الكتاب: فوات الوفيات
المؤلف: الكتبي
الجزء: 2
الوفاة: 764
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: علي محمد بن يعوض الله/عادل أحمد عبد الموجود
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 2000م
المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:
((بسم الله الرحمن الرحيم))
((297 - الرافعي))
عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الإمام العلامة إمام الدين أبو القاسم الرافعي القزويني صاحب الشرح الكبير
ذكره ابن الصلاح وقال ما أظن في بلاد العجم مثله وكان ذا فنون حسن السيرة صنف شرح الوجيز في اثني عشر مجلد لم يشرح الوجيز بمثله
وقال الشيخ محيي الدين النواوي الرافعي من الصالحين المتمكنين كانت له كرامات كثيرة ظاهرة
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني في الأربعين تأليفه هو شيخنا إمام الدين وناصر السنة كان أوحد عصره في العلوم الدينية أصولا وفروعا وكان له مجلس بقزوين في التفسير وتفسير الحديث صنف شرحا ل مسند الشافعي وأسمعه وصنف شرحا ل الوجيز ثم صنف آخر أوجز منه
وكان زاهدا ورعا متواضعا وتوفى ب قزوين رحمه الله تعالى سنة ثلاث وعشرين وستمائة
((298 - كريم الدين الكبير))
عبد الكريم بن هبة الله بن السديد المصري القاضي الجليل النبيل المدبر كريم الدين الكبير ابن العلم وكيل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وناظر خواصه ومدبر دولته
بلغ فوق ما يبلغه الوزراء ونال فوق ما يناله الكتاب من الوجاهة والحرمة والتقدم أسلم كهلا أيام الجاشنكير وكان كاتبه وكان لا يصرف على السلطان شيء إلا بقلمه ويقال إن السلطان طلب مرة إوزة ولم يكن كريم الدين حاضرا فلم يصرف
ولما هرب الجاشنكير وأخذ الخزاين معه ورد السلطان من الكرك تطلب كريم الدين أشد طلب

3
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي حكى لي فتح الدين بن سيد الناس قال جاء كريم الدين إلى الأمير علم الدين الجاولي وقال قد جيت إليك فقال ما في يدي لك فرج ولكن للسلطان مملوك يقال له طغاي الكبير وهو لا يخالفه فأريد اجتمع به وأعرفك ما يكون ثم اجتمع به فقال أحضره وقام فدخل على السلطان وهو يضحك وقال له إن حضر كريم الدين أيش تعطيني ففرح وقال عندك هو أحضره فخرج وقال للأمير علم الدين أحضره فأحضره فقال له مهما قال لك السلطان قل نعم ودعني أنا أدبر أمرك ودخل به عليه فما رآه استشاط غيظا وقال له احمل الساعة ألف ألف دينار فقال نعم وخرج فقال لا كثير احمل خمسمائة ألف دينار فقال السمع والطاعة فقال لا كثير احمل ثلاثمائة ألف دينار فقال السمع والطاعة فقال لا كثير احمل الساعة مائة ألف دينار فقال السمع والطاعة وخرج فقال له سيف الدين طغاي لا تسقع ذقنك وتحضر الجميع ولكن هات الآن منها عشرة آلاف دينار فأتى بها ودخل بها على السلطان فسكن غضبه وبقي كل يومين وثلاثة يحمل ثلاثة آلاف دينار ومرة ألفين ومرة ألفا
ولم يزل طغاى والقاضي فخر الدين ناظر الجيش يصلحان أمره حتى رضي عنه السلطان وولاه ناظر الخاص وهو أول من باشر هذه الوظيفة ولم تكن تعرف أولا ثم تقدم عنده وأحبه محبة لم يحبها لآخر مثله وكان يخلع عليه أطلس أبيض والفوقاني بطرز والتحتاني بطرز والقبع زركش على ما استفاض وكانت الخزاين جميعها عنده في بيته وإذا أراد السلطان شيئا نزل إليه مملوك إلى بيته واستدعى منه ما يريده فيجهزه وكان يخلع على أمراء الطبلخانات الكبار من عنده
وقيل إن السلطان نزل يوما من الصيد وقال له يا قاضي كريم الدين اعرض أنت صيود الأمراء فإن لي ضرورة ودخل الدهليز ووقف القاضي كريم الدين على باب الدهليز وكان الأمراء يحضرون صيودهم على طبقاتهم بين يديه وهو يخلع عليهم
وحج هو والخوندة طغاى زوجة السلطان واحتفل بأمرها وكان كل سماط في الغداء والعشاء يحضر لها البقولات طرية والجبن المقلى ساخنا وأخذ معه البقر الحلابات وحمل الخضر في مزارعها بترابها على ظهور الجمال وكان

4
يخدم كل أحد من الأمراء الكبار المشايخ والخاصكية الكبار وأرباب الوظايف والجمدارية الصغار حتى الأوشاقية في الإصطبل
وكان في أول الأمر ما يخرج القاضي فخر الدين صلاة الصبح إلا ويجدكريم الدين راكبا وهو ينتظره ويطلع في خدمته إلى القلعة ودام الأمر ستة أشهر أو ما حولها ثم إن فخر الدين كان يركب إلى بابه ويقف في خدمته ليطلع معه إلى القلعة
وكان في كل يوم ثلاثاء يحضر إلى دار فخر الدين ويتغذى عنده ويحضر من داره مخفيتين لا يعود إليه شيء من ماعونهما الصيني أبدا
وكان يركب في عدة مماليك أتراك تقارب السبعين مملوكا أو أكثر بكنابيش الزركش والطرز الذهب والأمراء في خدمته وبالجملة فما رأى أحد من المتعممين ما رآه كريم الدين
وقيل إنه طلبه السلطان يوما إلى الدور فدخل وبقيت الخزندارة تروح مرات فيما تطلبه الخوندة طغاى فقال له السلطان يا قاضي أيش حاجة لهذا التطويل بنتك ما تختبي منك ادخل إليها أبصر ما تريده افعله فقام ودخل إليها وسير السلطان يقول لها أبوك هنا أبصري له ما يأكل فأخرجت له طعاما وقام السلطان بروحه إلى كرمة في الدار وقطع منها قطف عنب وأحضره وهو ينفخه من الغبار وقال يا قاضي كل من عنب دورنا
وكان السلطان إذا أراد أن يعمل سوءا ويراه قد أقبل يقول جاء القاضي وما يدعنا نعمل ما نريد فيحدثه في إبطال ما كان هم به من الشر ومدة حياته لم يقع من السلطان إلا خير
وأما مكارمه فإليها المنتهى قيل إنه حضرت إليه امرأة رفعت قصة تطلب منه إزارا فوقع لها بثمانمائة درهم فلما رأى الصيرفي القصة أنكر ذلك وحضر إليه وقال يا
سيدي هذه سألت إزارا والإزار ما ثمنه هذا المبلغ فقال صدقت وأخذ القصة وقال هذه متاع الله وزادها ثمانين درهما وقال ما أردت إلا ثمانين ولكن الله أراد الثمانمائة فوزن الصيرفي للمرأة ثمانمائة وثمانين
وقيل إنه كان له صيرفي يستدعي منه ما يصرفه لمن سأله شيئا وإن الصيرفي أحضر له مرة وصولات عديدة ليست بخطه فأنكرها فقال الصيرفي

