلوا على من ليس في يده شيء. الرابع: صلوا الخمس.
التهلكة والهلاك واحد
يعني: كلاهما مصدران لكن التهلكة من نوادر المصادر، يقال: هلك الشيء يهلك هلاكا وهلوكا ومهلك ومهلكا وتهلكة، والاسم الهلك، بالضم، والهلكة بفتح اللام والهلاك قال الزمخشري: ويجوز أن يكون أصل التهلكة بكسر اللام كالتجربة، فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاءت الجوار في الجوار.
4516 ح دثنا إسحاق أخبرنا النضر حدثنا شعبة عن سليمان قال سمعت أبا وائل عن حذيفة وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال نزلت في النفقة.
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر شمل، وسليمان هو الأعمش،
وأبو وائل شقيق بن سلمة. قوله: (في النفقة) أي: في ترك النفقة في سبيل الله.
110
32
((باب قوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * (البقرة: 196))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا) * يعني: فمن كان به مرض يحوجه إلى الحلق (أو به أذى من رأسه) وهو القمل أو الجراحة فعلية إذا حلق فدية، ويجيء بيان الفدية عن قريب.
4517 ح دثنا آدم حدثنا شعبة عن عبد الرحمان بن الأصبهاني قال سمعت عبد الله بن معقل قال قعدت إلى كعب بن عجرة في المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته من صيام فقال حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا أما تجد شاة قلت لا قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من صعام واحلق رأسك فنزلت في خاصة وهي لكم عامة.
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن الأصبهاني بفتح الهمزة وكسرها وبالفاء وبالياء الموحدة، وعبد الله بن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وفي آخره لام ابن مقرن المزني الكوفي التابعي. والحديث مضى في الحج في باب الإطعام في الفدية، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
33
((باب: * (فمن تمنع بالعمرة إلى الحج) * (البقرة: 196))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (فمن تمنع بالعمرة إلى الحج) * (البقرة: 196) وأوله: (فإذا أمنتم) أي: من خوفكم وبر أتم من مرضكم وتمكنتم من أداء المناسك، فمن كان منكم متمتعا بالعمرة إلى الحج (فما استيسر من الهدي) أي: فعليه ما استيسر. أي: فعليه ما تيسر منه، يقال: يسر الأمر واستيسر. كما يقال: صعب واستصعب، ومحل كلمة ما رفع بالابتداء ويجوز أن يكون منصوبا أي: فاهدوا ما استيسر من الهدى، وهو اسم لما يهدى إلى الحرم من بعير أو بقرة أو شاة.
34
((باب: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (البقرة: 198)
[/ يا
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (ليس عليكم جناح) * أي حرج أو إثم (أن تبتغوا) أي: أن تطلبوا (فضلا من ربكم) أي: عطاء منه وتفضلا، وهو النفع والربح والتجارة.
111
4519 ح دثني محمد قال أخبرني ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (البقرة: 198) في مواسم الحج.
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام بن الفرج البيكندي البخاري، وابن عيينة هو سفيان، وعمر وهو ابن دينار. والحديث مضى في الحج في: باب التجارة أيام الموسم.
وعكاظ: بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة، ومجنة، بفتح الميم والجيم وتشديد النون (وذوا المجاز) ضد الحقيقة. وهذه كانت أسواقا للعرب. قوله: (فتأثموا)، أي: فتحرجوا قوله: (أن يتجروا) أي: بأن يتجروا. قوله: (في المواسم)، جمع موسم، وسمي به لأنه معلم مجتمع الناس إليه. قوله: (في مواسم الحج) قيل: هذا اللفظ عند ابن عباس من القرآن من تتمة الآية، والصحيح أنه تفسير منه لمحل ابتغاء الفضل، فكأنه قال: أي: في مواسم الحج.
35
((باب: * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * (البقرة: 199))
أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى: * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * أي: لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس ولا تكن من المزدلفة، وحاصل المعنى: أن الله عز وجل، أمر الواقف بعرفات أن يدفع إلى المزدلفة ليذكر الله تعالى عند المشعر الحرام وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس يصنعون ويقفون بها. غير أن قريشا لم يكونوا يخرجون من الحرم، فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الجبل ويقولون: نحن أهل الله في بلدته وقطان بيته، فلا يخرجون منه فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات.
4520 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن خازم حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى: * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) *.
مطابقته هي معنى الترجمة ومحمد بن خازم، بالخاء المعجمة وبالزاي: أبو معاوية الضرير، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير.
قوله: (ومن دان دينها) أي: دين قريش قال الخطابي: القبائل التي كانت تدين مع قريش هم بنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة. وكانوا إذا أحرموا لا يتناولون
السمن والأقط ولا يدخلون من أبواب بيوتهم، وكانوا يسمون الخمس، لأنهم تحمسوا في دينهم وتصلبوا، والحماسة الشدة. قوله: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) ثم سائر العرب غير الحمس، وهم قريش ومن كان على دينهم، وقيل: المراد من الناس آدم عليه السلام. وقيل: إبراهيم، عليه السلام، وقرئ شاذا من حيث أفاض الناسي، يعني: آدم عليه السلام.
4521 ح دثني محمد بن أبي بكر حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة أخبرني كريب عن ابن عباس قال تطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء غير أن لم يتيسر له فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى
112
أن يكون الظلام ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذي يبيتون به ثم ليذكروا الله كثيرا وأكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون وقال الله تعالى * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) * (البقرة: 199) حتى ترموا الجمرة.
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم أفيضوا) إلى آخره. ومحمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصري، وفضيل مصغر فضل. بالضاد المعجمة.
قوله: (ما كان حلالا) بأن كان مقيما بمكة أو كان قد دخل بعمرة ثم تحلل منها. قوله: (حتى يهل) أي: حتى يحرم بالحج. قوله: (ما تيسر له) جزاء للشرط أي: ففديته ما تيسر له، أو التقدير: فعليه ما تيسر، ويجوز أن يكون قوله: ما تيسر له بدلا من قوله: هدية، ويكون الجزاء بأسره محذوفا تقديره، ففديته ذلك أو: فليفتد بذلك. قوله: (غير أن لم تيسر له) أي: الهدى فعليه ثلاثة أيام في الحج أي: قبل يوم عرفة وهذا تقييد من ابن عباس لإطلاق الآية قوله: (ثم لينطلق)، وفي رواية المستملي: (ثم ينطلق) بدون اللام. قوله: (من صلاة العصر)، أراد من أول وقت العصر وذلك عند صيرورة ظل كل شيء مثله، ويحتمل أنه أراد من بعد صلاة العصر، لأنها تصلى عقيب صلاة الظهر جمع تقديم، ويكون الوقوف عقيب ذلك، ولا شك أنه بعد الزوال، وسأل الكرماني: بأن أول وقت الوقوف زوال الشمس يوم عرفة وآخره صبح العيد، ثم أجاب عن ذلك: بأنه اعتبر في الأول الأشرف، لأن وقت العصر أشرف، وفي الآخر العادة المشهورة. انتهى (قلت) فيه تأمل. قوله: (حتى يبلغوا جمعا)، بفتح الجيم وسكون الميم، وهو المزدلفة قوله: (الذي يبيتون به) ويروى (يتبرر فيه) براءين مهملتين. أي: يطلب فيه البر، ويروى: (يتبرز)، براء ثم زاي من التبرز، وهو الخروج إلى البراز للحاجة، والبراز بالفتح اسم للفضاء الواسع. قوله: (أو أكثروا) شك من الراوي. قوله: (حتى ترموا الجمرة) هذه غاية للإفاضة، ويحتمل أن يكون غاية لقوله: (أكثروا).
36
((باب: * (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * (البقرة: 201))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) * الآية. قوله: (ومنهم) أي: ومن الناس، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس، كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئا فأنزل الله تعالى فيهم: * (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وما له في الآخرة من خلاق) * (البقرة: 200) أي: نصيب، وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون: * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * (البقرة: 200) فأنزل الله تعالى: * (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) * (البقرة: 202) وعن علي رضي الله تعالى عنه: الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة، وفي الآخرة الجنة، وعذاب النار المرأة السوء.
4522 ح دثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وقنا عذاب النار) *.
مطابقته للترجمة أوضح ما يكون وأبو معمر، بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وعبد العزيز هو ابن صهيب والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن مسدد وأخرجه أبو داود في الصلاة عن مسدد.
37
((باب: * (وهو ألد الخصام) * (البقرة: 201))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى:) * وهو ألد الخصام) * وأول الآية * (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على
113
ما في قلبه وهو ألد الخصام) * (البقرة: 204) قوله: (ومن الناس)، أراد به الأخنس بن شريق، وكان رجلا حلو المنطق إذا لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألان له القول وادعى أنه يحبه. وأنه مسلم (ويشهد الله على ما في قلبه) أي يحلف ويقول: الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام، فقال الله في حقه: * (وهو ألد الخصام) *، أي: شديد الجدال والخصومة والعداوة للمسلمين والألد أفعل التفضيل من اللدد وهو: شدة الخصومة، والخصام المخاصمة وإضافة الألد بمعنى في أو يجعل الخصام ألد على المبالغة وقيل: الخصام جمع خصم وصعاب بمعنى: هو أشد الخصوم خصومة.
وقال عطاء النسل الحيوان
أي: قال عطاء بن أبي رباح النسل في قوله تعالى: * (ويهلك الحرث والنسل) * (البقرة: 205) الحيوان، ووصله الطبري من طريق ابن جريج قلت لعطاء في قوله تعالى: * (ويهلك الحرث والنسل) * قال: الحرث الزرع، والنسل من الناس والأنعام.
4523 ح دثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة ترفعه أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسفيان هو الثوري، نص عليه الحافظ المروزي، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والحديث مضى في المظالم فإنه أخرجه هناك عن أبي عاصم. قوله: (ترفعه)، أي: ترفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الله حدثنا سفيان حدثني ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عبد الله هو ابن الوليد العدني، نص عليه المزي، وكذلك سفيان هو الثوري. وأورد هذا التعليق لتصريحه برفع حديث عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو موصول في (جامع سفيان الثوري) وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد من عبد الله هو الجعفي شيخ البخاري، ويكون سفيان هو ابن عيينة. لأن الحديث أخرجه الترمذي وغيره من رواية ابن عيينة (قلت) يحتمل ذلك، ولكن الحافظ المزي وخلف نصا على أن عبد الله هو ابن الوليد، وأن سفيان هو الثوري، والله سبحانه وتعالى أعلم.
38
((باب: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء) * إلى * (وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) * (البقرة: 214))
أي: هذا باب ذكر فيه (أم حسبتم) إلى آخره ذكر عبد الرزاق في (تفسيره): عن قتادة: نزلت هذه الآية في يوم الأحزاب أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر، قاله القرطبي: وهو قول أكثر المفسرين، قال وقيل: نزلت في يوم أحد. وقيل: نزلت تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أم حسبتم)، قد علم في النحو أن: أم علي نوعين متصلة وهي التي تتقدمها همزة التسوية نحو: * (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) * (إبراهيم: 121) وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، ومنقطعة وهي التي لا يفارقها معنى الإضراب، وزعم ابن الشجري عن جميع البصريين أنها أبدا بمعنى: بل، وهي مسبوقة بالخبر المحض. نحو: * (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه) * (السجدة: 2) ومسبوقة بهمزة لغير الاستفهام. نحو: * (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها) * (الأعراف: 195) إذ الهمزة فيها للإنكار ثم إن: أم هذه قد اختلفوا فيها، فقال الزجاج: معناها بل حسبتم وقال الزمخشري: منقطعة ومعنى الهمزة فيها للتقرير، وفي (تفسير الجوزي) أم هنا للخروج من حديث إلى حديث، وفي (تفسير ابن أبي السنان) أم، هذه متصلة بما قبلها لأن الاستفهام لا يكون في ابتداء الكلام فلا يقال: أم عند خبر، بمعنى: عندك،
114
وقيل: هي معطوفة على استفهام محذوف مقدم أي: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم أن تدخلوا الجنة بغير مكروه. قوله: (ولما يأتكم)، كلمة لما، لنفي: لم يفعل، وكلمة لم لنفي فعل. قوله: (مثل الذين خلوا)، أي: صفة الذين مضوا من قبلكم من النبيين والمؤمنين، وفيه إضمار أي: مثل محنة الذين. أو مصيبة الذين مضوا. قوله: (مستهم البأساء والضراء)، أي: الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب، وقال ابن عباس وابن مسعود وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير ومرة الهمداني والحسن وقتادة والضحاك والربيع والسدي ومقاتل بن حيان، البأساء الفقر، وقال ابن عباس: الضراء السقم. قوله: (وزلزلوا)، أي: أزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع. قوله: (حتى يقول الرسول) يعني: إلى الغاية التي يقول الرسول ومن معه فيها: متى نصر الله يعني: بلغ منهم الجهد إلى أن استبطؤا النصر. وقالوا: متى ينزل نصر الله؟ قال مقاتل: الرسول هو أليسع، واسمه: شعيا والذين آمنوا حزقيا الملك حين حضر القتال ومن معه من المؤمنين وأن ميشا بن حزقيا قتل اليسع، عليه الصلاة والسلام. وقال الكلبي: هذا في كل رسول بعث إلى أمته. وعن الضحاك: يعني محمدا، عليه الصلاة والسلام. وقال القرطبي: وعليه يدل نزول الآية الكريمة، وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين، أي: بلغ بهم الجهد حتى استبطؤ النصر فقال الله، عز وجل: (ألا إن نصر الله قريب) ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك وارتياب، وقالت طائفة: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: يقول الذين آمنوا متى نصر الله؟ فيقول الرسول: ألا إن نصر الله قريب. فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ولم يقدم المؤمنين. لأنه المقدم في الزمان، ويقول: بالرفع والنصب، فقراءة القراء بالنصب إلا مجاهدا، قاله الفراء: وبعض أهل المدينة رفعوه. وقال الزمخشري النصب على إضمار أن، والرفع على أنه في معنى الحال كقولك: شربت الإبل حتى يجيء البعير حتى يجر بطته إلا أنها حال ماضية محكية. قوله: (ألا إن نصر الله قريب)، أي: قيل لهم: أن نصر الله قريب، إجابة لهم إلى طلبهم.
4524 ح دثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال سمعت ابن أبي مليكة يقول قال ابن عباس رضي الله عنهما حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة ذهب بها هناك وتلا * (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله قريب) * (البقرة: 141) فلقيت عروة ابن الزبير فذكرت له ذلك فقال قالت عائشة معاذ الله والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت ولاكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم فكانت تقرؤها وظنوا أنهم قد كذبوا مثقلة.
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن موسى يزيد الرازي الفراء، يعرف بالصغير، وهشام هو ابن حسان يروي عن عبد الملك ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن قتيبة.
قوله: (قال ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل) أي: من النصر (وظنوا أنهم قد كذبوا) أي: كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون. قوله: (خفيفة) أي:
خفيفة الذال في قوله: قد كذبوا. قوله: (ذهب بها) أي: ذهب ابن عباس بهذه الآية أي: قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) الآية التي في سورة يوسف لا الآية التي في البقرة، يعني: فهم من هذه الآية ما فهم من تلك الآية لكون الاستفهام في متى نصر الله للاستبعاد والاستبطاء فهما متناستان في مجيء النصر بعد اليأس والاستيعادة. قوله: (فلقيت عروة بن الزبير) القائل بهذا هو ابن أبي مليكة الراوي.
قوله: (فقال) أي: عروة بن الزبير (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها) قوله: (قبل أن يموت) ظرف للعلم لا للكون. قيل: لم أنكرت عائشة على ابن عباس بقولها: معاذ الله إلى آخره مع أن قراءة التخفيف تحتمل معنى ما قالت عائشة بأن يقال خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم؟ وأجيب بأن الإنكار من جهة أن مراده أن الرسل ظنوا أنهم مكذبون من عند الله لا من عند أنفسهم بقرينة الاستشهاد بالآية التي في البقرة. فقيل: لو كان كما قالت عائشة لقيل: وتيقنوا أنهم قد كذبوا، لأن تكذيب القوم لهم كان متيقنا وأجيب: بأن تكذيب أتباعهم
115
من المؤمنين كان مظنونا والمتيقن هو تكذيب الذين لم يؤمنوا أصلا فإن قيل: فما وجه كلام ابن عباس؟ قيل: وجهه ما ذكره الخطابي: بأن يقال لا شك أن مذهبه أنه لم يجز على الرسل أن يكذبوا بالوحي الذي يأتيهم من قبل الله لكن يحتمل أن يقال: إنهم عند تطاول البلاء وإبطاء نجز الوعد توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان غلطا منهم. فالكذب متأول بالغلط. كقولهم: كذبتك نفسك. وقال الزمخشري: وعن ابن عباس: وظنوا حين ضعفوا أو غلبوا أنهم قد خلفوا ما وعدهم الله من النصر، وقال: وكانوا بشرا وتلا قوله: * (وزلزلوا حتى يقول الرسول) * (البقرة: 214) فإن صح هذا فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب من شبه الوسوسة. وحديث النفس على ما عليه البشرية وأما الظن الذي يترجح أحد الجانبين على الآخر فيه فغير جائز على آحاد الأمة فكيف بالرسل؟ قوله: (تقرؤها) أي: فكانت عائشة رضي الله عنها. تقرأ قوله وكذبوا، مثقلة أي: بالتشديد، وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وقراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف.
39
((باب: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم) * الآية (البقرة: 223))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (نساؤكم حرث لكم) * الآية قوله: * (حرث لكم) * أي: مواضع حرث لكم، وهذا مجاز شبههن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذر، وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس أنزلت هذه الآية * (نساؤكم حرث لكم) * في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتها على كل حال إذا كان في الفرج، وروي أيضا عن ابن عباس، قال: جاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! هلكت! قال: ما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا. قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة، ورواه الترمذي، وقال: حسن غريب. قوله: (أنى شئتم)، أي: كيف شئتم مقبلة أو مدبرة إذا كان في صمام واحد. أي: في مسلك واحد، والصمام ما يسد به الفرجة فسمى به الفرج ويجوز أن يكون في موضع صمام على حذف مضاف، وهو بكسر الصاد المهملة وتحفيف الميم، ويروى بالسين المهملة.
4526 ح دثنا إسحاق أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا ابن عون عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال تدري فما أنزلت؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا ثم مضى.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (في كذا وكذا) لأن المراد به في إتيان النساء في أدبارهن على ما نذكره عن قريب. وإسحاق هو ابن راهويه يروي عن النضر، بالضاد المعجمة ابن شميل، بالشين المعجمة مصغر شمل يروي عن عبد الله بن عون بفتح العين وبالنون. عن نافع مولى بن عمر عن عبد الله بن عمر.
وأخرج هذا الحديث في تفسيره، وقال بدل قوله: (حتى انتهى إي مكان قال: تدري) إلى قوله: قلت: لا. قال: (نزلت في إتيان النساء في أدبارهن) وهكذا أورده ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله، وهذا قد فسر ذاك المبهم في حديث الباب قوله: (ثم مضى أي: في قراءته).
4527 وعن عبد الصمد حدثني أبي حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * قال يأتيها في رواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
هذا معطوف على قوله أخبرنا بالنضر بن شميل، يعني: النضر يروي أيضا عن عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو يروي عن أبيه عبد الوارث بن سعيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وهذه الرواية رواها جرير ابن في (التفسير) عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ: يأتيها في الدبر، ووقع هنا في رواية البخاري يأتيها في وسكت عن مجرورها، ولم يذكر في أي شيء، وهكذا وقع في جميع النسخ، ولكن الحميدي ذكر
116
في (الجمع بين الصحيحين) يأتيها في الفرج، وبهذا قد تبين أن مجرور كما نفي هو الفرج، وقال بعضهم: هو من عنده بحسب فهمه وليس مطابقا لما في نفس الأمر، وأيد كلامه بقوله: وقد قال أبو بكر بن العربي أورد البخاري هذا الحديث في (التفسير) فقال: يأتيها في وترك بياضا. انتهى قلت: لا نسلم عدم المطابقة لما في نفس الأمر لأن ما في نفس الأمر عند من لا يرى إباحة إتيان النساء في أدبارهن أن يقدر بعد كلمة في إما لفظ في الفرج، أو في القبل أو في موضع الحرث، والظاهر من حال البخاري أنه لا يرى إباحة ذلك، ولكن لما ورد في حديث أبي سعيد الخدري ما يفهم منه إباحة ذلك، ووردت أحاديث كثيرة في منع ذلك تأمل في ذلك ولم يترجح عنده في ذلك الوقت أحد الأمرين فترك بياضا بعد في، ليكتب فيه ما يترجح عنده من ذلك. والظاهر أنه لم يدركه فبقي البياض بعده مستمرا فجاء الحميدي وقدر ذلك
حيث قال: يأتيها في الفرج نظرا إلى حال البخاري أنه لا يرى خلافه. ولو كان الحميدي علم من حال البخاري أنه يبيح الإتيان في إدبار النساء لم يقدر هذا بل كان يقدر يأتيها في أي موضع شاء، كما صرح في رواية ابن جرير في نفس حديث عبد الصمد يأتيها في دبرها ثم قال: هذا القائل: هذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن سببها استعماله. قلت: ليت شعري من قال من أهل صناعة البديع أن حذف المجرور وذكر الجار وحده من أنواع البديع، والاكتفاء إنما يكون في شيئين متضادين يذكر أحدها ويكتفي به عن الآخر كما في قوله تعالى: * (سرابيل تقيكم الحر) * (النحل: 81) والتقدير: والبرد أيضا، ولم يبين أيضا ما هو المحسن لذلك على أن جمهور النحاة لا يجوزون حذف المجرور إلا أن بعضهم قد جوز ذلك في ضرورة الشعر. وقد عاب الإسماعيلي على صنيع البخاري ذلك، فقال: جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه، وقد رويناه عن عبد العزيز، يعني: الدراوردي عن مالك، وعبيد الله بن عمر، وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع بالتفسير، ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في (غرائب مالك) من طريقه عن الثلاثة عن نافع نحو رواية ابن عون عنه، ولفظ: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، قال: فقلت له من دبرها في قبلها؟ قال لا إلا في دبرها.
وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فذهب محمد بن كعب القرظي وسعيد بن يسار المدني ومالك إلى إباحة ذلك، واحتجوا في ذلك بما رواه أبو سعيد، أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا: اثغرها؟ فأنزل الله عز وجل * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * (البقرة: 223) وقالوا: معنى الآية. حيث شئتم من القبل والدبر، وقال عياض: تعلق من قال: بالتحليل بظاهر الآية وقال ابن العربي في كتابه (أحكام القرآن) جوزته طائفة كثيرة، وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتابه (جماع النسوان) وأسند جوازه إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة، وقال أبو بكر الجصاص في كتابه (أحكام القرآن) المشهور عن مالك إباحة ذلك وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تدفع بنفيهم عنه وقد روى محمد بن سعد عن أبي سليمان الجوزجاني، قال: كنت عند مالك بن أنس، فسئل عن النكاح في الدبر، فضرب بيده على رأسه، وقال: الساعة اغتسلت منه ورواه عنه ابن القاسم: ما أدركت أحدا اقتدى به في ديني يشك فيه أنه حلال، يعني: وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * قال: فأي شيء أبين من هذا، وما أشك فيه وأما مذهب الشافعي فيه فما قاله الطحاوي: حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تحريمه ولا في تحليله والقياس أنه حلال. وقال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، وأما في الجديد فصرح بالتحريم.
وذهب الجمهور إلى تحريمه فمن الصحابة علي بن أبي طالب ابن عباس وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو الدرداء وخزيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق وأم سلمة وقد اختلف عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، والأصح عنه المنع، ومن التابعين سعيد بن المسيب ومجاهد وإبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء بن أبي رباح، ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي في الصحيح، وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وآخرون كثيرون، واحتجوا في ذلك بأحاديث كثيرة منها: حديث ابن خزيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن، أخرجه الطحاوي والطبراني وإسناده صحيح ومنها: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هي اللوطية
117
الصغرى، يعني وطء النساء في أدبارهن، أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح، والطيالسي والبيهقي. ومنها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينظر الله عز وجل إلى رجل وطئ امرأة في دبرها، أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة وابن ماجة وأحمد. ومنها حديث جابر بن عبد الله نحو حديث خزيمة وفي رواية لا بحل ما تأتي النساء في حشوشهن وفي رواية في محاشهن اخرجه الطحاوي ومنها: حديث طلق بن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن، أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة، وفي رواية في أعجازهن، أو قال: في أدبارهن، وأما الآية فتأولوها: بفأتوا حرثكم أنى شئتم مستقبلين ومستدبرين، ولكن في موضع الحرث، وهو الفرج. فإن قلت: القاعدة عندكم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. قلت: نعم لكن وردت أحاديث كثيرة فأخرجت الآية عن عمومها وأقصرتها على إباحة الوطء في الفرج، ولكن على أي وجه كان.
4528 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن المنكدر سمعت جابر ارضى الله عنه قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * (البقرة: 223).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري قاله بعضهم: وذكر الحافظ المزي أنه سفيان بن عيينة، وابن المنكدر. بالنون محمد بن المنكدر.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح وغيره عن قتيبة. وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر. وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن سهل بن أبي سهل، وغيره.
وظاهر حديث جابر هذا يوهم أنه مطابق لحديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وليس كذلك فإنه روى بوجوه كلها ترجع إلى معنى واحد، فروى الطحاوي من حديث الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن يهوديا قال: إذا نكح الرجل امرأته مجبية خرج ولده أحول فأنزل الله تعالى: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * إن شئتم مجبية، وإن شئتم غير مجببة إذا كان ذلك في صمام واحد. وأخرجه مسلم أيضا نحوه: وروى الطحاوي أيضا من حديث ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول، فأنزل الله عز وجل: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدبرة ومقبلة ما كان في الفرج، وفي رواية لمسلم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر، بلفظ: إذا أتى
الرجل امرأته من دبرها في قبلها، ومن طريق أبي حازم عن ابن المنكدر بلفظ: إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت. وقوله: (فحملت) يدل على أن مراده أن الإتيان في الفرج لا في الدبر. وقال الطحاوي: ففي توقيت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على الفرج إعلام منه إياهم أن الدبر بخلاف ذلك. قلت: لأن تنصيصه على الفرج ينافي دخول الدبر قوله: (مجبية) من جبى يجبى تجبية، كعلى يعلى تعلية، ومادته جيم وياء موحدة وألف، ومعناه: مكية على وجهها تشبيها بهيئة السجود، وعن سعيد بن المسيب: أنزلت هذه الآية الكريمة في الغزل، أخرجه الدارمي ولفظه (نساؤكم حرث لكم أنى شئتم)، قال: إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل، ورواه الطحاوي عن ابن عباس نحوه: وعند الطبري: أن أناسا من حمير أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل منهم: يا رسول الله: إني رجل أحب النساء، فكيف ترى في ذلك؟ فنزلت: وعنده مقاتل، قال: حيي بن أخطب ونفر من اليهود للمسلمين إنه لا يحل لكم جماع النساء إلا مستلقيات، وإنا نجد في كتاب الله عز وجل أن جماع المرأة غير مستلقية دنس عند الله تعالى، فنزلت: وعن ابن عباس الحرث منبت الولد، وقال السدي: هي مزرعة يزع فيها أو يحرث فيها، وقال ابن حزم: ما رويت إباحة الوطء في دبرها إلا عن ابن عمرو وحده باختلاف عنه، وعن مالك باختلاف عنه فقط، وذكر أبو الحسن المرغيناني، أن من أتى امرأته في المحل المكروه فلا حد عليه عند الإمام أبي حنيفة ويعزر، وقال هو كالزنا، وقال أبو زكريا اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال: وقال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان على حال من الأحوال.
40
((باب: * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * (البقرة: 232))
118
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (وإذا طلقتم النساء) * (البقرة: 232) إلى آخره وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها ثم يبدو له تزويجها وأن يراجعها وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله تعالى أن يمنعوها، وكذلك روى العوفي عنه، وكذا قال مسروق وإبراهيم النخعي والزهري والضحاك إنها نزلت في ذلك، وقد روى أن هذه الآية هي التي نزلت في معقل بن يسار، على ما يجيء الآن، وقال السدي: نزلت في جابر بن عبد الله وابن عم له، والصحيح الأول، وقال الزمخشري: إما أن يخاطب به الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما وإما أن يخاطب به الأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن. وقال ابن جرير: اتفق أهل التفسير على أن المخاطب بذلك الأولياء. قوله: (فبلغن أجلهن)، وبلوغ الأجل في هذه الآية انقضاء العدة بخلاف الآية السابقة. وقال الشافعي: دل اختلاف الكلامين على اختلاف البلوغين. قوله: (فلا تعضلوهن)، أي: لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن، وفي (تفسير عبد بن أبي سعيد) العضل الحبس، وفي (الموعب) لابن التياني: عن الفراء وقطرب وأبي عبيد عضل المرأة يعضلها ويعضلها، وعن أبي عمرو: يعضلها، يعني: بفتح الضاد، وأمور معضلات شداد بكسر الضاد. وعن ابن دريد: عضل أيمه يعضلها عضلا. وعضلها تعضيلا. منعها من الزوج ظلما. وقال الزجاج: هو من قولهم: عضلت الدجاجة فهي معضل إذا احتبس بيضها، ونشب فلم يخرج.
4529 حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن قال حدثني معقل بن يسار قال كانت لي أخت تخطب إلي.
مطابقته للترجمة تؤخذ من تمام الحديث والبخاري أخرجه هنا مختصرا. وفي الطريق الثالث تمامه. وأخرجه من ثلاث طرق كما ترى، وعبيد الله بن سعيد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو من أفراده، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو والعقدي، بالعين المهملة والقاف المفتوحتين نسبة إلى العقد، قوم من قيس، وهم صنف من الأزد، وعباد، بفتح العين وتشديد الباء الموحدة، ابن راشد، والحسن هو البصري، ومعقل: بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف: ابن يسار ضد اليمين المزني، وقال العجلي: يكنى أبا علي ولا نعلم في الصحابة أحدا يكنى به غيره. قلت: طلق بن علي يكنى أبا علي، وكذلك قيس بن عاصم المنقري، ذكره أبو أحمد وغيره.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي معمر، وفي الطلاق عن محمد وفي النكاح أيضا عن أحمد بن أبي عمرو وفي الطلاق أيضا عن أبي موسى. وأخرجه أبو داود في النكاح عن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن حميد. وأخرجه النسائي فيه عن سوار بن عبد الله وغيره.
وقال إبراهيم عن يونس عن الحسن حدثني معقل بن يسار
هذا طريق ثان وهو معلق، وإبراهيم هو ابن طهمان، ويونس هو ابن عبيد، ووصله البخاري في النكاح، وأراد بهذا التعليق بيان تصريح الحسن بالتحديث عن معقل.
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) *.
هذا طريق ثالث عن أبي معمر، بفتح الميمين، عبد الله المشهور بالمقعد، عن عبد الوارث بن سعيد عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري. قوله: (إن أخت معقل بن يسار) واسمها جميل بنت يسار، بضم الجيم وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف، وفي رواية أبي إسحاق الهمداني اسمها فاطمة بنت يسار، وسماها ابن فتحون: جملي، بضم الجيم وسكون الميم، وسماها محمدا المنذري: ليلى.
4529 حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن قال حدثني معقل بن يسار قال كانت لي أخت تخطب إلي.
مطابقته للترجمة تؤخذ من تمام الحديث والبخاري أخرجه هنا مختصرا. وفي الطريق الثالث تمامه. وأخرجه من ثلاث طرق كما ترى، وعبيد الله بن سعيد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو من أفراده، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو والعقدي، بالعين المهملة والقاف المفتوحتين نسبة إلى العقد، قوم من
قيس، وهم صنف من الأزد، وعباد، بفتح العين وتشديد الباء الموحدة، ابن راشد، والحسن هو البصري، ومعقل: بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف: ابن يسار ضد اليمين المزني، وقال العجلي: يكنى أبا علي ولا نعلم في الصحابة أحدا يكنى به غيره. قلت: طلق بن علي يكنى أبا علي، وكذلك قيس بن عاصم المنقري، ذكره أبو أحمد وغيره.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي معمر، وفي الطلاق عن محمد وفي النكاح أيضا عن أحمد بن أبي عمرو وفي الطلاق أيضا عن أبي موسى. وأخرجه أبو داود في النكاح عن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن حميد. وأخرجه النسائي فيه عن سوار بن عبد الله وغيره.
وقال إبراهيم عن يونس عن الحسن حدثني معقل بن يسار
هذا طريق ثان وهو معلق، وإبراهيم هو ابن طهمان، ويونس هو ابن عبيد، ووصله البخاري في النكاح، وأراد بهذا التعليق بيان تصريح الحسن بالتحديث عن معقل.
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) *.
هذا طريق ثالث عن أبي معمر، بفتح الميمين، عبد الله المشهور بالمقعد، عن عبد الوارث بن سعيد عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري. قوله: (إن أخت معقل بن يسار) واسمها جميل بنت يسار، بضم الجيم وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف، وفي رواية أبي إسحاق الهمداني اسمها فاطمة بنت يسار، وسماها ابن فتحون: جملي، بضم الجيم وسكون الميم، وسماها محمدا المنذري: ليلى.
41
((باب: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * إلى * (بما تعملون خبير) * (البقرة: 234))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (والذي يتوفون منكم) * الآية. قوله: (والذين) أي: وأزواج الذين يتوفون منكم، والخطاب
119
للمسلمين، وقيل: للمكلفين، قال الكفار مخاطبون بالتفاصيل بشرط الإيمان. قوله: (ويذرون) أي: يتركون. قوله: (أزواجا) أي: زوجات قوله: (يتربصن) أي: بعدهم، وقيل: يحبسن أنفسهن وينتظرون أربعة أشهر وعشرا، وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن بالإجماع إلا المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فإنها تعتد بالوضع ولم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (الطلاق: 4) وكان ابن عباس يرى أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع أو أربعة أشهر وعشرا للجمع بين الآيتين، وكذلك يستثنى منها الزوجة إذا كانت أمة، فإن عدتها على النصف من عدة الحرة: شهران وخمسة أيام، وعن الحسن وبعض الظاهرية التسوية بين الحرائر والإماء. قوله: (وعشرا)، إنما لم يقل وعشرة، ذهابا، إلى الليالي والأيام داخلة فيها ثم الحكمة في هذه المدة ما قاله الراغب: إن الأطباء يقولون إن الولد في الأكثر إذا كان ذكرا يتحرك بعد ثلاثة أشهر، وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر، فجعل ذلك عدة المتوفى عنها زوجها، وزيد عليه عشرة أيام للاستظهار، وخصت العشرة لأنها أكمل الأعداد وأشرفها. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشرة؟ قال: فيه ينفخ الروح، وكذا قال أبو العالية: روى عنهما ابن جرير، ومن هنا ذهب أحمد في رواية: إن عدة أم الولد عدة الحرة لأنها صارت فراشا كالحرائر، وروى فيه حديث عمرو بن العاص: لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشرا، ورواه أبو داود وابن ماجة أيضا. وذهب إلى هذا أيضا طائفة من السلف منهم، سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد العزيز، وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان وهو أمير المؤمنين، وبه يقول الأوزاعي وإسحاق بن راهويه، وقال طاووس وقتادة: عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها نصف عدة الحرة، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح بن حيى: تعتد بثلاث حيض، وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النخعي، وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه: عدتهن حيضة، وبه يقول ابن عمر والشعبي ومكحول والليث وأبو عبيد وأبو ثور. قوله: (فإذا بلغن أجلهن)، أي: إذا انقضت عدتهن، قاله الضحاك والربيع بن أنس. قوله: (فلا جناح عليكم)، قال الزمخشري: أيها الأئمة وجماعة المسلمين، وقال الزهري: أي: أولياؤها. قوله: (فيما فعلن)، يعني: النساء اللاتي انقضت عدتهن من التعرض للخطاب، وعن الحسن والزهري والسدي: بالنكاح الحلال الطيب. قوله: (بالمعروف)، أي: بالوجه الذي لا ينكره الشرع.
يعفون يهبن
أشار به إلى تفسير: يعفون، في قوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * (البقرة: 1237) وفسره بقوله يهبن، وذكر ابن أبي حاتم أنه قول ابن عباس وشريح وابن المسيب وعكرمة ونافع ومجاهد والشعبي والحسن وابن سيرين ومقاتل وجابر بن زيد وعطاء الخراساني والزهري والضحاك والربيع بن أنس والسدي، قال: وخالفهم محمد بن كعب، فقال: (إلا أن يعفون) يعني: الرجال. قال: وهو قول شاذ لم يتابع عليه انتهى. قلت: هذه اللفظة مشتركة بين جمع الرجال وجمع النساء، تقول: الرجال والنساء يعفون، والفرق تقديري، فالواو في الأول ضمير الرجال والنون علامة الرفع، وفي الثاني الواو لام الفعل والنون ضمير النساء فلهذا لم تعمل فيها أن، ولكن في محل النصب، فوزن جمع المذكر، يعفون، ووزن جمع المؤنث يفعلن، فافهم.
4530 ح دثني أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع عن حبيب عن ابن أبي مليكة قال ابن الزبير قلت لعثمان بن عفان: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * قال قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها يا ابن أخي لا أغير شيئا من مكانه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأمية بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف، ابن بسطام بن المنتشر العيشي البصري وهو شيخ مسلم أيضا، ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع بفتح الزاي، وحبيب هو ابن الشهيد أبو محمد
120
الأزدي الأموي البصري، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم، واسمه زهير قاضي عبد الله بن الزبير والحديث من أفراده.
قوله: (قال ابن الزبير)، أي: عبد الله بن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنهما قوله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * وتمامه (وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) الآية. قوله: (فلم تكتبها)؟ استفهام على سبيل الإنكار بمعنى: لم تكتب هذه الآية وقد نسختها الآية الأخرى؟ وهي قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * (البقرة: 234) والمنسوخة هي قوله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) * (البقرة: 240) قوله: (أو تدعها)، شك من الراوي، أي: فلم تدعها أي: تتركها مكتوبة. قوله: (قال: يا ابن أخي) أي: قال عثمان لابن الزبير يا ابن أخي، إنما قال ذلك على عادة العرب، أو نظرا إلى أخوة الإيمان، أو لأن عثمان من أولاد قصي وكذلك عبد الله بن الزبير. قوله: (لا أغير شيئا من مكانه)، أي: لا أغير شيئا مما كتب من القرآن وكان عبد الله ظن أن ما نسخ لا يكتب وليس كما ظنه بل له فوائد الأولى: أن الله تعالى لو أراد نسخ لفظه لرفعه كما فعل في آيات عديدة، ومن صدور الحافظين أيضا. الثانية: أن في تلاوته ثوابا كما في تلاوة غيره. الثالثة: إن كان تثقيلا ونسخ بتخفيف عرف بتذكره قدر اللطف، وإن كان تخفيفا ونسخ بتثقيل علم أن المراد انقياد النفس للأصعب لأن يظهر فيها عند ذلك التسليم والانقياد، وكان الحكم في أول الإسلام إنه إذا مات الرجل لم يكن لامرأته شيء من الميراث إلا النفقة والسكنى سنة، فالآية أعني قوله: (ويذرون أزواجا وصية) أوجبت أمرين: أحدهما: وجوب النفقة والسكنى من تركة الزوج سنة. والثاني: وجوب الاعتداد سنة لأن وجوب النفقة والسكنى من مال الميت يوجب المنع من التزويج بزوج آخر ثم نسخ هذا أن الحكمان إما وجوب العدة في السنة فبقوله: * (يتربصن بأنفسهن أربعة
121
أشهر وعشرا) * وقيل: نسخ ما زاد فيه، وأما وجوب النفقة والسكنى فمنسوخ بتقدير نصيبها من الميراث، وقيل: ليس فيها نسخ، وإنما هو نقصان من الحول وقال الزمخشري: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة. قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل، كقوله عز وجل: * (سيقول السفهاء) * مع قوله: (قد نرى تقلب وجهك في السماء).
4531 ح دثنا إسحاق حدثنا روح حدثنا شبل عن ابن نجيح عن مجاهد والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا قال كانت هاذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) *. قال جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله تعالى: * (غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم) * فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك عن مجاهد.
قوله: حدثني، ويروى: حدثنا إسحاق. قيل: هو ابن راهويه، وقال صاحب (التوضيح) وإسحاق هو ابن إبراهيم، كما حدث به في الأحزاب أو إسحاق بن منصور كما حدث به في الصلاة وغيرها، وروح بفتح الراء ابن عبادة، بضم العين وتخفيف الباء الموحدة، وشبل، بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وباللام: ابن عباد، بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة، وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح المكي.
قوله: (كانت هذه العدة)، أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * قوله: (فأنزل الله: * (والذين يتوفون) *)، في الآية ذكرها ثم قال: (جعل الله لها) أي: للمعتدة المذكورة في الآية الأولى (تمام السنة) وبحسب الوصية فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد في بيت أهل الزوج إلى التمام، وإن شاءت اكتفت بالواجب، وهذا يدل على أن مجاهدا لا يرى نسخ هذه الآية أعني قوله: (ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم) إلى آخرها وعند الأكثرين هذه الآية منسوخة بالآية التي هي قوله: * (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * قوله: (وصية)، منصوب بتقدير: والذين يتوفون يوصون وصية، أو ألزم الذين يتوفون وصية، ويدل عليه قراءة عبد الله كتب عليكم الوصية لأزواجكم، وقرئ وصية بالرفع بتقدير: وحكم الذين يتوفون وصية، يعني: قبل أن يحتضروا. قوله: (لأزواجهم)، أي: لزوجاتهم. قوله: (متاعا)، نصب بتقدير: يوصون متاعا أو بتقدير: متعوهن متاعا وقراءة أبي: متاع لأزواجهم متاعا، فعلى هذا نصب متاعا بقوله: متاع لأنه في معنى: التمتيع. قوله: (غير إخراج)، حال من الأزواج أي: غير مخرجات، أو بدل من: متاعا. وحاصل المعنى: وحق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تتمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا. أي: ينفق عليهن من تركته ولا يخرجهن من مساكنهن، وكان ذلك في أول الإسلام ثم نسخت المدة. قوله: * (أربعة أشهر وعشرا) * (البقرة: 234) ونسحت النفقة بالإرث الذي هو الربع أو الثمن، وهذا عند الجمهور غير مجاهد كما ذكره الآن. قوله: (فالعدة)، كما هي واجب عليها وهي الأربعة الأشهر والعشر. قوله: (زعم ذلك عن مجاهد)، قائل هذا هو شبل بن عباد الراوي، والضمير في: زعم، يرجع إلى بن أبي نجيح الراوي عن مجاهد.
وقال عطاء قال ابن عباس نسخت هاذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى: * (غير إخراج) * (البقرة: 24).
أي: قال عطاء بن أبي رباح: قيل: هذا عطف على قوله: عن مجاهد، وهو من رواية ابن أبي نجيح عن عطاء، ووهم من زعم أنه معلق. قلت: ظاهره التعليق، إذ لو كان عطفا لقال: وعن عطاء، وقد روى أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزي، قال: حدثنا موسى بن مسعود. قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح. قال: قال عطاء: قال ابن عباس إلى آخر ما ذكر هنا.
قال عطاء إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: * (فلا جناح عليكم فيما فعلن) *. قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعمد حيث شاءت ولا سكنى لها.
هذا من عطاء كالتفسير لما رواه عن ابن عباس، وكذا ذكر أبو داود حيث قال: قال عطاء: إن شاءت إلى آخره، بعد أن ذكر ما رواه عن ابن عباس.
وعن محمد بن يوسف حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا
هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون هذا مدرجا في رواية إسحاق الذي تقدم عن روح بن شبل، واختاره بعضهم حيث قال: وعن محمد بن يوسف معطوفا على قوله أخبرنا روح. قال صاحب (التلويح) وفيه بعد. والثاني: أن يكون البخاري علقه عن شيخه محمد بن يوسف الفريابي عن ورقاء مؤنث الأورق بن عمرو الخوارزمي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد، فإن كان كذا فقد وصله أبو نعيم سليمان بن أحمد عن عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم عن الفريابي. عن ورقاء، فذكره.
وعن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس قال نسخت هاذه الآية عدتها في أهلها فتعتد حيث شاءت لقول الله غير إخراج نحوه.
هذا أيضا يحتمل الوجهين المذكورين، والأظهر هو الوجه الثاني أنه روي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس، والحاصل أن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد وحده وقوفا عليه، وروى أيضا عن عطاء عن ابن عباس. قوله: (نحوه)، أي: نحو ما روي فيما مضى عن مجاهد.
122
4532 ح دثنا حبان حدثنا عبد الله أخبرنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرحمان بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرحمان ولكن عمه كان لا يقول ذالك فقلت إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة ورفع صوته قال ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف قلت كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال قال ابن مسعود أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أتجعلون عليها التغليظ) إلى آخره. وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعبد الله بن عون بن أرطبان البصري.
قوله: (فيه عظم) بضم العين وسكون الظاء، وهو جمع عظيم، وأراد به عظماء الأنصار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار أبو عيسى الكوفي، وقال عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم من الأنصار. قوله: (فذكرت حديث عبد الله بن عتبة) بضم العين المهملة وسكون الناء، المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله ابن مسعود، ذكره العقيلي في (الصحابة) قال أبو عمر: فغلط، وإنما هو تابعي أو من كبار التابعين بالكوفة، وهو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه المدني الشاعر شيخ ابن شهاب، استعمله عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وذكره البخاري في التابعين، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به فمسحه بيده ودعا له، وكان إذ ذاك غلاما خماسيا أو سداسيا. قوله: (سبيعة بنت الحارث) بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر سبعة الأسلمية. كانت امرأة سعد بن خولة فتوفي عنها بمكة، فقال لها أبو السنابل بن بعكك إن أجلك أربعة أشهر وعشرا وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال، قيل: خمس وعشرين ليلة؟ وقيل: أقل من ذلك، فلما قال لها أبو السنابل ذلك أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال لها: قد حللت فانكحي من شئت، وبعضهم يروي: إذا أتاك من ترضين فتزوجي. قوله: (ولكن عمه) أي عم عبد الله بن عتبة، وهو عبد الله بن مسعود. قوله: (لا يقول ذلك) أي: لا يقول ما قيل في شأن سبيعة الأسلمية، وقد ذكرنا الآن ما قال لها أبو السنابل. قوله: (فقلت إني لجريء) أي: صاحب جراءة غير متسحي. قوله: (على رجل في جانب الكوفة) أراد به عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة ومات بها في زمن عبد الملك بن مروان. قوله: (قال ثم خرجت)، أي: قال محمد بن سيرين. قوله: (فلقيت مالك بن عامر) الهمداني، يكنى بأبي عطية قال الكرماني الصحابي باختلاف، وقال الذهبي: مالك بن عامر الوداعي تابعي كوفي، يقال أدرك الجاهلية. قوله: (أو مالك بن عوف)، شك من الراوي، وهو مالك بن عوف بن نضلة بن جريج بن حبيب الجشمي صاحب ابن مسعود. قوله: (وهي حامل)، الواو وفيه حال. قوله: (أتجعلون عليها التغليظ)؟ أي: طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة الأشهر. وقد يمتد ذلك حتى تجاوز تسعة أشهر إلى أربع سنين أي: إذا جعلتم التغليظ عليها فاجعلوا لها الرخصة إذا وضعت أقل من أربعة أشهر. قوله: (لنزلت)، اللام فيه للتأكيد. قوله: (سورة النساء القصرى)، وهي سورة الطلاق، وفيها * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (الطلاق: 4). قوله: (بعد الطولى)، ليس المراد منها سورة النساء، وإنما المراد السورة التي هي أطول جميع السور القرآن يعني سورة البقرة، وفيها: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * (البقرة: 234) وقال الخطابي: حمل ابن مسعود على النسخ أي جعل ما في الطلاق ناسخا لما في البقرة، وكان ابن عباس يجمع عليها العدتين فتعتد أقصاهما وذلك لأن أحداهما ترفع الأخرى، فلما أمكن الجمع بينهما جمع، وأما عامة الفقهاء فالأمر عندهم محمول على التخصيص لخبر سبيعة الأسلمية.
123
وقال أيوب عن محمد لقيت أبا عطية مالك بن عامر
أي قال أيوب السختياني عن محمد بن سيرين إنه قال: لقيت أبا عطية مالك بن عامر، يعني: لم يشك فيه.
4532 ح دثنا حبان حدثنا عبد الله أخبرنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرحمان بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرحمان ولكن عمه كان لا يقول ذالك فقلت إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة ورفع صوته قال ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف قلت كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال قال ابن مسعود أتجعلون عليها التغليظ ولا
تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أتجعلون عليها التغليظ) إلى آخره. وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعبد الله بن عون بن أرطبان البصري.
قوله: (فيه عظم) بضم العين وسكون الظاء، وهو جمع عظيم، وأراد به عظماء الأنصار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار أبو عيسى الكوفي، وقال عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم من الأنصار. قوله: (فذكرت حديث عبد الله بن عتبة) بضم العين المهملة وسكون الناء، المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله ابن مسعود، ذكره العقيلي في (الصحابة) قال أبو عمر: فغلط، وإنما هو تابعي أو من كبار التابعين بالكوفة، وهو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه المدني الشاعر شيخ ابن شهاب، استعمله عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وذكره البخاري في التابعين، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به فمسحه بيده ودعا له، وكان إذ ذاك غلاما خماسيا أو سداسيا. قوله: (سبيعة بنت الحارث) بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر سبعة الأسلمية. كانت امرأة سعد بن خولة فتوفي عنها بمكة، فقال لها أبو السنابل بن بعكك إن أجلك أربعة أشهر وعشرا وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال، قيل: خمس وعشرين ليلة؟ وقيل: أقل من ذلك، فلما قال لها أبو السنابل ذلك أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال لها: قد حللت فانكحي من شئت، وبعضهم يروي: إذا أتاك من ترضين فتزوجي. قوله: (ولكن عمه) أي عم عبد الله بن عتبة، وهو عبد الله بن مسعود. قوله: (لا يقول ذلك) أي: لا يقول ما قيل في شأن سبيعة الأسلمية، وقد ذكرنا الآن ما قال لها أبو السنابل. قوله: (فقلت إني لجريء) أي: صاحب جراءة غير متسحي. قوله: (على رجل في جانب الكوفة) أراد به عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة ومات بها في زمن عبد الملك بن مروان. قوله: (قال ثم خرجت)، أي: قال محمد بن سيرين. قوله: (فلقيت مالك بن عامر) الهمداني، يكنى بأبي عطية قال الكرماني الصحابي باختلاف، وقال الذهبي: مالك بن عامر الوداعي تابعي كوفي، يقال أدرك الجاهلية. قوله: (أو مالك بن عوف)، شك من الراوي، وهو مالك بن عوف بن نضلة بن جريج بن حبيب الجشمي صاحب ابن مسعود. قوله: (وهي حامل)، الواو وفيه حال. قوله: (أتجعلون عليها التغليظ)؟ أي: طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة الأشهر. وقد يمتد ذلك حتى تجاوز تسعة أشهر إلى أربع سنين أي: إذا جعلتم التغليظ عليها فاجعلوا لها الرخصة إذا وضعت أقل من أربعة أشهر. قوله: (لنزلت)، اللام فيه للتأكيد. قوله: (سورة النساء القصرى)، وهي سورة الطلاق، وفيها * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (الطلاق: 4). قوله: (بعد الطولى)، ليس المراد منها سورة النساء، وإنما المراد السورة التي هي أطول جميع السور القرآن يعني سورة البقرة، وفيها: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * (البقرة: 234) وقال الخطابي: حمل ابن مسعود على النسخ أي جعل ما في الطلاق ناسخا لما في البقرة، وكان ابن عباس يجمع عليها العدتين فتعتد أقصاهما وذلك لأن أحداهما ترفع الأخرى، فلما أمكن الجمع بينهما جمع، وأما عامة الفقهاء فالأمر عندهم محمول على التخصيص لخبر سبيعة الأسلمية.
وقال أيوب عن محمد لقيت أبا عطية مالك بن عامر
أي قال أيوب السختياني عن محمد بن سيرين إنه قال: لقيت أبا عطية مالك بن عامر، يعني: لم يشك فيه.
42
((باب: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * (البقرة: 238))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * أي: الوسطى بين الصلوات، والوسطى تأنيث الأوسط، والأوسط الأعدل من كل شيء، وليس المراد منه التوسط بين الشيئين لأن الوسطى على وزن: فعلى، للتفضيل. وقال الزمخشري أي: الفضلى، من قولهم للأفضل الأوسط، وإنما أفردت وعطفت على الصلوات لانفرادها بالفضل وهي صلاة العصر عند الأكثرين وقد بسطنا الكلام فيه في (شرح كتاب الطحاوي).
4533 ح دثنا عبد الله بن محمد حدثنا يزيد أخبرنا هشام عن محمد عن عبيدة عن علي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وحدثني عبد الرحمان يحيى بن سعيد قال هشام حدثنا محمد عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم شك يحيى نارا.
مطابقته للترجمة في قوله: (عن صلاة الوسطى) وأخرجه من طريقين (الأول): عن عبد الله بن محمد الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن يزيد من الزيادة ابن هارون الواسطي عن هشام بن حسان الفردوسي عن محمد بن سيرين عن عبيدة، بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة السلماني عن علي بن أبي طالب. (والثاني): عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى بن سعيد القطان، ومضى الحديث في غزوة الخندق.
قوله: (حبسونا)، أي: منعونا عن صلاة الوسطى. أي: إيقاعها في وقتها وإضافة الصلاة إلى الوسطى من إضافة الموصوف إلى الصفة. كما في قوله تعالى: * (بجانب الغربي) * (القصص: 44) وفيها خلاف بين البصريين والكوفيين، فأجازها الكوفيون ومنعها البصريون، وفي رواية مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وقد اختلفوا فيه، والجمهور على أنها صلاة العصر، وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية، وقال النووي: وهو قول أكثر علماء الصحابة، وقال الماوردي: هو قول جمهور التابعين، وقال ابن عبد البر: وهو قول أكثر أهل الأثروبة، قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية.
وقد جمع الحافظ الدمياطي في ذلك كتابا سماه (كشف المغطى عن الصلاة الوسطى). وذكر فيها تسعة عشرة قولا الأول: إنها الصبح، وهو قول أبي أمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وهو قول مالك والشافعي، نص عليه في (الأم) والثاني: إنها الظهر، وهو قول زيد بن ثابت ورواه أبو داود، وروى ابن المنذر عن أبي سعيد وعائشة أنها الظهر، وبه قال أبو حنيفة في رواية. والثالث: أنها العصر، ومر الكلام فيه الآن. والرابع: أنها المغرب. نقله ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس، قال: الصلاة الوسطى هي المغرب، وبه قال قبيصة بن ذؤيب، لأنها لا تقصر في السفر، ولأن قبلها صلاتا السر، وبعدها صلاتا الجهر. والخامس: أنها جميع الصلوات أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن نافع، قال: سئل ابن عمر، فقال: هي كلهن، وبه قال معاذ ابن جبل، رضي الله تعالى عنه. السادس: أنها الجمعة ذكره ابن حبيب من المالكية. السابع: الظهر في الأيام والجمعة يوم الجمعة. الثامن: العشاء نقله بن التين والقرطبي لأنها بين صلاتين لا تقصران واختاره الواقدي. التاسع: الصبح والعشاء للحديث الصحيح في أنهما أنقل الصلاة على المنافقين، وبه قال الأبهري من المالكية. العاشر: الصبح والعصر لقوة الأدلة في أن كلا منهما قيل فيه: إنه الوسطى. الحادي عشر: صلاة الجماعة. الثاني عشر) الوتر، وصنف فيه علم الدين السخاوي جزءا. الثالث عشر: صلاة الخوف. الرابع عشر: صلاة عيد الأضحى. الخامس عشر: صلاة عيد الفطر. السادس عشر: صلاة الضحى. السابع عشر: واحدة من الخمس غير معينة، قاله سعيد بن جبير، وشريح القاضي وهو اختيار إمام الحرمين من الشافعية ذكره في (النهاية). الثامن
124
عشر: أنها الصبح أو العصر على الترديد. التاسع عشر: التوقف، وزاد بعضهم العشرين: وهي صلاة الليل، ولم يبين ما ادعاه. قوله: (شك يحيى)، هو القطان الراوي.
58 - (حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلي بهم الإمام ركعة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا فإذا صلوا الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف
125
الإمام فيكون كل واحدة من الطائفتين قد صلى ركعتين فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها قال مالك قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله
)
مطابقته للترجمة ظاهرة وفي بعض النسخ ذكر هذا الحديث بعد قوله ' وقال ابن جبير ' إلى قوله مثل عمل المؤمن وليس لذكره هنا وجه أصلا ولم أر أحدا من الشراح تعرض لذكر هذا والحديث قد مر في صلاة الخوف بوجوه مختلفة عن ابن عمر وغيره
(وقال ابن جبير وسع كرسيه علمه يقال بسطة زيادة وفضلا: أفرغ أنزل: ولا يؤده لا يثقله آدني أثقلني والآد والأيد قوة: السنة النعاس: لم يتسنه لم يتغير: فبهت ذهبت حجته: خاوية لا أنيس فيها: عروشها أبنيتها: السنة نعاس: ننشرها نخرجها. إعصار ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار. وقال ابن عباس صلدا ليس عليه شيء. وقال عكرمة وابل مطر شديد الطل الندى وهذا مثل عمل المؤمن)
وقال ابن جبير أي سعيد بن جبير في تفسير قوله * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * أن المراد من قوله كرسيه علمه وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن إدريس عن مطرف بن طريف عن جعفر ابن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير في قوله * (وسع كرسيه) * قال علمه وكذا روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال ابن جرير قال قوم الكرسي موضع القدمين ثم رواه عن أبي موسى والسدي والضحاك ومسلم البطين وقال شجاع بن مخلد في تفسيره حدثنا أبو عاصم عن سفيان عن عمار الذهبي عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سئل النبي
عن قول الله * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * قال كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر من طريق شجاع بن مخلد الفلاس فذكره قال ابن كثير وهو غلط وقد رواه وكيع في تفسيره حدثنا سفيان عن عمار الذهبي عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره انتهى (قلت) أراد بقوله غلط أن رفعه غلط وليت شعري ما الفرق بين كونه موقوفا وبين كونه مرفوعا في هذا الموضع لأن هذا لا يعلم من جهة الوقف وقال الزمخشري الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد ثم ذكر أربعة أوجه يطلبها الطالب من موضعها وكان تفسيره أولا من حيث اللغة قوله ' يقال بسطة ' أي يقال في تفسير قوله تعالى * (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) * وذلك أن الله تعالى أمر أشمويل أو يوشع أو شمعون حين طلب قومه ملكا يقاتلون به في سبيل الله * (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) * لأنه كان فقيرا سقاء أو دباغا فقال الله تعالى * (إن الله اصطفاه عليكم) * الآية و * (بسطة) * أي زيادة في العلم والجسم وهكذا فسره أبو عبيدة وعن ابن عباس نحوه وقيل نبي طالوت قوله ' أفرغ أنزل ' أشار به إلى تفسيره في قوله * (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) * وفسر * (أفرغ) * بقوله أنزل أي أنزل علينا صبرا هكذا فسره أبو عبيدة وليس هذا في رواية أبي ذر وكذا بسطة قوله * (ولا يؤده) * لا يثقله أشار به إلى تفسيره في قوله * (ولا يؤده حفظهما) * وفسره بقوله لا يثقله وهو تفسير ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقيل معناه لا يشقه قوله ' آدني ' أثقلني هو ماضي يؤد أودا
126
قوله ' والآد والأيد قوة ' هكذا فسره أبو عبيدة ويقال رجل أيد أي شديد قوي قال الله تعالى * (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) * أي ذا القوة وقال أبو زيد آد الرجل يئيد أيدا
والأيد والآد بالمد القوة وأصل آد يد قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها قوله ' السنة النعاس ' أشار به إلى ما في قوله عز وجل * (لا تأخذه سنة ولا نوم) * وهكذا فسره ابن عباس ويقال له الوسن أيضا والسنة ما يتقدم النور من الفتور الذي يسمى النعاس قوله ' لم يتسنه ' لم يتغير أشار به إلى قوله عز وجل * (فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) * وفسره بقوله لم يتغير كذا روي عن ابن عباس والسدي والهاء فيه أصلية أو هاء سكت من السنة مشتق لأن لامها هاء أو واو وقيل أصله يتسنن من الحمأ المسنون فقلبت نونه حرف علة كما في تقضي البازي ويجوز أن يكون المعنى لم يمر عليه السنون التي مرت يعني هو بحاله كما كان كأنه لم يلبث مائة سنة وفي قراءة عبد الله لم يتسن وقرأ أبي لم يسنه بإدغام التاء في السين قوله ' فبهت ذهبت حجته ' أشار به إلى قوله تعالى * (فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) * وفسر بهت بقوله ذهبت حجته أي حجة نمرود عليه اللعنة وبهت على صيغة المجهول وقرئ فبهت الذي كفر على صيغة المعلوم أي غلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام الكافر وقرأ أبو حيوة فبهت بفتح الباء وضم الهاء قوله ' خاوية لا أنيس فيها ' أشار به إلى قوله تعالى * (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها) * قيل هذا المار هو عزير عليه السلام رواه ابن أبي حاتم عن علي وقيل هو أرميا بن حليقا وقيل الخضر وقيل حزقيل بن بورا والقرية هي القدس وهو المشهور قوله ' عروشها أبنيتها ' وفي التفسير على عروشها أي ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها وذلك حين خربه بخت نصر وهذا والذي قبله ليسا في رواية أبي ذر قوله ' ننشرها نخرجها ' أشار به إلى قوله تعالى * (وانظر إلى العظام كيف ننشرها) * هكذا فسره السدي وننشرها بضم النون الأولى وقرأ الحسن بفتحها من نشر الله الموتى بمعنى أنشرهم وقرئ بالزاي يعني نحركها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب قوله ' إعصار ريح عاصف ' أشار به إلى قوله تعالى * (وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار) * وفسره بقوله ريح عاصف إلى آخره وهي التي يقال لها الزوبعة كما قاله الزجاج ويقال الإعصار الريح التي تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود ويقال الإعصار ريح شديدة فيه نار وهذا ثبت عن أبي ذر عن الحموي وحده قوله ' وقال ابن عباس صلدا ليس عليه شيء ' أشار به إلى قوله تعالى * (كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا) * وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أخبرنا منجاب بن الحارث أنبأنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس بلفظ فتركه يابسا جاسيا لا ينبت شيئا وسقط من هنا إلى آخر الباب من رواية أبي ذر وفي التفسير قال الضحاك والذي يتبع صدقته منا أو أذى مثله كمثل صفوان وهو الصخر الأملس عليه التراب فأصابه وابل وهو المطر الشديد * (فتركه صلدا) * أي أملس يابسا لا شيء عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب قوله ' وابل مطر شديد الطل الندى ' أشار به إلى قوله تعالى * (فإن لم يصبها وابل فطل) * وفسر الوابل بالمطر الشديد والطل بالندى ووصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن غياث سمعت عكرمة بهذا وفي التفسير فإن لم يصبها وابل فمطر ضعيف القطر قوله ' وهذا مثل عمل المؤمن ' أي هذا الذي ذكره عكرمة مثل عمل المؤمن يزداد عند الله إذا كان بالإخلاص ويذهب إذا كان بالرياء وإن ظهر له فيما يرى الناس * -
43
((باب: * (وقوموا لله قانتين) * أي مطيعين (البقرة: 238))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * (البقرة: 238) فسر قوله: قانتين، بقوله: مطيعين، وبه فسر ابن مسعود وابن عباس وجماعة من التابعين، ذكره ابن أبي حاتم. وعن ابن عباس: قانتين، أي: مطيعين، وقيل: عابدين، وقيل: ذاكرين، وقيل: داعين في حال القيام، وقيل: صامتين، وقيل: مقرين بالعبودية، وقيل: طائعين. وعن مجاهد: من القنوت الركوع والخشوع وطول القيام وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله تعالى.
4534 ح دثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا أخاه في حاجته حتى نزلت هاذه الآية حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فامرنا بالسكوت.
مطابقته للترجمة ظاهرة: ويحيى هو القطان، والحارث بن شبيل، بضم الشين المعجمة وفتح الياء الموحدة وسكون الباء آخر الحروف مصغر شبل ولد الأسد. وأبو عمرو وسعد بن إياس: بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف: الشيباني، بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة: المخضرمي، عاش مائة وعشرين سنة. والحديث مر في أواخر كتاب الصلاة في: باب ما ينهى عن الكلام في الصلاة، فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن إسماعيل عن الحارث إلى آخره نحوه. قوله: فأمرنا على صيغة المجهول. ومر الكلام فيه هناك.
44
((باب قوله عز وجل: * (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تعلمون) * (البقرة: 239))
أي: هذا باب فيه قوله عز وجل: * (فإن خفتم) * (البقرة: 239) الآية. أي: فإن كان بكم خوف من عدو أو غيره. قوله: (فرجالا) أي: فصلوا راجلين وهو جمع راجل كقائم وقيام. وقرئ: فرجالا بضم الراء، ورجالا بالتشديد، ورجلا. قوله: (أو ركبانا). أي: أو فصلوا ركبانا جمع راكب. قوله: (فإذا أمنتم) يعني: فإذا زال خوفكم (فاذكروا الله كما علمكم) من صلاة الأمن. قوله: (ما لم تكونوا تعلمون) أي: الذي لستم به عالمين فعلمكم وهداكم للإيمان فقاتلوا بذكر الله وشكره.
رجالا: قياما. راجل قائم
فسر قوله: (فرجالا)، بقوله قياما: ولم يتعرض لمفرده، وقد ذكرنا أن الرجال جمع راجل. كالقيام جمع قائم.
45
((باب: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * (البقرة: 240))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون) * أي: يتركون (أزواجا)، وليس في رواية غير أبي ذر الترجمة، وحديث هذا الباب قد مر قبل ثلاثة أبواب، وكان المناسب أن يذكر بلا ترجمة عند الباب المترجم بهذه الآية.
4536 ح دثني عبد الله بن الأسود حدثنا حميد بن الأسود ويزيد بن زريع قالا حدثنا حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال قال ابن الزبير قلت لعثمان هذه الآية التي في البقرة
127
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * (البقرة: 240) إلى قوله: * (غير إخراج) * قد نسختها الأخرى فلم تكتبها قال ادعها يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه قال حميد أو نحو هذا.
هذا الحديث قد مر بترجمته، وهنا رواه بطريق آخر عن عبد الله بن أبي الأسود عن عبد الله بن محمد بن أبي الأسود، وأبو الأسود اسمه حميد بن الأسود ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي البصري الحافظ، وعبد الله هذا يروي عن جده حميد بن الأسود ويروي عن يزيد بن زريع، وكلاهما يرويان عن حبيب بن الشهيد المكني بأبي الشهيد المكنى، ويقال: بأبي مرزوق الأزدي الأموي البصري يروي عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وقد تكرر ذكره. قوله: (قال ابن الزبير) هو: عبد الله بن الزبير بن العوام. قوله: (لعثمان)، هو: ابن عفان. قوله: (الأخرى) أي: الآية الأخرى وهي قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهم أربعة أشهر وعشرا) * قوله: (فلم). بكسر اللام وفتح الميم، وأصله، فلما استفهام على سبيل الإنكار. قوله: (قال) أي: عثمان. (أدعها) أي: اتركها مثبتة في المصحف (لا أغير شيئا منه) أي: مما في المصحف، فالقرينة تدل عليه. قوله: (قال حميد) أي: حميد بن الأسود الراوي عنه ابن ابنه عبد الله شيخ البخاري. قوله: (أو نحو هذا)، أي: أو نحو هذا المذكور من المتن، أراد أنه تردد فيه. وأما يزيد بن زريع فجزم بالمذكور.
46
((باب: * (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى) * (البقرة: 260))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (وإذا قال إبراهيم) *، أي: أذكر يا محمد حين قال إبراهيم: (رب) يعني: يا رب (أرني) يعني: أبصرني، أراد بهذا السؤال أن يضم علم الضروري إلى علم الاستدلالي لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين، ولأنه لما قال لنمرود: * (ربي الذي يحيي ويميت) * (البقرة: 258) أحب أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين. وأن يرى ذلك مشاهدة. فقال: (رب أرني كيف تحيي الموتى).
فصرهن قطعهن
هذا في رواية أبي ذر وحده. وأشار به إلى تفسير قوله تعالى: * (فخذ أربعة من الطير فصرهن) * وفسره بقوله: (قطعهن) قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك وأبو الأسود الدؤلي ووهب بن منبه والحسن والسدي. وقال العوفي عن ابن عباس: فصرهن إليك أوثقهن. فلما أوثقهن ذبحهن، وقيل: معناه أملهن واضممهن إليك، وقرأ ابن عباس فصرهن إليك، بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء من صره يصره إذا جمعه، وعنه: فصرهن من التصرية، والقراءة المشهورة من صاره يصوره صورا، أو صاره يصيره صيرا بمعنى: أماله.
4537 ح دثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: * (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري يروي عن يونس ابن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة. والحديث مضى في كتاب الأنبياء في: باب قوله عز وجل: * (ونبئهم عن ضيف إبراهيم) * (الحجر: 51) فإنه أخرجه هناك بالإسناد المذكور هنا عن أحمد بن صالح إلى آخره. وفي آخره: ويرحم الله عز وجل لوطا إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، وقال الكرماني هنا: كيف جاز الشك على إبراهيم، عليه السلام؟ فأجاب بأن معناه: لا شك عندنا فبالطريق الأولى أن لا يكون الشك عنده، أو كان الشك في كيفية الإحياء لا في نفس الإحياء انتهى. قلت: التحقيق هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما شهد له بالشك، وإنما مدحه لأن معناه. نحن أحق بالشك منه. والحال أنا ما شككنا فكيف يشك هو؟ وإنما شك في أنه هل يجيبه إلى سؤاله أم لا؟ وبهذا يمكن
128
أن يجاب عما سأله الكرماني، لم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق وهو أفضل؟ بل هو أحق بعدم الشك؟ وجوابه: أنه قال ذلك: تواضعا وهضما لنفسه بأنه لا يخلو عن نظير.
47
((باب قوله: * (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب) * إلى قوله * (تتفكرون) * (البقرة: 266))
أي: هذا باب في ذكر قوله: (أيود أحدكم). الآية، هذا المقدار من الآية وقع عند جميع الرواة. قوله: (أيود) الهمزة فيه للإنكار. قاله الزمخشري: وقيل: هو متصل بقوله: (ولا تبطلوا)، وهذه الآية مثل لعمل من أحسن العمل أو لا ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من
الصالح، واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه، ولهذا قال: (وأصابه الكبر) الآية. قوله: (جنة)، أي: بستان. قوله: (من نخيل)، وهو إما جمع نادرا أو اسم جنس، وإنما خص هذين بالذكر لأنهما من أكرم الشجر وأكثر المنافع. قوله: (له فيها من كل الثمرات)، أي: لأحدكم في الجنة من كل الثمرات، وإنما قال هذا بعد ذكر النخيل والأعناب تغليبا لهما على غيرهما، ثم أدرفهما بذكر الثمرات. قيل: يجوز أن يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيها. قوله: (وأصابه الكبر)، أي: والحال أنه أصابه الكبر. وقيل: عطف ماض على مستقبل قال الفراء: هو جائز لأنه يقع معها لو تقول: وددت لو ذهبت عنا. وودت أن يذهب عنا. قوله: (وله ذرية ضعفاء)، وقرئ: ضعاف. قوله: (فأصابها)، أي الجنة المذكورة. قوله: (إعصار)، وهي الريح الشديدة، وقد مر تفسيره عن قريب، ويجمع على أعاصير. قوله: (فيه نار) أي: في الإعصار نار من السموم الحارة القتالة. قوله: (وكذلك) أي: كما بين الأقاصيص والأمثال (يبين الله لكم الآيات) أي: العلامات (لعلكم تتفكرون) أي: تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها على المراد منها.
4538 ح دثنا إبراهيم أخبرنا هشام عن ابن جريج سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث عن ابن عباس قال وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير قال قال عمر رضي الله عنه يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيم ترون هاذه الآية نزلت أيود أحدكم أن تكون له جنة قالوا الله أعلم فغضب عمر فقال قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين قال عمر يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل قال ابن عباس لعمل قال عمر لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم هو ابن موسى الفراء، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، وابن جريج هو عبد العزيز بن عبد الملك ابن جريج. وأبو بكر بن أبي مليكة لا يعرف اسمه.. قاله بعضهم: وقال الكرماني: وأخوه عبد الله أيضا يكنى بأبي بكر تارة وتارة بأبي محمد، وعبيد بن عمير كلاهما مصغران أبو عاصم الليثي المكي ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وسماعه من عمر صحيح قوله: (وسمعت أخاه) هو مقول ابن جريج والحديث من أفراده.
قوله: فيم، بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف أي في أي شيء قوله: (ترون) بضم أوله. قوله: (شيء) أي: من العلم به. قوله: (مثلا) بفتحتين قال أهل البلاغة: التشبيه التمثيلي متى فشى استعماله على سبيل الاستعارة يسمى مثلا قوله: غني اسم في مقابل الفقير ويروى عني. من العناية على لفظ المجهول. قوله: (أغرق) بالغين المعجمة. أي: أضاع أعماله الصالحة بما ارتكب من المعاصي. قيل: فيه دليل للمعتزلة في مسألة إحباط الطاعة بالمعصية، ورد بأن الكفر محبط للأعمال والأغراق. لا يستلزم الإحباط.
48
((باب: * (لا يسألون الناس إلحافا) * (البقرة: 273))
.
129
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (لا يسألون الناس إلحافا) * وله * (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) * هذه الآية نزلت في أصحاب الصفة وهي سقيفة كانت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانوا أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر، يتعلمون القرآن بالليل يرضخون النوى بالنهار، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان به فضل أتى به إليهم إذا أمسى. قوله: (للفقراء) أي: اجعلوا ما تنفقون (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) أي: الجهاد (لا يستطيعون) لاشتغالهم به (ضربا في الأرض) يعني سفرا للتسبب في المعاش. قوله: (يسبهم الجاهل) أي: الجاهل بحالهم (أغنياء من التعفف) أي: من أجل تعففهم عن المسألة. قوله: (تعرفهم) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لكل راغب في معرفة حالهم قوله: (بسيماهم) أي: بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم. صفرة الوجه ورثاثة الحال. قوله: (لا يسألون الناس) أي: من صفاتهم أن لا يسألون الناس (إلحافا) أي: إلحاحا وهو اللزوم، وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه، وانتصابه على أنه صفة مصدر محذوف أي: سؤالا لحاحا بمعنى: ملحا وقال بعضهم: وانتصاب: الحافا، على أنه مصدر في موضع الحال أي: لا يسألون في حال الإلحاف، أو: مفعول لأجله أي: لا يسألون لأجل الإلحاف انتهى. (قلت): ليس فيما قاله صواب إلا قوله: على أنه مصدر، فقط يفهمه من له ذوق من التصرف في الكلام. (فإن قلت) هذه الصفة تقتضي السؤال بالتلطف دون الإلحاح. وقوله: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) يقتضي نفي السؤال مطلقا. (قلت): الجواب المرضي أن يقال: لو فرض السؤال منهم لكان على وجه التلطف فلا يقتضي وجوده لأن المحال يفرض كثيرا ولا يلزم من فرضه وجوده.
يقال الحف علي وألح علي وأحفاني بالمسألة فيحفكم يجهدكم
أشار به إلى أن قوله الحف علي وألح علي وأحفاني بالمسألة بمعنى واحد، وكذا فسره أبو عبيدة، والإلحاف من قولهم: ألحفني من فضل لحافه. أي: غطاني من فضل ما عنده، وقيل: اشتقاقه من اللحاف لاشتماله على وجود الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في الغطية. قوله: (وأحفاني)، من قولهم: أحفى فلان بصاحبه وحفى به وحفي له إذا بالغ في السؤال. قوله: (فيحفكم) أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا يسألكم أموالكم إن يسألوكموها فيحفكم تبخلوا) * (محمد: 37) وفسر قوله فيحفكم بقوله: يجهدكم يعني: يجهدكم في السؤال بالإلحاح.
4539 ح دثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني شريك بن أبي نمر أن عطاء ابن يسار وعبد الرحمان بن أبي عمرة الأنصاري قالا سمعنا أبا هريرة رضي الله
عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس المسكين الذي ترده الثمرة والثمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف واقرؤوا إن شئتم يعني قوله تعالى: * (لا يسألون الناس إلحافا) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم أبو محمد المصري، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير أخو إسماعيل، وشريك بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور مر في العلم، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
والحديث مر في كتاب الزكاة في: باب قول الله تعالى: * (لا يسألون الناس إلحافا) * عن أبي هريرة من وجهين (الأول): عن حجاج بن منهال عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة (والثاني): عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (يتعفف)، أي: يحترز عن السؤال ويحسب الجاهل غنيا. قوله: (واقرؤوا إن شئتم)، يعني: قوله: (لا يسألون الناس إلحافا) قائل قوله: يعني، هو سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري، وذلك الإسماعيلي في روايته فإنه أخرجه عن الحسن بن سفيان عن حميد بن زنجويه عن سعيد بن أبي مريم بسنده، وقال في آخره: (قلت): لسعيد بن أبي مريم
130
ما يقرأ؟ يعني في قوله: (واقرؤوا إن شئتم)؟ قال: * (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) * (البقرة: 273) الآية.
49
((باب: * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * (البقرة: 275))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * وأوله: * (والذين يأكلون الربا لا يقومون) * إلى آخر الآية، ولما ذكر الله تعالى قبل هذه الآية الأبرار المؤدين النفقات المخرجين الزكوات، شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات ووصفهم بما وصفهم في الآية الكريمة. ولما قالوا: (إنما البيع مثل الربا) أنكر الله عليهم تسويتهم بين البيع والربا فقال: * (وأحل الله البيع وحرم الربا) *. قال الزمخشري: فيه دلالة على أن القياس يهدمه النص لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهما إحلال الله وتحريمه.
المس الجنون
فسر المس المذكور في الآية وهو قوله: * (ويتخطبه الشيطان من المس) * بالجنون. وهكذا فسره الفراء ومجاهد والضحاك وابن أبي نجيح وابن زيد.
4540 ح دثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس ثم حرم التجارة في الخمر.
مطابقته للترجمة ظاهرة والأعمش سليمان، ومسلم هو ابن صبيح أبو الضحى الكوفي. والحديث قد مر في كتاب البيع في: باب أكل الربا، فإنه أخرجه عن غندر عن شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة. قوله: (قرأها) أي الآيات.
50
((باب: * (يمحق الله الربا) * يذهبه (البقرة: 276))
أي: هذا باب فيه قوله: * (يمحق الله الربا) * وفسر يمحق بقوله يذهبه. وقال الزمخشري: يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه، وعن ابن مسعود: الربا وإن كثر إلا وقل. قلت: هذا رواه ابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم مرفوعا.
4541 ح دثنا بشر بن خالد أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان سمعت أبا الضحى يحدث عن مسروق عن عائشة أنها قالت لما أنزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله فتلاهن في المسجد فحرم التجارة في الخمر.
هذا الحديث هو المذكور في الباب السابق من وجه آخر، وفيه بعض زيادة كما نرى أخرجه عن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة، ابن خالد أبي محمد العسكري الفرائضي عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح إلى آخره، ومضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في: باب تحريم تجارة الخمر في المسجد، أخرجه عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة إلى آخره.
51
((باب: * (فأذنوا بحرب) * فاعلمو (البقرة: 279))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (فاذنوا) * وأوله: (فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله) وله: فاذنوا أي: فاعلموا بها. من آذن بالشيء إذا أعلم به. وقرئ فآذنوا بالمد أي: فاعملوا بها غيركم. وهو من الإذن، بفتحتين وهو الاستماع لأنه من طريق العلم، وقرأ الحسن. رحمه الله: فأيقنوا. قال ابن عباس: فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله. وعن سعيد بن جبير: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا إن هؤلاء الصيارفة قد أكلوا الربا وأنهم أذنوا بحرب من الله ورسوله، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم، فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح.
131
52
((باب: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * الآية (البقرة: 280))
هذا المقدار وقع في رواية أبي ذر وغيره، ساق الآية كلها أي: وإن كان الذي عليه دين الربا معسرا فنظرة أي: فالحكم أو الأمر نظرة. أي: انتظار إلى ميسرة. أي: يسار، وذكر الواحدي أن بني عمرو قالوا لبني المغيرة: هاتوا رؤوس أموالنا فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة. فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة فأبوا أن يؤخروا. فنزلت وزعم ابن عباس وشريح. أن الأنظار في دين الربا خاصة واجب، ويقال: هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر فيما عليه من الديون، وإن كان حرا، وقد قيل: إنه كان يباع فيه في أول الإسلام ثم نسخ، وذهب الليث بن سعد إلى أنه يؤجر ويقضى دينه من أجرته وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز ورواية عن أحمد، وقال الإسماعيلي: لا وجه لدخول هذه الآية في هذا الباب، وأجيب: بأن هذه الآية متعلقة بآيات الربا فلذلك ذكرها معها.
وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون
أي: وأن تتصدقوا برؤوس أموالكم على من أعسر غرمائكم خير لكم لا كما كان أهل الجاهلية. يقول أحدهم لمدينة إذا دخل عليه الدين: إما أن تقتضي وإما أن تربي.
4543 وقال لنا محمد بن يوسف عن سفيان عن منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت لما أنزلت الآيات من آخر سورة البقرة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن علينا ثم حرم التجارة في الخمر.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور، وهو معلق قوله: قال محمد بن يوسف هكذا رواية أبي ذر وفي رواية غيره قال لنا محمد بن يوسف هو الفريابي هو الثوري، والبقية ذكروا عن قريب.
53
((باب: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * (البقرة: 281))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) قرىء: ترجعون، على البناء للفاعل والمفعول وقرئ: يرجعون بالياء على طريقة الالتفات، وقرأ عبد الله تردون وقرأ أبي تصيرون، والجمهور على أن المراد من اليوم المحذر منه هو يوم القيامة، وقال بعضهم يوم الموت.
4544 ح دثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن عاصم عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا.
قيل: لا مطابقة بين الترجمة والحديث على ما لا يخفى، وأجيب بأنه روي عن ابن عباس أيضا من وجه آخر: أن آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * أخرجه الطبري من طرق عنه، ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس. قلت: يعني بالإشارة فافهم.
وسفيان هو الثوري، وعاصم هو ابن سليمان الأحول والشعبي هو عامر بن شراحيل.
قوله عن ابن عباس، كذا قال عاصم عن الشعبي، وخالفه داود بن أبي هند عن الشعبي. قال: عن عمر أخرجه الطبري بلفظ كان من آخر ما نزل من القرآن آيات الربا، وهو منقطع لأن الشعبي لم يلق عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا) وفي (تفسير عبد بن حميد) عن الضحاك آخر آية نزلت * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * في رواية أبي صالح عنه: نزلت بمكة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، بعدها بأحد وثمانين يوما وقيل: نزلت يوم النحر بمنى في حجة الوداع، وفي (تفسير ابن أبي حاتم) من حديث ابن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير. قال: عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية الكريمة تسع ليال، وعند مقاتل: سبع ليال، وهي آخر آية نزلت، وعند القرطبي: ثلاث
132
ليال، وقيل: ثلاث ساعات، وقال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها بين آية الربا وآية الدين، وقيل: أنه صلى الله عليه وسلم، عاش بعدها أحد وعشرين يوما. فإن قلت: ما التوفيق بين قولي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، المذكورين؟ قلت: طريق الجمع بينهما أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا لأنها معطوفة عليها فتدخل في حكمها. فإن قلت: روى عن البراءان آخر آية نزلت: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (النساء: 176) على ما سيأتي في آخر سورة النساء، فما الجمع بينهما؟ قلت: قيل بأن الآيتين نزلتا جميعا فيصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداهما. وفيه تأمل. قلت: إن الآخرية أمر نسبي كالأولية فلا يخفى صدق الآخرية على شيء بالنسبة إلى ما قبله. وكذا يجاب عما قال أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه، آخر آية نزلت * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) * (التوبة: 128).
54
((باب: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) * (البقرة: 284))
.
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (وإن تبدوا ما في إنفسكم) * إلى آخره هكذا في رواية الأكثرين أن الآية المذكورة سبقت إلى آخرها وفي رواية أبي ذر إلى قوله: (أو تخفوه) في (تفسير ابن المنذر) عن ابن عباس ومولاه نزلت هذه الآية في كتمان الشهادة. وقال ابن أبي حاتم وروى عن الشعبي ومقسم مثله وفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة: لما نزلت هذه الآية الكريمة قالت الصحابية يا رسول الله، كافنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة. وقد أنزلت هذه الآية لانطيقها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: * (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) * (البقرة: 285) فلما أقرأها القوم زلت ألسنتهم فأنزل الله عز وجل: * (آمن الرسول) * إلى * (وإليك المصير) * فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل * (لا
يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 286) إلى قوله: * (أخطأنا) * وعند الواحدي الصحابة الذين قالوا ذلك أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار، رضي الله تعالى عنهم، فقالوا: ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت. فقولوا: سمعنا وأطعنا. فمكثوا بذلك حولا فأنزل الله عزل وجل الفرج والراحة بقوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فنسخت هذه الآية ما قبلها. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا به، وعند النحاس، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هذه الآية لم تنسخ، ووجه ما قاله بأن هذه الآية خبر، والأخبار لا يلحقها ناسخ ولا منسوخ. قيل: ومن زعم أن من الأخبار ناسخا هذه الآية لم تنسخ، ووجه ما قاله بأن هذه الآية خبر، والأخبار لا يلحقها ناسخ ولا منسوخ قيل: ومن زعم أن من الأبخار ناسخا ومنسوخا فقد ألحد وأجهل. وأجيب بأنه وإن كان خبرا لكنه يتضمن حكما ومهما كان من الأخبار ما يتضمن حكما أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار وما كان خبرا محضا لا يتضمن حكما كالأخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك: وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالنسخ في الحديث التخصيص، فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيرا وفي (تفسير ابن أبي حاتم) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذه الآية لم تنسخ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول إني أخبركم ما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم، وأما أهل الريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله: * (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) *.
4545 ح دثنا محمد حدثنا النفيلي حدثنا مسكين عن شعبة عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمر أنها قد نسخت * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) * الآية
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد شيخ البخاري الذي ذكره مجردا هو ابن يحيى الذهلي قال الكلاباذي وقال الحاكم هو محمد بن إبراهيم البوشنجي وقيل كلام أبي نعيم يقتضى أنه محمد بن إدريس أبي حاتم الرازي فإنه أخرجه من طريقه ثم قال أخرجه البخاري عن محمد عن النفيلي وقاله الجياني كذا هو في أكثر النسخ يعني حدثنا محمد حدثنا النفيلي وسقط من كتاب ابن السكن -.
133
ذكر محمد، وإنما فيه حدثنا النفيلي وهو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل البخاري، والصواب ثبوته، وزعم ابن السكن أن محمدا هو البخاري فحذفه، وليس كذلك، ومسكين أخو الفقير بن بكير مصغر بكر أبو عبد الرحمن الحراني، بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبالنون نسبة إلى حران مدينة بالشرق واليوم خرابة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وليس له في البخاري إلا هذا ومروان الأصفر، ويقال له الأحمر أيضا وقد تقدم في الحج وليس له إلا هذا الحديث وآخر في الحج.
قوله: (عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)، وهو ابن عمر، أبهم أولا ثم أوضح ثانيا بأنه عبد الله بن عمر، قال الكرماني: هذا التوضيح من الراوي عن مروان، أو تذكر بعد نسيانه، وقال بعضهم: لم يتضح لي من هو الجازم بأنه ابن عمر. فإن الرواية الآتية بعد هذه بلفظ: أحسبه ابن عمر. قلت: لا يحتاج إلى إيضاح الجازم إياه لأنه أحد رواه الحديث على كل حال. وهم ثقات، وقد جزم في هذه الرواية بأنه ابن عمر. وقوله في الرواية الأخرى: أحسبه يحتمل أن يكون قبل جزمه بأنه ابن عمر فلما تحقق ابن عمر ذكره بالجزم. وقال ابن التين إن ثبت هذا عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، فمعنى النسخ هنا العفو والوضع. قوله: (أنها نسخت)، ويروى أنه قال أنها نسخت، أي: أن قوله: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * وقوله: (وإن تبدوا) إلى آخره بيان لما قبله، وهو أن المنسوخ هو قوله: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * فإن قلت: روى أحمد من طريق مجاهد. قال: دخلت على ابن عباس. فقلت: عبد الله بن عمر، فقرأ * (وإن تبدوا ما في أنفسكم يحاسبكم به الله) * فبكى. وقال ابن عباس: إن هذه الآية لما نزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، غما شديدا. وقالوا: يا رسول الله! هلكنا، فإن قلوبنا ليست بأيدينا فقال: قولوا سمعنا وأطعنا. فقالوا: فنسختها هذه الآية: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * انتهى. فهذا يدل على أن ابن عمر لم يطلع على كون هذه الآية منسوخة. قلت: أجيب بأنه يمكن أن ابن عمر لم يكن عرف القصة أولا. ثم لما تحقق ذلك جزم بالنسخ، فيكون مرسل صحابي.
55
((باب: * (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) * (البقرة: 284))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) * إلى آخر السورة. قوله: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه)، إخبار من الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (فإن قلت) قال: آمن الرسول بما أنزل إليه، ولم يقل: آمن الرسول بالله، وقال: * (والمؤمنون كل آمن بالله) * (قلت): الكفر ممتنع في حق الرسول وغير ممتنع في حق المؤمنين. قوله: (والمؤمنون)، عطف على الرسول. قوله: (كل آمن بالله) إخبار عن الجميع، والتقدير: والمؤمنون كلهم آمنوا بالله وملائكته وكتب المنزلة، وإن كان بعضهم نسخ شريعة بعض بإذن الله تعالى. قوله: * (لا نفرق) * أي: تقولون لا نفرق، وعن أبي عمر: لا يفرق، بالياء، على أن الفعل لكل واحد، وقرأ عبد الله، لا يفرقون. قوله: * (وقالوا سمعنا) * أي: أجبنا قوله: * (غفرانك) * منصوب بإضمار فعله فقال: غفرانك لا كفرانك. أي: نستغفرك ولا نكفرك. قوله: (نفسا إلا وسعها) الوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، والنفس يعم الملك والجن والإنس، قاله ابن الحصار. قوله: (لها ما كسبت) خص الخير بالكسب. والشر بالاكتساب لأن في الاكتساب اعتمالا وقصدا وجهدا. قوله: (إن نسينا) المراد بالنسيان الذي هو السهو. وقيل: الترك والإغفال. قال الكلبي: كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمرهم الله به أو أخطأوا أعجلت لهم العقوبة فيحرم عليهم شيء من المطعم والمشرب على حسب ذلك الذنب، فأمر الله تعالى نبيه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك. قوله: (وأخطأنا) قيل: من القصد والعمد. وقيل: من الخطأ الذي هو الجهل والسهو، وقال ابن زيد
: إن نسينا شيئا مما افترضته علينا. أو أخطأنا شيئا مما حرمته علينا. (فإن قلت): النسيان والخطأ متجاوز عنهما. فما فائدة الدعاء بترك المؤاخذة بهما؟ (قلت): المراد استدامته والثبات عليه كما في قوله: * (اهدنا الصراط المستقيم) * (الفاتحة: 6) وتفسير: الإصر. يأتي الآن. قوله: (على الذين من قبلنا) وهم اليهود، وهو الشيء الذي يشق، وذلك أن الله تعالى فرض عليهم خمسين صلاة وأمره بأدائهم ربع أموالهم في الزكاة ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ومن أصاب منهم ذنبا أصبح وذنبه مكتوب على بابه ونحوه من الأثقال والأغلال التي كانت عليهم. قوله: * (لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * فيه
134
سبعة أقوال: (الأول): ما لا يطاق ويشق من الأعمال. (الثاني): العذاب. (الثالث): حديث النفس والوسوسة. (الرابع): الغلمة وهي شدة شهوة الجماع، لأنها ربما جرت إلى جهنم. (الخامس): المحبة حكي أن ذا النون تكلم في المحبة فمات أحد عشر نفسا في المجلس. (السادس): شماتة الأعداء. قال الله تعالى إخبارا عن موسى وهارون عليهما السلام: ولا تشمت بي الأعداء. (السابع): الفرقة والقطيعة. قوله: * (واعف عنا) * (البقرة: 286) أي: تجاوز عنا (واغفر لنا) أي: استر علينا (وارحمنا) أي: لا توقعنا بتوفيقك في الذنوب (أنت مولانا) أي: ناصرنا وولينا * (وانصرنا على القوم الكافرين) * الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك وعبدوا غيرك.
وقال ابن عباس إصرا عهدا
هذا وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: * (ولا تحمل علينا إصرا) * أي: عهدا قلت: المراد بالعهد الميثاق الذي لا نطيقه ولا نستطيع القيام به. وقال الزمخشري: الإصر العبء الذي يأصر حامله أي يحبسه مكانه لا يستقل لثقله. وعن ابن عباس (لا تحمل علينا إصرا) لا تمسخنا قردة ولا خنازير، وقيل: ذنبا لي فيه توبة ولا كفارة وقرئ آصار، على الجمع.
ويقال: غفرانك مغفرتك فاغفر لنا
هذا تفسير أبي عبيدة. قلت: كل واحد من الغفران والمغفرة مصدر: وقد مضى الآن وجه النصب.
4546 ح دثني إسحاق أخبرنا روح أخبرنا شعبة عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحسبه ابن عمر * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) * قال نسختها الآية التي بعدها.
هذا طريق آخر في الحديث السابق، قبل هذا الباب، ومضى الكلام فيه، وإسحاق هو ابن منصور، ذكره أبو نعيم وأبو مسعود وخلف وروح بن عبادة. قوله: (الآية) التي بعدها هي قوله تعالى: * (لا يكلف نفسا إلا وسعها) *.
3
((* (سورة آل عمران) *))
أي: هذا تفسير سورة آل عمران.
كذا وقع في رواية أبي ذر دون غيره. وهو حسن لأن ابتداء الأمر ببسم الله الرحمان الرحيم يتبارك فيه: ولما فرغ من بيان سورة البقرة شرع في تفسير سورة آل عمران، وابتدأ بالبسملة لما ذكرنا، ولقوله صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال الحديث وهو مشهور.
((باب: تقاة وتقية واحدة))
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) * (آل عمران: 28) والمعنى مرتبط بما قبله. وهو أول الآية: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك) * يعني: ومن يوالي الكفار. (فليس من الله في شيء) يقع عليه اسم الولاة. (إلا أن تتقوا منهم تقاة). يعني: إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه، وانتصاب: تقاة. على أنه مفعول تتقوا، ويجوز أن يكون، تتقوا، متضمنا معنى: تخافوا، كما ذكرنا ويكون: تقاة. نصبا على التعليل، ومعنى قول البخاري: تقاة وتقية واحدة، يعني: كلاهما مصدر بمعنى واحد. قرىء في موضع تقاة تقية، والعرب إذا كان معنى الكلمتين واحدا، واختلف اللفظ يخرجون مصدر أحد اللفظين على مصدر اللفظ الآخر، وكان الأصل هنا أن يقال: إلا أن تتقوا منهم اتقاء، وهنا أخرج كذلك لأن تقاة مصدر: تقيت فلانا، ولم يخرج على مصدر: اتقيت، لأن مصدر اتقيت اتقاء وتقاة وتقية وتقى وتقوى، كلها مصادر تقيته،
135
بمعنى واحد، يقال: تقى يتقي. مثل رمى يرمى، وأصل التاء الواو لأنها في الأصل من الوقاية، ومن كثرة استعمالها بالتاء يتوهم أن التاء من نفس الحروف.