5
هذا في كل وقت يحضر مثل هذه الوصولات فقال إذا حضر فأمسكه وأحضره فلما جاء أمسكه وأحضره إلى بابه فقيل له إن الصيرفي وقع بالمزور
فقال سيبوه ما لي وجه أراه
ثم قال على به فلما حضر بين يديه قال له ما حملك على هذا قال الحاجة قال له كلما احتجت إلى شيء اكتب به خطك على عادتك لهذا الصيرفي وارفق فإن علينا كلفا كثيرة وقال للصيرفي كلما جاء إليك خطه شيئا فاصرفه إليه
وقيل إنه قبل إمساكه ضيع بعض بابية مماليك بكتمر الساقي حياصة ذهب فقال صاحبها للأمير فقال الأمير إن لم يحضر الحياصة وإلا روحوا به إلى الوالي ليقطع يده فنزلوا بذلك البابا
فوجد القاضي كريم الدين آخر النهار طالع إلى القلعة فوقف له وشكا إليه حاله فقال أخروا أمره إلى غد ولما نزل إلى داره قال لعبده خذ معك غدا حياصة ذهب لتعطيها لذلك البابا المسكين فلما أصبح وطلع إلى القلعة أمسك واشتغل الناس بأمره وطلب البابا وجهز إلى الوالي فقال له رفقاه ما كان القاضي كريم الدين وعدك روح إليه فقال يا قوم إنسان قد أمسك وصودر أروح إليه فقالوا له روح إليه فراح إليه وكان قد أمر له بالمقام في القرافة فلما دخل عليه شكا إله حاله فقال له يا بني جيت لي وأنا في في هذه الحال ثم رفع جنب المقعد وقال خذ هذه الدراهم استعين بها وكانت قريب الألفين فلما أخذها وخرج قال لذلك العبد ما كنت قد أعطيتك حياصة لهذا البابا قال نعم فها هي فقال هاتها فأخذها ودفعها إلى البابا وقال هذه الحياصة أعطيهم إياها والدراهم أنفقتها عليك فطلع بالحياصة وأعطاها للمملوك فدخل بها إلى الأمير سيف الدين بكتمر فأحضره وقال قول لي أمر هذه الحياصة فحكى له ما جرى له مع كريم الدين فقيل إن بكتمر الساقي لطم على وجهه وقال يا مسلمين مثل هذا يمسك وكان قد أمسك بغير رضاه
وقيل إن علاء الدين بن عبد الظاهر ونجم الدين بن الأثير قعدا يوما على باب القلعة وأجريا ذكر كريم الدين ومكارمه فقال علاء الدين ما مكارمه إلا لمن يخافه فهو يصانع عن نفسه فما كان بعد يومين أو ثلاث حتى احتاج نجم الدين إلى رصاص يجعله قدور حمام فكتب ورقة إلى كريم الدين يسأله بيع

6
جملة من الرصاص بديوان الخاص فحمل إليه جملة كثيرة فضلة عما طلب بثلاثين قنطارا ولم يأخذ له ثمنا
وأما علاء الدين بن عبد الظاهر فإنه تركه يوما وهو في بستانه وانحدر إليه في البحر فلم يشعر به إلا وقد أرست حراقته على زريبة علاء الدين فنزل إليه وتلقاه واندهش لقدومه فحلف أنه ما يأكل ما يحضره إليه من خارج البستان وإلا مهما كان طعام ذلك اليوم يحضره فأحضر له ما اتفق حضوره له وقال يا مولانا أنا ما أعلمتك بمجيئي ولكن أنا مثل اليوم ضيفك ولكن لا ألتقي هذه العمارة على هذه الصورة وشرع رتبها على ما أراد وراح من عنده فلم يشعر علاء الدين إلا بالمهندسين والصناع والفعول والمراكب قد أرست على زريبته بأنواع الأخشاب وآلات العمارة من الطوب وأفلاق النخل والجبس وكل ما يحتاج إليه وأخذوا في هدم ذلك المكان وشرعوا في بنائه على ما قاله ولم يأت خمسة أيام إلا وقد تكمل ورخم وزخرف وفرغ منه فلما كان قبل الميعاد بيوم جاء إليه مركب موسق بأنواع الغنم والإوز والدجاج الفائق والسكر والأرز وغيره وجميع ما يطبخ حتى المخافي والماعون الصيني والجبن ومن يقليه فعمل الطعام الفايق المختلف ومد السماط العظيم ونزل كريم الدين ومعه من يختاره فلما حضر مد السماط فأكل هو ومن معه وأحضر أنواع الفاكهة والحلوى والمشروب
ولما فرغ من ذلك أحضر كريم الدين بقجة كبيرة وأخرج منها ما يصلح للنساء من القماش الإسكندراني وغيره وما يصلح لملبوس علاء الدين وقال هذه خمسة آلاف درهم يكسو بها مولانا عبيدة وجواريه على ما يراه وهذا توقيع به مولانا السلطان على مولانا فيه زيادة معلومة دراهم وغلة وكسوة ولحم وجراية ونزل ليركب فنزل معه علاء الدين فلما ركب وفارقه قال له والله يا مولانا علاء الدين هذه الأشياء أفعلها طبعا وأنا لا أرجوك ولا أخافك وكان قد صدق أخبار البرامكة
ومن رياسته أنه كان إذا قال نعم فهي نعم وإذا قال لا فهي لا وهذا تمام الرياسة
قدم من الثغر نوبة حريق القاهرة ونسب إلى النصارى فغوث به الغوغاء ورجموه فغضب السلطان وقطع أيدي أربعة ثم إنه مرض في

7
ذلك العام الماضي قبل الواقعة ولما عوفي زينب القاهرة وتزاحم الخلق واختنق رجل
وكان قد ولي البيمارستان المنصوري فكان إذا دخل إليه تصدق بعشرة آلاف درهم
وقيل شرب مرة دواء فجمع كل ورد في القاهرة وحمل إلى داره وبسط إلى كراسي بيت الماء وداس الناس ما داسوه وأخذ ما فضل فباعه الغلمان بثلاثة آلاف درهم
وكان وقورا عاقلا ذا هيبة جزل الرأي بعيد الغور عمر بالزريبة جامعا وميضأة وعمر في طرق الرمل البيارات وأصلح الطرق وعمر جامع القبيبات والقابون ووقف عليهما ثم انحرف عليه السلطان ونكبه وأقام في بيت الأمير سيف الدين أرغون النايب ثلاثة أيام وكان الأمير سيف الدين قجليس يروح إليه ويجيء في الرسائل عن السلطان ثم رسم بنزوله إلى القرافة ثم أخرج إلى الشوبك ثم إلى القدس ثم طلب إلى مصر وجهز إلى أسوان وبعد قليل أصبح مشنوقا بعمامته
وكان يحترم العلماء وسمع البخاري وقيل إنه لما أحس بقتله صلى ركعتين وقال هاتوا عشنا سعدا ومتنا شهدا
وكان الناس يقولون ما عمل أحد ما عمل السلطان مع كريم الدين أعطاه الدنيا والآخرة رحمه الله تعالى
وكانت واقعته سنة أربع وعشرين وسبعمائة
((299 - صدر الدين الخجندي))
عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف بن ثابت بن الحسن الخجندي أبو القاسم صدر الدين
كان يتولى الرياسة ب أصبهان على قاعدة أجداده وكانت له المكانة عند السلاطين والملوك والعوام وكان فقيها فاضلا أديبا شاعرا صدرا مهيبا جليلا نبيلا حسن الأخلاق متواضعا سمع من