صر برد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (مثل ما ينفقون في هذه الحيواة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا) * (آل عمران: 117) الآية وفسر الصبر بقوله برد، والصر بكسر الصاد وتشديد الراء وهو الريح الباردة نحو الصرصر.
شفا حفرة مثل شفا الركية وهو حرفها
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) * (آل عمران: 103). قال الزمخشري: معناه. وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر فأنقذكم منها بالإسلام قوله: (مثل شفا الركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف. وهي البئر، والشفا، بفتح الشين المعجمة وتخفيف الفاء الحرف وهو معنى قوله: (وهو حرفها)، بفتح الحاء المهملة وسكون الراء، وهكذا رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي بضم الجيم والراء.
تبويء تتخذ معسكرا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال) * (آل عمران: 121) وفسره بقوله: تتخذ معسكرا. وفسره أبو عبيدة كذلك، والمقاعد جمع مقعد وهو موضوع القعد.
المسوم الذي له سيما بعلامة أو بصوفة أو بما كان
أشار به إلى قوله تعالى: * (والخيل المسومة والأنعام والحرث) * (آل عمران: 141). قال الزمخشري: الخيل المسومة المعلمة من السومة وهي العلامة أو المطهمة أو المرعية من أسام الدابة وسومها وعن ابن عباس: المسومة الراعية المطهمة الحسان، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبزى والسدي والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم، وقال مكحول: المسومة الغرة والتحجيل. قوله: (المسوم الذي له سيما)، بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالميم المخففة هو العلامة قوله: (أو بما كان) أي: أو بأي شيء كان من العلامات.
وقال مجاهد والخيل المسومة المطهمة الحسان
هذا التعليق رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال الأصمعي المطهم التام كل شيء منه على حدته فهو رباع الجمال، يقال: رجل مطهم وفرس مطهم.
ريبون الجميع والواحد ربي
أشار به إلى قوله تعالى: * (وكأين من نبي قاتل معه ربيون) * (آل عمران: 146) قال المفسرون الربيون الربانيون، وقرئ بالحركات الثلاث الفتح، على القياس، والضم والكسر من تغييرات النسب. قوله: (الجميع) ويروى الجمع أي جمع الربيون ربى، وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود، ربيون كثير أي: ألوف وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني: الربيون الجموع الكثيرة، وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن ربيون كثير أي: علماء كثيرون، وعنه أيضا: علماء صبراء أبرار أتقياء، وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب، عز وجل قال: وقد رد بعضهم عليه فقال: لو كان كذلك لقيل، ربيون، بالفتح انتهى. قلت: لا وجه للرد لأنا قلنا: إن الكسرة من تغييرات النسب.
تحسونهم تستأصلونهم قتلا
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) * (آل عمران: 156) وفسر: تحسونهم بقوله: تستأصلونهم: من الاستئصال وهو القلع من الأصل، وفي التفسير: إذ تحسونهم أي: تقتلونهم قتلا ذريعا.
غزا واحدها غاز
أشار به إلى قوله تعالى: * (وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا) * (آل عمران: 156) الآية. وغزا، بضم الغين وتشديد الزاي جمع غاز كعفى جمع عاف. وقال بعضهم: غزا واحدها غاز. تفسير أبي عبيدة. قلت: مثل هذا لا يسمى تفسيرا في اصطلاح أهل التفسير، غاية ما في الباب أنه قال جمع غاز. وأصل غاز غازي فأعل إعلال قاض. وقرأ الحسن غزا بالتخفيف. وقيل: أصله غزاة فحذف الهاء، وفيه نظر.
سنكتب سنحفظ
أشار به إلى قوله تعالى: * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا) * (آل عمران: 181) الآية. وفسر: سنكتب، بقوله سنحفظ. أي: سنحفظه وتثبته في علمنا، وفي التفسير: (سنكتب ما قالوا) في صحائف الحفظة، وقرأ حمزة: (سيكتب). بضم الياء آخر الحروف على البناء للمجهول، وتفسير البخاري تفسير باللازم لأن الكتابة تستلزم الحفظ.
نزلا ثوابا ويجوز ومنزل من عند الله كقولك أنزلته
أشار به إلى قوله تعالى: * (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) * (آل عمران: 198) وفسر: نزلا، بقوله: ثوابا. وفسره في التفسير. بقوله: أي ضيافة من الله، والنزل: بسكون الزاي وضمها ما يقدم للنازل. وقال الزمخشري: وانتصابه إما على الحال من: جنات، لتخصصها بالوصف، والعامل اللام، ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد كأنه قيل: رزقا أو عطاء، من عند الله. قوله: (ويجوز: ومنزل من عند الله) أراد به أن نزلا الذي هو المصدر يكون بمعنى منزلا على صيغة اسم المفعول من قولك: أنزلته. ويكون المعنى: لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها منزلة، يعني: معطى لهم منزلا من عند الله كما يعطى الضيف النزل وقت قدومه.
وقال ابن جبير: وحصورا لا يأتي النساء
أشار به إلى قوله تعالى: * (إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) * (آل عمران: 39) وقال سعيد ابن جبير معنى حصورا لا يأتي النساء، ووصل هذا المعلق عبد فقال: حدثنا جعفر بن عبد الله السلمي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وأبي الشعثاء أنهم قالوا: السيد الذي يغلب غضبه، والحصور الذي لا يغشى النساء، وأصل الحصر الحبس والمنع يقال لمن لا يأتي النساء وهو أعم من أن يكون بطبعه كالعنين أو المجاهدة نفسه وهو الممدوح وهو المراد في وصف السيد يحيى، عليه الصلاة والسلام.
وقال عكرمة من فورهم من غضبهم يوم بدر
أشار به إلى قوله تعالى: * (بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا) * (آل عمران: 125) الآية، وفسر عكرمة مولى ابن عباس: من فوره، بقوله: من غضبهم، وهذا التعليق وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة، قال: فورهم، ذلك كان يوم أحد غضبوا ليوم بدر مما لقوا.
136
وقال مجاهد يخرج الحي النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي
أشار به إلى قوله تعالى: * (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) * (آل عمران: 27) قال مجاهد: تخرج الحي، معناه النطفة تخرج حال كونها ميتة. ويخرج من تلك الميتة الحي، وهذا التعليق وصله محمد بن جرير عن القاسم. حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد، وحكاه أيضا عن ابن مسعود والضحاك والسدي وإسماعيل بن أبي خالد وقتادة وسعيد بن جبير، وفي (تفسير ابن كثير) يخرج الحبة من الزرع والزرع من الحبة والنخلة من النواة والنواة من النخلة والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة. وقال الحسن: يخرج المؤمن الحي من الكافر الميت. قوله: (النطفة) مبتدأ وتخرج، جملة في محل الرفع خبره، وميتة نصب على الحال من الضمير الذي في تخرج.
الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس أراه إلى أن تغرب
أشار به إلى قوله: * (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والأبكار) * (آل عمران: 41). وقال الزمخشري: العشى من حين تزول الشمس إلى أن تغيب والأبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى وقرئ والأبكار بفتح الهمزة جمع بكر كشجر وأشجار.
3
((* (سورة آل عمران) *))
أي: هذا تفسير سورة آل عمران.
كذا وقع في رواية أبي ذر دون غيره. وهو حسن لأن ابتداء الأمر ببسم الله الرحمان الرحيم يتبارك فيه: ولما فرغ من بيان سورة البقرة شرع في تفسير سورة آل عمران، وابتدأ بالبسملة لما ذكرنا، ولقوله صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال الحديث وهو مشهور.
((باب: تقاة وتقية واحدة))
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) * (آل عمران: 28) والمعنى مرتبط بما قبله. وهو أول الآية: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك) * يعني: ومن يوالي الكفار. (فليس من الله في شيء) يقع عليه اسم الولاة. (إلا أن تتقوا منهم تقاة). يعني: إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه، وانتصاب: تقاة. على أنه مفعول تتقوا، ويجوز أن يكون، تتقوا، متضمنا معنى: تخافوا، كما ذكرنا ويكون: تقاة. نصبا على التعليل، ومعنى قول البخاري: تقاة وتقية واحدة، يعني: كلاهما مصدر بمعنى واحد. قرىء في موضع تقاة تقية، والعرب إذا كان معنى الكلمتين واحدا، واختلف اللفظ يخرجون مصدر أحد اللفظين على مصدر اللفظ الآخر، وكان الأصل هنا أن يقال: إلا أن تتقوا منهم اتقاء، وهنا أخرج كذلك لأن تقاة مصدر: تقيت فلانا، ولم يخرج على مصدر: اتقيت، لأن مصدر اتقيت اتقاء وتقاة وتقية وتقى وتقوى، كلها مصادر تقيته، بمعنى واحد، يقال: تقى يتقي. مثل رمى يرمى، وأصل التاء الواو لأنها في الأصل من الوقاية، ومن كثرة استعمالها بالتاء يتوهم أن التاء من نفس الحروف.
صر برد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (مثل ما ينفقون في هذه الحيواة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا) * (آل عمران: 117) الآية وفسر الصبر بقوله برد، والصر بكسر الصاد وتشديد الراء وهو الريح الباردة نحو الصرصر.
شفا حفرة مثل شفا الركية وهو حرفها
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) * (آل عمران: 103). قال الزمخشري: معناه. وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر فأنقذكم منها بالإسلام قوله: (مثل شفا الركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف. وهي البئر، والشفا، بفتح الشين المعجمة وتخفيف الفاء الحرف وهو معنى قوله: (وهو حرفها)، بفتح الحاء المهملة وسكون الراء، وهكذا رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي بضم الجيم والراء.
تبويء تتخذ معسكرا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال) * (آل عمران: 121) وفسره بقوله: تتخذ معسكرا. وفسره أبو عبيدة كذلك، والمقاعد جمع مقعد وهو موضوع القعد.
المسوم الذي له سيما بعلامة أو بصوفة أو بما كان
أشار به إلى قوله تعالى: * (والخيل المسومة والأنعام والحرث) * (آل عمران: 141). قال الزمخشري: الخيل المسومة المعلمة من السومة وهي العلامة أو المطهمة أو المرعية من أسام الدابة وسومها وعن ابن عباس: المسومة الراعية المطهمة الحسان، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبزى والسدي والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم، وقال مكحول: المسومة الغرة والتحجيل. قوله: (المسوم الذي له سيما)، بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر
الحروف وبالميم المخففة هو العلامة قوله: (أو بما كان) أي: أو بأي شيء كان من العلامات.
وقال مجاهد والخيل المسومة المطهمة الحسان
هذا التعليق رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال الأصمعي المطهم التام كل شيء منه على حدته فهو رباع الجمال، يقال: رجل مطهم وفرس مطهم.
ريبون الجميع والواحد ربي
أشار به إلى قوله تعالى: * (وكأين من نبي قاتل معه ربيون) * (آل عمران: 146) قال المفسرون الربيون الربانيون، وقرئ بالحركات الثلاث الفتح، على القياس، والضم والكسر من تغييرات النسب. قوله: (الجميع) ويروى الجمع أي جمع الربيون ربى، وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود، ربيون كثير أي: ألوف وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني: الربيون الجموع الكثيرة، وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن ربيون كثير أي: علماء كثيرون، وعنه أيضا: علماء صبراء أبرار أتقياء، وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب، عز وجل قال: وقد رد بعضهم عليه فقال: لو كان كذلك لقيل، ربيون، بالفتح انتهى. قلت: لا وجه للرد لأنا قلنا: إن الكسرة من تغييرات النسب.
تحسونهم تستأصلونهم قتلا
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) * (آل عمران: 156) وفسر: تحسونهم بقوله: تستأصلونهم: من الاستئصال وهو القلع من الأصل، وفي التفسير: إذ تحسونهم أي: تقتلونهم قتلا ذريعا.
136
غزا واحدها غاز
أشار به إلى قوله تعالى: * (وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا) * (آل عمران: 156) الآية. وغزا، بضم الغين وتشديد الزاي جمع غاز كعفى جمع عاف. وقال بعضهم: غزا واحدها غاز. تفسير أبي عبيدة. قلت: مثل هذا لا يسمى تفسيرا في اصطلاح أهل التفسير، غاية ما في الباب أنه قال جمع غاز. وأصل غاز غازي فأعل إعلال قاض. وقرأ الحسن غزا بالتخفيف. وقيل: أصله غزاة فحذف الهاء، وفيه نظر.
سنكتب سنحفظ
أشار به إلى قوله تعالى: * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا) * (آل عمران: 181) الآية. وفسر: سنكتب، بقوله سنحفظ. أي: سنحفظه وتثبته في علمنا، وفي التفسير: (سنكتب ما قالوا) في صحائف الحفظة، وقرأ حمزة: (سيكتب). بضم الياء آخر الحروف على البناء للمجهول، وتفسير البخاري تفسير باللازم لأن الكتابة تستلزم الحفظ.
نزلا ثوابا ويجوز ومنزل من عند الله كقولك أنزلته
أشار به إلى قوله تعالى: * (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) * (آل عمران: 198) وفسر: نزلا، بقوله: ثوابا. وفسره في التفسير. بقوله: أي ضيافة من الله، والنزل: بسكون الزاي وضمها ما يقدم للنازل. وقال الزمخشري: وانتصابه إما على الحال من: جنات، لتخصصها بالوصف، والعامل اللام، ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد كأنه قيل: رزقا أو عطاء، من عند الله. قوله: (ويجوز: ومنزل من عند الله) أراد به أن نزلا الذي هو المصدر يكون بمعنى منزلا على صيغة اسم المفعول من قولك: أنزلته. ويكون المعنى: لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها منزلة، يعني: معطى لهم منزلا من عند الله كما يعطى الضيف النزل وقت قدومه.
وقال ابن جبير: وحصورا لا يأتي النساء
أشار به إلى قوله تعالى: * (إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) * (آل عمران: 39) وقال سعيد ابن جبير معنى حصورا لا يأتي النساء، ووصل هذا المعلق عبد فقال: حدثنا جعفر بن عبد الله السلمي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وأبي الشعثاء أنهم قالوا: السيد الذي يغلب غضبه، والحصور الذي لا يغشى النساء، وأصل الحصر الحبس والمنع يقال لمن لا يأتي النساء وهو أعم من أن يكون بطبعه كالعنين أو المجاهدة نفسه وهو الممدوح وهو المراد في وصف السيد يحيى، عليه الصلاة والسلام.
وقال عكرمة من فورهم من غضبهم يوم بدر
أشار به إلى قوله تعالى: * (بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا) * (آل عمران: 125) الآية، وفسر عكرمة مولى ابن عباس: من فوره، بقوله: من غضبهم، وهذا التعليق وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة، قال: فورهم، ذلك كان يوم أحد غضبوا ليوم بدر مما لقوا.
وقال مجاهد يخرج الحي النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي
أشار به إلى قوله تعالى: * (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) * (آل عمران: 27) قال مجاهد: تخرج الحي، معناه النطفة تخرج حال كونها ميتة. ويخرج من تلك الميتة الحي، وهذا التعليق وصله محمد بن جرير عن القاسم. حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد، وحكاه أيضا عن ابن مسعود والضحاك والسدي وإسماعيل بن أبي خالد وقتادة وسعيد بن جبير، وفي (تفسير ابن كثير) يخرج الحبة من الزرع والزرع من الحبة والنخلة من النواة
والنواة من النخلة والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة. وقال الحسن: يخرج المؤمن الحي من الكافر الميت. قوله: (النطفة) مبتدأ وتخرج، جملة في محل الرفع خبره، وميتة نصب على الحال من الضمير الذي في تخرج.
137
الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس أراه إلى أن تغرب
أشار به إلى قوله: * (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والأبكار) * (آل عمران: 41). وقال الزمخشري: العشى من حين تزول الشمس إلى أن تغيب والأبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى وقرئ والأبكار بفتح الهمزة جمع بكر كشجر وأشجار.
1
((باب: * (منه آيات محكمات) *. وقال مجاهد الحلال والحرام: وأخر متشابهات يصدق بعضه بعضا كقوله تعالى وما يضل به إلا الفاسفين وكقوله جل ذكره ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون وكقوله تعالى: * (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ())
هذا الكلام كله كلام مجاهد رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه: رواه ابن المنذر عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك عن محمد بن ثور عن ابن جريج عنه قوله: (منه). أي: من الكتاب، يعني: القرآن قال: * (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) * (آل عمران: 7) قال الزمخشري: محكمات أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه. هن أم الكتاب أي: أصل الكتاب. متشابهات مشتبهات محتملات وقال الكرماني: أما اصطلاح الأصوليين فالحكم هو المشترك بين النص والظاهر المتشابه هو المشترك بين المجمل والمؤول وقال الخطابي المحكم هو الذي يعرف بظاهر بيانه تأويله وبواضح أدلته باطن معناه، والمتشابه ما اشتبه منها فلم يتلق معناه من لفظه ولم يدرك حكمه من تلاوته، وهو على ضربين: أحدهما: ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به علم معناه. والآخر: ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزبغ فيبطلون تأويله ولا يبلغون فيرتابون فيه فيفتنون به، وذلك كالإيمان بالقدر ونحوه، ويقال: المحكم ما اتضحت دلالته، والمتشابه ما يحتاج إلى نظر وتخريج، وقيل: المحكم ما لم ينسخ، والمتشابه ما نسخ، وقيل: المحكم آيات الحلال والحرام، والمتشابه آيات الصفات والقدر، وقيل: المحكم آيات الأحكام، والمتشابه الحروف المقطعة. قوله: (وأخر) جمع أخرى، واختلف في عدم صرفها. فقيل: لأنها نعت، كما لا تصرف كتع وجمع لأنهن نعوت، وقيل: لم تصرف لزيادة الياء في واحدتها وأن جمعها مبنى على واحدها في ترك الصرف: كحمراء وبيضاء في النكرة والمعرفة لزيادة المدة والهمزة فيهما. قوله: (يصدق) تفسير للمتشابه. قوله: كقوله تعالى: * (وما يضل به إلا الفاسقين) * (البقرة: 26) إشارة إلى أن المفهوم منه أن الفاسقين أي الضالين إنما ضلالتهم من جهة اتباعهم المتشابه بما لا يطابق المحكم طلب افتتان الناس عن دينهم وإرادة إضلالهم. قوله: وكقوله تعالى: * (ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) * (يونس: 100) إنما ذكر هذا تصديقا لما تتضمنه الآية التي قبلها حيث يجعل الرجس على الذين لا يعقلون، وقيل: الرجس السخط. وقيل: الإثم، وقيل: العذاب. وقيل: الفتن والنجاسة، أي: يحكم عليهم بأنهم أنجاس غير طاهرة، وقرأ الأعمش: الرجز: بالزاي وبه فسر الرجس أيضا. وقال الزمخشري: الرجل الخذلان وهو العذاب وهو شبيه قوله: * (على الذين لا يعقلون) * أي أمر الله ولا أمر رسوله لأنهم مصرون على الكفر. وهذا أيضا راجع إلى معنى الذين يتبعون ما تشابه بما لا يطابق علم الراسخين. قوله: وكقوله: * (والذين اهتدوا) * (محمد: 17) إلى آخره، راجع في الحقيقة إلى معنى الذين صدرهم مجاهد في كلامه المذكور لأن مراده من ذلك في نفسر الأمر الراسخون في العلم الذين اهتدوا وزادهم الله هدى، فافهم، فإني لم أر أحدا من الشراح أتي ساحل هذا فضلا أن يغوص فيه. والله أعلم.
زيغ شك. ابتغاء الفتنة
أشار به إلى قوله تعالى: * (فأما الذين في قلوبهم زيغ) * وفسر الزيغ بالشك. قال الزمخشري: هم أهل البدع، * (فيتبعون ما تشابه منه) * () أي: من الكتاب الذي هو القرآن، ويقال: هم أهل الضلال والباطل والخروج عن الحق (يتبعون ما تشابه منه) الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها. قوله: (ابتغاء الفتنة)، أي: طلبا أن يفتنوا الناس عن دينهم.
والراسخون يعلمون يقولون آمنا به
138
قال ابن نجيح عن مجاهد: * (الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به) * (آل عمران: 7) وكذا قال الربيع بن أنس. وقال الزمخشري: الراسخون في العلم الذين رسخوا أي: ثبتوا فيه وتمكنوا، ويقولون كلام مستأنف يوضح حال الراسخين، يعني: هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون: آمنا به أي: بالتشابه كل من عند ربنا أي كل واحد من المتشابه والمحكم من عند الله، ويجوز أن يكون: يقولون، حالا من الراسخين. وقرأ عبد الله أن تأويله إلا عند الله، وقرأ أبي: ويقول الراسخون.
4547 ح دثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هاذه الآية: * (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) * إلى قوله: * (أولوا الألباب) * قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولائك الذين سمى الله فاحذروهم.
عبد الله بن مسلمة، بفتح الميمين: ابن قعنب القعنبي شيخ مسلم أيضا ويزيد من الزيادة. ابن إبراهيم أبو سعيد التستري، بضم التاء المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء الأخرى وبالراء نسبة إلى تستر مدينة من كور الأهواز وبها قبر البراء بن مالك، وتسميها العامة ششتر، بشينين معجمتين الأولى مضمومة والثانية ساكنة، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسمه زهير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في القدر عن القعنبي أيضا وأخرجه أبو داود أيضا عن القعنبي في السنة. وأخرجه الترمذي في التفسير. وقال: روى هذا الحديث غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة. ولم يذكر والقاسم، وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم عن القاسم في هذا الحديث، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة سمع من عائشة أيضا انتهى. وفيه نظر لأن غير يزيد ذكر فيه القاسم وهو حماد بن سلمة قال الإسماعيلي: أنبأنا الحسن بن علي الشطوي حدثنا ابن المديني حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة. قال: حدثني القاسم بن محمد عن عائشة، فذكره. قال الإسماعيلي ذكر حماد في هذا الحديث للاستشهاد على موافقته يزيد بن إبراهيم في الإسناد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا يزيد بن إبراهيم وحماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة عن القاسم، ورواه حماد بن سلمة أيضا عند الطبري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قوله: (تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: وهي قوله: (هو الذي أنزل عليك الكتاب) الآية. قوله: (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه)، قال الطبري: قيل: إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى، عليه السلام، وقيل: في أمر هذه الأمة. وهذا أقرب لأن أمرى عيسى عليه السلام، أعلمه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته وبينه لهم بخلاف أمر هذه الأمة فإن علم أمرهم خفي على العباد. قوله: (فأولئك الذين سمى الله)، قال ابن عباس: هم الخوارج، قيل: أول بدعة وقعت في الإسلام بدعة الخوارج، ثم كان ظهورهم في أيام علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ونحل كثيرة منتشرة، ثم نبعت القدرية ثم المعتزلة ثم الجهمية وغيرهم من أهل البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي: أخرجه الحاكم في (مستدركه). قوله: (فاحذروهم)، بصيغة الجمع والخطاب للأمة، وفي رواية الكشميهني فاحذرهم، بالإفراد أي: احذرهم أيها المخاطب.
2
((باب: * (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * (آل عمران: 36))
139
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إني أعيذها) * الآية هذا إخبار من الله عز وجل عن امرأة عمران أم مريم، عليها السلام، وهي حنة بنت فاقوذا أنها قالت: إني أعيذها. أي: عوذتها بالله عز وجل وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى، عليه السلام، فاستجاب الله لها ذلك، كما يأتي الآن في حديث الباب.
4548 ح دثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إيا إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة وافرؤا إن شئتم * (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) *.
عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي. والحديث قد مر في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام في: باب قول الله تعالى: * (واذكر في الكتاب مريم) * فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
3
((باب: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم) * لا خير (آل عمران: 77))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إن الذين يشترون) * الآية. أي: يستبدلون (بعهد الله) بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم. قوله: (أيمانهم) أي: بما حلفوا به من قولهم، والله لنؤمنن به ولننصرنه. قوله: (ثمنا قليلا) هو عرض هذه الحياة الدنيا الزائلة الفانية. قوله: (لا خلاق لهم) فسره البخاري قوله: لا خير لهم في الآخرة، ويقال: لا نصيب لهم.
أليم مؤلم موجع من الألم وهو في موضع مفعل
أشار بأن لفظ الميم الذي وزنه فعيل بمعنى مؤلم على وزن مفعل. وهو معنى قوله: هو في موضع مفعل بكسر العين، كقول الشاعر:
أمن ريحانة الداعي السميع
فإن السميع بمعنى المسمع. وقوله: موجع، تفسير قوله مؤلم.
4550 ح دثنا حجاج بن منهال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) * إلى آخر الآية قال فدخل الأشعث ابن قيس وقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمان قلنا كذا وكذا قال في أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي قال النبي صلى الله عليه وسلم بينتك أو يمينه فقلت إذا يحلف يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان.
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة.
والحديث قد مر في كتاب الشهادات في باب مجرد بعد: باب اليمين على المدعي عليه فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل إلى
آخره، ومر الكلام فيه هناك مستقصى.
قوله: (من حلف يمين صبر) بإضافة يمين إلى صبر، وفي آخر الحديث على يمين صبر ويروى، من حلف يمينا صبرا، أي: يمينا ألزم بها وحبس عليها، وأصل الصبر الحبس أو يحبس نفسه ليحلف. قوله: (غضبان) إطلاق الغضب على الله مجاز، والمراد لازمه وهو إيصال العقاب. قوله: (فدخل الأشعث) بالشين المعجمة والتاء المثلثة ابن قيس الكندي. قوله: (ما يحدثكم) أي: أي شيء يحدثكم أبو عبد الرحمن، وهو كنية عبد الله بن مسعود. قوله: في (بكسر الفاء
140
وتشديد الياء) قوله: (فاجر) أي: كاذب.
4551 ح دثنا علي هو ابن أبي هاشم سمع هشيما أخبرنا العوام بن حوشب عن إبراهيم ابن عبد الرحمان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف فيها لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * (آل عمران: 77) إلى آخر الآية.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن أبي هاشم البغدادي من أفراده: وهشيم: مصغر هشيم بن بشير مصغر بشر الواسطي والعوام. بتشديد الواو بن حوشب: بفتح المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخره باء موحدة. والحديث قد مر في كتاب البيوع في: باب ما يكره من الحلف في البيع.
قوله: (لقد أعطى) على صيغة المجهول وكذا قوله: (ما لم يعطه) ولا منافاة بين هذا الحديث والحديث السابق من حيث أن ذاك في البئر وهذا في السلعة لأن الآية نزلت بالسببين جميعا. ولفظ الآية عام يتناولهما وغيرهما، وقيل: لعل الآية لم تبلغ عبد الله بن أبي أوفى، إلا عند إقامة السلعة. فظن أنها نزلت في ذلك.
73 - (حدثنا نصر بن علي بن نصر حدثنا عبد الله بن داود عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في حجرة فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى في كفها فادعت على الأخرى فرفع إلى ابن عباس فقال ابن عباس قال رسول الله
لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم ذكروها بالله واقرؤا عليها إن الذين يشترون بعهد الله فذكروها فاعترفت فقال ابن عباس قال النبي
اليمين على المدعى عليه)
مطابقته للترجمة ظاهرة ونصر بن علي الجهضمي وعبد الله بن داود بن عامر المعروف بالخريبي كوفي الأصل سكن الخريبة محلة بالبصرة وهو من أصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وكان ثقة زاهدا يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو يروي عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والحديث مضى مختصرا في الرهن والشركة عن أبي نعيم وأخرجه بقية الجماعة وقد ذكرناه قوله أن امرأتين كانتا تخرزان من خرز الخف ونحوه يخرز بضم الراء وكسرها قوله في بيت أو في حجرة كذا بالشك في رواية الأصيلي وحده والحجرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء قال ابن الأثير وهي الموضع المنفرد وفي المطالع وكل موضع حجر عليه بالحجارة فهو حجرة وقال الجوهري الحجرة حظيرة الإبل ومنه حجرة الدار تقول أحجرت حجرة أي اتخذتها وفي رواية الأكثرين في بيت وفي حجرة بالواو دون أو التي للتشكيك قال بعضهم والأول هو الصواب يعني الذي بالواو وإنما قال الأول لأن الذي في نسخته ذكر بالواو أولا ثم ذكر بأو ونسب رواية أو التي للشك إلى الخطأ ثم قال وسبب الخطأ أن في السياق حذفا بينه ابن السكن في روايته جاء فيها في بيت وفي حجرة حداث فالواو عاطفة لكن المبتدأ محذوف وحداث بضم المهملة والتشديد وآخره مثلثة أي يتحدثون وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون فسقط المبتدأ من الرواية فصار مشكلا فعدل الراوي عن الواو إلى أو التي للشك فرارا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معا انتهى قلت هذا تصرف عجيب وفيه تعسف من وجوه لا يحتاج إلى ارتكابها (الأول) أن نسبته رواية أو للشك إلى الخطأ خطأ لأن كون أو للشك مشهور في كلام العرب وليس فيه مانع هنا لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى (الثاني) أن قوله فالواو للعطف غير مسلم هنا لفساد المعنى (الثالث) دعواه أن المبتدأ محذوف لا دليل عليه لأن حذف المبتدأ إنما يكون وجوبا أو جوازا فلا مقتضى
141
لواحد منهما هنا يعرفه من له يد في العربية (الرابع) أنه ادعى أن الواو للعطف ثم قال وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون فهذا ينادي بأعلى صوته أن الواو هنا ليست للعطف بل هي واو الحال (الخامس) أن قوله الحجرة المجاورة للبيت يحتاج إلى بيان أن تلك الحجرة كانت مجاورة للبيت فلم لا يجوز أن تكون الحجرة نفس البيت لأنا قد ذكرنا أن الحجرة موضع منفرد فلا مانع من أن يكون في البيت موضع منفرد (السادس) أنه ادعى استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة فلا استحالة هنا لجواز كون من كان في الحجرة وهي في البيت كونه في الحجرة والبيت ودعوى استحالة مثل هذا هو المحال قوله ' وقد أنفذ بإشفى ' الواو فيه للحال وقد للتحقيق وأنفذ من النفاذ بالذال المعجمة على صيغة المجهول والإشفى بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالفاء مقصورا وهو مثل المسلة له مقبض يخرز بها الإسكاف قوله ' فرفع ' أي أمر المرأتين المذكورتين ورفع على صيغة المجهول قوله ' لو يعطى ' على صيغة المجهول قوله ' فذكروها ' الضمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ الأخرى وهي المدعى عليها وهو بصيغة الأمر للجماعة وأراد بالتذكير تخويفها من اليمين لأن فيها هتك حرمة اسم الله عند الحلف الباطل وكذلك الضمير في قوله عليها وفي قوله فذكروها وهو بفتح الكاف لأنه جملة ماضية قوله ' اليمين على المدعى عليه ' يعني عند عدم بينة المدعي وقال صاحب التوضيح قوله ' اليمين على المدعى عليه ' أي فإن نكل حلف المدعي قلت هذا الذي قاله ليس معنى قول ابن عباس بل المعنى فيه أن المدعى عليه إذا رد اليمين على المدعي لا يصح لأن اليمين وظيفة المدعى عليه فإذا نكل عن اليمين يلزمه ما يدعيه المدعي * -
4
((باب: * (قل يا أهل الكتاب تعالو إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله) * (آل عمران: 64))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (قل يا أهل الكتاب) * الآية. وهذا المقدار وقع من الآية المذكورة في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر هكذا * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) * الآية. قوله: (قل) أي: يا محمد (يا أهل الكتاب) قيل: هم أهل الكتابين، وقيل: وفد نجران، وقيل: يهود المدينة. قوله: (إلى كلمة) أراد بها الجملة المفيدة ثم وصفها بقوله: (سواء بيننا وبينكم) نستوي نحن وأنتم فيها وفسرها بقوله: (أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) لا وثنا ولا صنما ولا صليبا ولا طاغوتا ولا نارا بل نعبد الله وحده لا شريك له. ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فلا نقول عزير ابن الله. ولا المسيح ابن، لأن كل واحد منهما بشر مثلنا (فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون).
سواء قصدا
هكذا وقع بالنصب في رواية أبي، وفي رواية غيره بالجر فيهما على الحكاية، والنصب قراءة الحسن البصري. وقيل: وجه النصب على أنه مصدر تقديره: استوت استواء. قوله: (قصدا)، تفسير استواء أي: عدلا. وكذا فسر أبو عبيدة في قوله: سواء. أي: عدل، وكذا أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس وأخرج الطبري أيضا عن قتادة نحوه.
4553 ح دثني إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة قال حدثني ابن عباس قال حدثني أبو سفيان من فيه إلى في قال انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل قال وكان دحية الكلبي جاء به إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل قال فقال هرقل هل هاهنا أحد من قوم هاذا الرجل يزعم أنه نبي فقالوا
142
نعم قال فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال أيكم أقرب نسبا من هاذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هاذا عن هاذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه قال أبو سفيان وايم الله لولا أن يؤثروا علي الكذب لكذبت ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان من آبائه ملك قال قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم قال قلت بل ضعفاؤهم قال يزيدون أو ينقصون قال قلت لا بل يزيدون قال هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له قال قلت لا قال فهل قاتلتموه قال قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قال قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قال قلت لا ونحن منه في هاذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها قال والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هاذه قال فهل قال هاذا القول أحد قبله قلت لا ثم قال لترجمانه قل له إني سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت أن لا فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله فزعمت أن لا فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله قال ثم قال بم يأمركم قال قلت يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف قال إن يك ما تقول فيه حقا فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي قال ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمان الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك
143
بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله إلى قوله اشهدوا بأنا مسلمون فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللفظ وأمر بنا فأخرجنا قال فقلت لأصحابي حين خرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه ليخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام. قال الزهري فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار له فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد وأن يثبت لكم ملككم قال فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فقال علي بهم فدعا بهم فقال إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين. (الأول): عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء عن هشام بن يوسف عن معمر بن راشد عن الزهري. الخ (والآخر): عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري إلى آخره، وقد مر الحديث في أول الكتاب، فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري إلى آخره، ومضى الكلام فيه مطولا ولنذكر بعض شيء لطول المسافة.
قوله: (من فيه إلى في) أي: حدثني حال كونه من فمه إلى فمي وأراد به شدة تمكنه من الإصغاء إليه. وغاية قربه من تحديثه، وإلا فهو في الحقيقة أن يقال إلى أذني. قوله: (في المدة) أي: في مدة المصالحة. قوله: (فدعيت)، على صيغة المجهول. قوله: (في نفر) كلمة في بمعنى: مع نحو ادخلوا في أمم أي: معهم، ويجوز أن يكون التقدير: فدعيت في جملة نفر، والنفر اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه. قوله: (فدخلنا) الفاء فيه تسمى فاء الفصيحة لأنها تفصح عن محذوف قبلها لأن التقدير: فجاءنا رسول هرقل فطلبنا فتوجهنا معه حتى وصلنا إليه فاستأذن لنا فأذن فدخلنا. قوله: (
فأجلسنا) بفتح اللام جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قوله: (إني سائل هذا) أي: أبا سفيان. قوله: (بترجمانه) هو الذي يترجم لغة بلغة ويفسرها. قيل إنه عربي. وقيل: معرب وهو الأشهر فعلى الأول النون زائدة. قوله: (فإن كذبني) بتخفيف الذال (فكذبوه) بالتشديد. ويقال: كذب. بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين مثل: صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث. قال الله: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا) * (الفتح: 27) وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد، وهذا من الغرائب قوله: (لولا أن يؤثروا علي)، بصيغة الجمع وصيغة المعلوم، ويروي: ويؤثر، بفتح الثاء المثلثة بصيغة الإفراد على بناء المجهول. وقال ابن الأثير: لولا أن يؤثروا عني. أي: لولا أن يؤثروا عني ويحكوا قوله: (كيف حسبه)؟ والحسب ما يعده المرء من مفاخر آبائه. فإن قلت: ذكر في كتاب الوحي، كيف نسبه؟ قلت: الحسب مستلزم للنسب الذي يحصل به الإدلاء إلى جهة الآباء قوله: (فهل كان من آبائه ملك) وفي رواية غير الكشميهني (في آبائه ملك)؟. قوله: (يزيدون أو ينقصون)؟ كذا فيه بإسقاط همزة الاستفهام. وأصله أيزيدون أو ينقصون، ويروى: (أم ينقصون). وقال ابن مالك: يجوز حذف همزة الاستفهام مطلقا. وقال بعضهم: لا يجوز إلا في الشعر. قوله: (هل يرتد)؟ إلى آخره. فإن قلت:؟ لم لم يستغن هرقل عن هذا السؤال بقول أبي سفيان: بل يزيدون؟ قلت: لا ملازمة بين الارتداد والنقص. فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد، مثلا. قوله: (سخطة له)، يريد أن من دخل في الشيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فإنه يتزلزل سرعة، وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش، ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبد الله بن جحش فإنه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة ومات على
144
نصرانيته وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بعده، وكأنه لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة. وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه فلذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه قوله: (قال: فهل قاتلتموه)؟ إنما نسب ابتداء القتال إليهم ولم يقل هل قاتلكم؟ لاطلاعه على أن النبي لا يبدأ قومه حتى يبدؤا. قوله: (يصيب منا ونصيب منه)، الأول بالياء بالإفراد والثاني بالنون علامة الجمع. قوله: (إني سألتك عن حسبه فيكم) ذكر الأسئلة والأجوبة المذكورتين على ترتيب ما وقعت وحاصل الجميع ثبوت علامات النبوة في الكل فالبعض ما تلقفه من الكتب والبعض مما استقرأه بالعادة ولم تقع في كتاب بدء الوحي الأجوبة بترتيب. والظاهر أنه من الراوي بدليل أنه حذف منها واحدة. وهي قوله: (هل قاتلتموه)؟ ووقع في رواية الجهاد مخالفة في الموضعين فإنه أضاف قوله: بم يأمركم؟ إلى بقية الأسئلة، فكملت بها عشرة. وأما هنا فإنه أخر قوله: بم يأمركم؟ إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتب عليها. قوله: (وقال لترجمانه: قل له)، أي: قال هرقل لترجمانه: قل لأبي سفيان. قوله: (فإنه نبي)، ووقع في رواية الجهاد (وهذه صفة نبي) وفي مرسل سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة فقال: (هو نبي). قوله: (لأحببت لقاءه)، وفي كتاب الوحي: (لتشجشمت). أي: لتكلفت، ورجح عياض هذه لكن نسبها إلى مسلم خاصة وهي عند البخاري أيضا. قوله: (ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه)، قيل: ظاهره أن هرقل هو الذي قرأ الكتاب، ويحتمل أن يكون الترجمان قرأه فنسبت إلى هرقل مجازا لكونه آمرا بها. قلت: ظاهر العبارة يقتضي أن يكون فاعل: دعا، هو هرقل، ويحتمل أن يكون الفاعل الترجمان لكون هرقل آمرا بطلبه وقراءته فلا يرتكب فيه المجاز. وعند ابن أبي شيبة في مرسل سعيد بن المسيب: أن هرقل لما قرأ الكتاب قال: هذا لم أسمعه بعد سليمان. عليه السلام، فكأنه يريد الابتداء: ببسم الله الرحمان الرحيم، وهذا يدل على أن هرقل كان عالما بأخبار أهل الكتاب. قوله: (من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر المدايني أن القارئ لما قرأ بسم الله الرحمان الرحيم. من محمد رسول الله، غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب. فقال هرقل: مالك؟ فقال: بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم. قال: إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه؟ لئن كان رسول الله فهو حق أن يبدأ بنفسه. ولقد صدق أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكهم. قوله: (عظيم الروم) بالحر على أنه بدل من هرقل، ويجوز بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز بالنصب أيضا على الاختصاص ومعناه: من تعظمه الروم، وتقدمه للرياسة. قوله: (ثم الأريسين)، قد مضى ضبطه مشروحا وجزم ابن التين أن المراد هنا بالأريسيين أتباع عبد الله بن أريس كان في الزمن الأول بعث إليهم نبي فاتفقواكلهم على مخالفة نبيهم. فكأنه قال: عليك إن خالفت إثم الذين خالفوا نبيهم، وقيل: الأريسيون الملوك وقيل: العلماء، وقال ابن فارس: الزراعون، وهي شامية الواحد أويس وقد مر الكلام فيه مستقصى في أول الكتاب. قوله: (فلما فرغ) أي: قارىء الكتاب. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هرقل ونسب إليه ذلك مجازا لكونه الآمر به. قلت: الذي يظهر أن الضمير في: فرغ، يرجع إلى هرقل ويؤيد. قوله: عنده بعد قوله: فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده. أي: عندهم هرقل، فحينئذ يكون حقيقة لا مجازا. قوله: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة) بفتح الهمزة وكسر الميم وفتح الراء على وزن علم ومعناه، عظم وقوى أمر ابن أبي كبشة، وهذا يكون الميم وضم الراء لأنه فاعل أمر الأول. وقال الكرماني: ابن أبي كبشة كتابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبهوه به في مخالفته دين آبائه. قلت: هذا توجيه بعيد. وقد مر في بدء الوحي بيان ذلك مبسوطا. قوله: (قال الزهري) أي: أحد الرواة المذكورين في الحديث: هذه قطعة من الرواية التي وقعت في يده الوحي عقيب القصة التي حكاها ابن الناطور، وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك بعد أن رجع من بيت المقدس، فعاد جوابه يوافقه على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالفاء في قوله: فدعا فاء فصيحة، والتقدير: قال الزهري: فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر الأسقف برومية فجاءه جوابه، فدعا الروم. قوله: (آخر الأبد) أي: إلى آخر الزمان. قوله: (فحاصوا) بالمهملتين أي: نفروا قوله: (فقال: علي بهم) أي: هاتوهم لي، يقال: علي يزيد. أي: احضروه لي. قوله: (اختبرت) أي: جربت. قوله: (الذي أحببت) أي: الشيء الذي أحببته.
145
5
((باب: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * إلى * (به عليم) * (آل عمران: 92))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (لن تنالوا البر) * إلى آخر الآية قوله: إلى (به عليم) هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. الآية قوله: (لن تنالوا البر) أي: لن تبلغوا حقيقة البر ولن تكونوا أبرارا (حتى تنفقوا) أي: حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها. فإن الله عليم بكل شيء تنفقونه فيجازيكم بحسبه.
4554 ح دثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما أنزلت * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. قال عبد الله بن يوسف وروح بن عبادة ذلك مال رابح.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس والحديث قد مضى في كتاب الزكاة: باب الزكاة على الأقارب، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (أبو طلحة) اسمه زيد بن سهل زوج أم أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه. قوله: (بيرحاء) أشهر الوجوه فيه فتح الباء الموحدة وسكون الباء آخر الحروف وفتح الراء وبالحاء المهملة مقصورا وهو بستان بالمدينة فيه ماء. قوله: (طيب) بالجر لأنه صفة من ماء قوله: (بخ) بفتح الباء الموحدة وتشديد الخاء المعجمة وهي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، والتكرار وللمبالغة. قوله: (رابح) بالباء الموحدة. أي: يربح صاحبه فيه في الآخرة. قوله: (قال عبد الله بن يوسف) هو أحد رواة الحديث عن مالك، وروح، بفتح الراء ابن عبادة: بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة أراد أن المذكورين رويا الحديث المذكور عن مالك بإسناديهما فوافقا فيه إلا في هذه اللفظة يعني: (رايح) أنها بالياء آخر الحروف من الرواح، أي: من شأنه الذهاب والفوات، فإذا ذهب في الخير فهو أولى.
حدثني يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك مال رابح
ذكره هنا مختصرا، وساقه بتمامه من هذا الوجه في كتاب الوكالة في: باب إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله.
4555 ح دثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي عن تمامة عن أنس رضي الله عنه قال فجعلها لحسان وأبي وأنا أقرب إليه ولم يجعل لي منها شيئا.
هذا لم يقع لأبي ذر، وهذا قطعة من حديث أخرجه بتمامه في كتاب الوقف في: باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه، فإنه أخرجه هناك حيث قال: وقال الأنصاري، وهو محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثني أبي وهو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك عن ثمامة، بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم: ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة، وهو يروي عن جده أنس بن مالك.
قوله:
146
(فجعلها) أي: فجعل أبو طلحة بيرحاء المذكورة في الحديث السابق لحسا بن ثابت وأبي بن كعب، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (وأنا أقرب إليه، منهما) (ولم يجعل لي منها شيئا).
6
((باب: * (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) * (آل عمران: 93))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (قل فأتوا) * الآية. وقبلها * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) * (آل عمران: 93) قوله: (كل الطعام) أي: كل المطعومات (كان حلا لبني إسرائيل) وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام (إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) وهو لحوم الإبل وألبانها. وقيل: العروق، وكان به عرق النساء فنذر إن شفي أن يحرم على نفسه أحب الطعام إليه وكان ذلك أحب إليه فحرمه، وأنكر اليهود ذلك فأنزل الله (قل فاتوا) أي: قل يا محمد لليهود: (قاتلوها إن كنتم صادقين) فيما تنكرون من ذلك.
4556 ح دثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أبو ضمرة حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا فقال لهم كيف تفعلون بمن زنا منكم نحممهما ونضربهما فقال لا تجدون في التوراة الرجم فقالوا لا نجد فيها شيئا فقال لهم عبد الله بن سلام كذبتم فأتوا بالتورة فاتلوها إن كنتم صادقين فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم فنزع يده عن آية الرجم فقال ما هاذه فلما رأوا ذلك قالوا هي آية الرجم فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد فرأيت صاحبها يجنأ عليها يقيها الحجارة.
مطابقته للترجمة في قوله: (كذبتم فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) وإبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المديني، وأبو ضمرة، بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم واسمه أنس بن عياض الليثي والحديث قد مضى مختصرا في الجنائز في: باب الصلاة على الجنازة في المصلى والمسجد.
قوله: (إن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة زنيا) قال ابن بطال: قيل: إنهما لم يكونا أهل ذمة وإنما كانا أهل حرب، ذكره الطبري، وفي رواية عيسى عن ابن القاسم: كانا من أهل فدك وخيبر حربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذاك، وعن أبي هريرة: كان هذا حين قدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وقال مالك إنما كانا أهل حرب ولو كانا أهل ذمة لم يسألهم كيف الحكم فيهم؟ وقال النووي: وعند مالك لا يصح إحصان الكافر وإنما رجمهما لأنهما
لم يكونا أهل ذمة. قيل: هذا غير جيد لأنهما كانا من أهل العهد، ولأنه رجم المرأة والنساء الحربيات لا يجوز قتلهن مطلقا. وقال السهيلي: اسم المرأة المرجومة: بسرة. قوله: (كيف تفعلون)؟ لم يرد به صلى الله عليه وسلم تقليدهم ولا معرفة الحكم به منهم، وإنما أراد إلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحى إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا غيره، أو أنه أخبره من أسلم منهم. قوله: (نحممهما) من التحميم يعني: نسود وجوههما بالحمم، بضم الحاء المهملة وفتح الميم، وهو الفحم، وفي رواية تحملهما: بالحاء المهملة واللام يعني: تحملهما على شيء ليظهرا. وفي رواية: تحملهما: بالجيم واللام أي: نجعلهما جميعا على شيء ليظهرا قوله: (فوضع مدراسها)، بكسر الميم يريد به صاحب دراسة كتبهم، والمفعال من أبنية المبالغة، وهو عبد الله بن صوريا، بضم الصاد المهملة وسكون الواو وكسر الراء وفتحها. وفي رواية أبي داود: ائتوني بأعلم رجلين منك، فأتوه يا بني صوريا، قال المنذري: لعله عبد الله بن صوريا وكنانة بن صوريا، وكان عبد الله أعلم من بقي من الأحبار بالتوراة ثم كفر بعد ذلك، وزعم السهيلي أنه أسلم. قوله: (فطفق) أي: فجعل (يقرأ ما دون يده) أي: ما قبلها. قوله: (فنزع يده) أي: نزع
147
عبد الله بن سلام يد المدراس عن آية الرجم. قوله: (فرجما) على صيغة المجهول، وفي (سنن أبي داود) أنه صلى الله عليه وسلم رجمهما بالبينة وقال الخطابي: إنما رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوحى إليه من أمره، وإنما احتج عليهم بالتوراة استظهارا للحجة وإحياء لحكم الله تعالى الذي كانوا يكتمونه. قوله: (من حيث موضع الجنائز عند المسجد)، وفي رواية: عند البلاط، وهما متقاربان. قوله: (يحنأ) بالجيم. قال ابن الأثير: يعني أكب عليها. وقيل: هو مهموز. وقيل: الأصل فيه الهمز من جنأ يجنأ إذا مال عليه وعطف ثم خفف وهو لغة، وقال المنذري: ياؤه مفتوحة وجيمه ساكنة، يقال: جنى الرجل على الشيء إذا أكب عليه. ورواه بعضهم بضم الياء، وروي: يجاني من جانى يجاني. وقيل: روي بجيم ثم باء موحدة ثم همزة، أي: يركع. وقال الخطابي: المحفوظ بالحاء والنون، يقال: حنا يحنو وحنوا وروي بالحاء وتشديد النون، وقال يحيى بن يحيى: بحاء ونون مكسورة بغير همزة وقال البيهقي: عند أهل الحديث يجني بالحاء، وعند أهل اللغة بالجيم. قوله: (يقيها) أي: يحفظها من وقى يقي وقاية، وفي الحديث الحكم بين أهل الذمة، وفي (التوضيح) الأصح عندنا وجوبه وفاقا لأبي حنيفة. وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز والثوري والحكم. وروي عن ابن عباس: وقال القرطبي: إن كان ما رفعوه إلى الإمام ظلما كالقتل والغصب بينهم فلا خلاف في منعهم منه، ونقل عن مالك والشافعي أنه بالخيار بين الحكم بينهم وتركه غير أن مالكا يرى الإعراض أولى، ونقل عن الشافعي أنه لا يحكم بينهم في الحدود، وفيه أن أنكحة الكفار صحيحة ولذلك رجمهما وهو الأصح عند الشافعية وفيه دليل على أنه لا يحفر لمن رجم إذ لو حفر له لما استطاع أن يجنا عليها، لكن في (صحيح مسلم) من حديث بريدة أنه حفر لما عز والغامدية إلى صدرها. وقيل: يحفر لمن قامت عليه البينة دون المقر.
7
((باب: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * (آل عمران: 110))
أي: هذا باب في قوله تعالى: (كنتم خير أمة) أي: وجدتم خير أمة وقيل: كنتم في علم الله خير أمة. وقيل: كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به وروى عبد بن حميد عن ابن عباس: هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الطبري عن السدي، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو شاء الله عز وجل لقال: أنتم خير أمة، ولو قال لكنا كلنا ولكن هذا خاص بالصحابة ومن صنع مثل ما صنعوا كانوا خير أمة وقال الواحدي: إن رؤوس اليهود، وعدد منهم جماعة منهم ابن صوريا، عمدوا إلى مؤمنيهم، عبد الله بن سلام وأصحابه، فآذوهم لإسلامهم، فنزلت وقال مقاتل: نزلت في أبي ومعاذ وابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الضيف ووهب بن يهودا قالا للمسلمين ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير، وأوصل منكم فنزلت. ويقال: هذا الخطاب للصحابة وهو يعم سائر الأمة قوله: (أخرجت) قال الزمخشري أي: أظهرت. قوله: (للناس) يعني: خير الناس للناس، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) وهذا هو الشرط في هذه الخيرية وقال الزمخشري: تأمرون، كلام مستأنف بين به كونهم خير أمة.
4557 ح دثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * قال خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي، وسفيان هو الثوري، وميسرة ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي الكوفي، وماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق، وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي هو سلمان الأشجعي. والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن محمد بن عبد الله المخزومي.
قوله: (خير الناس)، أي: خير بعض الناس لبعضهم وأنفعهم لهم من يأتي بأسير مقيد في السلسلة إلى دار الإسلام فيسلم، وإنما كان خيرا لأنه بسببه صار مسلما، وحصل أصله جميع السعادات الدنياوية والأخراوية.
148
8
((باب: * (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) * (آل عمران: 122))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) * قوله: (إذ همت) بدل من قوله: إذ غدوت. والعامل فيه. قوله: (والله سميع عليم) والطائفتان حيان من الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وهما الجناحان، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد في ألف، وقيل: في
تسعمائة وخمسين، والمشركون في ثلاثة آلاف ووعدهم الفتح إن صبروا فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس، وقال: يا قوم علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري. فقال: أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم. فقال عبد الله: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فهم الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أن تفشلا)، كلمة أن مصدرية، والفشل الجبن والخور.
4558 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال قال عمر و سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول فينا نزلت * (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) *: قال نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب: وقال سفيان مرة وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله والله وليهما.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. والحديث مضى بعينه متنا وإسنادا في المغازي في: باب: * (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) * مضى الكلام فيه هناك. قوله: (والله وليهما)، قرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. والله وليهم.
9
((باب: * (ليس لك من الأمر شيء) * (آل عمران: 128))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ليس لك من الأمر شيء) * ولم يذكر لفظ: باب هنا إلا في رواية أبي ذر. وقال ابن إسحاق. أي: ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم، ويقال: ليس لك من الأمر شيء بل الأمر كله إلي كما قال: فإنماعليك البلاغ وعلينا الحساب.
4559 ح دثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري قال حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون.
مطابقته للترجمة ظاهرة وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء: ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي، روى عنه مسلم أيضا وعبد الله هو ابن المبارك المروزي: والحديث قد مر بترجمته في غزوة أحد في: باب (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم) فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن عبد الله السلمي عن عبد الله عن معمر عن الزهري إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك.
رواه إسحاق بن راشد عن الزهري
أي: روى الحديث المذكور إسحاق بن راشد الحراني عن محمد بن مسلم الزهري بالإسناد المذكور، ووصله الطبراني في (المعجم الكبير) من طريق إسحاق.
81 - (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
149
كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية)
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى بن إسماعيل المنقري البصري المعروف بالتبوذكي وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري * والحديث من أفراده وزاد ابن حبان ' وأصبح ذات يوم فلم يدع لهم ' وروى النسائي من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق بإسنادهما عن معمر مثل الحديث السابق قوله ' كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد ' أي في الصلاة قوله ' الوليد بن الوليد ' أي ابن المغيرة وهو أخو خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وكان ممن شهد بدرا مع المشركين وأسر وأفدى نفسه ثم أسلم فحبس بمكة ثم تواعد هو وسلمة وعياش المذكورون وهربوا من المشركين فعلم النبي
بمخرجهم فدعا لهم أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل ومات الوليد في حياة النبي
قوله ' وسلمة بن هشام ' أي ابن المغيرة وهو ابن عم الذي قبله وهو أخو أبي جهل وكان من السابقين إلى الإسلام واستشهد في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بالشام سنة أربع عشرة قوله ' وعياش ' بالياء آخر الحروف المشددة بالشين المعجمة وأبوه أبو ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة وهو ابن عم الذي قبله وكان من السابقين إلى الإسلام أيضا ثم خدعه أبو جهل فرجع إلى مكة فحبس بها ثم فر مع رفيقيه المذكورين وعاش إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فمات سنة خمس عشرة وقيل قبل ذلك قوله ' وطأتك ' الوطأة كالضغطة لفظا ومعنى وقيل هي الأخذة والبأس وقيل معناه خذهم أخذا شديدا قوله ' كسني يوسف ' بنون واحدة وهو الأصح وروى ' كسنين ' بنونين وهي لغة قلية أراد سبعا شدادا ذات قحط وغلاء قوله ' الآية ' بالنصب أي اقرأ الآية ويجوز الرفع على تقدير الآية بتمامها ويجوز النصب أي خذ الآية أو كملها * -
10
((باب: * (والرسول يدعوكم في أخراكم) * (آل عمران: 153))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (والرسول يدعوكم) * وفي بعض النسخ باب قوله: * (والرسول يدعوكم) * وأول الآية. (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون) قوله: (إذ تصعدون) يعني: أذكر يا محمد حين تصعدون من الإصعاد، وهو الذهاب في الأرض، وقرأ الحسن: تصعدون بفتح التاء يعني في الجبل. قوله: (ولا تلوون على أحد). أي: والحال أنكم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب، وقرأ الحسن: ولا تلؤون أي: لا تعطفون ولما نبذ المشركون على المسلمين يوم أحد فهزموهم دخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس (إلى عباد الله إلى عباد الله)، وهو معنى قوله: (الرسول يدعوكم في
أخراكم) يعني: في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهي المتأخرة. قوله: (فأثابكم) أي: فجازاكم (غما بغم) أي: بسبب غم اذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال غما على غم، قال ابن عباس: الغم (الأول): بسبب الهزيمة، وحين قيل: قتل محمد صلى الله عليه وسلم. (والثاني): حين علاهم المشركون فوق الجبل، وعن عبد الرحمن بن عوف الغم (الأول): بسبب الهزيمة. (والثاني): حين قيل: قتل محمد، عليه السلام، وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة. رواهما ابن مردويه، وروى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه نحو ذلك، وروى ابن أبي حاتم عن قتادة ذلك أيضا. وقال السدي: الغم (الأول): بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح. (والثاني): إشراف العدو عليهم، وقال مجاهد وقتادة: الغم. (الأول): سماعهم قتل محمد صلى الله عليه وسلم. (والثاني): ما أصابهم من القتل والجرح. قوله:
150
(لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) أي: من الغنيمة والظفر بعدوكم. قوله: (ولا ما أصابكم) من القتل والجرح. قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف. والحسن وقتادة والسدي.
وهو تأنيث آخركم
أي: (أخراكم) الذي في الآية، وهو: * (والرسول يدعوكم) * (آل عمران: 153) في اخراكم تأنيث آخركم بكسر الراء وليس كذلك، وإنما آخركم بالكسر ضد الأول، وأما الأخرى فهو تأنيث الآخر، بفتح الخاء لا بكسرها، والبخاري تبع في هذا أبا عبيدة فإنه قال أخراكم آخركم، وذهل فيه، وقد حكى الفراء أن من العرب من يقول: في أخراتكم، بزيادة التاء المثناة من فوق.
وقال ابن عباس: إحدى الحسنيين فتحا أو شهادة
ليس لذكر هذا هنا وجه، ومحله في سورة براءة، وقال بعضهم، ولعله أورده هنا للإشارة إلى أن إحدى الحسنيين وقعت في أحد. (قلت): هذا اعتذار فيه بعد لا يخفى، وأما هذا التعليق فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
4561 ح دثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوكم الرسول في أخراكم ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو، بفتح العين ابن خالد بن فروخ الحراني الجزري سكن مصر، وزهير بن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي. والحديث قد مضى في غزوة أحد في: باب (إذ تصعدون ولا تلوون) بعين هذا الإسناد والمتن غير أن هنا بعض زيادة وهي قوله: (ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم) إلى آخره.
11
((باب قوله: * (أمنة نعاسا) * (آل عمران: 154))
أي: هذا باب وساق الآية إلى آخرها، وذكرنا هناك ما فيها من التفسير.
12
((باب قوله: * (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) * (آل عمران: 172))
151
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (الذين استجابوا لله والرسول) * الآية. قوله: (الذين استجابوا) مبتدأ وخبره قوله: (للذين أحسنوا منهم) واستجابوا بمعنى أجابوا، كما في قول الشاعر:
* وداع دعايا من يجيب إلى الندافل يستجبه عند ذاك مجيب
*
وتقول العرب: استجبتك، بمعنى: أجبتك، فإن قلت: ما فائدة هذه السين هنا؟ قلت: فائدتها أنها تدل على أن الفعل الذي تدخل عليه هذه السين واقع لا محالة، وسواء كان في فعل محبوب أو مكروه، وسبب نزول هذه الآية الكريمة ما رواه أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة. قال: لما رجع المشركون من أحد قالوا: لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة الشك من سفيان، فقال المشركون: نرجع من قليل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت تعد غزوة، وأنزل الله عز وجل: * (الذين استجابوا لله والرسول) * الآية. ورواه ابن مردويه أيضا من حديث محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، فذكره وقال: محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن خارجة ابن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بني عبد الأشهل كان شهد أحدا قال: شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالخروج في طلب العدو. قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جرحات، فكان إذا غلب حملته عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون (فإن قلت): لم لم يسبق في هذا الباب حديثا؟ قلت: كأنه لم يظفر بحديث يطابقه فبيض له ثم لم يدرك تسويده، والذي ذكرناه الآن عن ابن أبي حاتم مطابق للباب لأن رجاله رجال الصحيح، ولكنه مرسل عن عكرمة.
فإن قلت: فيه عن ابن عباس في رواية كما في رواية ابن مردويه. قلت: المحفوظ عن عكرمة ليس فيه ابن عباس، كذا قيل: وفيه موضع التأمل.
القرح الجراح. استجابوا أجابوا يستجيب يجيب
أشار بقوله: القرح إلى ما في قوله تعالى: * (أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) * قال الزمخشري: القرح، بفتح القاف وضمها لغتان كالضغف والضعف، وقيل هو بالفتح: الجراح وبالضم المها وروى سعيد بن منصور بإسناد جيد عن ابن مسعود أنه قرأ القرح، بالضم وهي قراءة أهل الكوفة، وذكر أبو عبيد عن عائشة أنها قالت: اقرؤها بالفتح لا بالضم، وقرأ أبو السمال: قرح، بفتحتين والمعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم مثله يوم بدر. قوله: (استجابوا أجابوا) أشار بهذا إلى أن الاستفعال بمعنى الأفعال، وقد ذكرنا الآن فائدة السين. قوله: (يستجيب: يجيب)، أراد أن يستجيب الذي في قوله تعالى: * (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (الشورى: 26) أي: يجيب الذين آمنوا، وإنما ذكر هذا هنا وهو في سورة الشورى استشهاد للآية المتقدمة.
13
((باب: * (إن الناس قد جمعوا لكم) * (آل عمران: 173) الآية))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إن الناس قد جمعوا لكم وأوله والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * وفي رواية أبي ذر: باب: * (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) * وزاد غيره لفظ: الآية، والمراد بالناس الأول نعيم بن مسعود الأشجعي، وقيل: المنافقون والمراد بالناس الثاني: أبو سفيان وأصحابه، وأبو نعيم أسلم بعد ذلك. فإن قلت: ما وجه إطلاق الجمع على الواحد في قول من قال إن المراد بالناس الأول هو أبو نعيم؟ قلت: قال الزمخشري: لأنه من جنس الناس كما يقال: فلان يركب الخيل ويلبس البرود وماله إلا فرس واحد وبرد واحد. قوله: (فزادهم) الفاعل فيه هو الضمير الذي يرجع إلى ما دل عليه قوله: (فاخشوهم) أي: ذلك التخويف زادهم إيمانا أي: تصديقا وثبوتا
152
وإقامة على نصرة نبيهم. قوله: (حسبنا الله) أي: كافينا قوله: (ونعم الوكيل) أي: نعم الموكول إليه.
4563 ح دثنا أحمد بن يونس أراه قال حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: * (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأحمد بن يونس هو: أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي، وأبو بكر هو ابن عياش، بتشديد الياء آخر الحروف. وبالشين المعجمة المقرئ المحدث، قيل: اسمه شعبة وأبو حصين، بفتح الحاء المهملة واسمه عثمان بن عاصم، وأبو الضحى اسمه مسلم بن صبيح.
والحديث أخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن إسماعيل، وفيه وفي اليوم والليلة عن هارون بن عبد الله.
قوله: (أراه) بضم الهمزة. أي: أظنه، والقائل بهذه اللفظة البخاري فكأنه شك في شيخ شيخه وفي كون مثل هذه الرواية حجة خلاف. قوله: (وقالها محمد صلى الله عليه وسلم) ذكر القاضي إسحاق البستي في (تفسيره) عن قتيبة: حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله: (الذين قال لهم الناس) قال أبو سفيان: يوم أحد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم، لموعده حتى نزل بدرا وزعم بعضهم، أنه قال ذلك في غزوة حمراء الأسد، وفي (تفسير الطبري)، مر بأبي سفيان ركب من عبد القيس، فقال: إذا جئتم محمدا فأخبروه. أنا قد أجمعنا السير إليه، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ذكره عن ابن إسحاق وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعكرمة نحو.
4564 ح دثنا مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال كان آخر قول إبراهيم حين ألقي حين ألقي في النار * (حسبي الله ونعم الوكيل) *.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن مالك بن إسماعيل بن زياد، أبو غسان النهدي الكوفي، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، وروى النسائي كما في رواية البخاري. كان آخر قول إبراهيم، عليه السلام، ووقع عند أبي نعيم في (المستخرج) من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد أنها أول ما قال، والتوفيق بينهما أنه يحمل على أنه يكون أول شيء قال، وآخر شيء قال.
14
((باب: * (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) * (آل عمران: 180) الآية))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) * الآية هكذا وقع في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره سيقت الآية إلى آخرها قال الواحدي: أجمع المفسرون على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وروى عطية العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته وأراد بالبخل كتمان العلم الذي آتاهم الله عز وجل، وذكره الزجاج أيضا عن ابن جريج واختاره، وفي (تفسير أبي عبد الله بن النقيب) أن هذه الآية الكريمة نزلت في البخيل بنفقة الجهاد حيث كانت النفقة فيه واجبة. وقيل: نزلت في النفقة على العيال وذوي الأرحام إذا كانوا محتاجين. قال الزمخشري، ولا تحسبن من قرأ بالتاء قدر مضافا محذوفا أي: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم، وكذلك من قرأ بالياء وجعل فاعل: يحسبن، ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ضمير أحد، ومن جعل فاعله الذين يبخلون كان المفعول الأول عنده محذوفا، تقديره، ولا تحسبن الذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم، والذي سوغ حذفه دلالة، يبخلون، عليه قوله: (هو خيرا لهم) كلمة هو فصل وقرأ الأعمش بغير هو. قوله: (سيطوقون) تفسير لقوله: (بل هو شر لهم) أي: سيلزمون وبال ما يخلو به
إلزام الطوق، وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي بإسناد جيد في هذه الآية سيطوقون، قال: بطوق من النار.
153
سيطوقون كقولك طوقته بطوق
أراد بهذا تفسير قوله: * (سيطوقون ما بخلوا به) * حاصل المعنى: أن ما بخلوا به في الدنيا يجعل أطواقا يوم القيامة فيطوقون بها فعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما سيحملون يوم القيامة ما بخلوا به، وعن مجاهد: يكلفون أن يأتوا بما بخلوا به، وعن أبي مالك العبدي: يخرج لهم ما بخلوا به شجاعا أقرع من النار فيطوقونه، وعن ابن مسعود ثعبانا يلتوي به رأس أحدهم. قوله: (كقولك: طوقته)، يعني الذي بخلوا به يصير أطواقا في أعناقهم فيصيرون مطوقين. كما في قولك إذا قلت: طوقت فلانا، يعني: جعلت في عنقه طوقا حتى صار مطوقا.
4565 ح دثني عبد الله بن منير سمع أبا النضر حدثنا عبد الرحمان هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هاذه الآية * (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) * إلى آخر الآية.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن منير، بضم الميم وكسر النون على وزن اسم فاعل من الإنارة، أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد، وأبو النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، هاشم بن القاسم ولقبه قيصر التميمي، ويقال: الكناني الحافظ الخراساني، سكن بغداد، وأبو صالح السمان واسمه ذكوان. والحديث مضى في كتاب الزكاة في: باب إثم مانع الزكاة، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن هاشم بن القاسم عن عبد الرحمن بن دينار إلى آخره نحوه: ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (مثل) على صيغة المجهول أي: صور له ماله (شجاعا) أي: حية (أقرع) أي: منحسر شعر الرأس لكثرة سمه. والزبيبة، بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة الأولى: النقطة السوداء فوق العين، واللهزمة: بكسر اللام وسكون الهاء وبالزاي: وهي الشدق.
15
((باب: * (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) * (آل عمران: 186))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب) * الآية. قال الواحدي؟ عن كعب بن مالك: إن سبب نزلوها هو أن كعب بن الأشرف كان يهجو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة وبها، أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود أراد أن يستصلحهم، فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الإذاء فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، بالصبر على ذلك، وقال عكرمة: نزلت في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ بعث أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، إلى فنحاص بن عازورا يستمده، فقال فنحاص: قد احتاج ربكم أن نمده وأول الآية. * (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب) * يعني: اليهود في قولهم: إن الله فقير ونحن أغنياء، وقولهم: يد الله مغلولة، وما أشبه ذلك من افترائهم على الله. قوله: (ومن الذين أشركوا)، يعني: النصارى في قولهم: المسيح ابن الله، وما أشبهه. قوله: (أذى كثيرا)، قال الزجاج: مقصور يكتب بالياء يقال: قد أذى فلان يأذى، إذا سمع ما يسوؤه، وقال الجوهري: أذاه يؤذيه أذاءة وأذية.
87 - (حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله
ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس
154
عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله
عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذينا به في مجلسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي
يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب النبي
دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي
يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال سعد بن عبادة يا رسول الله اعف عنه واصفح عنه فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله
وكان النبي
وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله عز وجل * (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) * الآية وقال الله * (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم) * إلى آخر الآية وكان النبي
يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم فلما غزا رسول الله
بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول
على الإسلام فأسلموا)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي وأخرج هذا الحديث هنا بأتم الطرق وأكملها وأخرجه في الجهاد مختصرا جدا مقتصرا على أرداف أسامة من حديث الزهري عن عروة عن أسامة وأخرجه أيضا في اللباس عن قتيبة وفي الأدب عن أبي اليمان أيضا وعن إسماعيل وفي الطب عن يحيى بن بكير وفي الاستئذان عن إبراهيم بن موسى وأخرجه مسلم في المغازي والنسائي في الطب قوله ' على قطيفة ' بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وهي كساء غليظ قوله ' فدكية ' صفتها أي منسوبة إلى فدك بفتح الفاء والدال وهي بلدة مشهورة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة قوله ' يعود ' جملة حالية قوله ' في بني الحارث ' أي في منازل بني الحارث وهم قوم سعد بن عبادة وفيه أحكام (جواز الأرداف) وعيادة الكبير الصغير * وعدم امتناع الكبير عن ركوب الحمير * وإظهار التواضع وجواز العيادة راكبا وقال المهلب في هذا أنواع من التواضع وقد ذكر ابن منده أسماء الأرداف فبلغ نيفا وثلاثين شخصا قوله ' ابن سلول ' برفع ابن لأنه صفة عبد الله لا صفة أبي لأن سلول اسم أم عبد الله بن أبي وهو بالفتح لأنه لا ينصرف قوله ' وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي ' أي قبل أن يظهر الإسلام وإلا فهو لم يسلم قط قوله ' فإذا في المجلس ' كلمة إذا للمفاجأة قوله ' أخلاط ' بفتح الهمزة جمع خلط بالكسر وأريد به الأنواع قوله ' عبدة الأوثان ' بالجر بدل من المشركين ويجوز
155
أن يكون عطف بيان قوله ' واليهود ' بالجر عطف على عبدة الأوثان وقال بعضهم يجوز أن يكون اليهود عطفا على البدل أو المبدل منه وهو الأظهر (قلت) الأظهر أن يكون عطفا على البدل لأن المبدل منه في حكم السقوط قوله ' والمسلمين ' مكرر فلا محل له ههنا لأنه ذكر أولا فلا فائدة لذكره ثانيا قال الكرماني لعل في بعض النسخ كان أولا وفي بعضها آخرا فجمع الكاتب بينهما والله أعلم وقال بعضهم الأولى حذف أحدهما ولم يبين أيهما أولى بالحذف فجعل الثاني أولى على ما لا يخفى قوله ' فلما غشيت المجلس ' فعل ومفعول وعجاجة الدابة بالرفع فاعله والعجاجة بفتح العين المهملة وتخفيف الجيمين الغبار قوله ' خمر ' بفتح الخاء المعجمة وتشديد الميم أي غطى قوله ' فسلم رسول الله
عليهم ' قال صاحب التوضيح لعله نوى به المسلمين فلا بأس به إذا (قلت) إذا كان في مجلس مسلمون وكفار يجوز السلام عليهم وينوي به المسلمين قوله ' ثم وقف فنزل ' فيه جواز استمرار الوقوف اليسير على الدابة فإن طال نزل كفعله
وقيل لبعض التابعين أنه نهى عن الوقوف على متن الدابة قال أرأيت لو صيرتها سانية أما كان يجوز لي ذلك قيل له نعم قال فأي فرق بينهما أراد لا فرق بينهما قوله ' لا أحسن مما تقول ' بفتح الهمزة على وزن أفعل التفضيل وهو اسم لا وخبرها محذوف أي لا أحسن كائن مما تقول قيل ويجوز رفع أحسن على أنه خبر لا والاسم محذوف أي لا شيء أحسن مما تقول وفي رواية الكشميهني بضم أوله وكسر السين وضم النون من أحسن يحسن وفي رواية أخرى ولا حسن بحذف الألف وفتح السين وضم النون قال بعضهم على أنها لام القسم كأنه قال لا حسن من هذا أن تقعد في بيتك ولا تأتينا (قلت) هذا غلط صريح واللام فيه لام الابتداء دخلت على أحسن الذي هو أفعل التفضيل وليس للام القسم فيه مجال ولم يكتف هذا الغالط بهذا الغلط الفاحش حتى نسبه إلى عياض وحكى ابن الجوزي ضم الهمزة وتشديد السين بغير نون من الحس يعني لا أعلم شيئا قوله ' إن كان حقا ' شرط وجزاؤه مقدما قوله ' لا أحسن مما تقول ' قوله ' فلا تؤذينا ' ويروى ' فلا تؤذنا ' على الأصل قوله ' رحلك ' أي منزلك قوله ' واليهود ' عطف على المشركين وإنما اختصوا بالذكر وإن كانوا داخلين في المشركين تنبيها على زيادة شرهم قوله ' كادوا يتثاورون ' أي قربوا أن يتثاوروا بقتال وهو من ثار بالثاء المثلثة يثور إذا قام بسرعة وإزعاج وعبارة ابن التين يتبادرون قوله ' يخفضهم ' أي يسكنهم قوله حتى سكنوا بالنون من السكون هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني حتى سكتوا بالتاء المثناة من فوق من السكوت قوله ' ما قال أبو حباب ' بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء موحدة أخرى وهي كنية عبد الله بن أبي وليست الكنية للتكرمة مطلقا بل قد تكون للشهرة وغيرها قوله ' ولقد اصطلح ' بالواو ويروى بغير الواو ووجهه أن يكون بدلا أو عطف بيان وتوضيح أو تكون الواو محذوفة قوله ' البحيرة ' بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة مصغرة وقال عياض في غير صحيح مسلم بفتح الباء وكسر الحاء مكبرة وكلاهما بمعنى واحد يريد أهل المدينة والبحرة بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء الأرض والبلد والبحار والقرى قال بعض المفسرين المراد بقوله (ظهر الفساد في البر والبحر) القرى والأمصار وقال الطبري كل قرية لها نهر جار فالعرب تسميها بحرة وقال ياقوت بحرة على لفظ تأنيث البحر من أسماء مدينة سيدنا رسول الله
وبالبحرين قرية لعبد القيس يقال لها بحرة وبحرة موضع لية من الطائف وقال البكري لية بكسر أوله وتشديد الياء آخر الحروف وهي أرض من الطائف على أميال يسيرة وهي على ليلة من قرن ولما سار رسول الله
بعد حنين إلى الطائف سلك على نخلة اليمامة ثم على قرن ثم على المليح ثم على بحرة الرعاء من لية فابتنى في بحرة مسجدا وصلى فيه وقال ياقوت البحيرة تصغير بحرة يراد به كل مجمع ماء مستنقع لا اتصال له بالبحر الأعظم غالبا ثم ذكر بحيرات عديدة ثم قال في آخرها والبحيرة كورة بمصر قرب إسكندرية قوله على أن يتوجوه أي على أن يجعلوه ملكا وكان من عادتهم إذا ملكوا إنسانا توجوه أي جعلوا على رأسه تاجا قوله فيعصبوه بالعصابة أي فيعمموه بعمامة الملوك ووقع في أكثر نسخ البخاري يعصبوه بدون الفاء ووجهه أن يكون بدلا من قوله ' على أن يتوجوه ' ويروى فيعصبونه بالفاء وبالنون على تقدير فهم يعصبونه قال الكرماني أي يجعلوه رئيسا لهم ويسودوه عليهم وكان الرئيس معصبا لما يعصب برأيه من الأمر وقيل بل كان الرؤساء يعصبون رؤسهم بعصابة يعرفون بها قوله شرف بفتح الشين المعجمة
156
وكسر الراء وبالقاف يعني غص لأنه حسد رسول الله
فكان سبب نفاقه يقال غص الرجل بالطعام وشرق بالماء وشجي بالعظم إذا اعترض شيء في الحلق فمنع الإساغة قوله ' بذلك ' أي بما أتى به النبي
قوله ' فذلك فعل به ما رأيت ' أي الذي أتى الله به من الحق فعل به ما رأيت منه من قوله وفعله القبيحين وما رأيت في محل النصب لأنه مفعول فعل وما موصولة وصلتها محذوفة والتقدير الذي رأيته قوله ' فعفا عنه رسول الله
' وكان العفو منه قبل أن يؤذن له في القتال كما يذكره في الحديث قوله قال الله تعالى * (ولتسمعن) * الآية ولتسمعن خطاب للمؤمنين خوطبوا بذلك ليوطنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الأذى والشدائد والصبر عليها وقال ابن كثير يقول الله تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين وأمرهم بالصبر والصفح حتى يفرج الله تعالى عنهم قوله * (فإن ذلك) * أي فإن الصبر والتقوى قوله * (من عزم الأمور) * أي مما عزم الله أن يكون ذلك عزمة من عزمات الله لا بد لكم أن تصبروا وتتقوا قوله ' حتى أذن الله فيهم ' أي في قتالهم وترك العفو عنهم وليس المراد أنه ترك العفو أصلا بل بالنسبة إلى ترك القتال ولا ووقوعه أخيرا وإلا فعفوه
عن كثير من المشركين واليهود بالمن والفداء وصفحه عن المنافقين مشهور في الأحاديث والسير قوله ' صناديد ' جمع صنديد وهو السيد الكبير في القوم قوله ' وعبدة الأوثان ' من عطف الخاص على العام وفائدته الإيذان بأن إيمانهم كان أبعد وضلالهم أشد قوله ' قد توجه ' أي ظهر وجهه قوله ' فبايعوا ' بصورة الجملة الماضية ويحتمل أن يكون بصيغة الأمر * -
16
((باب: * (لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا) * (آل عمران: 188))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله: * (لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا) * ولفظ باب ما ذكره إلا في رواية أبي ذر. قوله: (لا يحسبن) بالياء وبالباء الموحدة المفتوحة. وقوله: (الذين يفرحون) فاعله، وقرئ بالتاء المثناة من فوق خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرئ بضم الباء الموحدة على أنه خطاب للمؤمنين. قوله: (بما أتوا) أي: بما فعلوا ولفظ: أتي وجاء، يجيئان بمعنى: فعل. قال الله عز وجل: * (أنه كان وعده مأتيا) * (مريم: 61) * (لقد جئت شيئا فريا) * (مريم: 27).
4567 ح دثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال حدثني زيد بن أسل عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يفعلوا فنزلت * (لا تحسبن الذين يفرحون) * الآية.
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي: أيضا في بيان سبب نزول الآية المذكورة ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني، وعطاء ابن يسار ضد اليمين.
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن الحسن بن علي الحلواني ومحمد بن سهل، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم.
قوله: (بمقعدهم)، أي: بقعودهم، وهو مصدر ميمي. قوله: (فنزلت)، يعني هذه الآية. وهي: * (ألا تحسبن الذين يفرحون) * الآية. هكذا ذكر أبو سعيد الخدري أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكره، وذكر أحمد عن ابن عباس أنه قال: إنما نزلت في أهل الكتاب على ما يجيء الآن، وقال القرطبي: نزلت في الفريقين جميعا. وذكر الفراء أنها نزلت في قول اليهود: نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة، ومع ذلك لا يقرون بمحمد، فنزلت: * (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * وعموم اللفظ يتناول كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه.
4568 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرىء فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن
157
عباس وما لكم ولهاذه إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ثم قرأ ابن عباس * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) * (آل عمران: 187) كذلك حتى قوله: * (يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * (آل عمران: 188).
أشار بهذا إلى وجه آخر في سبب نزول الآية المذكورة أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبي إسحاق الفراء الرازي عن هشام بن يوسف الصنعاني عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، وقيل: له صحبة.
والحديث أخرجه مسلم أيضا من حديث حجاج عن ابن جريج به.
قوله: (أن مروان) هو ابن الحكم بن أبي العاص، ولي الخلافة وكان يومئذ أمير المدينة من جهة معاوية. قوله: (يا رافع) هو بواب مروان بن الحكم وهو مجهول فلذلك توقف جماعة عن القول بصحة الحديث حتى إن الإسماعيلي قال: يرحم الله البخاري أخرج هذا الحديث في (الصحيح) مع الاختلاف على ابن جريج ومرجع الحديث إلى بواب مروان عن ابن عباس ومروان وبوابه بمنزلة واحدة ولم يذكر حديث عروة عن مروان وحرب عن يسرة في مس الذكر وذكر هذا ولا فرق بينهما إلا أن البواب مسمى ثم لا يعرف إلا هكذا والحرسي غير مسمى والله يغفر لنا وله. قلت: إنكار الإسماعيلي على البخاري في هذا من وجوه: الأول: الاختلاف على ابن جريج فإنه أخرجه من حديث حجاج عن ابن أبي مليكة عن حميد، وأخرجه أيضا من حديث هشام عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة الحديث بعينه. وقد اختلفا (والثاني): أن بواب مروان الذي اسمه رافع مجهول الحال ولم يذكر إلا في هذا الحديث (فإن قلت): إن مروان لو لم يعتمد عليه لم يقنع برسالته. قلت: قد سمعت
أن الإسماعيلي قال: مروان وبوابه بمنزلة واحدة، وقد انفرد بروايته البخاري دون مسلم. (والثالث): أن البخاري لم يورد في (صحيحه) حديث يسرة بنت صفوان الصحابية في مس الذكر ولا فرق بينه وبين حديث الباب لما ذكرنا. وقد ساعد بعضهم البخاري فيه بقوله: ويحتمل أن يكون علقمة بن وقاص كان حاضرا عند ابن عباس لما أجاب. (قلت): لو كان حاضرا عند ابن عباس عند جوابه لكان أخبر ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس أنه أجاب لرافع بواب مروان بالذي سمعه، ومقام علقمة أجل من أن يخبر عن رجل مجهول الحال بخبر قد سمعه عن ابن عباس وترك ابن عباس وأخبره عن غيره بذلك. قوله: (فقل) أمر لرافع المذكور. قوله: (بما أوتي) يروي: (فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بدنيا وأحب أن يحمد) بضم الباء على صيغة المجهول. قوله: (معذبا) منصوب لأنه خبر: كان. قوله: (لنعذبن) جواب قوله: (لئن) وهو على صيغة المجهول. قوله: (أجمعون) وفي رواية حجاج بن محمد (أجمعين) على الأصل. قوله: (وما لكم ولهذه) إنكار من ابن عباس على السؤال بهذه المسألة على الوجه المذكور وأن أصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يهود إلى آخره وفي رواية حجاج بن محمد انما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب. قوله: (فسألهم عن شيء)، قال الكرماني: قيل: هذا الشيء هو نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فكتموه إياه)، أي: كنتم يهود الشيء الذي سألهم صلى الله عليه وسلم عنه وأخبروه بغير ذلك. قوله: (فأروه) أي: فأرو النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم قد استحمدوا إليه، واستحمدوا على صيغة المجهول من استحمد فلان عند فلان أي: صار محمودا عنده، والسين فيه للصيرورة. قوله: (بما أوتوا)، كذا هو في رواية الحموي: بضم الهمزة بعدها واو أي: أعطوا من العلم الذي كتموه، وفي رواية الأكثرين (بما أوتوا) بدون الواو بعد الهمزة أي: بما جاؤوا قوله: (أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) يعني: اذكر وقت أخذ الله ميثاق الكتاب. قوله: (كذلك) إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسؤول عنها وهم المذكورون في قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * كما في الآية التي قبلها أي: قبل هذه الآية وهي قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) الآية.
تابعه عبد الرزاق عن ابن جريج
158
أي: تابع هشام بن يوسف عبد الرزاق على روايته عن ابن جريج، ووصل الإسماعيلي هذه المتابعة فقال: حدثنا ابن زنجويه وأبو سفيان قالا: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة، فذكره.
16 ح دثنا ابن مقاتل أخبرنا الحجاج عن ابن جريج أخبرني بن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمان بن عوف أنه أخبره أن مروان بهذا.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور. أخرجه عن محمد بن مقاتل المروزي عن حجاج الأعور المصيصي عن ابن جريج إلى آخره، وفي الطريق الآخر السابق أخرجه عن هشام عن ابن جريج، وقال الدارقطني في (كتاب التتبع) أخرج محمد. يعني: البخاري حديث ابن جريج يعني هذا من حديث حجاج عنه عن أبي مليكة عن حميد، وأخرجه أيضا من حديث هشام عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة الحديث بعينه، وقد اختلفا فينظر من يتابع أحدهما. انتهى (قلت): أخرج مسلم حديث حجاج دون حديث هشام، وأخرج البخاري متابعة هشام عبد الرزاق كما ذكر الآن، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج كما قال عبد الرزاق.
قوله: (أن مروان بهذا)، أي: حدثنا بهذا، ولم يسق البخاري المتن لهذا، وساقه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقال له فذكر نحو حديث هشام عن ابن حريج المذكور أولا.
17
((باب قوله: * (إن في خلق السماوات والأرض) * (آل عمران: 190) الآية))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) * (آل عمران: 190) ويروى: باب قوله تعالى: * (إن في خلق السماوات والأرض) * وساق إلى (الألباب) وقال الطبراني بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال: أتت قريش اليهود فقالوا: بما جاءكم موسى، عليه السلام؟ قالوا: عصاه ويده البيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى، عليه السلام؟ قالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا أن يجعل لنا الصفا ذهبا. فدعا به فنزلت هذه الآية: * (إن في خلق السماوات والأرض) * الآية. فليتفكروا فيها انتهى قلت: هذا مشكل لأن هذه الآية مدنية وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة، والله أعلم. قوله: (أن في خلق السماوات)، أي: في ارتفاعها واتساعها والأرض في انخفاضها وكثافتها واتضاعها وما فيها من الآيات العظيمة المشاهدة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص، (واختلاف الليل والنهار) أي: تعاقبهما وتعارضهما بالطول والقصر (لآيات) أي: لأدلة واضحة على الصانع وعظم قدرته وباهر حكمته وعلى وحدانيته (لأولي الألباب) أي: لأصحاب العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على ما هي عليه.
4569 ح دثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال * (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) * ثم قام فتوضأ واستن فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير. والحديث قد مضى في كتاب الوتر فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عبد الله بن سلمة عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، وفيه مما لم يذكر هناك ما ذكره الصيدلاني من رواية المخلص عنه عن عبد الله أردت أن أعرف
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الليل، فسألت عن ليلته فقيل لزوجته ميمونة، رضي الله تعالى عنها، فأتيتها فقلت: إني تنحيت عن السخ، ففرشت له في
159
جانب الحجرة، فلما صلى صلى الله عليه وسلم، بأصحابه دخل إلى بيته فحس بي. فقال: من هذا؟ فقالت ميمونة: ابن عمك، وذكر فيه، فلما كان في جوف الليل خرج إلى الحجرة فقلب وجهه إلى السماء ثم عاد إلى مضجعه فلما كان ثلث الليل الآخر خرج إلى الحجرة فقلب وجهه في أفق السماء ثم عمد إلى قربة الحديث. وذكر أبو الشيخ ابن حبان عن ابن عباس، قال: تضيفت ليلة خالتي ميمونة، وهي حينئذ لا تصلي. انتهى. وهذا يمنع تخرص من قال: لعلها كانت حائضا ليلتئذ. قوله: (الآخر) مرفوع لأنه صفة للثلث في قوله: (فلما كان ثلث الليل) فإن قلت: جاء في لفظ نام حتى انتصف الليل أو بعده، بقليل أو قبله: بقليل، وفي لفظ: فقام من آخر الليل. قلت: طريق الجمع أنه قام قومتين وتوضأ.
18
((باب: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * (آل عمران: 191))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (الذين يذكرون الله) * إلى آخره. قوله: * (الذين يذكرون الله) * مدح لأولي الألباب وقياما جمع قائم أي: حال كونهم قائمين وحال كونهم قاعدين وعلى جنوبهم حال أيضا عطفا على ما قبله، كأنه قال: قياما وقعودا مضطجعين.
4570 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن مالك بن أنس عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة فقلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها فجعل يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران حتى ختم ثم أتى شنا معلقا فأخذه فتوضأ ثم قام يصلي فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم جئت فقمت إلى جنبه فوضع يده على رأسي ثم أخذ بأذني فجعل يقتلها ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم أوتر.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران)، وهذا الحديث قد مر في أبواب الوتر كما ذكرنا في الباب الذي قبله. قوله: (شنا)، بفتح الشين المعجمة وتشديد النون: وهو القربة التي يبست وعتقت من الاستعمال. قوله: (ثم أوتر) أي: بالركعة الأخيرة فصارت هي وما قبلها ركعتان وترا.
19
((باب: * (ربنا إنك تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار) * (آل عمران: 192))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (ربنا إنك من تدخل النار) * إلى آخره، وليس في بعض النسخ لفظ: باب. قوله: (ربنا)، أي: يقولون ربنا يعني: يتفكرون حال كونهم قائلين * (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * أي: أذللته وأهنته والأنصار جمع ناصر كالأصحاب جمع صاحب.
4571 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا معن بن عيساى حدثنا مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف
160
الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني بيده يقتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح.
هذا الحديث مثل الحديث الذي في الباب السابق، وشيخه فيهما واحد، وهو: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني، غير أن شيخه هناك عبد الرحمن بن مهدي عن مالك، وهنا عن معن بن عيسى، بفتح الميم وسكون العين المهملة وفي آخره نون ابن يحيى الفزار المديني عن مالك، وفي ألفاظهما بعض اختلاف بالزيادة والنقصان يظهر بالتأمل والنظر.
قوله: (الخواتم)، جمع خاتمة، وفي الحديث السابق، ومعناهما في الحقيقة واحد. قوله: (شن معلقة)، وفي الحديث السابق شنا معلقا بالتذكير فالتذكير بالنظر إلى اللفظ والتأنيث بالنظر إلى معنى القربة. قوله: (موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني)، ووقع في رواية الأصيلي: وأخذ بيدي اليمنى، وهو وهم، والصواب: بأذني. كما في سائر الروايات. قوله: (يقتلها)، جملة حالية من الأحوال المقدرة.
20
((باب: * (ربنا إننا مناديا ينادي للإيمان) * الآية (آل عمران: 193))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ربنا أننا سمعنا مناديا) * إلى آخر الآية. قوله: (مناديا)، المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما في قوله: * (ادع إلى سبيل ربك) * قوله: (أن آمنوا)، أي: بأن آمنوا.
161
4
((* (سورة النساء) *))
أي: هذا تفسير سورة النساء، قال العوفي عن ابن عباس: نزلت سورة النساء بالمدينة وكذا روى ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنهم، وقال ابن النقيب: جمهور العلماء على أنها مدنية وفيها آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن أبي طلحة وهي: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (النساء: 58) وعدد حروفها ستة عشر ألف حرف وثلاثون حرفا، وثلاث آلاف وسبعمائة وخمس وأربعون كلمة، ومائة وست وسبعون آية.
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
البسملة لم تثبت إلا في رواية أبي ذر.
قال ابن عباس يستنكف يستكبر
لم يقع هذا إلا في رواية الكشميهني والمستملي، وأشار به إلى قوله تعالى: * (ومن يستنكف عن عبادته) * (النساء: 172) وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: * (ومن يستنكف عن عبادته) * قال: يستكبر. فإن قلت: ما وجه ذلك وقد عطف يستكبر على يستنكف في الآية حيث قال: * (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر) * والمعطوف غير المعطوف عليه؟ قلت: يجوز أن يكون عطفا تفسيريا. وقد تعجب بعضهم من صدور هذا عن ابن عباس بطريق الاستبعاد. ثم قال: ويمكن أن يحمل على التوكيد. قلت: الصواب ما قلته، ومثل هذا لا يسمى توكيدا يفهمه من له إلمام بالعربية. وقال الطبري: يعني يستنكف يأنف، وقال الزجاج: هو استنكاف من النكف، وهو الأنفة.
قواما قوامكم من معايشكم
أشار بهذا إلى قراءة ابن عمر في قوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) * حيث قرأ: قواما ثم فسره بقوله: قوامكم معايشكم، يعني القيام معا يقيم به الناس معايشهم، وكذلك القوام، وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
لهن سبيلا يعني الرجم للثيب والجلد للبكر
أشار به إلى قوله تعالى: * (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفيهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) * (النساء: 15) كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج إلى أن تموت. وقوله: * (أو يجعل الله لهن سبيلا) * نسخ ذلك، واستقر الأمر على الرجم للثيب والجلد للبكر، وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس قال لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حبس بعد سورة النساء. قوله: * (لهن سبيلا) * يعني: (الرجم للثيب والجلد بالبكر) لم يثبت إلا في رواية الكشميهني والمستملي. وفسر قوله: * (لهن سبيلا) * بقوله: (يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) يعني: أن المراد بقوله سبيلا هو الرجم والجلد وهو قد نسخ الحبس إلى الموت، وروى مسلم وأصحاب السنن الأربعة من حديث عبادة بن الصامت. رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
وقال غيره مثنى وثلاث ورباع يعني اثنتين وثلاثا وأربعا ولا تجاوز العرب رباع.
أي: قال: غير ابن عباس، ووقع هكذا في رواية أبي ذر، والصواب وقوعه لأن على رواية أبي ذر يوهم أن قوله: مثنى إلى آخره روى عن ابن عباس وليس كذلك، فإنه لم يرو عن ابن عباس، وإنما هو قول أبي عبيدة وتفسيره قوله: يعني اثنتين يرجع إلى قوله: مثنى، وقوله: وثلاثا يرجع إلى قوله: وثلاث، وقوله: وأربعا، يرجع إلى قوله: ورباعا، وليس المعنى على ما ذكره، بل معناه المكرر نحو اثنتين اثنتين، والظاهر أنه تركه اعتمادا على الشهرة أو عنده ليس بمعنى التكرار، وليس فيها الانصراف للعدل والوصف. وقال
162
الزمخشري لما فيها من العدلين عدلها عن صيغتها، وعدلها عن تكررها. قوله: ولا تجاوز العرب رباع إشارة إلى أن هذا اختياره، وفيه خلاف لأنه ابن الحاجب هل يقال: خماس ومخمس إلى عشار ومعشر، قال فيه خلاف والأصح أنه لم يثبت، وذكر الطبري أن العشرة يقال فيها إعشار، ولم يسمع في غير بيت للكميت، وهو قوله.
(فلم يستر بثوبك حتى رميت. فوق الرجال خصالا عشارا).
يريد عشرا، وذكر النحاة أن خلفا الأحمر أنشد أبياتا غريبة فيها من خماس إلى عشار.