8
أبي القاسم غانم بن خالد بن عبد الواحد التاجر وأبي الوقت عبد الأول السجزي وغيرهم
قدم بغداد حاجا في عدد كثير من أتباعه وأشياعه وعقد مجلس الوعظ وأحسن وأجاد وخلع عليه من الديوان ولما عاد من الحج وصل إلى همذان ودخل الحمام فأصابه فالج في الحمام فمات في الحال وحمل إلى أصبهان ودفن بها سنة ثمانين وخمسمائة رحمه الله
ومن شعره
* بالحمى دار سقاها مدمعي
* يا سقى الله الحمى من مربع
*
* ليت شعري والأماني ضلة
* هل إلى وادي الحمى من مرجع
*
* أذنت علوة للواشي بنا
* ما على علوة لو لم تسمع
*
* أو تحرت رشدا فيما وشى
* أو عفت عني فما القلب معي
*
وقال
* رمانا يوم رامة طرف غاده
* تعود قتلنا والخير عاده
*
* فذكرنا الصبا والعود رطب
* وثغر العيش يبسم عن رغاده
*
* يشوش طيب عيش كنت فيه
* رعى الله المشوش لو أعاده
*
* روت عيني وقد كحلت بشوك
* أحاديث الصبابة عن قتادة
*
* بطرفك والسقام وبى سقام
* ولكن لا علاج ولا عياده
*
((300 - موفق الدين عبد اللطيف))
عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن سعد العلامة موفق الدين البغدادي الشافعي اللغوي المتكلم الطبيب الفيلسوف المعروف ب ابن اللباد
لقبه تاج الدين الكندي ب الجدي المطجن لرقة وجهه وتجعده ويبسه

9
ولد ب بغداد في أحد الربيعين سنة سبع وخمسمائة وتوفي ب بغداد سنة تسع وعشرين وستمائة
سمعه أبوه من ابن البطي وأبي زرعة المقدسي وشهدة وجماعة وروى عنه جماعة المنذري والضياء وابن النجار والقوصي
وحدث ب مصر والقدس ودمشق وحران وبغداد وكان أحد الأذكياء المضلعين من الآداب والطب وعلم الأوائل إلا أن دعاويه كانت أكثر من علومه وكان دميم الخلقة نحيلا قليل لحم الوجه وكان ينتقل في البلاد
ومن كلامه اللهم أعذنا من جموح الطبيعة وشموس النفس الردية وسلس لنا مقار التوفيق وخذ بنا في سواء الطريق يا هادي العمى يا مرشد الضلال يا محيي القلوب الميتة بالإيمان خذ بأيدينا من مهواة الهلكة ونجنا من ردغة الطبيعة وطهرنا من درن الدنيا الدنية بالإخلاص لك والتقوى إنك مالك الدنيا والآخرة سبحان من عم بحكمته الوجود واستحق بكل وجه أن يكون هو المعبود وتلألأت بنور وجهك الآفاق وأشرقت شمس معرفتك على النفوس إشراقا وأي إشراق ومن تصانيفه غريب الحديث والمجرد منه الواضحة في إعراب الفاتحة كتاب الألف واللام شرح بانت سعاد ذيل الفصيح خمس مسائل نحوية شرح مقدمة ابن بابشاذ شرح الخطب النباتية شرح سبعين حديثا شرح أربعين حديثا طبية الرد على فخر الدين الرازي في تفسير سورة الإخلاص شرح نقد الشعر لقدامة قوانين البلاغة الإنصاف بين ابن برى وابن الخشاب في كلامهما على المقامات مسألة أنت طالق في شهر قبل ما بعد رمضان كتاب قبسة العجلان في النحو اختصار العمدة لابن رشيق مقدمة حساب اختصار كتاب البيان اختصار كتاب الحيوان واختصر كتبا كثيرة في الطب كتاب أخبار مصر الكبير الإفادة في أخبار مصر تاريخ يتضمن سيرته مقالة في الرد على اليهود والنصارى مقالة في النفس مقالة في العطش مقالة في السقنقور كتاب في العلم الإلهي كتاب الجامع الكبير في المنطق

10
والطبيعي والإلهي زهاء عشر مجلدات شرح الراحمون يرحمهم الرحمن اختصار الصناعتين للعسكري اختصار مادة البقاء للتميمي كتاب بلغة الحكيم مقالة في الماء مقالة في الحركات المعتاصة مقالة في العادات الكلمة في الربوبية مقالة في حقية الدواء والغذاء مقالة في التأذي بصناعة الطب مقالة في الراوند مقالة في الحنطة مقالة في البحران مقالة رد فيها على ابن رضوان في اختلاف جالينوس وأرسطو كتاب يعقب حواشي ابن جميع على القانون مقالة في الحواس مقالة في الكلمة والكلام كتاب السبعة كتاب تحفة الآمل كتاب الحكمة العلائية كتاب الدرياق حواشي على كتاب البرهان للفارابي حل شيء من شكوك الرازي على كتب جالينوس مقالة في ميزان الأدوية والأدواء من جهات الكيفيات مقالة في تعقب أوزان الأدوية مقالة أخرى في المعنى مقالة في النفس والصوت والكلام مقالة في تدبير الحرب جواب مسألة سئل عنها في ذبح الحيوان وقتله وهل ذلك سائغ في الطبع وفي العقل كما هو سائغ في الشرع مقالتان في المدينة الفاضلة مقالة في العلوم الضارة رسالة في الممكن مقالة في الجنس والنوع الفصول الأربعة المنطقية تهذيب كلام أفلاطون مقالة في كيفية استعمال المنطق مقالة في القياس كتاب في القياس كبير يدخل في أربع مجلدات السماع الطبيعي مجلدان شرح الأشكال البرهانية مقالة في تزييف الشكل الرابع مقالة في تزييف ما يعتقده ابن سينا مقالة في القياسات المختلطات مقالة في تزييف المقاييس الشرطية مقالة في إبطال الكيمياء عهد إلى الحكماء كتابب القولنج مقالة في البرسام مقالة في الرد على ابن الهيثم مقالة في اللغات وكيفية تولدها مقالة في القدر
أقام موفق الدين عبد اللطيف ب مصر مدة فلما توفي الملك العزيز توجه إلى القدس وأقام به مدة يشغل الناس بالجامع الأقصى ثم توجه إلى دمشق ونزل ب العزيزية سنة أربع وستمائة
وكان يأتيه خلق كثير يشتغلون عليه في أصناف من العلوم ثم سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم وأقام بها سنين كثيرة في خدمة الملك علاء الدين داود بن بهرام وكان له منه الجامكية الوافرة