1
((باب: * (إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) * (النساء: 3))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (وإن خفتم) * الآية. ولم تثبت هذه الترجمة إلا في رواية أبي ذر قوله: (إن خفتم) أي: فزعتم وفرقتم، وهو ضد الأمن، ثم قد يكون المخوف منه معلوم الوقوع وقد يكون مظنونا فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف، هل هو بمعنى العلم أو بمعنى الظن؟ قوله: (أن لا تقسطوا) أي: أن لا تعدلوا. يقال: قسط إذا جار، وأقسط إذا عدل، وقيل: الهمزة فيه للسلب، أي: أزال القسط، ورجحه ابن التين لقوله تعالى: * (ذلكم أقسط عند الله) * (البقرة: 282) لأن أفعل في أبنية المبالغة لا يكون في المشهور إلا من الثلاثي، وقيل: قسط من الأضداد، وحاصل معنى الآية، إذا كانت تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه.
4573 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق
وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه * (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) * أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، يروي عن عبد الملك عبد العزيز بن جريج عن هشام بن عروة، يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام عن عائشة الصديقية.
ومن لطائف هذا الإسناد أن ابن جريج وقع بين هشامين. والحديث من أفراده.
قوله: (أن رجلا كانت له يتيمة) أي: كانت عنده، واللام تأتي بمعنى عند. كقولهم: كتبته لخمس خلون ثم إن رواية هشام عن أبيه عن عائشة هنا توهم أن هذه الآية نزلت في شخص معين، والمعروف عن هشام الرواية من غير تعيين كما رواه الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج، أخبرني هشام عن عروة عن عائشة قالت: (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) نزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة. وهي ذات مال، فلعله ينكحها على مالها وهو لا يعجبه شيء من أمورها ثم يضربها ويسئ صحبتها، فوعظ في ذلك وروى الطبري من حديث عكرمة، كان الرجل من قريش تكون عنده النسوة ويكون عنده الأيتام، فيذهب ماله فيميل على مال الأيتام. فنزلت: * (وإن خفتم أن لا تقسطوا اليتامى) * وروى من حديث ابن عباس. قال: كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء فنهى الله عز وجل عن ذلك. وعن سعيد بن جبير. قال: كان الناس على جاهليتهم إلا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه. قال: فذكروا اليتامى فنزلت هذه الآية. قال: فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا أن لا تقسطوا في النساء. قوله: (عذق) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره قاف وهي النخلة، وبكسر العين الكباسة، والقنو وهو من النخل كالعنقود من العنب. قوله: (وكان يمسكها عليه) أي: وكان الرجل يمسك تلك اليتيمة عليه أي: على العذق، أي: لأجله وكلمة على، تأتي للتعليل كما في قوله: (ولتكبروا الله على ما هداكم) أي: لأجل هدايته إياكم. قوله: (احسبه. قال) أي: قال هشام، قال بعضهم: هو شك من هشام بن يوسف. قلت: يحتمل أن يكون الشك من هشام بن عروة. أي: أظن عروة أنه قال قوله: (كانت شريكته) أي: كانت تلك اليتيمة شريكة الرجل.
4573 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه * (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) * أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، يروي عن عبد الملك عبد العزيز بن جريج عن هشام بن عروة، يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام عن عائشة الصديقية.
ومن لطائف هذا الإسناد أن ابن جريج وقع بين هشامين. والحديث من أفراده.
قوله: (أن رجلا كانت له يتيمة) أي: كانت عنده، واللام تأتي بمعنى عند. كقولهم: كتبته لخمس خلون ثم إن رواية هشام عن أبيه عن عائشة هنا توهم أن هذه الآية نزلت في شخص معين، والمعروف عن هشام الرواية من غير تعيين كما رواه الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج، أخبرني هشام عن عروة عن عائشة قالت: (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) نزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة. وهي ذات مال، فلعله ينكحها على مالها وهو لا يعجبه شيء من أمورها ثم يضربها ويسئ صحبتها، فوعظ في ذلك وروى الطبري من حديث عكرمة، كان الرجل من قريش تكون عنده النسوة ويكون عنده الأيتام، فيذهب ماله فيميل على مال الأيتام. فنزلت: * (وإن خفتم أن لا تقسطوا اليتامى) * وروى من حديث ابن عباس. قال: كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء فنهى الله عز وجل عن ذلك. وعن سعيد بن جبير. قال: كان الناس على جاهليتهم إلا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه. قال: فذكروا اليتامى فنزلت هذه الآية. قال: فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا أن لا تقسطوا في النساء. قوله: (عذق) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره قاف وهي النخلة، وبكسر العين الكباسة، والقنو وهو من النخل كالعنقود من العنب. قوله: (وكان يمسكها عليه) أي: وكان الرجل يمسك تلك اليتيمة عليه أي: على العذق، أي: لأجله وكلمة على، تأتي للتعليل كما في قوله: (ولتكبروا الله على ما هداكم) أي: لأجل هدايته إياكم. قوله: (احسبه. قال) أي: قال هشام، قال بعضهم: هو شك من هشام بن يوسف. قلت: يحتمل أن يكون الشك من هشام بن عروة. أي: أظن عروة أنه قال قوله: (كانت شريكته) أي: كانت تلك اليتيمة شريكة الرجل.
4574 ح دثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى * (وإن خفتم أن لا تقسطوا
163
في اليتامى) * (النساء: 3) فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيزيد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة قالت عائشة وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هاذه الآية فأنزل الله: * (ويستفتونك في النساء) * قالت عائشة وقول الله تعالى في آية أخرى * (وترغبون أن تنكحوهن) * رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال قالت فنهوا أن ينكحوا عمن رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم الأويسي المدني، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. والحديث قد مضى في كتاب الشركة في: باب شركة اليتيم وأهل الميراث فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز المذكور. ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (تكون في حجر وليها)، أي: الذي يلي مالها. قوله: (بغير أن يقسط)، أي: بغير أن يجبر عليها في صداقها. وقد مر أن معنى: أقسط أعدل، وقسط جار
. قوله: (فيعطيها) بالنصب لأنه عطف على قوله: (أن يقسط) قوله: (مثل ما يعطيها غيره) أي: ممن يرغب في نكاحها سواه. قوله: (مثل ما يعطيها غيره) أي: ممن يرغب في نكاحها سواه. قوله: (عن ذلك) أي: عن ترك الإقساط. قوله: (ويبلغوا لهن) ويروى: (ويبلغوا بهن)، بالباء الموحدة. قوله: (أعلى سنتهن) أي: أعلى طريقتهن في الصداق وعادتهن في ذلك. قوله: (ما طاب لهم) أي: ما حل لكم. من قبيل قوله تعالى: * (انفقوا من طيبات ما كسبتم) * (البقرة: 267) وقيل: طاب بمعنى المحبة والاشتهاء أي: ما كنتم تحبون وتشتهون، وكلمة ما في الأصل لما لا يعقل، وقد يطلق على من يعقل كما في هذه الآية الكريمة. قوله: (سواهن) أي: سوى اليتامى من النساء. قوله: (قال عروة. قالت عائشة)، هذا متصل بالإسناد المذكور وترك حرف العطف فيه قوله: (بعد هذه الآية) أي: بعد نزول هذه الآية بهذه القصة، وأراد بهذه الآية قوله تعالى: * (وإن خفتم أن لا تقسطوا) * فأنزل الله تعالى * (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) * الآية. قالت عائشة: والتي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي هي: * (وأن خفتم أن لا تقسطوا) * الآية. قوله: (وقول الله تعالى في آية أخرى: وترغبون). هكذا وقع في رواية صالح بن كيسان المذكورة في آية أخرى، وهو خطأ. لأن قوله تعالى: * (وترغبون أن تنكحوهن) * الآية في نفس الآية التي هي: * (ويستفتونك في النساء) *. قوله: (رغبة أحدكم عن يتيمته) أي: كرغبة أحدكم، ومعنى الرغبة هنا عدم الإرادة لأن لفظ رغب يستعمل بصلتين يقال: رغب عنه إذا لم يرده ورغب فيه إذا أراده. قوله: (حين تكون) أي: اليتيمة قليلة المال وحاصل المعنى أن اليتيمة إذا كانت فقيرة وذميمة يعرضون عن نكاحها قالت عائشة رضي الله عنها فنهوا أي: نهوا عن نكاح المرغوب فيها لمالها وجمالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة ونكاح الفقيرة الذميمة، على السواء في العدل، وكان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه فإذا فعل ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبدا فإن كانت جميلة وهواها تزوجها وأكل مالها، وإن كانت ذميمة منعها الرجال حتى تموت فإذا ماتت ورثها فحرم الله ذلك ونهى عنه. وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك. وفيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجره. لكن يكون العاقد غيره، وفيه خلاف مذكور في الفروع: وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ، لأن بعد البلوغ لا يتم على الحقيقة.
2
((باب: * (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) * (النساء: 6))
164
ليس في كثير من النسخ لفظ باب وقبل قوله: * (ومن كان فقيرا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا) * (النساء: 6). وفي بعض النسخ ساقها بتمامها، وفي بعضها اقتصر على قوله الآية يجوز فيها الرفع على تقدير: الآية بتمامها، ويجوز النصب على تقدير: اقرأ الآية بتمامها. قوله: (ومن كان غنيا) أي: ومن كان في غنية عن مال اليتيم فليستعفف عنه ولا يأكل منه شيئا. قال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، يعني: بقدر قيامه عليه، وقال أبو جعفر النحاس، منع جماعة من أهل العلم الوصي من أخذ شيء من مال اليتيم، قال أبو يوسف القاضي، لا أدري: لعل هذه الآية منسوخة. بقوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (النساء: 29) فلا يحل لأحد أن يأخذ من مال اليتيم شيئا إذا كان معه مقيما في المصر، فإن احتاج أن يسافر من أجله فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ولا يقتني شيئا، وهو قول أبي حنيفة، ومحمد، وقال ابن عباس: (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال: نسخ الظلم والاعتداء، ونسخهما. (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما). ثم افترق الذين قالوا بأن الآية محكمة فرقا، فقال بعضهم: إن احتاج الوصي فله أن يقترض من مال اليتيم، فإن أيسر قضاه، وهذا قول عمر بن الخطاب وعبيدة وأبي العالية وسعيد بن جبير، قال أبو جعفر: وهو قول جماعة من التابعين وغيرهم، وفقهاء الكوفيين عليه أيضا. وقال أبو قلابة: (فليأكل بالمعروف) مما يجبي من الغلة، فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا ولا غيره، وذهب قوم إلى ظاهر الآية، منهم: الحسن البصري، فقالوا: له أن يأكل منه مقدار قوته. وقال الحسن: إذا احتاج ولي اليتيم أكل بالمعروف، وليس عليه إذا أيسر قضاؤه، والمعروف قوته، وهو قول النخعي وقتادة. قوله: * (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم) * اختلف العلماء في هذا الأمر. فقال قوم: هو ندب، فإن القول قول الوصي لأنه أمين. وقال آخرون: وفرض على ظاهر الآية لأنه أمين الأب فلا يقبل قوله على غيره ألا يرى أن الوكيل إذا ادعى أنه دفع إلى زيد ما أمر به لم يقبل قوله: إلا ببينة فكذلك الوصي. وقال عمر بن الخطاب وسعيد بن جبير: هذا الإشهاد إنما هو على دفع الوصي ما استقرضه من مال اليتيم حال فقره.
وفي الإشهاد مصالح منها: السلامة من الضمان والغرم على تقدير إنكار اليتيم. (ومنها): حسم مادة تطرق سوء الظن بالولي. (ومنها): امتثال أوامر الله عز وجل في الأمر بالإشهاد. (ومنها): طيب قلب اليتيم بزوال ما كان يخشاه من فوات ماله ودوامه تحت الحجر.
وبدارا مبادرة
أشار به إلى ما فيه أول الآية المترجم بها. وهو قوله: * (ولا تأكلوها إسرافا بدارا أن يكبروا) * وفسر: بدارا بقوله مبادرة، يعني: لا تأكلوا أموال اليتامى من غير حاجة إسرافا ومبادرة قبل بلوغهم، وقال الزمخشري: إسرافا وبدارا مسرفين ومبادرين كبرهم.
أعتدنا أعددنا أفعلنا من العتاد
هذا محله فيما سيأتي قبل قوله: * (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) * (النساء: 19) وقال بعضهم: وقعت هذه الكلمة في هذا الموضع سهوا من بعض نساخ الكتاب. (قلت): فيه بعد لا يخفى، والظاهر أنه وقع من المصنف وأشار بقوله: (اعتدنا) إلى قوله تعالى: * (أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) * وفسره بقوله:
أعددنا، وأراد أن معناهما واحد، وكذا فسره أبو عبيدة في كتابه (المجاز) (قلت): اعتدنا من باب الافتعال، وأعددنا من باب الأفعال، ولهذا قال: فعلنا من العتاد، بفتح العين، وهو ما يصلح لكل ما يقع من الأمور وهذا المذكور هو رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: اعتددنا افتعلنا، وقال بعهم: الأول هو الصواب. (قلت): يفهم منه أن رواية أبي ذر غير صواب، وليس كذلك، بل الصواب رواية أبي ذر، يعرفه من له يد في علم الصرف.
97 ح دثني إسحاق أخبرنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها في قوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف أنها نزلت في مال
165
اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف.
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن منصور، وصرح به خلف وأبو نعيم، وقيل: هو ابن راهويه، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مر في البيوع، وقال الحافظ المزي: حديث ومن كان غنيا في البيوع، وفي التفسير عن إسحاق بن منصور نسبه في التفسير ولم ينسبه في البيوع عن عبد الله بن نمير به.
قوله: (في مال اليتيم)، وفي رواية الكشميهني، في والي اليتيم والمراد بوالي اليتيم المتصرف في ماله بالوصية ونحوها، والضمير في كان على رواية الكشميهني يرجع إلى الوالي ظاهرا وعلى رواية الأكثرين بالقرينة اللفظية. وهي قوله: (يأكل منه) إلى آخره والله أعلم.
3
((باب: * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين) * (النساء: 8) الآية))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (وإذا حضر القسمة) *. الآية وليس لغير أبي ذر لفظ. باب، وتمام الآية * (فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) *. قوله: (وإذا حضر القسمة أولو القربى)، أي: وإذا حضر قسمة مال الميت أولو قربة الميت. (فارزقوهم منه) أي: من مال الميت. وحاصل المعنى، إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل فإن أنفسهم تتشوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهم آيسون لا شيء يعطون، فأمر الله تعالى، وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون برا بهم وصدقة عليهم وإحسانهم إليهم وجبرا لكسرهم. قوله: (وقولوا لهم قولا معروفا)، القول المعروف العدة الحسنة من البر والصلة. وقيل: الرد الجميل، وقيل: الدعاء، كقولك: عافاك الله وبارك الله فيك. وقيل: علموهم مع إطعامهم وكسوتهم أمر دينهم.
4576 ح دثنا أحمد بن حميد أخبرنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين) * قال هي محكمة وليست بمنسوخة.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن حميد أبو الحسن القرشي الكوفي ختن عبيد الله بن موسى. يقال: له دار أم سلمة لقب بذلك لجمعه حديث أم سلمة وتتبعه لذلك. وقال ابن عدي: كان له اتصال بأم سلمة يعني: زوج السفاح الخليفة. فلقب بذلك، وقيل: وهم الحاكم فقال: يلقب جار أم سلمة وثقه مطين، وقال: كان يعد في حفاظ أهل الكوفة ومات سنة عشرين ومائتين وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وعبيد الله هو ابن عبد الرحمن الكوفي وأبوه فرد في الأسماء، وسفيان هو الثوري، والشيباني، بفتح الشين المعجمة، هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، والحديث من أفراده.
قوله: (هي محكمة)، يعني: الآية المذكورة محكمة. قوله: (وليست بمنسوخة)، تفسير للمحكمة، وعلى هذا الأمر في قوله: (وارزقوهم) للندب أو الوجوب، وقيل: هي منسوخة بآية المواريث، وهو قول سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وآخرين. وهو قول الأئمة وأصحابهم.
تابعه سعيد عن ابن عباس
أي: تابع عكرمة سعيد بن جبير في روايته هذا الحديث عن ابن عباس، ووصل البخاري هذه التابعة في كتاب الوصايا في: باب قوله الله تعالى: * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) * فإنه أخرجه هناك عن محمد بن الفضل عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
4
((باب: * (يوصيكم الله في أولادكم) * (النساء: 11))
سقط لفظ باب وقوله: * (في أولادكم) * لغير أبي ذر، والمراد بالوصية هنا بيان قسمة الميراث.
166
4577 ح دثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني ابن منكدر عن جابر رضي الله عنه قال عادني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش علي فأفقت فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله فنزلت * (يوصيكم الله في أودلاكم) * (النساء: 11).
عين الترجمة في حديث الباب. وهشام هو ابن يوسف، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وابن المنكدر هو محمد.
والحديث مضى في كتاب الطهارة في: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم، وضوءه على المغمى عليه، فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن محمد بن المنكدر إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (في بني سلمة)، بفتح السين وكسر اللام، وهم قوم جابر وهم بطن من الخزرج. قوله: (لا أعقل)، زاد الكشميهني شيئا. قوله: (ثم رش علي)، أي: من نفس الماء الذي توضأ به وصرح به في الاعتصام. قوله: (فنزلت * (يوصيكم الله) *)، هكذا وقع في رواية بن جبير، قيل: إنه وهم في ذلك، والصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر الآية التي في آخر النساء. وهي: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (النساء: 176) لأن جابرا يومئذ لم يكن له ولد ولا والد، والكلالة من لا ولد له ولا والد، وقد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد والنسائي عن محمد بن منصور كلاهما عن ابن عيينة عن ابن المنكدر في هذا الحديث، حتى نزلت عليه آية الميراث: * (يستفتونك قل يفتيكم في الكلالة) *، وروى الترمذي من حديث جابر بن عبد الله. قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال. قال: يقضي الله في ذلك، فنلزت آية المواريث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: اعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك.
5
((باب: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * (النساء: 12))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * وليس لفظ: باب، إلا في رواية المستملي قوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) *.
4578 ح دثنا محمد بن يوسف عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع.
مطابقته للترجمة في قوله: (وللزوج الشطر)، أي: شطر المال. وذلك عند عدم الولد، ومحمد بن يوسف بن واقد الفريابي وليس هو محمد بن يوسف البخاري البيكندي، وورقاء تأنيث الأورق ابن عمر اليشكري، ويقال الشيباني، أصله من خوارزم، ويقال: من الكوفة سكن المدائن، وابن أبي نجيح هو عبد الله، وأبو نجيح، بفتح النون وكسر الجيم، اسمه يسار ضد اليمين وعطاء هو ابن رباح. والحديث قد مر في الوصايا في: باب لا وصية لوارث، بعين هذا الإسناد والمتن، ومر الكلام فيه هناك.
6
((باب: * (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) * (النساء: 19) الآية))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (لا يحل لكم) * الآية، وهذا المقدار بلفظ: باب، في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره هكذا: * (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) * الآية. تمام الآية: * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن
167
بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) * وأول الآية: * (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا) * وأن مصدرية. قوله: (كرها) مصدر في موضع الحال، وقرأ حمزة والكسائي بضم الكاف، ومعنى العضل يأتي عن قريب. قوله: (بفاحشة) قال ابن مسعود وابن عباس: هي الزنى، يعني: إذا زنت فللزوج أن يسترجع الصداق الذي أعطاها ويضاجرها حتى تترك له، وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك وعطاء الخراساني وأبو قلابة والسدي وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال. وعن ابن عباس: الفاحشة المبينة النشوز والعصيان، وحكي ذلك أيضا عن الضحاك وعكرمة، واختار ابن جرير أنه أعم من الزنى والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك.
ويذكر عن ابن عباس لا تعضلوهن لا تقهروهن
هذا وصله أبو محمد الرازي عن أبيه. حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وفي رواية الكشميهني لا تعضلوهن لا تنهروهن من الانتهار، وهي رواية القابسي أيضا، وقال بعضهم: هذه الرواية وهم، والصواب ما عند الجماعة. قلت: لا يدري ما وجه الصواب هنا ومعنى الانتهار لا يخلو عن معنى القهر على ما لا يخفى.
حوبا إثما
أشار به إلى ما في قوله عز وجل: * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أنه كان حوبا كبيرا) * فسر حوبا بقوله: إثما ووصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن داود بن هند عن عكرمة عن ابن عباس. في قوله تعالى: * (إنه كان حوبا كبيرا) *. قال: إثما عظيما وعن مجاهد والسدي والحسن وقتادة مثله، وقرأ الحسن بفتح الحاء والجمهور على الضم.
تعولوا تميلوا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا) * (النساء: 3) وفسر قوله: * (أن لا تعولوا) * بحذف: أن بقوله: تميلوا، وفسره جماعة نحوه، وأسنده ابن المنذر في تفسيره عن ابن عباس وذكر نحوه مرفوعا وقال: أن معناه تجور واو فسره الشافعي بقوله: لا يكثر عيالكم، وأنكره المبرد، ووجه إنكاره أنه لو كان معناه نحو ما قاله الشافعي لكان قال: أن لا تعيلوا من أعال وهو من الثلاثي المزيد فيه، والذي في الآية من الثلاثي المجرد.
نحلة النحلة المهر
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (النساء: 4) وفسرها بقوله: المهر، وفي رواية أبي ذر، (فالنحلة المهر) بالفاء، وقال الإسماعيلي: إن كان هذا التفسير من البخاري ففيه نظر وقد قيل فيه غير ذلك، وأقرب الوجوه، أن النحلة ما يعطونه من غير عوض، ورد عليه بأن ابن أبي حاتم والطبري قد رويا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * قال: النحلة المهر، وقال: قاتل وقتادة وابن جريج، نحلة أي: فريضة مسماة. وقال ابن دريد: النحلة في كلام العرب الواجب. تقول لا ينكحها إلا بشيء واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق. قوله: (وآتوا النساء صدقاتهن)، الخطاب الناكحين. أي: أعطوا النساء مهورهن، والصدقات جمع صدقة، بفتح الصاد وضم الدال. وهي لغة أهل الحجاز وتميم تقول: صدقة، بضم الصاد وسكون الدال فإذا جمعوا يقولون: صدقات بضم الصاد وسكون الدال ويضمها أيضا. مثل: ظلمات، وانتصاب نحلة على المصدر لأن النحلة الإيتاء بمعنى الإعطاء أو على الحال من المخاطبين أي: آتوهم صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء أو من الصدقات أي: منحولة معطاة عن طيب الأنفس.
4579 ح دثنا محمد بن مقاتل حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس قال الشيباني وذكره أبو الحسن السوائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس * (يا أيها
168
الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) * (النساء: 19) قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤا زوجوها وإن شاؤا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هاذه الآية في ذلك.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي، وأسباط، بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وبالياء الموحدة: ابن محمد بن عبد الرحمن القرشي الكوفي قال الواقدي: مات في أول سنة مائتين وأدركه البخاري بالسن وعن ابن معين. كان يخطئ عن سفيان فلذلك ذكره ابن البرقي في الضعفاء، ولكن قال: كان ثبتا فيما يروي عن الشيباني ومطرف، وقال العقيلي، ربما وهم في الشيء وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، والشيباني، بالشين المعجمة وهو سليمان بن فيروز، وأبو الحسن اسمه عطاء. وقال الكرماني: اسمه مهاجر، مر في باب الإيراد بالظهر. (قلت): قال البخاري في باب الإيراد بالظهر: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن سمع زيد بن وهب الحديث. وظن الكرماني أنهما واحد وليس كذلك لأن المذكور في: باب الإيراد بالظهر التيمي، والمذكور هنا السوائي، بضم السين المهملة وتخفيف الواو الممدودة وكسر الهمزة. نسبة إلى بني سواه بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بطن كبير.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن الحسين بن منصور. وأخرجه أبو داود في النكاح عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن حرب.
قوله: (أخبرنا أسباط)، وفي بعض النسخ: حدثنا. قوله: (وذكره)، أي: الحديث. قوله: (ولا أظنه)، أي: ولا أحسبه وأشار بهذا إلى أن للشيباني طريقين. (أحدهما): موصول، وهو: عن عكرمة عن ابن عباس (والآخر): مشكوك في وصله وهو عن أبي الحسن السوائي عن ابن عباس. قوله: (قال: كانوا) أي: قال ابن عباس: كانوا أي: الجاهلية. قاله السدي: وقال الضحاك: أي: أهل المدينة. قوله: (فهم) ويروى: وهم بالواو، وقوله: (فنزلت هذه الآية)، يعني: الآية المذكورة وهي قوله: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها).
7
((باب قوله تعالى: * (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) * (النساء: 33) الآية))
أي: هذا باب في قوله تعالى هكذا في رواية غير أبي ذر وفي رواية أبي ذر ساق إلى قوله: (شهيدا) بعد قوله: (والأقربون) الآية. * (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم أن الله كان على كل شيء شهيدا) * قوله: * (ولكل جعلنا موالي) * قال الزمخشري: أي: ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون من المال جعلنا موالي وراثا يلونه ويحرزونه أو لكل قوم جعلناهم موالي نصيب. وفي (تفسير ابن كثير) قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح وقتادة وزيد بن أسلم والسدي والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم في قوله: * (ولكل جعلنا موالي) * أي: ورثة. وفي رواية عن ابن عباس: أي عصبة، وقال ابن جرير: ومعنى قوله: * (مما ترك الولدان والأقربون) * ما تركه والديه وأقربيه من الميراث. قوله: (والذين عاقدت أيمانكم)، قال الزمخشري: هذا مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء، وهو معنى قوله: * (فآتوهم نصيبهم) * وذكر وجوها أخر فمن أراد أن يقف عليها فليرجع إلى تفسيره، وقال ابن كثير: أي والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة إن الله كان شاهدا بينكم في تلك العهود والمعاقدات، وقد كان هذا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وأمروا أن يؤتوا لمن عاقدوا ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة.
موالي أولياء ورثة
فسر لفظ موالي: في الآية التي ترجم بها بقوله: أولياء ورثة وقد تقدم عن ابن عباس أنه فسره موالي بالورثة.
وقال معمر أولياء موالي أولياء ورثة
ليس هذا بموجود في بعض النسخ. قال الكرماني: معمر بفتح الميمين ابن راشد الصنعاني، وقال بعضهم: وكنت أظن أنه
169
معمر بن راشد إلى أن رأيت الكلام المذكور في (المجاز) لأبي عبيدة أن اسمه معمر بن المثنى ولم أره عن معمر بن راشد. (فمات) عبد الرزاق أيضا يروى هذا عن
معمر بن راشد، ولا يلزم من ذكر أبي عبيدة هذا في (المجاز) أي يكون الذي ذكره البخاري في هواياه، ولا يمتنع أن يكون هذا مرويا عن معمر بن جميعا. ثوله: (أولياء موالي) بالإضافة نحو شجر الأراك، والإضافة فيه للبيان، وكذلك أولياء ورثة، وحاصل الكلام أن أولياء الميت الذين يلون ميراثه ويجوزونه على نوعين: ولي بالموالاة وعقد الولاء وهم الذين عاقدت أيمانكم، وولى بالإرث أي القرابة وهم الوالدان والأقربون.
* (والذين عاقدت أيمانكم) * هو مولى اليمين وهو الحليف
فسر لفظ * (والذين عاقدت) * المذكورة في الآية المذكور في الآية المذكورة بقوله: هو مولى اليمين العاقدة بين اثنين فصاعدا والأيمان جمع يمين، ومضى الكلام فيه في كتاب الكفالة.
(والمولى أيضا ابن العم والمولى المنعم المعتق والمولى المعتق والمولى المليك والمولى مولى في الدين).
أشار بهذا إلى أن لفظ المولى يأتي لمعان كثيرة وذكر منها خمسة معان الأول: يقال لابن العم مولى، قال الشاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا
الثاني: المنعم. أي: الذي ينعم على عبده بالعتق وهو الذي يقال له المولى الأعلى. الثالث: المولى المعتق، بفتح التاء، وهو الذي يقال له المولى الأسفل. الرابع: يقال للمليك المولى لأنه يلي أمور الناس. الخامس: المولى مولى في الدين، ومما لم يذكره الناصر والمحب والتابع والجار والحليف والعقيد والصهر والمنعم عليه والولي والموازي، وقال الزجاج: كل من يليك أو والاك فهو مولى.
4580 ح دثنا الصلت بن محمد حدثنا أبو أسامة عن إدريس عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولكل جعلنا موالي قال ورثة والذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت ثم قال والذين عاقدت أيمانكم من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث بعينه سندا ومتنا مضى في الكلمة في: باب قول الله تعالى: * (والذين عاقدت أيمانكم) * ومضى الكلام فيه هناك. وأبو أسامة حماد بن أسامة. إدريس هو ابن يزيد الأودي، وماله في البخاري سوى هذا الحديث.
قوله: (فلما نزلت * (ولكل جعلنا موالي) * نسخت)، هكذا وقع في هذه الرواية أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية، وفي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن النسخ بقوله تعالى: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) * وبه قال الحسن وعكرمة وقتادة، وقال ابن المسيب: كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك. فسخ قوله: * (والرفادة) * بكسر الراء بالإعانة والإعطاء. قوله: (ويوصي له)، أي: للحليف لأنه ميراثه لما نسخ جازت الوصية.
سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة
لم يقع هذا إلا في رواية المستملي وحده، وأشار بهذا إلى أن كل واحد من أبي أسامة وإدريس قد صرح بالتحديث فأسامة من إدريس، وإدريس من طلحة بن مصرف، وصرح بذلك الحاكم في (مستدركه) في الحديث ثم قال: صحيح على شرط الشيخين.
8
((باب قوله: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * (40) يعني زنة ذرة))
170
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * وفسر مثقال ذرة بقوله: زنة ذرة، ومثقال الشيء ميزانه من مثله، وقال الزجاج، هو مثقال من الثقل، وقيل: لكل ما يعمل وزن ومثقال تمثيلا لأن الصلاة والصيام والأعمال لا وزن لها، ولكن الناس خوطبوا على ما يقع في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، وقال أبو منصور الجواليقي، يظن الناس أن المثقال وزن الدنيا لا غير، وليس كذلك إنما مثقال كل شيء وزنه وكل وزن يسمى مثقالا وإن كان وزن ألف. قال الشاعر:
وكلا يوفيه الجزا بمثقال
قال الهروي: أي: يوزن. قوله: (ذرة)، الذرة واحدة الذر وهو النمل الأحمر الصغير، وسئل ثعلب عن الذرة فقال: إن مائة نملة وزن حبة. قال ابن الأثير: وقيل: إن الذرة لا وزن لها ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس، وزعم بعض الحساب أن زنة الشعيرة حبة، وزنة الحبة أربع زرات وزنة الذرة أربع سمسمات، وزنة السمسمة أربع خردلات، وزنة الخردلة أربع ورقات نخالة، وزنة الورقة من النخالة أربع ذرات، فعلمنا من هذا أن الذرة أربعة في أربعة فأدركنا أن الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين حبة، وذلك أن الحبة ضربناها في أربع ذرات جاءت ست عشرة سمسمة والست عشرة ضربناها في أربع جاءت مائتين وست وخمسين نخالة، فضربناها في أربع جاءت ألفا وعشرين ذرة وقيل: الذرة رأس النملة الحمراء. وقيل: الذرة الخردلة، وقال الثعلبي. قال يزيد بن هارون: زعموا أن الذرة ليس لها وزن، ويحكى أن رجلا وضع خبزا حتى علاه الذر مقدار ما ستره ثم وزنه فلم يزد على مقدار الخبز شيئا وعن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم نفخ فيه. وقال: كل واحد من هؤلاء ذرة وعن قتادة: كان بعض العلماء يقول: لأن تفضل حسناتي وزن ذرة أحب إلي من الدنيا جميعا. وفي حديث ابن مسعود يرفعه يا رب لم يبق لعبدك إلا وزن ذرة، فيقول عز وجل، ضعفوها له وأدخلوه الجنة.
4581 ح دثني محمد بن عبد العزيز حدثنا أبو عمر حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أناسا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها سحاب قالوا
لا قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس فيها سحاب قالوا لا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله بر أو فاجر وغبرات أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم من كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزيز ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون فقالوا عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم من كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فكذلك مثل الأول حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أتاهم رب العالمين في أدني صورة من التي رأوه فيها فيقال تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد فيقول أنا
171
ربكم فيقولون لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا.
مطابقته للترجمة من حيث إن المفهوم من معناه أن الله تعالى يحكم يوم القيامة بين عباده المؤمنين والكافرين بعدله العظيم ولا يظلم أحدا منهم مثقال ذرة ولم أر أحدا من الشراح ذكر وجه المطابقة ولا انصف في شرح هذا الحديث، فمنهم من علقه بشيء لم يمض، ومنهم من علقه بالمستقبل يذكر فيه، ومنهم من شرح بعضا دون بعض، فنقول بعون الله ولطفه. إن شيخه فيه محمد ابن عبد العزيز أبو عبد الله الرملي يعرف بابن الواسطي لأن أصله من واسط وثقه العجلي ولينه أبو زرعة، وأبو حاتم، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الاعتصام، وحفص بن ميسرة، ضد الميمنة، وعطاء بن يسار ضد اليمين، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن يحيى بن بكير، وأخرجه مسلم في الإيمان عن سويد بن سعيد وغيره.
قوله: (نعم) أي: نعم ترون ربكم يوم القيامة وهذه الرؤية غير الرؤية التي هي ثواب للأولياء وكرامة لهم في الجنة إذ هذه للتمييز بين من عبد الله وبين من عبد غيره، وفيه رد على أهل البدع من المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة في قولهم: إن الله لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح. وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخر للمؤمنين. ورواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والكلام فيه مستقصى في كتب الكلام. وأما رؤية الله في الدنيا فممكنة ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين. وغيرهم على أنها لا تقع في الدنيا، وحكى الإمام القشيري في (رسالته) عن الإمام أبي بكر بن فورك أنه حكي فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعري: أحدهما: وقوعها. والآخر: أنها لا تقع قوله: (هل تضارون في ضبطه روايات) الأولى: تضارون بضم أوله وضم رائه من غير تشديد من الضير وهو المضرة كما في قوله تعالى. قالوا: (لا ضير) أي: لا ضرر، ومعناه: هل يلحقكم في رؤيته ضير أي: ضرر. الثانية: هل تضارون بفتح التاء وتشديد الضاد والراء من الضرر. ومعناه هل تضارون غيركم في حال الرؤية بزحمة ومخالفة في رؤية غيرها أو لخفائه كما يفعلون أول ليلة من الشهر، وقال الخطابي: وأصله هل تتضارون. أي: تتزاحمون عند رؤيته حتى يلحقكم الضرر، ووزنه تتفاعلون، فحذفت إحدى التاءين. الثالثة: تضامون، بتشديد الميم وفتح أوله: ومعناه هل تتضامون وتتوصلون إلى رؤيته، وأصله من الانضمام. الرابعة: هل تضامون، بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم، وهو المشقة والتعب، وأورد الثالثة والرابعة في غير هذا الموضع. قوله: (بالظهيرة)، وهي اشتداد حر الشمس في نصف النهار. ولا يقال ذلك في الشتاء. قوله: (ضوء)، بالجر بدل عما قبله في الموضعين. قوله: (إلا كما تضارون)، التشبيه إنما وقع في الوضوح وزوال الشك والمشقة والاختلاف لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور التي جرت العادة بها عند الرؤية. قوله: (أذن مؤذن)، أي: نادى مناد. قوله: (تتبع)، بالرفع ويروى بالجزم بتقدير اللام كما في قوله: تعالى * (قل لعبادي الذين يقيموا الصلاة) * قوله (من الأصنام والأنصاب) والأصنام جمع صنم قال ابن الأثير الصنم اتخذ إلاها من دون الله، وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن، والأنصاب جمع نصب، بضم الصاد وسكونها، وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنما يعبدونه، وقيل: هو حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم. قوله: (برا وفاجرا)، أي: هو برا وهو فاجر، والبر هو الذي يأتي بالخير ويطيع ربه، يقال: فلان يبر خالقه ويتبرره، أي: يطيعه ويجمع على أبرار، والبار يجمع على بررة، والفاجر المنبعث في المعاصي والمحارم من فجر يفجر، من باب نصر ينصر فجورا قوله: (وغبرات أهل الكتاب) بضم الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة بعدها راء جمع غبر، وهو جمع غابر والمعنى: بقايا أهل الكتاب، من غبر الشيء يغبر غبورا إذا مكث وبقي، والغابر هو الماضي. قال الأزهري: هو من الأضداد ثم قال: والمعروف الكثير أن الغابر هو الباقي. قوله: (فيقال لهم: كذبتم)، قال الكرماني: التصديق والتكذيب راجعان إلى الحكم الموقع لا إلى الحكم المشار إليه لأنه إذا قيل: زيد بن عمر وجاء فكذبته فقد أنكرت المجيء لا كونه ابن عمرو، وأجاب بقوله: نفي اللازم هو كونه ابن الله تعالى ليلزم نفي الملزوم وهو عبادة ابن الله، أو نقول: الرجوع المذكور هو مقتضى الظاهر وقد يتوجه
172
بحسب المقام إليهما جميعا أو إلى المشار إليه فقط. قوله: (كأنه سراب يحطم بعضها بعضا) أي: بكسر بعضها بعضا، ومنه سميت النار: الحطمة لأنها تحطم كل شيء أي تكسره وتأتي عليه، والسراب هو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء قوله: (أتاهم) أي: ظهر لهم، والإتيان مجاز عن الظهور. وقيل: الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه، لأن العادة أن من غاب عن غيره لا تمكنه رؤيته إلا بالإتيان، فعبر بالإيتان هنا عن الرؤية مجازا وقيل: فعل من أفعال الله تعالى سماه إتيانا وقيل المراد بالإتيان إتيان بعض ملائكته وقال عياض: هذا الوجه أشبه عندي في قوله: (في أدنى صورة) أي: أقربها. قال الخطابي: الصورة الصفة يقال: صورة هذا الأمر
كذا أي صفته، وأطلق الصورة على سبيل المشاكلة والمجانسة. قوله: (من التي رأوه فيها)، أي: من الصورة التي عرفوه فيها، والرؤية بمعنى العلم لأنهم لم يروه قبل ذلك، ومعناه: يتجلى الله لهم بالصفة التي يعرفونه بها لأنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون: أنت ربنا. قوله: (على أفقر ما كنا إليهم)، أي: على أحوج، يعني: لم نتبعهم في الدنيا مع الاحتياج إليهم، ففي هذا اليوم بالطريق الأولى. قوله: (لا نشرك بالله شيئا)، وفائدة قولهم هذا مع أن يوم القيامة ليس يوم التكليف استلذاذا وافتخارا به وتذكارا بسبب النعمة التي وجدوها.
9
((باب: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هاؤلاء شهيدا) * (النساء: 41))
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: * (إذا جئنا) * الآية، أخبر الله تعالى بهذه الآية الكريمة عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة حين يجيء من كل أمة بشهيد يعني الأنبياء عليهم السلام، وقال الزمخشري: فكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم كقوله: * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وجئنا بك على هؤلاء) * (المائدة: 117) المكذبين * (شهيدا) * وفي (التلويح) واختلف في المعنى بقوله: هؤلاء من هم، فعند الزمخشري: هم المكذبون، وقال مقاتل: هم كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي (تفسير ابن النقيب) هم سائر أمته صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك ففيه قولان: أحدهما: أنه يشهد عليهم. والثاني: أنه يشهد لهم، فعلى هذا يكون على: بمعنى اللام، وقيل: المراد بهم أمة الكفار، وقيل: أنهم اليهود والنصارى، وقيل: هم كفار قريش دون غيرهم، وفي الذي يشهد به أقوال أربعة: الأول: أنه يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ أمته، قاله ابن مسعود وابن جريج والسدي ومقاتل. الثاني: أنه يشهد بإيمانهم، قاله أبو العالية. الثالث: إنه يشهد بأعمالهم. قاله مجاهد وقادة. الرابع: إنه يشهد لهم وعليهم، قاله الزجاج.
المختال والختال واحد
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) * والمختال المتكبر: أي: يتخيل في صورة من هو أعظم منه كبرا. وقال الزمخشري: هو التياه والجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه. قوله: (وأحد)، يعني: في المعنى، وفيه نظر، لأن المختال من الخيلاء، والختال: بتشديد التاء المثناة من فوق من الختل وهو الخديعة فلا يناسب معنى الكبر، وهكذا وقع في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي: المختال والخال واحد والخال واحد والخال بدون التاء وصوب هذا جماعة، وكذا في كلام أبي عبيدة. (فإن قلت): ما وجه التصويب فيه؟ فكيف هنا بمعنى واحد؟ قلت: الخال يأتي لمعان كثيرة: (منها): معنى الكبر لأن الخال بمعنى الخائل وهو المتكبر، وقال بعضهم: الخال يطلق على معان كثيرة نظمها بعضهم في قصيدة تبلغ نحوا من العشرين بيتا قلت: كتبت قصيدة في مؤلفي (رونق المجالس) تنسب إلى ثعلب تبلغ هذه اللفظة فيها نحوا من أربعين.
نطمس وجوها نسويها حتى تعود كأفعالهم طمس الكتاب محاه
أشار به إلى قوله تعالى: * (من قبل أن
173
نطمس وجوها) * وفسره بقوله نسويها بقوله: (حتى تعود كأفقائهم) وأسند الطبري عن قتادة أن المراد أن تعود الأوجه في الأفقية، وعن قتادة: تذهب بالشفاه والأعين والحواجب فيردها أقفاء، وقال أبي بن كعب: هو تمثيل وليس المراد حقيقتها حسا. وقال الكرماني: نطمس منصوب على الحكاية من قوله: (من قبل أن نطمس) وأشار بقوله: طمس الكتاب محاه إلى أن الطمس يجيء بمعنى المحو أيضا.
سعيرا وقودا
أشار به إلى قوله تعالى: * (كفى بجهنم سعيرا) * (النساء: 55) وفسر سعيرا بقوله: وقودا. لو كذا فسره أبو عبيدة، وقال بعضهم: هذه التفاسير ليست لهذه الآية وكأنها من النساخ. قلت: هذا بعيد جدا لأن غالب الكتاب جهلة فمن أين لهم هذه التفاسير؟ وبأي وجه يلحقون مثل هذه في مثل هذا الكتاب الذي لا يحلق أساطين العلماء شاؤه؟ ومن شأن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط وليس من دأبهم أن يزيدوا في كتاب مرتب منقح من عندهم، ولو قال: وكأنه من بعض الرواة المعتنين بالجامع لكان له وجه، ولا يبعد أن يكون هذا من نفس البخاري من غير تفكر فيه، فإن تنبه عليه فلعله ما أدرك إلى وضع هذه التفاسير في محلها ثم استمرت على ذلك.
4582 ح دثنا صدقة أخبرنا يحيى عن سفيان عن سليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال يحيى بعض الحديث عن عمرو بن مرة قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي قلت اقرأ عليك وعليك أنزل قال فإني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هاؤلاء شهيدا) قال أمسك فإذا عيناه تذرفان.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وصدقة هو ابن الفضل أبو الفضل المروزي، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وسليمان هو الأعمش، وإبراهيم هو النخعي، وعبيدة، بفتح العين وكسر الباء الموحدة: ابن عمرو السلماني.
ومن سفيان إلى آخره كلهم كوفيون، وفيه: ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم لسليمان وإبراهيم وعبيدة، وعبد الله هو ابن مسعود، وعمرو بفتح العين، ابن مرة، بضم الميم وتشديد الراء، الجملي بفتح الجيم التابعي.
والحديث أخرجه البخاري في فضائل القرآن عن محمد بن يوسف وعن عمر بن حفص وعن مسدد. وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر وغيره، وأخرجه أبو داود في العلم عن عثمان بن أبي شيبة. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمود بن غيلان وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن هناد بن السري به وفي فضائل القرآن عن سويد
بن نصر به وعن غيره.
قوله: (قال يحيى) هو القطان، وقال الكرماني: قد ذكر البخاري كلام يحيى للتقوية، وإلا فإسناد عمرو مقطوع وبعض الحديث مجهول قلت: ظاهره كذا، ولكنه أوضحه في فضائل القرآن في: باب البكاء عند قراءة القرآن عن مسدد عن يحيى عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله. قال الأعمش: وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي) الحديث. قوله: (اقرأ علي) فيه أن القراءة من الغير أبلغ في التدبر والتفهم من قراءة الإنسان بنفسه، وفيه فضل ظاهر لعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، وفي (تفسير عبد) لما قرأ عبد الله هذه الآية قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد). قوله: (فإذا عيناه)، كلمة إذا للمفاجأة. (وعيناه) مبتدأ، وتذرفان، خبره، أي: عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطلقان دمعهما يقال: ذرف الدمع بالذال المعجمة، وذرفت العين دمعها. وفي بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، وجوه: الأول: قال ابن الجوزي: بكاؤه صلى الله عليه وسلم، عند هذه الآية الكريمة لأنه لا بد من أداء الشهادة والحكم على المشهود عليه إنما يكون يقول الشاهد، فلما كان صلى الله عليه وسلم، هو الشاهد وهو الشافع بكى على المفرطين منهم. الثاني: أنه بكى لعظم ما تضمنته هذه الآية الكريمة من هول المطلع وشدة الأمر إذ يؤتي بالأنبياء عليهم السلام، شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب. الثالث: أنه بكى فرحا لقبول شهادة أمته صلى الله عليه وسلم، يوم القيامة وقبول تزكيته لهم في ذلك اليوم العظيم.
174
10
((باب قوله: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط) * (النساء: 43))
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى) * الآية. قوله: (مرضى)، جمع مريض، وأراد به مريضا يضره الماء كصاحب الجدري والجروح ومن يتضرر باستعمال الماء هذا قول جماعة من الفقهاء إلا ما ذهب إليه عطاء والحسن أنه لا يتيمم مع وجود الماء احتجاجا بقوله تعالى: * (فإن لم تجدوا ماء) * ولم يؤخذ به. قوله: (أو على سفر)، أي: أو كنتم على سفر وليس السفر شرطا لإباحة التيمم، وإنما الشرط عدم الماء، وإنما ذكر السفر لأن الماء يعدم فيه غالبا. قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط)، وهو الموضع المطمئن من الأرض، كانوا يتبرزون هناك ليغيبوا عن أعين الناس، فكنى عن الحدث بمكانه، ثم كثر الاستعمال حتى صار كالحقيقة، والفعل منه: غاط يغوط، مثل عاد يعود.
صعيد أوجه الأرض
أشار به إلى قوله تعالى: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * وفسر صعيدا بقوله: وجه الأرض، ذكره أبو بكر بن المنذر عن أبي عبيدة.
وقال جابر كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان.
أشار به إلى قوله تعالى: * (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) * (النساء: 60). قوله: (كانت الطواغيت)، هو جمع طاغوت، قال سيبويه: الطاغوت اسم واحد مؤنث، وقال أبو العباس محمد بن يزيد هو عندي جماعة. وقال ابن الأثير: الطاغوت يكون جمعا وواحدا. وقال الجوهري: وطاغوت وإن كان على وزن لاهوت، فهو مقلوب لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه. لأنه بمنزلة الرغبوت والرهبوت انتهى. قلت: أصله طغبوت فقدمت الياء على الغين فصار طيغوت فقلبت الياء ألفا لتحركهاوانفتاح ما قبلها، والطاغوت والكاهن والشياطن وكل رأس في الضلال فهو طاغوت. قوله: (في جهينة واحد)، أي: مسمى بطاغوت، وجهينة قبيلة، وكذلك أسلم على وزن أفعل التفصيل. قوله: (كهان)، بالرفع لأنه خبر مبتدأ أي: الطواغيت المذكورة في القبائل كهان، بضم الكاف، جمع كاهن ينزل عليهم الشيطان فيلقى إليهم الأخبار، والكاهن هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار، وهذا الأثر ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه عن الحسن بن الصباح: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثني إبراهيم بن عقيل عن أبيه عقيل بن معقل عن وهب بن منبه. قال: سألت جابر ابن عبد الله عن الطواغيت الحديث بزيادة، وفي هلال واحد.
وقال عمر الجبت السحر والطاغوت الشيطان وقال عكرمة الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن.
أشار به إلى قوله تعالى: * (يؤمنون بالجبت والطاغوت) * (النساء: 51) وأثر عمر رواه عبد بن حميد عن أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن قائد عن عمر، وأثر عكرمة رواه عبد أيضا عن أبي الوليد عن أبي عوانة عن أبي بشر عنه، واختار الطبري أن المراد بالجبت والطاغوت جنس ما كان يعبد من دون الله سواء كان صنما أو شيطانا أو آدميا، فيدخل فيه الساحر والكاهن، وأخرج الطبري أيضا بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير. قال: الجبت الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت الكاهن، وهذا يدل على وقوع المعرب في القرآن. واختلف فيه فأنكر الشافعي وأبو عبيدة وقوع ذلك في القرآن وحملا ما وجد من ذلك على توارد اللغتين، وأجاز ذلك قوم واختاره ابن الحاجب واحتج لذلك بوقوع إسماء الإعلام فيه كإبراهيم وغيره، فلا مانع من وقوع إسماء الأجناس فيه أيضا وقد وقع في البخاري جملة من ذلك، وقيل: ما وقع من ذلك في القرآن سبعة وعشرون وهي (السلسبيل) و (كورت) و بيع (روم) و (طوبى) و (سجيل) و (كافور) و (زنجبيل) و (ومشكاة) و (وسرادق) و (إستبرق) و (صلوات) و (سندس) و (طور) و (قراطيس) و (ربانيين) و (غساق) و (دينار) و (قسطاس) و (قسورة) و (اليم) و (ناشئة) و (كفلين)
175
و (مقاليد) و (فردوس) و (تنور).
4583 ح دثنا محمد أخبرنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت هلكت قلادة لأسماء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها رجالا فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء فأنزل الله تعالى يعني آية التيمم.
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام قاله الكرماني، وقال صاحب (التلويح) قوله هذا حدثني محمد أخبرنا عبدة، يشبه أن يكون البيكندي لأنه ذكر روايته في (جامعه) في غير موضع قلت: البيكندي هذا هو محمد بن سلام بن الفرج أبو عبد الله السلمي مولاهم البخاري البيكندي، سمع عبدة بن سليمان الكلابي ومن مشايخ البخاري البيكندي أخرجه أيضا وهو محمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي، ولم يذكر في (الجامع) أنه سمع عبدة. والحديث مر في التيمم في: باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا، ومر الكلام فيه هناك.
11
((باب قوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) * (النساء: 59) ذوي الأمر))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (أطيعوا الله) * إلى آخره هكذا وقع في رواية أبي ذر. وفي رواية غيره وقع كذا أولي الأمر منكم ذوي الأمر وقال الواحدي: نزلت هذه الآية في عمار لما أجار على خالد فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجير على أمير إلا بإذنه. قوله: (ذوي الأمر) تفسير لقوله: (وأولي الأمر) وكذا فسره أبو عبيدة.
4584 ح دثنا صدقة بن الفضل أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية.
مطابقته للترجمة ظاهرة وصدقة بن الفضل أبو الفضل المروزي، وقد تكرر ذكره، وكذا وقع في رواية الأكثرين: صدقة بن الفضل، وفي رواية ابن السكن عن الفريري عن البخاري. حدثنا ستنيد، بضم السين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة، وهو لقب، واسمه الحسين بن داود أبو علي المصيصي من حفاظ الحديث وله تفسير مشهور، ولكن ضعفه أبو حاتم والنسائي وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، إن كان الأمر كما ذكره ابن السكن، وقيل: يحتمل أن يكون البخاري روى الحديث عنهما جميعا فاقتصر الأكثرون على صدقة بن الفضل لاتفاقه، واقتصر ابن السكن على ذكر سنيد لكونه صاحب تفسير، والحديث يتعلق به. قلت: كلام ابن السكن أقرب لأن حجاج بن محمد الذي روى عنه سنيد مصيصي أيضا وإن كان أصله ترمذيا لأنه سكن المصيصة، وحجاج، على وزن فعال بالتشديد ابن محمد الأعور يروي عن عبد مالك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ويعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام مقصورا ابن مسلم بن هرمز.
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله، وأبو داود فيه عن هارون بن عبد الله والترمذي فيه عن محمد بن عبد الله والنسائي في البيعة وفي السير وفي التفسير عن الحسن بن محمد الزعفراني.
قوله: (وأولي الأمر منكم)، في تفسيره أحد عشر قولا: الأول: الأمراء، قاله ابن عباس وأبو هريرة وابن زيد والسدي. الثاني: أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، قاله عكرمة. الثالث: جميع الصحابة، قال مجاهد. الرابع: الخلفاء الأربعة قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي. الخامس: المهاجرون والأنصار، قاله عطاء. السادس: الصحابة والتابعون. السابع: أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس، قاله ابن كيسان. الثامن: العلماء والفقهاء، قاله جابر بن عبد الله والحسن وأبو العالية. التاسع: أمراء السرايا. قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي. العاشر: أهل العلم والقرآن، قاله مجاهد واختاره مالك. الحادي عشر: عام في كل من ولي أمر شيء، وهو الصحيح، وإلي مال البخاري بقوله: (ذوي الأمر) قوله: (نزلت في عبد الله بن حذافة)، قد مرت ترجمته
176
مع قصته في المغازي واعترض الداودي فقال قول ابن عباس: (نزلت في عبد الله بن حذافة) وهم من غيره لأن فيه حمل الشيء على ضده لأن الذي هنا خلاف ما قاله صلى الله عليه وسلم هناك، وهو قوله إنما الطاعة في المعروف، وكان قد خرج على جيش فغضب ولو قدنا نارا. وقال: اقتحمونا فامتنع بعضهم وهم بعض أن يفعل. قال: فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يختص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره؟ وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم: إنما الطاعة في المعروف، وما قيل لهم لم لم تطيعوه؟ وأجيب عن هذا بأن المراد من قصة عبد الله بن حذافة قوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * وذلك لأن السرية التي عليها عبد الله بن حذافة لما تنازعوا في امتثال أمرهم به من دخول النار وتركه كان عليهم أن يردوه في ذلك إلى الله ورسوله لقوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شيء) * أي: في جواز شيء وعدمه. (فردوه إلى الله ورسوله) أي: فارجعوا إلى الكتاب والسنة، قاله مجاهد وغيره من السلف، وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يردوا المتنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة. كما قال تعالى: * (فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) * (الشورى: 10) فما حكم به كتاب الله وسنة رسول وشهد له بالصحة فهو الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال؟.
12
((باب: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * (النساء: 65))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون) * ولم يوجد لفظ باب إلا في رواية أبي ذر ولقد أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن من أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا.
4585 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة قال خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري يا رسول اللهأن كان ابن عمتك فتلون وجهه ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة قال الزبير فما أحسب هاذه الآيات إلا نزلت في ذلك * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث قد مر في كتاب الشرب في ثلاثة أبواب متوالية: أولها: باب كرى الأنهار. ومر الكلام فيه هناك مستوفي.
قوله: (في شريج)، بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبالجيم، وهو مسيل الماء. قوله: (إن كان ابن عمتك)، بفتح الهمزة وكسرها. والجزاء محذوف والتقدير: لئن كان ابن عمتك حكمت له، وكان الزبير، رضي الله تعالى عنه، ابن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فتلون وجهه)، أي: تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام الأنصاري. قوله: (إلى الجدر)، بفتح الجيم، وهو أصل الحائط. قوله: (واستوعى)، أي: استوعب واستوفى، وهذا الكلام للزهري ذكره إدراجا قوله: (حين أحفظه) أي: حين أغضبه. وهو بالحاء المهملة. قوله: (وكان أشار عليهما) أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشار على الزبير والأنصاري في أول الأمر بأمر لهما فيه سعة. أي: توسع على سبيل المصالحة. فلما لم يقبل الأنصاري الصلح حكم للزبير بما هو حقه فيه.
13
((باب: * (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين) * (النساء: 69))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فأولئك) * وأوله: (ومن يطع الله والرسول فأولئك) الآية. أي: من عمل بما أمره الله ورسوله وترك
177
ما نهاه الله عنه ورسوله فأولئك يكونون مع الذين أنعم الله عليهم. وقال الطبراني بإسناده عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتك عرفت أنك ترفع مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه الصلاة والسلام، بهذه الآية انتهى. قلت: هذا الرجل هو ثوبان، فما ذكره الواحدي.
4586 ح دثنا محمد بن عبد الله بن حوشب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: * (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) * (النساء: 69) فعلمت أنه خير.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عروة بن الزبير، ومر الحديث في: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة إلى آخره.
قوله: (بحة) بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء المهملة، وهي غلظ في الصوت وخشونة في الحلق. قوله: (خير) على صيغة المجهول. أي: خبر بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة صلى الله عليه وسلم.
14
((باب قوله: * (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله) * إلى * (الظالم أهلها) * (النساء: 75))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (لا تقاتلون في سبيل الله) * إلى قوله: * (الظالم أهلها) * هكذا وقع في رواية أبي ذر، وفي رواية الأكثرين: * (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء) * الآية وتمامها (والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) قوله عز وجل: * (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله) * تحريض لعباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان. قوله: (والمستضعفين)، منصوب عطفا على (سبيل الله) أي: في سبيل الله وخالص المستضعفين أو منصوب على الاختصاص، يعني: واختص في سبيل الله خلاص المستضعفين، والمراد من القربة مكة. قوله: (واجعل لنا من لدنك وليا)، أي: سخر لنا من عندك وليا ناصرا.
178
4588 ح دثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس تلا * (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان) * (النساء: 98) قال كنت أنا وأمي ممن عذر الله.
هذا طريق آخر لحديث ابن عباس أخرجه عن سليمان بن حرب ضد الصلح. عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عبد الله عن عبيد الله بن أبي مليكة، بضم الميم، واسمه زهير الأحول القاضي المكي. قوله: (أن ابن عباس تلا)، وفي رواية المستملي، عن ابن عباس أنه تلا يعني: قرأ. قوله: (إلا المستضعفين)، إلى آخره. قوله: (ممن عذر الله) أي: ممن جعلهم من المعذورين المستضعفين.
ويذكر عن ابن عباس حصرت ضاقت
أشار به إلى تفسير: حصرت. في قوله تعالى: * (حصرت وهم صدورهم) * (النساء: 90) وفسره بقوله: (ضاقت). وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم في تفسيره عن حديث علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وحكى الفراء عن الحسن أنه قرأ: (أحصرت صدورهم)، بالرفع وقال بعضهم: على هذا خبر بعد خبر. قلت:
ليس كذلك، بل هو خبر مبتدأ محذوف تقديره: أو جاؤكم حصرت صدورهم، أي: ضيقة منقبضة وقرئ: حصرات، صدوهم، وحاصرت، وقال الزمخشري: وجعله المبرد صفة المحذوف. أي: أو جاؤكم قوما حصرت صدورهم وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد أنها نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي، وكان بينه وبين المسلمين عهد وقصده ناس من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه، وفي (تفسير ابن كثير) وهؤلاء قوم من المستثنين من الأمر بقتالهم، وهم الذين يجيئون إلى المصاف وهم حصرت صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم.
تلووا ألسنتكم بالشهادة
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وأن تلووا أو تعرضوا) *، ونقل هذا التفسير أيضا ابن عباس. قال ابن المنذر، حدثنا زكريا حدثنا أحمد بن نصر حدثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: (وأن تلووا وتعرضوا) يعني: إن تلووا ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها، وقرأ حمزة وابن عامر: وإن تلوا، بواو واحدة ساكنة ويكون على هذا من الولاية. وقال أبو عبيدة، وليس للولاية هنا معنى، وأجاب الفراء بأنها بمعنى اللبي كقراءة الجماعة إلا أن الواو المضمومة قلبت همزة ثم سهلت. وقال الفارسي: إنها على بابها من الولاية، والمراد، وإن وليتم إقامة الشهادة.
وقال غيره المراغم المهاجر راغمت هاجرت قومي
أي: وقال غير ابن عباس لفظ المراغم في قوله تعالى: * (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) * وكأنه أراد بالغير: أبا عبيدة، فإن هذا لفظه حيث قال: المراغم والمهاجر واحد. تقول: هاجرت قومي وراغمت قومي، وقال الزمخشري: مراغما مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه أي: يفارقهم على رغم أنوفهم، والرغم الذل والهوان وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب، يقال: راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك، وفي (تفسير ابن كثير) المراغم مصدر تقول العرب، راغم فلان قومه مراغما ومرغمة، وقال ابن عباس المراغم المتحول من أرض إلى أرض، وكذا روي عن الضحاك والربيع بن أنس والثوري، وقال مجاهد: مراغما يعني متزحزحا عما يكره.
موقوتا مؤقتا وقته عليهم
هذا لم يقع في رواية أبي ذر، وهو تفسير أبي عبيدة أيضا في قوله تعالى: * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * قوله: (وقته) أي: وقته الله عليهم. وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (موقوتا) قال مفروضا.
179
15
((باب: * (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) * (النساء: 88))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فما لكم في المنافقين) * إلى آخره. أي: مالكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فئتين أي: فرقتين، وما لكم تبينوا القول بكفرهم؟ وقال الزمخشري: فئتين، نصب على الحال كقولك: مالك قائما. قوله: (والله أركسهم) أي: ردهم في حكم المشركين كما كانوا بما كسبوا من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين. وعن قريب نذكر من هؤلاء المنافقون.
قال ابن عباس بددهم
أراد إن ابن عباس فسر قوله تعالى: * (أركسهم) * بقوله بددهم، وهذا التعليق وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: * (والله أركسهم بما كسبوا) * قال: بددهم انتهى. يقال: بددهم تبديدا أي: فرقهم ومزق شملهم، وكذا بددت بدا. وعن ابن عباس أوقعهم، وعن قتادة. أهلكهم.
فئة جماعة
أشار بهذا إلى أن فئتين، في الآية المذكورة تثنية فئة قوله: (جماعة) أي: معناها جماعة. وكذا كل ما ذكر في القرآن. نحو قوله تعالى: * (كم من فئة قليلة غلبت على فئة كثيرة) * (البقرة: 249) وقوله: * (فئة تقاتل في سبيل الله) * (آل عمران: 13).
4589 ح دثني محمد بن بشار حدثنا غندر وعبد الرحمان قالا حدثنا شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه فما لكم في المنافقين فئتين رجع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أحد وكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول اقتلهم وفريق يقول لا فنزلت: * (فما لكم في المنافقين فئتين) * وقال إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة.
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون، لقب محمد بن جعفر، وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وعدي، بفتح العين المهملة وكسر الدال، ابن ثابت التابعي، وعبد الله بن يزيد الخطمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة، صحابي صغير.
والحديث مضى في: باب المدينة تنفي الخبث، في أواخر الحج عن سليمان بن حرب، وفي المغازي عن أبي الوليد، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (رجع ناس) هم عبد الله بن أبي سلول ومن تبعه. وكذر ابن إسحاق في وقعة أحد أن عبد الله بن أبي سلول رجع يومئذ بثلث الجيش. ورجع بثلاثمائة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة. قوله: (طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وهو اسم من أسماء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (الخبث)، بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة، وخبث الفضة والحديد ما نقاه الكير، وفي رواية الحموي: خبث الحديد، وقال العوفي عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم. فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس، وإن
المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة. قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله، أو كما قالوا: أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم أتستحل دماؤهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شيء. فنزلت: * (فما لكم في المنافقين فئتين) * (النساء: 88) رواه ابن أبي حاتم، وقال زيد بن أسلم عن ابن سعد ابن معاذ أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك، وهذا غريب، وقيل غير ذلك.
180
((باب: * (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) * (النساء: 83) أي أفشوه))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وإذا جاءهم) * إلى آخره. قال الزمخشري: وإذا جاءهم قوم من ضعفة المسلمين الذين لم يكن فيهم خبرة الأحوال ولا استنباط الأمور، كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل إذا عوابه، وكانت إذاعتهم مفسدة، ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر وهم كبراء الصحابة البصراء بالأمور والذين كانوا يوقرون منهم (لعلمه الذين يستنبطونه) أي: لعلم تدبير ما أخبروا به الذين يستنبطونه أي: يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكائدها. ثم إن تفسير البخاري. قوله: (أذاعوا به) بقوله: أي: (أفشوه) نقله ابن المنذر عن ابن عباس. قال: حدثنا زكريا حدثنا إسحاق قرأت على أبي قرة في تفسير عن ابن جريج: أذاعوا به، أي: أفشوه، أي: أعلنوه، عن ابن عباس، وقال ابن أبي حاتم، روي عن عكرمة وعطاء الخراساني وقتادة والضحاك نحوه.
يستنبطونه يستخرجونه
أشار به إلى أن معنى قوله تعالى في الآية المترجم بها. يستنبطونه، يستخرجونه من الاستنباط، يقال: استنبط الماء من البئر إذا استخرجه.
حسيبا كافيا
أشار به إلى أن لفظ حسيبا في قوله تعالى: * (إن الله كان على كل شيء حسيبا) * (النساء: 86) كافيا.
إلا إناثا يعني الموات حجرا أو مدرا وما أشبهه
أشار به إلى قوله تعالى: * (أن يدعون من دون إلا إناثا) * (النساء: 117) وفسره بقوله: (يعني الموات) والمراد بالموات ضد الحيوان، ولهذا قال: (حجرا أو مدرا وما أشبه ذلك) على طريق عطف البيان أو البدل، ويقال: المراد منه اللات والعزى ومناة وهي أصنامهم، وكانوا يقولون: هي بنات الله تعالى عن ذلك، وقال الحسن: لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمى: أنثى بني فلان، وهذا التفسير الذي ذكره منقول عن أبي عبيدة نحوه.
مريدا متمردا
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأن يدعون إلا شيطانا مريدا) * وفسر قوله: (مريدا) بقوله: (متمردا) وهو تفسير أبي عبيدة بلفظه. وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة. قال: متمردا على معصية الله تعالى، وهذا لم يقع إلا للمستملي وحده.
فليبتكن بتكه قطعه
أشار به إلى قوله تعالى: * (فليبتكن آذان الأنعام) * (النساء: 119) وقال: إنه من بتكه، بفتح الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة من فوق، وفسره بقطعه، بالتشديد وهو تفسير أبي عبيدة. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، كانوا يبتكون آذان الأنعام لطواغيتهم.
قيلا وقولا واحد
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومن أصدق من الله قيلا) * (النساء: 122) قوله: (قيلا وقولا واحد)، يعني: كلاهما مصدران بمعنى واحد، وأصل قيلا قولا قلبت الواو ياء لوقوعها بعد الكسرة.
طبع ختم أشار به إلى قوله تعالى: * (طبع الله على قلوبهم) * (النساء: 155) فسر طبع بقوله: ختم، وهكذا فسره أبو عبيدة.
16
((باب: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * (النساء: 93))
181
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا) * (النساء: 93) الآية. قال الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: إن مقيس بن صبابة الليثي وجد أخاه هشام بن صبابة قتيلا في بني النجار، وكان مسلما فأتى مقيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل معه رسولا من بني فهر إلى بني النجار يأمرهم إن علموا قاتله يدفعوه إلى أخيه فيقتص منه، وإن لم يعلموا له قاتلا أن يدفعوا إليه الدية. فقالوا: سمعا وطاعة. والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي إليه ديته، فأعطوه مائة من الإبل فوسوس إليه الشيطان فقتل الفهري، ورجع إلى مكة كافرا، فنزلت فيه هذه الآية ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح، فقتل بأسياف المسلمين بالسوق. وذكر مقاتل أن الفهري اسمه: عمرو، قلت: قيس، بفتح الميم وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وصبابة، بضم الصاد المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى، وقال أبو عمر: وهشام بن صبابة أخو مقيس بن صبابة قتل في غزوة ذي قرد مسلما، وذلك في سنة ست من الهجرة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدو فقالته خطأ، وقال الذهبي: هشام بن صبابة الكناني الليثي أخو مقيس، أسلم ووجد قتيلا في بني النجار، وقال ابن إسحاق وغيره قتل في غزوة المريسيع قتله أنصاري فظنه من العدو.
4590 ح دثنا آدم بن إياس حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير قال آية اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هاذه الآية * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * هي آخر ما نزل وما نسخها شيء.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والمغيرة، بضم الميم وكسرها ابن النعمان بضم النون النخعي الكوفي.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي موسى وبندار. وأخرجه أبو داود في الفتن عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي في القصاص وفي المحاربة وفي التفسير عن أزهر بن جميل.
قوله: (آية اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها) وفي تفسير سورة الفرقان عن غندر عن شعبة بلفظ: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت فيه إلى ابن عباس، وفي رواية الكشميهني: فرحلت، بالراء والحاء المهملة، وهذه أصوب، والوجه في رواية، فدخلت بالدال والخاء المعجمة أن يقدر شيء تقديره، فدخلت بعد رحلتي إلى ابن عباس، وكلمة إلى، يجوز أن تكون بمعنى: عند، وعلى أصل بابها والمعنى: انتهى دخولي إليه. قوله: (فيها)، أي: في حكمها، وقال الكرماني، رحمه الله في قوله: اختلف فيها أهل الكوفة، ويروى: اختلف فيها فقهاء أهل الكوفة، جمع فقيه، قال: ولفظ، فيها حينئذ مقدر قوله: (متعمدا) أي: قاصدا قتله بعمد، وصورة العمد أن يقتله بالسيف، أو بغيره مما يفرق الأجزاء من الآلات التي يقصد بها القتل. وانتصابه على الحال. قوله: (فجزاؤه) خبر قوله: (ومن يقتل) ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. قوله: (هي آخر ما نزل) أي: الآية المذكورة آخر ما نزل في هذا الباب (وما نسخها شيء) أي: من آخر ما نزل وذكر أبو جعفر النحاس أن للعلماء في هذه الآية الكريمة المذكورة أقوالا الأول: لا توبة له، روي ذلك عن ابن عباس وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري الضحاك. فقالوا: الآية محكمة.
الثاني: أنه له توبة، قاله جماعة من العلماء، وروي أيضا عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت.
الثالث: أن أمره إلى الله تعالى تاب أو لم يتب، وعليه الفقهاء: أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن إدريس يقوله في كثير من هذا إلا أن يعفو الله تعالى عنه. أو معنى هذا الرابع: قال أبو مجلز لاحق بن حميد المعنى جزاؤه إن جازاه، وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن جبير عن ابن عباس، أنه قال: هو جزاؤه إن جازاه، وروى ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في الآية: (هو جزاؤه إن جازاه).
وذكر أبو عبد الله الموصلي الحنبلي في كتابه (الناسخ والمنسوخ) ذهب كثير من العلماء إلى أن آية النساء منسوخة. ثم اختلفوا في الناسخ. فقال بعضهم: نسختها آية الفرقان. لأنه قال: (إلا من تاب) بعد ذكر الشرك والزنى والقتل، وقال أكثرهم: نسخت بقوله: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وقد اختلف عن ابن عباس أيضا فروي عنه أن هذه الآية نزلت في أهل الشرك وعنه نسختها التي في النساء، وقال أبو الحسن بن الحصار في كتابه (الناسخ والمنسوخ) الآيتان لم يتواردا على حكم
182
واحد لأن التي في الفرقان نزلت في الكفار، والتي في النساء نزلت فيمن عقل الإيمان ودخل فيه، فلا تعارض بينهما أو إنما نزلت آية النساء فيمن قتل مؤمنا مستحلا لقتله متعمدا للتكذيب من غير جهالة فتكذيبه كتكذيب إبليس، ولذلك قال ابن عباس لا توبة له كما لا توبة لإبليس، وكيف يشكل حكم هذه الآية على عالم قد بينه الله عز وجل غاية البيان، وأخبر بأنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك؟ انتهى.
وأما الذين قالوا: إن هذه الآية محكمة فاختلفوا في وجه أحكامها، فذهب عكرمة إلى أن المعنى مستحلا لقتله فيستحق التخليد لاستحلاله، وذهب بعضهم إلى أنها لم يلحقها ناسخ وهي باقية على أحكامها، وقد روى عبد بن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال: (كنا عند ابن عباس بعدما كف بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس، ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ فقال: جزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه وأعد له عذابا عظيما. قال: أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه وأنى له التوبة والهدى؟ والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم، يقول: ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمينه. أو بشماله تشخب أوداجه دما قبل عرش الرحمن يلزمه قاتله بيده الأخرى. يقول: سل هذا فيم قتلني؟ وأيم الذي نفس عبد الله بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما نزل بعدها من برهان. وقال الثعلبي: قالت الخوارج والمعتزلة، المؤمن إذا قتل مؤمنا إن هذا الوعيد لاحق به، وقالت المرجئة: نزلت هذه الآية الكريمة في كافر قتل مؤمنا، فأما مؤمن قتل مؤمنا فلا يدخل النار، وقالت طائفة من أصحاب الحديث: نزلت في مؤمن قتل مؤمنا والوعيد عليه ثابت، إلا أن يتوب ويستغفر، وقالت طائفة: كل مؤمن قتل مؤمنا فهو خالد في النار غير مؤبد ويخرج منها بشفاعة الشافعين، وعندنا. أن المؤمن إذا قتل مؤمنا لا يكفر بفعله ولا يخرج به من الإيمان إلا أن يقتله استحلالا فإن أقيد بمن قتله فذلك كفارة له، وإن كان تائبا من ذلك ولم يكن مقادا بمن قتل كانت التوبة أيضا كفارة له فإن خرج من الدنيا بلا توبة ولا قود فأمره إلى الله تعالى، والعذاب قد يكون نارا وقد يكون غيرها في الدنيا ألا ترى إلى قوله تعالى: * (يعذبهم الله بأيدكم) * (التوبة: 14) يعني: بالقتل والأسر.
ويجاب عن قول الخوارج ومن معهم، بأن المراد من التخليد المكث بطول المدة، ألا ترى إلى قوله تعالى: * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) * (الأنبياء: 34) ومن المعلوم أن الدنيا تفنى، وعن قول المرجئة بأن كلمة من في الآية عامة، فإن قالوا: إن الله لا يغضب إلا على كافر أو خارج من الإيمان، فالجواب: أن الآية لا توجب غضبا عليه، لأن معناه فجزاؤه جهنم وجزاؤه أن يغضب عليه ويلعنه، ما ذكر الله تعالى من شيء وجعله جزاء لشيء فليس ذلك واجبا. كقوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) * (المائدة: 33) ورب محارب لله ورسوله لم يحل عليه شيء من هذه المعاني حتى فارق الدنيا، وإن قالوا: قوله تعالى: * (
وغضب الله عليه ولعنه) * (النساء: 93) من الأفعال الماضية، فالجواب أنه قد يرد الخطاب بلفظ الماضي. والمراد به المستقبل. كقوله تعالى: * (ونفخ في الصور) * (الكهف: 99) * (وحشرناهم) * (الكهف: 47) وقد يرد المستقبل بمعنى الماضي كقوله: * (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله) * (البروج: 8) أي: إلا أن آمنوا. فإن قلت: رويت أخبار بأن القاتل لا توبة له. قلت: إن صحت فتأويلها إذا لم ير القتل ذنبا ولم يستغفر الله تعالى منه. قال صاحب (التلويح). ما رواه أبو الدرداء، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا. ولم يتب وقال ابن كثير في تفسيره وأما قوله معاوية كل ذنب عسى الله أن يغفره الا الرجل يموت كافر أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا فعسى للترجي وانتفاء الترجي في هاتين الصورتين لا ينفي وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل انتهى. فهذا كما رأيت ذكره عن معاوية. ولم يذكر لفظ لم يتب. وأوله بهذا المعنى، والله أعلم، وأجمع المسلمون على صحة توبة القاتل عمدا وكيف لا تصح توبته وتصح توبة الكافر وتوبة من ارتد عن الإسلام ثم قتل المؤمن عمدا ثم رجع إلى الإسلام؟ وقال عبد الله بن عمر: كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل المؤمن وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وقاطع الرحم، يعني: لا نشك في الشهادة لهم بالنار حتى نزلت: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) * (النساء: 48، 116) فأمسكنا عن الشهادة لهم. فإن قلت: ما تقول في الرجل الذي سأل أبا هريرة وابن عمر وابن عباس عن قتل العمد، فكلهم قال: هل يستطيع أن يجيبه؟ قلت: هذا على وجه تعظيم القتل والزجر، وما أما مطالبة المقتول
183
القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهو لا يسقط بالتوبة فلا بد من أدائه وإلا فلا بد من المطالبة يوم القيامة، ولكن لا يلزم من وقوع المطالبة المجازاة، وقد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها. ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة، أو يعوض الله المقتول من فضله بما يشاء من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته ونحو ذلك، والله أعلم.
17
((باب: * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * (النساء: 94))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) * وأوله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا) * الآية قوله: (إذا ضربتم) أي: سرتم قوله: (فتبينوا) أي: الأمر قبل الإقدام عليه، وقرئ فتثبتوا من الثبات وترك الاستعجال، أي: قفوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر، ويجيء الآن تفسير السلم. قوله: (مؤمنا) قرأ الجمهور بضم الميم الأولى وكسر الثانية. وقرأ علي وابن عباس وعكرمة وأبو العالية ويحيى بن معمر وأبو جعفر بفتح الميم الثانية وتشديدها، اسم مفعول من أمته.
السلم والسلم والسلام واحد
السلم بكسر السين وسكون اللام، والسلم بفتح السين. قوله: (واحد) يعني في المعنى، وقراءة نافع وحمزة السلم بغير ألف، وقراءة الباقين بثبوتها.
4591 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا قال قال ابن عباس كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذالك إلى قوله عرض الحياة الدنيا تلك الغنيمة قال قرأ ابن عباس السلام.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو الذي يقال له ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه أبو داود في الحروف عن محمد بن عيسى وأخرجه النسائي في السير وفي التفسير عن محمد بن عبد الله بن يزيد.
قوله: (في غنيمة)، بضم الغين المعجمة وفتح النون تصغير غنم، لأن الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس، يقع على الذكور وعلى الإناث فإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت: غنيمة، لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، وفي رواية أحمد ومن طريق عكرمة عن ابن عباس. قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يسوق غنماله، فسلم عليهم فقالوا: ما سلم علينا إلا ليعوذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبد العزيز بن أبي رزمة عن إسرائيل به.
وفي سبب نزول هذه الآية اختلاف، فذكر الواحدي عن سعيد بن جبير، أن المقداد بن الأسود خرج في سرية فمروا برجل في غنيمة له، فأردوا قتله فقال: لا إلاه إلا الله، فقتله المقداد. وعن ابن أبي حدرد، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سرية إلى أضم، قبل مخرجه إلى مكة، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فحيانا بتحية الإسلام، فرعبنا منه، فحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية فقتله واستلبه، وانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه بخبره، فنزلت وقال الواحدي: وذكر السدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث أسامة بن زيد على سرية فلقي مرداس بن نهيك الضمري فقلته، وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلا شققت عن قلبه)؟ فنزلت وقال ابن جرير: حدثنا وكيع حدثنا جرير عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر
184
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، محلم بن جثامة معنا فلقيهم عامر بن الأضبط الحديث، إلى أن قال: فرماه بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث إلى أن قال: فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأستغفر الله
لك)، فقام وهو يتلقى دموع ببرديه، فما مضت له ساعة حتى مات ودفنوه ولفظته الأرض، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك فقال: إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم من جريمتكم. ثم طرحوه في جبل وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله) * (النساء: 94) الآية. وقال السهيلي: ثم مات محلم بإثر ذلك فلم تقبله الأرض مرارا. فألقي بين جبلين. قال: وكان أمير السرية أبا الدرداء، وقيل رجل اسمه فديك، وقال أبو عمر: مرداس بن نهيك الفزاري. فيه نزلت: * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * كان يرعى غنما له، فهجمت عليه سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها أسامة بن زيد وأميرها سلمة بن الأكوع، فلقيه أسامة فألقى إليه السلام، وقال: السلام عليك يا مؤمن، فحسب أسامة أنه ألقى إليه السلام متعوذا، فقتله فأنزل الله تعالى فيه: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) * الآية. وقال أبو عمر: الاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جدا، قيل: نزلت في المقداد، وقيل: نزلت في أسامة بن زيد، وقيل: في محلم بن جثامة، وقال ابن عباس: نزلت في سرية ولم يسم أحدا، وقيل: نزلت في غالب الليثي، وقيل: نزلت في رجل من بني الليث يقال له: فليت كان على السرية، وقيل: نزلت في أبي الدرداء، وهذا اضطراب شديد جدا. ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله: أنا مؤمن، وقال أبو بكر الرازي الحنفي رحمه الله، في هذه الآية حكم الله تعالى بصحة إسلام من أظهر الإسلام وأمرنا بإجرائه على أحكام المسلمين وإن كان في الغيب بخلافه، وهذا مما يحتج به على توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام فهو مسلم. قال: واقتضى ذلك أيضا أن من قال: لا إلاه إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال أنا مسلم، يحكم له بالإسلام.
قال قرأ ابن عباس السلام
أي: قال عطاء المذكور في الحديث. قرأ ابن عباس قوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) * وهو موصول بالإسناد المذكور، وروى عبد بن حميد في (تفسيره) عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يحيى بن عبيد عن محمد عن ابن عباس: أنه كان يقرأ السلام بالألف.
18
((باب قوله: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) * (النساء: 95))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (لا يستوي) * إلى آخره وهذا المقدار المذكور من الآية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: باب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) الآية.
4592 ح دثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه * (لا يستوي
185
القاعدون من المؤمنين) * و * (المجاهدون في سبيل الله) * فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي قال يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله غير أولي الضرر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة.
والحديث قد مر في الجهاد في: باب قول الله تعالى: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد الزهري عن صالح بن كيسان إلى آخره.
وفيه رواية التابعي عن الصحابي وهو صالح بن كيسان فإنه تابعي رأى عبد الله بن عمرو أنه يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهو يروي عن سهل بن سعد وهو صحابي، قال الكرماني: وفيه: رواية الصحابي عن التابعي لأن سهلا صحابي ومروان تابعي، وقال الترمذي. في هذا الحديث رواية رجل من الصحابة، وهو سهل بن سعد عن رجل من التابعين وهو مروان بن الحكم، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة. وقد ذكره ابن عبد البر في الصحابة انتهى. قلت: ولو ذكره في كتاب (الاستيعاب) في: باب مروان، ولكنه قال: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل، وقد ثبت عنه أنه قال لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر، فقال: ليس ابن عمر بأفقه مني، ولكنه أسن مني، وكانت له صحبة. فهذا اعتراف منه بعدم الصحبة.
قوله: (ابن أم مكتوم)، واسمه عبد الله، وقيل: عمرو، وجاء في رواية قبيصة عن زيد بن ثابت، (فجاء عبد الله بن أم مكتوم)، وفي رواية الترمذي من حديث البراء (جاء عمرو بن أم مكتوم). واسم أبيه: زائدة، وأم مكتوم أمه واسمها: عاتكة. قوله: (وهو يملها)، بضم الياء وكسر الميم وتشديد اللام، وأصلها يمللها كما في قوله: * (وليملل الذي عليه الحق) * (البقرة: 382) فنقلت كسرة اللام إلى الميم وأدغمت في اللام الثانية، وقال ابن الأثير: وفي حديث زيد أنه أملى عليه * (ولا يستوي القاعدون من المؤمنين) * يقال: أمللت الكتاب وأمليته إذا ألقيته على الكاتب ليكتبه. قوله: (أن ترض)، بتشديد الضاد المعجمة وهو الدق. قوله: (ثم سري) بضم السين المهملة وكسر الراء المشددة أي: انكشف عنه. قوله: (غير أولي الضرر)، وهو العمى، واختلف القراء في إعراب، غير، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرفع على البدل من القاعدون، وقرأ الأعمش بالجر على الصفة للمؤمنين، وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء.
4593 ح دثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال لما نزلت * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله * (غير أولي الضرر) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في الجهاد في: باب قول الله * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن البراء إلى آخره نحو قوله (عن أبي إسحاق عن البراء) وفي رواية محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق انه سمع البراء أخرجه أحمد عنه ووقع في رواية الطبراني من طريق أبي سنان الشيباني عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم، والمحفوظ عن أبي إسحاق عن البراء في رواية الشيخين، وأبو سنان اسمه: ضرار بن مرة، وهو أيضا ثقة.
4594 ح دثنا محمد بن يوسف عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر قال النبي صلى الله عليه وسلم ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف فقال اكتب * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * و * (المجاهدون في سبيل الله) * وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم فقال يا رسول اللهأنا ضرير فنزلت مكانها * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) *.
هذا طريق آخر في حديث البراء أخرجه عن محمد بن يوسف الفريابي عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق المذكور فيما قبله.
قوله: (فلانا)، هو زيد بن ثابت، وقد صرح به في الرواية الماضية. قوله: (أو الكتف)، شك من الراوي وكانوا يكتبون على الألواح والأكتاف. قوله: (وخلف النبي صلى الله عليه وسلم، ابن أم مكتوم) معناه: جلس خلف
186
النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالعكس. وقال الكرماني: الحديث الأول: مشعر بأن ابن أم مكتوم جاء حالة الإملال، والثاني: بأنه جاء بعد الكتابة. والثالث: بأنه كان جالسا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجاب بقوله: لا منافاة إذ معنى كتبها، كتب بعض الآية، وهو نحو: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * مثلا. وأما جاء يعني قوله: وأما حقيقة، والمراد جاء وجلس خلف النبي صلى الله عليه وسلم أو بالعكس، وإما مجاز عن تكلم ودخل في البحث. قوله: (فنزلت مكانها) أي: في مكان الكتابة، والمقصود نزلت في تلك الحالة (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) وقال ابن التين: يقال: إن جبريل عليه السلام، هبط ورجع قبل أن يجف القلم.
4595 ح دثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم ح وحدثني إسحاق أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد الكريم أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * عن بدر والخارجون إلى بدر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. غير أن سبب النزول هنا خلاف سبب النزول في الأحاديث المذكورة. فإن قلت: ما وجه التوفيق بين السببين؟ قلت: القرآن إذا نزل في الشيء يستعمل في معنى ذلك الشيء وأخرجه من طريقين. الأول: عن إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء عن هشام بن يوسف عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. الثاني: عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق بن همام عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك الجزري، بالجيم والزاي والراء، عن مقسم، بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، لأبيه ولجده صحبة، وله رؤية، وكان يلقب بببه بياءين موحدتين مفتوحتين الثانية مشددة.
والحديث مضى في الجهاد، وأخرجه الترمذي: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم سمع مقسما مولى عبد الله بن الحارث يحدث عن ابن عباس أنه قال: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) * عن بدر والخارجون إلى بدر. وقال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم: إنا أعميان يا رسول الله! فهل لنا رخصة؟ فنزلت: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) * * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين... درجه) * فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر * (فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولى الضرر. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا من الوجه حديث ابن عباس. قوله: (عبد الله بن جحش)، قيل: أبو أحمد بن جحش، كما ذكره الطبري في روايته من طريق الحجاج نحو ما أخرجه الترمذي وذلك لأن عبد الله بن جحش هو أخو أبي أحمد بن جحش واسم أبي أحمد عبد بدون إضافة، وهو مشهور بكنيته وأيضا إن عبد الله بن جحش لم ينقل أن له عذرا إنما المعذور أخوه أبو أحمد بن جحش، وذكره الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه ابن جحش وليس بالأسدي، وكان أعمى، وأنه جاء هو وابن أم مكتوم فذكرا رغبتهما في الجهاد مع ضررهما، فنزلت: * (غير أولي الضرر) * فجعل لهما من الأجر ما للمجاهدين.
19
((باب: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * (النساء: 97) الآية))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إن الذين توفيهم الملائكة) * الآية، وليس عند جميع الرواة لفظ: باب إلا أنه وقع في بعض النسخ وعند الأكثرين: * (وأن الذين توفيهم الملائكة) * إلى قوله: * (فتهاجروا فيها) * كما هو هنا كذلك، وعند أبي ذر إلى * (فيم كنتم) * الآية. وقال الواحدي: نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا، وأظهروا الإيمان وأسروا النفاق، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم. وقال مقاتل: كانوا نفرا
187
أسلموا بمكة منهم: الوليد بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان بن أمية بن عبد شمس والعلاء بن أمية بن خلف ثم إنهم أقاموا عن الهجرة وخرجوا مع المشركين إلى بدر، قلما رأوا قلة المؤمنين شكوا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا غر هؤلاء دينهم وكان بعضهم نافق بمكة، فلما قتلوا ببدر قالت لهم الملائكة وهو ملك الموت وحده فيم كنتم؟ يقول: في أي شيء كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض
يعني: كنا مقهورين بأرض مكة لا نطيق أن نظهر الإيمان، فقال ملك الموت: ألم تكون أرض واسعة؟ يعني المدينة، فتهاجروا فيها؟ يعني: إليها قوله: (إن الذين توفيهم الملائكة) ذكر في (تفسير ابن النقيب) التوفي هنا بمعنى قبض الروح، وقال الحسن: هو الحشر إلى النار، والملائكة هنا ملك الموت وأعوانه وهم ستة: ثلاثة لأرواح المؤمنين، وثلاثة لأرواح الكافرين، وظلم النفس هنا ترك الهجرة وخروجهم مع قومهم إلى بدر، وقيل: ظلموا أنفسهم برجوعهم إلى الكفر، وقيل: ظلموا أنفسهم بالشك الذي حصل في قلوبهم حين رأوا قلة المسلمين، وقال الثعلبي: الملائكة هنا ملك الموت وحده لأنه مجمل يحتمل أن يراد هو ويحتمل غيره في قلوبهم حين رأوا قلة المسلمين، وقال الثعلبي: الملائكة هنا ملك الموت وحده، لأنه مجمل يحتمل أن يراد هو ويحتمل غيره فحمل المجمل على المفسر، وهو قول تعالى: * (قل يتوفاكم ملك الموت) * (النساء: 97) وجمع كقوله تعالى: * (إنا نحن نحيي ونميت) * (ق
1764;: 43) والله تعالى واحد. قوله: (ظالمي أنفسهم) نصب على الحال. قوله: (قالوا: فيم كنتم)؟ سؤال توبيخ وتفريع أي: أكنتم في أصحاب محمد أم كنتم مشركين؟ قوله: (كنا مستضعفين)، أي: كنا لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض. قوله: (في الأرض) أرادوا بها مكة، والأرض اسم لبلد الرجل وموضعه. قوله: (قالوا) أي: الملائكة (ألم تكن أرض الله واسعة)؟ محاججة الملائكة. قوله: (فتهاجروا فيها) أي: إليها. أي: المدينة مع المسلمين؟.
4596 ح دثنا عبد الله بن يزيد المقرىء حدثنا حيوة وغيره قالا حدثنا محمد بن عبد الرحمان أبو الأسود قال قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النهي ثم قال أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) *.
الآية.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقرئ من الإفراء، وحيوة، بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف ابن شريح، بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبحاء مهملة يكنى بأبي زرعة التجيبي، بضم التاء المثناة من فوق وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالياء الموحدة.
قوله: (وغيره) أي: حدثني غير حيوة وهو عبد الله بن لهيعة المصري وأبو الأسود ضد الأبيض، الأسدي المدني.
والحديث رواه البخاري أيضا في الفتن عن عبد الله بن يزيد المذكور. وأخرجه النسائي في التفسير عن زكريا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم عن المقرئ عن حيوة به، ورواية ابن لهيعة أخرجها الطبراني وابن أبي حاتم رواه عن يونس بن عبد الأعلى، أن عبد الله بن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود فذكره.
قوله: (قطع)، على صيغة المجهول. قوله: (بعث) بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وبالتاء المثلثة وهو الجيش، والمعنى أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة. قوله: (فاكتتبت)، على صيغة المجهول من الاكتتاب، وهو من باب الافتعال. قوله: (أن ناسا من المسلمين)، وهم الذين ذكرناهم عن مقاتل عن قريب. قوله: (يكثرون) من التكثير. قوله: (فيصيب) عطف على قوله: (يأتي السهم) وكان غرض عكرمة من نهيه أبا الأسود أن الله تعالى ذمهم بتكثير سوادهم مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم، فكذلك أنت لأنك تكثر سواد هذا الجيش المأمور بذهابهم لقتال أهل الشام ولا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله. قوله: (فأنزل الله تعالى) هكذا جاء هنا في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكرنا عن قريب وجوها أخرى في ذلك مع تفسير الآية.
188
رواه الليث عن أبي الأسود
أي: روى الحديث المذكور الليث بن سعد عن أبي الأسود المذكور، ورواه الإسماعيلي عن أحمد بن منصور الرمادي. قال: حدثنا أبو صالح. قال: حدثني الليث عن أبي الأسود، ورواه الطبراني في الأوسط، وقال: ولم يروه عن أبي الأسود إلا الليث وابن لهيعة انتهى، ورواية البخاري من طريق حيوة بن شريح ترد عليه.
20
((باب: * (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) * (النساء: 98))
في بعض النسخ: باب * (إلا المستضعفين) * الآية. فإن صح هذا عن أحد من رواة البخاري فالتقدير: هذا باب في قوله تعالى: * (إلا المستضعفين) * الآية وهذا الاستثناء من أهل الوعيد، المذكور قبله وهو قوله تعالى: * (فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) * (النساء: 97) وهذا عذر من الله تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك لأنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق وهو معنى قوله: * (ولا يهتدون سبيلا) * وقال عكرمة: في قوله: * (ولا يهتدون سبيلا) * يعني: نهوضا إلى المدينة، وقال السدي: يعني مالا. وقال مجاهد: يعني طريقا.
21
((باب قوله: * (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * (النساء: 99))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فأولئك) * الآية. كذا وقع في كثير من النسخ على لفظ القرآن، ووقع بلفظ: فعسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفورا رحيما، في رواية الأكثرين والصواب ما وقع بلفظ القرآن، وكذا وقع في رواية أبي ذر: فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، الآية ووقع في جمع بعض من عاصرناه ممن تصدى لشرح البخاري، وكان الله غفورا رحيما، وهو أيضا غير صواب على ما لا يخفى. قوله: (فأولئك)، إشارة إلى قوم أسلموا ولكن تباطؤا في الهجرة، وهذا بخلاف قوله: (فأولئك مأواهم جهنم) قوله: (عسى الله أن يعفو عنهم)، يعني: لا يستقصي عليهم في المحاسبة، وفي (تفسير ابن كثير) أي: يتجاوز عنهم ترك الهجرة،
وعسى من الله موجبة، وفي (تفسير ابن الجوزي) قال مجاهد: هم قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم يكن لهم عجلة في الهجرة، فعذرهم الله تعالى بقوله: * (عسى الله أن يعفو عنهم) *.
4598 ح دثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف.
مطابقته للترجمة من حيث إن الذين عذرهم الله في الآية المترجم بها هم المستضعفون، وقد دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ودعا على من عوقهم عن الهجرة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي، ويحيى بن أبي كثير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وقد مر الحديث في كتاب الاستسقاء في: با دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أخرجه من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (وطأتك) الوطأة الدوسة والضغطة. يعني: الأخذة
189
الشديدة. قوله: (اجعلها سنين)، أي: اجعل وطأتك أعواما مجدبة كسني يوسف، وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه: * (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد) * (يوسف: 48) أي: سبع سنين فيها قحط وجدب. وقوله: (سنين) جمع سنة وهي الجدب، يقال: أخذتهم السنة إذا أجدبوا وأقحطوا، وهي من الأسماء الغالبة نحو: الدابة في الفرس، والمال في الإبل، وأصل السنة: سنهة، بوزن: جبهة، فحذفت لامها ونقلت حركتها إلى النون، وقيل: أصلها سنوة بالواو فحذفت، وتجمع على: سنهات، فإذا جمعتها جمع الصحة كسرت السين، فقلت: سنون وسنين، وبعضهم يضمها، ومنهم من يقول: سنون على كل حال في الرفع والنصب والجر، وتجعل الإعراب على النون الأخيرة فإذا أضفتها على الأول حذفت نون الجمع للإضافة، وعلى الثاني لا تحذفها فتقول: سني زيد وسنين زيد.
22
((باب قوله: * (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) * (النساء: 102))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولا جناح عليكم) * وليس في رواية المستملي لفظ: باب، وفي رواية أبي ذر: * (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر) * الآية وقبل قوله: * (ولا جناح عليكم) * أول الآية قوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * إلى قوله: * (ولا جناح) * وتمام الآية بعد قوله أسلحتكم * (وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) * وهذه الآية الطويلة نزلت في صلاة الخوف، وأنواعها كثيرة، ومحل ذكرها في الفروع، وسبب نزولها ما ذكره ابن جرير بإسناده عن علي رضي الله تعالى عنه. قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: يا رسول الله! إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي؟ فأنزل الله عز وجل أولا: * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * (النساء: 101) الحديث. ثم بين صفتها بقوله: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * إلى قوله: * (عذابا مهينا) *. قوله: (ولا جناح عليكم) أي: لا إثم عليكم (إن كان بكم أذى من مطر) أي: بسبب ما يبلكم من مطر أو يضعفكم من جهة مرض. قوله: (أن تضعوا) أي: تضعوا. أي: بوضع الأسلحة لثقلها، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو.
4599 ح دثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن أخبرنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما * (إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) * قال عبد الرحمان بن عوف كان جريحا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحجاج هو ابن محمد الأعور أصله مدني سكن المصيصة، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج، ويعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة. وفتح اللام مقصورا. ابن مسلم بن هرمز.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن أحمد بن الخليل العباسي، ابن محمد، ولم يقل كان جريحا.
قوله: (عن ابن عباس: إن كان بكم) يعني: ذكر ابن عباس قوله تعالى: * (إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) * قال: عبد الرحمن بن عوف كان جريحا فنزلت الآية فيه، وفاعل: قال: هو ابن عباس، وقوله: عبد الرحمن، مبتدأ وخبره هو قوله: كان جريحا. والجملة مقول ابن عباس، ولا قول فيه لعبد الرحمن، وقد غمض أكثر الشراح أعينهم في هذا الموضع، وفيما ذكرنا كفاية ولله الحمد.
23
((باب: * (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) * (النساء: 127))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم) * الذي ذكر هنا إلى قوله: (في يتامى النساء) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي روايته عن غير المستملي. ذكر لفظ باب، وليس لغيره لفظ: باب.
قوله: (ويستفتونك) أي: يطلبون منك الفتوى في النساء. أي: في أمر النساء، والفتيا والفتوى بمعنى واحد، وهو جواب الحادثة، وقيل: تبيين المشكل من الكلام، وأصله من فتي
190
وهو الشاب القوي، فالمفتي يقوي كلامه فيما أشكل فيه فيصير فتيا قويا. قوله: * (قل الله يفتيكم فيهن) * (النساء: 127)، أي: في توريثهن، وكانت العرب لا
تورث النساء والصبيان. قوله: (وما يتلى عليكم في الكتاب)، أريد به ما ذكر قبل هذه الآية وهو قوله تعالى: * (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) الآية. والذي كتب في النساء هو قوله تعالى: * (في يتامى النساء الرتي لا تؤتونهن ما كتب لهن) * الآية.
24
((باب: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * (النساء: 128))
كذا وقع عند جميع الرواة بغير ذكر لفظ: باب، ووقع في بعض النسخ، فالظاهر أنه من بعض النسخ. قوله: (وإن امرأة خافت) أي: إن خافت امرأة من بعلها أي: من زوجها. قوله: (نشوزا) وهو الترفع عنها ومنع النفقة وترك المودة التي بين الرجل والمرأة وإيذاؤها بسب أو ضرب أو نحو ذلك، قوله: (وإعراضا) أي: وخافت إعراضا، وهو أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو سئ في خلق أو خلق أو دمامة أو ملال أو طموح عين إلى أخرى أو غير ذلك، وجوابه قوله: (فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) والصلح بينهما أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت مكان عائشة، رضي الله تعالى عنها، عنده، فوهبت لها يومها. وقال الزمخشري: وقرئ: (تصالحا) وتصالحا، بمعنى يتصالحا ويصطلحا. ثم قال الله تعالى: * (والصلح خير) * أي: من الفراق.
وقال ابن عباس شقاق تفاسد
أشار به إلى قوله تعالى: * (إن خفتم شقاق بينهما) * (النساء: 35) أي: بين الزوجين، وذكر عن ابن عباس بالتعليق أنه فسر الشقاق المذكور في الآية بالمفاسد، ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: الشقاق العداوة لأن كلا من المتعاديين في شق خلاف صاحبه، وكان موضع ذكر هذا فيما قبل، على ما لا يخفى.
وأحضرت الأنفس الشح هواه في الشيء يحرص عليه كالمعلقة لا هي أيم ولا ذات زوج.
أشار بقوله: (وأحضرت الأنفس الشح) إلى أنه هو المذكور بعد قوله تعالى: * (الصلح خبر) * ثم فسره بقوله: هواه، في الشيء يحرص عليه، وهو المروي أيضا عن ابن عباس رواه عنه ابن أبي حاتم من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ويقال: الشح البخل مع الحرص، وقيل: الإفراط في الحرص. قوله: (كالمعلقة)، أشار به إلى قوله تعالى: * (فنذروها كالمعلقة) * (النساء: 29) أي: كالمرأة المعلقة
191
ثم فسره بقوله: (لا هي أيم) الأيم، بفتح الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة. وهي امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا ويقال أيضا رجل أيم، ووصل هذا ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: * (فتذروها كالمعلقة) * (النساء: 129) قال: لا هي أيم ولا ذات زوج.
نشوزا بغضا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) * وفسره بقوله: (بغضا) وكذا رواه ابن أبي حاتم، من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقال فيه: يعني بغضا. وقال الفراء: النشوز يكون من قبل المرأة والرجل، وهو هنا من قبل الرجل.
4601 ح دثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا قالت الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول أجعلك من شأني في حلت فنزلت هاذه الآية في ذلك.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله هو ابن المبارك، وعروة وابن الزبير بن العوام.
والحديث مضى في الصلح عن محمد ولم ينسبه عن ابن المبارك به، وفيه أيضا عن قتيبة عن سفيان به.
قوله: (ليس بمستكثر منها) أي: من المرأة في المحبة والمعاشرة والملازمة. قوله: (يريد) أي: الرجل. قوله: (فتقول) أي: المرأة. قوله: (من شأني) أي: مما يتعلق بأمري من النفقة والكسوة والصداق تجعله في حل ليفارقها. قوله: (فنزلت الآية) أي: المذكورة، وزاد أبو ذر عن غير المستملي: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) الآية. وعن علي رضي الله تعالى عنه، نزلت في المرأة تكون عند الرجل تكره مفارقته فيصطلحان على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة، ورواه ابن أبي حاتم بإسناده إلى علي رضي الله تعالى عنه، بأطول منه، وروى الحاكم من طريق ابن المسيب عن رافع بن خديج أنه كانت تحته امرأة فتزوج عليها شابة فآثر البكر عليها فنازعته وطلقها، ثم قال لها: إن شئت راجعتك وصبرت. فقالت: راجعني، فراجعها ثم لم تصبر فطلقها. قال: فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله تعالى أنزل فيه هذه الآية، وروى الترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله: لا تطلقني واجعل يومي لعائشة، ففعل ونزلت هذه الآية. وقال: حسن غريب. وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي في أول معجمه، حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي بردة. قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سودة بنت زمعة بطلاقها، فلما أتاها جلست له على طريق عائشة، فلما رأته قالت له: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه لما راجعتني، فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال، ابعث مع نسائك يوم القيامة، فراجعها، فقالت: إني قد جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: هذا غريب ومرسل.
25
((باب: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (النساء: 145))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * وليس لغير أبي ذر لفظة: باب. قوله: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * يعني: يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ. وقال سفيان الثوري عن عاصم عن ذكوات أبي صالح عن أبي هريرة * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * قال: في توابيت ترتج عليهم كذا رواه ابن جرير عن وكيع عن يحيى ابن يمان عن سفيان به، ويقال: النار دركات كما أن الجنة درجات، والدرك بفتح الراء وإسكانها لغتان، وقرأ حمزة بالسكون. واختار الزجاج الفتح، قال: وعليه المحدثون، والدركات للنار والدرجات للجنة، والنار سبعة أطباق فوق طبق، ويقال معنى: في الدرك الأسفل، أسفل درج جهنم، وعبارة مقاتل يعني: الهاوية.
وقال ابن عباس أسفل النار
192
هذا تعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. قال: الدرك الأسفل النار، وقال ابن عباس: يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم، وروي من نار تطبق عليهم، وعن إسرائيل: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليها فتوقد من تحتهم ومن فوقهم.
نفقا سربا
أشار به إلى ما في قوله عز وجل: * (إن استطعت أن تبتغي نفقا) * (الأنعام: 35) وهذا في سورة الأنعام ولا مناسبة لذكره هنا، وقال الكرماني: غرضه بيان اشتقاق المنافقين، وفيه نظر لا يخفى. قوله: (سربا) أي: في الأرض، وهو صفة نفقا، ونفقا منصوب بقوله: أن تبتغي، وفي (المغرب) السرب بالفتح الطريق، ويقال: السرب البيت في الأرض، ويقال للماء الذي يسيل من القربة: سرب، والسرب المسلك ولا يقال: نفق إلا إذا كان له منفذ.
4602 ح دثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني إبراهيم عن الأسود قال كنا في حلقة عبد الله فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ثم قال لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم قال الأسود سبحان الله إن الله يقول: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (النساء: 145) فتبسم عبد الله وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبد الله فتفرق أصحابه فرماني بالحصا فجئته فقال حذيفة عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن خاله الأسود بن يزيد النخعي، وعبد الله هو ابن مسعود، وحذيفة هو ابن اليمان.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن عمرو بن علي وغيره.
قوله: (لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم)، أي: ابتلوا به، وأما الخيرية فلأنهم كانوا طبقة الصحابة فهم خير منطبقة التابعين، لكن الله ابتلاهم فارتدوا ونافقوا فذهبت الخيرية عنهم، ومنهم من تاب فعادت إليه الخيرية. وقال ابن الجوزي: مقصود حذيفة أن جماعة من المنافقين صلحوا واستقاموا فكانوا خيرا من أولئك التابعين لمكان الصحبة والصلاح كمجمع ويزيد بن حارثة بن عامر كانا منافقين فصلحت حالهما واستقامت، وكأنه أشار بالحديث إلى تقلب القلوب، وقال ابن التين: كان حذيفة حذرهم أن ينزع منهم الإيمان لأن الأعمال بالخواتيم. قوله: (قال الأسود)، هو الراوي (سبحان الله تعجبا) من كلام حذيفة. قوله: (فتبسم عبد الله)، أي: ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. إنما كان تبسمه تعجبا بحذيفة وبما قام به من قول الحق وما حذر منه. قوله: (فرماني)، أي: قال الأسود رماني حذيفة بن اليمان يستدعيه إليه. قوله: (قال فجئته)، أي: فجئت إلى حذيفة. فقال: (عجبت من ضحكه) أي: من ضحك عبد الله بن مسعود، يعني من اقتصاره على الضحك، والحال أنه قد عرف ما قلته من الحق. قوله: (لقد أنزل النفاق)، أي: لقد أنزل الله النفاق على قوم: هذا يدل على أن النفاق والكفر والإيمان والإخلاص بخلق الله تعالى وتقديره وإرادته ولا يخرج شيء من إرادته، والمنافق من أبطن الكفر وأظهر الإسلام، ويقال: النفاق إظهار خلاف ما بطن، مأخوذ من النافقاء وهو الموضع الذي يدخل منه اليربوع، فإذا طلبه الصياد منه خرج من القاصعاء، فيشبه المنافق به لخروجه من الإيمان، وسمي الفاسق منافقا تغليظا، كما يسمى كافرا في قوله: من ترك الصلاة فقد كفر، قوله: (ثم تابوا فتاب الله عليهم) أي: ثم رجعوا عن النفاق فتابوا فتاب الله عليهم.
(ويستفاد منه) قبول توبة الزنديق وصحتها على ما عليه الجمهور، ومن هذا قال أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه إذا أتيت بزنديق فاستتبه. فإن تاب قبلت توبته، وكذلك قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا أصلحوا واعتصموا بالله وأخلصو دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) * (النساء: 146) الآية تدل على صحة توبة الزنديق وقبولها. وقال الثعلبي: قوله: * (فأولئك مع المؤمنين) * ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون، حاد عن كلامهم تغليظا عليهم.
193
26
((باب قوله: * (إنا أوحينا إليك) * إلى قول * (ويونس وهارون وسليمان) * (النساء: 163))
أي: هذا باب في قوله تعالى إلى آخره، ولم يذكر لفظ: باب، إلا في رواية أبي ذر، وذكر المذكور إلى * (وسليمان) * في رواية أبي ذر. وفي رواية أبي الوقت إلى (نوح والنبيين من بعده) وتمام الآية. (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا) قوله: (أنا أوحينا إليك)، أي: إنا أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى نوح، وقدم نوحا عليه السلام، لأنه أول أنبياء الشرائع وأكبرهم سنا ولأنه لم يبالغ أحد من الأنبياء عليهم السلام، في الدعوة مثل ما بالغ هو عليه السلام، وجعله الله ثاني المصطفى في موضعين من كتابه، فقال: * (ومنك ومن نوح) * (الأحزاب: 7) وفي هذه الآية، وهو أول من تنشق عنه الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر جميع الأنبياء. بقوله: * (
والنبيين من بعده) * وخص منهم جماعة بالذكر صريحا تشريفا لهم. ثم قال: * (والأسباط) * وهم أولاد يعقوب و * (عيسى وأيوب) * وقدم عيسى على من قبله لأن الواو لا تقتضي الترتيب، وفي تخصيصه أيضا رد على اليهود. قوله: (زبورا) وهو اسم الكتاب الذي أنزل الله تعالى على داود.
4603 ح دثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى.
مطابقته للترجمة في قوله: * (يونس) * ويحيى هو القطان، وسفيان هو الثوري، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة، وعبد الله ابن مسعود.
والحديث قد مر في كتاب الأنبياء في: باب قول الله تعالى: * (وإن يونس لمن المرسلين) * (الصافات: 139) بهذا الإسناد. قوله: (ما ينبغي لأحد) وفي رواية الحموي والمستملي: (ما ينبغي لعبد). قوله: (أنا) قال الكرماني: أنا أي: العبد أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن كان المراد من لفظ: أنا هو العبد فمعناه أن العبد القائل به لا ينبغي له أن يقول: أنا خير من يونس، وإن كان المراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون المعنى: قال ذلك تواضعا وهضما للنفس. قوله: (متى)، بفتح الميم وتشديد المثناة من فوق مقصورا والصحيح أنه اسم أبيه.
4604 ح دثنا محمد بن سنان حدثنا فليح حدثنا هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب.
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث الذي مضى قبله. ومحمد بن سنان، بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى، وفليح، بضم الفاء: ابن سليمان، وهلال بن علي، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
قوله: (من قال) إلى آخره، قال الداودي: يريد لا يقول أحد ذلك. ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لكان نهيه قبل أن يعلم أنه خير البشر، فيقول: كذب من قال ما لم يعلم.
27
((باب: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * (النساء: 176))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (يستفتونك) * إلى آخره. ولم يذكر لفظ: باب إلا في رواية أبي ذر قوله: * (يستفتونك) *. أي: يطلبون منك الفتوى، تقديره يستفتونك في الكلالة، فحذف لفظ. الكلالة لدلالة لفظ الكلالة المذكور عليه. قوله: (إن امرؤ هلك) أي: أهلك امرؤ فلفظ هلك، المذكور دل على المحذوف أي: مات. قوله: (ليس له ولد) مرفوع محلا لأنه صفة لامرىء وليس هو منصوبا على الحال وهو تفسير الكلالة، واختلف في اشتقاقها. فقيل: اشتقت من الإكليل لأنه محيط بالرأس من جوانبه دون أعلاه وأسفله، فلما أحاط به النسب من جوانبه سمى كلالة، والوالدان والمولودون محيطون به من أعلاه
194
وأسفله. وقيل: مشتق من كل يكل، يقال: كلت الرحم: إذا تباعدت وطال انتسابها. ومنه كل في مشيه إذا انقطع لبعد المسافة. وقال المنذر: واختلف في مسمى الكلالة، فقيل: إنه اسم للورثة من غير الوالدين والمولودين. قال غير واحد. وقيل: هو اسم للميت، قاله السدي، وقال الزهري: سمي الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة، ويسمى وارثه كلالة، وقيل: هو المال الموروث، قاله عطاء وغيره، وقيل: الفريضة، وقيل: المال والورثة، وقال ابن دريد هم بنو العم، ومن أشبههم، وقيل: هم العصبات كلهم وإن بعدوا. قوله: (وله أخت) أي: من أبيه وأمه. أو من أبيه. لأن ذكر أولاد الأم قد سبق في أول السورة. قوله: (فلها نصف ما ترك) هذا بيان فرضها عند الانفراد. قوله: (وهو يرثها) يعني: أخوها يرثها يعني: يستغرق ميراث الأخت إذا لم يكن لها ولد ولا والد، وهذا في الأخ من الأبوين، أو الأب. قوله: (إن لم يكن لها ولد) أي: ابن لأن الابن يسقط الأخ دون البنت.
وأما سبب نزول الآية المذكورة فما روي عن جابر بن عبد الله قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة عام حجة الوداع: إن لي أختا فكم آخذ من ميراثها؟ فنزلت: * (يستفتونك قل الله يفتيكم) * (النساء: 176) الآية قاله أبو عبد الله محمد بن عسكر المالقي وقيل أنها آخر ما نزل من القرآن، رواه أبو داود في (سننه).
والكلالة من لم يرثه أب أو ابن وهو مصدر من تكلله النسب
أشار به إلى تفسير الكلالة، وهذا قول أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، أخرجه ابن أبي شيبة عنه، وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد ذكرنا فيه أقوالا أخر عن قريب. قوله: (وهو) أي: لفظ الكلالة مصدر من قولهم، تكلله النسب. قال بعضهم: هو قول أبي عبيدة. قلت: فيه نظر لأن تكلل على وزن تفعل ومصدره تفعل، وهو ليس بمصدر بل هو اسم، وقد ذكرنا فيه وجوها أخر عن قريب، ومعنى تكلله النسب تطرفه، كأنه أخذ طرفيه من جهة الوالد والولد وليس له منهما أحد.
4605 ح دثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء رضي الله تعالى عنه قال آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
والحديث أخرجه مسلم في الفرائض عن أبي موسى وبندار. وأخرجه أبو داود فيه عن مسلم بن إبراهيم، وأخرجه النسائي فيهما عن بندار وغيره، قيل: تقدم في سورة البقرة أن آخر آية نزلت هي آية الربا. وأجيب: بأن الراوي هنا البراء بن عازب، والذي هناك قول ابن عباس. قلت: هذا ليس بجواب مقنع، بلى إن قيل: إن هذا
آخر آية نزلت في أحكام الربا فله وجه غير بعيد.
لم تذكر التسمية في رواية أبي ذر، ولقد أحسن من ذكرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
5
((* (باب تفسير سورة المائدة) *))
أي: هذا بيان تفسير بعض شيء من سورة المائدة، وهي على وزن فاعلة. بمعنى: مفعولة. أي: ميد بها صاحبها، وقال الجوهري: ما دهم يميدهم، لغة في مارهم من الميرة، ومنه المائدة، وهي خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة، وإنما هو خوان، وقال أبو عبيدة مائدة. فاعلة بمعنى مفعولة، مثل: * (عيشة راضية) * (الحاقة: 21) بمعنى: مرضية. وقال مقاتل: هي مدنية كلها نزلت بالنهار. وقال عطاء بن أبي مسلم: نزلت سورة المائدة ثم سورة التوبة، وقال أبو العباس في (مقامات التنزيل) هي آخر ما نزل وفيها اختلاف في ست آيات آية منها نزلت في عرفات لم أسمع أحدا اختلف فيها. وهي: * (اليوم أكلمت لكم دينكم) * (المائدة: 3) وآية التيمم نزلت بالأبواء، وآية: * (والله يعصمك) * (المائدة: 67) نزلت بذات الرقاع وآيتان فيهما دلالة على أقاويل، بعضهم: أنها نزلت قبل الهجرة وهي: * (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) * (المائدة: 82) إلى قوله: * (مع الشاهدين) * وآية اختلفوا فيها، فقيل: إنها نزلت بنخلة في الغزوة السابعة. وقيل: إنها نزلت بالمدينة في شأن كعب بن
195
الأشرف وهي: * (اذكروا نعمة الله عليكم) * (المائدة: 7) وذكر أبو عبيدة عن محمد بن كعب القرظي. قال: نزلت سورة المائدة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته، فابتدر ركبتها فنزل عنها صلى الله عليه وسلم، وقال السخاوي: ذهب جماعة إلى أن المائدة ليس فيها منسوخ لأنها متأخرة النزول، وقال آخرون: فيها من المنسوخ عشرة مواضع. وقال النحاس: قال بعضهم: فيها آية واحدة منسوخة ذكرها الشعبي، ثم ذكر ستة أخرى لتكملة سبع آيات، وهي: أحد عشر ألفا وسبعمائة وثلاثة وثلاثون حرفا وألفان وثمانمائة كلمة، وأربع كلمات، ومائة وعشرون آية. كوفي واثنان وعشرون مدني وشامي ومكي، وعشرون وثلاث بصري.
1
((باب: * (حرم واحدها حرام) *))
أشار به إلى قوله في أول السورة: * (غير محلى الصيد وأنتم حرم) * (المائدة: 1) ثم ذكر أن واحد حرم حرام، ومعنى: وأنتم حرم. وأنتم محرمون، وقال أبو عبيدة: يعني: حرام محرم، وقرأ الجمهور بصنم أيضا الراء، وقرأ يحيى بن وثاب: حرم، بإسكان الراء وهي لغة: كرسل ورسل.
((باب قوله تعالى: * (فبما نقضهم) * (المائدة: 13))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فبما نقضهم) * وفي بعض النسخ: باب فيما نقضهم، وليس لفظ باب في كثير من النسخ، وهو الظاهر لأنه لم يرو عن أحد هنا لفظ: باب.
فبنقضهم
هذا تفسير قوله: * (فبما نقضهم) * وأشار به إلى أن كلمة ما زائدة، روي كذا عن قتادة رواه ابن المنذر عن أحمد، حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة، وقال الزجاج: ما لغووا المعنى: فبنقضهم ميثاقهم، ومعنى: ما الملغاة في العمل توكيد القصة، وعن الكسائي: ما صلة كقوله * (عما قليل) * (المؤمنون: 40) وكقوله: * (فبما رحمة من الله لنت لهم) * (النساء: 12) وقال الثعلبي: إنما دخلت فيه ما للمصدر وكذلك كل ما أشبهه. قلت: أول هذه الكلمة الآية الطويلة التي هي: * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) * الآية وبعدها * (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) * إلى قوله: * (إن الله يحب المحسنين) * ولقد أخبر الله تعالى عما أحل بالذين نقضوا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده من العقوبة. بقوله: * (فبما نقضهم) * أي: بسبب نقضهم ميثاقهم لعناهم أي: بعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى وجعلنا قلوبهم قاسية، أي: لا تنتفع بموعظة لغلظها وقساوتها.
التي كتب الله جعل الله
أشار به إلى قوله تعالى: * (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) * (المائدة: 21) وفسره بقوله: جعل الله وعن ابن إسحاق. كتب لكم، أي: وهب لكم أخرجه الطبري وأخرج غيره من طريق السدي أن معناه أمر، وقال الزمخشري: معنى كتب الله: قسمها وسماها، أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم، والأرض المقدسة بيت المقدس أو أريحا أو فلسطين أو دمشق أو الشام، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام، صعد جبل لبنان فقيل له انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس وميراث لذريتك من بعدك.
تبوء تحمل
أشار به في قصة قابيل بن آدم إلى قول هابيل يقول، لقابيل: * (إني أريد أن تبوء بإثمي وأثمك) * (المائدة: 29) تحمل. ثم فسر: تبوء، بقوله: تحمل، هكذا فسره مجاهد رواه ابن المنذر عن موسى: حدثنا أبو بكر حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه وعن ابن عباس وقتادة ومجاهد. أي: قتلى وإثمك الذي عملته قبل
ذلك، وقال ابن جرير: قال آخرون: معنى ذلك، إني أريد أن تبوء بإثمي، أي: بخطيئتي فتحمل أوزارها وإثمك في قتلك إياي، وقال هذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطا لأن الرواية الصحيحة عنه خلاف هذا يعني: ما رواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد إني أريد أن تبوء بإثمي. قال: بقتلك إياي وإثمك. قال: بما كان قبل ذلك؟ قلت: هذا هو الذي ذكرناه عنه مع ابن عباس الذي نص عليها بالصحة فإن قلت: قد روى ما ترك القاتل
196
على المقتول من ذنب؟ قلت: هذا الحديث لا أصل له. قاله الخطابي من المحدثين. فإن قلت: روى البزار بإسناده من حديث عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه. قلت: هذا لا يصح، ولئن صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بإثم القتل ذنوبه فإما أنه يحمل على القاتل فلا.
دائرة دولة
أشار به إلى قوله تعالى: * (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) * (المائدة: 52) ثم فسرها بقوله: دولة، وهكذا فسره السدي: رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن أحمد بن مفضل حدثنا أسباط عن السدي به.
وقال غيره الإغراء التسليط
أشار بلفظ الإغراء إلى قوله تعالى: * (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * (المائدة: 14) وفسر الإغراء بالتسليط، وفي التفسير قوله: فأغرينا. أي: ألقينا وقال الزمخشري: فأغرينا. الصقنا وألزمنا، من غرى بالشيء إذا لزمه فلصق به، وأغراه به غيره ومنه الغري الذي يلصق به. فإن قلت: ما أراد بقوله. وقال غيره؟ ومن هو هذا الغير؟ وإلى أي شيء يرجع الضمير؟ قلت: قال صاحب (التوضيح) لعله يعني: لعل البخاري يعني بالغير من فسر ما قبله، وقد نقلناه عن قتادة. انتهى قلت: قتادة لم يذكر صريحا فيما قبله حتى يرجع الضمير إليه. ولا ذكر فيما قبله ما يصلح أن يرجع إليه الضمير، والظاهر أن هنا شيئا سقط من النساخ، والصواب: أن هذا ليس من البخاري، ولهذا لم يذكر في رواية النسفي ولا في بعض النسخ، ويحتمل أن يكون قوله عقيب هذا، وقال ابن عباس: مخمصة مجاعة، مذكورا قبل قوله، وقال غيره: أي: قال غير ابن عباس: الإغراء التسليط، ووقع من الناسخ أنه أخر هذا وقدم ذاك، ويقوي هذا الاحتمال ما وقع في رواية الإسماعيلي عن الفربري بالإجازة. وقال ابن عباس: مخمصة مجاعة. وقال غيره الإغراء التسليط، وهذا هو الصواب لا مرية فيه.
أجورهن مهورهن
أشار به إلى قوله تعالى: * (إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) * (المائدة: 5) وفسر الأجور بالمهور، وهكذا روي عن ابن عباس، رواه ابن المنذر عن غيلان: حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عنه رضي الله تعالى عنهما.
المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومهيمنا عليه) * (المائدة: 484) وفسره بقوله الأمين. وقال في (فضائل القرآن) قال قال ابن عباس المهيمن الأمين. وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق سمعت التيمي سمعت ابن عباس، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله عز وجل: * (ومهيمنا عليه) * قال المهيمن الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله، وقال الخطابي: أصله مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة وهو على وزن مسيطر ومبيطر، قال ابن قتيبة وآخرون، مهيمن مفيعل يعني بالتصغير من أمين، قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر، والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب، يقال: هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن، وقال أبو عبيدة لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، وقال الأزهري: المهيمن من صفات الله تعالى، وقال بعض المفسرين: المهيمن الشهيد والشاهد، وقيل: الرقيب، وقيل: الحفيظ.
قال سفيان ما في القرآن آية أشد علي من * (لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) * (المائدة: 68)
[/ ح.
إنما كان أشد عليه لما فيه من تكلف العلم بأحكام التوراة والإنجيل والعمل بها، وأول الآية: * (قل يا أهل الكتاب لستم
197
على شيء) * الآية. قال المفسرون: يقول الله تعالى: قل يا محمد! يا أهل الكتاب لستم على شيء أي من الدين، حتى تقيموا التوراة والإنجيل. أي: حتى تؤمنوا بجميع ما في أيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها من الأمر من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته، وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الضيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمد: ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى. ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ مما أحدثتموه. وقالوا: إنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية.
* (من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا) *
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا) * (المائدة: 32) وفسره بقوله: يعني من حرم إلى آخره، ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: من لم يقتل أحدا فقد حيى الناس منه، وعنه في رواية: ومن أحياها. أي: أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة.
شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة
أشار به إلى قوله تعالى: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * (المائدة: 48) وفسر شرعة. بقوله: سبيلا ومنهاجا. بقوله: سنة قال الكرماني: ما يفهم منه أن قوله: سبيلا تفسير قوله: منهاجا. وقوله: وسنة تفسير قوله: شرعة، حيث قال: وفيه لف ونشر غير مرتب. قلت: روى ابن أبي حاتم بما فيه لف ونشر مرتب مثل ظاهر تفسير البخاري حيث قال: سبيلا وسنة فقوله سبيلا تفسير شرعة. وقوله: منهاجا تفسير قوله: وسنة، وذلك حيث قال ابن أبي حاتم، حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس، الكل جعلنا منكم شرعة قال سبيلا وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس ومنهاجا سنة وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله شرعة ومنهاجا أي: سبيلا وسنة، وهذا كما هو لفظ البخاري، وفيه لف ونشر مرتب، وقال ابن كثير: وعن ابن عباس أيضا وعطاء الخراساني، شرعة ومنهاجا أي: سنة وسبيلا، ثم قال: والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي مما يبدأ فيه إلى الشيء، ومنه يقال: شرع في كذا أي: ابتدأ وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل، وتفسير قوله: شرعة ومنهاجا بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس.
فإن عثر ظهر
أشار به إلى قوله تعالى: * (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) * وفسر عثر بقوله: ظهر، قال المفسرون: أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من شاهدي الوصية أنهما خانا أو غلا شيئا من المال الموصى به بنسبته إليهما وظهر عليهما بذلك فآخران يقومان مقامهما، وتوضيح هذا يظهر من تفسير الآية التي هذه اللفظة فيها وما قبلها، وهي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) * إلى قوله: * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * (المائدة: 107).
الأوليان واحدها أولى
أشار به إلى قوله تعالى: * (من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله) * (المائدة: 106) الآية وأشار إلى أن ما ذكر من قوله: الأوليان تثنية أولى، والأوليان مرفوع، بقوله استحق من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة، وقرئ الأولين على أنه وصف للذين، وقرئ الأولين على التثنية وانتصابه على المدح، وقرأ الحسن الأولان، وأكثر هذه الألفاظ المذكورة هاهنا لم تقع في كثير، من النسخ، وفي النسخ التي وقعت فيها بالتقديم والتأخير، والله أعلم.
1
((باب: * (حرم واحدها حرام) *))
أشار به إلى قوله في أول السورة: * (غير محلى الصيد وأنتم حرم) * (المائدة: 1) ثم ذكر أن واحد حرم حرام، ومعنى: وأنتم حرم. وأنتم محرمون، وقال أبو عبيدة: يعني: حرام محرم، وقرأ الجمهور بصنم أيضا الراء، وقرأ يحيى بن وثاب: حرم، بإسكان الراء وهي لغة: كرسل ورسل.
((باب قوله تعالى: * (فبما نقضهم) * (المائدة: 13))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فبما نقضهم) * وفي بعض النسخ: باب فيما نقضهم، وليس لفظ باب في كثير من النسخ، وهو الظاهر لأنه لم يرو عن أحد هنا لفظ: باب.
فبنقضهم
هذا تفسير قوله: * (فبما نقضهم) * وأشار به إلى أن كلمة ما زائدة، روي كذا عن قتادة رواه ابن المنذر عن أحمد، حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة، وقال الزجاج: ما لغووا المعنى: فبنقضهم ميثاقهم، ومعنى: ما الملغاة في العمل توكيد القصة، وعن الكسائي: ما صلة كقوله * (عما قليل) * (المؤمنون: 40) وكقوله: * (فبما رحمة من الله لنت لهم) * (النساء: 12) وقال الثعلبي: إنما دخلت فيه ما للمصدر وكذلك كل ما أشبهه. قلت: أول هذه الكلمة الآية الطويلة التي هي: * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) * الآية وبعدها * (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) * إلى قوله: * (إن الله يحب المحسنين) * ولقد أخبر الله تعالى عما أحل بالذين نقضوا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده من العقوبة. بقوله: * (فبما نقضهم) * أي: بسبب نقضهم ميثاقهم لعناهم أي: بعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى وجعلنا قلوبهم قاسية، أي: لا تنتفع بموعظة لغلظها وقساوتها.
التي كتب الله جعل الله
أشار به إلى قوله تعالى: * (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) * (المائدة: 21) وفسره بقوله: جعل الله وعن ابن إسحاق. كتب لكم، أي: وهب لكم أخرجه الطبري وأخرج غيره من طريق السدي أن معناه أمر، وقال الزمخشري: معنى كتب الله: قسمها وسماها، أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم، والأرض المقدسة بيت المقدس أو أريحا أو فلسطين أو دمشق أو الشام، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام، صعد جبل لبنان فقيل له انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس وميراث لذريتك من بعدك.
تبوء تحمل
أشار به في قصة قابيل بن آدم إلى قول هابيل يقول، لقابيل: * (إني أريد أن تبوء بإثمي وأثمك) * (المائدة: 29) تحمل. ثم فسر: تبوء، بقوله: تحمل، هكذا فسره مجاهد رواه ابن المنذر عن موسى: حدثنا أبو بكر حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه وعن ابن عباس وقتادة ومجاهد. أي: قتلى وإثمك الذي عملته قبل
ذلك، وقال ابن جرير: قال آخرون: معنى ذلك، إني أريد أن تبوء بإثمي، أي: بخطيئتي فتحمل أوزارها وإثمك في قتلك إياي، وقال هذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطا لأن الرواية الصحيحة عنه خلاف هذا يعني: ما رواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد إني أريد أن تبوء بإثمي. قال: بقتلك إياي وإثمك. قال: بما كان قبل ذلك؟ قلت: هذا هو الذي ذكرناه عنه مع ابن عباس الذي نص عليها بالصحة فإن قلت: قد روى ما ترك القاتل على المقتول من ذنب؟ قلت: هذا الحديث لا أصل له. قاله الخطابي من المحدثين. فإن قلت: روى البزار بإسناده من حديث عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه. قلت: هذا لا يصح، ولئن صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بإثم القتل ذنوبه فإما أنه يحمل على القاتل فلا.
198
دائرة دولة
أشار به إلى قوله تعالى: * (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) * (المائدة: 52) ثم فسرها بقوله: دولة، وهكذا فسره السدي: رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن أحمد بن مفضل حدثنا أسباط عن السدي به.
وقال غيره الإغراء التسليط
أشار بلفظ الإغراء إلى قوله تعالى: * (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * (المائدة: 14) وفسر الإغراء بالتسليط، وفي التفسير قوله: فأغرينا. أي: ألقينا وقال الزمخشري: فأغرينا. الصقنا وألزمنا، من غرى بالشيء إذا لزمه فلصق به، وأغراه به غيره ومنه الغري الذي يلصق به. فإن قلت: ما أراد بقوله. وقال غيره؟ ومن هو هذا الغير؟ وإلى أي شيء يرجع الضمير؟ قلت: قال صاحب (التوضيح) لعله يعني: لعل البخاري يعني بالغير من فسر ما قبله، وقد نقلناه عن قتادة. انتهى قلت: قتادة لم يذكر صريحا فيما قبله حتى يرجع الضمير إليه. ولا ذكر فيما قبله ما يصلح أن يرجع إليه الضمير، والظاهر أن هنا شيئا سقط من النساخ، والصواب: أن هذا ليس من البخاري، ولهذا لم يذكر في رواية النسفي ولا في بعض النسخ، ويحتمل أن يكون قوله عقيب هذا، وقال ابن عباس: مخمصة مجاعة، مذكورا قبل قوله، وقال غيره: أي: قال غير ابن عباس: الإغراء التسليط، ووقع من الناسخ أنه أخر هذا وقدم ذاك، ويقوي هذا الاحتمال ما وقع في رواية الإسماعيلي عن الفربري بالإجازة. وقال ابن عباس: مخمصة مجاعة. وقال غيره الإغراء التسليط، وهذا هو الصواب لا مرية فيه.
أجورهن مهورهن
أشار به إلى قوله تعالى: * (إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) * (المائدة: 5) وفسر الأجور بالمهور، وهكذا روي عن ابن عباس، رواه ابن المنذر عن غيلان: حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عنه رضي الله تعالى عنهما.
المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومهيمنا عليه) * (المائدة: 484) وفسره بقوله الأمين. وقال في (فضائل القرآن) قال قال ابن عباس المهيمن الأمين. وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق سمعت التيمي سمعت ابن عباس، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله عز وجل: * (ومهيمنا عليه) * قال المهيمن الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله، وقال الخطابي: أصله مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة وهو على وزن مسيطر ومبيطر، قال ابن قتيبة وآخرون، مهيمن مفيعل يعني بالتصغير من أمين، قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر، والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب، يقال: هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن، وقال أبو عبيدة لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، وقال الأزهري: المهيمن من صفات الله تعالى، وقال بعض المفسرين: المهيمن الشهيد والشاهد، وقيل: الرقيب، وقيل: الحفيظ.
قال سفيان ما في القرآن آية أشد علي من * (لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) * (المائدة: 68)
[/ ح.
إنما كان أشد عليه لما فيه من تكلف العلم بأحكام التوراة والإنجيل والعمل بها، وأول الآية: * (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء) * الآية. قال المفسرون: يقول الله تعالى: قل يا محمد! يا أهل الكتاب لستم على شيء أي من الدين، حتى تقيموا التوراة والإنجيل. أي: حتى تؤمنوا بجميع ما في أيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها من الأمر من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته، وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الضيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمد: ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى. ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ مما أحدثتموه. وقالوا: إنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية.
* (من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا) *
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا) * (المائدة: 32) وفسره بقوله: يعني من حرم إلى آخره، ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: من لم يقتل أحدا فقد حيى الناس منه، وعنه في رواية: ومن أحياها. أي: أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة.
شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة
أشار به إلى قوله تعالى: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * (المائدة: 48) وفسر شرعة. بقوله: سبيلا ومنهاجا. بقوله: سنة قال الكرماني: ما يفهم منه أن
قوله: سبيلا تفسير قوله: منهاجا. وقوله: وسنة تفسير قوله: شرعة، حيث قال: وفيه لف ونشر غير مرتب. قلت: روى ابن أبي حاتم بما فيه لف ونشر مرتب مثل ظاهر تفسير البخاري حيث قال: سبيلا وسنة فقوله سبيلا تفسير شرعة. وقوله: منهاجا تفسير قوله: وسنة، وذلك حيث قال ابن أبي حاتم، حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس، الكل جعلنا منكم شرعة قال سبيلا وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس ومنهاجا سنة وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله شرعة ومنهاجا أي: سبيلا وسنة، وهذا كما هو لفظ البخاري، وفيه لف ونشر مرتب، وقال ابن كثير: وعن ابن عباس أيضا وعطاء الخراساني، شرعة ومنهاجا أي: سنة وسبيلا، ثم قال: والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي مما يبدأ فيه إلى الشيء، ومنه يقال: شرع في كذا أي: ابتدأ وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل، وتفسير قوله: شرعة ومنهاجا بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس.
فإن عثر ظهر
أشار به إلى قوله تعالى: * (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) * وفسر عثر بقوله: ظهر، قال المفسرون: أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من شاهدي الوصية أنهما خانا أو غلا شيئا من المال الموصى به بنسبته إليهما وظهر عليهما بذلك فآخران يقومان مقامهما، وتوضيح هذا يظهر من تفسير الآية التي هذه اللفظة فيها وما قبلها، وهي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) * إلى قوله: * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * (المائدة: 107).
الأوليان واحدها أولى
أشار به إلى قوله تعالى: * (من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله) * (المائدة: 106) الآية وأشار إلى أن ما ذكر من قوله: الأوليان تثنية أولى، والأوليان مرفوع، بقوله استحق من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة، وقرئ الأولين على أنه وصف للذين، وقرئ الأولين على التثنية وانتصابه على المدح، وقرأ الحسن الأولان، وأكثر هذه الألفاظ المذكورة هاهنا لم تقع في كثير، من النسخ، وفي النسخ التي وقعت فيها بالتقديم والتأخير، والله أعلم.
2
((باب قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (المائدة: 3))
198
لم يذكر لفظ باب إلا في رواية أبي ذر وقال المفسرون: هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة حيث أكمل لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم، ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف. قال علي بن أبي طلحة. عن ابن عباس * (كملت لكم دينكم) * (المائدة: 3) وهو الإسلام، والمراد باليوم: يوم عرفة. قال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات. وقال ابن جريج وغير واحد: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما.
وقال ابن عباس مخمصة مجاعة
هذا لم يثبت إلا لغير أبي ذر، وقد ذكرنا عند قوله: (وقال غيره) الإغراء التسليط، أن المناسبة كانت تقتضي أن يذكر هذه اللفظة قبل قوله: وقال ابن عباس: فليرجع إليه هناك يظهر لك ما فيه الكفاية. وأشار به إلى قوله تعالى: * (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم) * وهذا التعليق رواه ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
4606 ح دثني محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن قيس عن طارق بن شهاب قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمر إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت يوم عرفة وإنا والله بعرفة. قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا * (اليوم أكملت لكم دينكم) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة و عبد الرحمن هو ابن مهدي، و سفيان هو الثوري، و قيس هو ابن مسلم، وطارق هو ابن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي الكوفي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم وغزا في خلافة أبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما ثلاثا وثلاثين أو ثلاثا وأربعين غزوة، ومات سنة ثلاث وثمانين.
والحديث مر في كتاب الإيمان من طريق آخر عن الحسن بن الصباح عن حفص بن عون عن أبي العميس عن قيس بن مسلم عن طارق إلى آخره.
قوله: (قالت اليهود)، وفي كتاب الإيمان أن رجلا من اليهود، وإنما جمع هنا باعتبار السائل ومن كان معه، وكان هذا الرجل كعب الأحبار، وكان سؤاله قبل إسلامه، وأنه أسلم في خلافة عمر، على المشهور، أو أطلق عليه ذلك باعتبار ما مضى. قوله: (حيث أنزلت وأين أنزلت) أعلم أن حيث للمكان اتفاقا وقال الأخفش، وقد ترد للزمان، وهنا للمكان خاصة، وأين، للزمان فلا تكرار وحينئذ، والغالب كون، حيث في محل نصب على الظرفية، أو خفض: بمن، ويلزمها الإضافة إلى الجملة اسمية كانت أو فعلية، وإلى الفعلية أكثر، وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي: (حيث أنزلت، وأي يوم أنزلت) وقال الكرماني: ويروى: (حين أنزلت وأين أنزلت) قلت: فحينئذ يلزم التكرار. قوله: (وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت). كذا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر: (حيث أنزلت). قوله: (يوم عرفة) بالرفع أي: يوم النزول يوم عرفة ويروى بالنصب أي أنزلت في يوم عرفة. قوله: (وأنا والله بعرفة) إشارة إلى المكان إذ عرفة تطلق على عرفات، وكذا هو في وراية الجميع، وعند أحمد: (ورسول الله واقف بعرفة)، وكذا في رواية مسلم. قوله: (قال سفيان: وأنا أشك) وقد تقدم في كتاب الإيمان عن قيس
بن مسلم الجزم بأن ذلك كان يوم الجمعة، وسيجئ الجزم أيضا في كتاب الاعتصام من رواية مسعر عن قيس.
3
((باب قوله: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) *))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) * (المائدة: 6) قيل: وقع هنا. فإن لم تجدوا. قلت: ليس كذلك، فالقرآن * (فلم تجدوا) * وفي الأصول كذلك.
199
تيمموا تعمدوا
أشار به إلى أن معنى قوله تعالى: * (فتيمموا) * تعمدوا الآن معنى التيمم في اللغة القصد، والعمد هو القصد، وكذا روي عن سفيان رواه ابن المنذر عن زكريا حدثنا أحمد بن خليل حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عنه.
آمين قاصدين أممت ويممت واحد
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام) * (المائدة: 2) وفسر آمين بقوله: قاصدين، لأنه من الأم وهو القصد، أي: ولا تستحلوا قتال آمين البيت أي: القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا. قوله: (أممت ويممت واحد)، أي: في المعنى قال الشاعر:
ولا أدري إذا يممت أرضا
وقرأ الأعمش: ولا آمي البيت، بإسقاط النون للإضافة.
وقال ابن عباس لمستم وتمسوهن واللاتي دخلتم بهن والإفضاء النكاح
أشار بقول ابن عباس هذا إلى أن معنى أربعة ألفاظ في القرآن بمعنى واحد، وهو: النكاح أي: الوطء. وقوله: لمستم، في محل الرفع على الابتداء بتقدير قوله: لمستم، وما بعده عطف عليه، وقوله: النكاح، على أنه خبره، وقد ذكر هذا عن ابن عباس بطريق التعليق. أما اللفظ الأول: فقد وصله إسماعيل القاضي في (أحكام القرآن) من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: * (أو لمستم النساء) * قال هو الجماع، وروى ابن المنذر حدثنا محمد بن علي حدثنا سعيد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن ابن جبير عن ابن عباس أن اللمس والمس والمباشرة الجماع، وقال ابن أبي حاتم في (تفسيره). وروي عن علي ابن أبي طالب وأبي بن كعب ومجاهد والحسن وطاوس وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل نحو ذلك، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب (لمستم) وقرأ عاصم وأبو عمرو بن العلاء وأهل الحجاز (لامستم) بالألف (وأما اللفظ الثاني): فوصله ابن المنذر وقد مر الآن (وأما اللفظ الثالث): فرواه علي بن أبي حاتم من طريق وابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: * (اللاتي دخلتم بهن) * (النساء: 23) قال الدخول النكاح (وأما اللفظ الرابع): فرواه ابن أبي حاتم من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في قوله تعالى: * (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * (النساء: 21) قال: الإفضاء الجماع، وروى ابن المنذر عن علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج حدثنا حماد أخبرنا عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس، قال: الملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والجماع نكاح ولكن الله يكني.
4607 ح دثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم
200
يا أبي آل بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فإذا العقد تحته.
مطابقته للترجمة في قوله: * (فتيمموا) * وإسماعيل بن أبي أويس عبد الله المدني يروي عن خاله مالك بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه. والحديث قد مر في أول كتاب التيمم، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (بالبيداء)، بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف. (وذات الجيش) بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة. وهما اسمان لموضعين بين مكة والمدينة. قوله: (عقد) بكسر العين. القلادة، وكانت لأسماء أخت عائشة فاستعارتها عائشة منها وأضافتها إلى نفسها بملابسة العارية.
4
((باب قوله تعالى: * (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) * (المائدة: 24))
أي: هذا باب في قوله تعالى: هذا باب في قوله تعالى: * (فاذهب) * الآية هكذا وقع للمستملي وفي رواية غيره فاذهب إلى آخره وقبله قوله: * (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب) * الآية. واصل هذا أن موسى عليه
201
السلام، أمر قومه أن يجاهدوا ويدخلوا بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمن أبيهم يعقوب عليه السلام، كما أخبر الله عن ذلك قبل هذه الآية. بقوله: * (يا قوم ادخلوا
الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) * (المائدة: 21) الآية، فكان جوابهم (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها) الآية * (فاذهب أنت وربك) * الآية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بان عباس. قال: لما نزل موسى عليه السلام، وقومه الأرض المقدسة وجدوا فيها مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر، بعث اثني عشر رجلا وهم النقباء الذين ذكرهم الله ليأتوا بخبرهم، فلقيهم رجل من الجبارين فجعلهم في كسائه وحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه ثم قالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه فأخبروهم بما رأيتم. فقال لهم موسى عليه السلام: اكتموا هذا فلم يكتم إلا رجلان، يوشع وكالب، وهما المذكوران في قوله عز وجل: * (قال رجلان من الذين يخافون) * (المائدة: 23) الآية. قيل: اسم هذه المدينة أريحا، وقال البكري: يقال لها أيضا: أريح، وفي حديث عكرمة عن ابن عباس: دخل منهم رجلان حائطا لرجل من الجبارين فأخذهما فجعلهما في كمه، وفي (تفسير مقاتل) كان في أريحا ألف قرية في كل قرية ألف بستان، فلما دخلها النقباء خرج إليهم عوج بن عنق فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدي ملكهم واسمه: ما نوس بن ششورة، فلما نظر إليهم أمر بقتلهم، فقالت امرأته: أنعم على هؤلاء المساكين ودعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقا غير الذي جاؤوا منها. فأرسلهم فأخذوا عنقودا من كرومهم فحملوه على عمود بين رجلين فعجزوا عن حمله، وحملوا رمانتين على بعض دوابهم فعجزت الدابة عن حملها، فقدموا على موسى عليه السلام، وذكروا حالهم، وأن طول كل رجل منهم سبعة أذرع ونصف، وكانوا من بقايا قوم عاذ يقال لهم: العماليق، وعن مجاهد كان لا يقل عنقود عنبهم إلا خمسة رجال أو أربعة، وفي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فاعطوهم حبة عنب تكفي الرجل. قلت: المراد بالأرض المقدسة المذكورة دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال قتادة: هي الشام كلها، وقال السهيلي: الأرض المقدسة هي بيت المقدس وما حولها، ويقال: لها إيليا، وتفسر بيت الله، وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، الأرض المقدسة هي الطور وما حوله. قوله: (فاذهب أنت وربك)، يقال: الظاهر أنهم أرادوا حقيقة الذهاب كفرا واستهانة بدليل مقابلة ذهابهم بقعودهم، وقال الزمخشري: يحتمل أن يعبر بالذهاب هنا عن القصد والإرادة، كما تقول: كلمته ذهب يجيبني أي: قصدا إجابتي. وقال الداوردي: المراد بقوله، وربك هارون عليه السلام، لأنه كان أكبر سنا من موسى عليه السلام، ورد عليه ابن التين بقوله: هذا خلاف قول أهل التفسير وما أرادوا إلا الرب، عز وجل، ولأجل هذا عوقبوا.
4609 ح دثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب سمعت ابن مسعود رضي الله عنه قال شهدت من المقداد ح و حدثني حمدان بن عمر حدثنا أبو النضر حدثنا الأشجعي عن سفيان عن مخارق عن طارق عن عبد الله قال قال المقداد يوم بدر يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى * (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) * ولاكن امض ونحن معك فكأنه سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن أبي نعيم، بضم النون الفضل بن ديكن عن إسرائيل بن يونس السبيعي عن مخارق، بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الراء وبالقاف: ابن عبد الله الأحمسي الكوفي عن طارق بن شهاب الأحمسي البجلي الكوفي وعن عبد الله بن مسعود، ومر في غزوة بدر في باب قول الله تعالى: * (إذا تستغيثون ربكم) * (الأنفال: 9) فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد عن أبي نعيم إلى آخره ومر الكلام فيه (الطريق الآخر) عن حمدان بن عمر أبي جعفر البغدادي واسمه أحمد وحمدان لقبه وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وهو من صغار شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري سنتين، يروي عن أبي النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي، ويقال: الليثي الكناني خراساني سكن بغداد توفي بها سنة سبع ومائتين، يروي عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي عن سفيان الثوري إلى آخر.
قوله: (يوم بدر)، وعن قتادة فيما ذكره الطبري أنه كان في الحديبية حين صد. قوله: (فكأنه سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: أزيل عنه المكروهات كلها.
ورواه وكيع عن سفيان عن مخارق عن طارق أن المقداد قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
202
أي: روى الحديث المذكور وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري إلى آخره، وهذا التعليق رواه الدارقطني من حديث سفيان بن وكيع بن الجراح عن أبيه. قوله: (أن المقداد)، أي ابن الأسود الكندي المذكور. قوله: (قال ذلك)، إشارة إلى قوله يوم بدر: يا رسول الله! إنا لا نقول إلى آخر ما مر من الحديث، وجاء أن سعد بن معاذ قاله أيضا، فيجوز أن يكون قالاه.
5
((باب: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا) * إلى قوله: * (أو ينفوا من الأرض) * (المائدة: 33))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله) * إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب، ووقع في رواية: أبي ذر: باب * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) * الآية، وغيره ساق الآية. وقال الطبري: اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية، فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، وفي رواية أبي داود عن ابن عباس نزلت في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه، وعن السدي: نزلت في سودان عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم الماء الأصفر فشكوا ذلك إليه الحديث، وذكر الثعلبي عن الكلبي أنها نزلت في قوم من بني هلال، كان أبو برزة الأسلمي عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن أتاه من المسلمين فهو آمن فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس ممن أسلم من قوم أبي برزة قال: ولم يكن أبو برزة يومئذ شاهدا، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فنزلت هذه الآية.
المحاربة لله الكفر به
روي هذا عن سعيد بن جبير، ووصله ابن أبي حاتم، حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني ابن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد في قوله: عز وجل: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) *، قال: يعني بالمحاربة الكفر بعد الإسلام.
4610 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا ابن عون قال حدثني سلمان أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة أنه كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز فذكروا وذكروا فقالوا وقالوا قد أقادت بها الخلفاء فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره فقال ما تقول يا عبد الله بن زيد أو قال ما تقول يا أبا قلابة قلت ما علمت نفسا حل قتلها في الإسلام إلا رجل زنى بعد إحصان أو قتل نفسا بغير نفس أو حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال عنبسة حدثنا أنس بكذا وكذا قلت إياي حدث أنس قال قدم قوم على النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه فقالوا قد استوخمنا هاذه الأرض فقال هاذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها فاشربوا من ألبانها وأبوالها فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحوا ومالوا على الراعي فقتلوه واطردوا النعم فما يستنبطا من هاؤلاء قتلوا النفس وحاربوا الله ورسوله وخوفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله فقلت تتهمني قال حدثنا بهاذا أنس قال وقال يا أهل كذا إنكم لن تزالوا بخير ما أبقى هاذا فيكم أو مثل هذا.
203
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه، وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، ومحمد هو ابن عبد الله الأنصاري من شيوخ البخاري روى عنه هنا بواسطة، وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري، وسلمان، بفتح السين وسكون اللام. أبو رجاء مولى أبي قلابة الجرمي البصري، وفي رواية الكشميهني، سليمان، بضم السين وفتح اللام والأول هو الصواب، وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع عديدة، فقطعة من ذلك مضت في كتاب الطهارة في: باب أبواب الإبل والدواب والغنم، فإنه أخرج فيها حديث العرنيين عن سليمان بن حرب، وقطعة مشتملة على ما في حديث الباب أخرجها في كتاب المغازي في: باب قصة عكل وعرينة أخرجها عن محمد بن عبد الرحيم عن حفص بن عمر عن حماد بن زيد عن أيوب والحجاج الصواف عن أبي رجاء مولى أبي قلابة الحديث.
قوله: (خلف عمر بن عبد العزيز) وفي الرواية المتقدمة في المغازي، قال: يعني أبو رجاء وأبو قلابة خلف سريره. قوله: (فذكروا ذكروا) أي: القسامة، وقد بين البخاري هذا في مكان آخر أعني في كتاب الديات، وهو: أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا. فقال لهم: ما تقولون في القسامة؟ قالوا: نقول في القسامة القود بها حق وقد أقادت بها الخلفاء، فقال لي: ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أن خمسين رجلا منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قدرنا ولم يروه أكنت ترجمة؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه قد سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا في إحدى ثلاث خصال: رجل قتل بحديدة نفسا فقتل، ورجل زنى بعد إحصان، ورجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام. فقال القوم: أوليس قد حدث أنس بن مالك أن نفرا من عكل؟ الحديث. قوله: (فقالوا وقالوا)، مقول القول الأول محذوف، وهو الذي ذكره البخاري في مكان آخر، ومقول القول الثاني هو قوله: قد أقادت بها الخلفاء. يقال: أقاد القاتل بالقتيل إذا قتله به، وفي الرواية المتقدمة في المغازي: أن عمر ابن عبد العزيز استشار الناس يوما فقال: ما تقولون في هذه القسامة؟ فقالوا: حق قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضت بها الخلفاء قبلك. قوله: (فالتف)، أي: عمر بن عبد العزيز إلى أبي قلابة، والحال أنه خلف ظهر. قوله: (فقال)، أي: عمر بن عبد العزيز. قوله: (يا عبد الله بن زيد)، هو المكنى بأبي قلابة. قوله: (أو ما تقول يا أبا قلابة)؟ شك من الراوي هل سماه باسمه أو خاطبه بكنيته. قوله: قلت: القائل هو أبو قلابة. قوله: (فقال عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن العاص بن أمية أبو خالد القرشي الأموي أخو يحيى وعمرو الأشدق، سمع أبا هريرة، روى عنه الزهري في غزوة خيبر عن البخاري، وسمع أنسا في الحدود، روى عنه أبو قلابة حديث العرنيين عند مسلم. قوله: (حدثنا أنس بكذا وكذا) أي: قال عنبسة: حدثنا أنس بن مالك بقصة القسامة، وحديث العرنيين. قوله: (قلت): القائل أبو قلابة ويروى: (فقلت)، وفي رواية كتاب الديات، (فقلت: أنا أحدثكم بحديث أنس، حدثني أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض) الحديث. قوله: (قدم قوم) هم نفر من عكل (فكلموه) أي: فكلموا النبي صلى الله عليه وسلم أريد به المبايعة على الإسلام كما صرح به في الرواية المذكورة الآن. قوله: (قد استوخمنا) من استوخمت البلد إذا لم يوافق بدنك، وأصله من الوخم وهو ثقالة الطعام في المعدة، يقال: وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرىء فهو وخيم، قال ابن الأثير في حديث العرنيين: واستوخموا المدينة أي: استثقلوها ولم يوافق هواؤها أبدانهم. قوله: (هذه نعم لنا) المراد بالنعم الإبل، فإن قلت: قد قال في رواية أخرى: أخرجوا إلى إبل الصدقة. قلت: إنما قال ذلك باعتبار أنه كان حاكما عليها أو كانت له نعم ترعى مع إبل الصدقة. قوله: (تخرج) في محل النصب على الحال. قوله: (واستصحوا) أي: حصلت لهم الصحة، والسين فيه للصيرورة. قوله: (واطردوا النعم)، أي: ساقوها سوقا شديدا. وأصله من طرد فنقل إلى باب الافتعال فصار: اتطرد، ثم قلبت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء. قوله: (فما يستبطأ من هؤلاء) على صيغة المجهول من باب الاستفعال، من البطء بالهمزة في آخره وهو نقيض السرعة، وقال الكرماني: فما يستبطأ. استفهام. قلت: معناه على قوله أي شيء يستبطأ من هؤلاء الذين قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل؟ وفيه معنى التعجب أيضا فافهم، ويؤيد
204
ما ذكرناه ما جاء في كتاب الديات في هذا الحديث. قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء؟ ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا؟! وفي رواية بالقاف بدل الطاء، ومعناه: ما يترك من هؤلاء، وهو استفهام أيضا فيه معنى التعجب، وأصله من استبقيت الشيء أي: تركت بعضه. قوله: (فقال: سبحان الله) القائل عنبسة متعجبا من قول
أبي قلابة. قوله: (فقلت تتهمني)؟ القائل أبو قلابة يقول لعنبسة تتهمني فيما رويته من حديث أنس؟ ويوضح هذا ما جاء في كتاب الديات فيه، فقال عنبسة بن سعيد يعني: عند رواية أبي قلابة الحديث، والله إن سمعت كاليوم قط؟ فقلت: أترد على حديثي يا عنبسة؟ قال لا ولكن جئت بالحديث على وجهه. قوله: (قال: حدثنا بهذا أنس) أي: قال أبو قلابة، حدثنا بهذا الحديث أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه. قوله: (قال: وقال يا أهل كذا) أي: قال الراوي وقال عنبسة يا أهل كذا مراده يا أهل الشام وقال بعضهم وفي الرواية الآتية في الديات يا أهل الشام قلت هذا ليس بمذكور في كتاب الديات، ولكن المراد بخطاب عنبسة بقوله: (يا أهل كذا) هو أهل الشام لأن هذا كله وقع في دمشق. قوله: (ما أبقى هذا فيكم) بضم الهمزة وكسر القاف على صيغة المجهول، وأشار عنبسة بقوله هذا إلى أبي قلابة، وفي رواية كتاب الديات: والله لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشيخ بين أظهرهم، ويروى: ما أبقى الله مثل هذا. قوله: (أو مثل هذا)، شك من الراوي، أي: أو قال عنبسة مثل ما ذكر من قوله: (ما أبقى هذا فيكم)؟ ومثله ما ذكر في الديات فافهم فإني ما رأيت شارحا أتى بحق شرح هذا الحديث.
6
((باب قوله: * (والجروح قصاص) * (المائدة: 45))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (والجروح قصاص) * هكذا هو في رواية المستملي، وفي رواية غيره: باب والجروح قصاص، وليس في بعض النسخ لفظ: باب وهذا اللفظ في قوله: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص)، هذا تعميم بعد التخصيص لأنه ذكر العين بالعين ونحوها، والقصاص في الجرح إنما يثبت فيما يمكن أن يقتص فيه مثل الشفتين والذكر واليدين وما أشبه ذلك، وما عدا ذلك من كسر عظم أو جراحة في البطن ففيه أرش، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بن العلاء وابن عامر والكسائي برفع الحاء، والباقون: ينصبها، والقصاص من: قص الأثر أي: اتبعه فكان المحني عليه يقص أثره ويتبع ليقتل.
4611 ح دثنا محمد بن سلام أخبرنا الفزاري عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال كسرت الربيع وهي عمة أنس بن مالك ثنية جارية من الأنصار فطلب القوم القصاص فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك لا والله لا تكسر سنها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم وقبلوا الأرش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والفزاري، بفتح الفاء والزاي المخففة وبالراء، واسمه: مروان بن معاوية والحديث مضى في كتاب الصلح في: باب الصلح في الدية، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد عن أنس، وأخرجه هنا عن الفزاري معلقا وقد مضى الكلام فيه هناك.
قوله: (الربيع)، بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة، والجارية الشابة، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة. قوله: (وقبلوا الأرش) قال ابن الأثير: الأرش المشروع في الحكومات وهو الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع، وأرش الجنايات والجراحات من ذلك لأنها جابرة لها عما حصل فيها من النقص. قوله: (لا بره) من إبرار القسم وهو امضاؤه على الصدق.
205
7
((باب: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * (المائدة: 67))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (يا أيها الرسول) * الآية، ذكر الواحدي من حديث الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عباس عن الأعمش وأبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد، قال: نزلت هذه الآية: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقال مقاتل: قوله: * (بلغ ما أنزل إليك) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى عليه الصلاة والسلام، حنانا؟ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سكت عنهم، فحرض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء، وقال الزمخشري: نزلت هذه الآية بعد أحد، وذكر الثعلبي عن الحسن: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما بعثني الله عز وجل برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني، وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى، فنزلت، وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة، وقيل: في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضا بعض المؤمنين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم له، فنزلت: وقيل: * (بلغ ما أنزل إليك من ربك) * في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاري. وقيل: * (بلغ ما أنزل إليك) * أي: في أمر نسائك، وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلما نزلت هذه الآية أخذ بيد علي، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقيل: بلغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلما نزلت هذه الآية خطب صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ثم قال: اللهم هل بلغت؟ وعند الجوزي: بلغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص.
4612 ح دثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب والله يقول: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * الآية.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن يوسف هو الفريابي صرح به أبو نعيم وسفيان هو الثوري وإسماعيل هو ابن أبي خالد البجلي الكوفي، والشعبي هو عامر، ومسروق هو ابن الأجدع. والحديث أخرجه البخاري مطولا ومختصرا وأخرجه في التوحيد مقطعا. وأخرجه مسلم في الإيمان عن ابن نمير وغيره. وأخرجه الترمذي
في التفسير عن أحمد بن منيع وعن ابن أبي عمرو. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى مطولا. وفيه الزيادة، وأخرجه عن آخرين أيضا.
8
((باب قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * (البقرة: 225))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * وليس لفظ: باب، إلا في رواية أبي ذر واللغو في اليمين هو قولك: لا والله، ويلي والله، وقيل: معنى اللغو الإثم، والمعنى لا يؤاخذكم الله بالإثم في الحلف إذا كفرتم، وقال ابن جبير: هو الرجل يحلف على المعصية، وقال إبراهيم: هو أن ينسى، وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل: أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا ونحوه، وقال ابن عباس: هو أن يحرم ما أحل الله له فليس عليه كفارة، وقال طاوس والقاضي إسماعيل: هو أن يحلف وهو غضبان، وعند الشافعي، هو سبق اللسان من غير قصد، وقال أبو الوليد بن رشيد، ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها اليمين على شيء يظن الرجل أنه على يقين منه فيخرج الشيء على خلاف ما حلف عليه. وقال الشافعي: لغو اليمين ما لم تنعقد النية عليه مثل ما جرت به العادة من قول الرجل في أثناء المخاطبة، لا والله وبلى والله من غير أن يعتقد لزومه انتهى، يقال: لغا في القول يلغو ويلغى لغوا ولغى لغا ولغاة، أخطأ، وكلمة لاغية فاحشة، ولغا يلغو لغوا، تكلم، وقال الجوهري: لغا يلغو، لغوا: أي قال باطلا يقال: لغوت باليمين، ونباح الكلب لغو أيضا، ولغى: بالكسر يلغى لغى مثله، واللغي الصوت مثل الوغي، ويقال أيضا: لغى به يلغى لغا أي: لهج به، واللغة
206
أصلها لغى ولغو، والهاء عوض وجمعها ولغات، وفي (تفسير الجوزي) لما نزلت: * (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 87) قالوا: يا رسول الله! كيف نصنع بأيماننا؟ يعني: حلفهم على ما اتفقوا عليه. فنزلت: * (لا يؤاخذكم الله) * الآية. قال الثعلبي: قال ابن عباس: اتفاقهم كان على الصوم نهارا والقيام ليلا. وقال مقاتل: كانوا عشرة حلفوا على ذلك أبو بكر وعمر وعلي والمقداد وعثمان بن مظعون وأبو ذر وسلمان وابن مسعود وعمار وحذيفة، وزاد بعضهم سالما مولى أبي حذيفة وقدامة، وزاد أبو أحمد إسحاق بن إبراهيم البستي عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم.
4613 ح دثنا علي بن سلمة حدثنا مالك بن سعير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنزلت هاذه الآية * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * (البقرة: 225) في قول الرجل لا والله وبلى والله.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن سلمة هو الذي يقال له اللبقي، بكسر اللام وتخفيف الباء الموحدة وبالقاف، النيسابوري من صغار مشايخ البخاري ولم يقع له ذكر عند البخاري إلا في هذا الموضع وآخر في الشفعة وآخر في الدعوات، وهكذا في الأصول علي بن سلمة، وبه صرح أبو مسعود وغيره، وبه صرح أبو ذر عن المستملي، حدثنا علي بن سلمة، وروي عن الكشميهني والحموي، حدثنا علي بن عبد الله، قيل: إنه خطأ، وفي رواية النسفي: حدثنا علي، ولم ينسبه، وقال الكلاباذي، هو غير منسوب، ومالك بن سعير، بضم السين المهملة وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء التيمي الكوفي، ضعفه أبو داود، وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني: صدوق وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الدعوات، واسم جده الحسن، بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم وسين مهملة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير. والحديث من أفراده، وأخرجه أبو داود مرفوعا وصححه ابن حبان.
4614 ح دثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام قال أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن أباها كان لا يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين قال أبو بكر لا أرى يمينا أري غيرها خيرا منها إلا قبلت رخصة الله وفعلت الذي هو خير.
هذا أيضا عن عائشة نفسها، وقال الداودي: هذا الحديث تفسير للحديث الأول، وقال ابن التين: الحق أن الحديث الأول في تفسير لغو اليمين، والثاني: في تفسير عقد اليمين وأخرجه عن أحمد بن أبي رجاء بالجيم ضد الخوف، واسمه عبد الله بن أيوب أبي الوليد الحنفي الهروي، عن النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل المازني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن أبيها أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وأخرجه ابن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف على يمين لم يحنث إلى آخره، قيل: المحفوظ ما وقع في (الصحيح) أن ذلك فعل أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
9
((باب قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 87))
أي: هذا في قوله تعالى: * (لا تحرموا) * وليس لغير أبي ذر، باب قوله: وإنما المروي عن غيره. * (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * بدون لفظ: باب قوله: وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني، وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك.
207
4615 ح دثنا عمرو بن عون حدثنا خالد عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال كنا نغزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 87).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بن عون بن أوس السلمي الواسطي نزل البصرة، وخالد هو ابن عبد الله الطحان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن محمد بن المثني وعن قتيبة وأخرجه مسلم في النكاح عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره. وأخرجه النسائي في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم وغيره.
قوله: (ألا نختصي)، من خصاه إذا نزع خصيته يخصيه خصاء. قوله: (فنهانا عن ذلك)، يعني: عن الاختصاء، وفيه تحريم الاختصاء لما فيه من تغيير خلق الله تعالى، ولما فيه من قطع النسل وتعذيب الحيوان. قوله: (بالثوب) ليس بقيد أي: بالثوب وغيره مما يتراضيان به. قوله: (ثم قرأ) أي: عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، وقال النوري: فيه إشارة إلى أن عبد الله كان يعتقد إباحة المتعة، كقول ابن عباس، وأنه لم يبلغهما نسخها وقال القاضي عياض: روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكره مسلم في رواية ابن مسعود وابن عباس، وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، رضي الله تعالى عنهم، وليس في أحاديثهم أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو وعند ضرورتهم وعدم النساء مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر في حديث ابن عمر: أنها كانت رخصة في أول الإسلام إن اضطروا إليها كالميتة ونحوها، وعن ابن عباس نحوه، وقال المازري: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه نسخ وانعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث المنسوخة فلا دلالة لهم فيها، وتعلقوا بقوله تعالى: * (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن) * (النساء: 24) وفي قراءة ابن مسعود: فما استمتعتم به منهن إلى أجل. وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآنا ولا خبرا.
10
((باب قوله: * (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) * (المائدة: 90))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إنما الخمر) * الآية لم يقع لفظ باب إلا في رواية أبي ذر، وفي هذه الآية الكريمة نهى الله عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار، وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن عبس بن مرحوم عن حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه، أنه قال: الشطرنج من القمار، وقال ابن أبي حاتم، حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان أن الليث وعطاء ومجاهدا وطاوس، قالوا: كل شيء من القمار فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز، وروى عن راشد بن سعد وحمزة بن حبيب مثله، قالا: حتى الكعاب والجوز والبيض التي يلعب بها الصبيان، وقال ابن كثير في (تفسيره) وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر: أنه شر من النرد، ونص على تحريمه مالك وأبو حنيفة وأحمد، وكرهه الشافعي. قلت: إذا كان الشطرنج شرا من النرد فانظر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في النرد، رواه مالك في (الموطأ) وأحمد في (مسنده) وأبو داود وابن ماجة في (سننيهما عن) أبي موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)، وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده بلحم خنزير ودمه).
وقال ابن عباس الأزلام القداح يستقسمون بها في الأمور
هذا التعليق رواه أبو بكر بن المنذر عن علان بن المغيرة حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ورواه أبو محمد بن أبي حاتم بسند صحيح نحوه، قال: وروى عن الحسن ومجاهد وإبراهيم وعطاء ومقاتل نحو ذلك. قوله:
208
(الأزلام)، جمع زلم، بفتح الزاي واللام، وجاء فيه ضم الزاي. قوله: (القداح)، جمع قدح، بكسر القاف وسكون الدال، وهو السهم الذي كانوا يستقسمون به أو الذي يرمى به عن القوس، يقال للسهم أول ما يقطع قطع، ثم ينحت ويبرى فيسمى: بريا ثم يقوم فيسمى، قدحا، ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهما. قوله: (يستقسمون بها) من الاستسقام وهو طلب القسم الذي قسم له وقدر مما لم يقدر، وهو استفعال منه، وكانوا إذا أراد أحدهم سفرا أو تزويجا أو نحو ذلك من المهمات ضرب بالأزلام، وهي القداح، وكان على بعضها مكتوب أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، وعلى الآخر: غفل، فإن خرج أمرني ربي، مضى لشأنه، وإن خرج: نهاني أمسك، وإن خرج الغفل عادا أحالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر أو النهي قلت: الغفل، بضم الغين المعجمة وسكون الفاء، وقال ابن الأثير: هو الذي لا يرجى خيره ولا شره، والمراد هنا الخالي عن شيء، وذكر ابن إسحاق، أن أعظم أصنام قريش كان هبل، وكان في جوف الكعبة وكانت الأزلام عنده يتحاكمون فيما أشكل عليهم فيما خرج منها رجعوا إليه.
والنصب أنصاب يذبحون عليها
هذا أيضا من قول ابن عباس، وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس. قوله: (والنصب)، بضم النون والصاد وسكونها: مفرد جمعه أنصاب. وقال ابن الأثير النصب حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم، ويقال: الأنصاب أيضا جمع نصب، بفتح النون وسكون الصاد، وهي الأصنام.
وقال غيره الزلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام
أي: قال غير ابن عباس: (الزلم) بفتحتين هو (القدح الذي لا ريش له) وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله: (وأحد الأزلام) أي: الزلم مفرد وجمعه أزلام، وفي الحقيقة لا فرق بين هذا القول وبين قول ابن عباس الذي مضى، غير أن ابن عباس لم يذكر في كلامه مفرد؟ الأزلام، وفي القول ذكر المفرد ثم الجمع.
والاستسقام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره
أشار به إلى تفسير قول ابن عباس: يستقسمون بها في الأمور، وهو مشتق من الاستقسام، وهو أن يجيل القداح فإن طلع القدح الذي عليه النهي انتهى وترك، وإن طلع الذي عليه الأمر ائتمر وفعل، وقد مر بيانه عن قريب.
يجيل يدير
أشار به إلى أن معنى قوله: يجيل يدير من الإجالة بالجيم وهي الإدارة، وهذا ما ثبت إلا في رواية أبي ذر.
وقد أعلموا القداح أعلاما بضروب يستسقمون بها
أي: الجاهلية أعلموا القداح لضروب أي: لأنواع من الأمور يطلبون بذلك بيان قسمهم من الأمر أو النهي.
وفعلت منه قسمت والقسوم المصدر
أشار به إلى أن من أراد أن يخبر عن نفسه من لفظ الاستسقام يقول: قسمت، بضم التاء، وأشار بقوله والقسوم المصدر إلى أن مصدر قسمت الذي هو إخبار عن نفسه من الثلاثي المجرد يأتي قسوما على وزن فعولا، وقد جاء لفظ القسوم في قول الشاعرة:
ولم أقسم فتحبسني القسوم
ولكن الاحتجاج بهذا على أن لفظ القسوم مصدر فيه نظر لأنه يحتمل أن يكون جمع قسم، بكسر القاف.
138 - (حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز قال حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزل تحريم الخمر وإن
209
في المدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب)
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه ومحمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الفرافصة أبو عبد الله العبدي الكوفي وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي المدني وقال الحميدي ليس له في الصحيح عن نافع إلا هذا الحديث والحديث من أفراده قوله ' لخمسة أشربة ' وهي شراب التمر والعسل والحنطة والشعير والذرة فإن قلت روى أحمد من رواية المختار بن فلفل قال سألت أنسا عن الأوعية الحديث وفيه الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة وفي رواية أبي يعلى الموصلي وحرمت الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة وفي رواية أبي هريرة عن النبي
الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب رواه مسلم قلت لا تعارض بين هذه الأحاديث لأن كل واحد من الرواة روى ما حفظه من الأصناف وأيضا أن مفهوم العدد ليس بحجة على الصحيح وعليه الجمهور فإن قلت حديث أبي هريرة يدل على الحصر قلت لا نسلم ذلك لأن الحصر إنما يكون إذا كان المبتدأ والخبر معرفتين كقولك الله ربنا ونحوه * -
4617 ح دثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ جاء رجل فقال وهل بلغكم الخبر فقالوا وما ذاك قال حرمت الخمر قالوا أهرق هاذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها ولا راجعوها خبر الرجل.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: حرمت الخمر، ويعقوب بن إبراهيم الدورق وهو شيخ مسلم أيضا، وابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه، والحديث أخرجه مسلم في الأشربة عن يحيى بن أيوب.
قوله: (غير فضيخكم)، الفضيخ، بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وفي آخره خاء معجمة، وهو شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار، واشتقاقه من الفضخ وهو الكسر، وقال إبراهيم الحربي: الفضيخ أن يكسر اليسر ويصب عليه الماء ويترك حتى يغلي، وقال أبو عبيد: هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار، فإن كان تمرا فهو خليط. قوله: (أبا طلحة)، هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس. قوله: (وفلانا وفلانا)، وفي رواية مسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب: إني لقائم أسقيهاأبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا إذ جاء رجل الحديث، وفي رواية له من حديث قتادة عن أنس، قال: كنت أسقي أبا دجانة ومعاذ بن جبل في رهط من الأنصار، وفي رواية أخرى له من حديث سليمان التيمي: حدثنا أنس بن مالك قال: إني لقائم على الحي على عمومتي أسقيهم من قضيخ لهم وأنا أصغرهم سنا لحديث، وفي رواية أخرى عن قتادة عن أنس قال: إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء من مزادة الحديث، وسيأتي في كتاب الأشرية من حديث أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ الحديث. قوله: (إذ جاء رجل)، كلمة إذا انظر فيه معنى المفاجأة والرجل لم يسم. قوله: (أهرق)، أمر من إهراق، وقيل: الصواب أرق لأن الهاء بدل من الهمزة فلا يجمع بينهما، ورد عليه بأن أهل اللغة أثبتته كذلك. قوله: (القلال)، بالكسر جمع قلة وهي الجرة التي يقلها القوي من الرجال، والكوز اللطيف الذي تقله اليد ولا يثقل عليها، وفي الحديث جواز العمل بخبر الواحد، وفيه أن الخمر كانت مباحة قبل التحريم.
4618 ح دثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن جابر قال صبح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم جميعا شهداء وذلك قبل تحريمها.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وذلك قبل تحريمها) وابن عيينة هو سفيان، وعمرو هو ابن دينار، والحديث مضى في
210
الجهاد في: باب فضل قول الله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) * (آل عمران: 169) الآية. فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو عن جابر إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك، ومر في المغازي أيضا عن عبد الله بن محمد.
والحديث أخرجه البزار في (مسنده) حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قتلوا شهداء يوم أحد. فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم، فأنزل الله تعالى: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * (المائدة: 93) ثم قال: وهذا إسناد صحيح، وهو كما قال: ولكن في سياقه غرابة، وهذا الحديث يدل على أن تحريم الخمر كان بعد غزوة أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة.
4619 ح دثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى وابن إدريس عن أبي حيان عن الشعبي عن ابن عمر قال سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وعيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وأبو حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: يحيى بن سعيد التيمي، والشعبي هو عامر بن شراحيل.
والحديث أخرجه أيضا في الاعتصام عن إسحاق أيضا وفي الأشربة أيضا عن أحمد بن أبي رجاء، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأخرجه أبو داود في الأشربة عن أحمد بن حنبل. وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي فيه وفي الوليمة عن يعقوب بن إبراهيم وعن آخرين، وهذا الحديث موقوف على عمر، رضي الله تعالى عنه، ورواه النسائي من رواية زكريا بن أبي زائدة ومحمد بن قيس كلاهما عن الشعبي، ومن رواية أبي حصين عن الشعبي عن ابن عمرة (ولم يذكر عمر).
قوله: (والخمر ما خمرالعقل) أي: ستره وغطاه وسار عليه كالخمار، وهو بعمومه يتناول كل ما أزال العقل سواء كان متخذا من العنب والزبيب والحبوب بأنواعها أو نباتا كجوز الهند والحشيش ولبن الخشخاش وكل ذلك إذا أسكر حرم، ولا تعارض بين حديث عمر هذا وبين حديث ابنه عبد الله المذكور في أول الباب لما ذكرنا من الجواب عنه هناك.
11
((باب: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * إلى قوله: * (والله يحب المحسنين) * (المائدة: 93))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (ليس على الذين آمنوا) * الآية. هذا المقدار المذكور رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: باب * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * إلى قوله: * (والله يحب المحسنين) * ليس في بعض النسخ لفظ باب، وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أسود بن عامر أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس. قال: لما حرمت الخمر قال أناس: يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله عز وجل: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * قال: ولما حولت القبلة قال أناس: يا رسول الله! أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأنزل الله: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * (البقرة: 113) قوله: (جناح) أي: إثم. قوله: (إذا ما اتقوا)، يعني المعاصي والشرك. قوله: (وآمنوا) قيل بالله ورسوله، وقيل بتحريم الخمر. قوله: (وعملوا الصالحات) يعني: أقاموا على الفرائض. قوله: (ثم اتقوا) هذه الثانية المراد بها اجتنبوا العود إلى الخمر بعد التحريم، وقيل: ظلم العباد، وقيل: ثم اتقوا الشبهات، وقيل: جميع المحارم. قوله: (وأحسنوا) أي العمل.
4620 ح دثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أن
211
الخمر التي أهريقت الفضيخ وزادني محمد عن أبي النعمان قال كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فأمر مناديا فنادى فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصوت قال فخرجت فقلت هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال لي اذهب فأهرقها قال فجرت في سكك المدينة قال وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ فقال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم قال فأنزل الله ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم، والحديث مضى في المظالم في: باب صب الخمر في الطريق، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الرحمن عن عفان عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس.
قوله: (الفضيخ) بالرفع لأنه خبر: إن قوله: (وزادني محمد)، أي: قال البخاري: أي زادني محمد فيه، وهو محمد بن سلام البيكندي، ولم يقع لفظ البيكندي إلا في رواية أبي ذر وهو يعلم أن المراد بمحمد المذكور مجردا عن النسبة هو البيكندي، ولم يقف الكرماني على هذا، فقال: محمد. قال الغساني: هو محمد بن يحيى الذهلي، وكذا لم يقف عليه بعض من كتب على مواضع من البخاري ممن عاصرناه، فقال القائل: وزادني هو الفربري، ومحمد هو البخاري، وهو ذهول جدا، وحاصل الكلام: أن البخاري سمع هذا الحديث من أبي النعمان مختصرا. ومن محمد بن سلام عن أبي النعمان مطولا. قوله: (فأمر) أي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فجرت) أي سالت، وليس في هذا الحديث تعيين وقت التحريم، وقد روى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر. فلما كان عام حرمت جاء براوية فقال: أشعرت أنها قد حرمت بعدك؟ قال أفلا أبيعها وانتفع بثمنها؟ فنهاه. انتهى. وكان إسلام تميم بعد الفتح.
12
((باب قوله: * (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * (المائدة: 101))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (لا تسألوا عن أشياء) * هذا هكذا في رواية أبي ذر، وليس في رواية غيره لفظ: باب قوله: وإنما هو (لا تسألوا) إلى آخره. قوله: (لا تسألوا) الآية تأديب من الله تعالى عباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والنقيب عنها لأنها إن ظهرت تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبلغني أحد عن أحد شيئا آني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر).
4621 ح دثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمان الجارودي حدثنا أبي حديثا شعبة عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنين فقال رجل من أبى قال فلان فنزلت هاذه الآية لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومنذر، على وزن اسم الفاعل من الإنذار ابن الوليد بن عبد الرحمن بن أبي حبيب ابن علباء بن حبيب بن الجارود العبدي البصري الجارودي، نسبة إلى جده الأعلى، وهو ثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في كفارت الأيمان، وأبوه ماله ذكر إلا في هذا الموضع، وموسى بن أنس هو ابن أنس بن مالك يروي عن أبيه هذا الحديث.
وأخرجه البخاري أيضا في الرقاق وفي الاعتصام عن محمد بن عبد الرحيم. وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن معمر وغيره. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن معمر. وأخرجه النسائي في الرقاق عن محمود بن غيلان مختصرا.
قوله: (لهم حنين)، بالحاء المهملة في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بالخاء المعجمة،
212
قال النووي: في معظم النسخ، ولمعظم الرواة يعني بالمعجمة، قال القرطبي: وهو المشهور، وهو خروج الصوت من الأنف بغنة وفي (التوضيح) وعند العذري بحاء مهملة، وممن ذكرها القاضي وصاحب (التحرير)، وذكر القزاز أنه قد يكون الحنين والخنين واحدا إلا أن الذي بالمهملة من الصدر وبالمعجمة من الأنف، وقال ابن سيده الحنين من بكاء النساء دون الانتحاب، وقيل: هو تردد البكاء حتى يصير في الصوت غنة، وقيل: هو رفع الصوت بالبكاء، وقيل: هو صوت يخرج من الأنف حتى يخن، والخنين أيضا الضحك إذا أظهره الإنسان فخرج خافيا. وقال في الحاء المهملة، الحنين الشديد من البكاء والطرب، وقيل: هو صوت الطرب كان ذلك عن حزن أو فرح، وقال الخطابي: الحنين بكاء دون الانتحاب. قلت: وأصله من حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها وإن لم يكن لها صوت عند ذلك، وقال ابن فارس، وقد يكون حنينها صوتها، ويدل عليه ما جاء في الحديث من حنين الجذع قوله: (فقال رجل: من أبي) قال بعضهم: تقدم في العلم أنه عبد الله بن حذافة. قلت: فيه نظر لا يخفى لأن الذي في العلم من رواية شعيب عن الزهري عن أنس وهذا من رواية شعبة عن موسى بن أنس عن أنس فمن أين التعيين؟ على أن في رواية العسكري نزلت في قيس بن حذافة وفي رواية: خارجة بن حذافة، وكل هؤلاء صحابة.
رواه النضر وروح بن عبادة عن شعبة
أي: روى هذا الحديث النضر بن شميل، وروح بن عبادة عن شعبة بإسناده: أما رواية النضر فوصلها مسلم، قال: حدثنا محمود ابن غيلان ومحمد بن قدامة السلمي ويحيى بن محمد اللؤلؤي، وألفاظهم متقاربة. قال محمود: حدثنا النضر بن شميل، وقال الآخران أخبرنا النضر أخبرنا شعبة حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك. قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أصحابه شيء، فخطب فقال: عرضت علي الجنة والنار الحديث، وفي آخره. فنزلت هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * (المائدة: 101) وأما رواية روح بن عبادة فوصلها البخاري في كتاب الاعتصام، ورواها مسلم أيضا. وقال: حدثنا محمد ابن معمر بن ربعي القيسي حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة. قال رجل: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان، فنزلت: * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء) * الآية بتمامها.
213
13
((باب: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) * (المائدة: 103))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ما جعل الله) * إلى آخره. قوله: (ما جعل الله)، أي: ما أوجبها، ولا أمر بها ولم يرد حقيقة الجعل لأن الكل خلقه وتدبيره، ولكن المراد بيان ابتداعهم فيما صنعوه من ذلك، والآن يأتي تفسير هذه الأشياء المذكورة.
وإذ قال الله يقول قال الله وإذ هاهنا صلة
أشار به إلى قوله تعالى: * (وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم) * (المائدة: 110) وأن لفظ. قال الذي هو ماض بمعنى يقول المضارع لأن الله تعالى إنما يقول هذا القول يوم القيامة وإن كلمة إذ صلة أي: زائدة. وقال الكرماني: لأن للماضي وهاهنا المراد به المستقبل. قلت: اختلف المفسرون هنا. فقال قتادة: هذا خطاب الله تعالى لعبده ورسوله عيسى ابن مريم، عليهما السلام، يوم القيامة توبيخا وتقريعا للنصارى، وقال السدي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا، وقال ابن جرير: هذا هو الصواب، وكان ذلك حين رفعه إلى السماء الدنيا، واحتج في ذلك بشيئين: أحدهما: أن لفظ الكلام لفظ الماضي. والثاني: قوله: * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر
لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * قلت: فعلى هذا لا يتوجه ما قاله من أن قال: بمعنى يقول ولا أن كلمة إذ صلة على أنه لا يقال: إن في كلام الله عز وجل شيئا زائدا، ولئن سلمنا وقوع ذلك يوم القيامة فلا يلزم من ذلك ذكره بلفظ المضارع لأن كل ما ذكر الله من وقوع شيء في المستقبل فهو كالواقع جزما لأنه محقق الوقوع فكأنه قد وقع وأخبر بالماضي، ونظائر هذا في القرآن كثيرة. وقال بعضهم قوله: (وإذ قال الله يقول، قال الله وإذ هاهنا صلة) كذا ثبت هذا وما بعده هنا، وليس بخاص به، وهو على قدمناه من ترتيب بعض الرواة انتهى. قلت: كيف رضي أكثر الرواة بهذا الترتيب الذي ما رتبه المؤلف؟ والحال أنه نقح مؤلفه كما ينبغي وقرئ عليه مرارا عديدة، والقرائن تدل على أن هذا وأمثاله من وضع المؤلف، وغيره ممن هو دونه لا يستجرىء أن يزيد شيئا في نفس ما وضعه هو، ولا سيما إذا كان ذلك بغير مناسبة أو بتعسف فيه.
المائدة أصلها مفعولة كعيشة راضية وتطليقة بائنة والمعنى ميد بها صاحبها من خير يقال مادني يميدني.
أشار به إلى بيان لفظ مائدة في قوله تعالى: * (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) * (المائدة: 112) فقوله: (المائدة أصلها مفعولة) ليس على طريق أهل الفن في هذا الباب لأن أصل كل كلمة حروفها وليس المراد هنا بيان الحروف الأصول، وإنما المراد أن لفظ المائدة، وإن كان على لفظ فاعلة، فهو بمعنى مفعولة يعني: مميودة، لأن ماد أصله ميد. قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والمفعول منها للمؤنث. مميودة، ولكن تنقل حركة الياء إلى ما قبلها فتحذف الواو فتبقى مميدة، فيفعل في إعلال هذا كما يفعل في إعلال مبيعة، لأن أصلها مبيوعة فأعل بما ذكرنا ولا يستعمل إلا هكذا على أن في بعض اللغات استعمل على الأصل حيث قالوا: تفاحة مطيوبة على الأصل ثم إن تمثيل البخاري بقوله: كعيشة راضية صحيح لأن لفظ راضية. وإن كان وزنها فاعلة، في الظاهر ولكنها بمعنى المرضية، لامتناع وصف العيشة بكونها راضية، وإنما الرضا وصف صاحبها، وتمثيله بقوله وتطليقة بائنة غير صحيح لأن لفظ بائنة هنا على أصله بمعنى قاطعة لأن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد حيث لا يبقى للمطلق بالطلاق البائن رجوع إلى المرأة إلا بعقد جديد برضاها، بخلاف حكم الطلاق الغير البائن كما علم في موضعه. قوله: (والمعنى)، إلى آخره، إشارة إلى بيان معنى المائدة من حيث اللغة، وإلى بيان اشتقاقها، أما معناها، فميد بها صاحبها يعني: امتير بها، لأن معنى مادة يميده لغة في ماره يميره من الميرة، وأما اشتقاقها فمن ماد يميد من باب: فعل يفعل، بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل، وهو أجوف يائي، كباع يبيع، وقال الجوهري: الممتار مفعتل من الميرة، ومنه المائدة، وهو خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان.
وقال ابن عباس متوفيك مميتك
214
أشار به إلى قوله تعالى: * (إذا قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي) * (آل عمران: 55) ولكن هذا في سورة آل عمران، وكان المناسب أن يذكر هناك، وقال بعضهم: كأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة فكتبها فيها وقال الكرماني: ذكر هذه الكلمة هاهنا وإن كانت من سورة آل عمران لمناسبة قوله تعالى: * (فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) * (المائدة: 117) وكلاهما من قصة عيسى عليه الصلاة والسلام، قلت: هذا بعيد لا يخفى بعده، والذي قاله بعضهم أبعد منه فليتأمل، ثم إن تعليق ابن عباس هذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه: حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
4623 ح دثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة خصوصا على هذا النسق.
وهذا أخرجه مسلم في صفة أهل النار عن عمرو الناقد وغيره، وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الله المرفوع منه دون الموقوف.
قوله: (البحيرة) على وزن فعيلة مفعولة واشتقاقها من بحر إذا شق، وقيل هذا من الاتساع في الشيء. قوله: (درها)، بفتح الدال المهملة وتشديد الراء، وهو اللبن. قوله: (للطواغيت)، أي: لأجل الطواغيت وهي الأصنام، وقال ابن الأثير: كانوا إذا ولدت إبلهم سبعا بحروا أذنها. أي: شقوها. وقالوا: اللهم إن عاش ففتى وإن مات فذكى، فإذا مات أكلوه وسموه البحيرة. وقيل: البحيرة هي بنت السائبة، وقال أبو عبيدة جعلها قوم من الشاء خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي: شقوها وتركت ولا يمسها أحد، وقال آخرون: بل البحيرة الناقة كذلك يخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل، وقال علي بن أبي طلحة البحيرة هي الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس، فإن كان ذكرا ذبحوه وأكله الرجال دون النساء، وإن كان أنثى جذعوا أذنها فقالوا هذه بحيرة، وعن السدي مثله. قوله: (فلا يحلبها أحد من الناس)، أطلق نفي الحلب، وكلام أتى عبيدة يدل على أن المنفي هو الشرب الخاص. قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء ويحلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. قوله: (والسائبة)، على وزن فاعلة بمعنى مسيبة، وهي المخلاة تذهب حيث شاءت وكانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء، وقال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد، قال: وقيل: السائبة لا تكون إلا من الإبل كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرا. وقال محمد بن إسحاق السائبة هي الناقة إذا ولدت عشرة إناث من الولد ليس بينهن ذكر سيبت فلم تركب ولم يجز وبرها ولم يجلب لبها إلا لضيف.
قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار كان أول من سيب السوائب.
أي: قال سعيد بن المسيب: قال أبو هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. هذا حديث مرفوع أورده في أثناء الموقوف. قوله: (عمرو بن عامر)، قال الكرماني: تقدم في: باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة ورأيت فيها عمرو بن لحي، بضم اللام وفتح المهملة، وهو الذي سيب السوائب. ثم قال: لعل عامر اسم
ولحي لقب أو بالعكس أو أحدهما اسم الجد. قلت: ذكر في (التوضيح) إنما هو عمرو بن لحي، ولحي اسمه: ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، وقيل: لحي بن قمعة ابن الياس بن مضر، نبه عليه الدمياطي، وفي (تفسير ابن كثير) وعمر وهذا هو ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم، وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل، عليه السلام، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بها، وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها. قوله: (قصبه)، بضم القاف، واحدة الأقصاب.
215
والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثنى بعد بأثنى وكانوا يسيبونهم لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر.