11
والصلات المتواترة وصنف باسمه عدة مصنفات ثم توجه إلى ملطية وعاد إلى حلب وتوفي ب بغداد في التاريخ المذكور أول ترجمته رحمه الله
((301 - ابن عبدون))
عبد المجيد بن عبدون أبو محمد الفهري
روى عن أبي عاصم بن أيوب وأبي مروان بن سراج والأعلم الشنتمري وتوفي سنة عشرين وخمسمائة رحمه الله تعالى وكان أديبا شاعرا كاتبا مترسلا عالما بالخبر والأثر ومعاني الحديث أخذ الناس عنه وله مصنف في الانتصار لأبي عبيد على ابن قتيبة
ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى بها ملوك بني الأفطس وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان وهي
* الدهر يفجع بعد العين بالأثر
* فما البكاء على الأشباح والصور
*
* أنهاك أنهاك لا آلوك معذرة
* عن نومة بين ناب الليث والظفر
*
* فلا يغرنك من دنياك نومتها
* فما صناعة عينيها سوى السهر
*
* تسر بالشيء لكن كي تغر به
* كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر
*
* والدهر حرب وإن أبدى مسالمة
* والسود والبيض مثل البيض والسمر
*
* ما لليالي أقال الله عثرتنا
* من الليالي وغالتها يد الغير
*
* هوت ب دارا وفلت غرب قاتله
* وكان عضبا على الأملاك ذا أثر
*
* واسترجعت من بني ساسان ما وهبت
* ولم تدع ل بني يونان من أثر
*
* وأتبعت أختها طسما وعاد على
* عاد وجرهم منا ناقض المدر
*
* وما أقالت ذوي الهيئات من يمن
* ولا أجارت ذوي الغايات من مضر
*
* ومزقت سبأ في كل قاصية
* فما التقى رائح منهم بمبتكر
*
* وأنفذت في كليب كلمها ورمت
* مهلهلا بين سمع الأرض والبصر
*

12
* ودوخت آل ذبيان وجيرتهم
* لخما وعضت بني بدر على النهر
*
* وما أعادت على الضليل صحته
* ولا ثنت أسدا عن ربها حجر
*
* وألحقت ب عدي بالعراق على
* يد ابنه أحمر العينين والشعر
*
* وبلغت يزدجرد الصين واختزلت
* عنه سوى الفرس جمع الترك والخزر
*
* ولم تكف مواضي رستم وقنا
* ذي حاجب عنه سعدا في انتها العمر
*
* ومرغت جعفرا بالبيض واختلست
* من غيلة حمزة الظلام للجزر
*
* وأشرفت ب خبيب فوق قارعة
* وألصقت طلحة الفياض بالعفر
*
* وخضبت شيب عثمان دما وخطت
* إلى الزبير ولم تستحي من عمر
*
* ولا رعت ل أبي اليقظان صحبته
* ولم تزوده غير الضيح في الغمر
*
* وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن
* وأمكنت من حسين راحتي شمر
*
* وليتها إذ فدت عمرا ب خارجة
* فدت عليا بمن شاءت من البشر
*
* وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن
* أتت بمعضلة الألباب والفكر
*
* فبعضنا قائل ما اغتاله أحد
* وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر
*
* وأردت ابن زياد ب الحسين ولم
* يبؤ بشسع له قد طاح أو ظفر
*
* وعممت بالظبا فودى أبي أنس
* ولم ترد الردى عنه قنا زفر
*
* وأنزلت مصعبا من رأس شاهقة
* كانت به مهجة المختار في وزر
*
* ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا
* رعت عياذته بالبيت والحجر
*
* ولم تدع ل أبي الذبان قائمة
* ليس اللطيم لها عمرو بمنتصر
*
* وأظفرت ب الوليد بن اليزيد ولم
* تبق الخلافة بين الكاس والوتر
*
* ولم تعد قضب السفاح نابية
* عن رأس مروان أو أشياعه الفجر
*
* وأسبلت دمعة الروح الأمين على
* دم بفخ لآل المصطفى هدر
*
* وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت
* ل جعفر في ابنه والأعبد الغدر
*
* وأشرقت جعفرا والفضل ينظره
* والشيخ يحيى بريق الصارم الذكر
*
* ولا وفت بعهود المستعين ولا
* بما تأكد ل المعتز من مرر
*

13
* وأوثقت في عراها كل معتمد
* وأشرقت بقذاها كل مقتدر
*
* وروعت كل مأمون ومؤتمن
* وأسلمت كل منصور ومنتصر
*
* بني المظفر والأيام ما برحت
* مراحلا والورى منها على سفر
*
* سحقا ليومكم يوما ولا حملت
* بمثله ليلة في سالف العمر
*
* من للأسرة أو من للأعنة أو
* من للسماحة أو للنفع والضرر
*
* أو دفع كارثة أو قمع رادفة
* أو ردع حادثة تعيي على القدر
*
* ويح السماح وويح البأس لو سلما
* وحسرة الدين والدنيا على عمر
*
* سقت ثرى الفضل والعباس هامية
* تعزى إليهم سماحا لا إلى المطر
*
* ومر من كل شيء فيه أطيبه
* حتى التمتع بالآصال والبكر
*
* أين الجلال الذي غضت مهابته
* قلوبنا وعيون الأنجم الزهر
*
* أين الإباء الذي أرسوا قواعده
* على دعائم من عز ومن ظفر
*
* أين الرواء الذي أصفوا شرائعه
* فلم يرد أحد منها على كدر
*
* على الفضائل إلا الصبر بعدهم
* سلام مرتقب للأجر منتظر
*
* يرجو عسى وله في أختها طمع
* والدهر ذو عقب شتى وذو غير
*
وقد سلك مسلك هذه القصيدة أبو جعفر الأعيمي فقال قصيدة أولها
* قفا حدثاني عن فل وفلان
* لعلى أرى باق على الحدثان
*
وهي مذكورة في ترجمته
ومن شعر ابن عبدون
* وأفاك من فلق الصباح تبسم
* وانساب من غسق الظلام تجهم
*
* والليل ينعى بالأذان وقد شدا
* بالأيك طير البانة المترنم
*
* ودموع طل الليل تخلق أعينا
* يرنو بها من ماء دجلة أرقم
*

14
وقال أيضا
* مضوا يظلمون الليل لا يلبسونه
* وإن كان مسكئ الجلابيب ضافيا
*
* يؤمون بيضا في الأكنة لم تزل
* قلوبهم حبا عليها أداحيا
*
* وأغربة الظلماء تنفض فيهم
* قوادمها مسلولة والخوافيا
*
* وإن مرقوا من بطن ليل رقت بهم
* إلى ظهر يوم عزمة هي ما هيا
*
* وإن زعزعتهم روعة زعزعوا الدجى
* إليها كماة والرياح مذاكيا
*
* ولو أنها ضلت لكان إمامها
* سنا عمر في فحمة الليل هاديا
*
* همام أقام الحرب وهي قعيدة
* وروى القنا فيها وكانت صواديا
*
* شريف المطاوي تحت ختم ضلوعه
* تميمة تقوى ردت الدهر صاديا
*
* إذا قرئت لا بالنواظر طابقت
* سرى أختها ذات البروج مساعيا
*
* وهدى لو استشفى المحب بروحه
* لما كان بالوجد المبرح صاليا
*
* ورقة طبع لو تحلى بها الهوى
* لأعدى على عصر الشباب البواكيا
*
* إليك أكلت الأرض بالعيس ثائرا
* وقد أكلت منها الذرا والحواميا
*
* حوافي لا ينعلن والبعد آذن
* على نفسه إلا الوجى والدياجيا
*
* فجاءته لم تبصر سمى البشر هاديا
* إليه ولم تسمع سوى الشكر حاديا
*
* ألكنى ألكنى والسيادة بيننا
* إلى مولع بالحمد يشريه غاليا
*
* إلى آمر في الدهر ناه إذا قضى
* على كل من فيه أطاعوه قاضيا
*
* وحيوه لا راجين منه تحية
* وإن كان جودا لا يخيب راجيا
*
* إليك ابن سيفي يعرب زف خاطري
* عقائل لا ترضى البروج مغانيا
*
* وإني لأستحيي من المجد أن أرى
* علي لمأمول سواك أياديا
*
* وإني وقد أسلفتني قبل وقته
* من البر ما جازت خطاه الأمانيا
*
* وأيقظت من قدري وما كان نائما
* وأبعدت من ذكري وما كان دانيا
*
* ولكن نبا من جنس ذكرك في يدي
* أظن حساما لم يجد فيه نابيا
*

15
* ولو لم يكن ما خفت لا خفت لم أجد
* على غير ما أخدمتنيه اللياليا
*
* إلى من إذا لم تشكني أنت والعلا
* أكون لما ألقى من الدهر شاكيا
*
* وأنت على رفعي ووضعي حجة
* فكن بي على أولاهما بك جازيا
*
* وكون مكاني من سمائك عاطلا
* ولولا مكاني الدهر ما كان خاليا
*
* فرد المنى خضرا ترف غصونها
* بمبسوطة تندي ندى وعواليا
*
* عوال إذا ما الطعن هز جذوعها
* تساقطت الهيجا عليك معاليا
*
* وعاون على استنجاز طبعي بهبة
* ترقص في ألفاظهن المعاليا
*
* وعز على العلياء أن تلقى العصا
* مقيما بحيث البدر ألقى المراميا
*
* ومن قام رأى ابن المظفر بينه
* وبين الليالي نام عنهن لاهيا
*
وقال أيضا
* سقاها الحيا من مغان فساح
* فكم لي بها من معان فصاح
*
* وحلى أكاليل تلك الربا
* ووشى معاطف تلك البطاح
*
* فما أنس لا أنس عهدي بها
* وجرى فيها ذيول المراح
*
* فكم لي في اللهو من طيرة
* إليها بأجنحة الارتياح
*
* ونوم على حبرات الرياض
* تجاذب بردى أيدي الرياح
*
* وليل كرجعة طرف المريب
* لم أدره شفقا من صباح
*
* كعمر عداتك يوم الندى
* وعمر عداتك يوم الكفاح
*
* إليك رمى أملى بي ولا
* هوى مصفقة بالرياح
*
* إذا عمر هطلت كفه
* فلا حملت سحب من رياح
*
وقال أيضا
* وما أنس بين النهر والقصر وقفة
* نشدت بها ما ضل من شارد الحب
*
* رميت بلحظي دمية سنحت به
* فلم أنتبه إلا ومحرابها قلبي
*

16
((302 - ابن حمود الحلبي))
عبد المحسن بن حمود بن عبد المحسن بن علي أمين الدين التنوخي الحلبي الكاتب المنشئ البليغ
ولد سنة سبعين وخمسمائة وتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة
رحل وسمع ب دمشق من حنبل وابن طبرزد والكندي وغيرهم وعنى بالأدب جمع كتابا في الأخبار والنوادر في عشرين مجلدا روى فيه بالسند وله ديوان سعر وديوان ترسل وكتاب مفتاح الأفراح في امتداح الراح وكتب لصاحب صرخد عز الدين أيبك ووزر له وكان دينا خيرا كامل الأدوات
ومن شعره
* اشتغل بالحديث إن كنت ذا فهم
* ففيه المراد والإيثار
*
* وهو العلم معلم وبه بين
* ذوي الدين تحسن الآثار
*
* إنما الرأي والقياس ظلام
* والأحاديث للورى أنوار
*
* كن بما قد علمته عاملا فالعلم
* دوح منهن تجني الثمار
*
* وإذا كنت عالما وعليما
* بالأحاديث لن تمسك نار
*
وقال يعاتب صديقا له
* سألتك حاجة ووثقت فيها
* بقول نعم وما في ذاك عاب
*
* ولم أعلم بأني من أناس
* ظموا قبلي وغرهم السراب
*
وقال في المعنى
* ظننت به الجميل فجئت أرضا
* إليه كهمتي طولا وعرضا
*
* فلما جئته ألفيت شخصا
* حمى عرضا له وأباح عرضا
*
وقال أيضا:

17
* كأنما نارنا وقد خمدت
* وجمرها بالرماد مستور
*
* دم جرى من فواخت ذبحت
* من فوقه ريشهن منثور
*
وقال أيضا
* أتانا بكانون يشب ضرامه
* كقلب محب أو كصدر حسود
*
* كأن احمرار النار من تحت فحمه
* خدود عذارى في معاجر سود
*
وقال في غلام جميل الصورة لابس أصفر
* قد قلت لما أن بصرت به
* في حلة صفراء كالورس
*
* أو ما كفاه أنه قمر
* حتى تدرع حلة الشمس
*
وقال
* أقول لنفسي حين نازل لمتى
* مشيبي ولما يبق غير رحيلي
*
* أيا نفس قد مر الكثير فأقصري
* ولا تحرصي لم يبق غير قليل
*
* ولا تأملي طول البقاء فإنني
* وجدت بقاء الدهر غير طويل
*
وقال
* بالله هل يا ملول
* إلى الوصال وصول
*
* أم هل إلى سلسبيل
* من ريق فيك سبيل
*
* صلني فما ذا التجافي
* من ذا الجمال جميل
*
* حالت لبعدك حالي
* ولست عنك أحول
*
* قضى اعتدالك فينا
* أن ليس عنك عدول
*
* ما مال قدك إلا
* علي ظلما يميل
*
* فهل شمائل ريح
* مرت به أم شمول
*
* إن كنت تنكر أني
* بمقلتيك قتيل
*
* فها دمي كاد من خددك
* الأسيل يسيل
*
* وذا الدلال على ما
* بي من هواك دليل
*

18
* لكن يهون على الغمر
* في الهوى ما يهول
*
((303 - تقي الإسنائي))
عبد الملك بن الأعز بن عمران التقي الإسنائي كان أديبا شاعرا قرأ النحو والأدب على الشمس الرومي وله ديوان شعر
قال كمال الدين جعفر الأدفوي اجتمعت به كثيرا وكان متهما بالتشيع وتوفي ب أسنا سنة سبع وسبعمائة
ومن شعره رحمه الله
* جفوني ما تنام إلا
* لعلي أن أراك
*
* فزر ني قد براني الشوق
* يا غصن الأراك
*
* وطرفي ما رأى مثلك
* وقلبي قد حواك
*
* فهو لك لم يزل مسكن
* فسبحان الذي أسكن
*
* وحسنك كم به أفتن
* وما قصدي سواك
*
* حبيبي آه ما أحلى
* هواني في هواك
*
* فخلي الصد والهجران
* ولا تسمع ملام
*
* وصلني يا قضيب البان
* ففي قلبي ضرام
*
* وجد للهائم الولهان
* يا بدر التمام
*
* وزر يا طلعة البدر
* ودع يا قاتلي هجري
*
* وأرفق قد فنى صبري
* وعد إيام وفاك
*
* وإسمح أن أقبل يا
* مليح بالله فاك
*