هذا أيضا من تفسير سعيد بن المسيب الموقوف وليس بمتصل بالمرفوع. قوله: (الوصيلة)، من الوصل بالغير في اللغة والتي في الآية التي فسرها ابن المسيب بقوله: الناقة البكر تبكر أي: تبتدىء وكل من بكر إلى الشيء فقد بادر إليه. قوله: (بأنثى)، يتعلق بقوله: تبكر قوله: (ثم تثنى) من التثنية أي: تأتي في المرة الثانية بعد الأنثى الأولى بأنثى أخرى، والضمير في: يسيبونها، يرجع إلى الوصيلة. قوله: (إن وصلت)، أي: من أجل أن وصلت (إحداهما): أي: إحدى الأنثيين بالأنثى الأخرى، والحال أن ليس بينهما ذكر. وقال الكرماني: إن وصلت، بفتح الهمزة وكسرها. قلت: الأظهر أن يكون بالفتح على ما لا يخفى، وقال ابن الأثير: الوصيلة الشاة إذا ولدت ستة أبطن أنثيين أنثيين وولدت في السابعة ذكرا، وأنثى. قالوا: وصلت أخاها فأحلوا لبنها للرجال وحرموه على النساء، وقيل: إن كان السابع ذكرا ذبح وأكل منه الرجال والنساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم، إن كان ذكر أو أنث قالوا: وصلت أخاها ولم تذبح، وكان لبنها حراما على النساء وقال ابن إسحاق الوصيلة الشاة تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن فيدعونها الوصيلة وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإناث، وتفسير ابن المسيب رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عنه، وكذا روى عن مالك، رضي الله تعالى عنه.
والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي.
هذا أيضا من تفسير ابن المسيب. قوله: (يضرب) أي: ينزو، يقال: ضرب الحمل الناقة يضربها إذا نزا عليها، وأضرب فلان ناقته إذا أنزى الفحل عليها، وضراب الفحل نزوه على الناقة، والضراب المعدود هو أن ينتج من صلبه بطن بعد بطن إلى أن يصير عشرة أبطن، فحينئذ يقولون: قد حمى ظهره. قوله: (ودعوه) أي: تركوه لأجل الطواغيت وهي الأصنام. قوله: (وسموه الحامي) لأنه حمى ظهره، فلذلك يقال له: حام، مع أنه في الأصل محمي، وهذا التفسير منقول عن ابن مسعود وابن عباس، وقيل: الحام هو الفحل يولد لولده فيقولون حمى ظهره فلا يجزون وبره ولا يمنعونه ماء ولا مرعى، وقيل: هو الذي ينتج له سبع إناث متواليات قاله ابن دريد، وقيل: هو الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى، ويقال فيه: قد حمى ظهره.
وقال لي أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت سعيدا قال يخبره بهاذا قال وقال أبو هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قوله: (وقال لي أبو اليمان) رواية أبي ذر، وفي رواية غيره، قال أبو اليمان: بغير لفظة لي، وأبو اليمان، بفتح الياء آخر الحروف: الحكم بن نافع يروي عن شعيب بن أبي حمزة الحمصي عن محمد بن مسلم الزهري، وقد تكرر هذا الإسناد على هذا النمط قوله: (يخبره) بضم الياء آخر الحروف وسكون الخاء المعجمة وكسر الباء الموحدة من الفعل المضارع من الإخبار، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى سعيد بن المسيب، والمنصوب يرجع إلى الزهري، وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي: بحيرة، بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وكأنه أشار به إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري. قوله: (قال وقال أبو هريرة) أي: قال سعيد بن المسيب. قال أبو هريرة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (نحوه) أي: نحو ما رواه في الرواية الماضية، وهو قوله: (البحيرة) التي يمنع درها للطواغيت. وقد تقدم في مناقب قريش قال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت
216
ابن المسيب قال: البحيرة التي يمنع درها إلى آخره. ثم قال: وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي إلى آخره.
ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم.
أي: روى الحديث المذكور يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب، وقال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت عن الزهري كذا حكاه الحافظ المزي في (الأطراف) وسكت ولم ينبه عليه، وفيما قال الحاكم نظر لأن الإمام أحمد وابن جرير روياه من حديث الليث ابن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه، والله أعلم.
4624 ح دثني محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا يونس عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ورأيت عمرا يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: * (وهو أول من سبب السوائب) * ومحمد بن أبي يعقوب واسمه إسحاق أبو عبد الله الكرماني، قال البخاري: كتبت عنه بالبصرة قدم علينا، وقال: مات سنة أربع وأربعين ومائتين، وقال النووي: الكرماني، بفتح الكاف. وقال الكرماني الشارح: أقول بكسرها، وهي بلدتنا وأهل مكة أعرف بشعابها، وحسان إما من الحسن أو من الحس وهو كرماني أيضا تقدما في أوائل البيع، ويونس بن يزيد الأيلي. والحديث من أفراده.
قوله: (يحطم) من الحطم وهو الكسر. قوله: (عمرا) هو عمرو بن عامر الخزاعي. قوله: (قصبه) واحد الأقصاب وهي الأمعاء.
14
((باب: * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيدا) * (المائدة: 117))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وكنت عليهم شهيدا) * الآية هذه والآيات التي قبلها من قوله: * (وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس) * (المائدة: 116) إلى آخر السورة، مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليهما السلام قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلاهين من دون الله تهديدا للنصارى وتوبيخا وتقريعا على رؤوس الأشهاد، وهكذا قال قتادة وغيره.))
4625 ح دثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أخبرنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قال: * (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) * (الأنبياء: 104) إلى آخر الآية ثم قال ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) * فيقال إن هاؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، والحديث قد مضى في مناقب إبراهيم عليه السلام، وأخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى آخره.
قوله: (غرلا) بضم الغين المعجمة جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت منه غرلته وهي ما يقطعه
217
الختان من ذكر الصبي. قوله: (ذات الشمال)، جهة النار. قوله: (أصيحابي)، مصغر الأصحاب، كذا في رواية الأكثرين بالتصغير يدل على تقليل عددهم ولم يرد به خواص أصحابه الذين لزموه وعرفوا بصحبته أولئك صانهم الله وعصمهم من التبديل، والذي وقع من تأخير بعض الحقوق إنما كان من جفاة الأعراف وكذلك الذي ارتد ما كان إلا منهم ممن لا بصيرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. قوله: (العبد الصالح)، هو عيسى ابن مريم، عليهما السلام.
15
((باب قوله: * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * (المائدة: 118))
2 (
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (أن تعذبهم) * الآية. هذا حكاية عن كلام عيسى عليه السلام، ذكر ذلك على وجه الاستعطاف والتسليم لأمره عز وجل، والمعنى: إن تعذب هؤلاء فذلك بإقامتهم على كفرهم، وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم لأنهم عبادك وأنت العادل فيهم وأنت في مغفرتك عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم في ذلك.
15
((باب قوله: * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * (المائدة: 118))
2 (
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (أن تعذبهم) * الآية. هذا حكاية عن كلام عيسى عليه السلام، ذكر ذلك على وجه الاستعطاف والتسليم لأمره عز وجل، والمعنى: إن تعذب هؤلاء فذلك بإقامتهم على كفرهم، وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم لأنهم عبادك وأنت العادل فيهم وأنت في مغفرتك عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم في ذلك.
4626 ح دثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا المغيرة بن النعمان قال حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنكم محشورون وإن ناسا يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول كما قال العبد الصالح. وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسفيان هو الثوري، والحديث أخرجه أيضا في الرقاق عن بندار عن غندر، وفي أحاديث الأنبياء عن محمد بن يوسف، وأخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي موسى وبندار وغيرهما. وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي موسى وغيره، وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن غيلان وغيره، وفي التفسير عن سليمان بن عبد الله. قوله: (محشورون)، يعني: مجموعون يوم القيامة. قوله: (وأن ناسا) ويروى، وأن رجالا.
6
((* (سورة الأنعام) *))
أي: هذا في تفسير سورة الأنعام، ذكر ابن المنذر بإسناده عن ابن عباس، قال: نزلت سورة الأنعام بمكة شرفها الله ليلا جملة، وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح، وذكر نحوه عن أبي جحيفة، وعن مجاهد، نزل معها خمسمائة ملك يزفونها ويحفونها. وفي تفسير أبي محمد بن إسحاق بن إبراهيم البستي خمسمائة ألف ملك، وروي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء والكلبي: نزلت الأنعام بمكة إلا ثلاث آيات فإنها نزلت بالمدينة وهي من قوله تعالى: * (قل تعالوا) * إلى قوله: * (تتقون) * (الأنعام: 151، 153) وفي أخرى عن الكلبي: هي مكية إلا قوله: * (ما أنزل الله على بشر) * (الأنعام: 91) الآيتين، وقال قتادة: هما قوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره) * الآية الأخرى: * (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) * (الأنعام: 141) وذكر ابن العربي أن قوله تعالى: * (قل لا أجد) * (المائدة
: 145) نزلت بمكة يوم عرفة. وقال السخاوي نزلت بعد الحجر، وقبل: الصافات، وفي (كتاب الفضائل) لأبي القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي، قال: قال علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه سور الأنعام تدعى في ملكوت الله، وفي رواية تدعى في التوراة. المرضية، سمعت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: من قرأها فقد انتهى، وفي الكتاب (الفائق في اللفظ الرائق) لأبي القاسم عبد المحسن القيسي قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة الأنعام جملة ولم يقطعها بكلام غفر له ما أسلف من عمل لأنها نزلت جملة ومعها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح والأرض بهم ترتج)، وهي مائة وخمس وستون آية وثلاث آلاف واثنتان وخمسون كلمة واثنا عشر ألف حرف وأربعمائة واثنان وعشرون حرفا.
218
بسم الله الرحمن الرحيم
ثبت البسملة في رواية أبي ذر ليس إلا.
قال ابن عباس ثم لم تكن فتنتهم معذرتهم
أشار به إلى بيان تفسير قوله عز وجل: * (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذي أشروا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) * (المائدة: 22) وفسرها ابن عباس بقوله معذرتهم، ووصل هذا التعليق ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وقال معمر عن قتادة: فتنتهم مقالتهم، وعن الضحاك عن ابن عباس أي: حجتهم.
معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك
لم يقع هذا في رواية أبي ذر وأشار به إلى قوله تعالى: * (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) * (الأنعام: 14) وفسر معروشات بقوله: ما يعرش من الكرم، وغير ذلك، ووصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: * (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) * قال: ما يعرش من الكروم، وغير معروشات ما لا يعرش، وفي التفسير، وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: المعروشات ما عرش الناس، وغير معروشات ما خرج في البر والجبال من الثمرات وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: معروشات مسموكات، وقيل: معروشات ما يقوم على العراش، وفي (المغرب): العرش السقف في قوله: (وكان عرش المسجد من جريد النخل) أي: من أفنانه وأغصانه، وعريش الكرم ما يهيأ ليرتفع عليه، والجمع عراش.
حمولة ما يحمل عليها
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (ومن الأنعام حمولة وفرشا) * (الأنعام: 142) وفسر الحمولة بقوله: ما يحمل عليها، وعن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله حمولة، ما حمل من الإبل وفرشا. قال: الصغار من الإبل رواه الحاكم، وقال: صحيح ولم يخرجاه، وقال ابن عباس: الحمولة هي الكبار، والفرش الصغار من الإبل، وكذا قال مجاهد، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه، والفرش الغنم، واختاره ابن جرير، قال، وأحسبه إنما سمى فرشا لدنوه من الأرض، وقال الربيع بن أنس والحسن والضحاك وقتادة، الحمولة الإبل والبقر، والفرش الغنم، وقال السدي: أما الحمولة فالإبل، وأما الفرش فالفصلان والعجاجيل والغنم وما حمل عليه فهو حمولة وقال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم: الحمولة تركبون، والفرش ما تأكلون وتحلبون، الشاة لا تحمل ويؤكل لحمها وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا.
وللبسنا لشبهنا
أشار به إلى قوله تعالى: * (وللبسنا عليهم ما يلبسون) * (الأنعام: 9) وفسر: للبسنا، بقوله: لشبهنا، ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: * (وللبسنا عليهم ما يلبسون) * بقوله لشبهنا عليهم، وأصله من اللبس بفتح اللام وهو الخلط، تقول: لبس يلبس من باب ضرب يضرب لبسا بالفتح، ولبس الثوب يلبس من باب علم يعلم لبسا بالضم.
وينأون يتباعدون
أشار به إلى قوله تعالى: * (وهم ينهون عنه وينأون) * وفسر: ينأون بقوله: يتباعدون، وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، والمعنى: أن كفار مكة ينهون الناس عن اتباع الحق ويتباعدون عنه، وقال علي بن أبي طلحة: ينهون الناس عن محمد ويتباعدون أن يؤمنوا.
219
تبسل تفضح أبسلوا: افضحوا
أشار به إلى قوله تعالى: * (وذكر أن تبسل نفس بما كسبت) * وفسر لفظ: تبسل بقوله: تفضح، وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال الضحاك: عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي، إن تبسل: أن تفضح، وقال قتادة: تحبس، وقال أبي زيد: تؤاخذ، وقال الكلبي: تجزي، وفي التفسير قوله تعالى: * (وذكر به) * (الأنعام: 70) أي: ذكر الناس بالقرآن وحذرهم نعمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة * (أن تبسل نفس بما كسبت) * أي لئلا تبسل. قوله: (أبسلوا)، إشارة إلى قوله تعالى: * (أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا) * أي: أفضحوا بسبب كسبهم، ويروى: فضحوا من الثلاثي على صيغة المجهول.
باسطو أيديهم: البسط الضرب
أشار به إلى قوله تعالى: * (والملائكة باسطو أيديهم) * (الأنعام: 93) وقبله: * (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم
) * وجواب: لو. محذوف تقديره لرأيت عجيبا. قوله: (باسطو أيديهم)، أي: بالضرب، وقيل: بالعذاب، وقيل: بقبض الأرواح من الأجساد ويكون هذا وقت الموت، وقيل: يوم القيامة، وقيل: في النار، وقال الزمخشري: باسطو أيديهم يبسطون إليهم أيديهم يقولون أخرجوا أرواحكم إلينا من أجسادكم، وهذا عبارة عن العنف والإلحاح في الإزهاق. قوله: (البسط الضرب)، تفسير البسط بالضرب غير موجه لأن المعنى البسط بالضرب يعني: الملائكة يبسطون أيديهم بالضرب، كما ذكرنا.
استكثرتم أضللتم كثيرا
أشار به إلى قوله تعالى: * (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) * (الأنعام: 128) وفسره بقوله: أضللتم كثيرا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قد استكثرتم من الإنس بمعنى أضللتم منهم كثيرا. وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة، وعجبي من شراح هذا الكتاب كيف أهملوا تحقيق هذا الموضع وأمثاله، فمنهم من قال هنا قوله استكثرتم أضللتم كثيرا ووصله ابن أبي حاتم كذلك، ومنهم من قال: هو كما قال: ومنهم من لم يذكره أصلا، فإذا وصل قارىء البخاري إلى هذا الموضع ووقف على قوله: استكثرتم أضللتم، ولم يكن القرآن في حفظه حتى يقف عليه ولم يعلم أوله ولا آخره، تحير في ذلك، فإذا رجع إلى شرح من شروح هؤلاء يزداد تحيرا. وشرح البخاري لا يظهر بقوة الحفظ في الحديث أو بعلوا السند أو بكثرة النقل، ولا يخرج من حقه إلا من له يد في الفنون ولا سيما في اللغة العربية والمعاني والبيان والأصول مع تتبع معاني ألفاظه كلمة كلمة، وبيان المراد منه والتأمل فيه والغوص في تيار تحقيقاته والبروز منه بمكنونات تدقيقاته.
ذرأ من الحرث جعلوا لله من ثمراتهم وما لهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا.
أشار به إلى قوله عز وجل: * (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا) * وفسر قوله: ذرأ من الحرث، بقوله: جعلوا لله إلى آخره، وهكذا رواه بن المنذر بسنده عن ابن عباس، وكذلك رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وزاد فإن سقط من ثمره ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله لفظوه.
أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني هل تشتمل إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا.
هذا وقع لغير أبي ذر، ولم أنظر نسخة إلا وهذه التفاسير فيها بعضها متقدم وبعضها متأخر وبعضها غير موجود، وفي النسخة التي اعتمادي عليها وقع هنا وأشار به إلى قوله تعالى: * (قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * (الأنعام: 144) ثم فسره قوله: يعني هل تشتمل يعني: الأرحام إلا على ذكر أو أنثى، وكان المشركون يحرمون أجناسا من النعم بعضها على الرجال والنساء وبعضها على النساء دون الرجال، فاحتج الله عليهم. قوله: * (قال آلذاكرين من حرم أم الأنثيين) * الآية.
220
فالذي حرمتم بأمر معلوم من جهة الله يدل عليه أم فعلتم ذلك كذبا على الله تعالى؟ وقال الفراء: جاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من قبل الذكرين أم الأنثيين؟ فإن قالوا: من قبل الذكر لزم تحريم كل ذكر أم من قبل الأنثى، فكذلك وإن قالوا: من قبل ما اشتمل عليه الرحم لزم تحريم الجميع لأن الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى.
أكنة واحدها كنان
هذا ثبت لأبي ذر عن المستملي، وهو متقدم في بعض النسخ، وأشار به إلى قوله تعالى: * (أكنة أن يفقهوه) * (الأنعام: 25) وقبله * (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرأ) * الآية، ثم قال: واحدها أي: أحد أكنة كنان على وزن فعال مثل: أعنة جمع عنان وأسنة جمع سنان وفي التفسير: أكنة أي أغطية لئلا يفهموا القرآن * (وجعلنا في آذانهم وقرأ) * أي: صمما من السماع النافع لهم.
مسفوحا مهراقا
أشار به إلى قوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) * (الأنعام: 145 وفسر مسفوحا بقوله مهراقا. أي: مصبوبا وقال العوفي عن ابن عباس أو دما مسفوحا يعني مهراقا.
صدف أعرض
أشار به إلى قوله: * (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها) * (الأنعام: 157) الآية. وفسر: صدف. بقوله أعرض، وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة، صدف عنها أعرض عنها. أي: عن آيات الله تعالى، وقال السدي: أي صدف عن اتباع آيات الله أي: صرف الناس وصدهم عن ذلك، وقال بعضهم: قوله: (صدف) أعرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى: * (ثم هم يصدقون) * (الأنعام: 46) أي يعرضون قلت البخاري لم يذكر إلا لفظ صدف وإن كان معنى يصدقون كذلك فلا بلاد من رعاية المناسبة.
أبلسوا أوبسوا وأبسلوا أسلموا
أشار بقوله أبلسوا أوبسوا إلى أن معنى قوله تعالى: * (فإذا هم مبلسون) * (الأنعام: 44) من ذلك. قال أبو عبيدة فيه: المبلس الحزين النادم، وقال الفراء: المبلس المنقطع رجاؤه. قوله: (أوبسوا) على صيغة المجهول كذا وقع في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أيسوا على صيغة المعلوم من أيس إذا انقطع رجاؤه قوله: أبسلوا بتقديم السين على اللام وفسره بقوله أسلموا أي: إلى الهلاك وأشار به إلى قوله تعالى: * (أولئك الذين أبسلو بما كسبوا) * (الأنعام: 70) وقد مر هذا عن
قريب بغير هذا التفسير.
سرمدا دائما
لا مناسبة لذكر هذا هاهنا لأنه لم يقع هذا إلا في سورة القصص في قوله تعالى: * (قل أرأيتم أن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة) * (القصص: 71) سرمدا أي: دائما. وقال الكرماني: ذكره هنا لمناسبة فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا. قلت: لم يذكر وجه أكثر هذه الألفاظ المذكورة ولا تعرض إلى تفسيرها وإنما ذكر هذا مع بيان مناسبة بعيدة على ما لا يخفى.
استهوته أضلته
أشار به إلى قوله تعالى: * (كالذي استهوته الشياطين) * (الأنعام: 71) وفسره بقوله أضلته وكذا فسره قتادة.
تمترون تشكون
أشار به إلى قوله تعالى: * (ثم أنتم تمترون) * (الأنعام: 20) وفسره بقوله: تشكون وكذا فسره السدي.
وقر صمم
أشار به إلى قوله تعالى: * (وفي آذانهم وقر) * وفسره بقوله: صمم هذا بفتح الواو عند الجمهور، وقرأ طلحة بن مصرف بكسر الواو.
221
وأما الوقر الحمل
أي: وأما الوقر، بكسر الواو فمعناه الحمل، ذكره متصلا بما قبله لبيان الفرق بين مفتوح الواو وبين مكسورها.
فإنه أساطير واحدها أسطورة وإسطارة وهي الترهات
أشار به إلى قوله تعالى: * (إلا أساطير الأولين) * وذكر أن الأساطير واحدها أسطورة، بضم الهمزة وأسطارة أيضا بكسر الهمزة ثم فسرها بقوله وهي الترهات، بضم التاء المثناة من فوق وتشديد الراء وهي الأباطيل، قال أبو زيد هي جمع ترهة، وقال ابن الأثير، وهي في الأصل الطرق الصغار المتشعبة عن الطريق الأعظم، وهي كناية عن الأباطيل، وقال الأصمعي الترهات الطرق الصغار، وهي فارسية معربة ثم استعيرت في الأباطيل، فقيل: الترهات السباسب والترهات الصحاصح، وهي من أسماء الباطل وربما جاءت مضافة، وقال الجوهري: وناس يقولون ترة، والجمع: ترارية.
البأساء من البأس ويكون من البؤس
أشار به إلى قوله تعالى: * (فأخذناهم بالبأساء) * وأشار إلى أنه يجوز أن يكون من البأس هو الشدة، ويجوز، أن يكون من البؤس بالضم وهو الضر، وقيل: هو الفقر وسوء الحال، وقال الداودي البأس القتال.
جهرة معاينة
أشار به إلى قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة وهم يشعرون هل يهلك إلا القوم الظالمون) * (الأنعام: 47) البغتة الفجأة، والجهرة المعاينة وكذا فسره أبو عبيدة.
الصور جماعة صورة كقوله صورة وسور
أشار به إلى قوله تعالى: * (يوم ينفخ في الصدور) * (الأنعام: 33) وذكر أن الصور جمع صورة كما أن السور جمع سورة، واختلف المفسرون في قوله: * (يوم ينفخ في الصور) * فقال بعضهم: المراد بالصور هنا جمع سورة أي: يوم ينفخ فيها ضحى، قال ابن جرير: كما يقال سور لسور البلد وهو جمع سورة، والصحيح أن المراد بالصور، القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، عليه السلام، وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان التميمي عن أسلم العجلي عن بشر بن سعاف عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي: يا رسول الله ما الصور؟ قال: قرن ينفخ فيه انتهى، وهو واحد لا اسم جمع.
ملكوت ملك مثل رهبوت خبر من رحموت وتقول ترهب خير من أن ترحم.
أشار به إلى قوله تعالى: * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) * وفسر ملكوت بقوله: ملك، وقال الجوهري: الملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، ويقال: الواو والتاء فيها زائدتان، وقال المفسرون: ملكوت كل شيء معناه ملك كل شيء أي: هو مالك كل شيء والمتصرف فيه على حسب مشيئته ومقتضى إرادته، وقيل: الملكوت الملك ما بلغ الألفاظ، وقيل: الملكوت عالم الغيب كما أن الملك عالم الشهادة. قوله: * (مثل رهبوت خير من رحموت) * أشار به إلى أن وزن ملكوت مثل وزن رهبوت ورحموت، وهذا مثل يقال: رهبوت خير من رحموت، أي: رهبة خير من رحمة، وفي رواية أبي ذر هكذا ملكوت وملك رهبوت رحموت، وتقول: ترهب خير من أن ترحم، وفيه تعسف وفي رواية الأكثرين الذي ذكر أولا هو الصواب.
جن أظلم
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلما جن عليه الليل) * (الأنعام: 76) وفسره بقوله: أظلم، وعن أبي عبيدة أي: غطى عليه وأظلم، وهذا في قصة إبراهيم، عليه السلام.
تعالى علا
أشار به إلى قوله تعالى: * (سبحانه وتعالى عما يصفون) * وفسر تعالى بقوله: علا ورقع في (مستخرج) أبي نعيم تعالى الله علا الله
222
وكذا في رواية النسفي، وفي التفسير: سبحان الله. أي: تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه الجهلة الضالون من الأنداد والنظراء والشركاء.
وإن تعدل تقسط: لا يقبل منها في ذلك اليوم
هذا وقع في رواية أبي ذر وحده، وأشار به إلى قوله تعالى: * (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) * (الأنعام: 70) وفسر تعدل بقوله: تقسط، بضم التاء من الإقساط، وهو العدل والضمير في: وإن تعدل. يرجع إلى النفس الكافرة المذكورة فيما قبله، وفسر أبو عبيدة العدل بالتوبة. قوله: * (لا يقبل منها في ذلك اليوم) * يعني: يوم القيامة لأن التوبة إنما كانت تنفع في حال الحياة قبل الموت كما قال تعالى: * (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو اقتدى به) * (آل عمران: 91) الآية.
يقال على الله حسبانه أي حسابه ويقال حسبانا مرامي. ورجوما للشياطين
أشار به إلى قوله تعالى: * (والشمس والقمر حسبانا) * (الأنعام: 96) وقال: هو جمع حساب، وفي التفسير: * (والشمس والقمر حسبانا) * أي: يجريان بحساب مقنن مقدر لا يتغير ولا يضطرب. قوله: (على الله حسبانه) أشار به إلى أن حسبانا كما يجيء جمع حساب يجيء أيضا، بمعنى حساب مثل شهبان وشهاب، وكذا فسره بقوله: أي حسابه. قوله: (ويقال: حسبانا مرامي ورجوما للشياطين)، مضى الكلام فيه في كتاب بدء الخلق في: باب صفة الشمس والقمر.
مستقر في الصلب ومستودع في الرحم
أشار به إلى قوله تعالى: * (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) * (الأنعام: 98) وقد فسر قوله مستقر. بقوله مستقر في الصلب، وقوله: مستودع، بقوله مستودع في الرحم، وكذا روي عن ابن مسعود وطائفة، وعن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي وقيس بن أبي حازم ومجاهد وعطاء والنخعي والضحاك وقتادة والسدي وعطاء الخراساني، مستقر في الأرحام مستودع في الأصلاب، وعن ابن مسعود أيضا فمستقر في الدنيا ومستودع حيث يموت، وعن الحسن، والمستقر الذي قد مات فاستقر به عمله، وعن ابن مسعود أيضا مستودع في الدار الآخرة، وعن الطبراني في حديثه المستقر الرحم والمستودع الأرض، وقرأ أبو عمرو وابن كثير، فمستقر، بكسر القاف والباقون بفتحها وقرأ الجميع مستودع، بفتح الدال إلا رواية عن أبي عمرو فبكسرها.
القنوا العذق والإثنان قنوان والجماعة أيضا قنوان مثل صنو وصنوان
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومن النخل من طلعها قنوان دانية) * (الأنعام: 99) قوله الغدق بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره قاف، وهو العرجون، بما فيه من الشماريخ، ويجمع على عذاق، والعذق بالفتح النخلة. قوله: * (والاثنان قنوان) * يعني: تثنية القنو قنوان، وكذلك جمع القنو قنوان فيستوي فيه التثنية والجمع في اللفظ ويقع الفرق بينهما بأن نون التثنية مكسورة ونون الجمع تجري عليه أنواع الإعراب، تقول في التثنية، هذان قنوان بالكسر، وأخذت قنوين في النصب وضربت بقنوين في الجر، فألف التثنية تنقلب ياء فيهما، وتقول في الجمع: هذه قنوان بالرفع لأنه لا يتغير في حالة الرفع، وأخذت قنوانا بالنصب وضربت بقنوان بالجر، ولا يتغير فيه الألف أصلا والإعراب يجري على النون، وكذا يقع الفرق في حالة الإضافة فإن نون التثنية تحذف في الإضافة دون نون الجمع قوله: * (مثل صنوان) * يعني: أن تثنية صنو وجمعه كذلك على لفظ واحد، والفرق بما ذكرنا وهو بكسر الصاد المهملة وسكون النون، وهو المثل وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد. وقرأ الجمهور: قنوان بكسر أوله وقرأ الأعمش والأعرج بضمها، وهي رواية عن أبي عمرو، وهي لغة قيس.
1
((باب: * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * (الأنعام: 59))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * أي: وفي علم الله مفاتح ما لا يعلم من الأمور، والمفاتح جمع
223
مفتح، بكسر الميم لأن اسم للآلة التي يفتح بها، واسم الآلة مفعل ومفعال ومفعلة كلها بكسر الميم، وقرئ (مفاتيح الغيب) جمع مفتاح، وقيل: المفاتح هنا جمع مفتح بفتح الميم أي: مكان الفتح، وقيل: هو مصدر ميمي على معنى: وعنده فتح الغيب وقال الزمخشري: جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المتوثق منها بالإغلاق والأقفال ومن علم مفاتحها وكيف تفتح توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى علم المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره، كمن عنده مفاتح أقفال المخازن يعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في المخازن، وذكر ابن أبي حاتم عن السدي (وعنده مفاتح الغيب) قال: خزائن الغيب. وقال مقاتل: عنده خزائن غيب العذاب متى ينزله بكم، وقال الجوزي: مفاتح الغيب هو ما غاب عن بني آدم من الرزق والمطر والثواب، وقيل: مفاتح الغيب السعادة والشقاوة، وقيل: الغيب عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال. وقال الثعلبي: مفاتح الغيب خزائن الأرض، وقيل: هو ما لم يكن بعد أنه يكون لم لا يكون وما يكون وكيف يكون.
4627 ح دثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمس: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس أي أرض تموت إن الله عليم خبير.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز هو ابن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأوسي والمديني من أفراد البخاري يروي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب.
والحديث أخرجه النسائي في النعوت عن عبيد الله بن فضالة ومر في الاستسقاء من حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهم. ومر الكلام فيه
هناك.
2
((باب قوله: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) * (الأنعام: 65) الآية))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (قل هو القادر) * الآية. أي: قل يا محمد الله القادر على بعث العذاب عليكم من فوقكم كالحجارة التي أرسلت على قوم لوط وكالماء المنهمر الذي نزل لإغراق قوم نوح عليه الصلاة والسلام، وكالحجارة التي أرسلت على أصحاب الفيل، ومن تحت أرجلكم كالخسف بقارون وإغراق آل فرعون. وقيل: من فوقكم من أكابركم وسلاطينكم ومن تحت أرجلكم من سفلتكم وعبيدكم، وقيل: من فوقكم حبس المطر ومن تحت أرجلكم منع النبات.
يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا
أشار به إلى قوله تعالى: * (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) * وفسر يلبسكم بقوله يخلطكم، ونبه على أن مادته من مادة الالتباس، لأن ثلاثيه من لبس يلبس من باب علم يعلم.
شيعا فرقا
أشار به إلى قوله: * (أو يلبسكم شيعا) * وفسر الشيع بالفرق جمع فرقة، وفي التفسير قوله تعالى: * (أو يلبسكم شيعا) * أي ليجعلكم ملتبسين شيعا فرقا متخالفين. وقال الوالي عن ابن عباس: يعني الأهواء وكذا قال مجاهد وغير واحد، وقد ورد في الحديث المروي من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة).
4628 ح دثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه قال لما نزلت هاذه الآية قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال رسول الله
224
صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهك قال أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاذا أهون أو هاذا أيسر).
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو النعمان، بضم النون اسمه محمد بن الفضل الملقب بعارم، والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن قتيبة. وأخرجه النسائي في التفسير عن قتيبة وغيره.
قوله: (أعوذ بوجهك)، أي: بذاتك. قوله: (ويذيق بعضكم بأس بعض)، قال ابن عباس وغير واحد يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل. قوله: (هذا أهون)، لأن الفتن من المخلوقين وعذابهم أهون من عذاب الله وبالفتن ابتليت هذه الأمة. قوله: (أو هذا أيسر)، شك من الراوي ووقع في (الاعتصام) هاتان أهون أو أيسر، أي: خصلة الإلباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض.
3
((باب: * (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) *))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * قبله: * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * (الأنعام: 82) أريد به الشرك.
4629 ح دثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحابه وأينا لم يظلم فنزلت إن الشرك لظلم عظيم.
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي عدي هو محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري وسليمان هو الأعمش، وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن يزيد وعبد الله هو ابن مسعود. والحديث قد مضى في كتاب الإيمان في: باب ظلم دون ظلم، فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة. قوله: (قال أصحابه)، أي: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
4
((باب قوله: * (ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) * (الأنعام: 86))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ويونس) * إلى آخره. قال الله تعالى: * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) * إلى أن قال * (وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا) * الآية. قوله: (ويونس)، عطف على قوله: وإسماعيل واليسع، وهما معطوفان على ما قبله من قوله: * (وزكريا ويحيى) * وهذا معطوف على قوله: (ومن ذريته داود وسليمان)، والضمير في: ذريته، يرجع إلى نوح عليه السلام، لأنه أقرب المذكورين وهو اختيار ابن جرير، ولا إشكال عليه في عوده إلى إبراهيم في قوله: * (ووهبنا له إسحاق) * أي: وهبنا لإبراهيم إسحاق ولدا لصلبه، ويعقوب ولدا لإسحاق. فإن قلت: يشكل على ذلك لوط فإنه ليس من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه هاران. قلت: دخل في الذرية هاران تغليبا كما في قوله تعالى: * (قالوا أنعبد إلاهك وإلاه آبائك إبراهيم) * الآية. فإسماعيل عليه السلام، عم يعقوب عليه السلام، ودخل في آبائه تغليبا.
4630 ح دثنا محمد بن بشار حدثنا ابن مهدي حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي العالية قال حدثني ابن عم نبيكم يعني ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وابن مهدي هو عبد الرحمن، وأبو العالية ضد السافلة اسمه رفيع، بضم الراء وفتح الفاء ابن مهران الرياحي، والحديث قد مضى في كتاب الأنبياء في: باب قوله عز وجل: * (وإن يونس لمن المرسلين) * (الأنعام: 139) فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس، ومضى الكلام فيه هناك.
225
4631 ح دثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة أخبرنا سعد بن إبراهيم قال سمعت حميد ابن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى.
مضى هذا الحديث أيضا في كتاب الأنبياء في الباب المذكور فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة إلى آخره.
5
((باب قوله: * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (أولئك الذين هدى الله) * الآية. قوله: (أولئك)، أي: الأنبياء المذكورون. قيل هذه الآية هم أهل الهداية لا غيرهم. قوله: (اقتده)، أي: اقتد يا محمد بهدي هؤلاء واتبع، والهدي هنا السنة وقال الزمخشري: اقتد بطريقتهم في التوحيد والأصول دون الفروع، وفيه دلالة على أن شريعة من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، أجمع القراء على إثبات الهاء في الوقف، وأما في الوصل فقرأ حمزة والكسائي اقتد، بحذف الهاء والباقون بإثباتها ساكنة وابن عامر من بينهم كسرها. وروى هشام عنه مدها وقصرها.
4632 ح دثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني سليمان الأحول أن مجاهدا أخبره أنه سأل ابن عباس أفي ص
1764; سجدة فقال: نعم ثم تلا ووهبنا له إسحاق ويعقوب إلى قوله فبهداهم اقتده ثم قال هو منهم.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني اليماني، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والحديث من أفراده.
قوله: (أفي ص
1764;)؟ أي: في سورة (ص
1764; سجدة)؟ والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (هو منهم)، أي: داود عليه السلام من الأنبياء المذكورين. في قوله: * (ووهبنا له إسحاق) * والنبي صلى الله عليه وسلم، أمر أن يقتدى بداود في سجدة. (ص
1764;) لأنه سجدها وسجدها النبي صلى الله عليه وسلم، أيضا. وقال ابن عباس: وكان داود ممن أمر نبيكم عليه الصلاة والسلام أن يقتدى به فسجدها. فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوام عن مجاهد قلت لابن عباس فقال نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدي بهم.
أي: زاد على الرواية الماضية يزيد بن هارون الواسطي، ومحمد بن عبيد الطنافسي الكوفي، وسهل بن يوسف الأنماطي ثلاثتهم عن العوام، بتشديد الواو، ابن حوشب، بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبالياء الموحدة أما طريق يزيد فوصله الإسماعيلي، وأما طريق محمد بن عبيد فوصله البخاري في تفسير (ص
1764;) قال: حدثني محمد بن عبد الله الطنافسي عن العوام. قال: سألت مجاهدا الحديث وأما طريق سهل بن يوسف فوصله البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء في: باب (واذكر عبدنا داود الأيدي) فإنه أخرجه هناك عن سهل بن يوسف عن العوام إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى.
6
((باب قوله: * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) * (الأنعام: 346) الآية))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وعلى الذين هادوا) * الآية. وزاد أبو ذر في روايته إلى قوله: * (إنا لصادقون) * قوله: * (وعلى الذين هادوا) * أي: حرمنا على اليهود كل ذي ظفر، وقال ابن جرير: هو البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والأنعام
226
والإوز والبط، وقال سعيد بن جبير: هو الذي ليس بمنفرج الأصابع، وفي رواية عنه: كل شيء مفرق الأصابع ومنه الديك، وقال قتادة: كان يقال البعير وأشياء من الطير والحيتان، وقيل: ذوات الظلف كالإبل، وما ليس بذي أصابع كالأوز والبط، وهو اختيار الزجاج، وقال ابن دريد، ذو الظفر الإبل فقط، وقال القتبي: هو كل ذي مخلب من الطير وحافر من الدواب، قال: ويسمى الحافر ظفرا على الاستعارة، وقال الثعلبي: قرأ الحسن: ظفر، بكسر الظاء وسكون الفاء، وقرأ أبو السماك بكسر الظاء والفاء، وهي لغة. قوله: (شحومهما)، جمع شحم، والشحوم المحرمة الثروب، قيل: هو الذي لم يختلط بعظم ولا لحم، وقيل: شحوم الكلي.
وقال ابن عباس كل ذي ظفر البعير والنعامة
هذا التعليق وصله ابنن جريج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وروى من طريق آخر ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله.
الحوايا المبعر
أشار به إلى قوله تعالى: * (أو الحوايا أو ما اختلط بعظم) *، وهو تفسير ابن عباس أيضا والمبعر هو المعا. وفي رواية أبي الوقت المباعر جمع مبعر، ووصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: الحوايا هو المبعر، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله، وقال سعيد بن جبير: الحوايا المباعر، أخرجه ابن جرير، وقال الجوهري: الحوايا الأمعاء، وقال ابن جرير: وهو جمع واحدها حاوية وحوية، وهي ما حوى واجتمع واستدار من البطن، وهي بنات اللبن وهي المباعر وتسمى المرابض وفيها الأمعاء.
وقال غيره هادوا صاروا يهودا وأما قوله عدنا تبنا هائد تائب
أي: قال غير ابن عباس في معنى قوله تعالى: * (وعلى الذين هادوا) * (الأنعام: 146) صاروا يهودا. قوله: (هدنا)، أشار به إلى قوله تعالى: * (وفي الآخرة إنا هدنا إليك) * (الأعراف: 156) في سورة الأعراف، وفي التفسير: أي تبنا ورجعنا إليك. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية والضحاك وقتادة، والسدي وغير واحد، وهو من هاد يهود هودا تاب ورجع إلى الحق، فهو هائد ويجمع على هود، يقال: قوم هود، مثل حائل وحول، وقال أبو عبيد: التهود التوبة والعمل الصالح.
227
7
((باب قوله: * (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * (الأنعام: 151))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولا تقربوا الفواحش) * الآية اختلف المفسرون في هذه الآية، فعن ابن عباس والحسن والسدي: أنهم قالوا: كانوا يستقبحون فعل الزنى علانية ويفعلونه سرا فنهاهم الله عز وجل عنهما. وقيل: ما ظهر الخمر وما بطن الزنا. قاله الضحاك وقال الماوردي: الظاهر فعل الجوارح، والباطن اعتقاد القلب، وقيل: هي عامة في الفواحش ما أعلن منها ما ظهر وما بطن فعل سرا. وقيل: ما ظهر ما بينهم وبين الخلق، وما بطن ما بينهم وبين الله تعالى، وقيل: ما ظهر العناق والقبلة، وما بطن النية.
4634 ح دثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه قلت سمعته من عبد الله قال نعم قلت ورفعه قال نعم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو هو ابن مرة المرادي الكوفي الأعمى، وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن محمد بن المثنى ومحمد بن يسار، وأخرجه الترمذي في الدعوات عن محمد بن يسار، وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن بشار ومحمد بن المثنى.
قوله: (أغير)، أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي: الأنفة والحمية. وقال النحاس: هو أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم، والغيور ضد الديوث، والقندع، بضم الدال وفتحها: الديوث وفي (الموعب) لابن التياني، رجل غيران من قوم غيارى، وغيارى بفتح الغين وضمها وقال ابن سيده غار الرجل غيرة وغيرا وغارا وغيارا وحكى البكري عن أبي جعفر البصري: غيرة، بكسر الغين، والمغيار الشديد الغيرة، وفلان لا يتغير على أهله أي: لا يغار. وقال الزمخشري: أغار الرجل امرأته إذا حملها على الغيرة، يقال رجل غيور وامرأة غيور هذا كله في حق الآدميين وأما في حق الله فقد جاء مفسرا في الحديث، وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه أي: إن غيرته منعه وتحريمه، ولما حرم الله الفواحش، وتواعد عليها وصفه صلى الله عليه وسلم، بالغيرة. وقال صلى الله عليه وسلم: من غيرته أن حرم الفواحش. قوله: (ولذلك)، أي: ولأجل غيرته. قوله: (ولا شيء أحب إليه المدح)، يجوز في: أحب، الرفع والنصب، وهو أفعل التفضيل بمعنى المفعول. وقوله: المدح، بالرفع فاعله، وهو كقولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد، وحب الله المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح، وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك، فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح، ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا فظهر من غلط العامة قولهم: إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن؟ فافهم. قوله: (قلت سمعته)، القائل هو عمرو بن مرة يقول لأبي وائل: هل سمعت هذا الحديث من عبد الله بن مسعود؟ ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو وائل: نعم سمعته منه، ورفعه.
8
((باب: * (وكيل حفيظ ومحيط به) *))
أشار به إلى قوله تعالى: * (وهو على كل شيء وكيل) * (الأنعام: 102) وفسر لفظ: وكيل: بقوله: حفيظ ومحيط به، وكذا فسره أبو عبيدة، وفي بعض الشروح قوله: (وكيل)، يريد * (لست عليكم بوكيل) * (الأنعام: 66) ونزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وأما قوله تعالى: * (تتخذوا من دوني وكيلا) * (الإسراء: 2) فقيل: يكون شريكا. أي: تكون أموركم إليه، وقيل: كفيل وقبيل: كاف قلت: جاء وما أنت عليهم بوكيل. أي: بوكيل على أرزاقهم وأمورهم وما عليك إلا البلاغ. كما في قوله: * (لست عليهم بمسيطر) * (الغاشية: 22) وقال: فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
قبلا جمع قبيل والمعنى أنه ضروب للعذاب كل ضرب منها قبيل
228
قبلا أشار به إلى قوله تعالى: * (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) * ثم قال قبلا جمع قبيل، وفي التفسير: قبلا جمع قبيلة، يعني: فوجا فوجا وصنفا صنفا. وقال
الأخفش: أي قبيلا قبيلا. والقبيل في غير هذا الموضع بمعنى الكفيل، وبمعنى العريف وبمعنى الجماعة يكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى مثل الروم والزنج والعرب، والجمع: قبل، بضمتين قوله: والمعنى أشار به إلى أن معنى قبيل ضروب يعني أنواعا للعذاب كل ضرب أي كل نوع من تلك الضروب، قبيل: أي نوع، وقرأ بعضهم: قبلا بكسر القاف وفتح الباء من المقابلة والمعاينة. وقرأ آخرون قبلا بضمهما بمعنى عيانا قاله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة وعبد الرحمن ابن أبي زيد بن أسلم. وقال مجاهد: قبلا أفواجا قبيلا قبيلا.
زخرف القول كل شيء حسنته ووشيته وهو باطل فهو زخرف
أشار به إلى قوله تعالى: * (يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول) * ثم فسر، زخرف القول بقوله: كل شيء إلى آخره، فقوله: كل شيء مبتدأ وحسنته صفة لشيء ووشيته عطف عليه من التوشية وهو التزيين، وروى: زينته. قوله: وهو باطل جملة اسمية وقعت حالا. قوله: فهو زخرف خبر المبتدأ ودخلت الفاء فيه لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وأصل الزخرف التزيين والتحسين ومنه سمى الذهب زخرفا. وقال ابن جرير: قال مجاهد في تفسير هذه الآية إن كفار الجن شياطين يوحون إلى شياطين الإنس زخرف القول غرورا وعن أبي ذران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الانس؟ قال: قلت: يا رسول الله! هل للإنس من شياطين؟ قال: نعم. رواه ابن جرير بإسناده إلى أبي ذر.
وحرث حجر حرام وكل ممنوع فهو حجر محجور: والحجر كل بناء بنيته ويقال للأنثى من الخيل حجر ويقال للعقل حجر وحجى: وأما الحجر فموضع ثمود وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه سمي حطيم كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول وأما حجر اليمامة فهو منزل.
هذا مكرر بلا فائدة جديدة لأنه ذكره في قصة ثمود في: باب قول الله تعالى: * (وإلى ثمود أخاهم صالحا) * (الأعراف: 73) * (كذب أصحاب الحجر) * (الحجر: 80) الحجر موضع ثمود، وأما حرث حجر حرام إلى آخره مثل ما ذكره هنا ولهذا لم يذكره أبو ذر والنسفي هنا. وهذا أولى.
9
((باب قوله تعالى: * (يوم لا ينفع نفسا إيمانها) * (الأنعام: 158))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (يوم لا ينفع نفسا إيمانها) * وقبله: * (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) * الآية معناه: إذا أنشأ الكافر إيمانا يومئذ لا يقبل منه، وأما من كان مؤمنا قبل ذلك فإن كان مصلحا في عمله فهو بخير عظيم، وإن كان مخلطا فأحدث توبة لم تقبل توبته.
01
((باب: * (هلم شهداءكم لغة أهل الحجاز هلم للواحد والاثنين والجميع) *))
أشار به إلى قوله تعالى: * (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) * (الأنعام: 150) الآية. أي: قل يا محمد: أحضروا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا أي: هذا الذي حرمتموه وكذبتم واقتربتم على الله فيه قوله هلم، في محل الرفع على الابتداء بتقدير لفظ هلم وقوله لغة أهل الحجاز، خبره قوله: (هلم للواحد)، يعني لفظ هلم يصلح للواحد وللاثنين وللجماعة، هذا عند أهل الحجاز، وأهل نجد يقولون للواحد: هلم، وللمرأة هلمي، وللاثنين: هلما وللجماعة الذكور: هلموا، وللنساء هلممن. وعلى اللغة الأولى يكون أسما للفعل وبني لوقوعه موقع الأمر المبني، وعلى اللغة الثانية يكون فعلا.
4635 ح دثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة
229
حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى بن إسماعيل البصري التبوذكي، وعبد الواحد بن زياد، وعمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم بن القعقاع الضبي الكوفي، وأبو زرعة هرم بن عمر والبجلي الكوفي.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر وغيره. وأخرجه أبو داود في الملاحم عن أحمد بن شعيب. وأخرجه النسائي في الوصايا عن أحمد بن حرب. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (حتى تطلع الشمس من مغربها) وعلامة طلوع الشمس من مغربها ما رواه ابن مردويه بإسناده عن حذيفة بن اليمان قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين، فينتبه الذين كانوا يصلون فيها فيعملون كما كانوا يصلون قبلها، ثم يرقدون ثم يقومون فيصلون ثم يرقدون ثم يقومون، فيظل عليهم جنونه حتى يتطاول عليهم الليل فيفزع الناس ولا يصبحون، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مستقرها إذ طلعت من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا. فلا ينفعهم إيمانهم)، وفي مسلم: ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض. قوله: (آمن من عليها) أي: على الأرض، والسياق يدل عليه.
4636 ح دثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذالك حين لا ينفع نفسا إيمانها ثم قرأ الآية.
هذا طريق آخر عن أبي هريرة أخرجه عن إسحاق ذكر أبو مسعود الدمشقي وأبو نعيم الحافظان أنه ابن منصور الكوسج أبو يعقوب المروزي، وفي نسخة من كتاب خلف
الواسطي، رواه، يعني البخاري عن إسحاق بن نصر يعني السعدي قلت: إسحاق هذا هو ابن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري، كان ينزل بالمدينة بباب بني سعد يروي عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني عن معمر بن راشد عن همام، بتشديد الميم، ابن منبه الأنباري الصنعاني.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن رافع، واختلف في أول الآيات ففي مسلم عن ابن عمران أول الآيات خروجا طلوع الشمس وخروج الدابة وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا منها. وروى نعيم بن حماد من حديث إسحاق بن أبي فروة عن يزيد بن أبي غياث، سمع أبا هريرة مرفوعا خمس لا يدري أيتهن أول الآيات وأيتهن جاءت. لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ويأجوج ومأجوج والدخان، والدابة. وقيل: خروج الدجال، ويرجحه قوله صلى الله عليه وسلم: إن الدجال خارج فيكم لا محالة، فلو كانت الشمس طلعت قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى عليه السلام، ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم، فإذا قبض عيسى عليه السلام، ومن معه من المؤمنين يبقى الناس حيارى سكارى فيرجع أكثرهم إلى الكفر والضلالة ويستولى أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها وعند ذلك يرفع الكتاب العزيز ثم يأتي الحبش إلى الكعبة المشرفة فيهدمونها. ثم تخرج الدابة ثم الدخان ثم الريح ثم الرياح تلقي الكفار في البحر ثم النار التي تسوق الناس إلى المحشر ثم الهدة قلت: الهدة صوت يقع من السماء، وقيل: الخسف، وروى ابن خالويه في (أماليه) من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حميد الحميري عن ابن عمر مرفوعا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة ورواه نعيم
230
ابن حماد في كتابه عن وكيع عن إسماعيل موقوفا، وذكر نحوه ابن عباس مرفوعا فيما ذكره ابن النقيب، وروى نعيم بن حماد من حديث حماد بن سلمة بن زيد عن العريان بن الهيثم سمع عبد الله بن عمر قال: لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب ما كان يعبد آباؤها عشرين ومائة عام بعد نزول عيسى وبعد الدجال، ومن حديث ابن لهيعة إلى ابن عمر: أن الشمس والقمر يجتمعان في السماء في منزله واحدة بالعشي، فيكون النهار سرمدا عشرين سنة وعن وهب: طلوع الشمس الآية العاشرة وهي آخر الآيات، ثم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وعن ابن لهيعة إلى عبد الله مرفوعا: لا يلبثون بعد يأجوج ومأجوج إلا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها، فيقول من لا خلاق له: ما نبالي إذا رد الله عليها ضوءها من حيث ما طلعت من مشرقها أو مغربها الحديث، وفي آخره. ويخر إبليس ساجدا ويقول لأعوانه، هذه الشمس قد طلعت من مغربها وهو الوقت المعلوم، ولا عمل بعد اليوم، ويصير الشياطين ظاهرين في الأرض حتى يقول الرجل: هذا قريني الذي كان يغويني، الحمد لله الذي أخزاه وأراحني منه فلا يزال إبليس عليه اللعنة ساجدا باكيا حتى تخرج دابة الأرض فتقتله. فإن قلت: ما الحكمة في عدم نفع الإيمان عند طلوع الشمس من مغربها. قلت: لوقوع الفزع في قلوبهم بما يخمد به كل شهوة من شهوات النفس، وفتور كل قوة من قوى البدن، فيصيرون في حالة من حضره الموت لانقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي، فمن تاب في مثل هذه الحالة كمن تاب عند الغرغرة ففي ذلك الوقت كأنهم شاهدوا مقاعدهم من النار أو الجنة فلم ينفعهم إيمانهم لأنا مكلفون بالإيمان بالغيب فلا ينفع الإيمان عند المشاهدة. فإن قلت: ما الحكم في طلوعها من المغرب؟ قلت: الحكمة فيه إبطال قول الملاحدة والمنجمين لما قال إبراهيم عليه السلام، لنمرود: * (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) * (البقرة: 258) حيث أنكروا ذلك وادعوا أنه لا يقع ولا يتصور.
7
((* (سورة الأعراف) *))
أي: هذا بيان تفسير بعض سورة الأعراف، وقال أبو العباس في كتابه في (مقامات التنزيل) هي مكية، وفيها اختلاف، وذكر الكلبي أن فيها خمس عشر آية مدنيات من قوله: * (إن الذين اتخذوا العجل) * (الأعراف: 152) إلى قوله: * (واتبعوا النور الذي أنزل معه) * ومن قوله: * (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) * (الأعراف: 157) إلى قوله: * (ودرسوا ما فيه) * قال: ولم يبلغنا هذا عن غير الكلبي، وفيها آية أخرى: * (وإذا قرىء القرآن) * الآية. ذكر جماعة أنها نزلت في الخطبة يوم الجمعة، والجمعة إنما كانت بالمدينة وهي مائتان وست آيات كوفي ومكي ومائتان وخمس بصري وشامي، وأربعة عشر ألفا وثلاثمائة وعشرة أحرف، وثلاث آلاف وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم توجد البسملة إلا في رواية أبي ذر.
قال ابن عباس ورياشا المال
ليس في كثير من النسخ لفظ: باب، وأشار بقوله: ورياشا إلى ما في قوله تعالى: * (قد أنزل عليكم لباسا يواري سوآتكم ورياشا) * (الأعراف: 26) قرأ الجمهور وريشا وقرأ الحسن وذر بن حبيش وعاصم فيما روي عنه وابن عباس ومجاهد وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء ورياشا وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو حاتم: رواها عنه عثمان. ثم إن البخاري فسره بالمال، رواه هكذا أبو محمد عن محمد بن إدريس حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية حدثنا علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال ابن الأعرابي: الريش الأكل، والرياش المال المستفاد، وقال ابن درير الريش الجمال، وقيل: هو اللباس، حكى أبو عمرو أن العرب تقول: كساني فلان ريشة أي كسوة، وقال قطرب الريش والرياش واحد مثل حل وحلال وحرم وحرام، وقال الثعلبي: يجوز أن يكون مصدرا من قول القائل: راشه الله يريشه رياشا. والرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من المتاع والثياب والفرش وغيرها، وعن ابن عباس الرياش اللباس والعيش والنعيم، وقال الأخفش: هو الخصب والمعاش، وقال القتبي: الريش والرياش ما ظهر من اللباس.
231
إنه لا يحب المعتدين في الدعاء
أشار به إلى قوله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية أنه لا يحب المعتدين) * (الأنعام: 55) هكذا في رواية الأكثرين (إنه لا يحب المعتدين في الدعاء) وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والحموي (في الدعاء وفي غيره) وقال الطبري: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: (إنه لا يحب المعتدين في الدعاء ولا في غيره)، والاعتداء في الدعاء بزيادة السؤال فوق الحاجة ويطلب ما يستحيل حصوله شرعا ويطلب معصية. وبالاعتناء بالأدعية التي لم تؤثر خصوصا إذا كان بالسجع المتكلف وبرفع الصوت والنداء والصياح لقوله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * وأمرنا بأن ندعو بالتضرع والاستكانة والخفية ألا ترى أن الله تعالى ذكر عبدا صالحا ورضي فعله فقال: * (إذ نادى ربه نداء خفيا) * (مريم: 3) وفي (التلويح) (إنه لا يحب المعتدين) إلى قوله، قال غيره: يشبه والله أعلم أنه من قول ابن عباس، وقد ذكره من غير عطف لذلك.
عفوا كثروا وكثرت أموالهم
أشار به إلى قوله تعالى: * (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا) * (الأعراف: 95) الآية. وفسر لفظ عفوا. الذي هو صيغة جمع بقوله: كثروا من عفا الشيء إذا كثر، وقوله كثرت أموالهم إنما وقع في رواية غير أبي ذر، وفي التفسير قوله: حتى عفوا أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم.
الفتاح القاضي افتح بيننا اقض بيننا
لفظ الفتاح لم يقع في هذه السورة، وإنما هو في سورة سبأ قيل: كأنه ذكره هنا توطئة لتفسير قوله في هذه السورة: * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * (الأعراف: 89) انتهى. وفسر الفتاح بقوله القاضي، وكذا قال أبو عبيدة إن الفتاح القاضي، وقال الفراء: وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح، وقال الثعلبي، وذكر غيره أنه لغة مراد، وروى ابن جرير من طرق عن قتادة عن ابن عباس، قال: ما كنت أدري ما معنى قوله: افتح بيننا حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: انطلق أفاتحك، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: افتح بيننا. أي: اقض بيننا.
نتقنا رفعنا
أشار به إلى قوله تعالى: * (وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله) * (الأعراف: 171) وفسر: نتقنا، بقوله رفعنا وكذا فسره وكذا فسره ابن عباس. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله وإذ نتقنا الجبل: رفعناه.
انبجست انفجرت
أشار به إلى قوله تعالى: * (أن أضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا) * (الأعراف: 160) ثم فسر: انبجست، بقوله: انفجرت، وكذا جاء في سورة البقرة حيث قال: * (فقلنا اضرب بعضاك الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا) * أي: انشقت، وكان ذلك الحجر من الطور يحمل مع موسى عليه السلام، فإذا نزلوا في موضع ضربه موسى بعصاه فيخرج منه الماء في اثنتي عشرة عينا لكل سبط عين.
متبر خسران
أشار به إلى قوله تعالى: * (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) * وفسر متبر بقوله خسران واشتقاقه من التبار، وهو الهلاك وهو من التتبير، يقال: تبره تتبيرا أي كسره وأهلكه.
آسي أحزن تأس تحزن
ذكر هنا لفظتين: الأولى: قوله: آسي، وهو في سورة الأعراف. أشار به إلى قوله تعالى: * (فكيف آسي على قوم كافرين) * (الأعراف: 93) وفسره بقوله: احزن وهو حكاية عن قول شعيب. عليه السلام، حيث قال بعد هلاك قومه، فكيف آسي، أي: فكيف أحزن على القوم الذين هلكوا على الكفر؟ واللفظة الثانية: قوله: تأسى، وهو في سورة المائدة وقد ذكرت هناك، وإنما ذكر هاهنا أيضا استطرادا.
232
وقال غيره: * (ما منعك أن لا تسجد) * (الأعراف: 12) يقال ما منعك أن تسجد
أي: قال غير ابن عباس في تفسير قوله تعالى: * (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) *، ثم أشار بقوله: يقال: ما منعك أن تسجد، ونبه بهذا على أن كلمة لا صلة. قال الزمخشري: لا في: أن لا تسجد، صلة بدليل قوله: * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * (ص
1764;: 75) ثم قال: فائدة زيادتها توكيد معنى الفعل الذي يدخل عليه، وتحقيقه كأنه قيل: ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك إذا أمرتك؟ وذكر ابن جرير عن بعض الكوفيين أن المنع هاهنا بمعنى القول، والتقدير: من قال لك لا تسجد؟ قلت: يجوز أن تكون كلمة أن مصدرية وكلمة لا، على أصلها، ويكون فيه حذف، والتقدير: ما منعك وحملك على أن لا تسجد أي على عدم السجود.
يخصفان أخذا الخصاف من ورق الجنة. يؤلفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعض
أشار به إلى قوله تعالى: * (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) * (الأعراف: 22) وفسر (يخصفان) بقوله: أخذا الخصاف، وهو بكسر الخاء جمع خصفة وهي الجلة التي يكنز فيها التمر. قوله: (وطفقا)، من أفعال المقاربة أي: جعلا أي: آدم وحواء، عليهما الصلاة والسلام، يخصفان عليهما من ورق الجنة، قيل: ورق التين يعني يجعلان ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها كما يخصف النعل بأن تجعل طرفة على طرقة وتوثق بالسبور، وقرأ الحسن: يخصفان، بكسر
الخاء وتشديد الصاد، وأصله يختصفان. وقرأ الزهري: يخصفان، من أخصف، أي: يخصفان أنفسهما. وقرئ: يخصفان، من خصف بالتشديد.
سوآتهما كناية عن فرجيهما
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلماذا قاالشجرة بدت لهما سوآتهما) * وقال. قوله: سوآتهما، كناية عن فرجيهما. أي: فرجي آدم وحواء، عليهما الصلاة والسلام، وفي التفسير: سقط عنهما اللباس وظهرت لهما عوراتهما وكانا لا يريان من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر، وعن وهب كان لباسهما فورا يحول بينهما وبين النظر، وقال الجوهري: السوأة العورة، وفي قول البخاري: كناية نظر لا يخفى.
ومتاع إلى حين إلى يوم القيامة والحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصي عددها.
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) * (الأعراف: 24) ونبه على أن المراد من الحين، هنا هو: إلى يوم القيامة وفي بعض النسخ، ومتاع إلى حين، هو هاهنا إلى يوم القيامة، ثم أشار بقوله: والحين عند العرب إلى الحين يستعمل لأعداد كثيرة، وأدناه ساعة، وقال ابن الأثير: الحين الوقت، وفي (المغرب) الحين كالوقت لأنه بهم يقع على القليل والكثير وقد مضى الكلام فيه في بدء الخلق.
قبيله جيله الذي هو منهم
أشار به إلى قوله تعالى: * (أنه يراكم هو وقبيله) * (الأعراف: 27) والضمير في (إنه) يرجع إلى الشيطان، وفسر القبيل بالجيل، بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف، وقال ابن الأثير: الصنف من الناس الترك جيل، والصين جيل، والمراد هنا جيل الشيطان يعني قبيله، ويؤيده في المعنى ما رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قبيله قال الجن والشياطين، وقيل: قبيله خيله ورجله. قال الله تعالى: * (بخيلك ورجلك) * (الإسراء: 64) وقيل: ذريته قال تعالى: * (أفتتخذونه وذريته) * (الكهف: 50) وقيل أصحابه: وقيل: ولده ونسله. قال الأزهري: القبيل جماعة ليسوا من أب واحد وجمعه قبل فإذا كانوا من أب واحد فهم قبيلة.
اداركوا اجتمعوا
أشار به إلى قوله تعالى: * (كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا داركوا فيها جميعا) * وفسر لفظ أداركوا بقوله: اجتمعوا وقال مقاتل: كلما دخل أهل ملة النار لعنوا أهل ملتهم فيلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى والمجوس المجوس، والمراد بالأخت أخوة الدين والملة لا أخوة النسب. قوله: (حتى إذا أداركوا فيها)، أي: حتى إذا اتداركوا فيها وتلاحقوا به واجتمعوا
233
فيها. أي: في النار. قلت: أصل اداركوا اتداركوا فقلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال وقرأ الأعمش حتى إذا تداركوا روي عن أبي عمرو بن العلاء كذلك.
مشاق الإنسان والدابة كلهم يسمى سموما واحدها سم وهي عيناه ومنخراه وفمه واذناه ودبره وإحليله
أشار به إلى تفسير لفظ سم، في قوله تعالى: * (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) * (الأعراف: 40) قوله: (مشاق الإنسان)، وفي بعض النسخ مسام الإنسان، وكلاهما بمعنى واحد وهي سموم الإنسان جمع سم، وهي عيناه إلى آخر ما ذكر قال الجوهري: السم الثقب ومنه سم الخياط ومسام الجسد ثقبه، وفي (المغرب) المسام المنافذ من عبارات الأطباء، وفي السم ثلاث لغات فتح السين وهي قراءة الأكثرين، وضمها وبه قرأ ابن مسعود وقتادة، وكسرها وبه قرأ بو عمران الجوني، والخياط ما يخاط به ويقال: مخيط أيضا وبه قرأ ابن مسعود وأبو رزين.
غواش ما غشوا به
أشار به إلى قوله تعالى: * (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) * (الأعراف: 41) وفسر لفظ غواش، بقوله: ما غشوا به. أي: ما غطوا به وهو جمع غاشية وهي كل ما يغشاك أي يسترك من اللحف، وقيل: من اللباس، والمراد بذلك أن النار من فوقهم ومن تحتهم بالمهاد وعماد فوقهم بالغواشي، وروى ابن جرير من طريق محمد بن كعب قال: المهاد الفرش. وقال: ومن فوقهم غواش اللحف.
نشرا متفرقة
أشار به إلى قوله تعالى: * (وهو الذي يرسل الرياح نشرا) * (الأعراف: 57) وفسر نشرا بقوله: متفرقة وفن التفسير: النشر جمع نشور وهي الريح الطيبة الهبوب تهب من كل ناحية وجانب، وقيل: النشور بمعنى المنشور كالركوب بمعنى المركوب، وقال ابن الأنباري: النشر المنتشرة الواسعة الهبوب أرسلها الله منشورة بعد انطوائها.
نكدا قليلا
أشار به إلى قوله تعالى: * (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) * (الأعراف: 58) وفسر قوله: نكدا بقوله: قليلا وفسره أبو عبيدة بقوله: قليلا عسرا في شدة، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي. قال: النكد الشيء القليل الذي لا ينفع.
يغنوا يعيشوا
أشار به إلى قوله تعالى: * (الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها) * (الأعراف: 92) وفسر: يغنوا بقوله: يعيشوا، وترك ذكر الجازم. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كأن لم يغنوا فيها أي: كأن لم يعيشوا أو كأن لم ينعموا ومادته من غنى أي عاش وغنى به عنه غنية، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا وغني بالمكان أقام،
والغناء بالفتح النفع وبالكسر من السماع والغنى مقصورا اليسار.
حقيق حق
أشار به إلى قوله تعالى: * (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق) * (الأعراف: 104 وفسر قوله حقيق، بقوله حق أي: جدير بذلك حري به.
استرهبوهم من الرهبة
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم) * (الأعراف: 146) وقال: استرهبوهم من الرهبة. أي: الخوف، والمعنى: أن سحرة فرعون سحروا أعين الناس أي خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج، واسترهبوا الناس بذلك وخوفوهم وخاف موسى عليه السلام أيضا من ذلك وقال الله عز وجل: * (لا تخف إنك أنت الأعلى * والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا) * (طه: 68، 69) القصة بتمامها في التفسير.
234
أشار به إلى قوله تعالى: * (فإذا هي تلقف ما يأفكون) * وفسر لفظ تلقف، بلفظ تلقم أي: تأكل ما يأفكون أي: ما يلقونه ويوهمون أنه حق وهو باطل.
طائرهم حظهم
أشار به إلى قوله تعالى: * (إلا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) * (الأعراف: 117) وفسر طائر هم بقوله حظهم، وكذا قال: أبو عبيدة: طائرهم حظهم ونصيبهم.
طوفان من السيل ويقال للموت الكثير الطوفان
أشار به إلى قوله تعالى: * (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل) * وفسر الطوفان بأنه من السيل، واختلفوا في معناه فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية الطوفان كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار. وبه قال الضحاك: وعن ابن عباس في رواية كثرة الموت، وهو معنى قوله: ويقال للموت الكثير الطوفان، وبه قال عطاء، وقال مجاهد: الطوفان الماء والطاعون على كل حال، وعن ابن عباس في رواية أخرى هو أمر من الله طاف بهم ثم قرأ: * (فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون) * (القلم: 19). وقال الأخفش الطوفان واحده طوفانة وقيل: هو مصدر كالرجحان والنقصان. قلت: هو اسم للمصدر، فاقهم.
القمل الحمنان يشبه صغار الحلم
أشار به إلى تفسير القمل المذكور في الآية التي مضت الآن، وفسره بقوله الحمنان، بضم الحاء وسكون الميم. قوله: (يشبه صغار الحلم)، بفتح الحاء المهملة واللام. وقال أبو عبيدة: القمل عند العرب ضرب من القردان واحدها حمنانة وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، القمل السوس الذي يخرج من الحنطة، وعنه أنه الدباء وهو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له، وبه قال مجاهد وقتادة، وعن الحسن وسعيد بن جبير: القمل دواب سود صغار، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: القمل البراغيث، وقال ابن جرير: القمل جمع قلمة وهي دابة تشبه القمل تأكل الإبل، والحلم جمع حلمة والحلمة تتقفي من ظهرها فيخرج منها القمقامة وهي أصغر مما رأيته مما يمشي ويتعلق بالإبل فإذا امتلأ سقط على الأرض وقد عظم ثم يضمر حتى يذهب دمه فيكون قرادا فيتعلق بالإبل ثانية فيكون حمنة، قال أبو العالية: أرسل الله تعالى الحمنان على دوابهم فأكلنها حتى لم يقدروا على المسير، وقرأ الحسن: القمل، بفتح القاف وسكون الميم، وفي (المحكم): القمل صغار الذر والدباء، وفي (الجامع): هو شيء أصغر من الظفر له جناح أحمر وأكدر، قال أبو يوسف: هو شيء يقع في الزرع ليس بجراد فيأكل السنبلة وهي غضة قبل أن تخرج فيطول الزرع ولا سنبل فيه، وقال أبو حنيفة هو شيء يشبه الحلم وهو لا يأكل أكل الجراد ولكن يمص الحب إذا وقع فيه الدقيق وهو رطب وتذهب قوته وخيره وهو خبيث الرائحة.
* رقم 2 * كتاب ج 81 من ص 235
عروش وعريش بناء
قال صاحب (التلويح): قول البخاري: عروش وعريش، بناء وجدناه مرويا عن ابن عباس، قال الطبري: حدثنا المثنى حدثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: * (وما كانوا يعرشون) * (الأعراف: 137) أي: يبنون، وقال مجاهد: يبنون البيوت والمساكن. وقال بعضهم: قال أبو عبيدة في قوله تعالى: * (وما كانوا يعرشون) * أي: يبنون. انتهى. قلت: أما قول صاحب (التلويح): قول البخاري إلى آخره، فلا وجه له أصلا لأن قول ابن عباس في تفسير قوله: * (وما كانوا يعرشون) * يبنون، فكيف يطابق تفسير عروش وعريش؟ وكذا قول بعضهم مثله، وأما تفسير البخاري: العروش والعريش بالبناء فليس كذلك لأن العروش جمع عرش والعرش سرير الملك وسقف البيت والعرش مصدر، قال الجوهري: عرش يعرش عرشا أي: بنى بناء من خشب، والعريش ما يستظل به، قاله الجوهري. وقال أيضا: العرش الكرم والعريش شبه الهودج العريش وخيمة من خشب وتمام الجمع عرش مثل قليب وقلب، ومنه قيل لبيوت مكة: العرش لأنها عيدان تنصب وتظلل عليها، وهذا الذي ذكره
235
مخالف لقاعدته في تفسير بعض الألفاظ في بعض السور وفي بعض المواضع، وكان ينبغي أني يقول: يعرشون يبنون إشارة لما وقع في الآية من قوله: * (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) * (الأعراف: 137).
سقط كل من ندم فقد سقط في يده
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولما سقط في أيديهم) * (الأعراف: 149) وفسر قوله: (سقط) بقوله: (كل من ندم فقد سقط في يده) وقال الجوهري: وسقط في
يديه أي: ندم: قال الله تعالى: * (ولما سقط في أيديهم) *، قال الأخفش: وقرأ بعضهم سقط كأنه أضمر الندم وجوز أسقط في يديه، وقال أبو عمر ولا يقال أسقط بالألف على ما لم يسم فاعله، وهذه في قصة قوم موسى الذين اتخذوا من حليهم عجلا وأخبر الله تعالى عنهم: * (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا) * الآية أراد أنهم ندموا على ما فعلوا * (ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا: لئن لم يرحمنا ربنا) * الآية.
الأسباط قبائل بني إسرائيل
أشار به إلى قوله تعالى: * (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما) * (الأعراف: 160) وفسر الأسباط بأنهم قبائل بني إسرائيل، وكذا فسره أبو عبيدة، وزاد: واحدهم سبط، تقول: من أي سبط أنت، أي: من أي قبيلة وجنس؟ ويقال: الأسباط في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل عليه السلام، واشتقاقه من السبط وهو التتابع، من السبط بالتحريك وهو الشجر الملتف، وقيل للحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما: سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانتشار ذريتهما، ثم قيل لكل ابن بنت: سبط.
يعدون في السبت يتعدون ثم يتجاوزون تعدى تجاوز
أشار به إلى قوله تعالى: * (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) * (الأعراف: 163) وفسر: يعدون، بقوله: يتعدون ثم يتجاوزن، وقال الزمخشري: إذ يعدون إذ يتجاوزون حد الله فيه وهو اصطيادهم يوم السبت وقد نهوا عنه، وقرئ يعدون، بمعنى يعتدون وإذ يعدون من الإعداد وكانوا يعدون آلات الصيد يوم السبت وهم مأمورون بأن لا يشتغلوا فيه بغير العبادة. قوله: (تعدى تجاوز) نبه به على أن معنى هذه الكلمة التجاوز فإذا تجاوز أحد أمرا من الأمور المحدودة يقال له: تعدى.
شرعا شوارع
أشار به إلى قوله عز وجل: * (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا) * وذكر أن شرعا جمع شوارع وشوارع جمع شارع وهو الظاهر على وجه الماء، وروى الضحاك عن ابن عباس: شرعا، أي ظاهرة على الماء، وقال العوفي عنه: شرعا على كل مكان.
بئيس شديد
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس) * (الأعراف: 165) وفسره بقوله: شديد، وعن مجاهد معناه: أليم، وعن قتادة: موجع، وفي بئيس قراءات كثيرة والقراءة المشهورة بفتح أوله وكسر الهمزة.
أخلد إلى الأرض أقعد وتقاعس
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) * (الأعراف: 176) وفسر قوله: أخلد بقوله: أقعد من الإقعاد وهو أن يلازم القعود إلى الأرض وهو كناية عن شدة ميله إلى الدنيا، وقد فسر أبو عبيدة قوله: أخلد إلى الأرض بقوله: لزمها، وأصل الإخلاد للزوم، ويقال معناه: مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهراتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته ما غرت غيره، قوله: وتقاعس، أي: تأخر وأبطأ، والضمير في قوله: ولكنه، يرجع إلى بلعام بن باعورا من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة ولكنه اتبع هواه فانسلخ من الإيمان واتبعه الشيطان، وقصته مشهورة، وقيل: المراد به أمية بن أبي الصلت أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه وصار إلى موالاة المشركين، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه وله أشعار ربانية وحكم
236
وفصاحة ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام.
(سنستدرجهم) أي نأتيهم من مأمنهم كقوله تعالى: * (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) * أشار به إلى قوله تعالى: * (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) * (الأعراف: 182) وفسر قوله: سنستدرجهم، بقوله: نأتيهم من ما منهم، أي: من موضع أمنهم، وأصل الاستدراج التقريب منزلة من الدرج لأن الصاعد يترقى درجة درجة. قوله: كقوله تعالى: * (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) * (الحشر: 2) وجه التشبيه فيه هو أخذ الله إياهم بغتة، كما قال في آية أخرى: * (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة) * (الأنعام: 44).
من جنة من جنون
أشار به إلى قوله تعالى: * (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة) * (الأعراف: 184) ثم قال: من جنون، وكانوا يقولون: محمد شاعر أو مجنون، والمراد بالصاحب هو محمد عليه الصلاة والسلام.
فمرت به فاستمر بها الحمل فأتمته
لم يقع هذا في رواية أبي ذر، وتقدم هذا في أول كتاب الأنبياء، وأشار به إلى قوله تعالى: * (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به) * (الأعراف: 189) وفسر قوله: فمرت به، بقوله: فاستمر بها الحمل فأتمته، والضمير في قوله: فمرت، يرجع إلى حواء عليها السلام، لأن قبل هذا قوله تعالى: * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) * الآية. وأراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام، وأراد بقوله: زوجها، حواء عليها السلام، وفي التفسير: اختلفوا في معنى قوله: فمرت، فقال مجاهد: استمرت بحمله، وكذا روي عن الحسن والنخعي والسدي، وقال ميمون بن مهران عن أبيه: استخفته، وقال قتادة: استبان حملها، وقال العوفي عن ابن عباس: استمرت به فشكت أحبلت أم لا.
ينزغنك يستخفنك
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأما ينزغنك من الشيطان نزغ) * (الأعراف: 200) الآية. وفسر ينزغنك بقوله: يستخفنك، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال ابن جرير في معنى هذا: وأما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته فاستعذ بالله، أي: فاستجر بالله.
طيف ملم به لمم ويقال طائف وهو واحد
أشار به إلى قوله تعالى: * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان) * وفسر قوله: طيف بقوله: ملم به لمم، وقال أبو عبيدة: طيف أي لمم، واللمم يطلق على ضرب من الجنون وعلى صغار الذنوب، وفي التفسير: منهم من فسر ذلك بالغضب، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه، ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب. قوله: (ويقال طائف) أشار به إلى أن طيفا وطائفا واحد في المعنى، وهما قراءتان مشهورتان.
يمدونهم يزينون
أشار به إلى قوله تعالى: * (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) * (الأعراف: 202) وفسر يمدونهم بقوله: (يزينون)، وقال أبو عبيدة: أي يزينون لهم الغي والكفر.
وخيفة خوفا وخفية من الإخفاء
أشار بقوله خيفة إلى قوله تعالى: * (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) * (الأعراف: 205) وفسر قوله: (خيفة)، بقوله: (خوفا)، وكذا فسره أبو عبيدة، ويقال: * (اذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) * أي: رغبة ورهبة وأشار بقوله وخيفة إلى قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) وأي: سرا. قوله: (من الإخفاء) أراد به أن الخفية مأخوذة من الإخفاء وفيه تأمل، لأن القاعدة أن المزيد فيه يكون مشتقا من الثلاثي دون العكس، ولكن يمكن أن يوجه كلامه باعتبار انتظام اشتقاق الصيغتين في معنى واحد.
237
والآصال واحدها أصيل ما بين العصر إلى المغرب كقولك بكرة وأصيلا
أشار به إلى قوله تعالى: * (ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) * وذكر أن واحد الآصال أصيل، كذا قاله أبو عبيدة، وقال ابن فارس الأصيل: بعد العشاء وجمعه أصل وجمع أصل وجمع أصل آصال فيكون الأصائل جمع الجمع، وقال الأصال لعله أن يكون جمع أصيلة. قوله: (كقولك بكرة وأصيلا) أشار به إلى أن الأصيل واحد الآصال.
1
((باب قوله عز وجل: * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * (الأعراف: 33))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (قل إنما) * الآية. وليس في بعض النسخ لفظ: باب. واختلف في المراد بالفواحش: فمنهم من حملها على العموم، فعن قتادة: المراد سر الفواحش وعلانيتها، ومنهم من حملها على نوع خاص، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية، وعن سعيد بن جبير ومجاهد: ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا.
4637 ح دثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال قلت أنت سمعت هاذا من عبد الله قال نعم ورفعه قال لا أحد أغير من الله فلذالك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدحة من الله فلذالك مدح نفسه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود. والحديث مضى عن قريب في: باب * (لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * (الأنعام: 151) فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (قال: قلت)، القائل هو عمرو بن مرة، والمخاطب أبو وائل. قوله: (ورفعه)، أي: رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
2
((باب: * (ولما جاء موسى لمياقتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولاكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موساى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) * (الأعراف: 143))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (ولما جاء موسى لميقاتنا) * إلى آخره. قوله: (الآية)، أي: الآية بتمامها، وقد ساق في بعض النسخ بتمامها: (قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين). قوله: (لميقاتنا)، قال الثعلبي: الميقات مفعال من الوقت كالميعاد والميلاد انقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. قلت: أصله: موقات، لأنه من الوقت وإنما انقلبت ياء لأن الياء أخت الكسرة. قوله: (وكلمة ربه)، حتى سمع صرير الأقلام، وكان على طور سيناء ولما أدناه ربه وناجاه اشتاق إلى رؤيته، وقال: * (رب أرني أنظر إليك) * فقال الله عز وجل: * (لن تراني) * يعني: ليس لبشر أن يطيق النظر إلي في الدنيا (من نظر إلي في الدنيا مات)، قال موسى: إلهي قد سمعت كلامك فاشتقت إلى النظر إليك فأرني أنظر إليك، فلأن أنظر إليك ثم أموت أحب إلى من أن أعيش فلا أراك، قال الله تعالى: * (أنظر إلى الجبل) * وهو أعظم جبل بمدين يقال له: زبير * (فإن استقر) * أي: ثبت بمكانه * (فسوف تراني بحلى ربه) *، قال ابن عباس: تجليه ظهور نوره، وقال كعب الأحبار وعبد الله بن سلام
: ما تجلى من عظمة الله إلا مثل سم الخياط، وقال السدي: قدر الخنصر، وروى أحمد في (مسنده) عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله: * (فلما تجلى ربه للجبل) * قال: هكذا، يعني أنه أخرج طرف الخنصر الحديث، ورواه الترمذي أيضا، وقال:
238
حديث حسن صحيح غريب، وعن سهل بن سعد: أن الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدرهم فجعل الجبل كأقواله (جعله دكا) قال ابن عباس: ترابا، وقال سفيان الثوري: ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر فهو يذهب معه، وعن أبي بكر الهذلي: دكا انقعر فدخل تحت الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة، وقال ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، بالمدينة: أحد وورقان ورضوى، وبمكة حراء وثبير وثور). قال ابن كثير: هذا حديث غريب بل منكر، وقال عطية العوفي: دكا صار رملا هائلا، واختلف القراء في دكا فقرأ أهل المدينة والبصرة بالقصر والتنوين وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد القاسم بن سلام، وقرأ أهل الكوفة بالمد أي جعله مثل الأرض وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا. قوله: (وخر موسى صعقا) أي: خر مغشيا عليه يوم الخميس وكان يوم عرفة وأعطي التوراة يوم الجمعة، وهو يوم النحر، وفي (التلويح): وصعق موسى موته، نظيرها قوله في سورة النساء: * (فأخذتهم الصاعقة) * (النساء: 153) يعني: الموت، وفي الزمر: * (فصعق من في السماوات) * يعني: مات، وفي تفسير ابن كثير: والمعروف أن الصعق هو الغشي ههنا كما فسره ابن عباس وغيره لا كما فسره قتادة بالموت وإن كان ذلك صحيحا في اللغة. قوله: (فلما أفاق) أي: من الغشي، قال محمد بن جعفر: شغله الجبل حين تجلى ولولا ذلك لمات صعقا بلا إفاقة. قوله: (قال سبحانك) تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراه أحد في الدنيا إلا مات. قوله: (تبت إليك) يعني عن سؤال الرؤية في الدنيا، وقيل: تبت إليك من الإقدام على المسألة قبل الإذن فيها، وقيل: من اعتقاد جواز الرؤية في الدنيا، وقيل: المراد بالتوبة هنا الرجوع إلى الله تعالى لا على ذنب سبق، وقيل: إنما قال ذلك على جهة التسبيح وهو عادة المؤمنين عند ظهور الآيات الدالة على عظم قدرته. قوله: (وأنا أول المؤمنين)، أي: بأنك لا ترى في الدنيا، قال مجاهد: وأنا أول المؤمنين من بني إسرائيل، واختاره ابن جرير، وعن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد، وكذا قال أبو العالية. وتعلقت نفاة رواة الرؤية بهذه الآية، فقال الزمخشري: لن، لتأكيد النفي الذي تعطيه: لا، وذلك أن: لا تنفي المستقبل، تقول: لا أفعل غدا، فإن أكدت نفيها قلت: لن أفعل غدا، وقال ابن كثير: وقد أشكل حرف: لن، ههنا على كثير لأنها موضوعة للنفي للتأبيد، فاستدلت به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة. وأجيب: بأن الأحاديث قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة. وقيل إنها لنفي التأبيد في الدنيا جمعا بين هذه وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الآخرة، وقيل: إن لن لا توجب التأبيد لكن توجب التوقيت، كقوله عز وجل: * (ولن يتمنوه أبدا) * (البقرة: 95) يعني: الموت، وقال علي بن مهدي: لو كان سؤال موسى عليه السلام، مستحيلا لما أقدم عليه مع كمال معرفته بالله عز وجل، وقال المتكلمون من أهل السنة: لما علق الله الرؤية باستقرار الجبل دل على جواز الرؤية لأن استقراره غير مستحيل، ألا ترى أن دخول الكفار الجنة لما كان مستحيلا علقه بشيء مستحيل فقال: * (لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) * (الأعراف: 40) أي: في خرق الإبرة.
قال ابن عباس أرني أعطني
هذا التعليق وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: * (رب أرني أنظر إليك) * (الأعراف: 143) قال أعطني.
4638 ح دثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه وقال يا محمد إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم في وجهي قال ادعوه فدعوه قال لم لطمت وجهه قال يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته يقول والذي اصطفى موساى على البشر فقلت وعلى محمد فقال وعلى محمد فأخذتني غضبة فلطمته قال: لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش
239
فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: أم جوزي بصعقة الطور، والحديث قد مضى في: باب الأشخاص فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (لا تخيروني)، أي: لا تفضلوني بحيث يلزم نقص أو غضاضة على غيره أو يؤدي إلى الخصومة، أو قاله تواضعا، وقيل: قال ذلك قبل أن يعلم تفضيله على الكل، وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا: أن الذي لطم اليهودي في هذه القصة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وما ذكره البخاري هو الأصح. قوله: (فإن الناس يصعقون يوم القيامة) الظاهر أن هذا الصعق يكون يوم القيامة حين يأتي الرب عز وجل لفصل القضاء ويتجلى فيصعقون حينئذ أي: يغشى عليهم، وليس المراد من الصعق الموت. قوله: (أم جوزي) كذا في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي، وفي رواية الأكثرين: جزى، والأول هو المشهور في غير هذا الموضع.
المن والسلوى
أي: هذا في ذكر المن والسلوى وليس في الحديث ذكر السلوى، وإنما ذكره رعاية للفظ القرآن، وفي بعض النسخ: * (وأنزلنا عليهم المن والسلوى) * (البقرة: 57) قال الله تعالى: * (وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى) * (الأعراف: 160) وقد مر تفسير ذلك في سورة البقرة.
3
((باب: * (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له له ملك السماوات والأرض لا إلاه إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله
وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) * (الأعراف: 158))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (قل يا أيها الناس) * قوله: (الآية)، أي الآية بتمامها، وهو قوله: * (لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) * وفي بعض النسخ جميع هذه مذكور. قوله: (قل يا أيها الناس)، يقول الله لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: يا أيها الناس وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي: (إني رسول الله إليكم جميعا) أي: جميعكم. قوله: (الذي له ملك السماوات والأرض)، صفة الله في قوله: (إني رسول الله) أي الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة. قوله: (فآمنوا بالله) لما أخبرهم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرهم بالإيمان به وباتباع رسوله النبي الأمي الذي
240
وعدتم به وبشرتم به في الكتب القديمة فإنه منعوت بذلك في كتبهم. قوله: (واتبعوه) أي: اسلكوا طريقه واقتفوا أثره (لعلكم تهتدون) إلى الصراط المستقيم.
4640 ح دثنا عبد الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمان وموساى بن هارون قالا حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر قال حدثني بسر بن عبيد الله قال حدثني أبو إدريس الخولاني قال سمعت أبا الدرداء يقول كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء ونحن عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم هاذا فقد غامر قال وندم عمر على ما كان منه فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر قال أبو الدرداء وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول والله يا رسول الله لانا كنت أظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنتم تاركو لي صاحبي هل أنتم تاركو لي صاحبي إني قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت..
مطابقته للترجمة في قوله: * (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) * (الأعراف: 158) وعبد الله وقع كذا غير منسوب في رواية الأكثرين، ووقع عند ابن السكن عن الفربري عن البخاري: حدثني عبد الله بن حماد، وبذلك جزم الكلاباذي وطائفة وهو عبد الله بن حماد بن الطفيل أبو عبد الرحمن الآملي، بالمد وضم الميم الخفيفة، آمل جيحون. قال الأصيلي: هو من تلامذة البخاري، وكان يورق بين يديه، وقيل: شارك البخاري في كثير من شيوخه وكان من الحفاظ، قال المنذري: ذكر ابن يونس أنه مات يوم الأربعاء لتسع خلون من المحرم سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وقيل: مات بآمل حين خرج من سمرقند، وسليمان بن عبد الرحمن ابن ابنة شرحبيل بن أيوب الدمشقي، روى عنه البخاري في مواضع، مات سنة ثلاثين ومائتين، وموسى بن هارون البني، بضم الباء الموحدة وتشديد النون، من أفراد البخاري، والوليد بن مسلم الدمشقي أبو العباس، مات سنة خمس وتسعين ومائة، وعبد الله بن العلاء بن زبر، بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة وبالراء الربعي بفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة وبسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبالراء: ابن عبيد الله الحضرمي الشامي، وأبو إدريس عائذ الله اسم فاعل من العوذ، بالعين المهملة والذال المعجمة: الخولاني، بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون. وأبو الدرداء عويمر الأنصاري، وهؤلاء الخمسة كلهم شاميون.
والحديث مضى في: باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه، فإنه أخرجه هناك عن هشام بن عمار عن صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (غامر) بالغين المعجمة من باب المفاعلة، أي: سبق بالخير أو وقع في أمر أو زاحم وخاصم والمغامر الذي يرمي نفسه في الأمور المهلكة، وقيل: هو من الغمر بالكسر، وهو الحقد الذي حاقد غيره. قوله: (تاركو لي صاحبي) بحذف النون من: تاركون لأنه مضاف إلى قوله: صاحبي، لكن وقع الجار والمجرور أعني قوله: (لي) فاصلا بين المضاف. والمضاف إليه وذلك جائز وقد وقع في كلام العرب كثيرا ويروى تاركون بالنون على الأصل.
قال أبو عبد الله غامر سبق بالخير
هذا ليس بموجود في بعض النسخ. وأبو عبد الله هو البخاري نفسه، فسر قوله: (غامر) بقوله: سبق بالخير، وقد ذكرناه الآن.
241
4
((باب قوله وقولو حطة))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا) * (الأعراف: 161) وليس لفظ: باب، مذكورا في بعض النسخ.
4641 ح دثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ت غفر لكم خطاياكم فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة. (انظر الحديث 3402 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن إبراهيم الحنظلي بن راهويه، ومعمر، بفتح الميمين: ابن راشد، وهمام بتشديد الميم الأولى ابن منبه على وزن اسم الفاعل من التنبيه. والحديث مضى في أوائل تفسير سورة البقرة فإنه أخرجه هناك عن محمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فبدلوا)، أي، غيروا. قوله: (في شعرة)، بفتحتين في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: في شعيرة، بكسر العين وسكون الياء آخر الحروف.
5
((باب: * (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) * (الأعراف: 199))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (خذ العفو) * وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء: الأخذ بالعفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين، وروي الطبري عن مجاهد: خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسيس عليهم، وقال ابن الزبير: ما أنزل الله تعالى هذه الآية إلا في أخلاق الناس، وعن ابن عباس والضحاك والسدي: خذ العفو من أموال المسلمين وهو الفضل، وقال ابن جرير: أمر بذلك قبل نزول الزكاة، وقال ابن الجوزي: صدقة كانت تؤخذ قبل الزكاة ثم نسخت بها، وقيل: هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن المشركين وترك الغلظة عليهم، وذلك قبل فرض القتال. وتفسير العرف يأتي الآن. قوله: (وأغرض عن الجاهلين) أي: عن أبي جهل وأصحابه، وقال ابن زيد: نسختها آية السيف، وقيل: ليست بمنسوخة إنما أمر باحتمال من ظلم.
العرف المعروف
أراد أن العرف، المأمور به في الآية الكريمة هو المعروف، ووصله عبد الرزاق من طريق همام بن عروة عن أبيه، وكذا أخرجه الطبري من طريق السدي وقتادة، وفي المعروف صلة الرحم وإعطاء من حرم والعفو عمن ظلم، وقال ابن الجوزي: العرف والمعروف ما عرف من طاعة الله عز وجل، و قال الثعلبي: العرف والمعروف والعارفة كل خصلة حميدة، وقال عطاء: الأمر بالعرف بلا إله إلا الله.
164 - (حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال سأستأذن لك عليه قال ابن عباس فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب
242
عمر حتى هم به فقال له الحر يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه
خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين وإن هذا من الجاهلين والله ما جاوزنا عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وهذا الإسناد على هذا النمط قد سبق كثيرا والحديث من أفراده وأخرجه أيضا في الاعتصام عن إسماعيل بن أبي أويس قوله ' مشاورته ' بلفظ المصدر عطفا على مجالس وبلفظ المفعول والفاعل عطفا على أصحاب قوله ' كهولا ' بضم الكاف جمع كهل وهو الذي وخطه الشيب قاله ابن فارس وقال المبرد هو ابن ثلاث وثلاثين سنة قوله ' أو شبانا ' بضم الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة جمع شاب هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني شبابا بفتح الشين وبالباءين الموحدتين أولاهما مخففة قوله ' هي ' بكسر الهاء وسكون الياء كلمة التهديد ويقال هو ضمير وثمة محذوف أي هي داهية أو القصة هذه ويروى هيه بهاء أخرى في آخره ويروى إيه من أسماء الأفعال تقول للرجل إذا استزدته هن حديث أو عمل إيه بكسر الهمزة وسكون الياء وكسر الهاء قوله ' ما تعطينا الجزل ' بفتح الجيم وسكون الزاي أي ما تعطينا العطاء الكثير وأصل الجزل ما عظم من الحطب ثم استعير منه أجزل له في العطاء أي أكثره قوله ' ما جاوزها ' أي ما جاوز الآية المذكورة يعني لم يتعد عن العمل بها قوله ' وكان ' أي عمر وقافا مبالغة في واقف ومعناه أنه إذا سمع كتاب الله يقف عنده ولا يتجاوز عن حكمه * -
4643 ح دثنا يحيى حدثنا وكيع عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير خذ العفو وأمر بالعرف قال ما أنزل الله إلا في أخلاق الناس
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: * (خذ العفو وأمر بالعرف) * ويحيى شيخ البخاري مختلف فيه، فقال أبو علي بن السكن: هو يحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكريا السختياني البلخي، يقال له خت، وقال المستملي: هو يحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي، رحمه الله، وهشام هو ابن عروة يروى عن أبيه عروة وعروة يروي عن أخيه عبد الله بن الزبير، وهذا موقوف.
قوله: (خذ العفو)، يعني هذه الآية ما أنزلها الله إلا في أخلاق الناس. وقوله: (قال) معترض بين الجملتين، والضمير المنصوب مقدر في ما أنزل كما قدرناه، ورواه محمد بن جرير عن ابن وكيع عن أبيه بلفظ: ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس، والأخلاق جمع خلق بالضم وهو ملكة تصدر بها الأفعال بلا روية، وقال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، ولعل ذلك لأن المعاملة إما مع نفسه أو مع غيره، والغير إما عالم أو جاهل أو لأن أمهات الأخلاق ثلاث لأن القوى الإنسانية ثلاث: العقلية والشهوية والغضبية، ولكل قوة فضيلة هي وسطها، للعقلية الحكمة وبها الأمر بالمعروف، وللشهوية العفة ومنها أخذ العفو، وللغضبية الشجاعة ومنها: الإعراض عن الجهال.
(وقال عبد الله بن براد حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال أمر الله نبيه
أن يأخذ العفو من أخلاق الناس أو كما قال)
هذا تعليق أخرجه عن عبد الله بن براد وفي التوضيح لم يرو عنه غير هذا التعليق ولعله أخذه عنه مذاكرة وأكثر عنه مسلم مات سنة أربع وثلاثين ومائتين بالكوفة وبراد بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء وهو اسم جده وهو عبد الله بن عامر بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وأبو أسامة حماد بن أسامة وقد تكرر ذكره قيل اختلف في هذا عن هشام فمنهم من وصله منهم الإسماعيلي رواه من حديث الطفاوي عن هشام ومنهم من وقفه منهم معمر وابن أبي الزناد وحماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه من قوله موقوفا * -
243
8
((سورة الأنفال))
أي: هذا بعض تفسير سورة الأنفال وهي مدنية إلا خمس آيات مكية، وهي قوله: * (إن شر الدواب عند الله) * (الأنفال: 22 و 55) إلى آخر الآيتين، وقوله: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * إلى قوله: * (بعذاب أليم) * (الأنفال: 33)، وفيها آية أخرى اختلف فيها، وهي قوله: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * (الأنفال: 30) وقال الحصار في كتابه: * (الناسخ والمنسوخ) *: مدنية باتفاق، وحكى القرطبي عن ابن عباس: مدنية إلا سبع آيات من قوله: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * إلى آخر سبع آيات، وقال مقاتل: مدنية وفيها من المكي: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * إلى آخر الآية، وقال السخاوي: نزلت قبل آل عمران وبعد البقرة وآياتها أربعون وست آيات، وكلماتها ألف كلمة وستمائة كلمة وإحدى وثلاثون كلمة، وحروفها خمسة آلاف ومائتان وأربعة وتسعون حرفا.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر.