19
* إذا ما زاد بي وجدي
* ولا ألقى معين
*
* وصار دمعي على خدي
* كما الماء المعين
*
* أفكر التقيك عندي
* يطيب قلبي الحزين
*
* لأنك نزهة الناظر
* وشخصك في الضمير حاضر
*
* وحبي فيك بلا آخر
* وقولي قد كفاك
*
* فجد واعدل وصل وأوصل
* رضائي من رضاك
*
* جبينك يشبه الإصباح
* بنور قد هوى
*
* وريقك من رحيق الراح
* به يروى الصدى
*
* وخدك يبهر التفاح
* مكلل بالندى
*
* سباني لونه القاني
* فخلاني كئيب عاني
*
* تجافي النوم أجفاني
* فهل عيني تراك
*
* فذاك اليوم فيه خدي
* أعفر في ثراك
*
* عذولي لا تطل واقصر
* ودع صب كئيب
*
* تأمل من هويت وابصر
* إلى وجه الحبيب
*
* وكن يا صاح مستبصر
* ترى شيئا عجيب
*
* ترى من حسنه مبدع
* كبدر التم إذ يطلع
*
* تحير لم تدر ما تصنع
* ولا تعرف هداك
*
* وتبقى مفتكر حيران
* إلا إن هداك
*
((304 - عبد الملك بن صالح))
عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو عبد الرحمن الأمير
ولي المدينة والصوائف للرشيد ثم ولي الشام

20
والجزيرة للأمين وتوفي سنة ست وتسعين ومائة وحدث عن أبيه ومالك بن أنس
وكان أفصح الناس وأخطبهم ولم يكن في عصره مثله في فصاحته وصيانته وجلالته قيل ليحيى بن خالد البرمكي وقد ولى الرشيد عبد الملك المدينة كيف ولاه المدينة من بين أعماله قال أحب أن يباهي به قريشا ويعلمهم أن في بني العباس مثله
ودخل على الرشيد يوما وقد توفي له ولد وجاءه ولد فقال يا أمير المؤمنين سرك الله فيما ساءك ولا ساءك فيما سرك وجعل هذه بهذه جزاء للشاكر وثوابا للصابر
وقيل له إن أخاك عبد الله يزعم أنك حقود فقال
* إذا ما امرؤ لم يحقد الوتر لم تجد
* لديه لدى النعما جزاء ولا شكرا
*
ووجه إلى الرشيد فاكهة في أطباق الخيزران وكتب إليه أسعد الله أمير المؤمنين وأسعد به دخلت إلى بستان لي أفادنيه كرمك وعمرته لي نعمك قد أينعت أشجاره وآنت ثماره فوجهت إلى أمير المؤمنين من كل شيء شيئا على الثقة والإمكان في أطباق القضبان ليصل إلي من بركة دعائه مثل ما وصل إلى من كثرة عطائه فقال له رجل يا أمير المؤمنين لم أسمع بأطباق القضبان
فقال الرشيد يا أبله إنه كنى عن الخيزران إذ كان اسما لأمنا
ولما ودعه الرشيد وقد توجه إلى الشام قال له الرشيد ألك حاجة قال نعم يا أمير المؤمنين بيني وبينك بيت يزيد بن الطثرية حيث يقول
* فكوني على الواشين لداء شغبة
* كما أنا للواشي ألد شغوب
*
ثم إن الرشيد جعل ابنه القاسم في حجر عبد الملك بن صالح فقال عبد الملك يحض الرشيد على أن يوليه العهد بعد أخويه الأمين والمأمون
* يا أيها الملك الذي
* لو كان نجما كان سعدا
*
* للقاسم اعقد بيعة
* وأقد له في الملك زندا
*

21
* الله فرد واحد
* فاجعل ولاة العهد فردا
*
فجعله الرشيد ثالثهما
ثم وشى به بعد ذلك الناس وتتابعت الأخبار عنه بفساد نيته للرشيد فدخل عليه في بعض الأيام وقد امتلأ قلب الرشيد فقال له أكفرا بالنعمة وغدرا بالإمام فقال عبد الملك قد بؤت إذن بأعباء الذم واستحلال النقم وما ذاك يا أمير المؤمنين إلا بغى حاسد نافس فيك وفي تقديم الولاية ومودة القرابة
يا أمير المؤمنين إنك خليفة رسول الله
في أمته وأمينه على عترته لك عليها فرض الطاعة وأداء النصيحة ولها عليك العدل في حكمها والتثبت في حادثها
فقال الرشيد هذا قمامة كاتبك يخبر بفساد نيتك وسوء سيرتك ثم أمر بإحضاره وقال له الرشيد تكلم غير خائف ولا هائب فقال أقول إنه عازم على الغدر بك يا أمير المؤمنين والخلاف عليك
فقال عبد الملك وكيف لا يكذب على من خلفي من يبهتني في وجهي فقال الرشيد فهذا عبد الرحمن ابنك يقول بقول كاتبك ويخبر عن سوء ضميرك وفساد نيتك وأنت لو أردت أن تحتج بحجة لم تجد أعدل من هذين فقال يا أمير المؤمنين عبد الرحمن بين مأمور أو عاق فإن كان مأمورا فمعذور وإن كان عاقا فهو عدو أخبر الله بعداوته وحذر منها فقال جل ثناؤه في محكم كتابه * (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) * التغابن 14 فنهض الرشيد فقال أما أمرك فقد وضح ولكن لا أعجل حتى أعلم ما الذي يرضي الله فيك فإنه الحكم بيني وبينك فقال عبد الملك رضيت بالله حكما وبأمير المؤمنين حاكما فإني أعلم أنه يؤثر كتاب الله على هواه وأمر الله على رضاه
ثم إنه دخل عليه في مجلس آخر وسلم فلم يرد عليه الرشيد فلم يزل يعتذر ويحتج لنفسه بالبراءة حتى أقبل عليه بوجهه وقال ما أظن الأمر إلا كما قلت يا أبا عبد الرحمن فأنت محسد وأمير المؤمنين يعلم أنك على سريرة صالحة غير مدخولة ولا خسيسة
ثم دعا عبد الملك بشربة ماء فقال له الرشيد ما شرابك يا أبا عبد الرحمن فقال سحيق الطبرزد بماء الرمان

22
فقال بخ بخ عضوان لطيفان يذهبان الظمأ ويلذان المذاق
فقال عبد الملك صفتك لهما يا أمير المؤمنين ألذ من فعلهما
ثم إن الرشيد تنكر له بعد ذلك فحبسه عند الفضل بن الربيع ولم يزل محبوسا حتى توفي الرشيد فأطلقه الأمين وعقد له ب الشام وجعل للأمين عهد الله وميثاقه لئن قتل وهو حي لا يعطي للمأمون طاعة فمات قبل قتل الأمين ودفن في دار الإمارة ب الرقة فلما خرج المأمون يريد الروم أرسل إلى ابن عبد الملك حول أباك من داري فنبشت عظامه وحولت
وكتب إلى الرشيد وقد تغير عليه
* أخلاي لي شجو وليس لكم شجو
* وكل امرئ من شجو صاحبه خلو
*
* من أي نواحي الأرض أبغى رضاكم
* وأنتم أناس ما لمرضاتكم نحو
*
* فلا حسن نأتي به تقبلونه
* ولا إن أسأنا كان عندكم عفو
*
فلما وقف عليها قال والله إن كان قالها فقد أحسن وإن كان رواها فقد أحسن
وكتب إليه من السجن
* قل لأمير المؤمنين الذي
* يشكره الصادر والوارد
*
* يا واحد الأملاك في فضله
* ما لك مثلي في الورى واحد
*
* إن كان لي ذنب ولا ذنب لي
* حقا كما قد زعم الحاسد
*
* فلا يضق عفوك عني فقد
* فاز به المسلم والجاحد
*
ومن شعره وهو في السجن
* لئن ساءني سجني لفقد أحبتي
* وأني فيهم لا أمر ولا أحلي
*
* لقد سرني عزي بترك لقائهم
* وما أتشكى من حجابي ولا ذلي
*
ولما أخرجه الأمين من السجن دفع إليه كاتبه وابنه فقتل كاتبه وهشم وجه ابنه بعمود رحمه الله تعالى

23
((305 - عبد الملك بن مروان))
عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أمير المؤمنين
بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير وبقي على مصر و الشام وابن الزبير على باقي البلاد مدة سبع سنين ثم غلب عبد الملك على العراق وبقية البلاد وقتل ابن الزبير واستوثق الأمر له
كان عابدا ناسكا ب المدينة وشهد يوم الدار مع أبيه وهو ابن عشر سنين
قال ابن سعد واستعمله معاوية على المدينة وهو ابن ست عشرة سنة وسمع عثمان وأبا هريرة وأبا سعيد وأم سلمة وابن عمر ومعاوية
وأول من سمى عبد الملك في الإسلام عبد الملك بن مروان
قال أبو الزناد فقهاء المدينة سعيد بن المسيب وعبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب
وعن ابن عمر قال ولد الناس أبناء وولد مروان آباء وقال يحيى بن سعيد أول من صلى في المسجد ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان
وقال ابن عائشة أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره فأطبقه وقال هذا فراق بيني وبينك
وكان له سبعة عشر ولدا ومات في شوال سنة ست وثمانين للهجرة
وكان يلقب ب رشح الحجر لبخله وكان ربعه أبيض ليس بالبادن ولا النحيف مقرون الحاجبين كبير العينين مشرف الأنف كثير الشعر مفتوح

24
الفم مشبك الأسنان بالذهب أبخر كان يلقب أبا الذباب يزعمون أن الذبابة إذا مرت بفيه ماتت لشدة بخره
ولد يوم بويع عثمان بن عفان وكان مدة ملكه إحدى وعشرين سنة ولما مات صلى عليه ابنه الوليد
وفي أيامه حولت الدواوين إلى العربية ونقشت الدنانير والدراهم بالعربية سنة ست وسبعين وكان على الدنانير قبل ذلك كتابة بالرومية وعلى الدراهم كتابة بالفارسية
كتب إلى الحجاج مرة قد بلغني عنك إسراف في القتل وتبذير في المال وهاتان خلتان لا أحتمل عليهما أحدا وقد حكمت عليك في العمد بالقود وفي الخطأ بالدية وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها وكتب في آخرها
* وإن تر مني غفلة قرشية
* فيا ربما قد عص بالماء شاربه
*
* وإن تر مني غضبة أموية
* فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه
*
* سأملي لذي الذنب العظيم كأنني
* أخو غفلة عنه وقد جب غاربه
*
* فإن كف لم أعجل عليه وإن أبى
* وثبت عليه وثبة لا أرأقبه
*
ولما قتل عمرو بن سعيد بن العاص خطب الناس فقال بعد حمد الله والثناء عليه أما بعد فلست بالخليفة المستضعف ولا الخليفة المداهن ولا الخليفة المأفون ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال ألا وإني لا أداهن هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم تكلفوننا أعمال المهاجرين الأولين ولا تعملون من أعمالهم فلن تزدادوا إلا اجتراحا ولن تزدادوا إلا عقوبة وهذا حكم السيف بيننا وبينكم هذا عمرو بن سعيد قرابته قرابته وموضعه موضعه قال برأسه هكذا فقلنا بالسيف هكذا
ألا وإنا نحتمل كل شيء إلا وثوبا على منبر أو نصب راية
ألا وإن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي والله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في

25
عنقه ثم لا تخرج نفسه إلا صعدا
وزادوا فيها والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ثم نزل فركب ناقة وأخذ بزمامها وقال
* فصحت ولا شلت وضرت عدوها
* يمين أراقت مهجة ابن سعيد
*
قيل إن صحت هذه الزيادة التي في هذا الخبر فعبد الملك بن مروان أول من نهى عن المعروف في الإسلام وهو أول من غدر في الإسلام لأن والده عهد لعمرو بن سعيد بن العاص فقتله عبد الملك وأول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء وكان الناس قبله يراجعون الخلفاء ويعترضون عليهم فيما يفعلون وهو أول خليفة بخل
((306 - أبو الفضل بن النطروني))
عبد المنعم بن عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد المؤمن أبو الفضل القرشي العبدري المعروف ب ابن النطروني الإسكندري
قدم بغداد وأقام بها ومدح الإمام الناصر بعدة قصائد وكان فقيها مالكيا أديبا حسن الشيبة حسن السمت ورتب شيخا برباط العميد بالجانب الغربي ثم نفذ رسولا من الديوان إلى يحيى بن غانية الميورقي فأقام هناك مدة طويلة وولده عبد العزيز ينوبه ثم أعاد وقد حصل له مال طائل ورتب ناظر البيمارستان العضدي وتوفي سنة ثلاث وستمائة رحمه الله
ومن شعره
* باتت تصد عن الكرى
* وتقول كم تتغرب
*
* إن الحياة مع القناعة
* والمقام لأطيب
*
* فأجبتها يا هذه
* غيري بقولك يخلب
*
* إن الكريم مفارق
* أوطانه أو يجذب
*
* والبدر حين يشينه
* نقصانه يتغيب
*

26
* لا يرتقي درج العلا
* من لا يجد ويتعب
*
وقال أيضا
* يا ساحر الطرف ليلى ما له سحر
* وقد أضر بجفني بعدك السهر
*
* يكفيك مني إشارات بعين ضني
* لم يبق مني به عين ولا أثر
*
* أعاذك الله من شر الهوى فلقد
* أذكى على كبدي نارا لها شرر
*
* غررت فيه بروحي بعدما علمت
* أن السلامة من أسبابه غرر
*
* وكان عذبا عذابي في بدايته
* فصار في الصبر طعما دونه الصبر
*
* ولست أدري وقد مثلت شخصك في
* قلبي المشوق أشمس أنت أم قمر
*
* ما صور الله هذا الحسن في بشر
* وكان يمكن ألا تعبد الصور
*
* من لي برد غديات ب ذي سلم
* حيث النسيم عليل والثرى عطر
*
* والنور يضحك في وجه السحاب إذا
* أبدى عبوسا وأبكى جفنه المطر
*
* والورق تدرع الأوراق إن نظرت
* سهام قطر بذاك القطر تنحدر
*
* وللغصون مناجاة إذا سمعت
* من النسيم أحاديثا لها خطر
*
* ما كنت أحسب أن العيش يخلف ما
* قد كان من صفوه فيما مضى كدر
*
* ولا تخيلت أن الساكنين ربا
* نجد تغيرهم من بعدنا الغير
*
* ما حرموا غير وصلي في محرمهم
* وحان في صفر ما بيننا سفر
*
* واحر قلباه إن لم يدن لي وطن
* عما قليل وإن لم يقض لي وطر
*
* لو كنت يا بين تدري ما صنعت بنا
* لكنت في عاجل الأحوال تعتذر
*
((307 - الجلياني))
عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن أحمد بن خضر بن مالك بن حسان أبو