1
((باب قوله: * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) * (الأنفال: 1))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال) * إلى آخره، وليس في كثير من النسخ لفظ: باب. قوله: (يسألونك)، يعني: يسألك أصحابك يا محمد عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر لمن هي، فقيل: هي لله ورسوله، وقيل: هي أنفال السرايا، وقيل: هي ما شد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو دابة وما أشبه ذلك، وقيل: هي ما أخذ مما يسقط من المتاع بعد ما تقسم الغنائم فهو نفل لله ورسوله، وقيل: النفل الخمس الذي جعله الله تعالى لأهل الخمس، وقال النحاس: في هذه الآية أقوال فأكثرهم على أنها منسوخة بقوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) * (الأنفال: 41) وقال بعضهم: هي محكمة وللأئمة أن يعملوا بها فينفلوا من شاؤوا إذا كان ذلك صلاح المسلمين، وفي تفسيره مكي: أكثر الناس على أنها محكمة، وممن قاله أيضا ابن عباس. قوله: (فاتقوا الله)، الآية أي: خافوا من الله بترك مخالفة رسوله. قوله: (وأصلحوا ذات بينكم)، أي: أحوال بينكم حتى تكون أحوال ألفة ومحبة، والبين: الوصل كقوله: لقد تقطع بينكم.
* (قال ابن عباس: الأنفال المغانم) *
هذا التعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: الأنفال المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد فيها شيء.
قال قتادة ريحكم الحرب
أشار إلى قوله تعالى: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) * (الأنفال: 8) وفسر قتادة الريح بالحرب، وروى هذا التعليق عبد الرزاق في (تفسيره) عن معمر عنه، وفي التفسير: وتذهب ريحكم أي قوتكم وحدتكم وما كنتم من الاقبال.
يقال نافلة عطية
إنما ذكر هذا استطرادا لأن في معنى الأنفال التي هي المغانم معنى العطية. قال الجوهري: النفل والنافلة عطية التطوع من حيث لا تجب، ومنه نافلة الصلاة، وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة) * (الإسراء: 79) أي: غنيمة.
4645 ح دثني محمد بن عبد الرحيم حدثنا سعيد بن سليمان أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير قال قلت ل ابن عباس رضي الله عنهما سورة الأنفال قال نزلت في بدر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة، وسعيد بن سليمان البغدادي المشهور بسعدويه، وهشيم مصغر الهشم بن بشير الو اسطي، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: جعفر بن أبي وحشية واسمه
244
إياس الواسطي.
قوله: (سورة الأنفال) أي: ما سبب نزول سورة الأنفال؟ قوله: (قال نزلت في بدر) أي: قال ابن عباس: نزلت سورة الأنفال في قضية بدر، وهذا أحد الأقوال وهو ما رواه أحمد بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكثيفة، فأتيت به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إذهب فاطرحه في القبض. قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، قال: فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذهب فخذ سيفك، قلت: الكثيفة، بضم الكاف وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء، والقبض، بفتحتين: بمعنى المقبوض وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن يقسم، وقيل: إنها نزلت هذه الآية لأن بعض الصحابة سأل النبي صلى الله عليه وسلم من المغنم شيئا قبل قسمته فلم يعطه إياه إذ كان شركا بين الجيش، وقال مقاتل: نزلت في أبي اليسر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطنا ما وعدتنا من الغنيمة، وكان قتل رجلين وأسر رجلين: العباس بن عبد المطلب وآخر يقال له سعد بن معاذ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الخمس بعد الأربعة أخماس، فنزلت * (يسألونك) * (الأنفال: 1).
الشوكة الحد
أشار به إلى قوله تعالى: * (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) * (الأنفال: 7) وفسر الشوكة بقوله: (الحد) وفي التفسير: أي تحبون أن الطائفة التي لا حد لها ولا منعة ولا قتال تكون لكم وهي العير، وهذه اللفظة أعني قوله: (الشوكة الحد) لم تثبت لأبي ذر.
مردفين فوجا بعد فوج ردفني وأردفني جاء بعدي
أشار به إلى قوله تعالى: * (إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) * (الأنفال: 9) وفسر مردفين بقوله: فوجا بعد فوج، وعن ابن عباس: مردفين متتابعين، وعنه: المردفون المدد، وعنه: وراء كل ملك ملك، وعنه: بعضهم على إثر بعض، وكذا قال الضحاك وقتادة، وقال ابن جرير: حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثني عبد العزيز بن عمران عن الزمعي عن أبي الحويرث عن محمد ابن جبير عن علي رضي الله عنه، قال: نزل جبريل عليه السلام، وفي ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه، ونزل ميكائيل عليه السلام، في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في الميسرة، وقال ابن كثير: وهذا يقتضي، لو صح إسناده، أن الألف مردوفه بمثلها، ولهذا قرأ بعضهم مردفين، بفتح الدال. قوله: (ردفني وأردفني)، أشار بهذا إلى أن ردف بكسر الدال وأردف بمعنى واحد، قال الطبري: العرب تقول: أردفته وردفته بمعنى، وقال الجوهري: ردفه بالكسر أي تبعه، والردف المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب، وأردفته أنا إذا أركبته معك، وذلك الموضع الذي يركبه رداف، فكل شيء تبع شيئا فهو ردفه، والترادف التتابع.
ذوقوا باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق الفم
أشار به إلى قوله تعالى: * (ذلكم فذوقوه وإن للكافرين عذاب النار) * (الأنفال: 14) وفسر: ذوقوا، بقوله: باشروا وجربوا وهذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو مما يتعلق بالأجسام في المعاني، كما في قوله تعالى: * (فذاقوا وبال أمرهم) * (الحشر: 15 والتغابن: 5) ولهذا قيد بقوله: وليس هذا من ذوق الفم، والضمير المنصوب في: فذوقوه، يرجع إلى العقاب المذكور قبله، وهو قوله: * (فإن الله شديد العقاب) * (البقرة: 211 والأنفال: 13).
فيركمه يجمعه
أشار به إلى قوله: * (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه) * (الأنفال: 37) وفسر: يركمه، بقوله: يجمعه، وكذا فسره أبو عبيدة، فقال: يجمعه بعضه فوق بعض، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن يزيد القراطيسي عن إصبغ عن ابن زيد، والركم جمع الشيء بعضه على بعض، كما قال في السحاب: ثم يجعله ركاما أي: متراكبا، والمعنى: ليميز الله الفريق الخبيث من الكفار من الفريق
245
الطيب من المؤمنين فيجعل الفريق الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا حتى يتراكبوا فيجعله في جهنم، والضمير المنصوب في: فيركمه، يرجع إلى الفريق الخبيث.
شرد فرق
أشار به إلى قوله تعالى: * (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون) * (الأنفال: 57) وفسر لفظ: شرد بقوله: فرق، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال الزجاج: تفعل بهم فعلا من القتل والتفريق، قال: وهو بذال معجمة ومهملة لغتان، وفي التفسير: أي نكل بهم، كذا فسره ابن عيينة، وقال ابن عباس والحسن والضحاك والسدي وعطاء الخراساني: معناه غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم.
وإن جنحوا طلبوا
أشار به إلى قوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لهاوتوكل على الله) * (الأنفال: 61) وفسر: جنحوا، بقوله: طلبوا، وقال أبو عبيدة: أي إن رجعوا إلى المسالمة وطلبوا الصلح، وفي التفسير: أي وإن مالوا إلى المسالمة والمهادنة فاجنح لها أي، مل إليها واقبل منهم ذلك.
يثخن يغلب
أشار به إلى قوله تعالى: * (وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) * (الأنفال: 67) وفسر قوله: يثخن، بقوله: يغلب، وكذا فسره أبو عبيدة، وروى ابن أبي حاتم عن منجاب بن الحارث عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس بلفظ: يظهر على الأرض.
وقال مجاهد مكاء إدخال أصابعهم في أفواههم: وتصدية الصفير
أشار به إلى قوله تعالى: * (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * (الأنفال: 35) وفسر: المكاء، بقوله: إدخال أصابهم في أفواههم، قاله عبد الله بن عمرو ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو رجاء العطاردي ومحمد بن كعب القرظي وحجر بن عنبس ونبيط بن شريط وقتادة بن زيد بن أسلم: المكاء، الصفير وزاد مجاهد: وكانوا يدخلون أصابعهم في أفواههم، والتصدية فسرها البخاري بقوله: الصفير، وكذا فسرها مجاهد رواه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه، وفسره أبو عبيدة بالتصفيق حيث قال: التصدية صفق الأكف، وقال ابن جرير بإسناده عن ابن عمر: المكاء الصفير والتصدية التصفيق، وقال ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس في هذه الآية: كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق.
ليثبتوك ليحبسوك
أشار به إلى قوله عز وجل: * (وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) * (الأنفال: 30) الآية وفسر قوله: (ليثبتوك) بقوله: ليحبسوك، وبه فسر عطاء وابن زيد، وقال السدي: الإثبات هو الحبس والوثاق، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: ليثبتوك ليقيدوك، وقاله سنيد عن حجاج عن ابن جريج، قال عطاء:
سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمر بك؟ قال: يريدون أن يسجروني أو يقتلوني أو يخرجوني، قال: من خبرك بهذا؟ قال: ربي، قال: نعم الرب ربك استوص به خيرا، قال: أنا أستوصي به؟ بل هو يستوصي بي. ورواه ابن جرير أيضا بإسناده إلى عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة نحوه، وقال ابن كثير: ذكر أبي طالب هنا غريب جدا بل منكر لأن هذه الآية مدنية ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل إنما كان ليلة الهجرة سواء، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترؤوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه، واعلم أن هذه الألفاظ وقعت في كثير من النسخ مختلفة بحسب تقديم بعضها على بعض وتأخير بعضها عن بعض.
246
إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون
هذا يعم جميع من أشرك بالله عز وجل من حيث الظاهر وإن كان سبب نزوله خاصا على ما روي عن مجاهد أن المراد بهؤلاء نفر من بني عبد الدار من قريش، وقال محمد بن إسحاق: هم المنافقون، وأخبر الله تعالى عنهم أن هذا الضرب من بني آدم سئ الخلق والخليفة، فقال: إن شر الدواب الصم أي عن سماع الحق إليكم عن فهمه ولهذا قال: لا يعقلون، فهؤلاء شر البرية لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله تعالى فيما خلقها له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا ولهذا شبههم بالأنعام في قوله: * (أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا) * (الأعراف: 179).
4646 ح دثنا محمد بن يوسف حدثنا ورقاء عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون قال هم نفر من بني عبد الدار.
2
((باب: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) * (الأنفال: 24))
(استجيبوا) بمعنى: أجيبوا لله تعالى، يقال: استجبت له وأجبته، والاستجابة هنا بمعنى الإجابة. قوله: (إذا دعاكم) أي: إذا طلبكم. قوله: الآية أي: الآية بتمامها، وهي قوله: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنكم إليه تحشرون)، وفي بعض النسخ ذكر من قوله: * (يا أيها الذين آمنوا) * إلى قوله: * (تحشرون) * قوله: (يحول بين المرء وقلبه) قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الإيمان، رواه الحاكم في: (مستدركه) موقوفا، وقال: صحيح ولم يخرجاه، ورواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا ولا يصح لضعف إسناده، والموقوف أصح، وعن مجاهد: يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل، وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.
استجيبوا أجيبوا لما يحييكم يصلحكم
قد مر الآن أن: استجيبو، بمعنى أجيبوا، وكذا قال أبو عبيدة. قوله: (لما يحييكم) فسره بقوله: يصلحكم، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال مجاهد: لما يحييكم للحق، وقال قتادة: هو هذا القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة، وقال السدي: لما يحييكم في الإسلام بعد موتهم بالكفر، وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر ابن الزبير عن عروة بن الزبير: إذا دعاكم لما يحييكم، أي: للحرب التي أعزكم بها بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
4647 ح دثني إسحاق أخبرنا روح حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمان سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال كنت أصلي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال ما منعك أن تأتى ألم يقل الله * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم، ثم قال لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرت له) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق كذا وقع في غالب النسخ غير منسوب، وفي نسخة مروية عن طريق أبي ذر: إسحاق ابن إبراهيم هو ابن راهويه، وذكر أبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي أنه إسحاق بن منصور، وكذا نص عليه الحافظ
247
المزي في (الأطراف)، وروح، بفتح الراء ابن عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة، وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى وسكون الياء آخر الحروف الخزرجي، وأبو سعيد اسمه حارث أو رافع أو أوس بن المعلى بلفظ اسم المفعول من التعلية بالمهملة الأنصاري.
والحديث مضى في تفسير سورة الفاتحة فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن شعبة إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (أعظم سورة) أي في الثواب على قراءتها وذلك لما يجمع هذه السورة من الثناء والدعاء والسؤال. قوله: (قبل أن أخرج)، أي: من المسجد، وبه صرح في الحديث الذي مضى في تفسير الفاتحة. قوله: (فذكرت له)، أي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، وفي الذي مضى في تفسير الفاتحة قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: (الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته).
وقال معاذ حدثنا شعبة عن خبيب سمع حفصا سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهاذا وقال هي الحمد لله رب العالمين السبع المثاني.
هذا تعليق رواه معاذ بن معاذ العنبري بسكون النون وفتح الباء الموحدة عن شعبة بن الحجاج عن خبيب بن عبد الرحمن المذكور في الحديث الماضي عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبي سعيد بن المعلى، ووصله الحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة إلى آخره، وفائدة إيراد هذا التعليق ما وقع فيه من تصريح سماع حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى. قوله: (رجلا)، بدل من أبي سعيد. قوله: (بهذا)، أي: بهذا الحديث المذكور. قوله: (وقال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم هي أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين السبع المثاني بدل قوله: (رب العالمين)، أو عطف بيان وهي سبع آيات وسميت بالمثاني
لأنها تئني في الصلاة، والمثاني من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة تتكرر في الصلاة، أو من الثناء لاشتمالها على الثناء على الله تعالى.
3
((باب: * (وإذ قالوا اللهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * (الأنفال: 32))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وإذ قالوا اللهم) * الآية، وليس في بعض النسخ ذكر لفظ: باب، وفي رواية أبي ذر: * (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر) * الآية. قوله: (وإذ قالوا) أي: ذكر حين قالوا ما قالوا، والقائلون هم كفار قريش مثل النضر بن الحارث وأبي جهل وإضرابهما من الكفرة الجهلة وذلك من كثرة جهلهم وعتوهم وعنادهم وشدة تكذيبهم. قوله: (هذا هو الحق) أرادوا به القرآن، وقيل: أرادو به نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأمطر علينا حجارة من السماء)، إنما قالوا هذا القول لشبهة تمكنت في قلوبهم ولو عرفوا بطلانها ما قالوا مثل هذا القول مع علمهم بأن الله قادر على ذلك، فطلبوا إمطار الحجارة إعلاما بأنهم على غاية الثقة في أن أمره صلى الله عليه وسلم ليس بحق، وإذا لم يكن حقا لم يصبهم هذا البلاء الذي طلبوه.
قال ابن عيينة ما سمى الله تعالى مطرا في القرآن إلا عذابا وتسميه العرب الغيث وهو قوله تعالى: * (ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) * (الشورى: 28)
أي: قال سفيان بن عيينة إلى آخره، وهكذا هو في تفسيره رواه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه. قوله: (إلا عذابا)، فيه نظر لأن المطر جاء في القرآن بمعنى الغيث في قوله تعالى: * (إن كان بكم أذى من مطر) * (النساء: 102) فالمراد به هنا المطر قطعا ومعنى التأذي به البلل الحاصل منه والوحل وغير ذلك. قوله: (وتسميه العرب) إلى آخره، من كلام ابن عيينة، وقال الجوهري: المطر واحد الأمطار، ومطرت السماء تمطر مطرا، وأمطرها الله وقد مطرنا، وناس يقولون: مطرت السماء وأمطرت بمعنى، وقال أبو عبيدة: إذا كان من العذاب فهو أمطرت، وإن كان من الرحمة فهو ومطرت.
248
4648 ح دثني أحمد حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد الحميد هو ابن كرديد صاحب الزيادي سمع أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو جهل اللهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فنزلت: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) * (الأنفال: 33 34).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد هذا ذكر كذا غير منسوب في جميع الروايات، وقد جزم الحاكم أبو أحمد والحاكم أبو عبد الله أنه ابن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري، وقال الحافظ المزي أيضا هو أحمد بن النضر أخو محمد وهما من نيسابور. قلت: الآن يأتي في عقيب الحديث المذكور رواية البخاري عن محمد بن النضر هذا وهما من تلامذة البخاري وإن شاركوه في بعض شيوخه وليس لهما في البخاري إلا هذا الموضع، وعبيد الله بن معاذ يروي عن أبيه معاذ بن معاذ بن حسان أبو عمر العنبري التميمي البصري، وعبد الحميد بن دينار والبصري. وقال عمرو بن علي هو عبد الحميد بن واصل وهو تابعي صغير وقد وقع في نسختنا عبد الحميد بن كرديد، بضم الكاف وكسرها وسكون الراء وكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال أخرى، ولم أر أحدا ذكره ولا التزم أنا بصحته، والزيادي، بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف نسبة إلى زياد بن أبي سفيان.
والحديث أخرجه مسلم في ذكر المنافقين والكفار عن عبيد الله نفسه عن أبيه عن شعبة، والبخاري أنزل درجة منه.
قوله: (قال أبو جهل)، اسمه عمرو بن هشام المخزومي وظاهر الكلام أن القائل بقوله اللهم إلى آخره هو أبو جهل، وروى الطبراني من طريق ابن عباس أن القائل بهذا هو النضر بن الحارث، وكذا قاله مجاهد وعطاء والسدي، ولا منافاة في ذلك لاحتمال أن يكون الاثنان قد قالاه، وقال بعضهم: نسبته إلى أبي جهل أولى. قلت: لا دليل على دعوى الأولوية بل لقائل أن يقول: نسبته إلى النضر بن الحارث أولى، ويؤيده أنه كان ذهب إلى بلاد فارس وتعلم من أخبار ملوكهم رستم واسفنديار لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قد بعثه الله وهو يتلو على الناس القرآن. فكان إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلس جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك ثم يقول: أينا أحسن قصصا أنا أو محمد، ولهذا لما أمكن الله صلى الله عليه وسلم منه يوم بدر ووقع في الأسارى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ففعل ذلك، وكان الذي أسره المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه. قوله: (إن كان هذا هو الحق) اختلف أهل العربية في وجه دخول هو في الكلام فقال بعض البصريين: هو صلة في الكلام للتوكيد، والحق، منصوب لأنه خبر كان، وقال بعضهم: الحق مرفوع لأنه خبر هو وقال الزمخشري: وقرأ الأعمش: هو الحق، بالرفع على أن هو مبتدأ غير فصل، وهو في القراءة الأولى فصل. قوله: (فنزلت) * (وما كان الله ليعذبهم) * الآية إنما قال: فنزلت، بالفاء لأنها نزلت عقيب قولهم: إن كان هذا هو الحق وذلك أنهم لما قالوا ذلك ندموا على ما قالوا، فقالوا غفرانك اللهم، فأنزل الله تعالى: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * الآية. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: في هذه الآية ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم، وقال ابن عباس: كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار. قوله: (ليعذبهم) أي: لأن يعذبهم. قوله: (وأنت فيهم). الواو وفيه للحال وكذا الواو في: وهم يستغفرون. قوله: (وما لهم أن لا يعذبهم الله) الآية. قال ابن جرير بإسناده إلى أن ابن أبزى. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة فأنزل الله تعالى: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة فأنزل الله: * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * قال وكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوافيها مستضعفين يعني بمكة ولما خرجوا أنزل الله: * (وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) * وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس: * (وما كان الله معذبهم
249
وهم يستغفرون) * ثم استثنى أهل الشرك. فقال: * (وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) * (الأنفال: 33) أي: وكيف لا يعذبهم الله أي
الذين بمكة وهم يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة عنده والطواف؟ ولهذا قال: * (وما كانوا أولياءه) * (الأنفال: 34) أي: هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه قوله: * (إن أولياؤه إلا المتقون) * أي: إلا الذين اتقوا. قال عروة والسدي ومحمد بن إسحاق هم النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، رضي الله تعالى عنهم. وقال مجاهد: المتقون من كانوا وحيث كانوا.
4
((باب قوله: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * (الأنفال: 33))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وما كان الله ليعذبهم) * الآية. وذكر هذا الباب مع ذكر هذا الحديث ترجمة ليس لها زيادة فائدة لأن الآية بعينها مذكورة فيما قبلها، وكذلك الحديث بعينه مذكور بالإسناد المذكور بعينه غير أن شيخه هناك أحمد بن النضر، وشيخه هنا أخوه محمد بن النضر، وإنما وضع الباب للترجمة وذكر الحديث بعينه ليعلم أنه روى هذا الحديث عن شيخين وهما أخوان، وبدون هذا كان يعلم ما قصده، وقال الحاكم: بلغني أن البخاري كان ينزل عليهما أو يكثر السكون عندهما إذا قدم نيسابور.
4649 ح دثنا محمد بن النضر حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي سمع أنس بن مالك قال قال أبو جهل اللهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) * الآية.
مر الكلام فيه عن قريب.
5
((باب: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * (الأنفال: 39))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وقاتلوهم) * الآية. ولم يثبت لفظ: باب: ألا في رواية أبي ذر، وقد أمر الله المؤمنين بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة، وقال الضحاك عن ابن عباس: حتى لا يكون شرك، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم. وقال محمد بن إسحاق بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا حتى لا يفتن مسلم عن دينه. قوله: (ويكون الدين كله لله) أي: يخلص التوحيد لله وقال الحسن وقتادة وابن جريج أن يقول لا إلاه إلا الله، وقال محمد بن إسحاق: يكون التوحيد خالصا لله ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يكون مع دينكم كفر.
4650 ح دثنا الحسن بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن يحيى حدثنا حيوة عن بكر بن عمرو عن بكير عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاءه فقال يا أبا عبد الرحمان ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * إلى آخر الآية فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه فقال يا ابن أخي أغتر بهاذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أغتر بهاذه الآية التي يقول الله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا إلى آخرها قال فإن الله يقول وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال ابن عمر قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه
250
وسلم إذ كان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلوه وإما يوثقوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد قال فا قولك في علي وعثمان قال ابن عمر ما قولي في علي وعثمان أما عثمان فكان الله قد عفا عنه فكرهتم أن يعفو عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده وهاذه ابنته أو بيته حيث ترون.
مطابقته للترجمة في قوله: (فإن الله يقول: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) *) (الأنفال: 39) والحسن بن عبد العزيز الجروي، بفتح الجيم وسكون الراء وبالواو، وقد مر في الجنائز، وعبد الله بن يحيى المعافري، بفتح الميم والعين المهملة وكسر الفاء وبالراء البرالسي يكنى أبا يحيى صدوق أدركه البخاري ولكن روى عنه هنا بالواسطة وفي تفسير سورة الفتح فقط، وحيوة بن شريح، بضم الشين المعجمة وفتح الراء وفي آخره حاء مهملة، وقد أمعن الكرماني في ضبطه، فقال: شريح مصغر الشرح بالمعجمة والراء وبالمهملة، وبكر بفتح الباء الموحدة ابن عمرو المعافري من أهل مصر، وبكير بضم الباء الموحدة مصغر بكر ابن عبد الله الأشج، والحديث مر بوجه آخر في تفسير سورة البقرة في: باب: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * ومضى الكلام فيه هنالك.
قوله: (أن رجلا)، هو حبان صاحب الدثنية. قاله سعيد بن منصور، وقال أبو بكر النجار، هو الهيثم بن حنش وعن أحمد بن يونس، هو شخص يقال له حكيم، وقيل: نافع بن الأزرق. قوله: (أن لا تقاتل)، كلمة لا زائدة كما في قوله: * (ما منعك أن لا تسجد) * (الأعراف: 12) وكان لم يقاتل أصلا في الحروب التي جرت بين المسلمين لا في صفين ولا في وقعة الجمل ولا في محاصرة ابن الزبير وغيرها. قوله: (اغتر)، من الاغترار بالمعجمة والراء المكررة أي: تأويل هذه الآية أحب إلي من تأويل الآية الأخرى التي فيها تغليظ شديد وتهديد عظيم، والحاصل أن السائل كان يرى قتال من خالف الإمام الذي يعتقد طاعته، وكان ابن عمر يرى ترك القتال فيما يتعلق بالملك، والظاهر أن السائل كان هذا من الخوارج فإنهم كانوا يتولون الشيخين ويخطؤن عثمان وعليا فرد عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتذار عما عابوا به عثمان من الفرار يوم أحد وغاب عن بدر وعن بيعة الرضوان. قوله: (إذ كان)، أي: حين كان. قوله: (يفتن في دينه)، على صيغة المجهول. قوله: (يقتلوه)، حذف النون منه بلا جازم ولا ناصب، وهي لغة وكذلك يوثقوه، وقال صاحب (التوضيح) إما يقتلونه وإما
يوثقونه، هذا هو الصواب، ورواية يقتلوه ويوثقوه، غير صواب لأن: إما هنا عاطفة مكررة وإنما تجزم إذا كانت شرطا. قلت: لا تسلم أنه غير صواب بل هو صواب كما ذكرناه لأنه لغة لبعض العرب وهي فصيحة، وكون: إما تتضمن معنى الشرط ليس بمجمع عليه. قوله: (وهذه ابنته أو بيته)، بالشك في رواية الأكثرين، وكذا قال الكشميهني بالشك ولكن قال: أو أبيته، بصيغة جمع القلة في البيت وهو شاذ وهذه أنث باعتبار البقعة. قوله: (ترون)، أي: بين حجر النبي صلى الله عليه وسلم وبين قربه صلى الله عليه وسلم مكانا ومكانة.
4651 ح دثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا بيان أن وبرة حدثه قال حدثني سعيد بن جبير قال خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال رجل كيف ترى في قتال الفتنة فقال وهل تدري ما الفتنة كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو مختصر منه، ويحتمل أن يكونا واقعتين وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي وقد نسب إلى جده، وزهير هو ابن معاوية، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون ابن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين ووبرة، بفتح الواو
251
وسكون الباء الموحدة وفتحها وبالراء: ابن عبد الرحمن المسلمي، بضم الميم وسكون السين المهملة وباللام. الحارث من مذحج.
6
((باب: * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) * (الأنفال: 6))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (يا أيها النبي) * الآية. ولم يذكر لفظ باب، عند أحد من الرواة، وسياق الآية إلى (يفقهون) غير أبي ذر، وعنده: * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) * الآية. قوله: (حرض المؤمنين)، من التحريض وهو الحث على الشيء. قوله: (وإن يكن منكم مائة)، أي: صابرة محتسبة تثبت عند لقاء العسكر. قوله: (قوم لا يفقهون) أي: إن المشركين يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب.
4652 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت: * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فقال سفيان غير مرة أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت: * (الآن خفف الله عنكم) * (الأنفال: 66) الآية فكتب أن لا يفر مائة من مائتين وزاد سفيان مرة نزلت: * (حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون) * قال سفيان وقال ابن شبرمة وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. والحديث من أفراده.
قوله: (فكتب عليهم) أي: فرض عليهم. والآية وإن كانت بلفظ الخبر ولكن المراد منه الأمر فلذلك دخلها النسخ لأنه لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين فهو على هذا تخفيف لا نسخ. وقال القاضي أبو بكر بن الطيب أن الحكم إذا نسخ بعضه أو بعض أوصافه أو غير عدده فجائز أن يقال: إنه نسخ لأنه حينئذ ليس بالأول بل هو غيره، وقال قوم: إنه كان يوم بدر، قال ابن العربي: وهو خطأ، وقد نص مقاتل على أنه كان بعد بدر، والآية معلقة بأنهم كانوا يفقهون ما يقاتلون به وهو الثواب، والكفار لا يفقهونه. وقيل: أنهم كانوا في أول الإسلام قليلا فلما كثروا خفف، ثم هذا في حقنا، وأما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب عليه مصابرة العدو الكثير لأنه موعود بالنصر كامل القوة. قوله: (وقال سفيان غير مرة) أراد به أن سفيان كان يرويه بالمعنى. فتارة يقول باللفظ الذي وقع في القرآن محافظة على التلاوة وهو الأكثر، وتارة يرويه بالمعنى، وهو: أن لا يفر واحد من عشرة، ويحتمل أن يكون سمعه باللفظين ويكون التأويل من غيره. قوله: (ثم نزلت أي) الآية التي هي قوله: * (الآن خفف الله عنكم) * قوله: (وزاد سفيان) أشار به إلى أنه حدث مرة بالزيادة ومرة بدونها. قوله: (وقال ابن شبرمة) بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وضم الراء، واسمه عبد الله التابعي قاضي الكوفة وعالمها مات سنة أربع وأربعين ومائة، وقال صاحب (التلويح) هذا التعليق رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري عن سفيان. قال: قال ابن شبرمة، فذكره ومعناه أن لا يفر من اثنين إذا كانا على منكر وله أن يفر إذا كان الذي على المنكر أكثر منهما. قيل: وهم من زعم أنه معلق قال في رواية ابن أبي عمر عن سفيان عند أبي نعيم في (المستخرج) قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله. قوله: (مثل هذا) أي: مثل الحكم المذكور في الجهاد ووجه الجامع بينهما أعلاه كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل.
7
((باب الآن: * (خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) * (الأنفال: 66) الآية))
252
أي: هذا باب في قوله تعالى: الآن خفف الله عنكم) * الآية. وهذا المقدار هو في رواية أبي ذر، وعند غيره إلى قوله: * (والله مع الصابرين) * (الأنفال: 46) قوله: (الآن) اسم للوقت الذي أنت فيه، وهو ظرف غير منكر وقع معرفة ولم يدخل الألف واللام عليه للتعريف لأنه ليس له ما يشركه قوله: (ضعفا) بفتح الضاد وقرئ بضمها وقرأ أبو جعفر: ضعفاء جمع ضعيف والضعف في العدد في قول أكثر العلماء وقيل: في القوة والجلد.
4653 ح دثنا يحيى بن عبد الله السلمي أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا جرير بن حازم قال أخبرني الزبير بن خريث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت: * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * (الأنفال: 66) شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف فقال: * (الآن خفف الله عنكم وعلم إن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) * قال فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن عبد الله السلمي، بضم السين المهملة وفتح اللام، ويقال له: خاقان البلخي، وجرير، بفتح الجيم: ابن حازم بالحاء المهملة والزاي، والزبير بضم الزاي ابن الحريث، بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق، البصري من صغار التابعين والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد عن أبي توبة الربيع بن نافع. قوله: (من الصبر)، ووقع في رواية وهب بن جرير عن أبيه عند الإسماعيلي نقص من النصر، وهذا القول من ابن عباس توقيف في الظاهر، ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء، والله أعلم.
9
((* (سورة براءة) *))
أي: هذه سورة براءة يعني: في بيان بعض تفسيرها، وسيأتي معنى براءة، عن قريب إن شاء الله تعالى. وقال أبو الحسن بن الحصار: هي مدنية باتفاق. وقال مقاتل: إلا آيتين من آخرها * (لقد جاءكم) * (التوبة: 128) إلى آخرها نزلت بمكة، وقيل: فيها اختلاف في أربع عشرة آية، وهي عشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانون حرفا وألفان وأربعمائة وسبع وتسعون كلمة، ومائة وثلاثون آية مدني وبصري وشامي ومكي، ومائة وعشرون وتسع كوفي، ولها ثلاثة عشر اسما اثنان مشهوران (براءة)، و (التوبة) و (سورة العذاب) و (والمقشقشة) لأنها تقشقش عن النفاق أي: تبرىء، وقيل: من تقشقش المريض إذا برأ (والبحوث) لأنها تبحث عن سرائر المنافقين و (الفاضحة) لأنها فضحت المنافقين و (المبعثرة) لأنها بعثرت أخبار الناس وكشفت عن سرائرهم و (المثيرة) لأنها أثارت مخازي المنافقين و (الحافرة) لأنها حفرت عن قلوبهم و (المشردة) لأنها تشرد بالمنافقين و (المخزية) لأنها تخزي المنافقين و (المنكلة) لأنها تتكلم و (المدمدمة) لأنها تدمدم عليهم. واختلف في سبب سقوط البسملة من أولها. فقيل: لأن فيها نقض العهد والعرب في الجاهلية كانوا إذا نقض العهد الذي كان بينهم وبين قوم لم يكتبوا فيه البسملة، ولما نزلت براء بنقض العهد قرأها عليهم علي، رضي الله تعالى عنه، ولم يبسمل جريا على عادتهم، وقيل: لأن عثمان، رضي الله تعالى عنه، قال: كانت الأنفال من أوائل ما نزل وبراءة من آخره، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثمة قرنت بينهما ولم أكتب بينهما البسملة، رواه الحاكم وصححه، وقيل: لما سقط البسملة معه، روي عن عثمان أيضا وقاله مالك في رواية ابن وهب وابن القاسم، وقال ابن عجلان: بلغني أن براءة كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها فلذلك لم تكتب البسملة، وقيل: لما كتب المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة. فقال بعضهم: براءة والأنفال سورة واحدة، وقال بعضهم: هما سورتان، فترك بينهما فرجة لقول من لم يقل إنهما سورة واحدة، وبه قال: خارجة وأبو عصمة وآخرون، وقيل: روى الحاكم في (مستدركه) عن ابن عباس، قال: سألت عليا رضي الله تعالى عنه، عن ذلك فقال: لأن البسملة أمان وبراءة
253
نزلت بالسيف ليس فيها أمان. قال القشيري: والصحيح أن البسملة لم تكتب فيها لأن جبريل عليه السلام، ما نزل بها فيها، وروى الثعلبي عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نزل علي القرآن إلا آية آية وحرفا حرفا خلا براءة وقل هو الله أحد فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألفا من الملائكة).
مرصد طريق
أشار به إلى قوله تعالى: * (واقعدوا لهم كل مرصد) * (التوبة: 5) أي: على كل طريق ويجمع على مراصد، وهي الطرق. قوله لهم: أي للكفار المشركين ولم تقع هذه اللفظة إلا في بعض النسخ.
((باب وليجة كل شيء أدخلته في شيء))
لم يثبت لفظ باب: في كثير من النسخ ولا ثبت لفظ وليجة في رواية أبي ذر، ولا الذي قبله، وأشار به إلى قوله تعالى: * (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعلمون) * (التوبة: 16) وفسر: وليجة بقوله: كل شيء أدخلته في شيء وروى كذلك عن الربيع قال ابن أبي حاتم، حدثنا كثير بن شهاب القزويني حدثنا محمد يعني ابن سعيد حدثنا أبو جعفر عنه، وفي التفسير، وليجة أي: بطانة ودخيلة، يعني الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله. ولا المؤمنين وليجة أي: بطالة بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله.
الشقة السفر
أشار به إلى قوله عز وجل: * (لو كان عرضا قريبا وسفرا فاسدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة) * (براءة: 42) وفسر الشقة بالسفر. وروي كذلك عن ابن عباس، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عنه، وفي التفسير * (لو كان عرضا قريبا) * أي: الغنيمة قريبة * (وسقرا قاصدا لاتبعوك) * أي: لكانوا معك لذلك * (ولكن بعدت عليهم الشقة) * أي: المسافة إلى الشام.
الخبال الفساد والخبال الموت
أشار به إلى قوله تعالى: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) * (التوبة: 47) وفسر الخبال بالفساد، وكذا فسره أبو عبيدة، والخبال في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، من خبله يخبله خبلا بسكون الباء وبفتحها الجنون. قوله: (والخبال الموت)، كذا وقع في جمع الروايات قيل: الصواب الموتة بضم الميم وبالهاء في آخره، وقال الجوهري: الموتة بالضم جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالنائم والسكران.
ولا تفتني لا توبخني
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) * (التوبة: 47) وفسر قوله: لا توبخني، من التوبيخ بالباء الموحدة والخاء المعجمة، وفي وراية المستملي والجرجاني: لا توهني، بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف وفي رواية ابن السكن: لا تؤتمني بالتاء المثلثة الثقيلة وسكون الميم من الإثم قال عياض: وهو الصواب، وكذا وقع في كلام أبي عبيدة، والآية نزلت في جد ابن قيس المنافق قال له صلى الله عليه وسلم: هل لك في جلاد بني الأصفر يعني الروم تتخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال: ائذن لي في القعود عنك ولا تفتني بذكر النساء فقد علم قومي أني مغرم بهن وأني أخشى أن لا أصبر عنهن، وقال ابن عباس: اعتل جد ابن قيس بقوله: ولا تفتني، ولم يكن له علة إلا النفاق. قال تعالى: * (إلا في الفتنة سقطوا) * يعني: إلا في الإثم سقطوا.
كرها وكرها
أشار به إلى قوله تعالى: * (قل اتفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم) * وأشار بأن فيه لغتين فتح الكاف وضمها فبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي، وقرأ الباقون بالفتح، والمعنى: قل يا محمد انفقوا طائعين أو مكرهين
254
لن يتقبل منكم أنكم كنتم قوما فاسقين، وبين الله سبب ذلك بقوله: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم) * (التوبة: 54) الآية.
مدخلا يدخلون فيه
أشار به إلى قوله تعالى: * (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا) * والمعنى: لو يجدون حصنا يتحصنون به، وحرزا يحترزون به. أو مغارات وهي الكهوف في الجبال أو مدخلا وهو السرب في الأرض وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يحلفون بالله أنهم لمنكم يمينا مؤكدة وما هم منكم في نفس الأمر إنما يخالطونكم كرها لا محبة.
يجمحون يسرعون
أشار به إلى قوله تعالى: * (لولوا إليه وهم يجمحون) * وفسره بقوله: يسرعون، وهو آخر الآية المذكورة الآن يعني: في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرها لا محبة وودوا أنهم لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام.
والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأصحاب مدين والمؤتفكات اتتهم رسلهم بالبينات) * (براءة: 70) وفسر المؤتفكات بقوله: ائتفكت انقلبت بها الأرض وهم قوم لوط، وفي التفسير: والمؤتفكات قرى قوم لوط، عليه السلام، وكانوا يسكنون في مدن وأمها سدوم وأهلكهم الله عن آخرهم بتكذيبهم نبي الله لوطا عليه السلام، وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين، وأصله من أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه عن الشيء. وقلبه، وأفك فهو مأفوك والآفكة العذاب الذي أرسله الله على قوم لوط فقلب بها ديارهم، والبلدة مؤتفكة وتجمع على مؤتفكات.
أهوى ألقاه في هوة
هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم ذكرها هنا البخاري استطرادا لقوله: والمؤتفكة أهوى، والهوة بضم الهاء وتشديد الواو وهو المكان العميق.
عدن خلد عدنت بأرض أي أقمت ومنه معدن ويقال في معدن صدق في منبت صدق.
أشار به إلى قوله تعالى: * (جنات عدن) * (التوبة: 72) وفسر قوله عدن، بقوله: خلد، بضم الخاء وسكون اللام وهو دوام البقاء، يقال: خلد الرجل يخلد خلودا من باب نصر ينصر. قوله: عدنت بأرض، أي: أقمت بها لأنها من العدن وهو الإقامة، يقال: عدن بالمكان يعدن عدنا من باب نصر ينصر، إذا لزمه ولم يبرح به قوله: ومنه معدن. أي: ومن عدن اشتقاق معدن وهو الموضع الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك، قوله: ويقال في معدن صدق، يعني: يقال فلان في معدن صدق إذا كان مستمرا عليه ولا يبرح عنه كأنه صار معدنا للصدق. قوله: في منبت صدق، بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة، اسم لموضع النبات، ويقال: لمكان يستقر فيه النبت هذا منبت صدق، وقالوا في تفسير قوله تعالى: * (في مقعد صدق) * (القمر: 55) أي: مكان مرضي، والصدق هنا كناية عن استمرار الرضا فيه.
الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في العابرين ويجوز أن يكون النساء من الخالفة.
أشار بقوله الخوالف: إلى قوله تعالى: * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) * (التوبة: 87) هذه الآية وما قبلها في قضية غزوة تبوك، وذلك أنهم لما أمروا بغزوة تبوك تخلفت جماعة منهم من بين الله عذرهم بقوله: * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) * إلى قوله: * (ألا يجدوا ما ينفقون) * (التوبة: 91) ونفى الله تعالى عنهم الملامة، ثم رد الله على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء وأنبهم بقوله: * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) * أي: مع النساء الخوالف في الرجال * (طبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) * قوله: الخالف الذي خلفني فقعد بعدي: إشارة إلى تفسير الخالف، وهو الذي يقعد بعد الشخص في رحله ويجمع على خالفين كما في قوله تعالى: * (فاقعدوا مع الخالفين) * (التوبة: 83) قال ابن عباس: أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة ولا يجمع الخالف على الخالفين لأن جمع النساء
255
لا يكون بالياء والنون. فإن قلت: روي عن قتادة في قوله تعالى: * (فاقعدوا مع الخالفين) * قال أي: النساء. قلت: رد عليه ابن جرير بما ذكرنا ورجح عليه قول ابن عباس، وكان الكرماني أخذ قول قتادة فقال: قوله الخوالف جمع الخالف أي: مع المتخلفين ثم قال: ويجوز أن يكون المراد جمع النساء فيكون جمع خالفة، وهذا هو الظاهر لأن فواعل جمع فاعلة، ولم يوجد في كلامهم إلا لفظان فوارس وهوالك. قلت: جاء سابق وسوابق وناكس ونواكس وداجن ودواجن، ومن الأسماء عازب
وعوازب وكاهل وكواهل وحاجة وحوائج وعائش وعوائش للدخان، والحاصل أن المراد من الخوالف النساء المتخلفات، وقيل: أخساه الناس. قوله: (ومنه يخلفه في الغابرين)، أي: ومن هذا لفظ يخلفه في الغابرين، هذا دعاء لمن مات له ميت اللهم اخلفه في الغابرين، أي: في الباقين من عقبه، وفي مسلم من حديث أم سلمة اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، وقال النووي في شرحه أي: الباقين، كقوله تعالى: * (إلا امرأته كانت من الغابرين) * (الأعراف: 83) قلت: لفظ غبر، يستعمل في الماضي والمستقبل فهو من الأضداد والفرق في المعنى بالقرينة. قوله: (ويجوز أن يكون النساء من الخالفة) إنما يجوز ذلك إذا كان يجمع مع الخالفة على خوالف وأما على ما يفهم من صدر كلامه أن الخالف يجمع على خوالف فلا يجوز على ما نبهنا عليه من قريب، وإنما الخالف يجمع على الخالفين بالياء والنون فافهم.
وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك.
فيه نظر من وجهين: أحدهما: أن المفهوم من صدر كلامه أن خوالف جمع خالف وهنا ذكره بالشك أنه إذا كان خوالف جمع المذكر فإنه لم يوجد إلى آخره. والآخر: في ادعائه أن لفظ فاعل لا يجمع على فواعل إلا في لفظين: أحدهما: فارس، فإنه يجمع على فوارس. والآخر: هالك فإنه يجمع على هوالك، وقد ذكرنا ألفاظا غيرهما أنها على وزن فاعل قد جمعت على فواعل ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع كما هو حقه، وقد حررناه فلله الحمد.
الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) * وذكر أن واحدة الخيرات خيرة. ثم فسر الخيرات بالفواضل وفي التفسير: أولئك لهم الخيرات. أي: في الدار الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى.
مرجؤون مؤخرون
لم يثبت هذا في رواية أبي ذر، وأشار به إلى قوله تعالى: (وآخرون مرجؤون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم)، (التوبة: 106) وفسر مرجؤون، بقوله: مؤخرون أي: يؤخرون لأمر الله ليقضي الله فيهم ما هو قاض، ومرجؤون من أرجأت الأمر وأرجيته بهمز وبغيره وكلاهما بمعنى التأخير، ومنه المرجئة. وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. أي: آخره عنهم، والمرجئة بهمز ولا تهمز، فالنسبة من الأول مرجىء ومن الثاني مرجي، والمراد من قوله تعالى: * (وآخرون مرجؤون) * الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، وهم: مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والخفض وطيب الثمار والظلال، لا شكا ونفاقا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وآخرون.
الشفاشفي وهو حده
أشار به إلى قوله تعالى: * (أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار) * (التوبة: 109) فسر الشفا بقوله شفير، ثم قال: وهو حده أي: طرفه، وفي رواية الكشميهني وهو حرفه.
والجرف ما تجرف من السيول والأودية هار هائر
أشار به إلى قوله تعالى: * (شفا جرف هار) * (التوبة: 109) ثم فسره الجرف بقوله: ما تجرف من السيول وهو الذي ينحفر
256
بالماء فيبقى واهيا، وفسر قوله: هار، بقوله: هائر، يقال: تهورت البئر إذا انهدمت وانهار مثله، وفيه إشارة أيضا إلى أن لفظ: هار، مقلوب من هائر ومعلول إعلال قاض، وقيل: لا حاجة إليه بل أصله: هور وألفه ليست بألف فاعل وإنما هي عينه وهو بمعنى: ساقط.
لأواه شفقا وفرقا
أشار به إلى قوله تعالى: * (إن إبراهيم لأواه حليم) * (التوبة: 114) والأواه المتأوه المتضرع، وهو على وزن فعال، بالتشديد، وقال سفيان وغير واحد. عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال: الأواه الدعاء، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام، قال: الأواه المتضرع الدعاء، وعن مجاهد وأبي ميسرة عمرو بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة أنه الرحيم أي: لعباد الله، وعن عكرمة عن ابن عباس، قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة، وكذا قال الضحاك، وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عباس، الأواه المؤمن التواب، وقال سعيد بن جبير والشعبي: الأواه المسبح، وقال شفي ابن مانع عن أبي أيوب: الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها، وروى ابن جرير بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، دفن ميتا فقال: رحمك الله إن كنت لأواها يعني: تلاء للقرآن. قوله: (شفقا) أي: لأجل الشفقة ولأجل الفرق، وهو الخوف، وهذا كان في إبراهيم، عليه السلام، لأنه كان حليما عمن ظلمه وخائفا من عظمة الله تعالى ومن كثرة حلمه وشدته أنه استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله: * (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) * (مريم: 46).
وقال الشاعر:
* إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
*
كأنه يحتج بهذا البيت على أن لفظ: أواه، على وزن فعال من التأوه، وقال الجوهري: أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال: أوه، والاسم منه الآهة بالمد. ثم قال:
قال المثقب العبدي: إذا ما قمت إلى آخره، ويروى أهة، تشديد الهاء من قولهم: أه أي توجع. قلت: فلذلك قال أكثر الرواة آهة بالمد والتخفيف، وروى الأصيلي: أهة بلا مد وتشديد الهاء، وقد نسب الجوهري البيت المذكور إلى المثقب العبدي، بتشديد القاف المفتوحة، وزعم بعضهم بكسر القاف، والأول أشهر وسمي المثقب بقوله:
* أرين محاسنا وكنن أخرى
* وثقبن الوصاوص للعيون
*
قوله: كنن أي: سترن، والوصاوص، جمع وصواص وهو البرقع الصغير، وهكذا فسره الجوهري ثم أنشد هذا البيت، واسم المثقب، جحاش عائذ بن محصن بن ثعلبة بن وائلة بن عدي بن زهر بن منبه بن بكرة بن لكز بن أفصى بن عبد القيس، قال المرزباني: وقيل: اسمه شاس بن عائذ بن محصن، وقال أبو عبيدة وأبو هفان اسمه شاس ابن نهار، والبيت المذكور من قصيدة من المتواتر وهي طويلة وأولها قوله:
* أفاطم قبل بينك متعبني
* ومنعك ما سألت كأن تبيني
*
* فلا تعدي مواعد كاذبات
* تمر بها رياح الصيف دوني
*
* فإني لو تخالفني شمالي
* لما اتبعتها أبدا يميني
*
* إذا لقطعتها ولقلت: بيني
* لذلك اجتوى من يجتويني
*
إلى أن قال:
* فسل الهم عنك بذات لوث
* عذافرة كمطرقة القيون
*
* إذا ما قمت أرحلها بليل
* تأوه آهة الرجل الحزين
*
* تقول: إذا درأت لها وضيني
* أهذا دينه أبدا وديني
*
* أكل الدهر حل وارتحال
* فما يبقى علي ولا يقيني
*
ومن حكمها:
* فإما أن تكون أخي بصدق
* فأعرف منك غثي من سميني
*
* وإلا فاطرحني واتخذني
* عدوا أتقيك وتتقيني
*
257
* فما أدري إذا يممت أرضا
* أريد الخير أيهما يليني
*
* آلخير الذي أنا أبتغيه
* أم الشر الذي هو يبتغيني
*
قوله: (أفاطم)، بفتح الميم وضمها، منادى مرخم. قوله: (بينك)، أي: قبل قطعك. قوله: (اجتوى)، من الجوى، وهو: المرض وداء البطن إذا تطاول. قوله: (ذات لوث)، بضم اللام، يقال ناقة لوثة أي: كثيرة اللحم والشحم. قوله: (عذافرة)، بضم العين المهملة وتخفيف الذال المعجمة وكسر الفاء وفتح الراء يقال: ناقة عذافرة، أي: عظيمة وقال الجوهري: يقال جمل عذافر وهو العظيم الشديد. قوله: (كمطرقة القيون)، وهو جمع قين، وهو الحداد. قوله: (أرحلها) من رحلت الناقة أرحلها رحلا إذا شددت الرحل على ظهرها، والرحل أصغر من القتب. قوله: (وضيني) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، وهو الهودج بمنزلة البطان للقتب قوله: (حل) أي: حلول الحل، والحلول والمحل مصادر من حل بالمكان، والمعنى: أكل الزمان موضع الحلول وموضع الارتحال؟ قوله: (لا يقيني) أي: لا يحفظني من وقى يقي وقاية. قوله: (بصدق) ويروي بحق. قوله: (فاعرف) بالنصب أي: فإن أعرف. قوله: (غثى) بالغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة من غث اللحم إذا كان مهزولا والمعنى أعرف منك ما يفسد مما يصلح.
9
((* (سورة براءة) *))
أي: هذه سورة براءة يعني: في بيان بعض تفسيرها، وسيأتي معنى براءة، عن قريب إن شاء الله تعالى. وقال أبو الحسن بن الحصار: هي مدنية باتفاق. وقال مقاتل: إلا آيتين من آخرها * (لقد جاءكم) * (التوبة: 128) إلى آخرها نزلت بمكة، وقيل: فيها اختلاف في أربع عشرة آية، وهي عشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانون حرفا وألفان وأربعمائة وسبع وتسعون كلمة، ومائة وثلاثون آية مدني وبصري وشامي ومكي، ومائة وعشرون وتسع كوفي، ولها ثلاثة عشر اسما اثنان مشهوران (براءة)، و (التوبة) و (سورة العذاب) و (والمقشقشة) لأنها تقشقش عن النفاق أي: تبرىء، وقيل: من تقشقش المريض إذا برأ (والبحوث) لأنها تبحث عن سرائر المنافقين و (الفاضحة) لأنها فضحت المنافقين و (المبعثرة) لأنها بعثرت أخبار الناس وكشفت عن سرائرهم و (المثيرة) لأنها أثارت مخازي المنافقين و (الحافرة) لأنها حفرت عن قلوبهم و (المشردة) لأنها تشرد بالمنافقين و (المخزية) لأنها تخزي المنافقين و (المنكلة) لأنها تتكلم و (المدمدمة) لأنها تدمدم عليهم. واختلف في سبب سقوط البسملة من أولها. فقيل: لأن فيها نقض العهد والعرب في الجاهلية كانوا إذا نقض العهد الذي كان بينهم وبين قوم لم يكتبوا فيه البسملة، ولما نزلت براء بنقض العهد قرأها عليهم علي، رضي الله تعالى عنه، ولم يبسمل جريا على عادتهم، وقيل: لأن عثمان، رضي الله تعالى عنه، قال: كانت الأنفال من أوائل ما نزل وبراءة من آخره، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثمة قرنت بينهما ولم أكتب بينهما البسملة، رواه الحاكم وصححه، وقيل: لما سقط البسملة معه، روي عن عثمان أيضا وقاله مالك في رواية ابن وهب وابن القاسم، وقال ابن عجلان: بلغني أن براءة كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها فلذلك لم تكتب البسملة، وقيل: لما كتب المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة. فقال بعضهم: براءة والأنفال سورة واحدة، وقال بعضهم: هما سورتان، فترك بينهما فرجة لقول من لم يقل إنهما سورة واحدة، وبه قال: خارجة وأبو عصمة وآخرون، وقيل: روى الحاكم في (مستدركه) عن ابن عباس، قال: سألت عليا رضي الله تعالى عنه، عن ذلك فقال: لأن البسملة أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان. قال القشيري: والصحيح أن البسملة لم تكتب فيها لأن جبريل عليه السلام، ما نزل بها فيها، وروى الثعلبي عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نزل علي القرآن إلا آية آية وحرفا حرفا خلا براءة وقل هو الله أحد فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألفا من الملائكة).
مرصد طريق
أشار به إلى قوله تعالى: * (واقعدوا لهم كل مرصد) * (التوبة: 5) أي: على كل طريق ويجمع على مراصد، وهي الطرق. قوله لهم: أي للكفار المشركين ولم تقع هذه اللفظة إلا في بعض النسخ.
((باب وليجة كل شيء أدخلته في شيء))
لم يثبت لفظ باب: في كثير من النسخ ولا ثبت لفظ وليجة في رواية أبي ذر، ولا الذي قبله، وأشار به إلى قوله تعالى: * (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعلمون) * (التوبة: 16) وفسر: وليجة بقوله: كل شيء أدخلته في شيء وروى كذلك عن الربيع قال ابن أبي حاتم، حدثنا كثير بن شهاب القزويني حدثنا محمد يعني ابن سعيد حدثنا أبو جعفر عنه، وفي التفسير، وليجة أي: بطانة ودخيلة، يعني الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله
. ولا المؤمنين وليجة أي: بطالة بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله.
الشقة السفر
أشار به إلى قوله عز وجل: * (لو كان عرضا قريبا وسفرا فاسدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة) * (براءة: 42) وفسر الشقة بالسفر. وروي كذلك عن ابن عباس، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عنه، وفي التفسير * (لو كان عرضا قريبا) * أي: الغنيمة قريبة * (وسقرا قاصدا لاتبعوك) * أي: لكانوا معك لذلك * (ولكن بعدت عليهم الشقة) * أي: المسافة إلى الشام.
الخبال الفساد والخبال الموت
أشار به إلى قوله تعالى: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) * (التوبة: 47) وفسر الخبال بالفساد، وكذا فسره أبو عبيدة، والخبال في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، من خبله يخبله خبلا بسكون الباء وبفتحها الجنون. قوله: (والخبال الموت)، كذا وقع في جمع الروايات قيل: الصواب الموتة بضم الميم وبالهاء في آخره، وقال الجوهري: الموتة بالضم جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالنائم والسكران.
ولا تفتني لا توبخني
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) * (التوبة: 47) وفسر قوله: لا توبخني، من التوبيخ بالباء الموحدة والخاء المعجمة، وفي وراية المستملي والجرجاني: لا توهني، بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف وفي رواية ابن السكن: لا تؤتمني بالتاء المثلثة الثقيلة وسكون الميم من الإثم قال عياض: وهو الصواب، وكذا وقع في كلام أبي عبيدة، والآية نزلت في جد ابن قيس المنافق قال له صلى الله عليه وسلم: هل لك في جلاد بني الأصفر يعني الروم تتخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال: ائذن لي في القعود عنك ولا تفتني بذكر النساء فقد علم قومي أني مغرم بهن وأني أخشى أن لا أصبر عنهن، وقال ابن عباس: اعتل جد ابن قيس بقوله: ولا تفتني، ولم يكن له علة إلا النفاق. قال تعالى: * (إلا في الفتنة سقطوا) * يعني: إلا في الإثم سقطوا.
258
كرها وكرها
أشار به إلى قوله تعالى: * (قل اتفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم) * وأشار بأن فيه لغتين فتح الكاف وضمها فبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي، وقرأ الباقون بالفتح، والمعنى: قل يا محمد انفقوا طائعين أو مكرهين لن يتقبل منكم أنكم كنتم قوما فاسقين، وبين الله سبب ذلك بقوله: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم) * (التوبة: 54) الآية.
مدخلا يدخلون فيه
أشار به إلى قوله تعالى: * (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا) * والمعنى: لو يجدون حصنا يتحصنون به، وحرزا يحترزون به. أو مغارات وهي الكهوف في الجبال أو مدخلا وهو السرب في الأرض وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يحلفون بالله أنهم لمنكم يمينا مؤكدة وما هم منكم في نفس الأمر إنما يخالطونكم كرها لا محبة.
يجمحون يسرعون
أشار به إلى قوله تعالى: * (لولوا إليه وهم يجمحون) * وفسره بقوله: يسرعون، وهو آخر الآية المذكورة الآن يعني: في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرها لا محبة وودوا أنهم لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام.
والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأصحاب مدين والمؤتفكات اتتهم رسلهم بالبينات) * (براءة: 70) وفسر المؤتفكات بقوله: ائتفكت انقلبت بها الأرض وهم قوم لوط، وفي التفسير: والمؤتفكات قرى قوم لوط، عليه السلام، وكانوا يسكنون في مدن وأمها سدوم وأهلكهم الله عن آخرهم بتكذيبهم نبي الله لوطا عليه السلام، وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين، وأصله من أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه عن الشيء. وقلبه، وأفك فهو مأفوك والآفكة العذاب الذي أرسله الله على قوم لوط فقلب بها ديارهم، والبلدة مؤتفكة وتجمع على مؤتفكات.
أهوى ألقاه في هوة
هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم ذكرها هنا البخاري استطرادا لقوله: والمؤتفكة أهوى، والهوة بضم الهاء وتشديد الواو وهو المكان العميق.
عدن خلد عدنت بأرض أي أقمت ومنه معدن ويقال في معدن صدق في منبت صدق.
أشار به إلى قوله تعالى: * (جنات عدن) * (التوبة: 72) وفسر قوله عدن، بقوله: خلد، بضم الخاء وسكون اللام وهو دوام البقاء، يقال: خلد الرجل يخلد خلودا من باب نصر ينصر. قوله: عدنت بأرض، أي: أقمت بها لأنها من العدن وهو الإقامة، يقال: عدن بالمكان يعدن عدنا من باب نصر ينصر، إذا لزمه ولم يبرح به قوله: ومنه معدن. أي: ومن عدن اشتقاق معدن وهو الموضع الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك، قوله: ويقال في معدن صدق، يعني: يقال فلان في معدن صدق إذا كان مستمرا عليه ولا يبرح عنه كأنه صار معدنا للصدق. قوله: في منبت صدق، بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة، اسم لموضع النبات، ويقال: لمكان يستقر فيه النبت هذا منبت صدق، وقالوا في تفسير قوله تعالى: * (في مقعد صدق) * (القمر: 55) أي: مكان مرضي، والصدق هنا كناية عن استمرار الرضا فيه.
الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في العابرين ويجوز أن يكون النساء من الخالفة.
أشار بقوله الخوالف: إلى قوله تعالى: * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) * (التوبة: 87) هذه الآية وما قبلها في قضية غزوة تبوك، وذلك أنهم لما أمروا بغزوة تبوك تخلفت جماعة منهم من بين الله عذرهم بقوله: * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) * إلى قوله: * (ألا يجدوا ما ينفقون) * (التوبة: 91) ونفى الله تعالى عنهم الملامة، ثم رد الله على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء وأنبهم بقوله: * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) * أي: مع النساء الخوالف في الرجال * (طبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) * قوله: الخالف الذي خلفني فقعد بعدي: إشارة إلى تفسير الخالف، وهو الذي يقعد بعد الشخص في رحله ويجمع على خالفين كما في قوله تعالى: * (فاقعدوا مع الخالفين) * (التوبة: 83) قال ابن عباس: أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة ولا يجمع الخالف على الخالفين لأن جمع النساء لا يكون بالياء والنون. فإن قلت: روي عن قتادة في قوله تعالى: * (فاقعدوا مع الخالفين) * قال أي: النساء. قلت: رد عليه ابن جرير بما ذكرنا ورجح عليه قول ابن عباس، وكان الكرماني أخذ قول قتادة فقال: قوله الخوالف جمع الخالف أي: مع المتخلفين ثم قال: ويجوز أن يكون المراد جمع النساء فيكون جمع خالفة، وهذا هو الظاهر لأن فواعل جمع فاعلة، ولم يوجد في كلامهم إلا لفظان فوارس وهوالك. قلت: جاء سابق وسوابق وناكس ونواكس وداجن ودواجن، ومن الأسماء عازب وعوازب وكاهل وكواهل وحاجة وحوائج وعائش وعوائش للدخان، والحاصل أن المراد من الخوالف النساء المتخلفات، وقيل: أخساه الناس. قوله: (ومنه يخلفه في الغابرين)، أي: ومن هذا لفظ يخلفه في الغابرين، هذا دعاء لمن مات له ميت اللهم اخلفه في الغابرين، أي: في الباقين من عقبه، وفي مسلم من حديث أم سلمة اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، وقال النووي في شرحه أي: الباقين، كقوله تعالى: * (إلا امرأته كانت من الغابرين) * (الأعراف: 83) قلت: لفظ غبر، يستعمل في الماضي والمستقبل فهو من الأضداد والفرق في المعنى بالقرينة. قوله: (ويجوز أن يكون النساء من الخالفة) إنما يجوز ذلك إذا كان يجمع مع الخالفة على خوالف وأما على ما يفهم من صدر كلامه أن الخالف يجمع على خوالف فلا يجوز على ما نبهنا عليه من قريب، وإنما الخالف يجمع على الخالفين بالياء والنون فافهم.
258
وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك.
فيه نظر من وجهين: أحدهما: أن المفهوم من صدر كلامه أن خوالف جمع خالف وهنا ذكره بالشك أنه إذا كان خوالف جمع المذكر فإنه لم يوجد إلى آخره. والآخر: في ادعائه أن لفظ فاعل لا يجمع على فواعل إلا في لفظين: أحدهما: فارس، فإنه يجمع على فوارس. والآخر: هالك فإنه يجمع على هوالك، وقد ذكرنا ألفاظا غيرهما أنها على وزن فاعل قد جمعت على فواعل ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع كما هو حقه، وقد حررناه فلله الحمد.
الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) * وذكر أن واحدة الخيرات خيرة. ثم فسر الخيرات بالفواضل وفي التفسير: أولئك لهم الخيرات. أي: في الدار الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى.
مرجؤون مؤخرون
لم يثبت هذا في رواية أبي ذر، وأشار به إلى قوله تعالى: (وآخرون مرجؤون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم)، (التوبة: 106) وفسر مرجؤون، بقوله: مؤخرون أي: يؤخرون لأمر الله ليقضي الله فيهم ما هو قاض، ومرجؤون من أرجأت الأمر وأرجيته بهمز وبغيره وكلاهما بمعنى التأخير، ومنه المرجئة. وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. أي: آخره عنهم، والمرجئة بهمز ولا تهمز، فالنسبة من الأول مرجىء ومن الثاني مرجي، والمراد من قوله تعالى: * (وآخرون مرجؤون) * الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، وهم: مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والخفض وطيب الثمار والظلال، لا شكا ونفاقا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وآخرون.
الشفاشفي وهو حده
أشار به إلى قوله تعالى: * (أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار) * (التوبة: 109) فسر الشفا بقوله شفير، ثم قال: وهو حده أي: طرفه، وفي رواية الكشميهني وهو حرفه.
والجرف ما تجرف من السيول والأودية هار هائر
أشار به إلى قوله تعالى: * (شفا جرف هار) * (التوبة: 109) ثم فسره الجرف بقوله: ما تجرف من السيول وهو الذي ينحفر بالماء فيبقى واهيا، وفسر قوله: هار، بقوله: هائر، يقال: تهورت البئر إذا انهدمت وانهار مثله، وفيه إشارة أيضا إلى أن لفظ: هار، مقلوب من هائر ومعلول إعلال قاض، وقيل: لا حاجة إليه بل أصله: هور وألفه ليست بألف فاعل وإنما هي عينه وهو بمعنى: ساقط.
لأواه شفقا وفرقا
أشار به إلى قوله تعالى: * (إن إبراهيم لأواه حليم) * (التوبة: 114) والأواه المتأوه المتضرع، وهو على وزن فعال، بالتشديد، وقال سفيان وغير واحد. عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال: الأواه الدعاء، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام، قال: الأواه المتضرع الدعاء، وعن مجاهد وأبي ميسرة عمرو بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة أنه الرحيم أي: لعباد الله، وعن عكرمة عن ابن عباس، قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة
، وكذا قال الضحاك، وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عباس، الأواه المؤمن التواب، وقال سعيد بن جبير والشعبي: الأواه المسبح، وقال شفي ابن مانع عن أبي أيوب: الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها، وروى ابن جرير بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، دفن ميتا فقال: رحمك الله إن كنت لأواها يعني: تلاء للقرآن. قوله: (شفقا) أي: لأجل الشفقة ولأجل الفرق، وهو الخوف، وهذا كان في إبراهيم، عليه السلام، لأنه كان حليما عمن ظلمه وخائفا من عظمة الله تعالى ومن كثرة حلمه وشدته أنه استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله: * (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) * (مريم: 46).
وقال الشاعر:
* إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
*
كأنه يحتج بهذا البيت على أن لفظ: أواه، على وزن فعال من التأوه، وقال الجوهري: أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال: أوه، والاسم منه الآهة بالمد. ثم قال: قال المثقب العبدي: إذا ما قمت إلى آخره، ويروى أهة، تشديد الهاء من قولهم: أه أي توجع. قلت: فلذلك قال أكثر الرواة آهة بالمد والتخفيف، وروى الأصيلي: أهة بلا مد وتشديد الهاء، وقد نسب الجوهري البيت المذكور إلى المثقب العبدي، بتشديد القاف المفتوحة، وزعم بعضهم بكسر القاف، والأول أشهر وسمي المثقب بقوله:
* أرين محاسنا وكنن أخرى
* وثقبن الوصاوص للعيون
*
قوله: كنن أي: سترن، والوصاوص، جمع وصواص وهو البرقع الصغير، وهكذا فسره الجوهري ثم أنشد هذا البيت، واسم المثقب، جحاش عائذ بن محصن بن ثعلبة بن وائلة بن عدي بن زهر بن منبه بن بكرة بن لكز بن أفصى بن عبد القيس، قال المرزباني: وقيل: اسمه شاس بن عائذ بن محصن، وقال أبو عبيدة وأبو هفان اسمه شاس ابن نهار، والبيت المذكور من قصيدة من المتواتر وهي طويلة وأولها قوله:
* أفاطم قبل بينك متعبني
* ومنعك ما سألت كأن تبيني
*
* فلا تعدي مواعد كاذبات
* تمر بها رياح الصيف دوني
*
* فإني لو تخالفني شمالي
* لما اتبعتها أبدا يميني
*
* إذا لقطعتها ولقلت: بيني
* لذلك اجتوى من يجتويني
*
إلى أن قال:
* فسل الهم عنك بذات لوث
* عذافرة كمطرقة القيون
*
* إذا ما قمت أرحلها بليل
* تأوه آهة الرجل الحزين
*
* تقول: إذا درأت لها وضيني
* أهذا دينه أبدا وديني
*
* أكل الدهر حل وارتحال
* فما يبقى علي ولا يقيني
*
ومن حكمها:
* فإما أن تكون أخي بصدق
* فأعرف منك غثي من سميني
*
* وإلا فاطرحني واتخذني
* عدوا أتقيك وتتقيني
*
* فما أدري إذا يممت أرضا
* أريد الخير أيهما يليني
*
* آلخير الذي أنا أبتغيه
* أم الشر الذي هو يبتغيني
*
قوله: (أفاطم)، بفتح الميم وضمها، منادى مرخم. قوله: (بينك)، أي: قبل قطعك. قوله: (اجتوى)، من الجوى، وهو: المرض وداء البطن إذا تطاول. قوله: (ذات لوث)، بضم اللام، يقال ناقة لوثة أي: كثيرة اللحم والشحم. قوله: (عذافرة)، بضم العين المهملة وتخفيف الذال المعجمة وكسر الفاء وفتح الراء يقال: ناقة عذافرة، أي: عظيمة وقال الجوهري: يقال جمل عذافر وهو العظيم الشديد. قوله: (كمطرقة القيون)، وهو جمع قين، وهو الحداد. قوله: (أرحلها) من رحلت الناقة أرحلها رحلا إذا شددت الرحل على ظهرها، والرحل أصغر من القتب. قوله: (وضيني) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، وهو الهودج بمنزلة البطان للقتب قوله: (حل) أي: حلول الحل، والحلول والمحل مصادر من حل بالمكان، والمعنى: أكل الزمان موضع الحلول وموضع الارتحال؟ قوله: (لا يقيني) أي: لا يحفظني من وقى يقي وقاية. قوله: (بصدق) ويروي بحق. قوله: (فاعرف) بالنصب أي: فإن أعرف. قوله: (غثى) بالغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة من غث اللحم إذا كان مهزولا والمعنى أعرف منك ما يفسد مما يصلح.
1
((باب قوله: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) * (التوبة: 3))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (براءة من الله) * الآية. قال الإمام أبو الليث السمرقندي رحمه الله أي: تبرؤ من الله ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين من ذلك العهد، ويقال: هذه الآية براءة، ويقال: هذه السورة براءة، وقال ابن عباس: البراءة نقض العهد إلى الذين عاهدتم من المشركين لأنهم نقضوا عهودهم قبل الأجل فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، بأن من كان عهده إلى أربعة أشهر أن يقره إلى أن تنقضي أربعة أشهر وقال الثعلبي: ابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر، وقال الزهري: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لأن هذه الآية نزلت في شوال، وقال مقاتل: نزلت في ثلاثة أحياء من العرب، خزاعة وبني مدلج وبني جزيمة كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهدهم بالحديبية لسنتين فجعل الله أجلهم أربعة أشهر ولم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحدا من الناس. وقال النحاس: قول من قال: لم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، غير صحيح، والصحيح أنه قد عاهد بعد هذه الآية جماعة منهم أهل نجران، قال الواقدي: عاهدهم وكتب لهم سنة عشر قبل وفاته بيسير.
أذان إعلام
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله) * وفسره بقوله: إعلام، وهذا ظاهر.
وقال ابن عباس أذن يصدق
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) * (التوبة: 461) الآية. أي: ومن المنافقين قوم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالكلام فيه، ويقولون: هو أذن يعني من قال له شيء صدقه من قال فينا بحديث صدقه، وإذا جئنا وحلفنا له صدقنا روى معناه عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يقول في قوله: (ويقولون)، هو أذن يعني: هو يسمع من كل أحد.
تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير والزكاة الطاعة والإخلاص
أشار به إلى قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * (التوبة: 103) أي: خذ يا محمد، وقال المفسرون: لما تاب الله على أبي لبابة وأصحابه. قالوا يا رسول الله! هذه أموالنا تصدق بها وطهرنا واستغفر لنا فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فنزلت هذه الآية. وفي الصدقة قولان: أحدهما: التطوع. والآخر: الزكاة، وقال الزمخشري: تطهرهم صفة لصدقة، وقرئ: يطهرهم، من أطهرهم بمعنى: طهرهم، وتطهرهم بالجزم جوابا للأمر والتاء في تطهرهم للخطاب أو لغيبة المؤنث، والتزكية
258
مبالغة في التطهير وزيادة فيه أو بمعنى الإنماء والبركة. قوله: (ونحوها كثيرون) وفي بعض النسخ. ونحو هذا كثير، وهذه أحسن، وكأنه أشار بهذا إلى أن اللفظين المختلفين في المادة ومتفقين في المعنى كثير في لغات العرب. وذلك لأن الزكاة والتزكية في اللغة الطهارة، ولهذا قال الزمخشري: والتزكية مبالغة في التطهير، وهذا يشير إلى أن معنى التزكية التطهير. ولكن فيه زيادة وتجيء التزكية أيضا بمعنى النماء والبركة والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن، وعجبي من الشراح كيف أهملوا تحرير مثل هذا ونظائره. قوله: (والزكاة الطاعة)، يعني: تأتي بمعنى الطاعة وبمعنى الإخلاص، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في قوله: (تطهرهم وتزكيهم بها) قال: الزكاة طاعة الله والإخلاص.
لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إلاه إلا الله
أشار به إلى قوله تعالى: * (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) * (فصلت: 7) ولكن هذه الآية من سورة فصلت ذكرها هنا استطرادا وفسرها بقوله: لا يشهدون أن لا إلاه إلا الله وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه فسرها هكذا.
يضاهون يشبهون
أشار به إلى قوله تعالى: * (ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل) * (التوبة: 30) وفسر: يضاهون، بقوله: يشبهون، وكذا فسره ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة، وهو من المضاهاة. وقال أبو عبيدة: هي التشبيه، وهذا إخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزيرا ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله، فأكذبهم بقوله ذلك قولهم: بأفواههم، يعني لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلافهم يضاهون أي: يشابهون قول الذين كفروا من قبلهم من الأمم ضلوا كما ضل هؤلاء قاتلهم الله. قال ابن عباس: لعنهم الله.
4654 ح دثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول آخر آية نزلت: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (النساء: 176) وآخر سورة نزلت براءة.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء بن عازب.
والحديث مضى في آخر سورة النساء فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن أبي إسحاق: سمعت البراء قال: آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت: يستفتونك، ومضى الكلام فيه هناك، وقد تقدم في تفسير سورة البقرة عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا وقيل: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * (البقرة: 281) بعدها وقال الداودي: لم يختلفوا في أن أول براءة نزلت سنة تسع لما حج أبو بكر الصديق بالناس وأنزلت: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (المائدة: 3) عام حجة الوداع فكيف تكون براءة آخر سورة أنزلت؟ ولعل البراء أراد بعض سورة براءة. قلت: المراد الآخرية المخصوصة لأن الأولية والآخرية من الأمور النسبية، والمراد بالسورة بعضها أو معظمها، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: ويجمع بين حديثي البراء وابن عباس بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن اجتهاد قلت: لا محل للاجتهاد في مثل ذلك على ما لا يخفى على المتأمل.
2
((باب قوله: * (فسيحوا في الأرضي أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزى الكافرين) * (التوبة: 2))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (فسيحوا في الأرض) * الآية وقد مر الكلام في * (أربعة أشهر) * عن قريب. قوله: (غير معجزي الله)، أي: غير سابقي الله بأعمالكم. قوله: (وأن الله)، أي: واعلموا أن الله مخزي (الكافرين) أي مذلهم، ويقال: معذب الكافرين في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار.
259
سيحوا سيروا
أي: معنى قوله: سيحوا سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين آمنين غير خائفين أحدا بحرب ولا سلب ولا قتل. ولا أسر، يقال: ساح فلان في الأرض يسيح سيحا وسياحة وسيوحا.
4655 ح دثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب وأخبرني حميد بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله عنه قال بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال حميد ابن عبد الرحمان ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب وأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة فأذن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
مطابقته للترجمة من حيث أن هذه الترجمة من تتمة الآية التي هي أول السورة أعني قوله تعالى: * (براءة من الله ورسوله) * وفيه أيضا لفظ براءة.
وسعيد بن عفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري، وروى له مسلم أيضا. وعقيل: بضم العين المهلمة وفتح القاف ابن خالد الأيلي
يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
والحديث مضى في الصلاة في: باب ما يستر من العورة، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن إبراهيم عن يعقوب إلى آخره، ومضى في كتاب الحج أيضا في: باب لا يطوف بالبيت عريان، فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس قال ابن شهاب: حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (وأخبرني حميد)، وفي كتاب الحج: وحدثني حميد بن عبد الرحمن، وإنما قال بواو العطف أشعارا بأنه أخبره أيضا بغير ذلك فهو عطف على مقدر، قال الكرماني: ولم يعين المقدر. قلت: الظاهر أن المقدر هكذا عن ابن شهاب حدثني وأخبرني حميد، وتظهر الفائدة فيه على قول من يقول بالفرق بين حدثنا وبين أخبرنا. قوله: (أن أبا هريرة قال بعثني) وفي كتاب الحج: أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر بعثه. قوله: (في تلك الحجة)، وهي الحجة التي كان فيها أبو بكر أميرا على الحاج، وهي في السنة التاسعة. قوله: (في مؤذنين) جمع مؤذن من الإيذان وهو الإعلام بالشيء قال ابن الأثير: يقال آذن يؤذن إيذانا وأذن يؤذن تأذينا والمشدد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة. قوله: (قال حميد) متصل بالإسناد الأول قوله: (ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب) أي: أرسله بعد أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد عن سماك عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث ببراءة مع أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، فلما بلغ ذا الحليفة قال: لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع علي، رضي الله تعالى عنه، ورواه الترمذي أيضا في التفسير، وقال: حسن غريب، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده عن علي، رضي الله تعالى عنه، لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم، أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة. ثم دعاني فقال: أدرك أبا بكر فحيث ما لقيته فخد الكتاب منه فاذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنزل في شيء؟ فقالا: لا ولكن جبريل، عليه الصلاة والسلام، جاءني وقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، قال ابن كثير: هذا إسناد فيه ضعف، وليس المراد أن أبا بكر رجع من فوره، وإنما رجع بعد قضائه المناسك التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء مبينا في الرواية الأخرى، وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في قوله: * (براءة من الله ورسوله) * قال: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم زمن حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، على تلك الحجة، قال معمر: قال الزهري: وكان أبو هريرة يحدث أن أبا بكر أمر أبا هريرة أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر بمكة. قال أبو هريرة: ثم اتبعنا النبي
260
صلى الله عليه وسلم عليا وأمره أن يؤذن ببراءة وأبو بكر، رضي الله تعالى عنه، كما هو على الموسم. أو قال: على هيئته، قال ابن كثير وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج سنة عمرة الجعرانة إنما كان عتاب بن أسيد، وأما أبو بكر فإنما كان أميرا سنة تسع. قوله: (قال أبو هريرة فأذن معنا علي)، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني وحده. قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه، فأذن معنا، قيل: هذا غلط فاحش مخالف لرواية الجميع، وإنما هو كلام أبي هريرة قطعا فهو الذي كان يؤذن بذلك وقال عياض: أن أكثر رواة الفربري وافقوا الكشميهني قال: وهو غلط.
3
((باب قوله: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين) * (التوبة: 3، 4))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وأذان من الله) * إلى آخره. قوله: (وأذان من الله) أي: إعلام من الله ورسوله وإنذار إلى الناس وارتفاع: أذان، عطفا على براة. وقال الزمخشري: وارتفاعه كارتفاع براءة على الوجهين. قوله: (إلى الناس) أي: لجميعهم. قوله: (يوم الحج الأكبر)، وهو اليوم الذي هو أفضل أيام المناسك، وأظهرها وأكثرها جمعا، وقال عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق: سألت أبام جحيفة عن يوم الحج الأكبر، قال: يوم عرفة، وروى عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عطاء قال: يوم الحج الأكبر يوم عرفة، وهكذا روي عن ابن عباس وعبد الله بن الزبير ومجاهد وعكرمة وطاووس أنهم قالوا: يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر، وقد ورد في ذلك حديث مرسل رواه ابن جريج: أخبرت عن محمد بن قيس بن مخرمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خطب يوم عرفة فقال: هذا يوم الحج الأكبر). وقال هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن علي رضي الله عنه، قال: يوم الحج الأكبر يوم النحر، وروي عن علي من وجوه أخر كذلك، وقال عبد الرزاق: حدثنا سفيان وشعبة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: يوم الحج الأكبر يوم النحر، وكذا روي عن المغيرة ابن شعبة أنه خطب يوم الأضحى على بعير، فقال: هذا يوم الأضحى وهذا يوم النحر وهذا يوم الحج الأكبر، وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: الحج الأكبر يوم النحر، وكذا روي عن ابن أبي جحيفة وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبي جعفر الباقر والزهري وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا: يوم الحج الأكبر يوم النحر، وروى ابن جرير بإسناده عن نافع عن ابن عمر، قال: (وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع، وقال: هذا يوم الحج الأكبر)، وكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث أبي جابر واسمه محمد بن عبد الملك به، وعن سعيد بن المسيب أنه قال: يوم الحج الأكبر اليوم الثاني من يوم النحر. رواه ابن أبي حاتم، وقال مجاهد أيضا: يوم الحج الأكبر أيام الحج كلها، وكذا قال أبو عبيد. وقال سهل السراج: سئل الحسن البصري عن يوم الحج الأكبر، فقال: ما لكم وللحج الأكبر ذاك عام حج فيه أبو بكر رضي الله عنه، الذي استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحج بالناس، رواه ابن أبي
حاتم، وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا أبو أسامة عن ابن عوف. سألت محمدا يعني: ابن سيرين عن يوم الحج الأكبر، قال: كان يوما وافق فيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحج أهل الوبر. قوله: (أن الله بريء من المشركين) أي: ليعلم الناس بعضهم بعضا (أن الله) وقرئ (إن الله) بالكسر لأن الإيذان في معنى القول. قوله: (ورسوله) فيه قراءتان الرفع وهي القراءة المشهورة ومعناه: ورسوله أيضا برئ من المشركين، والنصب ومعناه: وأن رسول الله بريء من المشركين، وهي قراءة شاذة، وقال الزمخشري: ورسوله، عطف على المنوي في: بريء أي: بريء، هو أو على محل: إن المكسورة واسمها، وقرئ بالنصب عطفا على اسم إن، أو لأن الواو بمعنى: مع أي: برئ معه منهم، وبالجر على الجوار، وقيل: على القسم كقولك: لعمرك. قوله: (فإن تبتم) أي: من الغدر والكفر * (فهو خير لكم وإن توليتم) * عن التوبة أو ثبتم على التولي والإعراض عن الإسلام والوفاء، فاعلموا أنكم غير سابقين الله ولا فائتين أخذه وعقابه. قوله: (إلا الذين)، استثناء من: برئ، وقيل:
261
منقطع أي: أن الله بريء منهم ولكن الذين عاهدتم فثبتوا على العهد فكفوا عنهم بقية المدة. قوله: (ثم لم ينقصوكم شيئا)، أي: من شروط العهد، وقرئ بالضاد المعجمة. قوله: (ولم يظاهروا) أي: ولم يعاونوا عليكم أحدا. قوله: (إلى مدتهم)، أي إلى انقضاء مدتهم. قوله: * (إن الله يحب المتقين) * أي: الموفين بعهدهم.
آذنهم أعلمهم
أي: معنى آذنهم أعلمهم، والمراد به مطلق الإعلام لأنه من الإيذان، وقد ذكرناه.
4656 ح دثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني عقيل قال ابن شهاب فأخبرني حميد ابن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال حميد ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان..
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور قبل هذا الباب. قوله: (أن لا يحج) ويروى: ألا بفتح الهمزة وإدغام النون في اللام. قوله: (بعد العام) أي: بعد الزمان الذي وقع فيه الإعلام بذلك. قوله: (ولا يطوف) بالنصب عطفا على أن لا يحج. قوله: (قال حميد) هو ابن عبد الرحمن بن عوف المذكور فيه، واستشكل الطحاوي في قوله: أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ثم أردفه عليا رضي الله عنه، فأمره أن يؤذن فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة؟ ثم أجاب بقوله: إن أبا هريرة قال: كنت مع علي حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة، فكنت أنادي معه بذلك حتى يصهل صوتي، وكان ينادي بأمر أبي بكر، بما يلقنه علي بما أمر بتبليغه. قوله: (أن يؤذن ببراءة) يجوز فيه الرفع بالتنوين على سبيل الحكاية. والجر بالباء، ويجوز أن يكون علامة الجر فتحة. قوله: (قال أبا هريرة) موصول بالإسناد المذكور. قوله: (ببراءة). ليس المراد منها السورة كلها، وعن محمد بن كعب القرظي وغيره، قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع، وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين آية أو أربعين من براءة الحديث. قوله: (وأن لا يحج) إلى آخره، استشكل فيه الكرماني بأن عليا رضي الله عنه، كان مأمورا بأن يؤذن ببراءة، فكيف يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك؟ ثم أجاب بأنه أذن ببراءة، ومن جملة ما اشتملت عليه أن لا يحج بعد العام مشرك من قوله تعالى فيها: * (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * (التوبة: 28) ويحتمل أن يكون أمر أن يؤذن ببراءة وبما أمر أبو بكر أن يؤذن به أيضا، انتهى. قلت: فإنه الجواب عن زيادة قوله: (ولا يطوف بالبيت عريان) وعن شيء آخر رواه الشعبي: حدثني محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال: كنت مع علي رضي الله عنه، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ينادي، فكان إذا صهل ناديت. قلت: بأي شيء كنتم تنادون؟ قال: بأربع لا يطوف بالكعبة عريان، ومن كان له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهده إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا مشرك. ورواه ابن جرير عن الشعبي به من غير وجه.
4
((باب: * (إلا الذين عاهدتم من المشركين) * (التوبة: 4))
قد مر تفسيره عن قريب، وليس في بعض النسخ ذكر هذه.
4657 ح دثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن حميد بن عبد الرحمان أخبره أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس
262
أن لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فكان حميد يقول يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة..
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور أخرجه عن إسحاق بن منصور، كذا جزم به الحافظ المزي عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان التابعي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن حميد بن عبد الرحمن. وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد. قوله: (فكان حميد يقول) إلى آخره، قد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (من أجل حديث أبي هريرة) لأنه نادى بإذن أبي بكر رضي الله عنه، يوم النحر.
5
((باب: * (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم) * (التوبة: 12))
وفي بعض النسخ: باب: * (فقاتلوا) * وأول الآية: * (وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) * قوله: (وإن نكثوا) أي: وإن نكث هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة، قوله إيمانهم أي عهودهم وعن الحسن البصري بكسر الهمزة وهي قراءة شاذة قوله وطعنوا في دينكم أي عابوه وانتقصوه قوله: (فقاتلوا أئمة الكفر) قال قتادة وغيره: أئمة الكفر كأبي جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف وعدد رجالا، والصحيح أن الآية عامة لهم ولغيرهم. وعن حذيفة رضي الله عنه: ما قوتل أهل هذه الآية بعد. وروي عن علي بن أبي طالب مثله وعن ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد وهم الذين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال مجاهدهم: أهل فارس والروم.
4658 ح دثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا إسماعيل حدثنا زيد بن وهب قال كنا عند حذيفة فقال ما بقي من أصحاب هاذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة فقال أعرابي إنكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تخبرونا فلا ندري فما بال هاؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا قال أولئك الفساق أجل لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده.
مطابقته للترجمة في قوله: (ما بقي من أصحاب هذه الآية) لأن إيراد البخاري هذا الحديث بهذه الترجمة يدل على أن المراد بهذه الآية هو. قوله: * (فقاتلوا أئمة الكفر) * الآية، ولكن الإسماعيلي اعترض بما رواه من حديث سفيان عن إسماعيل عن زيد: سمعت حذيفة يقول: ما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية: * (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) * (الممتحنة: 1) إلا أربعة أنفس، ثم قال الإسماعيلي: فإذا كان ما ذكر في خبر سفيان فحق هذا أن يخرج في سورة الممتحنة. وأما ذكر المنافقين في القرآن ففي كثير من سورة البقرة وآل عمران وغيرهما، فلم أتى بهذا الحديث في ذكرهم؟ قلت: هذا النسائي وابن مردويه وافقا البخاري على إخراجهما من طريق إسماعيل عند آية براءة وليس عندهما تعيين الآية كما أخرجها البخاري أيضا مبهمة.
ويحيى هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد.
قوله: (أصحاب) بالنصب على أنه منادى حذف منه حرف النداء. قوله: (تخبرونا) خبر: إن، ويروى: تخبروننا، على الأصل لأن النون لا تحذف إلا بناصب أو جازم، ولكن قد ذكرنا أنه لغة بعض العرب وهي لغة فصيحة، وتخبرونا بالتشديد والتخفيف. قوله: (إلا ثلاثة) سمى منهم في رواية أبي بشر عن مجاهد: أبو سفيان بن حرب، وفي رواية معمر عن قتادة: أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان وسهيل بن عمرو، ورد هذا بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر، وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهم أحياء، فيصح في أن أبا سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما جميعا. قوله: (إلا أربعة) لم يوقف على أسمائهم.
263
قوله: (يبقرون) بالباء الموحدة والقاف من البقر وهو الشق. قال الخطابي: أي: ينقبون. قال: والبقر أكثر ما يكون في الشجر والخشب، وقال ابن الجوزي: معناه يفتحون، يقال: بقرت الشيء إذا فتحته، ويقال: ينقرون بالنون بدل الباء. قوله: (أعلاقنا) بفتح الهمزة جمع علق بكسر العين المهملة وهو الشيء النفيس سمي بذلك لتعلق القلب به، والمعنى: يسرقون نفائس أموالنا. وقال الخطابي: كل شيء له قيمة أو له في نفسه قدر فهو علق، وبخط الدمياطي بالغين المعجمة مضبوطة، وحكاه ابن التين أيضا، ثم قال: لا أعلم له وجها. قلت له: وجه، لأن الأغلاق بالغين المعجمة جمع غلق بفتح الغين واللام، وفي (المغرب): الغلق بالتحريك والمغلاق هو ما يغلق ويفتح بالمفتاح، والغلق أيضا الباب، فيكون المعنى: يسرقون الأغلاق أي: مفاتيح الأغلاق ويفتحون الأبواب ويأخذون ما فيه من الأشياء، أو يكون المعنى: يسرقون الأبواب وتكون السرقة كناية عن قلعها وأخذها ليتمكنوا من الدخول فيها. قوله: (أولئك الفساق) أي: الذين يبقرون ويسرقون، وقال الكرماني: لا الكفار ولا المنافقون. قوله: (أجل). معناه: نعم قوله: (أحدهم) أي: أحد الأربعة ولم يدر اسمه. قوله: (لما وجد برده) يعني: لذهاب شهوته وفساد معدته فلا يفرق بين الأشياء، وقال التيمي: يعني عاقبه الله في الدنيا ببلاء لا يجد معه ذوق الماء ولا طعم برودته. انتهى. وحاصل معنى هذا الحديث أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين وكان يعرفهم ولا يعرفهم غيره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه بأسماء عدة من المنافقين وأهل الكفر الذين نزلت فيهم الآية، ولم يسر إليه بأسماء جميعهم.
6
((باب قوله: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * (التوبة: 34))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: (والذين) الآية، وليس في بعض النسخ ذكر لفظ: باب، وهذه الآية نزلت في عامة أهل الكتاب والمسلمين، وقيل: بل خاصة بأهل الكتاب، وقيل: بل هو كلام مستأنف في حق من لا يزكي من هذه الأمة. قاله ابن عباس والسدي وعامة المفسرين: وقرأ يحيى بن يعمر، بضم النون والزاي والعامة بكسر النون، وأما الكنز فقال مالك: عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر أنه قال: الكنز هو المال الذي لا تؤدي منه الزكاة وهو المستحق عليه الوعيد. قوله: (ولا ينفقونها) الضمير يرجع إلى الذهب والفضة من جهة المعنى لأن كل واحد منهما جملة وافية وعدة كثيرة، وقيل: إلى الكنوز، وقيل: إلى الأموال. قوله: (فبشرهم بعذاب أليم) جعل الوعيد لهم بالعذاب موضع البشرى بالنعيم.
4659 ح دثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمان الأعرج حدثه أنه قال حدثني أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (شجاعا أقرع) وأخرجه هنا مختصرا وقد مضى في كتاب الزكاة في: باب إثم مانع الزكاة، بغير هذا الإسناد عن أبي هريرة بأتم منه
، وأخرج بالإسناد المذكور هنا بعينه عن أبي هريرة بعين المتن المذكور. وأبو الزناد، بكسر الزاي وبالنون الخفيفة: عبد الله بن ذكوان، وعبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج، والشجاع الحية فإذا كان الشجاع أقرع يكون أقوى سما.
4660 ح دثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن حصين عن زيد بن وهب قال مررت على أبى ذر بالربذة فقلت ما أنزلك بهاذه الأرض قال كنا بالشأم فقرأت: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * قال معاوية: ما هاذه فينا ما هاذه إلا في أهل الكتاب قال قلت إنها لفينا وفيهم..
264
مطابقته للترجمة ظاهرة، وجرير هو ابن عبد الحميد، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي، وزيد بن وهب الهمداني الكوفي خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض النبي وهو في الطريق، مات سنة ست وسبعين، وأبو ذر اسمه جندب بضم الجيم.
والحديث مضى في كتاب الزكاة في: باب ما أدى زكاته فليس بكنز، فإنه أخرجه هناك بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (بالربذة)، بالراء المهملة والباء الموحدة والذال المعجمة المفتوحات: قرية قريبة من المدينة وكان سبب إقامته هناك أنه لما كان بالشام وقعت بينه وبين معاوية مناظرة في تفسير هذه الآية، فتضجر خاطره فارتحل إلى المدينة ثم تضجر منها فارتحل إلى الربذة.
7
((باب قوله عز وجل: * (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هاذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) * (التوبة: 35))
أي: هذا باب في قوله عزل وجل: * (يوم يحمى عليها) * الآية، وليس في كثير من النسخ لفظ: باب، ومضى تفسير هذه الآية في كتاب الزكاة في: باب إثم مانع الزكاة.
4661 وقال أحمد بن شبيب بن سعيد حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن خالد بن أسلم قال خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال هاذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها طهرا للأموال. (انظر الحديث 1404).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هذا قبل أن تنزل الزكاة، وأحمد بن شبيب. بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى: من أفراد البخاري يروي عن أبيه شبيب بن سعيد أبي عبد الرحمن البصري، ويونس بن يزيد الأيلي، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وخالد بن أسلم على وزن أفعل التفضيل أخو زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وهو من أفراد البخاري. والحديث مضى بهذا السند بعينه في كتاب الزكاة في: باب ما أدى زكاته فليس بكنز، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
8
((باب قوله: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم) * (التوبة: 36))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (إن عدة الشهور) * إلى آخره، وليس في بعض النسخ لفظ: باب.
* (ذالك الدين القيم) * القيم هو القائم
أي: هذا هو الشرع المستقيم من امتثال أمر الله عز وجل فيما جعل من الأشهر الحرم والحذو بها على ما سبق في كتاب الله تعالى، وقال الزمخشري: * (ذلك الدين القيم) * يعني: أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. قوله: (القيم) على وزن فعل بتشديد العين مبالغة في معنى القائم، وفي بعض التفاسير: * (ذلك الدين القيم) * أي: الحساب المستقيم الصحيح والعدد المستوي، قاله الجمهور.
فلا تظلموا فيهن أنفسكم
أي: في الأربعة الأشهر، وقيل في الاثني عشر بالقتال، ثم نسخ وقيل: بارتكاب الآثام.
182 - (حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي
قال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة
265
وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن يروي عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث والحديث مضى في أوائل بدء الخلق فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين إلى آخره قوله إن الزمان المراد به السنة قد استدار المراد بالاستدارة انتقال الزمان إلى هيئته الأولى وذلك أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر وهو النسيء ليقاتلوا فيه ويفعلون ذلك سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى يجعلوه في جميع شهور السنة قوله كهيئته أي على الوضع الذي كان قبل النسيء لا زائدا في العدد ولا مغيرا كل شهر عن موضعه قوله متواليات أي متتابعات قوله ورجب مضر إنما أضيف رجب إلى مضر التي هي القبيلة لأنهم كانوا يعظمونه ولم يغيروه عن مكانه ورجب من الترجيب وهو التعظيم ويجمع على أرجاب ورجاب ورجبات وقوله بين جمادى وشعبان تأكيد والمراد بجمادى جمادى الآخرة وقد يذكر ويؤنث فيقال جمادى الأول والأولى وجمادى الآخر والآخرة ويجمع على جمادات كحبارى وحباريات وسمي بذلك لجمود الماء فيه قلت كأنه حين وضع أولا اتفق جمود الماء فيه وإلا فالشهور تدور * -
9
((باب قوله: * (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * (التوبة: 40) أي: ناصرنا))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ثاني اثنين) * إلى آخره، وليس في بعض النسخ لفظ: باب، وقيل: ثاني اثنين * (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا خرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار) * الآية. قوله: (إلا تنصروه) أي إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره (إذ أخرجه الذين كفروا) أي حين أخرجه مشركو مكة وذلك عام الهجرة حين هموا بقتله أو حبسه أو نفيه. قوله: (ثاني اثنين) أي: أحد الاثنين، كقولك: ثالث ثلاثة، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. وانتصابه على الحال، وقرئ: ثاني اثنين، بالسكون قوله: (إذ هما) بدل من قوله: (إذ أخرجه الذين كفروا) والغار ثقب في أعلى ثور وهو جبل مشهور بالمفجر من خلف مكة من طريق اليمن، وهو المعروف بثور أطحل، وقال الزمخشري: وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة. قوله: (إذ يقول:) بدل ثان. قوله: (لصاحبه) هو أبو بكر رضي الله عنه. قوله: (أي ناصرنا) هذا تفسير قوله: (معنا).
السكينة فعيلة من السكون
أشار به إلى قوله: * (فأنزل الله سكينته عليه وأيده) * الآية، ثم أشار إلى أن وزن السكينة: فعيلة، وأنه مشتق من السكون، وفي التفسير: * (فأنزل الله سكينته عليه) * أي: تأييده، ونصره عليه أي: على رسوله في أشهر القولين، وقيل: على أبي بكر رضي الله عنه، وروي عن ابن عباس وغيره، قالوا: لأن الرسول لم تزل معه سكينة، وهذا لا ينافي تجديد سكينة خاصة بتلك الحال، ولهذا قال: * (أيده بجنود لم تروها) * أي: الملائكة.
4663 ح دثنا عبد الله بن محمد حدثنا حبان حدثنا همام حدثنا ثابت حدثنا أنس قال حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرأيت آثار المشركين قلت يار سول الله لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا قال ما ظنك بإثنين الله ثالثهما. (انظر الحديث 3653 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالسندي، وحبان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن هلال الباهلي، وهمام بتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي، بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة، وثابت بن أسلم البناني ولم يأت إسناد إلى هنا مثل هذا الإسناد، فإن رواته كلهم بالتحديث الصرف، والحديث مضى في مناقب أبي بكر رضي الله عنه، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سنان عن همام... إلى آخره. ومضى الكلام فيه هناك.
266
4664 ح دثنا عبد الله بن محمد حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حين وقع بينه وبين ابن الزبير قلت أبوه الزبير وأمه أسماء وخالته عائشة وجده أبو بكر وجدته صفية فقلت لسفيان إسناده فقال حدثنا فشغله إنسان ولم يقل ابن جريج.
عبد الله بن محمد هذا هو المذكور فيما قبله فإنه أخرج عنه في هذا الباب ثلاثة أحاديث متواليات كما تراه، ويمكن أن يكون وجه المطابقة في هذا الحديث للترجمة وفي الحديث الذي بعده من حيث كونهم من رواية عبد الله بن محمد، ويكتفي بهذا المقدار على أن في هذا الحديث ذكر أسماء وعائشة في معرض فضيلتهما المستلزمة لفضل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وفي الترجمة الإشعار بفضل أبي بكر.
وابن عيينة هو سفيان، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة، وقد تكرر ذكرهم.
قوله: (حين وقع بينه وبين ابن الزبير) أي: حين وقع بين ابن عباس وبين عبد الله بن الزبير. رضي الله تعالى عنهم، وذلك بسبب البيعة، وملخص ذلك أن معاوية لما مات امتنع ابن الزبير من البيعة ليزيد بن معاوية وأصر على ذلك، ولما بلغه خبر موت يزيد بن معاوية دعا ابن الزبير إلى نفسه فبويع بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز ومصر وعراق وخراسان وكثير من أهل الشام، ثم جرت أمور حتى آلت الخلافة إلى عبد الملك، وذلك كله في سنة أربع وستين، وكان محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية وعبد الله بن عباس مقيمين بمكة منذ قتل الحسين، رضي الله تعالى عنه، فدعاهما ابن الزبير إلى البيعة له فامتنعا وقالا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على خليفة، وتبعهما على ذلك جماعة فشدد عليهم ابن الزبير وحصرهم فبلغ الخبر المختار بن أبي عبيد وكان قد غلب على الكوفة وكان فر منه من كان من قبل ابن الزبير، فجهز إليهم جيشا فأخرجوهما واستأذنوهما في قتال ابن الزبير فامتنعا، وخرجا إلى الطائف فأقاما بها حتى مات ابن عباس في سنة ثمان وستين، ورحل ابن الحنفية بعده إلى جهة رضوى جبل ينبع فأقام هناك، ثم أراد دخول الشام فتوجه إلى نحو أيلة فمات في آخر سنة ثلاثة أو أول سنة أربع وسبعين، وذلك عقيل قتل ابن الزبير على الصحيح. قوله: (قلت أبوه الزبير)، القائل هو ابن أبي مليكة يعدد بهذا إلى آخره شرف ابن الزبير وفضله واستحقاقه الخلافة مثل الذي ينكر على ابن عباس على امتناعه من البيعة له، يقول: أبوه عبد الله هو الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة بالجنة. وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وخالته عائشة لأنها أخت أسماء، وجدته صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير. قوله: (فقلت لسفيان)، القائل هو عبد الله بن محمد شيخ البخاري. قوله: (إسناده)، أي: اذكر إسناده، ويجوز بالرفع على تقدير: ما هو إسناده. قوله: (فقال: حدثنا)، أي: قال سفيان: حدثنا فشغله إنسان بكلام أو نحوه ولم يقل حدثنا ابن جريج، وقال الكرماني: قد ذكر الإسناد أولا فما معنى السؤال عنة؟ ثم أجاب عن كيفية العنعنة بأنها بالواسطة وبدونها. قلت: فلذلك أخرج البخاري الحديث من وجهين آخرين على ما يجيء الآن لأجل الاستظهار.
4665 ح دثني عبد الله بن محمد قال حدثني يحيى بن معين حدثنا حجاج قال ابن جريج قال ابن أبي مليكة وكان بينهما شيء فغدوت على ابن عباس فقلت أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله فقال معاذ الله إن الله كتب ابن الزبير وبني أمية محلين وإني والله لا أحله أبدا قال قال الناس بايع لابن الزبير فقلت وأين بهذا الأمر عنه أما أبوه فحواري النبي صلى الله عليه وسلم يريد الزبير وأما جده فصاحب الغار يريد أبا بكر وأما أمه فذات النطاق يريد أسماء وأما خالته فأم المؤمنين يريد عائشة وأما عمته فزوج النبي صلى الله عليه وسلم يريد خديجة
267
وأما عمة النبي صلى الله عليه وسلم فجدته يريد صفية ثم عفيف في الإسلام قارىء للقرآن والله إن وصلوني وصلوني من قريب وإن ربوني ربوني أكفاء كرام فآثر التويتات والأسامات والحميدات يريد أبطنا من بني أسد بني تويت وبني أسامة وبني حميد إن ابن أبي العاص برز يمشي القدمية يعني عبد الملك بن مروان وأنه لوى ذنبه يعني ابن الزبير..
هذا الحديث الثالث من الأحاديث الثلاثة التي أخرجها عن عبد الله بن محمد المذكور، وهو يرويه عن يحيى بن معين، بضم الميم، ابن عون أبي زكريا البغدادي عن حجاج بن محمد المصيصي إلى آخره.
قوله: (وكان بينهما) أي: بين ابن عباس وابن الزبير، ولكن لم يجر ذكرهما فأعاد الضمير إليهما اختصارا. قوله: (شيء) يعني: مما يصدر بين المتخاصمين، وقيل: الذي وقع بينه وبين ابن الزبير كان في بعض قراءة القرآن. قوله: (فغدوت)، من الغدو وهو الذهاب. قوله: (فقلت: أتريد)؟ الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار يخاطب به ابن أبي مليكة ابن عباس. قوله: (فتحل)، بالنصب من الإحلال. قوله: (حرم الله) بالنصب على المفعولية، ويروى: (فتحل ما حرم الله) أي: من القتال في الحرم. قوله: (فقال: معاذ الله) أي: فقال ابن عباس: العوذ بالله على إحلال الحرم. قوله: (إن الله كتب ابن الزبير) أي: قدر ابن الزبير وبني أمية محلين بكسر اللام، أرادتهم كانوا محلين يعني مبيحين القتال في الحرم، وكان ابن الزبير يسمى المحل. قوله: (وإني والله لا أحله)، من كلام ابن عباس، أي: لا أحل الحرم أبدا. وهذا مذهب ابن عباس أنه لا يقاتل في الحرم وإن قوتل فيه. قوله: (قال: قال الناس)، القائل هو ابن عباس، وناقل ذلك عنه هو ابن أبي مليكة، والمراد بالناس من كان من جهة ابن الزبير. قوله: (بايع) أمر من المبايعة. قوله: (فقلت)، قائله ابن عباس. قوله: (وأين بهذا الأمر عنه)؟ أراد بالأمر الخلافة، يعني: ليست بعيدة عنه لما له من الشرف من قوله: أما أبوه إلى آخره، أي: أما أبو عبد الله وهو الزبير بن العوام فحواري النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى في مناقب الزبير عن جابر. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير بن العوام) والحواري الناصر الخالص. قوله: (يريد الزبير) أي: يريد ابن عباس بقوله: فحواري النبي صلى الله عليه وسلم. الزبير بن العوام، قوله: (وأمه) أي: وأم عبد الله بن الزبير. قوله: (فذات النطاق) وسميت أمه بذات النطاق لأنها شقت نطاقها السفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقائه عند الهجرة. قوله: (يريد أسماء)، يعني: يريد ابن عباس بقوله: ذات النطاق أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه. قوله: (وأما خالته)، أي خالة عبد الله فهي أم المؤمنين عائشة أخت أسماء. قوله: (وأما عمته) فهي: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد، وهي أخت العوام بن خويلد، وأطلق عليها عمته تجوزا لأنها عمة أبيه على ما لا يخفى. قوله: (وأما عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فجدته) أي: جدة عبد الله بن الزبير. وهي صفية بنت عبد المطلب. قوله: (ثم عفيف) أي: ثم هو يعني عبد الله عفيف، وانتقل من بيان نسبه الشريف إلى بيان صفاته الذاتية الحميدة بكلمة ثم التي هي للتعقيب، وأراد بالعفة في الإسلام النزاهة عن الأشياء التي تشين الرجل، والعفة أيضا الكف عن الحرم والسؤال من الناس. قوله: (والله إن وصلوني)، إلى آخره من كلام ابن عباس أيضا فيه عتب على ابن الزبير وشكر بني أمية، وأراد بقوله: (إن وصلوني) بني أمية من صلة الرحم. وفسره بقوله: (وصلوني من قريب) أي: من أجل القرابة، وذلك أن ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس بن عبد مناف. قوله: (وإن ربوني) بفتح الراء وتشديد الباء الموحدة المضمومة من التربية. قوله: (ربوني أكفاء)، من قبيل: أكلوني البراغيث. وأصله: ربني أكفاء، وكذا وقع في رواية الكشميهني على الأصل، وارتفاع أكفاء بقوله: ربوني أو ربي، على الروايتين، والأكفاء جمع كفء من الكفاءة في النكاح، وهو في الأصل بمعنى النظير والمساوي. قوله: (كرام)، جمع كريم وهو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، وروى ابن مخنف الأنصاري بإسناده أن ابن عباس لما حضرته الوفاة بالطائف جمع بنيه فقال: يا بني إن ابن الزبير لما خرج بمكة شددت أزره ودعوت
268
الناس إلى بيعته وتركت بني عمنا من بني أمية الذين إن قتلونا قتلونا أكفاء وأن ربونا ربونا كراما فلما أصاب ما أصاب جفاني. قوله: (فآثر التويتات) أي: اختار التويتات والأسامات والحميدات علي ورضي بهم وأخذهم، وفي رواية ابن قتيبة: فشددت على عضده فآثر علي فلم أرض بالهوان، وآثر بالمد، ووقع في رواية الكشميهني: فأين، بسكون الياء آخر الحروف وبالنون وهو تصحيف، والتويتات، بضم التاء المثناة من فوق وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف بعدها تاء مثناة من فوق أخرى جمع تويت وهو ابن الحارث بن عبد العزى بن قصي، والأسامات، جمع أسامة نسبة إلى بني أسامة بن أسد ابن عبد العزى، والحميدات، نسبة إلى بني حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، فهؤلاء الثلاثة من بني عبد العزى. قوله: (يريد أبطنا)، يعني: ابن عباس من هذه الثلاثة أبطنا جمع بطن وهو ما دون القبيلة وفوق الفخذ، ويجمع على بطون أيضا. قوله: (من بني أسد بن تويت)، قال عياض: وصوابه يريد أبطنا من بني أسد بن تويت، وكذا وقع في (مستخرج) أبي نعيم. قوله: (وبني أسامة)، أي: ومن بني أسامة. قوله: (وبني حميد)، أي: ومن بني حميد، وذكر ابن عباس هؤلاء الثلاثة على سبيل التحقير والتقليل، فلذلك جمعهم بجمع القلة حيث قال أبطنا. قوله: (أن ابن أبي العاص برز)، أي: ظهر، وهو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص نسبة إلى جد أبيه. قوله: (يمشي القدمية)، بفتح القاف وفتح الدال وضمها وسكونها وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف. قال عبيد: يعني يمشي التبختر ضربه، مثلا لركوبه معالي الأمور وسعى فيها وعمل بها، وقال ابن قتيبة: القدمية هي التقدمة، وقال ابن الأثير: الذي عند البخاري: القدمية، معناه: تقدمه في الشرف والفضل، والذي جاء في كتب الغريب، والتقدمية واليقدمية. بالتاء والياء، يعني: التقدم، وعند الأزهري بالياء أخت الواو، وعند الجوهري بالتاء المثناة من فوق، وقيل: إن اليقدمية بالياء أخت الواو وهو التقدم بالهمة، وفي (المطالع) رواه بعض اليقدمية: بفتح الدال وضمها والضم صح عن شيخنا أبي الحسن. قوله: (وأنه) أي: وأن ابن الزبير. قوله: (لوى ذنبه) أي: ثناه وصرفه، يقال: لوى فلان ذنبه ورأسه وعطفه إذا ثناه وصرفه، ويروى بالتشديد للمبالغة وهو مثل لترك المكارم والزوغان عن
المعروف وإيلاء الجميل، وقيل: هو كناية عن التأخر والتخلف، ويقال: هو كناية عن الجبن وإيثار الدعة، وقال الداودي: المعنى أنه وقف فلم يتقدم ولم يتأخر ولا وضع الأشياء فأدنى الكاشح وأقصى الناصح وقال ابن التين: معنى: لوى ذنبه، لم يتم له ما أراده وكان الأمر كما ذكر، والآن عبد الملك لم يزل في تقدم من أمره إلى أن استنقذ العراق من ابن الزبير وقتل أخاه مصعبا، ثم جهر العساكر إلى ابن الزبير فكان من الأمر ما وقع، وكان ولم يزل ابن الزبير في تأخر إلى أن قتل.
4666 ح دثنا محمد بن عبيد بن ميمون حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد قال أخبرني ابن أبي مليكة دخلنا على ابن عباس فقال ألا تعجبون لابن الزبير قام في أمره هذا فقلت لأحاسبن نفسي له ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر ولهما كانا أولى بكل خير منه وقلت ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وابن الزبير وابن أبي بكر وابن أخي خديجة وابن أخت عائشة فإذا هو يتعلى عني ولا يريد ذلك فقلت ما كنت أظن أني أعرض هذا من نفسي فيدعه وما أراه يريد خيرا و إن كان لا بد لأن يربني بنو عمي أحب إلي من أن ير بني غيرهم.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن محمد بن عبيد بن ميمون المديني، ويقال له: محمد بن أبي عباد عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي عن عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي المكي عن عبد الله بن أبي مليكة إلى آخره.
قوله: (قام في أمره) أي: في الخلافة. قوله: (لأحاسبن نفسي) أي: لأناقشنها له. أي: لابن الزبير، وقيل: لأطالبن نفسي بمراعاته وحفظ حقه ولأنافسن في معونته ولاستقصين عليها في النصح له والذب عنه. قوله: (ما حاسبتها)
269
كلمة. ما للنفي، أي: ما حاسبت نفسي لأبي بكر ولا لعمر. قوله: (ولهما كان أولى بكل خير) اللام فيه لام الابتداء، والواو فيه يصلح أن يكون للحال. وهما يرجع إلى أبي بكر وعمر، قوله: (منه) أي: من ابن الزبير. قوله: (وقلت: ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم) تجوز، وإنما هي عمة أبي النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صفية بنت عبد المطلب. وكذلك قوله: (وابن أبي بكر) تجوز لأنه ابن بنت أبي بكر، وكذلك قوله: وابن أخي خديجة تجوز لأنه ابن ابن أخيها العوام. قوله: (فإذا هو) أي: ابن الزبير: (يتعلى عني) أي: يترفع منتحيا عني. قوله: (ولا يريد ذلك) أي: لا يريد أن أكون من خاصته. قوله: (ما كنت أظن أني أعرض هذا) أي: أظهر وأبذل هذا من نفسي وأرضى به فيدعه. أي: فإن يدعه أي يتركه ولا يرضى هو بذلك. قوله: (وما أراه يريد خيرا) أي: وما أظنه يريد خيرا يعني في الرغبة عني. قوله: (وإن كان لابد) أي: وإن كان هذا الذي صدر منه لا فراق له منه لأن يربني بنو عمي أي بنو أمية ويريني من التربية ومعناه: يكون بنو أمية أمراء علي وقائمين بأمري قوله: (أحب إلي) خبر إن. قوله: (غيرهم) أي: غير بني عمي. وهم الأمويون. وقال الحافظ إسماعيل في كتاب (التخيير) يعني: بقوله لأن يربني بنو عمي إلى آخره، لأن أكون في طاعة بني أمية وهم أقرب إلى قرابة من بني أسد أحب إلي.
10
((باب قوله: * (والمؤلفة قلوبهم) * (التوبة: 60))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (والمؤلفة قلوبهم) * وليس في بعض النسخ لفظ باب. وقبله: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب) * (التوبة: 60) الآية. وهذه الآية في بيان قسمة الصدقات ويبين الله عز وجل حكمها وتولى قسمتها بنفسه ومصرفها ثمانية أصناف، وسقطت المؤلفة قلوبهم لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم، وكان يعطي لهم لتتألف قلوبهم أو ليدفع ضررهم عن المسلمين، وهل تعطى المؤلفة على الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيه خلاف، فروي عن عمر والشعبي وجماعة: أنهم لا يعطون بعده، وقال آخرون: بل يعطون، لأنه صلى الله عليه وسلم قد أعطاهم بعد فتح مكة وكسر هوازن، وهذا أمر قد يحتاج إليه فيصير إليهم، واختلف في الوقت الذي تألفهم فيه فقيل: قبل إسلامهم، وقيل: بعد واختلف متى قطع ذلك عنهم؟ فقيل: في خلافة الصديق، وقيل: في خلافة الفاروق، وكان المؤلفة قلوبهم نحو الخمسين منهم أبو سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حرام وعباس بن مرداس.
قال مجاهد يتألفهم بالعطية
هذا وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
4667 ح دثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فقسمه بين أربعة وقال أتألفهم فقال رجل ما عدلت فقال يخرج من ضئضيء هاذا قوم يمرقون من الدين.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وكثير ضد القليل وسفيان هو الثوري يروي عن أبيه سعيد بن مسروق وهو يروي عن عبد الرحمن بن أبي نعم، بضم النون وسكون العين المهملة، ومضى هذا الحديث بهذا الإسناد في كتاب الأنبياء في قصة هود بأتم منه، وأخرجه هنا مختصرا.
قوله: (بين أربعة) وهم الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وزيد بن مهلهل وعلقمة ابن علاثة بالثاء المثلثة النجديون. قوله: (فقال رجل) هو ذو الخويصرة مصغر الخاصرة بالخاء المعجمة والصاد المهملة. قوله: (فقال) أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (من ضئضيء) بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة وبالياء آخر الحروف، وهو الأصل، والمراد به النسل. قوله: (يمرقون) أي: يخرجون.
11
((باب قوله: * (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) * (التوبة: 79))
أي: هذا باب في قوله عز وجل قوله: * (الذي يلمزون) * الآية. هذه الآية في صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في
270
جميع الأحوال حتى ولا المتصدقون لا يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا: هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا. قوله: (المطوعين) أصله المتطوعين فأبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء.
يلمزون يعيبون
أراد أن معنى اللمز العيب، وليس هذا في رواية أبي ذر.
وجهدهم وجهدهم طاقتهم
أشار به إلى قوله تعالى: * (والذين لا يجدون إلا جهدهم) * وفسر الجهد بالطاقة، وهو بضم الجيم وبالفتح المشقة. وعن الشعبي بالعكس. وقيل: هما لغتان.
4669 ح دثنا إسحاق بن إبراهيم قال قلت ل أبي أسامة أحدثكم زائدة عن سليمان عن شقيق عن أبي مسعود الأنصاري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة فيحتال أحدنا
271
حتى يجيء بالمد وإن لأحدهم اليوم مائة ألف كأنه يعرض بنفسه.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه لأنه مطابق لمعنى الحديث السابق، والمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء. وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه، وأبو إسامة حماد بن أسامة، وزائدة من الزيادة ابن قدامة أبو الصلت الكوفي وسليمان هو الأعمش، وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل والحديث مضى في أوائل الزكاة.
قوله: (أحدثكم) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله: (فيحتال) أي: يجتهد ويسمى. قوله: (مائة ألف) بالنصب على أنها اسم. إن، والخبر قوله لأحدهم: (مقدما) (واليوم) نصب على الظرف (ومائة ألف) يحتمل الدراهم ويحتمل الدنانير ويحتمل الأمداد من القمح أو التمر أو نحوهما. قوله: (كأنه يعرض بنفسه) من كلام شقيق الراوي، وقد صرح به إسحاق في مسنده، وقال في آخره: قال شقيق كأنه يعرض بنفسه قلت: كأن أبا مسعود عرض بنفسه لما صار من أصحاب الأموال الكثيرة.
12
((باب قوله: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) * (التوبة: 80))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (استغفر لهم) * إلى آخر ما ذكره في رواية أبي ذر، وعند غيره مختصرا، خبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن هؤلاء المنافقين اللمازين ليسوا أهلا للاستغفار، وأنه لو استغفرلهم ولو سبعين مرة فإن الله لا يغفر لهم، وذكر السبعين بالنص عليه لحسم مادة الاستغفار لهم لأن العرب في أساليب كلامهم تذكر السبعين في مبالغة كلامهم ولا يراد بها التحديد ولا أن كون ما زالد عليها بخلافها.
4670 ح دثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال لما توفي عبد الله بن رجاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما خيرني الله) فقال: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم سبعين مرة) * (التوبة: 84) وسأزيده على السبعين قال إنه منافق قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبيد، بضم العين وفتح الباء الموحدة، واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبيد الله بن عمر العمري.
والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب الكفن في القميص أخرجه مسلم في التوبة عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (لما توفي عبد الله) يعني: ابن أبي ابن سلول، ووقع في أكثر النسخ اسم أبيه أبي، وقال الواقدي: إنه مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك في ذي القعدة سنة تسع، وكانت مدة مرضه عشرين يوما وابتداؤها من ليال بقيت من شوال، وكذا ذكره الحاكم في (الإكليل) وقالوا: وكان قد تخلف هو ومن معه عن غزوة تبوك وفيهم نزلت * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) * (التوبة: 47) قيل: هذا يدفع قول ابن التين، إن هذه القصة كانت في أول الإسلام قبل تقرير الأحكام. قوله: (فأعطاه). أي: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم، قميصه عبد الله. قال الكرماني: لم أعطي قميصه المنافق؟ ثم أجاب بقوله: أعطى لابنه وما أعطى لأجل أبيه عبد الله بن أبي. وقيل: كان ذلك مكافأة له على ما أعطى يوم بدر قميصا للعباس لئلا يكون للمنافق منة عليهم. قوله: (ثم سأله أن يصلي عليه) إنما سأله بناء على أنه
272
حمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام ولدفع العار عنه وعن عشيرته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك. قوله: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي) عليه قوله: (أتصلي عليه) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله: (وقد) الواو وفيه للحال. قوله: (نهاك ربك أن تصلي عليه) قال الكرماني: أين نهاه ونزول قوله: * (ولا تصل على أحد منهم) * (التوبة: 84) بعد ذلك؟ فأجاب بقوله: لعل عمر استفاد النهي من قوله تعالى: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * (التوبة: 113) أو من قوله: * (أن تستغفر لهم) * فإنه إذا لم يكن للاستغفار فائدة المغفرة يكون عبثا فيكون منهيا عنه وقال القرطبي: لعل ذلك وقع في خاطر عمر، رضي الله تعالى عنه، فيكون من قبيل الإلهام. قوله: (إنما خيرني الله) أي: بين الاستغفار وتركه. قوله: (وسأزيد) حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد السبعين على حقيقته، وحمله عمر، رضي الله تعالى
عنه، على المبالغة. وقال الخطابي: فيه حجة لمن أرى الحكم بالمفهوم لأنه جعل السبعين بمنزلة الشرط فإذا جاوز هذا العدد كان الحكم بخلافه، وكان رأي عمر التصلب في الدين والشدة على المنافقين، وقصد، عليه الصلاة والسلام، الشفقة على من تعلق بطرف من الدين والتألف لابنه ولقومه، فاستعمل أحسن الأمرين وأفضلهما. قوله: (إنه منافق) إنما جزم بذلك جريا على ما كان اطلع عليه من أحواله ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: وصلى الله عليه وسلم إجراء له على ظاهر حكم الإسلام، وذهب بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بصحيح لمخالفته الأحاديث الصحيحة المصرحة بما ينافي في ذلك، وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة قال: فأنزل الله تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * قال: فذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: وما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه، قوله: (فأنزل الله تعالى) إلى آخره: زاد مسدد في حديثه عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر في آخره: فترك الصلاة عليهم، وفي حديث ابن عباس: فصلى عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت، وزاد ابن إسحاق في (المغازي) في حديث الباب: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله تعالى.
4671 ح دثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا قال أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) * إلى قوله: * (وهم فاسقون) * قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم.
أخرج الحديث المذكور من وجه آخر عن ابن عباس عن عمر، رضي الله تعالى عنه، ومضى الحديث في الجنائز. وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير أيضا وأخرجه النسائي أيضا في الجنائز.
قوله: (وقال غيره)، الغير هو عبد الله بن صالح كاتب الليث. قوله: (سلول)، بفتح السين المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها الأم اسم أم عبد الله، وهي خزاعية، وعبد الله من الخزرج أحد قبيلة الأنصار. قوله: (ابن سلول)، بالرفع لأنه صفة عبد الله لا صفة أبي. قوله: (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان ذلك تعجبا من صلابة عمر، رضي الله تعالى عنه، وبغضه للمنافقين قيل: لم يكن صلى الله عليه وسلم، يتبسم عند شهود الجنائز
273
وأجيب بأنه كان على وجه الغلبة. قوله: (يغفر له) بجزم الراء لأنه جواب الشرط وفي رواية الكشميهني: فغفر له، بالفاء على صيغة الماضي. قوله: (بعد) بضم الدال لأنه قطع عن الإضافة فبنى على الضم. قوله: (من جرأتي) بضم الجيم أي: من إقدامي عليه. (والله ورسوله أعلم) قيل: الظاهر أنه من عمر، رضي الله تعالى عنه، ويحتمل أن يكون من قول ابن عباس.
13
((باب قوله: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * (التوبة: 84))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولا تصل) * إلى آخره، وظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم. قال الواقدي: أخبرنا معمر عن الزهري: قال: قال حذيفة، رضي الله تعالى عنه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني مسر إليك سرا فلا تذكره لأحد، إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان، رهط ذوي عدد من المنافقين، قال: فلذلك كان عمر، رضي الله تعالى عنه، إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى مشى معه، وإلا لم يصل عليه، ومن طريق آخر عن جبير ابن مطعم، إنهم اثنا عشر رجلا.
4672 ح دثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال إنما خيرني الله أو أخبرني الله فقال: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) * (التوبة: 80) فقال سأزيد على سبعين قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه ثم أنزل الله عليه: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) *.
هذا وجه آخر في الحديث المذكور عن ابن عمر في الباب الذي قبله. قوله: (إنما خيرني الله أخبرني)، كذا وقع بالشك والأول من التخيير. والثاني من الإخبار، ووقع في أكثر الروايات: خيرني: يعني بين الاستغفار وتركه، وكذا وقع بغير شك عند الإسماعيلي أخرجه من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبي ضمرة وهو أنس بن عياض بلفظ إنما خيرني الله من التخيير فحسب، وقد استشكل فهم التخيير من الآية حتى إن جماعة من الأكابر طعنوا في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه، منهم: القاضي أبو بكر فإنه قال لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله: ومنهم: أبو بكر الباقلاني فإنه قال في (التقريب) هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها ومنهم: إمام الحرمين. قال في (مختصره) هذا الحديث غير مخرج في الصحيح، وقال في (البرهان) لا يصححه أهل الحديث. ومنهم: الغزالي، قال في (المستصفى) الأظهر أن هذا الحديث غير صحيح ومنهم: الداودي، قال: هذا الحديث غير محفوظ، وأجيب بأنهم ظنوا أن قوله: (ذلك
بأنهم كفروا)، الآية نزل مع قوله: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) * ولم يكن نزوله إلا متراخيا عن صدر الآية فحينئذ يرتفع الإشكال وقد قال الزمخشري، ما فيه رفع للإشكال المذكور، وملخص سؤاله أنه قد تلا قوله: (ذلك بأنهم كفروا) قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) فبين الصارف عن المغفرة لهم، وملخص جوابه أنه مثل قول إبراهيم عليه السلام: * (ومن عصاني فإنك غفور رحيم) * (إبراهيم: 36) وذلك أنه تخيل بما قال إظهار الغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه، وقد رد كلام الزمخشري هذا من لا يدانيه ولا يجاريه في مثل هذا الباب، فإنه قال: لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل. وهذا لا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم، ورد عليه بأن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركا
274
لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرا للإسلام. قوله: (سأزيد على السبعين)، لاستمالة قلوب عشيرته لا أنه أراد أنه إذا زاد على السبعين يغفر له، ويؤيد هذا تردده في الحديث الآخر حيث قال: لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت، وقيل: لما قال سأزيد نزلت * (سواء عليهم استغفرت لهم) * (المنافقون: 6) الآية فتركه.
14
((باب قوله: * (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) * (التوبة: 95))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (سيحلفون بالله) * الآية، وسقط في رواية الأصيلي لفظ: لكم، والصواب إثباتها، وأخبر الله عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة يعتذرون ويحلفون بالله لتعرضوا عنهم فلا تؤنبوهم فأعرضوا عنهم احتقارا لهم إنهم رجس، أي: جبناء نجس بواطنهم واعتقاداتهم ومأواهم في آخره جهنم جزاء بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا.
4673 ح دثنا يحيى حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمان بن عبد الله أن عبد الله بن كعب بن مالك قال سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن تبوك والله ما أنعم الله علي من نعمة بعد إذ هداني أعظم من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين أنزل الوحي * (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم) * إلى قوله: * (الفاسقين) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي المصري. والحديث مضى مطولا في غزوة تبوك بهذا الإسناد ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (ما أنعم الله علي من نعمة) كذا في رواية الأكثرين. وفي رواية المستملي وحده على عبد نعمة، والأول هو الصواب. قوله: (أن لا أكون) قال عياض: كذا وقع في نسخ البخاري ومسلم، والمعنى: أن أكون كذبته، ولا زائدة كما قال الله تعالى: * (ما منعك أن لا تسجد) * أي: أن تسجد. قوله: * (أن لا أكون) * مستقبل (وكذبته) ماض وبينهما منافاة ظاهرا، ولكن المستقبل في معنى الاستمرار المتناول للماضي فلا منافاة بينهما. قوله: (إلى الفاسقين) تفسير قوله: (إليهم).
باب قوله: * (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم) * إلى قوله * (الفاسقين) * (التوبة: 96)
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (يحلفون لكم) * إلى آخره، هكذا ثبت هذا الباب لأبي ذر وحده بغير حديث، وليس بمذكور أصلا في رواية الباقين نزلت هذه في المنافقين يحلفون لكم لأجل أن ترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم بحلفانهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين، أي: الخارجين عن طاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
15
((باب قوله: * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) * (التوبة: 102))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وآخرون) * الآية وسيقت الآية كلها في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) * الآية. ولما أخبر الله تعالى عن حال المنافقين المتخلفين عن الغزاة رغبة عنها وتكذيبا. شرع في بيان حال الذين تأخروا عن الجهاد كسلا وميلا إلى الراحة مع إيمانهم وتصديقهم بالحق، فقال: * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) * أي: أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربهم ولهم أعمال أخر صالحة خلطوا هذه بتلك فهؤلاء تحت عفو الله وغفرانه. فهذه الآية وإن كانت نزلت في إناس معينين إلا أنها عامة في كل المذنبين الخطائين المخلطين المتلوثين وقال مجاهد عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن غزوة تبوك. فقال بعضهم: أبو لبابة وخمسة معه، وقيل: وسبعة معه، وقيل: وتسعة معه.))
275
4674 ح دثنا مؤمل هو ابن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عوف حدثنا أبو رجاء حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذالك النهر فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذالك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قالا لي هاذه جنة عدن وهذا منزلك قالا أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر صيتا تجاوز الله عنهم.
مطابقته للترجمة في قوله: * (فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) * ومؤمل بضم الميم وفتح الهمزة وكسر الميم، وفتحها، وإسماعيل ابن إبراهيم هو إسماعيل بن علية، وعوف هو الأعرابي وأبو رجاء ضد اليأس. عمران العطاردي. والحديث أخرجه البخاري مقطعا في الصلاة وفي الجنائز وفي البيوع وفي الجهاد في بدء الخلق وفي صلاة الليل وفي الأدب وفي الصلاة، وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير وفي التعبير عن مؤمل بن هشام، وقد ذكرنا في المواضع الماضية ما فيه الكفاية.
قوله: (آتيان)، أي: ملكان. قوله: (فابتعثاني) أي: من النوم. قوله: (شطر) أي: نصف. قوله: (أما القوم) قسيمه هو قوله: هذا منزلك. قوله: (الذين
) ويروى: الذي، بالإفراد ويؤول بما يؤول به. قوله: (وخضتم كالذي خاضوا) (التوبة: 69) قوله: (كانوا شطر منهم حسن)، القياس كان شطر منهم حسنا. ولكن كان تامة. وشطر مبتدأ: وحسن، خبره والجملة حال بدون الواو وهو فصيح كما في قوله تعالى: * (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) *.
16
((باب قوله: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * (البقرة: 36))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ما كان للنبي) * إلى آخره قال قتادة: في هذه الآية ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله! إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم، أفلا تستغفر لهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلى. والله إني لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه) فأنزل الله: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا) * حتى بلغ * (الجحيم) *. وقال العوفي عن ابن عباس، في هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عن ذلك، فقال إن إبراهيم خليل الله استغفر لأبيه فأنزل الله: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) * (التوبة: 114) وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية فلما أنزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ثم أنزل الله: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) * الآية.
4675 ح دثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم انه عنك فنزلت: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) *.
276
مطابقته للترجمة ظاهرة. وقد مضى هذا الحديث في كتاب الجنائز في: باب إذا قال المشرك عند الموت لا إلاه إلا الله، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه إلى آخره، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بفتح الباء وكسرها، وقال النووي: لم يرو عن المسيب إلا ابنه، وفيه رد على الحاكم أبي عبد الله فيما قاله: إن البخاري لم يخرج عن أحد ممن لم يرو عنه إلا واحد، ولعله أراد من غير الصحابة. وأبو طالب اسمه: عبد مناف، وأبو جهل عمرو بن هشام المخزومي، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي أسلم عام الفتح. قوله: (أي عم)، يعني: يا عمي، حذفت ياء الإضافة للتخفيف. قوله: (أحاج)، جواب للأمر، وقال القرطبي: وقد سمعت أن الله أحيى عمه أبا طالب فآمن من به، وروى السهيلي في (الروض) بسنده أن الله أحيى أم النبي صلى الله عليه وسلم وأباه فآمنا به.
17
((باب قوله: * (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كان تزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم) * (التوبة: 117))
أي: هذا باب في قوله: * (لقد تاب) * الآية. وفي رواية أبي ذر، هكذا ساق إلى قوله: * (اتبعوه) * الآية. قال الزمخشري: في قوله: * (تاب الله على النبي) * كقوله: * (وليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 2) * (فاستغفر لذنبك) * (غافر: 255) وهو بعث للمؤمنين على التوبة وأنه ما من مؤمن إلا وهو يحتاج إلى التوبة والاستغفار، حتى النبي والمهاجرين والأنصار، وقيل: تاب الله عن إذنه للمنافقين في التخلف عنه. وقيل: معنى التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم أنه مفتاح كلام لأنه لما كان سبب توبة التائبين ذكر معهم كقوله: * (فإن لله خمسة وللرسول) * (محمد: 19) قوله: (في ساعة العسرة) أي: الشدة وضيق الحال. قال جابر: عسرة الظهر وعسرة الزاد وعسرة المال، وقال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية في غزو تبوك وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة الحر في سنة مجدية وعسر من الزاد والماء، وقال: قتادة: ذكر لنا أن رجلين كانا يشقان التمر بينهما وكان النفر يتناولون الثمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم. قوله: (من بعدما كاد تزيغ)، أي: تميل (قلوب فريق منهم) عن الحق ونشك في دين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي نالهم من المشقة والشدة. قوله: (ثم تاب عليهم)، أي: رزقهم الله الإنابة إليه والرجوع إلى الثبات على دينه إنه أي: إن الله (بهم رؤوف رحيم).
4676 ح دثنا أحمد بن صالح قال حدثني ابن وهب قال أخبرني يونس قال أحمد وحدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمان بن كعب قال أخبرني عبد الله بن كعب وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك في حديثه وعلى الثلاثة الذين خلفوا قال في آخر حديثه إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمسك بعض مالك فهو خير لك).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ثم تاب عليهم) وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري روى عن عبد الله بن وهب المصري وعن عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة ابن خالد بن أخي يونس بن يزيد الأيلي يروي عن عمه يونس عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، سمع أبا كعب بن مالك الأنصاري، وهذا طرف من حديث طويل في قصة كعب بن مالك مضى في كتاب المغازي، وهذا القدر الذي اختصر عليه في كتاب الوصايا. قوله: (وكان قائد كعب)، أي: كان عبد الله قائد أبيه من بين أبنائه حين عمي كعب وأبناؤه ثلاثة، عبد الله وعبد الرحمن وعبيد الله، وكلهم رووا عن أبيهم كعب بن مالك.
277
18
((باب: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) * (التوبة: 118))
لم يذكر هنا لفط باب، والآية المذكورة بتمامها في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى قوله: (بما رحبت) الآية. قوله: (وعلى الثلاثة)، أي: وتاب الله على الثلاثة، وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية. قوله: (خلفوا) أي: عن الغزو، وقرئ: خلفوا، بفتح الخاء واللام المخففة. أي: خلفوا المغازين بالمدينة وفسدوا من الخالفة وخلوف الفم، وقرأ جعفر الصادق: خالفوا وقرأ الأعمش: وعلى الثلاثة المخلفين. قوله: (بما رحبت) أي: برحبها أي: بسعتها وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون فيها مكانا يقرون فيها قلقا وجزعا مما هم فيه. قوله: (أنفسهم) أي: قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور. قوله: (وظنوا) أي: علموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا إلى الله بالاستغفار قوله: (ثم تاب عليهم) أي: ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة كرة بعد أخرى. (ليتوبوا) أي: ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا وليتوبوا أيضا في المستقبل إن حصلت منهم خطيئة.
4677 ح دثني محمد حدثنا أحمد بن أبي شعيب حدثنا موسى بن أعين حدثنا إسحاق ابن راشد أن الزهري حدثه قال أخبرني عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال سمعت أبي كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط غير غزوتين غزوة العسرة وغزوة بدر قال فأجمعت صدق رسول ا لله صلى الله عليه وسلم ضحى وكان قلما يقدم من سفر سافره إلا ضحى وكان يبدأ بالمسجد فيركع ركعتين ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا فاجتنب الناس كلامنا فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الآخر من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية في أمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل إليه فأبشره قال إذا يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا وكان إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر وكنا أيها الثلاثة الذين خلفوا عن الأمر الذي قبل من هاؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتخلفين واعتذروا بالباطل ذكروا بشر ما ذكر به أحد قال الله سبحانه: * (يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله) * (التوبة: 94) الآية.
278
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد شيخ البخاري مختلف فيه، فقال الحاكم: هو محمد بن النضر النيسابوري وقد مر في تفسير سورة الأنفال، وقال مرة: هو محمد بن إبراهيم البوشنجي، وقال أبو علي الغساني: هو محمد بن يحيى الذهلي، وأحمد ابن أبي شعيب هو أحمد بن عبد الله بن مسلم وأبو شعيب كنية مسلم لا كنية عبد الله وكنية أحمد أبو الحسن، وقد وقع في رواية أبي علي بن السكن، حدثني أحمد بن أبي شعيب، بلا ذكر محمد، والأول هو قول الأكثرين، وإن كان أحمد بن أبي شعيب من مشايخه، وهو ثقة باتفاق، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وموسى بن أعين، بفتح الهمزة والياء آخر الحروف وسكون العين المهملة بينهما الجزري، بالجيم والزاي والراء، وقد مر في الصوم، وإسحاق بن راشد الجزري أيضا والزهري محمد بن مسلم.
وهذا الحديث قطعة من قصة كعب بن مالك. وقد تقدمت بكمالها في المغازي في غزوة تبوك.
قوله: (تيب) بكسر التاء المثناة وسكون الياء آخر الحروف، مجهول تاب توبة. قوله: (غزوة العسرة)، ضد اليسرة، وهي غزوة تبوك. قوله: (فأجمعت) أي: عزمت قوله: (صاحبي) وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية. قوله: (أهم) من: أهمني الأمر إذا أقلقك وأحزنك. قوله: (ولا يصلي)، على صيغة المجهول وفي وراية الكشميهني: ولا يسلم، وحكى عياض أنه وقع لبعض الرواة. فلا يكلمني أحد منهم ولا يسلمني. واستبعده لأن المعروف أن السلام إنما يتعدى بحرف الجر، وقد وجهه بعضهم بأن يكون اتباعا أو يرجع إلى قول من فسر السلام، بأنت مسلم مني. قلت: هذا توجيه لا طائل تحته. قوله: (ورسول الله صلى الله عليه وسلم، عند أم سلمة)، الواو فيه للحال. وأم سلمة هند. قوله: (معنية)، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وبالياء آخر الحروف المشددة من الاعتناء، وهذه رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني: معينة، بضم الميم وكسر العين وسكون الياء وفتح النون من الإعانة، وليست بمشتقة من العون. كما قاله بعضهم: قوله: (إذا يحطمكم) من الخطم وهو الدوس، وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني: إذا يخطفكم، بالحاء المعجمة وبالفاء من الخطف وهو مجاز عن الازدحام. قوله: (آذز) أي: اعلم. قوله: (كذبوا) بتخفيف الذال ورسول الله بالنصب لأن كذب يتعدى بدون الصلة. قوله: (يعتذرون إليكم) يعني: المنافقين إذا رجعوا إلى المدينة يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم. قوله: (لن نؤمن لكم) أي: لن نصدقكم. قوله: (قد نبأنا الله) أي: قد أخبرنا الله من سرائركم وما تخفى صدوركم وسيرى الله عملكم ورسوله فيما بعد أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه وتردون بعد الموت إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم فيخبركم بما كنتم تعلمون في السر والعلانية ويجزيكم عليها.
19
((باب قوله: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * (التوبة: 119))
أي هذا باب في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * الآية، وهذه الآية عقيب قوله: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 118) الآية، ولما جرى على هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب وهجر المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة فصبروا على ذلك واستكانوا لأمر الله فرج الله عنهم بسبب صدقهم جميع ذلك وتاب عليهم، وكان عاقبة صدقهم وتقواهم نجاة لهم وخيرا، وأعقب ذلك بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا) * الآية. قوله: (اتقوا الله) أي: خافوه. قوله: (وكونوا مع الصادقين)
يعني: إلزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم ومخرجا.
4678 ح دثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمان ابن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد لله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب بن مالك قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك فوالله ما أعلم أحدا أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هاذا كذبا وأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم لقد تاب الله على النبي والمهاجرين إلى
279
قوله وكونوا مع الصادقين..
مطابقته للترجمة تؤخذ من حيث إن الله فرج عن كعب وتاب عليه بحسن صدقه كما في متن الحديث، وأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر المؤمنين بالتقوى والصدق. ورجال إسناده قد ذكروا عن قريب وفيما قبله غير مرة، والحديث قطعة من حديث كعب الطويل، وتكلمنا فيه فيما مضى.
20
((باب قوله: * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (التوبة: 128))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (لقد جاءكم) * الآية، كذا ثبت إلى آخر الآية في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى قوله: (ما عنتم) وقد من الله تعالى بهذه الآية على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم أي: من جنسهم وعلى لغتهم، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) * (البقرة: 129) وقرى: من أنفسكم، من النفاسة أي: من أشرفكم وأفضلكم، وقيل: هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة وعائشة رضي الله عنهما. قوله: (عزيز عليه ما عنتم) أي: يعز عليه ما يشق عليكم، ولهذا جاء في الحديث: بعثت بالحنفية السمحة، وعنتم من العنت وهو المشقة، وقال ابن الأنباري: أصله التشديد، وقال الضحاك: الإثم، وقال ابن أبي عروبة: الضلال، وقيل: الهلاك. وحاصل المعنى: يعز عليه أن تدخلوا النار، وجمعت هذه الآية ست صفات لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرسالة والنفاسة والعزة وحرصه على إيصال الخيرات إلى أمته في الدنيا والآخرة والرأفة والرحمة. قال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لنبي من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) * وقال عز وجل: * (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) * (البقرة: 143 والحج: 65).
من الرأفة
يعني: رؤوف من الرأفة وهي الحنو والعطف وهي أشد الرحمة، ولم يثبت هذا في رواية أبي ذر.
4679 ح دثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني ابن السباق أن زيد ابن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وكان ممن يكتب الوحي قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه وإني لأري أن تجمع القرآن قال أبو بكر قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذالك صدري ورأيت الذي رأي عمر قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالس لا يتكلم فقال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
280
عليه ما عنتم حريص عليكم) * (التوبة: 128) إلى آخرها وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما..
مطابقته للترجمة في قوله: * (لقد جاءكم رسول) * إلى آخر الآيتين. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وابن السباق، بفتح السين المهملة وتشديد الباء الموحدة: وهو عبيد حجازي.
والحديث أخرجه الترمذي في التفسير عن بندار. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن الهيثم بن أيوب.
قوله: (مقتل أهل اليمامة)، أي: أيام مقاتلة الصحابة رضي الله عنهم، مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وكان مقتلهم سنة إحدى عشرة من الهجرة، واليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم مدينة باليمن وسميت باسم المصلوبة على بابها وهي التي كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام وتعرف بالزرقاء لزرقة عينها واسمها عنزة، وقال البكري: كان اسم اليمامة في الجاهلية: جو، بفتح الجيم وتشديد الواو حتى سماها الملك الحميري لما قتل المرأة التي تسمى اليمامة باسمها، وقال الملك الحميري:
* وقلنا فسموا اليمامة باسمها
* وسرنا وقلنا لا نريد الإقامة
*
وزعم عياض أنها تسمى أيضا: العروض، بفتح العين المهملة، وقال البكري: العروض اسم لمكة والمدينة معروف. قوله: (قد استحر)، أي: اشتد وكثر على وزن استفعل من الحر، وذلك أن المكروه يضاف إلى الحر والمحبوب يضاف إلى البرد ومنه المثل: تولى حارها من تولى قارها، وقتل بها من المسلمين ألف ومائة،
وقيل: ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن. قوله: (في المواطن) أي: المواضع التي سيغزو فيها المسلمون ويقتل ناس من القراء فيذهب كثير من القرآن. قوله: (كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال ابن الجوزي: هذا كلام من يؤثر الاتباع ويخشى الابتداع، وإنما لم يجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان بمعرض أن ينسخ منه أو يزاد فيه، فلو جمعه لكتب وكان الذي عنده نقصان ينكر على من عنده الزيادة، فلما أمن هذا الأمر بموته صلى الله عليه وسلم جمعه أبو بكر رضي الله عنه، ولم يصنع عثمان في القرآن شيئا، وإنما أخذ الصحف التي وضعها عند حفصة رضي الله عنها. وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وأبي بن كعب في اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار لأن حذيفة أخبره بالاختلاف في ذلك، فلما توفيت حفصة أخذ مروان بن الحكم تلك الصحف فغسلها، وقال: أخشى أن يخالف بعض القرآن بعضا، وفي لفظ: أخاف أن يكون فيه شيء يخالف ما نسخ عثمان، وإنما فعل عثمان هذا ولم يفعله الصديق رضي الله عنه، لأن غرض أبي بكر كان جمع القرآن بجميع حروفه ووجوهه التي نزل بها وهي على لغة قريش وغيرها، وكان غرض عثمان تجريد لغة قريش من تلك القراءات، وقد جاء ذلك مصرحا به في قول عثمان لهؤلاء الكتاب، فجمع أبو بكر غير جمع عثمان، فإن قيل: فما قصد عثمان بإحضار الصحف وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظوه؟. قيل: الغرض بذلك سد باب المقالة وأن يزعم أن في الصحف قرآنا لم يكتب ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهدة بجميع ما كتبوه. قوله: (هو والله خير)، يحتمل أن يكون لفظ: خير، أفعل التفضيل. فإن قلت: كيف ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو خير؟ قلت: هذا خير في هذا الزمان وكان تركه خيرا في زمانه صلى الله عليه وسلم لعدم تمام النزول واحتمال النسخ كما أشرنا إليه عن قريب. قوله: (إنك رجل شاب)، يخاطب به أبو بكر زيد بن ثابت رضي الله عنهما، وإنما قال: شاب، لأن عمره كان إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وخطاب أبي بكر إياه بذلك في خلافته، فإذا اعتبرت هذا يكون عمره حئنذ ما دون خمس وعشرين سنة، وهي أيام الشباب. قوله: (لا تتهمك)، دل على عدم اتهامه به. قوله: (كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكتابته الوحي تدل على أمانته الغاية، وكيف وكان من فضلاء الصحابة ومن أصحاب الفتوى؟ قوله: (فتتبع) أمر، و (القرآن) منصوب. قوله: (فوالله لو كلفني)، من كلام زيد، يحلف بالله أن أبا بكر لو كلفه كذا وكذا. قوله: (ما كان أثقل) جواب: لو قوله: (فتتبعت القرآن)، قيل: إن زيدا كان جامعا
281
للقرآن فما معنى هذا التتبع والطلب لشيء إنما هو ليحفظه ويعلمه، أجيب: أنه كان يتتبع وجوهه وقراءاته ويسأل عنهما غيره ليحيط بالأحرف السبعة التي نزل بها الكتاب العزيز، ويعلم القراءات التي هي غير قراءته. قوله: (أجمعه) حال من الأحوال المقدرة المنتظرة. قوله: (من الرقاع)، بكسر الراء: جمع رقعة يكون من ورق ومن جلد ونحوهما. قوله: (والأكتاف)، جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه. قوله: (والعسب)، بضم العين والسين المهملتين: جميع عسيب وهو جريد النخل العريض منه وكانوا يكشطون خوصها ويتخذونها عصا وكانوا يكتبون في طرفها العريض، وقال ابن فارس: عسيب النخل كالقضبان لغيره، وذكر في التفسير: اللخاف، بالخاء المعجمة وهي حجارة بيض رقاق واحدها لخفة. وقال الأصمعي: فيها عرض ودقة، وقيل: الخزف. قوله: (مع خزيمة الأنصاري)، وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الخطمي ذو الشهادتين، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين. قوله: (لم أجدهما مع أحد غير خزيمة)، فإن قيل: كيف ألحق هاتين الآيتين بالقرآن وشرطه أن يثبت بالتواتر؟ قيل له: معناه: لم أجدهما مكتوبتين عند غيره، أو المراد: لم أجدهما محفوظتين، ووجهه أن المقصود من التواتر إفادة اليقين، والخبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد أيضا اليقين، وكان ههنا قرائن مثل كونهما مكتوبتين ونحوهما وأن مثله لا يقدر في مثله بمحضر الصحابة أن يقول إلا حقا وصدقا. قلت: إن خزيمة أذكرهم ما نسوه ولهذا قال زيد: وجدتهما مع خزيمة، يعني مكتوبتين ولم يقل: عرفني أنهما من القرآن، مع تصريح زيد بأنه سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم، أو نقول: ثبت أن خزيمة شهادته بشهادتين فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا. قوله: (لقد جاءكم) إلى آخر بيان الآيتين.
تابعه عثمان بن عمر والليث عن يونس عن ابن شهاب
أي: تابع شعيبا في روايته عن الزهري عثمان بن عمر بن فارس البصري العبدي والليث بن سعيد البصري كلاهما عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وروى متابعة عثمان أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمد ابن يحيى عن عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري فذكره، وأما متابعة الليث عن يونس فرواها البخاري في فضائل القرآن وفي التوحيد.
وقال الليث: حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة الأنصاري
أشار بهذا إلى أن الليث رحمه الله، له فيه شيخ آخر عن ابن شهاب، وأنه رواه عنه بإسناده المذكور ولكنه خالف في قوله: مع خزيمة الأنصاري، فقال: (أبي خزيمة) ورواية الليث هذه وصلها أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه به، وقال أبو الفرج: قوله: أبو خزيمة، وهم ورد عليه بصحة الطريق إليه ولاحتمال أن يكونا سمعاها كلاهما. قلت: أبو خزيمة هذا هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان وهو أخو مسعود بن أوس، وقال أبو عمر: قال ابن شهاب عن عبيدا السباق عن زيد بن ثابت: وجدت آخر التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري.
وقال موساى عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب مع أبي خزيمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أي: قال موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، قال: مع أبي خزيمة، وهذا التعليق وصله البخاري في فضائل القرآن، وفي (التلويح): هذا التعليق رواه البخاري مسندا في كتاب الأحكام في (صحيحه).
وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه
أي: تابع موسى في روايته عن إبراهيم بن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه إبراهيم، ووصل هذه المتابعة في أبي خزيمة أبو بكر بن أبي داود في كتاب (المصاحف) من طريقه.
282
وقال أبو ثابت حدثنا إبراهيم وقال مع خزيمة أو مع أبي خزيمة
أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني يروي عن إبراهيم بن سعد، وشك في روايته حيث قال: مع خزيمة، أو مع أبي خزيمة، وكذا رواه البخاري في الأحكام بالشك، والحاصل هنا أن أصحاب إبراهيم بن سعد اختلفوا، فقال بعضهم: مع أبي خزيمة، وقال بعضهم: مع خزيمة، وشك بعضهم. وعن موسى بن إسماعيل أن آية التوبة مع أبي خزيمة، وآية الأحزاب مع خزيمة.
ابتدأ بالبسملة تبركا عند شروعه في تفسير سورة يونس عليه السلام.
سورة يونس
أي: هذا شروع في تفسير بعض ما في سورة يونس، وفي رواية أبي ذر البسملة بعد. قوله: (سورة يونس). قال أبو العباس في (مقامات التنزيل) هي مكية، وفيها آية ذكر الكلبي أنها مدنية * (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * (يونس: 64)، وما بلغنا أن فيها مدنيا غير هذه الآية، وفي (تفسير ابن النقيب) عن الكلبي: مكية إلا قوله: * (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به) * (يونس: 40)، فإنها نزلت بالمدينة، وقال مقاتل: كلها مكية غير آيتين: * (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) * (يونس: 94 95) هاتان الآيتان مدنيتان، وفي رواية ابن مردويه عن ابن عباس: فيها روايتان (الأولى) وهي المشهورة عنه: هي مكية، (الثانية): مدنية، وهي مائة وتسع آيات، وسبعة آلاف وخمسمائة وسبعة وستون حرفا، وألف وثمانمائة واثنتان وثلاثون كلمة.
1
((باب: وقال ابن عباس فاختلط فنبت بالماء من كل لون))
في: بعض النسخ: باب وقال ابن عباس، وأشار به إلى قوله: * (إنما مثل الحياة الدنيا كما أنزلنا من السماء فاختلط به نبات الأرض) * (يونس: 24) وهذا التعليق وصله ابن جرير من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: * (إنما مثل الحياة الدنيا كما أنزلناه من السماء فاختلط) * فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض، وأسنده أيضا ابن أبي حاتم من حديث علي بن أبي طلحة عنه.
* (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني) * (يونس: 68)
هذه الآية التي هي الترجمة لم تذكر في رواية أبي ذر، وثبتت لغيره خالية عن الحديث. قوله: * (وقالوا) * أي: أهل مكة (اتخذ الله ولدا) فقالوا الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيخ ابن الله. قوله: (سبحانه) تنزيه له عن اتخاذ الولد، وتعجب به من كلمتهم الحمقاء. قوله: (هو الغني) عن الصاحبة والولد.
وقال زيد بن أسلم أن لهم قدم صدق محمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد خير
زيد بن أسلم أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب، وقد فسر: (قدم صدق) في قوله تعالى: * (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق) * (يونس: 2) بأنه محمد صلى الله عليه وسلم، ووصل هذا التعليق أبو جعفر بن جرير من طريق ابن عيينة عنه، وعن ابن عباس: منزل صدق، وقيل: القدم: العمل الصالح، وعن الربيع بن أنس: ثواب صدق، وعن السدي: قدم يقدمون عليه عند ربهم. قوله: (وقال مجاهد: خير) يعني: قدم صدق هو خير، أسنده أبو محمد البستي من حديث ابن أبي نجيح عنه، ثم روى عنه أيضا صلاتهم وتسبيحهم وصومهم، ورجح ابن جرير قول مجاهد لقول العرب: لفلان قدم صدق في كذا، إذا قدم فيه خيرا، وقدم شر في كذا إذا قدم فيه شرا، وذكر عياض أنه وقع في رواية أبي ذر: وقال مجاهد بن جبر، وهو خطأ. قلت: جبر، بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة: اسم والد
283
مجاهد، ووجه كونه خطأ أنه لو كان ابن جبر لخلا الكلام عن ذكر القول المنسوب إلى مجاهد في تفسير القدم، ويرد بهذا أيضا ما ذكره ابن التين أنها وقعت كذلك في نسخة أبي الحسن القابسي.
يقال تلك آيات يعني هاذه أعلام القرآن
أشار به إلى قوله تعالى: * (آلر تلك إيات الكتاب الحكيم) * (يونس: 1) وأراد أن: تلك، هنا بمعنى: هذه، على أن معنى: تلك آيات الكتاب: هذه أعلام القرآن وعلم من هذه أن اسم الإشارة للغائب قد يستعمل للحاضر لنكتة يعرفها من له يد في العربية، وقال الزمخشري: تلك إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب السورة، والحكيم ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها.
ومثله: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (يونس: 22) المعنى بكم
أي: مثل المذكور وهو قوله: * (تلك آيات) * يعني: هذه أعلام القرآن. قوله: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم)، وجه المماثلة بينهما هو أن: تلك، بمعنى: هذه، فكذلك قوله: بهم، بمعنى: بكم، حيث صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة، كما أن في الأول صرف اسم الإشارة عن الغائب إلى الحاضر، والنكتة في الثاني للمبالغة كأنه يذكر حالهم لغيرهم، ولم أر أحدا من الشراح خرج من حق هذا الموضع، بل منهم من لم يذكره أصلا، كما أن أبا ذر لم يذكره في روايته.
دعواهم دعاؤهم
أشار به إلى قوله تعالى: * (دعواهم فيها سبحانك اللهم) * (يونس: 10) وفسر الدعوى بالدعاء. قوله: سبحانك اللهم، تفسير دعواهم، وكذا فسره أبو عبيدة.
أحيط بهم دنوا من الهلكة أحاطت به خطيئته
أشار به إلى قوله تعالى: * (وظنوا أنهم أحيط بهم) * (البقرة: 81) وفسره بقوله: دنوا من الهلكة، أي: قربوا من الهلاك، وكذا فسره أبو عبيدة، يقال: فلان قد أحيط به، أي: أنه لهالك. قوله: دنوا يجوز أن يكون بضم الدال والنون على صيغة المجهول، وأصله: دنيوا انقلت ضمة الياء إلى النون فحذفت لالتقاء الساكنين فصار على وزن: فعوا. قوله: * (أحاطت به خطيئته) * أشار به إلى قوله تعالى: * (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) * (الكهف: 42) يعني: استولت عليه خطيئته كما يحيط العدو، وقيل: معناه سدت عليه خطيئته مسالك النجاة، وقيل: معناه أهلكته كما في قوله تعالى: * (وأحيط بثمره) * (يونس: 90) وقرأ أهل المدينة: خطيئاته، بالجمع.
فاتبعهم واتبعهم واحد
أشار به إلى قوله تعالى: * (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده) * وأشار بهذا إلى أن: اتبعهم، بكسر الهمزة وتشديد التاء من الاتباع بتشديد التاء، وأن أتبعهم بفتح الهمزة وسكون التاء من الاتباع بسكون التاء واحد في المعنى والوصل والقطع، قال الزمخشري: معناه لحقهم، وقيل: بالتشديد في الأمر: اقتدى به، وأتبعه بالهمزة: تلاه، وقال الأصمعي: الأول: أدركه ولحقه، والثاني: اتبع أثره وأدركه، وكذا قاله أبو زيد، وبالثاني قرأ الحسن.
عدوا من العدوان
أشار به إلى قوله: * (فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا) * وفسره بقوله: عدوانا، وكذا فسره أبو عبيدة، وبغيا وعدوا منصوبان على المصدرية أو على الحال أو على التعليل أي: لأجل البغي والعدوان، وقرأ الحسن: عدوا، بضم العين وتشديد يد الواو.
وقال مجاهد يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير قول الإنسان لولده وماله إذا غضب * (اللهم لا تبارك فيه والعنه. لقضي إليهم أجلهم لأهلك من دعي عليه ولأماته) *.
284
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) * (يونس: 11). نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث حيث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق، والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته، والاستعجال طلب العجلة، والمعنى: لو يعجل الله للناس الشر إذا دعوه على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأموالهم كما يعجل لهم الخير لهلكوا. قوله: (وقال مجاهد) تعليق وصله ابن أبي حاتم عن حجاج بن حمزة حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، فذكره. قوله: (يعجل الله) في محل الرفع على الابتداء بتقدير محذوف فيه وهو إخباره تعالى بقوله: * (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) *. قوله: (قول الإنسان) خبر المبتدأ المقدر. قوله: (لقضى إليهم أجلهم)، جواب: لو قال الزمخشري: معناه لأميتوا وأهلكوا، وهو معنى قوله: (لأهلك من دعى عليه وأماته)، أي: لأهلك الله من دعى عليه، ويجوز فيه صيغة المعلوم والمجهول. قوله: ولأماته عطف على قوله: لأهلكه، واللام فيهما للابتداء.
* (للذين أحسنوا الحسنى) * مثلها حسنى * (وزيادة ورضوان) *
أشار به إلى قوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر) * (يونس: 26). الآية، والذي ذكره قول مجاهد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه، وكذا روي عن ابن عباس: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحارث أخبرنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس، قوله: * (للذين أحسنوا الحسنى) * قال الزمخشري: أي: المثوبة، وقال غيره: الحسنى قول لا إل
1764; ه إلا الله. قوله: (مثلها حسنى) أي: مثل تلك الحسنى حسنى أخرى مثلها تفضلا وكرما، كما في قوله تعالى: * (ويزيدهم من فضله) * (النساء: 173) وفسر الزيادة بقوله: * (مغفرة ورضوان) * (فاطر: 30، الشورى: 26)، وعن الحسن: أن الزيادة التضعيف، وعن علي: الزيادة غرفة من لؤلؤ واحدة لها أربعة أبواب، أخرجه الطبري.
وقال غيره النظر إلى وجهه
هذا لم يثبت إلا لأبي ذر وأبي الوقت خاصة وقال بعضهم: المراد بالغير فيما أظن قتادة، وقال صاحب (التشريح): يعني غير مجاهد، قلت: الأصوب هذا المذكور فيما قبله قول مجاهد فيكون هذا قول غيره، والذي اعتمد عليه بعضهم فيما قاله على ما أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، قال: الحسنى هي جنة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن، وذالا يدل على ما اعتمده على ما لا يخفى.
الكبرياء الملك
أشار بهذا إلى قوله: * (وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين) * (يونس: 78) وتفسير: الكبرياء، بالملك قول مجاهد، قال محمد: حدثنا حجاج
حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، وفي رواية عنه الكبرياء في الأرض العظيمة، وأول الآية. (قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء) أي: قال فرعون وقومه لموسى عليه السلام، أجئتنا لتلفتنا أي: لتصرفنا. عما وجدنا عليه آبائنا؟ يعنون عبادة الأصنام. وتكون لكما الخطاب لموسى وهارون. قوله: (في الأرض) أي: في أرض مصر. قوله: (بمؤمنين) أي: بمصدقين لكما فيما جئتما به.
2
((باب: * (جاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إلاه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) * (يونس: 90))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وجاوزنا) * الآية. وليس عند أكثر الرواة لفظ باب: وكلهم ساقوا هذه الآية إلى قوله: من المسلمين. قوله: (وجاوزنا)، أي: قطعنا بهم البحر، وقرئ: وجوزنا. والبحر هو القلزم بضم القاف وهو بين مصر ومكة، وحكى ابن السمعاني بفتح القاف وكنيته أبو خالد، وفي (المشترك) القلزم بليدة بساحل بحر اليمن من جهة مصر ومن أعمال مصر ينسب البحر إليها، فيقال: بحر القلزم، وبالقرب منها غرق فرعون، واسم فرعون هذا الوليد بن مصعب بن الريان أبو مرة، وقال الثعلبي:
285
أبو العباس من بني عمليق بن لاوذ بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام. وذكر عبد الرحمن عن عمه أبي زرعة. حدثنا عمرو بن حماد حدثنا أسباط عن السدي. قال: خرج موسى عليه السلام، في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدون فيهم ابن عشر سنين لصغره ولا ابن ستين لكبره. قوله: (فاتبعهم)، يعني: فلحقهم، يقال: تبعته حتى اتبعته، وتبعهم فرعون وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وستمائة ألف، وفيهم مائة ألف حصان أدهم ليس فيها أنثي، وقال ابن مردويه بإسناده عن ابن عباس مرفوعا. كان مع فرعون سبعون قائدا. مع كل قائد سبعون ألفا. قوله: (بغيا وعدوا)، منصوبان على الحال. قوله: (حتى إذا أدركه الغرق)، أي: حتى إذا أدرك فرعون الغرق، وكان يوم عاشوراء. قوله: (قال آمنت إلى آخره)، كرر الإيمان ثلاث مرات حرصا على القبول فلم ينفعه ذلك لأنه كان في حالة الاضطرار، ولو كان قالها مرة واحدة في حالة الاختيار لقبل ذلك منه.
ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض وهو النشز المكان المرتفع
أشار به إلى قوله تعالى: * (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) * وفسر (ننجيك) بقوله: (نلقيك) إلى آخره، وأشار بهذا إلى أن: ننجيك مشتق من: النجوة: لا من النجاة التي بمعنى السلامة، وفسر النجوة بقوله: هو النشز، بفتح النون والشين المعجمة وبالزاي، وهو المكان المرتفع، وقال الزمخشري: ننجيك، بالتشديد والتخفيف معناه: نبعدك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، وقيل: نلقيك بنجوة من الأرض، وقرئ: ننجيك، بالحاء المهملة، معناه: نلقيك بناحية مما تلي البحر، وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب البحر. انتهى. وسبب ذلك أن موسى، عليه السلام وأصحابه لما خرجوا من البحر قالوا: من بقي في المدائن من قوم فرعون ما غرق فرعون وإنما هو وأصحابه يصيدون في جزائر البحر، فأوحى الله تعالى إلى البحر: أن لفظ فرعون عريانا فألقاه على نجوة من الأرض على ساحل البحر، قال مقاتل: قال بنو إسرائيل: إن القبط لم يفرقوا فأوحى الله إلى البحر فطفا بهم على وجهه، فنظروا فرعون على الماء، فمن ذلك اليوم إلى يوم القيامة تطفو الغرقى على الماء، فذلك قوله تعالى: * (ولتكون لمن خلفك آية) * يعني: لمن بعدك إلى يوم القيامة، وقال الثعلبي: قالت بنو إسرائيل لما أخبرهم موسى بهلاك القبط.: ما مات فرعون ولا يموت أبدا فأمر الله تعالى البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور، فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل البحر ميتا أبدا. فإن قيل: فقد ذكر أن نوحا، عليه السلام. لما أرسل الغراب لينظر له الأرض رأى جيف الغرقى فلهى بها عن حاجة نوح عليه السلام، فالجواب: أن الماء كان قد نصب فلهذا رأى الجيف، وهنا إنما هو مع وجود الماء واستقراره. قوله: (ببدنك)، أي: بجسدك. قاله مجاهد، وقيل: المراد بالبدن الدرع الذي كان عليه، وقيل: كانت له درع من ذهب يعرف بها، وقرأ أبو حنيفة بأبدانك. قال الزمخشري: يعني ببدنك كله وافيا بأجزائه أو يراد بدروعك كأنه كان مظاهر بينها.
11
((* (سورة هود) *))
أي: هذا باب في تفسير بعض سورة هود، قال أبو العباس في (المقامات) فيها آية مدنية وقال بعضهم: آيتان. قال السدي:
286
قال ابن عباس: سورة هود مكية غير قوله: * (أقم الصلاة طرفي النهار) * (هود: 114) الآية. وقال القرطبي: عن ابن عباس: هي مكية مطلقا، وبه قال الحسن وعكرمة ومجاهد وجابر بن زيد وقتادة، وعنه: هي مكية إلا آية واحدة وهي: * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) * (هود: 12) رواه عنه علي بن أبي طلحة، وقال مقاتل: مكية إلا آيتين: * (أقم الصلاة) * الآية. * (وأولئك يؤمنون به) * (هود: 17) نزلت في ابن سلام وأصحابه. وهي سبعة آلاف وخمسمائة وسبعة وستون حرفا. وألف وتسعمائة وخمس عشرة كلمة، ومائة وثلاث وعشرون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا لأبي ذر.
قال ابن عباس عصيب شديد
أشار به إلى قوله تعالى: * (وهذا يوم عصيب) * (هود: 77) وفسره بقوله: شديد، ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: في
قوله: * (هذا يوم عصيب) * شديد القائل بهذا لوط، عليه السلام، حين جاءته الملائكة في صورة غلمان جرد بهم منزله وحسب أنهم أناس، فخاف عليهم من قومه ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها. فقال: * (هذا يوم عصيب) * أي: شديد علي وقصته مشهورة.
لا جرم بلى
أشار به إلى قوله تعالى: * (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) * (هود: 22) وفسره بقوله: بل قال بعضهم: وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: لا جرم إن الله يعلم قال: أي: بلى أن الله يعلم. قلت: الذي ذكره البخاري في هذه السورة. أعني سورة هود. الذي نقله ليس في سورة هود، وإنما هو في سورة النحل، وكان المناسب أن يذكر ما في سورة هود لأنه في صدد تفسير سورة هود وإن كان المعنى في الموضعين سواء، والعم أن الفراء قال: لا جرم، كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقا، فلذلك يجاب عنه بالام، كما يجاب بها عن القسم. ألا تراهم يقولون: لا جرم لآتينك، ويقال: جرم، فعل عند البصريين واسم عند الكوفيين، فإذا كان اسما يكون بمعنى حقا ومعنى الآية. حقا إنهم في الآخرة هم الأخسرون، وعلى قول البصريين لا رد لقول الكفار: وجرم معناه عندهم كسب. أي: كسب كفرهم الخسارة في الآخرة.
وقال غيره: وحاق نزل يحيق ينزل
أي: قال غير ابن عباس: معنى حاق في قوله: * (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) * (هود: 8) نزل بهم وأصابهم. قاله أبو عبيدة، وإنما ذكر: يحيق إشارة إلى أنه من فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع.
يؤس فعول من يئست
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور) * (هود: 9) وأشار به إلى أن وزنه فعول، من صيغ المبالغة وأنه مشتق من يئست من اليأس وهو انقاطع الرجاء، وفي قوله: من يئست، تساهل لأنه مشتق من اليأس كما تقتضيه القواعد الصرفية.
وقال مجاهد تبتئس تحزن
أشار به إلى أن مجاهدا فسر قوله: تبتئس: تحزن في قوله تعالى: * (فلا نبتئس بما كانوا يفعلون) * (هود: 36) والخطاب لنوح، عليه السلام، ووصل هذا الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
يثنون صدروهم شك وامتراء في الحق ليستخفوا منه من الله إن استطاعوا
أشار به إلى قوله تعالى: * (إلا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) * (هود: 5) الآية. وهو تفسير مجاهد أيضا فإنه قال: يثنون صدورهم شكا وامتراءا في الحق. قوله: (يثنون صدورهم) من الثني ويعبر به عن الشك في الحق والإعراض عنه، قال الزمخشري:
287
يزورون عن الحق وينحرفون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن أزور عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه. ويقال: هذه نزلت في الأخنس بن شريق وكان حلو الكلام المنظر يلقي النبي صلى الله عليه وسلم بما يحب وينطوي له على ما يكره، وقيل: نزلت في بعض المنافقين، وقيل: في بعض المشركين كان النبي عليه السلام، إذا مر عليه يثني صدره ويطأطىء رأسه كيلا يراه، فأخبر الله تعالى نبيه، عليه الصلاة والسلام، بما ينطوي عليه صدورهم، ويثنون يكتمون ما فيها من العداوة. قوله: (ليستخفوا منه) أي: من الله. وقيل: من الرسول، وهو من القرآن. وقوله: * (إن استطاعوا) * ليس من القرآن، والتفاسير المذكورة إلى هنا وقعت في رواية أبي ذر، وعند غيره وقعت مؤخرة والله أعلم ويأتي الكلام فيه عن قريب مستقصى.
وقال أبو ميسرة الأواه الرحيم بالحبشية
لم يقع هذا هنا في رواية أبي ذر وقد تقدم في ترجمة إبراهيم، عليه السلام، في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، وأبو ميسرة ضد الميمنة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني التابعي الكوفي، روى عنه مثل الشعبي وأبو إسحاق السبيعي، وأشار بقوله الأواه إلى قوله: * (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) * (هود: 75).
وقال ابن عباس بادي الرأي ما ظهر لنا
أي: قال عبد الله بن عباس في تفسير قوله تعالى: * (هم أراذلنا بادي الرأي) * الآية. وفسر قوله: بادي الرأي: بقوله: ما ظهر لنا، وهذا التعليق رواه أبو محمد عن العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني محمد بن شعيب أخبرني عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس.
وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة
أشار به إلى قوله تعالى: * (واستوت على الجودي) * (هود: 44) أي: استوت سفينة نوح، عليه الصلاة والسلام، على الجودي، وهو جبل بالجزيرة، تشامخت الجبال يومئذ وتطاولت وتواضع الجودي لله عز وجل، فلم يغرق، فأرسيت عليه السفينة. وقيل: إن الجودي جبل بالموصل، وقيل: بآمدوهما من الجزيرة، وقال: أكرم الله عز وجل، ثلاثة جبال بثلاثة أنبياء عليهم الصلاة والسلام، حراء بمحمد صلى الله عليه وسلم: والجودي بنوح، عليه الصلاة والسلام، والطور بموسى، عليه الصلاة والسلام.
وقال الحسن: إنك لأنت الحليم يستهزئون به
أي: قال الحسن البصري في قوله تعالى: * (إنك لأنت الحليم الرشيد) * (هود: 87) في قصة شعيب، عليه الصلاة والسلام، قال: إنما قال قومه ذلك استهزاء
به. وهذا التعليق رواه أبو محمد عن المنذر بن شاذان عن زكريا بن عدي عن أبي مليح عن الحسن.
وقال ابن عباس أقلعي أمسكي
أشار به إلى قوله تعالى: * (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي) * (هود: 40) رواه أبو محمد عن أبيه عن أبي صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وفار التنور نبع الماء: عصيب شديد لا جرم بلى
أشار به إلى قوله تعالى: * (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) * (هود: 40) وهذا أيضا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله: (فار)، من الفور وهو الغليان، والفوارة ما يفور من القدر، وقال ابن دريد: التنور اسم فارسي معرب لا تعرف له العرب اسما غيره، فلذلك جاء في التنزيل لأنهم خوطبوا بما عرفوه: واختلفوا في موضعه. فقال مجاهد: كان ذلك في ناحية الكوفة، وقال: اتخذ نوح، عليه الصلاة السلام، السفينة في جوف مسجد الكوفة وكان التنور على يمين الداخل مما يلي كشدة، وبه قال
288
علي وزر بن حبيش، وقال مقاتل: كان تنور آدم، عليه الصلاة والسلام، وإنما كان بالشام بموضع يقال له: عين وردة، وعن عكرمة، كان التنور بالهند.
وقال عكرمة وجه الأرض
أي: قال عكرمة مولى ابن عباس، التنور اسم لوجه الأرض، وذكروا فيه ستة أقوال: أحدها: هذا. والثاني: اسم لأعلى وجه الأرض. والثالث: تنوير الصبح من قولهم: نور الصبح تنويرا. والرابع: طلوع الشمس. والخامس: هو الموضع الذي اجتمع فيه ماء السفينة فإذا فار منه الماء كان ذلك علامة لنوح، عليه الصلاة والسلام، لركوب السفينة، والسادس: ما ذكره البخاري.
1
((باب: * (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه إلا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور) * (هود: 5))
وفي بعض النسخ: باب: * (إلا إنهم يثنون) * وقد ذكرنا عن قريب أنه من الثني وما قالوا فيه.
4681 ح دثنا الحسن بن محمد بن صباح حدثنا حجاج قال قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس يقرأ ألا إنهم يثنوني صدورهم قال سألته عنها فقل أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذالك فيهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن بن محمد بن صباح: تشديد الباء الموحدة، أبو علي الزعفراني، مات يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة ستين ومائتين، وحجاج هو ابن محمد الأعور ترمذي سكن المصيصة، وابن جريح هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ومحمد بن عباد، بتشديد الباء الموحدة ابن جعفر المخزومي.
قوله: (ألا إنهم)، كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها. قوله: (يثنوني)، بفتح الياء آخر الحروف وسكون الثاء المثلثة وفتح النون وسكون الواو وكسر النون الأخيرة، هو مضارع على وزن يفعوعل وماضيه أئتوني. علي وزن افعوعل من الثني على طريق المبالغة. كما تقول: أحلولي، للمبالغة من الحلاوة، وقال بعضهم: هذا بناء مبالغة، كاعشوشب. قلت: كان ينبغي أن يقول: كيعشوشب، فأحد الشيئين والواو زائدتان لأنه من عشب، وقرئ بالتاء المثناة في أوله موضع الياء آخر الحروف. وعلى الوجهين لفظ: (صدورهم) مرفوع به والقراءة المشهورة يثنون بلفظ الجمع المذكر المضارع، والضمير فيه راجع إلى المنافقين، وصدورهم منصوب به، وقرئ: لتئتوني، بزيادة اللام في أوله: وتثنون أصله تثنوين، من الثن بكسر الثاء المثلثة وتشديد النون، وهو ماهش وضعف من الكلام يريد مطاوعة صدورهم للتمني كما يثنى النبات من هشه، وأراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم: قرىء: تثنثن من اثنان على وزن افعال منه، ولكنه همز كما قيل: أبيأضت من ابياضت، وقرئ: يثنوي. على وزن يرعوي. قوله: (كانوا يستحيون)، من الحياء، ويروى: يستخفون، من الاستخفاء، وقال ابن عباس: كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء. قوله: (أن يتخلوا)، أي: أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة، وحكى ابن التين بفتح الحاء المهملة، ثم حكى عن الشيخ أبي الحسن القابسي أنه أحسن، أي: يرقدون على حلاوة قفاهم. قوله: (فيفضوا)، من أفضى الرجل إلى امرأته إذا باشرها، وفي رواية أبي أسامة: كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء. (فنزل ذلك) أي: قوله عز وجل: * (ألا إنهم يثنون) * الآية.
4682 ح دثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج وأخبرني محمد بن عباد بن
289
جعفر أن ابن عباس قرأ ألا إنهم تثنوني صدورهم قلت يا أبا العباس ما تثنوني صدورهم قال كان الرجل يجامع امرأته فيستحي أو يتخلى فيستحي فنزلت: * (ألا إنهم يثنون صدورهم) *.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إبراهيم بن موسى الفراء أبي إسحاق الرازي المعروف بالصغير عن هشام بن يوسف الصنعاني اليماني قاضيها عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
قوله: (وأخبرني)، ويروى عن ابن جريج. قال: وأخبرني، فكأن هذه العبارة تدل على أن ابن جريج روى هذا عن غير محمد بن عباد، وفي رواية الطبري عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس. قوله: (تثنوني)، على وزن، تفعوعل، كما ذكرناه عن قريب، (وصدورهم) مرفوع به قلت: قائله محمد بن جعفر، وأبو العباس كنية عبد الله بن عباس.
203 - (حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال قرأ ابن عباس ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم وقال غيره عن ابن عباس يستغشون يغطون رؤسهم)
هذا طريق آخر أخرجه عن عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قوله ' يثنون ' بفتح الياء وسكون الثاء المثلثة وضم النون وهي القراءة المشهورة ولفظ صدورهم منصوب به قوله ' ليستخفوا منه ' قد مر تفسيره عن قريب قوله ' وقال غيره ' أي غير عمرو بن دينار روى عن ابن عباس
(سئ بهم ساء ظنه بقومه وضاق بهم بأضيافه)
أشار به إلى قوله تعالى ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا والذي فسره البخاري مروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أخرجه الطبري والضمير في بهم يرجع إلى قوم لوط وفي الذي ضاق بهم يرجع إلى الأضياف وهم الملائكة الذين أتوا لوطا في صورة غلمان جرد فلما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه وضاق صدره وعظم المكروه عليه قوله ' وضاق بهم ذرعا ' قال الزجاج يقال ضاق زيد بأمره ذرعا إذا لم يجد من المكروه الذي أصابه مخلصا
(بقطع من الليل بسواد)
أشار به إلى قوله تعالى فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد الآية وفسر القطع بسواد وهو مروي هكذا عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقال أبو عبيدة معناه ببعض من الليل وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بطائفة من الليل
(وقال مجاهد أنيب أرجع)
أشار به إلى قوله تعالى وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وفسر أنيب من الإنابة بقوله أرجع وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ولم تقع نسبة هذا إلى مجاهد في رواية أبي ذر وربما يوهم ذلك أنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وليس كذلك وهنا تفسير ألفاظ وقعت في بعض النسخ قبل باب وكان عرضه على الماء
(سجيل الشديد الكبير: سجيل وسجين واللام والنون أختان وقال تميم بن مقبل
* ورجلة يضربون البيض ضاحية
* ضربا تواصى به الأبطال سجينا
*
أشار به إلى قوله تعالى * (وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود) * وفسره بقوله الشديد الكبير بالباء وبالثاء المثلثة أيضا وقال أبو عبيدة هو الشديد من الحجارة الصلب واعترض ابن التين بأنه لو كان معنى السجيل الشديد الكبير لما دخلت
290
عليه من وكان يقول حجارة سجيلا لأنه لا يقال حجارة من شديد (قلت) يمكن أن يكون فيه حذف تقديره وأرسلنا عليهم حجارة كائنة من شديد كبير يعني من حجر قوي شديد صلب قوله ' سجيل وسجين ' أراد به أنهما لغتان باللام والنون بمعنى واحد قوله ' واللام والنون أختان ' إشارة إلى أنهما من حروف الزوائد وأن كلا منهما يقلب عن الآخر واستشهد على ذلك بقول تميم بن مقبل بن حبيب بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة العامري العجلاني شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وكان أعرابيا جافيا أحد الغور من الشعراء المجيدين والبيت المذكور من جملة قصيدته التي ذكر فيها ليلى زوج أبيه وكان خلف عليها فلا فرق الإسلام بينهما قال
* طاف الخيال بنا ركبا يمانيا
* ودون ليلى عواد لو تعدينا
*
* منهن معروف آيات الكتاب وإن
* نعتل تكذب ليلى بما تمنينا
* إلى أن قال
* وعاقد التاج أوسام له شرف
* من سوقة الناس عادته عوادينا
*
* فإن فينا صبوحا إن أريت به
* ركبا بهيا وآلاف تمانينا
*
* ورجلة يضربون البيض ضاحية
* ضربا تواصى به الأبطال سجينا
*
وهي من البسيط والاستشهاد في قوله سجينا لأنه بمعنى شديدا كثيرا قوله ' ورجلة ' قال الكرماني الرجلة بمعنى الرجالة ضد الفرسان (قلت) هو بفتح الراء وسكون الجيم وليس بمعنى الرجالة بل بمعنى الرجل بدون التاء وفي الأصل الرجل جمع راجل خلاف الفارس مثل صحب جمع صاحب والظاهر أنه بضم الراء والتقدير وذوي رجلة أي رجولية ويقال راجل جيد الرجلة بالضم يعني كامل في الرجولية وقال الكرماني وهو بالجر وقيل بالنصب معطوفا على ما قبله وهو قوله فإن فينا صبوحا (قلت) ولم يبين وجه الجر والظاهر أن الواو فيه واو رب أي رب ذوي رجلة وحكى ابن التين بالحاء المهملة ولم يبين وجهه فإن صح ذلك فوجهه أن يقال تقديره وذوي رحلة بالضم أي قوة وشدة يقال ناقة ذات رحلة أي ذات شدة وقوة على السير وحكى هذا عن أبي عمرو قوله ' البيض ' بكسر الباء جمع أبيض وهو السيف ويجوز بفتح الباء جمع بيضة الحديد قوله ' ضاحية ' أي في وقت الضحوة أو ظاهرة قوله ' تواصى ' أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين ويروى تواصت بالتاء في آخره قوله ' الأبطال ' جمع بطل وهو الشجاع قوله ' سجينا ' بكسر السين المهملة وتشديد الجيم وقال الحسن بن المظفر النيسابوري كأنه هو فعيل من السجن يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه وقال المؤرخ سجيل وسجين أي دائم ورواه ابن الأعرابي سخينا بالخاء المعجمة أي سخينا حارا يعني الضرب وقال ابن قتيبة السجيل بالفارسية سنك كل أي حجارة وطين (قلت) سنك بفتح السين المهملة وسكون النون وبالكاف الصماء وهو الحجر بالفارسية وكل بكسر الكاف الصماء وسكون اللام الطين فلما عرب كسرت السين لأن العرب إذا استعملت لفظا أعجميا يتصرفون فيه بتغيير الحركات وقلب بعض الحروف ببعض وذكروا أقوالا في لفظ سجيل المذكور في الآية الكريمة وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ففي التلويح واختلف في لفظ سجيل فقيل هو دخيل وقيل هو عربي وقيل هو الحجارة كالمدر وقيل حجارة من سجيل طبخت بنار جهنم مكتوب عليها أسماء القوم وقال الحسن أصله طين شوى وقال الضحاك يعني الآجر وقال ابن زيد طبخ حتى صار كالآجر وقيل اسم للسماء الدنيا وقال عكرمة سجيل بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض منه نزلت الحجارة وقيل هي جبال في السماء وهي التي أشار الله عز وجل إليها بقوله * (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) * وقال الثعلبي قيل هو فعيل من قول العرب أسجلته إذا أرسلته فكأنها مرسلة عليهم وقيل هو من سجلت له سجلا إذا أعطيته كأنهم أعطوا ذلك البلاء والعذاب وقال القزاز سجيل عال
(استعمركم جعلكم عمارا أعمرته الدار فهي عمرى جعلتها له)
أشار إلى قوله تعالى * (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه) * الآية وفسره بقوله جعلكم عمارا وهكذا
291
روى عن مجاهد قوله ' أعمرته الدار ' إلى آخره مر في كتاب الهبة قوله ' جعلتها له ' أي هبة وهذا لم يثبت إلا في رواية أبي ذر
(نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد)
أشار به إلى قوله تعالى * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة) * الآية أي فلما رأى أيدي الملائكة لا تصل إلى عجل حنيذ الذي قدمه إليهم حين جاء خاف فقالوا * (لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * وأشار بأن معنى نكرهم الثلاثي المجرد وأنكرهم الثلاثي المزيد فيه واستنكرهم من باب الاستفعال كلها بمعنى واحد من الإنكار وقال الجوهري نكرت الرجل بالكسر نكرا ونكورا وأنكرته كله بمعنى
(حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد. محمود من حمد)
أشار به إلى قوله عز وجل * (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) * أي أن الله هو الذي يستحق الحمد والمجد والمجد الشرف يقال رجل ماجد إذا كان سخيا واسع العطاء قوله ' كأنه فعيل ' ليس هذا محل الشك حتى قال كأنه فعيل أي كان وزنه فعيل بل هو على وزن فعيل من صيغة ماجد وحميد بمعنى محمود قوله ' من حمد ' أي أخذ حميد من حمد على صيغة المجهول وقال الطيبي المجيد مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم من قولهم مجدت الماشية إذا صادفت روضة انفا وأمجدها الراعي وقيل المجيد بمعنى العظيم الرفيع القدر
(إجرامي هو مصدر من أجرمت وبعضهم يقول جرمت)
أشار به إلى قوله عز وجل * (قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا برئ مما تجرمون) * قال الزمخشري وإجرامي بلفظ المصدر والجمع كقوله * (والله يعلم إسرارهم) * وينصر الجمع أن فسروه بآثامي والمعنى إن صح وثبت أني افتريته فعلي عقوبة إجرامي أي افترائي ويقال الإجرام اكتساب السيئة يقال أجرم فهو مجرم قوله ' وبعضهم ' يقول جرمت يعني من صيغة الثلاثي المجرد وهو قول أبي عبيدة وجرمت بمعنى كسبت
(الفلك والفلك واحد وهي السفينة والسفن)
أشار به إلى قوله تعالى * (واصنع الفلك بأعيننا) * وأشار بأن الفلك يطلق على الواحد وعلى الجمع بلفظ واحد فلذلك قال وهي السفينة والسفن أي الفلك إذا أطلق على الواحد يكون المعنى السفينة وإذا أطلق على الجمع يكون المعنى السفن التي هي جمع سفينة والفاء فيهما مضمومة فضمة المفرد مثل ضمة قفل وضمة الجمع مثل ضمة أسد جمع أسد
(مجراها مدفعها وهو مصدر أجريت وأرسيت حبست ويقرأ مرساها من رست هي ومجراها من جرت هي ومجريها ومرسيها من فعل بها)
أشار به إلى قوله تعالى * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) * وفسر مجراها بضم الميم الذي هو قراءة الجمهور بقوله مدفعها وأراد به مسيرها وعن ابن عباس مجراها حيث تجري ومرساها حيث ترسي قوله ' وهو مصدر أجريت ' أراد به المصدر الميمي والمصدر على بابه من أجريت إجراء قوله ' وأرسيت حبست ' أي معنى أرسيت حبست قوله ويقرأ مرساها يعني بفتح الميم وهي قراءة الكوفيين حمزة والكسائي وحفص عن عاصم قوله ' من رست ' أي أن مرساها بفتح الميم مأخوذ من
رست أي السفينة إذا ركدت واستقرت وكذلك مجراها بفتح الميم من جرت هي أي من جرت تجري جريا قوله ' ومجريها ومرسيها ' يعني تقرأ بضم الميم فيهما وهي قراءة يحيى بن وثاب والمعنى الله مجريها ومرسيها (فالأول) من الإجراء (والثاني) من الإرساء قوله من فعل بها بصيغة المعلوم والمجهول يرجع إلى القراءتين ففي قراءة بفتح الميم بصيغة المعلوم وفي قراءة بلفظ الفاعل بصيغة المجهول *
292
(الراسيات ثابتات)
ذكر هذا استطرادا لذكر مرساها لأنه ليس في سورة هود وقال أبو عبيدة في قوله تعالى * (وقدور راسيات) * أي ثابتات عظام
(عنيد وعنود وعاند واحد هو تأكيد التجبر)
أشار به إلى قوله تعالى * (واتبعوا كل جبار عنيد) * وأشار بأن هذه الألفاظ الثلاثة معناها واحد وهو تأكيد التجبر وقال ابن قتيبة معنى عنيد المعارض المخالف
(ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين واحد الأشهاد شاهد مثل صاحب وأصحاب)
أشار به إلى قوله تعالى ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا الآية وأشار إلى أن الأشهاد جمع واحده شاهد مثل أصحاب واحده صاحب وقال زيد بن أسلم الأشهاد أربعة الأنبياء والملائكة عليهم السلام والمؤمنون والأجناد وقال الضحاك الأنبياء والرسل عليهم السلام وعن مجاهد الملائكة وعن قتادة الخلائق رواه ابن أبي حاتم * -
2
((باب قوله: * (وكان عرشه على الماء) * (هود: 7))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وكان عرشه على الماء) * أي: كان عرشه على الماء قبل أن يخلق السماوات والأرض، وقيل لابن عباس: على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح، وفي وقوف العرش على الماء والماء على غير تراب أعظم الاعتبار لأهل الأفكار، وقال كعب: خلق الله ياقوتة حمراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها، ثم وضع العرش على الماء.
204 - (حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
قال قال الله عز وجل أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملآى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأبو الزناد بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث أخرجه في التوحيد أيضا وأخرجه النسائي في التفسير ببعضه قوله أنفق عليك مجزوم لأنه جواب الأمر وفيه مشاكلة لأن إنفاق الله تعالى لا ينقص من خزائنه شيئا قوله يد الله ملأى كناية عن خزائنه التي لا تنفد بالعطاء قوله لا يغيضها بالغين والضاد المعجمتين أي لا ينقصها وهو لازم ومتعد يقال غاض الماء يغيض وغضته أنا أغيضه وغاض الماء إذا غار قوله سحاء أي دائمة الصب والهطل بالعطاء يقال سح يسح فهو ساح والمؤنث سحاء وهي فعلاء لا أفعل لها كهطلاء وروى سحا بالتنوين على المصدر فكأنها لشدة امتلائها تفيض أبدا قوله الليل والنهار منصوبان على الظرفية قوله أرأيتم أي أخبروني قوله ما أنفق أي الذي أنفق من يوم خلق السماء والأرض قوله فإنه أي فإن الذي أنفق قوله لم يغض أي لم ينقص ما في يده وحكم هذا حكم المتشابهات تأويلا قوله ' الميزان ' أي العدل قال الخطابي الميزان هنا مثل وإنما هو قسمته بالعدل بين الخلق قوله ' يخفض ويرفع ' أي يوسع الرزق على من يشاء ويقتر كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى وأئمة السنة على وجوب الإيمان بهذا وأشباهه من غير تفسير بل يجري على ظاهره ولا يقال كيف *
293
(اعتراك افتعلك من عروته أي أصبته ومنه يعروه واعتراني)
أشار به إلى قوله تعالى أن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ولم يثبت هذا هنا إلا في رواية الكشميهني وحده قوله ' اعتراك افتعلك ' أراد به أنه من باب الافتعال ولكن قوله اعتراك افتعلك بكاف الخطاب ليس باصطلاح أحد من أهل العلوم الآلية وقال بعضهم وإنما يقال اعتراك افتعلت بتاء مثناة من فوق وهو كذلك عند أبي عبيدة قلت كذا وقع في بعض النسخ والصواب أن يقال اعترى افتعل فلا يحتاج إلى ذكر كاف الخطاب في الوزن قوله ' من عروته ' إشارة إلى أن أصله من عرا يعرو عروا وفي الصحاح عروت الرجل أعروه عروا إذا ألممت به وأتيته طالبا فهو معرو وفلان تعروه الأضياف وتعتريه أي تغشاه قوله ومنه يعروه واعتراني أي ومن هذا الأصل قولهم فلان يعروه أي يصيبه وقال الجوهري أعراني هذا الأمر واعتراني تغشاني وفيه معنى الإصابة
(آخذ بناصيتها أي في ملكه وسلطانه)
أشار به إلى قوله تعالى * (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) * وتفسيره بقوله أي في ملكه وسلطانه تفسير بالمعنى الغائي لأن من أخذ بناصيته يكون تحت قهر الآخذ وحكمه وهذا التفسير بمفسره لم يثبت إلا في رواية الكشميهني وحده
(وإلى مدين أخاهم شعيبا)
أي أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم أي من أنفسهم قوله ' شعيبا ' بدل من أخاهم الذي هو منصوب بأرسلنا المقدر وشعيب منصرف لأنه علم عربي وليس فيه علة أخرى وفي صحيح ابن حبان أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر وكان لسانه العربية أرسله الله إلى مدين بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وفي اسم أبيه أقوال والمشهور شعيب بن بويب بن مدين بن إبراهيم ومدين لا ينصرف للعلمية والعجمة ثم صار اسما للقبيلة ثم أن مدين لما بنى بلدة قريبة من أرض معان من أطراف الشام مما
يلي ناحية الحجاز سماها باسمه مدين قوله ' إلى مدين ' أي إلى أهل مدين لأن مدين اسم بلد فلا يمكن الإرسال إليه ولا يكون الإرسال إلا إلى أهله فلذلك قدر المضاف مثل واسأل القرية أي اسأل أهل القرية لأن السؤال عن القرية لا يتصور وكذلك قوله واسأل العير تقديره واسأل أصحاب العير بكسر العين الإبل بأحمالها من عار يعير إذا سار وقيل هي قافلة الحمير فكثرت حتى سمى بها كل قافلة
(وراءكم ظهريا يقول لم تلتفتوا إليه ويقال إذا لم يقض الرجل حاجته ظهرت بحاجتي وجعلتني ظهريا والظهري ههنا أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به)
أشار به إلى قوله تعالى واتخذتموه وراءكم ظهريا وهذا أيضا لم يثبت إلا للكشميهني وحده وفسره بقوله لم تلتفتوا إليه وهو تفسير بالمعنى الغائي لأن معنى قوله واتخذتموه وراءكم ظهريا جعلتموه وراء ظهوركم وجعل الشيء وراء الظهر كناية عن عدم الالتفات إليه والظهري منسوب إلى الظهر وكسرة الظاء من تغييرات النسب قوله ويقال إذا لم يقض الرجل حاجته أي حاجة فلان مثلا يقال له ظهرت بها كأنه استخف بها وجعلها بظهره أي كأنه أزالها ولم يلتفت إليها وجعلها ظهريا أي خلف ظهره قوله والظهري ههنا إلى آخره أن أراد بقوله ههنا تفسير الظهري الذي في القرآن فلا يصح ذلك لأن تفسير الظهري هو الذي ذكره أولا وقال الزمخشري معنى قوله تعالى واتخذتموه وراءكم ظهريا نسيتموه وجعلتموه كالشئ منبوذا وراء الظهر لا يعبأ به وعن ابن عباس رصي الله تعالى عنهما يريد ألقيتموه خلف ظهوركم وامتنعتم من قتلي مخافة قومي والله أكبر وأعز من جميع خلقه وقوله والظهري ههنا إلى آخره غير المعنى الذي ذكره المفسرون في الآية الكريمة نعم جاء الظهري أيضا بهذا المعنى وقد قال الجوهري الظهري بالكسر العدة للحاجة إن احتيج إليه وهذا يؤكد المعنى الذي قاله
294
ومنه يقال بعير ظهير بين الظهارة إذا كان قويا وناقة ظهيرة قاله الأصمعي قوله يستظهر به أي يستعين به أي بالظهري ويقال فلان ظهرني على فلان وأنا ظهرتك على هذا الأمر أي عونك
(أراذلنا سقاطنا)
أشار به إلى قوله تعالى وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وفسر أراذلنا بقوله سقاطنا بضم السين المهملة وتشديد القاف جمع سقط بفتحتين وهو الردي الدني الخسيس وسقاطنا أي أخساؤنا والأراذل جمع أرذل وهو الردي من كل شيء وقيل جمع أرذل بضم الذال وهو جمع رذل مثل كلب وأكلب وأكالب والآية في قصة نوح عليه الصلاة والسلام * -
4
((باب قوله: * (ويقول الأشهاد هاؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 18))
4685 ح دثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد وهشام قالا حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجل فقال يا أبا عبد الرحمان أو قال يا ابن عمر هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في النجوى فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يدني المؤمن من ربه. وقال هشام يدنوا المؤمن حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه تعرف ذنب كذا يقول أعرف يقول رب أعرف مرتين فيقول سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوي صحيفة حسناته وأما الآخرون أو الكفار فينادي على رؤوس الأشهاد هاؤلاء الذين كذبوا على ربهم وقال شيبان عن قتادة حدثنا صفوان.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع وسعيد هو ابن عروبة، وهشام ابن عبد الله الدستوائي، وصفوان بن محرز، بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي: المازني.
والحديث مضى في كتاب المظالم في: باب قول الله تعالى: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * ومضى الكلام فهي هناك.
قوله: (في النجوى) أي: المناجاة التي بين الله تعالى وبين المؤمنين، وإنما أطلق النجوى لمخاطبة الكفار على رؤوس الأشهاد. قوله: (يدني المؤمن) على صيغة المجهول من الدنو، وهو القرب. قوله: (كنفه) بفتح النون وهو الجانب والناحية، وهذا تمثيل لجعله تحت ظل رحمته يوم القيامة، وقال ابن الأثير: حتى يضع عليه كنفه أي يستره، وقيل: يرحمه ويلطف به، والكنف والدنو كلاهما مجازان لاستحالة حقيقتهما على الله تعالى، والحديث من المتشابهات. قوله: (ثم تطوى) ويروى: ثم يعطى، قوله: (وأما الآخرون) بالمد وفتح الخاء وكسرها، ويروى بالقصر والكسر: فهم المدبرون المتأخرون عن الخير. قوله: (أو الكفار) شك من الراوي. قوله: (وقال شيبان) هو ابن عبد الرحمن النحوي، وقد أخرج البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب التوحيد عن مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن صفوان إلى آخره، ثم قال: وقال آدم: حدثنا شيبان حدثنا قتادة حدثنا صفوان عن ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، ووصله ابن مردويه من طريق شيبان.
5
((باب قوله: * (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) * (هود: 102))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وكذلك) * الآية، وليس في بعض النسخ لفظ: باب قوله: (وكذلك)، أي: ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب. قوله: (إذا أخذ القرى) أي: أهلها، وقرى إذا أخذ قوله: (وهي ظالمة) حال من القرى. قوله: (إن أخذه) أي: أخذ الله (أليم)، أي: وجيع شديد، وهذا تحذير من وخامة الذنب لكل أهل قرية.
295
الرفد المرفود العون المعين رفدته أعنته
أشار به إلى قوله تعالى: * (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) * (هود: 99) وفسر الرفد المرفود بقوله: العون المعين، أي: بئس العون
المعان، كذا فسره الزمخشري، وكذا وقع في بعض النسخ، والمشهور بلفظ المعين على لفظ اسم الفاعل، ووجهه أن يقال: الفاعل بمعنى المفعول، أو يقال: معناه بذي عون. قوله: (رفدته أعنته) أشار به إلى أن معنى الرفد العون، يقال: رفدت فلانا، أي: أعنته، وقال مجاهد: رفدوا يوم القيامة بلعنة أخرى.
تركنوا تميلوا
أشار به إلى قوله عز وجل: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) * معناه: ولا تميلوا، وعن ابن عباس: لا تركنوا إلى الذين ظلموا في المحبة ولين الكلام والعودة، وعن مجاهد: لا تدهنوا الظلمة، وعن ابن العالية: لا ترضوا بأعمالهم، وكذا رواه عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس.
فلولا كان فهلا كان
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلولا كان من القرون من قبلكم) * (هود: 116) ثم قال: معناه: فهلا كان، وهكذا فسره الزمخشري، ثم قال: وحكوا عن الخليل، كل لولا في القرآن فمعناها: هلا إلا التي في الصافات، وما صحت هذه الحكاية، ففي غير الصافات: * (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء) * (القلم: 49) * (ولولا رجال مؤمنون) * (الفتح: 251) * (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم) * (الإسراء: 74) وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: (فلولا) قال: في حرف ابن مسعود: فهلا، وكلمة: هلا، للتحضيض.
أترفوا هلكوا
أشار به إلى قوله: * (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين) * (هود: 116) وفسر أترفوا بقوله: أهلكوا، على صيغة المجهول، ومعنى الإتراف التنعيم، فلعله أراد به أنهم أهلكوا بسبب هذا الإتراف الذي أطغاهم.
وقال ابن عباس زفير وشهيق صوت شديد وصوت ضعيف
أشار به إلى قوله تعالى: * (لهم فيها زفير وشهيق) * (هود: 106) أي: اللذين شقوا في النار زفير وشهيق، وقال ابن عباس: الزفير صوت شديد، والشهيق صوت ضعيف، وفي التفسير: الزفير والشهيق من أصوات المكروبين المحزونين، وحكي عن أهل اللغة أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار بالنهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوته. وقال بعضهم: الزفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال. وقيل: الزفير ضد الشهيق، لأن الشهيق رد النفس والزفير إخراج النفس، وأصل الزفير الحمل على الظهر، والشهيق من قولهم: جبل شاهق، وقال أبو العالية: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر.
4686 ح دثنا صدقة بن الفضل أخبرنا أبو معاوية حدثنا بريد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال ثم قرأ: * (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) * (هود: 102).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو معاوية محمد بن خازم، بالخاء المعجمة والزاي: الضرير، وبريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء: ابن عبد الله بن أبي بردة، بضم الباء الموحدة: واسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة، وحذف البخاري عبد الله تخفيفا ونسبه إلى جده لروايته عنه، وفي رواية أبي ذر: أبا بريد بن أبي بردة عن أبيه، والصواب ما ذكره هنا.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن محمد بن عبد الله بن نمير، وأخرجه في التفسير عن أبي كريب. وأخرجه النسائي فيه عن أبي بكر بن علي. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن ابن نمير.
قوله: (ليملي) أي: ليمهل، من الإملاء وهو
296
الامهال، وفي رواية الترمذي: ليمهل، واللام فيه للتأكيد (ولم يفلته) بضم الياء أي: لم يخلصه أبدا بوجه لكثرة مظالمه حتى الشرك، أو لم يخلصه مدة طويلة إن كان مؤمنا، وقال صاحب (التوضيح): لم يفلته من أفلت رباعي أي، لم يؤخره. قلت: لا يسمى هذا رباعيا في الاصطلاح وإنما هو ثلاثي مزيد فيه.
6
((باب قوله: * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذالك ذكري للذاكرين) * (هود: 114))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وأقم الصلاة) * الآية خطاب للرسول عليه السلام، والمراد من طرفي النهار الفجر والمغرب، وقيل: الظهر والعصر، وقيل: الفجر والظهر، وانتصابهما على الظرفية، والمعنى: أتم ركوعها وسجودها، وخصص الصلاة بالذكر لأنها تالية الإيمان وإليها يفزع من النوائب، وسبب نزول الآية ما في حديث الباب على ما يأتي عن قريب. قوله: (وزلفا من الليل)، عطف على الصلاة، أي: أقم زلفا من الليل، أي: ساعات من الليل وهي الساعات القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه، وأزلف إليه، وصلاة الزلف المغرب. والعشاء، قاله مالك، وقرئ: زلفا، بضمتين، وزلفا، بسكون اللام، وزلفى، بوزن: قربى. قوله: (إن الحسنات) الصلوات الخمس. وقيل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال عطاء: هن الباقيات الصالحات، والمراد بالسيئات: الصغائر من الذنوب. قوله: (ذلك) أي: إن المذكور من الصلوات، وقيل: القرآن، وقيل: جميع المذكور من الاستقامة والنهي عن الطغيان وترك الميل إلى الظالمين، والقيام بالصلوات ومعنى الذكرى التوبة، وقيل: العظة وخصصها بالذاكرين لأنهم هم المنتفعون.
وزلفا ساعات بعد ساعات ومنه سميت المزدلفة الزلف منزلة بعد منزلة وأما زلفى فمصدر من القربى ازدلفوا اجتمعوا أزلفنا جمعنا
فسر قوله: (وزلفا من الليل) بقوله: (ساعات بعد ساعات) وهو جمع زلفة كظلم جمع ظلمة. قوله: (ومنه سميت المزدلفة) أي: من معنى الزلف سميت المزدلفة
لمجيء الناس إليها في ساعات من الليل، وقيل: لازدلافهم إليها أي: لاقترابهم إلى الله وحصول المنزلة لهم عنده فيها، وقيل: لاجتماع الناس بها، وقيل: لأنها منازل. قوله: (الزلف منزلة بعد منزلة) أشار به إلى أن الزلف يأتي بمعنى المنازل، قال أبو عبيدة: زلف الليل ساعات، واحدتها زلفة أي: ساعة ومنزلة وقربة. قوله: (وأما زلفى فمصدر) بمعنى: الزلفة، مثل: القربى فإنه مصدر بمعنى القربة، قال الله تعالى: * (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) * (ص: 25 و 40) وقال الجوهري: الزلفة والزلفى القربة، والمنزلة. قوله: ازدلفوا (اجتمعوا) شاربه إلى أن الازدلاف يأتي بمعنى الاجتماع، ويأتي أيضا بمعنى التقدم، يقال: قوم ازدلفوا إلى الحرب، أي: تقدموا إليها. قوله: (ازلفنا)، جمعنا، يعني: معنى أزلفنا جمعنا، قال الله تعالى: * (وأزلفنا ثم الآخرين) * (الشعراء: 64) أي: جمعنا.
4687 ح دثنا مسدد حدثنا يزيد هو ابن زريع حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذالك له فأنزلت عليه: * (وأقم الصلاة طرقي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذالك ذكرى للذاكرين) * قال الرجل ألي هاذه قال لمن عمل بها من أمتي. (انظر الحديث 526).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي، بالنون وبالدال المهملة. والحديث مضى في الصلاة في المواقيت في: باب الصلاة كفارة، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن يزيد بن زريع إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (أن رجلا) اسه كعب بن عمرو ويكنى بأبي اليسر، بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة. والحديث أخرجه ابن أبي خيثمة، لكن قال: إن رجلا من الأنصار يقال له معتب، وقيل: اسمه بنهان التمار، وقيل: عمرو بن غزية، وقيل: عامر بن قيس
297
وقيل: عباد بن عمرو بن داود بن غنم بن كعب الأنصاري السلمي، وأمه نسيبة بنت الأزهر بن مري بن كعب بن غنم، شهد بدرا بعد العقبة فهو عقبى بدري، شهد بدرا وهو ابن عشرين سنة. وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب يوم بدر، وكان رجلا قصيرا دحداحة ذا بطن، والعباس رجل طويل ضخم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه ملك كريم، وهو الذي انتزع راية المشركين. وكانت بيد أبي عزيز بن عمير يوم بدر، وشهد صفين مع علي تعالى رضي الله عنه، يعد في أهل المدينة، وكانت وفاته سنة خمس وخمسين. وحديث نبهان التمار أخرجه الثعلبي وغيره من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس: أن نبهان التمار أتته امرأة حسناء جميلة تبتاع منه تمرا، فضرب على عجيزتها ثم ندم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إياك أن تكون امرأة غاز في سبيل الله، فذهب يبكي ويصوم ويقوم فأنزل الله: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا والله) * (آل عمران: 135) فأخبره فحمد الله، وقال: يا رسول الله هذه توبتي قبلت، فكيف لي بأن يتقبل شكري؟ فنزلت: * (أقم الصلاة طرفي النهار) * (هود: 114) الآية. قيل: إن ثبت هذا حمل على واقعة أخرى لما بين السياقين من المغايرة. قلت: قال الذهبي في (تجريد الصحابة) نبهان التمار أبو مقبل له ذكر في رواية مقاتل عن الضحاك، ولسنا بيقين، وحديث عمرو بن غزية أخرجه ابن منده من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، في قوله: * (أقم الصلاة طرفي النهار) * قال: نزلت في عمرو بن غزية، وكان يبيع التمر فأتته امرأة تبتاع تمرا فأعجبته... الحديث، قال أبو عمر: عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المازني: شهد العقبة ثم شهد بدرا، وهو والد الحجاج بن عمرو، واختلف في صحبة الحجاج. قوله: (ألي هذه؟) يعني: أهذه الآية مختصة بي بأن صلاتي مذهبة لمعصيتي أو عامة لكل الأمة؟ والهمزة في: ألي، مفتوحة لأنها للاستفهام، وقوله: (هذه) مبتدأ أو خبره مقدما. قوله: (ألي؟) وفي رواية أحمد والطبراني من حديث ابن عباس: فقال: يا رسول الله! ألي خاصة أم للناس عامة؟ فضرب عمر رضي الله عنه، صدره وقال: لا ولا نعمة عين، بل للناس عامة، فقال صلى الله عليه وسلم: صدق عمر، وهذا يوضح أن السائل في الحديث هو صاحب القصة فإن قلت: في حديث أبي اليسر، فقال إنسان: يا رسول الله أله وحده أم للناس كافة؟ وفي رواية الدارقطني مثله من حديث معاذ نفسه، قلت: يحمل ذلك على تعدد السائلين.
12
((سورة يوسف عليه السلام))
أي: هذا في بيان بعض تفسير سورة يوسف عليه السلام، قال أبو العباس في: (مقامات التنزيل): سورة يوسف مكية كلها وما بلغنا فيها اختلاف، وفي: (تفسير ابن النقيب): عن ابن عباس وقتادة: نزلت بمكة إلا أربع آيات فإنهن نزلن بالمدينة، ثلاث آيات من أولها والرابعة: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 7) وسبب نزولها سؤال اليهود عن أمر يعقوب ويوسف عليه السلام، وهي مائة وإحدى عشر آية، وألف وسبعمائة وست وسبعون كلمة، وسبعة آلاف ومائة وست وستون حرفا.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر.
باب
أي: هذا باب في كذا وكذا، ولم يثبت لفظ: باب في معظم النسخ.
وقال فضيل عن حصين عن مجاهد متكأ الأترج قال فضيل الأترج بالحبشية متكا وقال ابن عيينة عن رجل عن مجاهد متكا كل شيء قطع بالسكين
فضيل مصغر فضل وهو ابن عياض بن موسى أبو علي، ولد بسمرقند نشأ بأبيورد، وكتب الحديث بكوفة وتحول إلى مكة وأقام بها إلى أن مات في سنة سبع وثمانين
ومائة، وقبره بمكة يزار، وحصين، بضم الحاء المهملة: ابن عبد الرحمن السلمي. قوله
298
: (متكأ) بضم الميم وتشديد التاء وفتح الكاف وبالهمزة المنونة، وفسره مجاهد بأنه الأترج، بضم الهمزة وسكون التاء وضم الراء وتشديد الجيم، وروى هذا التعليق ابن المنذر عن يحيى بن محمد بن يحيى: حدثنا مسدد حدثنا يحي بن سعيد عن فضيل بن عياض عن حصين به، وقال الزمخشري: متكأ ما يتكأ عليه من نمارق، وقيل: متكأ مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين، ولهذا نهى أن يأكل الرجل متكئا، وعن مجاهد: متكأ طعاما يحز حزا، كأن المعنى: يعتمد بالسكين لأن القاطع يتكئ على المقطوع بالسكين، ويقال في الأترج: الاترنج، بالنون الساكنة بعد الراء ويدغم النون في الجيم أيضا، وكانت زليخا أهدت ليوسف أترجة على ناقة وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في: (سننه) أنها شقت بنصفين وحملا كالعدلين على جمل. قوله: (قال فضيل الأترج بالحبشية متكأ) أي: بلسان الحبشة، أو باللغة الحبشية. قوله: متكا بضم الميم وسكون التاء وبتنوين الكاف، وهذا التعليق رواه أبو محمد عن أبيه عن إسماعيل بن عثمان: حدثنا يحيى بن يمان عنه، وقرأ: متكا، بضم الميم وتشديد التاء وتنوين الكاف بغير همزة، وعن الحسن: متكأ، بالمد كأنه مفتعال وذلك لإشباع فتحة الكاف لقوله: بمنتزاح، بمعنى منتزح. قوله: (وقال ابن عيينة) وهو سفيان بن عيينة (عن رجل) هو مجهول (عن مجاهد متكأ) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، وهو (كل شيء قطع بالسكين) وقيل: من متك الشيء بمعنى: بتكه إذا قطعه، وقرأ الأعرج: متكأ على وزن مفعل من تكأ يتكأ إذا اتكا.
وقال قتادة لذو علم عامل بما علم
أشار به إلى قوله تعالى: * (وإنه لذو علم لما علمناه) * (يوسف: 68).. الآية، وفسر قتادة قوله: لذو علم، بقوله: عامل بما علم. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه: حدثنا أبو معمر عن إسماعيل بن إبراهيم القطيعي حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي عروبة عن قتادة، والضمير في: أنه، يرجع إلى يعقوب عليه السلام، وهذا لا يتضح إلا إذا وقف الشخص على القضية من قوله تعالى: * (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد) * (يوسف: 67) إلى قوله: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (يوسف: 72).
وقال ابن جبير صواع مكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم
أي: قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: * (قالوا انفقد صواع الملك) *.. الآية، وهذا التعليق رواه أبو محمد عن أبيه: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، ورواه ابن منده في: (غرائب شعبة)، وابن مردويه من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (صواع الملك) قال: كان كهيئة المكوك من فضة يشربون فيه، وقد كان للعباس مثله في الجاهلية، وقال زيد بن زيد: كان كأسا من ذهب، وقال ابن إسحاق: كان من فضة مرصعة بالجواهر جعلها يوسف عليه السلام، مكيالا لا يكال بغيرها وكان يشرب فيها. وعن ابن عباس: كان قدحا من زبرجد، والمكوك، بفتح الميم وتشديد الكاف المضمومة وسكون الواو وفي آخره كاف أخرى: وهو مكيال معروف لأهل العراق فيه ثلاث كيلجات، وقال ابن الأثير: المكوك اسم للمكيال ويختلف في مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، وفي حديث أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتوضأ بالمكوك المد). وقيل: الصاع، ويجمع على: مكاكي، على إبدال الياء من الكاف الأخيرة، وقرأ الجمهور: صواع، وعن أبي هريرة، أنه قرأ: أصاع الملك، وعن أبي رجاء: صوع، بسكون الواو، وعن يحيى بن يعمر مثله. لكن بغين معجمة، حكاها الطبري.
وقال ابن عباس تفندون تجهلون
أشار به إلى قوله تعالى: * (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) * (يوسف: 94) وفسره بقوله: (تجهلون) وقال أبو عبيدة: معناه: لولا أن تسفهوني، وقال مجاهد: لولا أن تقولوا ذهب عقلك، ووجد ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام، وتفندون من الفند بفتح النون وهو: الهرم.
299
وقال غيره غيابة الحب كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة
أشار به إلى قوله تعالى: * (والقوه في غيابة الحب يلتقطه بعض السيارة) * (يوسف: 10) ظاهر الكلام أن قوله: (وقال غيره) غير ابن عباس لأنه عطف عليه، وقال بعضهم: ليس من كلام ابن عباس وإنما هو كلام أبي عبيدة. قلت: لا مانع أن يكون قول أبي عبيدة من قول ابن عباس. قوله: (كل شيء)، مبتدأ وقوله: (غيب عنك) في محل الجر لأنه صفة لشيء (وشيأ) مفعول غيب. قوله: (فهو غيابة) جملة اسمية وقعت خبر المبتدأ. أو المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره. قوله: (غيابة الجب)، قال الثعلبي: أي: قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره، وقال قتادة: أسفله وأصله من الغيبوبة.
والجب الركية التي لم تطو
أي: الجب المذكور في قوله: (غيابة الجب) هو البئر التي لم تطو، وكذلك القليب، قال الجوهري: القليب البئر قبل أن تطوى، وسميت جبا من أجل أنها قطعت قطعا ولم يحدث فيها غير القطع من الطي وما أشبهه.
بمؤمن لنا بمصدق
أشار به إلى قوله تعالى، حكاية عن قول إخوة يوسف: * (وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) * (يوسف: 17) والمعنى: وما أنت بمصدق في كلامنا، وفي التفسير: وما أنت بمصدق لنا لسوء ظنك بنا وتهمتك لنا، وهذا قميصه ملطخ بالدم.
يقال بلغ أشده قبل أن يأخذ في النقصان وقالوا بلغ أشده وبلغوا أشدهم وقال بعضهم واحدها شد
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) * وفسر قوله: أشده، بقوله: قبل أن يأخذ في النقصان، وأراد به عز منتهى شبابه وقوته وشدته، واختلف فيه، فذكر ابن المنذر عن الشعبي وربيعة وزيد بن أسلم ومالك: أنه الحلم، وعن سعيد ابن جبير ثمانية عشرة سنة، وقيل: عشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: ثلاثون، وقيل: ثلاث وثلاثون قاله مجاهد: وقيل: أربعون. وقيل: سبع عشرة سنة، وقيل: خمس وثلاثون سنة، وقيل: ثمانية وأربعون سنة، وعن ابن عباس: ما بين ثمان عشرة إلى ثلاثين سنة، وقيل: ستون سنة، وقال ابن التين: الأظهر أنه أربعون لقوله تعالى: * (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتنبى إلا بعد أربعين سنة. قال بعضهم: وتعقب بأن عيسى عليه الصلاة والسلام، ويحيى أيضا تنبأ لدون الأربعين لقوله تعالى: * (وآتيناه الحكم صبيا) * (مريم: 12) قلت له أن يقول: هما مخصوصان بذلك من دون سائر الأنبياء، عليهم السلام. قوله: (يقال بلغ أشده وبلغوا أشدهم)، أشار بهذا إلى أنه يضاف إلى المفرد والجمع بلفظ واحد. قوله: (وقال بعضهم: واحدها:) أي: واحد الأشد وهو قول سيبويه والكسائي، وزعم أبو عبيدة أنه ليس له واحد من لفظه.
والمتكأ ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام وأبطل الذي قال الأترج وليس في كلام العرب الأترج فلما احتج عليهم بأنه المتكأ من نمارق فروا إلى شر منه فقالوا إنما هو المتك ساكنة التاء وإنما المتك طرف البظر ومن ذالك قيل لها متكاء وابن المتكاء فإن كان ثم أترج فإنه بعد المتكإ.
لما ذكر فيما مضى عن قريب عن مجاهد أن المتكأ الأترج، أنكر ذلك، فقال: المتكأ ما اتكأت عليه لأجل شرب شراب أو لأجل حديث أو لأجل طعام. قوله: وأبطل قول الذي قال: المتكأ الأترج، ثم ادعى أنه ليس في كلام العرب الأترج، يعني: ليس في كلام العرب تفسير المتكأ بالأترج، وفيه نظر، حتى قال صاحب (التوضيح) هذه الدعوى من الأعاجيب فقد قال في (المحكم) المتكأ الأترج، وعن الأخفش كذلك، وفي (الجامع) المتكأ الأترج، وأنشدوا:
300
* فنشرب الإثم بالصواع جهارا
* ونرى المتك بيننا مستعارا
*
وأبو حنيفة الدينوري زعم أن المتكا بالضم الأترج، والذي بفتح الميم السوسن، وبنحوه ذكره أبو علي القالي وابن فارس في (المجمل) وغيرهما. قوله: (فلما احتج عليهم)، بصيغة المجهول. (يان المتكأ من نمارق) إلى آخره ظاهر. قوله: (وإنما المتك)، بعني: بالضم، طرف البظر، بفتح الباء الموحدة وسكون الظاء المعجمة وفي آخره راء، وهو ما تبقيه الخاتنة بعد الختان من المرأة. قوله: (ومن ذلك) أي: ومن هذا اللفظ: (قيل لها) أي: للمرأة. (متكاء) بفتح الميم وسكون التاء وبالمد، وهي التي لم تختن، ويقال لها: البظراء أيضا ويعير الرجل بذلك، فيقال له: ابن المتكاء. قوله: (فإن كان ثم أترج) بفتح الفاء المثلثة وتشديد الميم، أي: فإن كان هناك أترج فإنه كان بعد المتكاء، وقال بعضهم: إنما قال البخاري ما قاله من ذلك تبعا لأبي عبيدة فإنه قال: زعم قوم أنه الأترج، وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع المتكاه أترج يأكلونه. قلت: كأنه لم يفحص عن ذلك كما ينبغي. وقلد أبا عبيدة، والأفة من التقليد، وكيف يصح ما قاله من ذلك وقد روى عبد بن حميد من طريق عوف الأعرابي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما إنه كان يقرؤها: متكاء، مخففة ويقول: هو الأترج، وأيضا قد روى مثله عمن ذكرناهم الآن.
شغفها يقال بلغ إلى شغافها وهو غلاف قلبها وأما شعفها فمن المشعوف
أشار به إلى قوله تعالى: * (امرأة العزيز تراود فناها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) * (يوسف: 30) قوله: (قد شغفها)، أي: قد شغف يوسف زليخا، يعني: بلغ حبه إلى شغافها، بكسر الشين المعجمة في ضبط المحدثين، وعند أهل اللغة بالفتح، وهو غلاف قلبها، وقيل: الشغاف حبة القلب، وقيل: هو علقة سوداء في صميمه. قوله: (وأما شعفها)، يعني: بالعين المهملة فمن المشعوف، يقال: فلان مشعوف بفلان إذا بلغ به الحب أقصى المذاهب، ويقال: فلان شعفه الحب، أي أحرق قلبه.
أصب أميل
أشار به إلى قوله عز وجل حكاية عن قول يوسف، عليه السلام: * (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) * (يوسف: 33) وفسر: أصب، بقوله: أميل، يقال: صبا إلى اللهو، يصبو صبوا إذا مال إليه، ومنه سمي الصبي لأنه يميل إلى كل شيء.
أضغاث أحلام ما لا تأويل له
أشار به إلى قوله تعالى: * (قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) * (يوسف: 44) والأضغاث جمع ضغث، وهو ملء اليد من حشيش، وفسر قوله: أضغاث أحلام، بقوله: ما لا تأويل له لأنه من الأخلاط والرؤيا الكاذبة التي لا أصل لها. وقوله: (أضغاث أحلام) في محل الرفع على الابتداء. قوله: (ما لا تأويل له)، خبره وكلمة ما موصولة.
والضغث ملء اليد من حشيش وما أشبهه ومنه وخذ بيدك ضغثا لا من قوله أضغاث أحلام واحدها ضغث
أشار بقوله: * (والضغث) * إلى شيئين: أحدهما: أن الضغث واحد. الأضغاث والآخر: أن تفسيره بملء اليد من حشيش وما أشبهه، وأراد أن الضغث الذي هو ملء الكف من أنواع الحشيش هو المراد من قوله تعالى: * (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به) * (ص
1764;: 44) وذلك في قصة أيوب، عليه السلام، وليس المراد هنا هذا المعنى، ولكن المراد من الأضغاث هنا هو الذي واحده ضغث الذي هو بمعنى ما لا تأويل له، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: * (أضغاث أحلام) * ما حاصله أن الضغث في قوله: (وخذ بيدك ضغثا) بمعنى: ملء الكف من الحشيش، لا بمعنى: ما لا تأويل له، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: * (أضغاث أحلام) * قال: أخلاط أحلام، وروى أبو يعلى بإسناده عن ابن عباس في قوله: * (أضغاث أحلام) * قال: هي الأحلام الكاذبة.
301
نمير من الميرة
أشار به إلى قوله تعالى: * (هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا) * (يوسف: 6) الميرة بكسر الميم الطعام، والمعنى: نجلب إلى أهلنا الطعام يقال: مار أهله يميرهم إذا أتاهم بطعام.
ونزداد كيل بعير ما يحمل بعير
أي نزداد على أحمالنا حمل بعير يكال له ما حمل بعيره، وروى الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: كيل بعير أي: كيل حمار. وذكر الثعلبي أنه لغة يقال للحمار بعير. ويؤيد ذلك أن إخوة يوسف كانوا من أرض كتمان وليس بها إبل.
آوي إليه ضم إليه
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولما دخلوا على يوسف آوي إليه أخاه) * (يوسف: 69) الآية. أي: فلما دخلت إخوة يوسف عليه ضم يوسف إلى نفسه أخاه بنيامين من آوى يؤوى إيواء.
السقاية مكيال
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) * (يوسف: 70) وفسر السقاية وله مكيال، وهو الإناء الذي كان يوسف يشرب به فجعله ميكالا لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا ويقال: السقاية هي الصواع كان الملك يسقي بها ثم جعلت صاعا يكال به، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
تفتأ لا تزال
أشار به إلى قوله: * (تالله تفتأ تذكر يوسف) * (يوسف: 85) أي: لا تفتأ فحذف حرف النفي، والمعنى: أن أخوة يوسف قالوا ليعقوب أبيهم: والله لا تزال تذكر يوسف ولا تفتر من حبه * (حتى تكون حرضا) * الآية. يقال: ما فتئت أذكر ذلك وما فتأت أفتأ وافتو فتاء وفتوءا. وقال أبو زيد: ما افتأت أذكره وما فتئت أذكره أي: ما زلت أذكره لا يتكلم به إلا مع الجحد. وقوله: * (تالله تفتأ تذكر يوسف) * أي: ما تفتأ قلت الصواب لا تفتأ.
حرضا محرضا يذيبك الهم
أشار به إلى قوله تعالى: * (حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين) * وذكر أن حرضا بمعنى، محرض، على صيغة اسم المفعول وفسره بقوله: يذيبك الهم من الإذابة. وقيل: معناه تكون دنفا وقيل: قريبا من الموت، وقال الفراء الحرض هو الفاسد في جسمه، وعقله ويستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر وضع موضع الألم، ومن العرب من يؤنث مع المؤنث. وقرأ أنس بضم الحاء، وعن قتادة: حرضا هرما. وعن الضحاك باليا ذا بلاء، وعن الربيع ابن أنس، يابس الجلد على العظم، وعن الحسن: كالشئ المدقوق المكسور، وعن القتبي: ساقطا. قوله: * (أو تكون من الهالكين) * أي: الميتين.
تحسسوا تحبروا
أشار به إلى قوله تعالى: * (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) * (يوسف: 87) الآية. وفسر: تحسسوا بقوله: تخبروا. أي: اطلبوا الخبر وتحسسوا تفعلوا من الحس، يعني: تتبعوا. وعن ابن عباس: التمسوا. وسئل ابن عباس عن الفرق بين التحسس، بالحاء المهملة، والتجسس، بالجيم؟ فقال: لا يعدو أحدهما عن الآخر إلا أن التحسس في الخير والتجسس في الشر، وقيل: بالحاء لنفسه وبالجيم لغيره، ومنه الجاسوس.
مزجاة قليلة
أشار به إلى قوله تعالى: * (وجئنا ببضاعة مزجاة) * وفسرها بقوله قليلة. وقيل: ردية، وقيل: فاسدة. وعن قتادة: يسيرة، وكانت البضاعة من صوف ونحوه. وقيل: دراهم لا تزوج، وروي عن عكرمة وابن عباس: كانت دراهم زيوفا لا تنفق إلا بوضيعة. وعن
302
ابن عباس أيضا خلق الغرارة والحبل ورثة المتاع.
غاشية من عذاب الله عامة مجللة
أشار به إلى قوله تعالى: * (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) * (يوسف: 107) وفسر غاشية بقوله: (عمامة) أي: نقمة عامة. قوله: (مجللة)، بالجيم من جلل الشيء تجليلا أي: عمه، وهو صفة غاشية لأن ابن عباس فسر الغاشية بقوله: مجللة، ويرد بهذا قول بعضهم: أن مجللة تأكيد عامة. وقال قتادة: غاشية وقيعة، وقال الضحاك: الصواعق والقوارع.
((باب))
أي: هذا باب، وليس في معظم النسخ لفظ باب.
استيأسوا يئسوا لا تيأسوا من روح الله معناه الرجاء
لم يثبت هذا ألا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني، وأشار بقوله: * (استيأسوا) * إلى قوله تعالى: * (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) * (يوسف: 80) وفسره بقوله: (يئسوا) أي: فلما أيس أخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه خلصوا نجيا. أي: خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم، والآن يأتي مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى قوله: * (لا تيأسوا من روح الله) * أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) * (يوسف: 87) ومعنى من روح الله من رحمته، قال قتادة والضحاك: من فضل الله، وقال ابن زيد: من فرج الله، وهذا حكاية عن كلام يعقوب، عليه السلام، لأولاده قوله: (معناه الرجاء) أي: معنى عدم اليأس الرجاء أو معنى التركيب الرجاء، أو لا روح به حقيقة.
خصلوا نجيا اعتزلوا نجيا والجسم أنجية يتناجون الواحد نجي والاثنان والجميع نجي وأنجية.
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) * ولم يثبت هذا إلا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وقوله: (خلصوا) جواب لما وفسر خلصوا بقوله: (اعتزلوا) ووقع في رواية المستملي: اعترفوا والأول هو الصواب، والنجي هو الذي يناجي، ويستوي فيه الواحد والاثنان والجمع المذكر والمؤنث لأنه مصدر في الأصل جعل نعتا كالعدل والزور ونحوهما وجاء جمعه أنجية وقد نبه عليه بقوله: وأنجبة وانتصاب: نجيا، على الحال أي: حال كونهم متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم.
12
((سورة يوسف عليه السلام))
أي: هذا في بيان بعض تفسير سورة يوسف عليه السلام، قال أبو العباس في: (مقامات التنزيل): سورة يوسف مكية كلها وما بلغنا فيها اختلاف، وفي: (تفسير ابن النقيب): عن ابن عباس وقتادة: نزلت بمكة إلا أربع آيات فإنهن نزلن بالمدينة، ثلاث آيات من أولها والرابعة: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 7) وسبب نزولها سؤال اليهود عن أمر يعقوب ويوسف عليه السلام، وهي مائة وإحدى عشر آية، وألف وسبعمائة وست وسبعون كلمة، وسبعة آلاف ومائة وست وستون حرفا.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر.
باب
أي: هذا باب في كذا وكذا، ولم يثبت لفظ: باب في معظم النسخ.
وقال فضيل عن حصين عن مجاهد متكأ الأترج قال فضيل الأترج بالحبشية متكا وقال ابن عيينة عن رجل عن مجاهد متكا كل شيء قطع بالسكين
فضيل مصغر فضل وهو ابن عياض بن موسى أبو علي، ولد بسمرقند نشأ بأبيورد، وكتب الحديث بكوفة وتحول إلى مكة وأقام بها إلى أن مات في سنة سبع وثمانين ومائة، وقبره بمكة يزار، وحصين، بضم الحاء المهملة: ابن عبد الرحمن السلمي. قوله: (متكأ) بضم الميم وتشديد التاء وفتح الكاف وبالهمزة المنونة، وفسره مجاهد بأنه الأترج، بضم الهمزة وسكون التاء وضم الراء وتشديد الجيم، وروى هذا التعليق ابن المنذر عن يحيى بن محمد بن يحيى: حدثنا مسدد حدثنا يحي بن سعيد عن فضيل بن عياض عن حصين به، وقال الزمخشري: متكأ ما يتكأ عليه من نمارق، وقيل: متكأ مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين، ولهذا نهى أن يأكل الرجل متكئا، وعن مجاهد: متكأ طعاما يحز حزا، كأن المعنى: يعتمد بالسكين لأن القاطع يتكئ على المقطوع بالسكين، ويقال في الأترج: الاترنج، بالنون الساكنة بعد الراء ويدغم النون في الجيم أيضا، وكانت زليخا أهدت ليوسف أترجة على ناقة وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في: (سننه) أنها شقت بنصفين وحملا كالعدلين على جمل. قوله: (قال فضيل الأترج بالحبشية متكأ) أي: بلسان الحبشة، أو باللغة الحبشية. قوله: متكا بضم الميم وسكون التاء وبتنوين الكاف، وهذا التعليق رواه أبو محمد عن أبيه عن إسماعيل بن عثمان: حدثنا يحيى بن يمان عنه، وقرأ: متكا، بضم الميم وتشديد التاء وتنوين الكاف بغير همزة، وعن الحسن: متكأ، بالمد كأنه مفتعال وذلك لإشباع فتحة الكاف لقوله: بمنتزاح، بمعنى منتزح. قوله: (وقال ابن عيينة) وهو سفيان بن عيينة (عن رجل) هو مجهول (عن مجاهد متكأ) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، وهو (كل شيء قطع بالسكين) وقيل: من متك الشيء بمعنى: بتكه إذا قطعه، وقرأ الأعرج: متكأ على وزن مفعل من تكأ يتكأ إذا اتكا.
وقال قتادة لذو علم عامل بما علم
أشار به إلى قوله تعالى: * (وإنه لذو علم لما علمناه) * (يوسف: 68).. الآية، وفسر قتادة قوله: لذو علم، بقوله: عامل بما علم. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه: حدثنا أبو معمر عن إسماعيل بن إبراهيم القطيعي حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي عروبة عن قتادة، والضمير في: أنه، يرجع إلى يعقوب عليه السلام، وهذا لا يتضح إلا إذا وقف الشخص على القضية من قوله تعالى: * (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد) * (يوسف: 67) إلى قوله: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (يوسف: 72).
303
وقال ابن جبير صواع مكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم
أي: قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: * (قالوا انفقد صواع الملك) *.. الآية، وهذا التعليق رواه أبو محمد عن أبيه: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، ورواه ابن منده في: (غرائب شعبة)، وابن مردويه من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (صواع الملك) قال: كان كهيئة المكوك من فضة يشربون فيه، وقد كان للعباس مثله في الجاهلية، وقال زيد بن زيد: كان كأسا من ذهب، وقال ابن إسحاق: كان من فضة مرصعة بالجواهر جعلها يوسف عليه السلام، مكيالا لا يكال بغيرها وكان يشرب فيها. وعن ابن عباس: كان قدحا من زبرجد، والمكوك، بفتح الميم وتشديد الكاف المضمومة وسكون الواو وفي آخره كاف أخرى: وهو مكيال معروف لأهل العراق فيه ثلاث كيلجات، وقال ابن الأثير: المكوك اسم للمكيال ويختلف في مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، وفي حديث أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتوضأ بالمكوك المد). وقيل: الصاع، ويجمع على: مكاكي، على إبدال الياء من الكاف الأخيرة، وقرأ الجمهور: صواع، وعن أبي هريرة، أنه قرأ: أصاع الملك، وعن أبي رجاء: صوع، بسكون الواو، وعن يحيى بن يعمر مثله. لكن بغين معجمة، حكاها الطبري.
وقال ابن عباس تفندون تجهلون
أشار به إلى قوله تعالى: * (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) * (يوسف: 94) وفسره بقوله: (تجهلون) وقال أبو عبيدة: معناه: لولا أن تسفهوني، وقال مجاهد: لولا أن تقولوا ذهب عقلك، ووجد ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام، وتفندون من الفند بفتح النون وهو: الهرم.
وقال غيره غيابة الحب كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة
أشار به إلى قوله تعالى: * (والقوه في غيابة الحب يلتقطه بعض السيارة) * (يوسف: 10) ظاهر الكلام أن قوله: (وقال غيره) غير ابن عباس لأنه عطف عليه، وقال بعضهم: ليس من كلام ابن عباس وإنما هو كلام أبي عبيدة. قلت: لا مانع أن يكون قول أبي عبيدة من قول ابن عباس. قوله: (كل شيء)، مبتدأ وقوله: (غيب عنك) في محل الجر لأنه صفة لشيء (وشيأ) مفعول غيب. قوله: (فهو غيابة) جملة اسمية وقعت خبر المبتدأ. أو المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره. قوله: (غيابة الجب)، قال الثعلبي: أي: قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره، وقال قتادة: أسفله وأصله من الغيبوبة.
والجب الركية التي لم تطو
أي: الجب المذكور في قوله: (غيابة الجب) هو البئر التي لم تطو، وكذلك القليب، قال الجوهري: القليب البئر قبل أن تطوى، وسميت جبا من أجل أنها قطعت قطعا ولم يحدث فيها غير القطع من الطي وما أشبهه.
بمؤمن لنا بمصدق
أشار به إلى قوله تعالى، حكاية عن قول إخوة يوسف: * (وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) * (يوسف: 17) والمعنى: وما أنت بمصدق في كلامنا، وفي التفسير: وما أنت بمصدق لنا لسوء ظنك بنا وتهمتك لنا، وهذا قميصه ملطخ بالدم.
يقال بلغ أشده قبل أن يأخذ في النقصان وقالوا بلغ أشده وبلغوا أشدهم وقال بعضهم واحدها شد
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) * وفسر قوله: أشده، بقوله: قبل أن يأخذ في النقصان، وأراد به عز منتهى شبابه وقوته وشدته، واختلف فيه، فذكر ابن المنذر عن الشعبي وربيعة وزيد بن أسلم ومالك: أنه الحلم، وعن سعيد ابن جبير ثمانية عشرة سنة، وقيل: عشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: ثلاثون، وقيل: ثلاث وثلاثون قاله مجاهد: وقيل: أربعون. وقيل: سبع عشرة سنة، وقيل: خمس وثلاثون سنة، وقيل: ثمانية وأربعون سنة، وعن ابن عباس: ما بين ثمان عشرة إلى ثلاثين سنة، وقيل: ستون سنة، وقال ابن التين: الأظهر أنه أربعون لقوله تعالى: * (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتنبى إلا بعد أربعين سنة. قال بعضهم: وتعقب بأن عيسى عليه الصلاة والسلام، ويحيى أيضا تنبأ لدون الأربعين لقوله تعالى: * (وآتيناه الحكم صبيا) * (مريم: 12) قلت له أن يقول: هما مخصوصان بذلك من دون سائر الأنبياء، عليهم السلام. قوله: (يقال بلغ أشده وبلغوا أشدهم)، أشار بهذا إلى أنه يضاف إلى المفرد والجمع بلفظ واحد. قوله: (وقال بعضهم: واحدها:) أي: واحد الأشد وهو قول سيبويه والكسائي، وزعم أبو عبيدة أنه ليس له واحد من لفظه.
والمتكأ ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام وأبطل الذي قال الأترج وليس في كلام العرب الأترج فلما احتج عليهم بأنه المتكأ من نمارق فروا إلى شر منه فقالوا إنما هو المتك ساكنة التاء وإنما المتك طرف البظر ومن ذالك قيل لها متكاء وابن المتكاء فإن كان ثم أترج فإنه بعد المتكإ.
لما ذكر فيما مضى عن قريب عن مجاهد أن المتكأ الأترج، أنكر ذلك، فقال: المتكأ ما اتكأت عليه لأجل شرب شراب أو لأجل حديث أو لأجل طعام. قوله: وأبطل قول الذي قال: المتكأ الأترج، ثم ادعى أنه ليس في كلام العرب الأترج، يعني: ليس في كلام العرب تفسير المتكأ بالأترج، وفيه نظر، حتى قال صاحب (التوضيح) هذه الدعوى من الأعاجيب فقد قال في (المحكم) المتكأ الأترج، وعن الأخفش كذلك، وفي (الجامع) المتكأ الأترج، وأنشدوا:
303
* فنشرب الإثم بالصواع جهارا
* ونرى المتك بيننا مستعارا
*
وأبو حنيفة الدينوري زعم أن المتكا بالضم الأترج، والذي بفتح الميم السوسن، وبنحوه ذكره أبو علي القالي وابن فارس في (المجمل) وغيرهما. قوله: (فلما احتج عليهم)، بصيغة المجهول. (يان المتكأ من نمارق) إلى آخره ظاهر. قوله: (وإنما المتك)، بعني: بالضم، طرف البظر، بفتح الباء الموحدة وسكون الظاء المعجمة وفي آخره راء، وهو ما تبقيه الخاتنة بعد الختان من المرأة. قوله: (ومن ذلك) أي: ومن هذا اللفظ: (قيل لها) أي: للمرأة. (متكاء) بفتح الميم وسكون التاء وبالمد، وهي التي لم تختن، ويقال لها: البظراء أيضا ويعير الرجل بذلك، فيقال له: ابن المتكاء. قوله: (فإن كان ثم أترج) بفتح الفاء المثلثة وتشديد الميم، أي: فإن كان هناك أترج فإنه كان بعد المتكاء، وقال بعضهم: إنما قال البخاري ما قاله من ذلك تبعا لأبي عبيدة فإنه قال: زعم قوم أنه الأترج، وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع المتكاه أترج يأكلونه. قلت: كأنه لم يفحص عن ذلك كما ينبغي. وقلد أبا عبيدة، والأفة من التقليد، وكيف يصح ما قاله من ذلك وقد روى عبد بن حميد من طريق عوف الأعرابي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما إنه كان يقرؤها: متكاء، مخففة ويقول: هو الأترج، وأيضا قد روى مثله عمن ذكرناهم الآن.
شغفها يقال بلغ إلى شغافها وهو غلاف قلبها وأما شعفها فمن المشعوف
أشار به إلى قوله تعالى: * (امرأة العزيز تراود فناها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) * (يوسف: 30) قوله: (قد شغفها)، أي: قد شغف يوسف زليخا، يعني: بلغ حبه إلى شغافها، بكسر الشين المعجمة في ضبط المحدثين، وعند أهل اللغة بالفتح، وهو غلاف قلبها، وقيل: الشغاف حبة القلب، وقيل: هو علقة سوداء في صميمه. قوله: (وأما شعفها)، يعني: بالعين المهملة فمن المشعوف، يقال: فلان مشعوف بفلان إذا بلغ به الحب أقصى المذاهب، ويقال: فلان شعفه الحب، أي أحرق قلبه.
أصب أميل
أشار به إلى قوله عز وجل حكاية عن قول يوسف، عليه السلام: * (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) * (يوسف: 33) وفسر: أصب، بقوله: أميل، يقال: صبا إلى اللهو، يصبو صبوا إذا مال إليه، ومنه سمي الصبي لأنه يميل إلى كل شيء.
أضغاث أحلام ما لا تأويل له
أشار به إلى قوله تعالى: * (قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) * (يوسف: 44) والأضغاث جمع ضغث، وهو ملء اليد من حشيش، وفسر قوله: أضغاث أحلام، بقوله: ما لا تأويل له لأنه من الأخلاط والرؤيا الكاذبة التي لا أصل لها. وقوله: (أضغاث أحلام) في محل الرفع على الابتداء. قوله: (ما لا تأويل له)، خبره وكلمة ما موصولة.
والضغث ملء اليد من حشيش وما أشبهه ومنه وخذ بيدك ضغثا لا من قوله أضغاث أحلام واحدها ضغث
أشار بقوله: * (والضغث) * إلى شيئين: أحدهما: أن الضغث واحد. الأضغاث والآخر: أن تفسيره بملء اليد من حشيش وما أشبهه، وأراد أن الضغث الذي هو ملء الكف من أنواع الحشيش هو المراد من قوله تعالى: * (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به) * (ص
1764;: 44) وذلك في قصة أيوب، عليه السلام، وليس المراد هنا هذا المعنى، ولكن المراد من الأضغاث هنا هو الذي واحده ضغث الذي هو بمعنى ما لا تأويل له، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: * (أضغاث أحلام) * ما حاصله أن الضغث في قوله: (وخذ بيدك ضغثا) بمعنى: ملء الكف من الحشيش، لا بمعنى: ما لا تأويل له، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: * (أضغاث أحلام) * قال: أخلاط أحلام، وروى أبو يعلى بإسناده عن ابن عباس في قوله: * (أضغاث أحلام) * قال: هي الأحلام الكاذبة.
نمير من الميرة
أشار به إلى قوله تعالى: * (هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا) * (يوسف: 6) الميرة بكسر الميم الطعام، والمعنى: نجلب إلى أهلنا الطعام يقال: مار أهله يميرهم إذا أتاهم بطعام.
ونزداد كيل بعير ما يحمل بعير
أي نزداد على أحمالنا حمل بعير يكال له ما حمل بعيره، وروى الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: كيل بعير أي: كيل حمار. وذكر الثعلبي أنه لغة يقال للحمار بعير. ويؤيد ذلك أن إخوة يوسف كانوا من أرض كتمان وليس بها إبل.
آوي إليه ضم إليه
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولما دخلوا على يوسف آوي إليه أخاه) * (يوسف: 69) الآية. أي: فلما دخلت إخوة يوسف عليه ضم يوسف إلى نفسه أخاه بنيامين من آوى يؤوى إيواء.
السقاية مكيال
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) * (يوسف: 70) وفسر السقاية وله مكيال، وهو الإناء الذي كان يوسف يشرب به فجعله ميكالا لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا ويقال: السقاية هي الصواع كان الملك يسقي بها ثم جعلت صاعا يكال به، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
تفتأ لا تزال
أشار به إلى قوله: * (تالله تفتأ تذكر يوسف) * (يوسف: 85) أي: لا تفتأ فحذف حرف النفي، والمعنى: أن أخوة يوسف قالوا ليعقوب أبيهم: والله لا تزال تذكر يوسف ولا تفتر من حبه * (حتى تكون حرضا) * الآية. يقال: ما فتئت أذكر ذلك وما فتأت أفتأ وافتو فتاء وفتوءا. وقال أبو زيد: ما افتأت أذكره وما فتئت أذكره أي: ما زلت أذكره لا يتكلم به إلا مع الجحد. وقوله: * (تالله تفتأ تذكر يوسف) * أي: ما تفتأ قلت الصواب لا تفتأ.
303
حرضا محرضا يذيبك الهم
أشار به إلى قوله تعالى: * (حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين) * وذكر أن حرضا بمعنى، محرض، على صيغة اسم المفعول وفسره بقوله: يذيبك الهم من الإذابة. وقيل: معناه تكون دنفا وقيل: قريبا من الموت، وقال الفراء الحرض هو الفاسد في جسمه، وعقله ويستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر وضع موضع الألم، ومن العرب من يؤنث مع المؤنث. وقرأ أنس بضم الحاء، وعن قتادة: حرضا هرما. وعن الضحاك باليا ذا بلاء، وعن الربيع ابن أنس، يابس الجلد على العظم، وعن الحسن: كالشئ المدقوق المكسور، وعن القتبي: ساقطا. قوله: * (أو تكون من الهالكين) * أي: الميتين.
تحسسوا تحبروا
أشار به إلى قوله تعالى: * (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) * (يوسف: 87) الآية. وفسر: تحسسوا بقوله: تخبروا. أي: اطلبوا الخبر وتحسسوا تفعلوا من الحس، يعني: تتبعوا. وعن ابن عباس: التمسوا. وسئل ابن عباس عن الفرق بين التحسس، بالحاء المهملة، والتجسس، بالجيم؟ فقال: لا يعدو أحدهما عن الآخر إلا أن التحسس في الخير والتجسس في الشر، وقيل: بالحاء لنفسه وبالجيم لغيره، ومنه الجاسوس.
مزجاة قليلة
أشار به إلى قوله تعالى: * (وجئنا ببضاعة مزجاة) * وفسرها بقوله قليلة. وقيل: ردية، وقيل: فاسدة. وعن قتادة: يسيرة، وكانت البضاعة من صوف ونحوه. وقيل: دراهم لا تزوج، وروي عن عكرمة وابن عباس: كانت دراهم زيوفا لا تنفق إلا بوضيعة. وعن ابن عباس أيضا خلق الغرارة والحبل ورثة المتاع.
غاشية من عذاب الله عامة مجللة
أشار به إلى قوله تعالى: * (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) * (يوسف: 107) وفسر غاشية بقوله: (عمامة) أي: نقمة عامة. قوله: (مجللة)، بالجيم من جلل الشيء تجليلا أي: عمه، وهو صفة غاشية لأن ابن عباس فسر الغاشية بقوله: مجللة، ويرد بهذا قول بعضهم: أن مجللة تأكيد عامة. وقال قتادة: غاشية وقيعة، وقال الضحاك: الصواعق والقوارع.
((باب))
أي: هذا باب، وليس في معظم النسخ لفظ باب.
استيأسوا يئسوا لا تيأسوا من روح الله معناه الرجاء
لم يثبت هذا ألا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني، وأشار بقوله: * (استيأسوا) * إلى قوله تعالى: * (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) * (يوسف: 80) وفسره بقوله: (يئسوا) أي: فلما أيس أخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه خلصوا نجيا. أي: خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم، والآن يأتي مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى قوله: * (لا تيأسوا من روح الله) * أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) * (يوسف: 87) ومعنى من روح الله من رحمته، قال قتادة والضحاك: من فضل الله، وقال ابن زيد: من فرج الله، وهذا حكاية عن كلام يعقوب، عليه السلام، لأولاده قوله: (معناه الرجاء) أي: معنى عدم اليأس الرجاء أو معنى التركيب الرجاء، أو لا روح به حقيقة.
خصلوا نجيا اعتزلوا نجيا والجسم أنجية يتناجون الواحد نجي والاثنان والجميع نجي وأنجية.
أشار به إلى قوله تعالى: * (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) * ولم يثبت هذا إلا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وقوله: (خلصوا) جواب لما وفسر خلصوا بقوله: (اعتزلوا) ووقع في رواية المستملي: اعترفوا والأول هو الصواب، والنجي هو الذي يناجي، ويستوي فيه الواحد والاثنان والجمع المذكر والمؤنث لأنه مصدر في الأصل جعل نعتا كالعدل والزور ونحوهما وجاء جمعه أنجية وقد نبه عليه بقوله: وأنجبة وانتصاب: نجيا، على الحال أي: حال كونهم متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم.
1
((باب قوله: * (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) * (يوسف: 6))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ويتم نعمته عليك) * الآية. وليس في بعض النسخ لفظ: باب قوله: (ويتم نعمته) أي: ويتم الله نعمته عليك، والخطاب ليوسف، عليه السلام، وإتمام النعمة بالنبوة، وقيل: بإعلاء الكلمة، وقيل: بأن أحوج إليك إخوتك قوله: (وعلى آل يعقوب) هم ولده، وقيل: هو وامرأته وأولاده الأحد عشر، وإتمام النعمة: الجمع بين نعمة الدنيا وهي الملك ونعمة الآخرة. قوله: (كما أتمها) أي: النعمة فنعمته على إبراهيم أن أنجاه من النار، وعلى إسحاق أن أنجاه من الذبح.
4688 ح دثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الصمد عن عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
مطابقته للترجمة من حيث أن المذكور فيهما هؤلاء الأنبياء الأربعة عليهم السلام. قوله: (حدثني)، ويروى: حدثنا بنون
303
الجمع، ووقع في أطراف خلف. قال عبد الله بن محمد. وبالتحديث أكثر، وعبد الله بن محمد هو الجعفي البخاري المعروف بالمسندي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، والحدث مضى في كتاب الأنبياء في باب قوله الله عز وجل: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 7).
2
((باب قوله: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 7))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (لقد كان في يوسف) * الآية. وهذا مكرر لأن هذه الترجمة بعينها مع الحديث الذي لها قد مضيا في كتاب الأنبياء، وفي حال الإسناد وبعض المتن تغاير على ما يأتي.
4689 ح دثني محمد أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم قال أكرمهم عند الله أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا نعم قال فخياركم في الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا.
مطابقته للترجمة تؤخذ مع بعض التعسف من حيث أن في الآية سؤالا عن يوسف الذي هو أكرم الناس من حيث النسب، وفي الحديث أخبر، صلى الله عليه وسلم، عن صفته تلك. وإنما قلنا إنه أكرم الناس من حيث النسب لأنه نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، ولم يتفق هذا لأحد غيره، ومحمد هو ابن سلام، وعبدة ضد الحرة ابن سليمان، وعبيد الله هو المعروف بالعمري، وسعيد بن أبي سعيد المقبري واسم أبيه كيسان؟ قوله: (عن معادن العرب) أي: أصولهم التي يلبسون إليها ويتفاخرون بها وشبهوا بالمعادن لما فيه من الاستعدادات المتفاوتة. قوله: (فقهوا) بضم القاف وكسرها.
تابعه أبو أسامة عن عبيد الله
يعني: تابع عبدة أبو أسامة حماد بن أسامة عن عبيد الله العمري، وقد وصل البخاري هذه المتابعة في كتاب الأنبياء عليهم السلام.
3
((باب قوله: * (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) * (يوسف: 18، 83))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) * إنما قال هذا يعقوب لبنيه لما جاؤوا إليه بقميص يوسف ملطخ بالدم. قوله: (سولت) يأتي معناه الآن. قوله: (فصبر جميل) أي: فصبري صبر جميل وهو الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى.
سولت زينت
أشار بأن معنى سولت في الآية المذكورة زينت. روى هذا عن قتادة، ورواه أبو محمد عن علي بن الحسن حدثنا أبو الجماهر أخبرنا سعيد بن بشير عنه.
4690 ح دثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال وحدثنا الحجاج حدثنا عبد الله بن عمر النميري حدثنا يونس بن يزيد الأيلي قال سمعت الزهري سمعت عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله. كل حدثني طائفة من الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم إن كنت بريئة فسيبرئك الله
304
وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه قلت إني والله لا أجد مثلا إلا أبا يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون وأنزل الله إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات.
مطابقته للترجمة في قوله: * (فصبر جميل) * (يوسف: 18، 83) الآية. وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني، وصالح هو ابن كيسان، والحجاج هو ابن منهال. والحديث قد مضى مطولا في: باب الإفك عقيب، باب: غزوة أنمار، ومضى الكلام فيه مستوفي قوله: (والميت) أي: قصدت إليه ونزلت به.
4691 حدثنا موسى ا حدثنا أبو عوانة عن حصين عن أبي وائل قال حدثني مسروق بن الأجدع قال حدثتني أم رومان وهي أم عائشة قالت بينا أنا وعائشة أخذتها الحمى فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعل في حديث تحدث قالت نعم وقعدت عائشة قالت مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه والله المستعان على ما تصفون.
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى هو ابن إسماعيل المنقري التبوذكي، وأبو عوانة الوضاح اليشكري، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: ابن عبد الرحمن السلمي، وأبو وائل شقيق بن سلمة. والحديث مضى بأتم منه في باب الإفك، ومضى الكلام فيه.
قوله: (حدثتني أم رومان) وهذا صريح في سماع مسروق عنها والأكثرون على خلافه. قوله: (لعل في حديث) أي: لعل الذي حصل لعائشة من أجل حديث تحدث به في حقها.
4
((باب قوله: * (وراودته التي هو بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك) * (يوسف: 22))
.
أي: هذا باب في قوله عز وجل: (وراودته) الآية، وليس في بعض النسخ لفظ: باب قوله: (وراودته) أي: راودت امرأة العزيز زليخا يوسف، يعني: طلبت منه أن يواقعها قوله: (الأبواب)، وكانوا سبعة، والآن يأتي الكلام في لفظ هيت لك.
وقال عكرمة هيت لك بالحورانية هلم. وقال ابن جبير تعاله
أي: قال عكرمة مولى ابن عباس: معنى (هيت لك) باللغة الحورانية: هلم. وهو بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبالراء وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف. وقال الكرماني: هو بلد بالشام، وقال البكري: حوران على وزن فعلان: أرض بالشام، وقال الرشاطي: حوران جبل بالشام، وقال ابن الأنباري: هي مدينة حوران، وقال علي بن حرب: هي مدينة بصرى. وقال أبو محمد: حوران من أعمال دمشق ومدينتها بصرى. وتعليق عكرمة أخرجه عبد بن حميد عن أبي معمر عن سفيان عن ابن أبي عروبة عنه، ومعنى: (هلم) أقبل وادن. وقال الكسائي: هذه لغة أهل حوران وقعت إلى الحجاز ومعناها: تعال وقال الحسن: هي لغة سريانية، وقال مجاهد: هي لغة عربية تدعوه إلى نفسها. وهي كلمة حث وإقبال على الشيء. وأصلها من الجلبة والصياح، تقول العرب: هيت لفلان إذا دعاه وصاح به. وقيل: تقول: هل لك رغبة في حسني وجمالي؟ قال أبو عبيدة: العرب لا تثني هيت ولا تجمع ولا تؤنث وإنها بصورة واحدة في كل حال، وإنما تتميز بما قبلها وبما بعدها.
واختلف القراء فيها فقرأ ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، بكسر الهاء وضم التاء مهموزا يعني: تهيأت لك، وبه قرأ السلمي وأبو وائل وقتادة، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن عامر وعبد الله بن أبي إسحاق بفتح الهاء وكسر التاء، وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الهاء وضم التاء، وفي (تفسير ابن مردوية): وبه قرأ ابن مسعود وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء، وقال النحاس: بفتح التاء والهاء هو الصحيح في قراءة ابن عباس وابن جبير والحسن ومجاهد وعكرمة، وبها قرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي.
قوله: (وقال ابن جبير) أي: قال سعيد بن جبير:
305
معنى هيت تعاله، وهذا وصله الطبري وأبو الشيخ من طريقه. والهاء في تعاله، للسكت، ولفظ: تعال أمر.
4692 حدثني أحمد بن سعيد حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال هيت لك قال وإنما نقرؤها كما علمناها.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن سعيد بن صخر أبو جعفر الدارمي المروزي، وهو شيخ مسلم أيضا، وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: الأزدي البصري، وسليمان هو الأعمش، وأبو وائل شقيق بن سلمة.
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الحروف عن هناد عن أبي معاوية وعن أبي معمر عن عبد الوارث عن شيبان وهذا موقوف، ولكن قوله (وإنما نقرؤها كلما علمناها) يدل على أنه مرفوع، وقال النحاس: وبعضهم يقول: عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمناها على صيغة المجهول، وقال ابن الجوزي: قرأ الأكثرون كما قرأ عبد الله يعني بفتح الهاء والتاء.
مثواه مقامه
أشار به إلى قوله تعالى * (الذي اشتراه من مصر لامرأته كرمي مثواه) * (يوسف: 25) الآية وثبت هذا لأبي ذر وحده، واسم الذي اشترى يوسف قطفير بكسر القاف، وقيل: بهمزة بدل القاف، وامرأته هي زليخا، وقيل: راعيل، وفسر مثواه بقوله: مقامه وقيل: منزله، وقال قتادة وابن جريج: منزلته.
وألفيا وجد ألفوا باءهم ألفينا
أشار به إلى قوله تعالى: * (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب) * (يوسف: 25) ومعنى: ألفيا وجدا، وكذا معنى ألفوا وألفينا. قوله: (واستبقا الباب) يعني: يوسف وزليخا، يعني: تبادرا إلى الباب، أما يوسف ففارا من ركوب الفاحشة، وأما زليخا فطالبة ليوسف ليقضي حاجتها، فأدركته فتعلقت بقميصه من خلفه فقدت، أي: خرقت وشقت من دبر يعني: من خلف لا من قدام، فلما خرجا (ألفيا سيدها) أي: وجداز وجها قطفير عند الباب جالسا مع ابن عم له، وبقية القصة مشهورة.
وعن ابن مسعود بل عجبت ويسخرون
هذا في سورة الصافات: وهو قوله * (إنا خلقناهم من طين لازب بل عجبت ويسخرون) * (الصافات: 11 12) ولا مناسبة لذكره ههنا، وأجاب الكرماني بقوله: إنه لبيان أن ابن مسعود كما يقرأ هيت مضموم والتاء يقرأ قوله: (عجبت). بضم التاء قوله: (وعن ابن مسعود) معطوف على الاسناد الذي قبله، ووصله الحاكم في (المستدرك) من طريق جرير عن الأعمش بهذا قوله: (بل عجبت) فيه قراءتان: (إحداهما) عن حمزة والكسائي وخلف بضم التاء (والأخرى) عن الباقين بفتح التاء، فالمعنى على الأولى: بلغ من أعظم آياتي وكثرة خلائقي أني عجبت منها، فكيف بعبادي هؤلاء بجهلهم وعنادهم يشخرون من آياتي؟ وقيل: عجبت من أن ينكروا البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يصف الله بالقدرة عليه. قيل: العجب من الله تعالى محال لأنه روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء. وأجيب: بأن مجرد العجب لمعنى الاستعظام، وقيل: يتخيل العجب ويفرض. والمعنى على الثانية: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: يا محمد بل عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك.
3693 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه أن قريشا لما أبطؤا عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام قال اللهم
اكفنيهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينا مثل الدخان قال الله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين قال الله إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة وقد مضى الدخان ومضت البطشة.
306
مطابقته للترجمة من حيث إن في نفس الحديث: فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم الحديث، وقد مضى في كتاب الاستسقاء في باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اجعلها سنين كسني يوسف فدعا لهم بكشف العذاب ففيه أنه عفا عن قومه كما أن يوسف، عليه السلام، عفا عن زليخا.
والحميدي عبد الله، وسفيان بن عيينة، والأعمش سليمان، ومسلم بن صبيح بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وكنيته أبو الضحى.
قوله: (سفيان عن الأعمش) وفي مسند الحميدي: عن سفيان أخبرني الأعمش، أو أخبرت عنه، كذا بالشك، وكذا في رواية أبي نعيم في (المستخرج) من طريقه، وفي رواية الإسماعيلي عن سفيان، قال: سمعت من الأعمش أو أخبرت عنه (فإن قلت) هذا الشك أما يقدح في صحة الحديث؟ (قلت) لأنه مضى في الاستسقاء من طريق أخرى عن الأعمش من غير رواية ابن عيينة فتكون هذه معدودة في المتابعات قوله: (حصت) بالمهملتين أي: أذهبت يقال سنة حصاء أي: جرداء لا خير فيها، (والبطشة) يوم بدر. وقد استقصينا الكلام فيه كتاب الاستسقاء.
5
((باب قوله: * (فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله) * (يوسف: 50 51))
2 (
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فلما جاء الرسول) * إلى آخره، وليس في بعض النسخ لفظ: باب، والترجمة بطولها عند غير أبي ذر وعنده إلى قوله: (ربك). قوله: (فلما جاءه الرسول) أي: فلما جاء يوسف رسول الملك، وقال: أجب الملك فأبى أن يخرج معه حتى يظهر عذره وبراءته عند الملك ويعرف صحة أمره من قبل النسوة اللاتي قطعن أيديهن، وقصته مشهورة قوله: (إن ربي بكيدهن عليم) أي: إن الله تعالى عالم بكيد النساء، وقيل: إن سيدي الملك قطفير عالم بما فتنتني به المرأة. قوله: (ما خطبكن) فيه حذف تقديره، فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز، فقال لهن: (ما خطبكن) أي: ما شأنكن وأمركن، (إذراودتن يوسف) فأجبنه بقلن: (حاش لله) أي: معاذ الله (ما علمنا عليه من سوء) أي: من فاحشة وبقية القصة مشهورة.
وحاش وحاشى تنزيه واستثناء
إعلم إن: حاش على ثلاثة أوجه (أحدها) أن تكون فعلا متعديا متصرفا، تقول: حاشيته بمعنى استثنيته (والثاني) أن تكون للتنزيه، نحو: حاش لله وهي عند المبرد وابن جنى والكوفيين فعل لتصرفهم فيها بالحذف. والصحيح أنها اسم مرادف للتنزيه بدليل قراءة بعضهم: حاشا لله، بالتنوين كما يقال براءة لله من كذا وزعم بعضهم أنها اسم فعل ومعناها: أتبرأ أو تبرأت. (الثالث) أن تكون للاستثناء، فذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف دائما بمنزلة إلا لكنها تجر المستثنى وذهب الجرمي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمرو الشيباني إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جارا، وقليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنها معنى إلا وقال أبو عبيدة الشين في حاش في قوله حاش لله، مفتوحة بغير ياء، وبعضهم يدخلها في آخرها، كقول الشاعر.
حاشى أبي ثوبان إن به ضمنا
ومعناها التنزيه والاستثناء عن الشر تقول: حاشيته أي: استثنيته، وقد قرأ الجمهور بحذف الألف بعد الشين، وأبو عمرو بإثباتها في الأصل، وفي حذف الألف بعد الحاء لغة، وقرأ بها الأعمش قوله: (تنزيه) من نزه ينزه تنزيها بالزاي كذا هو في وراية الأكثرين، وفي رواية حكاها عياض: تبرية من التبري بمعنى البراءة بالباء الموحدة والراء المهملة.
حصحص وضح
أشار به إلى قوله: * (الآن حصحص الحق) * (يوسف: 51) الآية وفشر: حصحص، بقوله: وضح، وقيل: ذهب الباطل والكذب فانقطع وتبين الحق وظهر، والأصل فيه: حص. فقيل: حصحص. كما يقال في: كف كفكف، وفي رد ردد وأصل الحص استئصال الشيء، يقال: حص شعره إذا استأصله جزا.
5
((باب قوله: * (فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله) * (يوسف: 50 51))
2 (
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فلما جاء الرسول) * إلى آخره، وليس في بعض النسخ لفظ: باب، والترجمة بطولها عند غير أبي ذر وعنده إلى قوله: (ربك). قوله: (فلما جاءه الرسول) أي: فلما جاء يوسف رسول الملك، وقال: أجب الملك فأبى أن يخرج معه حتى يظهر عذره وبراءته عند الملك ويعرف صحة أمره من قبل النسوة اللاتي قطعن أيديهن، وقصته مشهورة قوله: (إن ربي بكيدهن عليم) أي: إن الله تعالى عالم بكيد النساء، وقيل: إن سيدي الملك قطفير عالم بما فتنتني به
المرأة. قوله: (ما خطبكن) فيه حذف تقديره، فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز، فقال لهن: (ما خطبكن) أي: ما شأنكن وأمركن، (إذراودتن يوسف) فأجبنه بقلن: (حاش لله) أي: معاذ الله (ما علمنا عليه من سوء) أي: من فاحشة وبقية القصة مشهورة.
وحاش وحاشى تنزيه واستثناء
إعلم إن: حاش على ثلاثة أوجه (أحدها) أن تكون فعلا متعديا متصرفا، تقول: حاشيته بمعنى استثنيته (والثاني) أن تكون للتنزيه، نحو: حاش لله وهي عند المبرد وابن جنى والكوفيين فعل لتصرفهم فيها بالحذف. والصحيح أنها اسم مرادف للتنزيه بدليل قراءة بعضهم: حاشا لله، بالتنوين كما يقال براءة لله من كذا وزعم بعضهم أنها اسم فعل ومعناها: أتبرأ أو تبرأت. (الثالث) أن تكون للاستثناء، فذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف دائما بمنزلة إلا لكنها تجر المستثنى وذهب الجرمي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمرو الشيباني إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جارا، وقليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنها معنى إلا وقال أبو عبيدة الشين في حاش في قوله حاش لله، مفتوحة بغير ياء، وبعضهم يدخلها في آخرها، كقول الشاعر.
حاشى أبي ثوبان إن به ضمنا
ومعناها التنزيه والاستثناء عن الشر تقول: حاشيته أي: استثنيته، وقد قرأ الجمهور بحذف الألف بعد الشين، وأبو عمرو بإثباتها في الأصل، وفي حذف الألف بعد الحاء لغة، وقرأ بها الأعمش قوله: (تنزيه) من نزه ينزه تنزيها بالزاي كذا هو في وراية الأكثرين، وفي رواية حكاها عياض: تبرية من التبري بمعنى البراءة بالباء الموحدة والراء المهملة.
حصحص وضح
أشار به إلى قوله: * (الآن حصحص الحق) * (يوسف: 51) الآية وفشر: حصحص، بقوله: وضح، وقيل: ذهب الباطل والكذب فانقطع وتبين الحق وظهر، والأصل فيه: حص. فقيل: حصحص. كما يقال في: كف كفكف، وفي رد ردد وأصل الحص استئصال الشيء، يقال: حص شعره إذا استأصله جزا.
307
4694 حدثنا سعيد بن تليد حدثنا عبد الرحمان بن القاسم عن بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له أولم تؤمن قال بلى ولاكن ليطمئن قلبي.
يمكن أن يأخذ وجه المطابقة بين الترجمة والحديث من قوله: (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي) على ما لا يخفي على المتأمل الفطن.
وسعيد بن تليد: بفتح التار المثناة من فوق وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة، وهو سعيد بن عيسى بن تليد المصري. مر في كتاب بدء الخلق، و عبد الرحمن بن القاسم العتقي، بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبعدها قاف المصري الفقيه صاحب الإمام مالك وراوي المدونة من علمه، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع.
وهذا الإسناد من أوله إلى قوله: عن ابن شهاب، مصريون، ومن ابن شهاب إلى آخره مدنيون، وفيه رواية الأقران لأن عمرو بن الحارث المصري الفقيه المشهور من أقران يونس بن يزيد.
قوله: (يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد) قد مر في باب * (ولوطا إذ قال لقومه) * (الأعراف: 80) فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج. والحديث من قوله: (ولو ثبت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي) قد مر في: باب قول الله تعالى: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 7) فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد بن أسماء إلى آخره وقوله: (ونحن أحق من إبراهيم) إلى آخره قد مر في سورة البقرة في باب * (إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى) * (البقرة: 260) فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن صالح، وقد مر الكلام في الكل مستقصى.
6
((باب قوله: * (حتى إذا استيأس الرسل) * (يوسف: 110))
.
أي: هذا باب في قوله: * (حتى إذا استيأس الرسلوظنوا أنهم قد كذبوا) * (يوسف: 110) الآية، وليس في بعض النسخ لفظ: باب، واستيأس على وزن استفعل من اليأس وهو ضد الرجاء، ومعناه: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم رسلهم في وعد العذاب، وقيل: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم. وقال عطاء والحسن وقتادة: ظنوا أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم. ومعنى التخفيف: ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم بإهلاك أعدائهم وقرأ مجاهد كذبوا بفتح الكاف وتخفيف الذال وكسره، وقال ابن عرفة الكذب الانصراف عن الحق. فالمعنى: كذبوا تكذيبا لا تصديق بعده.
4695 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى حتى إذا استيأس الرسل قال قلت أكذبوا أم كذبوا قالت عائشة كذبوا قلت فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك فقلت لها وظنوا أنهم قد كذبوا قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذالك بربها قلت فما هاذه الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم
النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله.
308
مطابقته للترجمة ظاهرة وصالح هو ابن كيسان: والحديث قد مر في قصة يوسف في آخر: باب قوله تعالى * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 7) ومر الكلام فيه قوله: (وهو يسألها) الواو وفيه للحال أي: وعروة يسأل عائشة. قوله: (أكذبوا أو كذبوا) يعني: مثقلة أم مخففة، قوله: (قالت عائشة كذبوا) يعني بالتثقيل. قوله: (ذلك) أي الكذب في حق الله تعالى. قوله: (أتباع الرسل) وهم المؤمنون. فالمظنون تكذيب المؤمنين لهم والمتيقن تكذيب الكفار. قوله: (معاذ الله) تعوذت من ظن الرسل أنهم مكذبون من عند الله، بل ظنهم ذلك من قبل المصدقين لهم المؤمنين بهم.
4696 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة فقلت لعلها كذبوا مخففة قالت معاذ الله
هذا طريق آخر في الحديث أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري أورده مختصرا وقد سافه أبو نعيم في (مستخرجه) بتمامه، ولفظه: عن عروة أنه سأل عائشة فذكر نحو حديث صالح بن كيسان.
13
((سورة الرعد))
أي: هذا في بيان تفسير بعض سورة الرعد، قيل: إنها مكية وقيل المدينة، وقيل: فيها مكي ومدني، وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة أحرف، وثمانمائة وخمس وخمسون كلمة، وثلاث وأربعون آية.
بسم الله الرحمان الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر وحده.
وقال ابن عباس: * (كباسط كفيه مثل المشرك الذي عبد مع الله إلها غيره كمثل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر) * (الرعد: 14).
أشار به إلى قوله تعالى: * (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسد كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) * الآية قوله: (والذين) أي: المشركون الذين يدعون الأصنام من دون الله يريدون منها دفعا أو رفعا لا يستجيبون لهم بشيء ممن ذلك. قوله: (كباسط كفيه) أي: إلا كباسط كفيه، وقال ابن عباس: فيه مثل المشرك الذي عبده مع الله إلها آخر إلى آخره، ووصله أبو محمد عن أبيه: حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي عن ابن عباس. قوله: (ولا يقدر) بالراء في رواية ألا كثرين، وروي: فلا يقدم، بالميم وهو تصحيف، وإن كان له وجه من حيث المعنى.
وقال غيره سخر ذلل
أشار به إلى قوله تعالى: * (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) * (الرعد: 2) وفسره بقوله: (ذلل) يعني: ذللهما لمنافع الخلق ومصالح العباد كل يجري أي: كل واحد إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة.
متجاورات متدانيات
أشار به إلى قوله تعالى: * (وفي الأرض قطع متجاورات) * (الرعد: 4) وفسر متجاورات بقوله: متدانيات، وقيل: متقاربات يقرب بعضها من بعض بالجوار ويختلف بالتفاضل. فمنها عذبة ومنها مالحة ومنها طيبة تنبت منها سبخة لا تنبت.
وقال مجاهد متجاورات طيبها عذبها وخبيثها السباخ
روي هذا التعليق أبو بكر بن المنذر عن موسى عن أبي بكر عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
309
المثلات واحدها مثلة وهي الأشباه والأمثال
أشار به إلى قوله تعالى: * (وقد خلت من قبلهم المثلات) * (الرعد: 6) أي: وقد مضت من قبلهم من الأمم التي عصت ربها، وكذبت رسلها بالعقوبات، والمثلات واحدها مثلة، بفتح الميم وضم الثاء مثل صدقة وصدقات، وفسر المثلات بقوله: (وهي الأشباه والأمثال) وروي الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: (المثلات) قال: الأمثال: ومن طريق معمر عن قتادة قال: المثلات العقوبات، ومن طريق زيد بن أسلم قال: المثلات ما مثل الله به من الأمم من العذاب، وسكن يحيى بن وثاب الثاء في قراءته وضم الميم، وقرأ طلحة بن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء، وقرأ الأعمش بفتحهما وفي رواية عن أبي بكر ابن عياش ضمهما، وبه قرأ عيسى بن عمر.
بمقدار بقدر
أشار به إلى قوله تعالى: * (وكل شيء عنده بمقدار) * (الرعد: 8) وفسره بقوله: (بقدر) والمقدار على وزن: مفعال معناه: بحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، وعن ابن عباس: مقدار كل شيء مما يكون قبل أن يكون وكلما هو كائن إلى يوم القيامة.
معقبات ملائكة حفظة تعقب الأولى منها الأخرى ومنه قيل العقيب يقال عقبت في إثره
أشار به إلى قوله تعالى: * (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) * (الرعد: 11) وفي رواية أبي ذر، يقال: معقبات فسرها بقوله: ملائكة
حفظة يتعاقبون بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل، والتعقيب العود بع البدء قوله: (له المعقبات) أي: لله تعالى معقبات، وعن ابن عباس: له معقبات يعني لمحمد من الرحمن حرس من بين يديه ومن خلفه يحفظونه. يعني: من شر الإنس والجن ومن شر طوارق الليل والنهار، وقيل الضمير في له، يرجع إلى الإنسان، والمعقبات جمع معقبة، والمعقبة جمع معقب، فالمعقبات جمع الجمع كما قيل: ابناوات سعد ورجالات بكر، قاله الثعلبي، وقيل: المعقبات الخدم والحرس حول السلطان، وقيل: ما يتعقب من أوامر الله وقضاياه. قوله: (يحفظونه) أي: يحفظون المستخفي بالليل والسارب بالنهار قوله: (من أمر الله) أي: يحفظونه بأمر الله من أمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه وعن ابن عباس يحفظونه من أمر الله ما لم يجيء القدر قوله: (ومنه) قيل: العقيب، أي، ومن أصل معقبات يقال: العقيب، وهو الذي يأتي في عقب الشيء، وفي بعض النسخ، ومنه العقب، بلا ياء بمعناه، وعقب الرجل نسله. قوله: (يقال: عقب في إثره) بتشديد القاف في ضبط الدمياطي بخطه، وقال ابن التين: هو بفتح القاف وتخفيفها، قال: وضبطه بعضهم بتشديدها، وفي بعض النسخ بكسرها، ولا وجه له إلا أن يكون لغة.
المحال العقوبة
أشار به إلى قوله تعالى: * (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) * (الرعد: 13) وفسره بقوله: العقوبة، وعن علي، رضي الله تعالى عنه: شديد الأخذ، وعن مجاهد، شديد القوة، وعن الحسن: شديد المماحلة والمماكرة والمغالبة، وعن مجاهد في رواية: شديد انتقام.
كباسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء
أشار به إلى قوله تعالى: * (لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو بالغه) * (الرعد: 14) قوله: (لا يستجيبون)، يعني: الذين يشركون ويدعون الأصنام من دون الله لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه أي: إلا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء من العطش ليقبضه حتى يؤديه إلى فمه فلا يتم له ذلك ولا يجمعه، وعن علي، رضي الله تعالى عنه، يعني: كالرجل العطشان الجالس على شفير الماء ويمد يديه إلى البئر فلا يبلغ قعرها فلا يبلغ إلى الماء والماء لا ينزو ولا يرتفع إلى يده، كذلك لا ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله عز وجل. والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه طلب ما لا يجده مثلا بالقابض على الماء، لأن القابض على الماء لا يحصل شيء في يده.
رابيا من ربا يربو
أشار به إلى قوله عز وجل: * (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا) * (الرعد: 17) وأشار بقوله: (رابيا) إلى أن
310
اشتقاق رابيا: من ربا يربو من باب فعل يفعل أي: انتفخ. قاله أبو عبيدة، وفي التفسير: رابيا عاليا مرتفعا فوق الماء.
أو متاع زبد والمتاع ما تمتعت به
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) * (الرعد: 17) وفسر بقوله: (والمتاع ما تمتعت به) قوله: (ابتغاء حلية) أي: لأجل ابتغاء أي طلب حلية، أي: زينة أو متاع، وأردبه جواهر الأرض من الذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والرصاص يذاب فتتخذ منه الأشياء مما ينتفع به من الحلي والأواني وغيرهما. قوله: (زبد مثله) أي: له زبد إذا أذيب مثل الحق والزبد الذي لا يبقى ولا ينتفع به مثل الباطل.
جفاء أجفأت القدر إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك يميز الحق من الباطل
أشار به إلى قوله تعالى: * (فأما الزبد فيذهب جفاء) * وفشر الجفاء بقوله: (أجفأت القدر) إلى آخره، وقال أبو عمرو بن العلاء: يقال: أجفأت القدر، وذلك إذا غلت وانصب زبدها، فإذا سكنت لم يبق منه شيء، ونقل الطبري عن بعض أهل اللغة أن معنى قوله: (فيذهب جفاء) تنشفه الأرض، يقال: جفأ الوادي وأجفأ بمعنى نشف قوله: (فكذلك يميز الحق من الباطل) في الحقيقة إشارة إلى قوله تعالى في أثناء الآيات المذكورة كذلك يضرب الله الحق والباطل. وأوضح ذلك بقوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ومعنى قول البخاري: فكذلك، أي: فكما ميز الله الزبد الذي يبقى من الذي لا يبقى ولا ينتفع به، ميز الحق الذي يبقى ويستمر من الباطل الذي لا أصل له ولا يبقى.
المهاد الفراش
أشار به إلى قوله تعالى: * (ومأواهم جهنم وبئس المهاد) * (الرعد: 18) وفسره بقوله: (الفراش) ولم يثبت هذا إلا في غير رواية أبي ذر.
يدرؤن يدفعون درأته عني دفعته
أشار به إلى قوله تعالى: * (ويدرؤن بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبي الدار) * (الرعد: 22) وفسر قوله: (يدرؤن) بقوله (يدفعون) يقال: درأت فلانا إذا دفعته من الدار موهو الدفع.
سلام عليكم أي يقولون سلام عليكم
أشار به إلى قوله تعالى: * (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) * (الرعد: 24) وقد رهنا محذوفا، وهو: يقولون، وفي التفسير: تدخل الملائكة على أهل الجنة فيسلمون عليهم بما صبروا على الفقر في الدنيا، وقيل: على الجهاد، وقيل: على ملازمة الطاعة ومفارقة المعصية، وقيل: على تركهم الشهوات.
وإليه متاب توبتي
أشار به إلى قوله تعالى: * (لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) * (الرعد: 30) وفي التفسير: وإليه رجوعي، والمتاب مصدر ميمي، يقال: تاب الله توبة
ومتابا، والتوبه الرجوع من الذنب.
أفلم ييأس فلم يتبين
أشار به إلى قوله تعالى: * (أفلم ييأس الذين آمنوا إن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) * (الرعد: 31) وفسر: (أفلم ييأس) بقوله: (فلم يتبين) وعن ابن عباس: أفلم يعلم قال الكلبي: ييأس يعلم في لغة النخع. وهو قول مجاهد والحسن وقتادة والطبري عن القاسم بن معن أنه كان يقول: إنها لغة هوزان، تقول: يئست كذا أي: علمته.
قارعة داهية
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) * (الرعد: 31) أي: داهية مهلكة، قاله أبو عبيدة.
311
فأمليت أطلت من الملي والملاوة ومنه مليا ويقال للواسع الطويل من الأرض ملأ من الأرض
أشار به إلى قوله تعالى: * (فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب) * (الرعد: 32) وفسر أمليت بقوله: أطلت، كذا فسره أبو عبيدة. قوله: من الملي، بفتح الميم وكسر اللام وتشديد الياء بغير همزة قال الجوهري: الملي الهوى من الدهر، يقال: أقام مليا من الدهر، قال تعالى: * (واهجرني مليا) * (مريم: 46) أي: طويلا ومضى: ملى من النهار أي: ساعة طويلة والملاوة، بكسر الميم يقال: أقمت عنده ملاوة من الدهر، أي: حينا وبرهة، وكذلك ملوة من الدهر، بتثليث الميم والملا مقصورا: الواسع من الأرض، وقال الجوهري: الملا مقصورا الصحراء، والملوان الليل والنهار.
أشق أشد من المشقة
أشار به إلى قوله تعالى: * (ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق) * (الرعد: 34) وأراد بقوله: (أشد) أن لفظ: أشق، أفعل تفضيل من شق يشق.
صنوان النخلتان أو أكثر في أصل واحد وغير صنوان وحدها بماء واحد كصالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد
أشار به إلى قوله: * (صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد) * (الرعد: 4) الآية وفسر قوله: (صنوان) بقوله: (النخلتان أو أكثر في أصل واحد) وكذا قال ابن عباس الصنوان ما كان من نخلتين أو ثلاثا أو أكثر أصلهن واحد، وهو جمع صنو، ويجمع في القلة على أصناو، ولا فرق بينهما في التثنية والجمع إلا في الإعراب، وذلك أن النون في التثنية مكسورة أبدا غير منونة، وفي الجمع منونة تجري بجريان الإعراب، والقراء كلهم على كسر الصاد إلا أبا عبد الرحمن السلمي فإنه يضمها قوله: (وغير صنوان وحدها) أي: وغير صنوان المتفرق الذي لا يجمعه أصل واحد قوله: (بماء واحد) أي: يسقى بماء واحد، وفي رواية الفريابي عن مجاهد مثل ما قاله البخاري، لكن قال يسقي بماء واحد، قال بماء السماء قوله: (كصالح بني آدم) إلى آخره: شبه الصنوان الذي أصله واحد والصنوان المتفرق الذي لا يجمعه أصل واحد بصالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد، وقال الحسن: هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم فقلب يرق فيخشع ويخضع، وقلب يسهو ويلهو، والكل من أصل واحد، وكذلك صنوان وغير صنوان منها ما يخرج الطيب ومنها ما يخرج غير الطيب، وأصله واحد والكل يسقي بماء واحد.
السحاب الثقال الذي فيه الماء كباسط كفيه يدعو الماء
أشار به إلى قوله: * (يريكم البرق خوفا وطعما وينشىء السحاب الثقال) * (الرعد: 12) أي يسير السحاب وهو جمع سحابة، والثقال صفة السحاب أي: الثقال بالمطر.
سالت أودية بقدرها تملأ بطن واد
أشار به إلى قوله عز وجل: * (أنزل من السماء فسالت أودية بقدرها) * (الرعد: 17) يعني: أنزل الله من السماء ماء يعني المطر، فسالت من ذلك الماء بقدرها، الكبير بقدره والصغير بقدره، والأودية جمع واد وهو كل مفرج بين جبلين يجتمع إليه ماء المطر، قيل: والقدر مبلغ الشيء، والمعنى: بقدرها من الماء وإن اتسع كثر. قوله: (بطن واد) هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصلي: (تملأ كل واحد بحسبه)، وفي التفاسير المذكورة اختلاف كثير بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان.
1
((باب قوله الله * (يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام) * (الرعد: 8) غيض نقص.))
أي هذا باب في قوله الله: (يعلم) الآية: وفي بعض النسخ لفظ: باب قوله: (وما تغيض) أي: وما تنقص بالسقط الناقص وما تزداد بالولد التام، وعن الضحاك: غيضها أن تأتي بالولد ما دون التسعة وعن الحسن: غيضها السقط، وقيل: أن تغيض من الستة أشهر ثلاثة أيام، وقيل: تغيض بإراقة الدم في الحمل حتى يتضال الولد، ويزداد إذا أمسكت الدم فيعظم الولد، وقيل: تغيض بمن ولدته
312
من قبل وتزداد بمن تلده من بعد وقال القرطبي: في هذه الآية دليل على أن الحامل تحيض. وهو واحد قولي الشافعي، وقال عطاء والشعبي في آخرين: لا تحيض وهو قول أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه.
4697 حدثنا حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا معن قال حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى
تقوم الساعة إلا الله.
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعن: بفتح وسكون العين المهملة وبالنون ابن عيسى القزاز، بالقاف وتشديد الزاي الأولى، وقال ابن مسعود: تفرد به إبراهيم وهذا هو عزيز. وقال الدارقطني: رواه ابن أبي ظبية عن مالك عن عبد الله عن ابن عمر موقوفا.
ومر الحديث في كتاب الاستسقاء في: باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن عبد الله بن دينار.
قوله: (مفاتيح الغيب)، أما استعارة مكنية أو مصرحة، والتخصيص بهذه الخمسة مع أن التي لا يعلمها إلا الله كثيرة إما لأنهم كانوا يعتقدون أنهم يعرفونها، أو لأنهم سألوه عنها، مع أن مفهوم العدد لا احتجاج به، فافهم.
بعون الله تعالى وحسن توفقيه قد تم الجزء الثامن عشر ويليه إن شاء
الله تعالى الجزء التاسع عشر وأوله سورة إبراهيم
313