27
الفضل حكيم الزمان الجلياني الغساني الأندلسي
كان أديبا فاضلا طبيبا حاذقا له معرفة بعلوم الباطن وكلام على طريق القوم وكان مليح السمت حسن الأخلاق رحل من الأندلس ودخل بغداد وروى عنه محب الدين ابن النجار ومدح السلطان صلاح الدين الكبير
مولده سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وتوفي سنة اثنتين وستمائة ب دمشق رحمه الله
قال ابن أبي أصيبعة كان علامة زمانه في صناعة الطب والكحل بارعا في الأدب وصناعة الشعر وعمر طويلا وكان له حانوت في اللبادين لصناعة الطب وكان السلطان صلاح الدين يرى له ويحترمه وله فيه مدائح كثيرة وصنف له كتبا وكان يعاني صناعة الكيمياء وله عشرة دواوين الأول ديوان الحكم ومنثور الكلم الثاني ديوان المشوقات إلى الملأ الأعلى الثالث ديوان أدب السلوك الرابع ديوان نوادر الحي الخامس تحرير النظر السادس سر البلاغة وصناعة البديع السابع ديوان المبشرات الثامن ديوان الغزل والنسيب والموشحات والدوبيت السابع ديوان تشبيهات وألغاز ورموز وأحاجي وأوصاف وخمريات العاشر ديوان ترسل ومخاطبات
وله أيضا كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصائص الملك الناصر
ومن شعره
* كليني لكر الخيل يا أم مالك
* فما الأين إلا في متون الصواهل
*
* فبحر الوغى لولا السوابح صادرت
* بنا لجة لم نحظ منها بساحل
*
* فلا تخطبي يا هند لي غادة سبت
* بنطق وشاح أو بصمت خلاخل
*
* فليست ذيول فوق حجل تروقني
* ولكن خيول تحت سحب قساطل
*
* فلا هلك إلا في نحور نواهد
* ولا ملك إلا في صدور عوامل
*
* ولا ملك يأتي كيوسف آخرا
* كما لم يجيء مثل له في الأوائل
*

28
* فتى ركب الأهوال خيلا سروجها
* عزائم شدت للثبات بكاهل
*
ومنه
* فأبخس شيء حكمة عند جاهل
* وأهون شيء فاضل عند ظالم
*
* فلو زفت الحسناء للذئب لم يكن
* يرى قربها إلا لأكل المعاصم
*
ومنه
* أؤمل لقيامكم وإن شطت النوى
* وأزجر قربا في مرور السوانح
*
* ويذكي اشتياقي زند تذكار عهدكم
* وما الشوق إلا بعض نار الجوانح
*
ومنه
* قالوا نرى نفرا عند الملوك سموا
* وما لهم همة تسمو ولا ورع
*
* وأنت ذو همة في الفضل عالية
* فلم ظمئت وهم في الجاه قد كرعوا
*
* فقلت باعوا نفوسا واشتروا ثمنا
* وصنت نفسي فلم أخضع كما خضعوا
*
* قد يكرم القرد إعجابا بخسته
* وقد يهان لفرط النخوة السبع
*
وقال أيضا
* بذلت وقتا للطب كي لا
* ألقى بني الملك بالسؤال
*
* وكان وجه الصواب في أن
* أصون نفسي بلا ابتذال
*
* ولا بد للجسم من قوام
* فخذه من جانب اعتدال
*
* وأقرب من العز في اتضاع
* واهرب من الذل في المعالي
*
((308 - شرف الدين الدمياطي))
عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف الشيخ الإمام البارع الحافظ النسابة المجود الحجة علم المحدثين عمدة النقاد شرف الدين الدمياطي

29
الشافعي صاحب التصانيف
مولده بتونة قرية من عمل تنيس ولد عام ثلاثة عشر وستمائة ووفاته في خامس عشر ذي القعدة سنة خمس وسبعمائة ودفن بمقبرة باب النصر خارج القاهرة
وكان منشؤه بدمياط وتميز في المذهب وقرأ القرآن وطلب الحديث وقد صار له ثلاث وعشرون سنة فسمع بالإسكندرية في سنة ست وثلاثين من أصحاب السلفي ثم قدم القاهرة وعني بهذا الشأن رواية ودراية ولازم الحافظ زكي الدين حتى صار معيده وحج سنة ثلاث وأربعين وسمع بالحرمين وارتحل إلى الشام سنة خمس وأربعين وارتحل إلى الجزيرة والعراق مرتين
وكتب العالي والنازل وصنف وحدث وأملى في حياة كبار مشايخه
وكان مليح الهيئة حسن الأخلاق بساما فصيحا نحويا لغويا مقرئا سريع القراءة جيد العبارة كثير التفنن جيد الكتب مكثرا مفيدا حسن المذاكرة حسن العقيدة كافا عن الدخول في الكلام
سمع من ابن المقير ويوسف بن عبد المعطي المخيلي والعلم بن الصابوني وابن العليق وابني قميرة وموهوب بن الجواليقي وهبة الله بن محمد بن مفرج الواعظ وشعيب بن الزعفراني وابن رواج وابن رواحة وابن الجميزي والرشيد بن سلمة ومكي بن علان وسمع من أصحاب السلفي وشهدة وابن عساكر وخلق من أصحاب ابن شاتيل والقزاز وابن بري النحوي وابن كليب وأصحاب ابن طبرزد وحنبل والبوصيري والخشوعي
وكتب عنه طائفة منهم الصاحب كمال الدين بن العديم وأبو الحسين اليونيني والقاضي علم الدين الأخنائي والشيخ علاء الدين القونوي والشيخ أثير الدين أبو حيان وفتح الدين ابن سيد الناس والمزي وقاضي القضاة تقي الدين السبكي وفخر الدين النويري وخلق كثير من الرحالين وطال عمره وتفرد بأشياء وحمل عن الصغاني عشرين مجلدا من تصانيفه في الحديث واللغة وسكن دمشق مدة وأفاد أهلها وتحول إلى مصر ونشر بها علمه وكان موسعا عليه في الرزق وله حرمة وجلالة وولى مشيخة الظاهرية بين القصرين
ومن تصانيفه كتاب الصلاة الوسطى مجلد لطيف كتاب الخيل

30
مجلد قبائل الخزرج مجلد العقد المثمن فيمن اسمه عبد المؤمن مجلد الأربعون المتباينة الإسناد في حديث أهل بغداد مجلد مشيخة تشهد له بالحفظ والعلم مختصر السيرة النبوية وما زال يسمع الحديث إلى أن مات فجأة في ذي القعدة وصلى عليه ب دمشق غائبا رحمه الله تعالى
((309 - صفي الدين المغني))
عبد المؤمن بن فاخر صفي الدين
قال العز الإربلي الطبيب كان كثير الفضائل ويعرف علما كثيرا منها العربية ونظم الشعر وعلم الإنشاء كان فيه غاية وعلم التاريخ وعلم الخلاف وعلم الموسيقى
ولم يكن في زمانه من يكتب المنسوب مثله وفاق فيه الأوائل والأواخر وبه تقدم عند الخليفة وكانت آدابه كثيرة وحرمته وافرة وأخلاقه حسنة
واجتمعت به في مدينة تبريز في سنة تسع وثمانين وستمائة وأخبرني قال وردت بغداد صبيا وأثبت فقيها ب، المستنصرية شافعيا أيام المستنصر واشتغلت بالمحاضرات والأدب والعربية وتجويد الخط فبلغت فيه الغاية ثم اشتغلت بضرب العود فكانت قابليتي فيه أعظم من الخط لكني اشتهرت بالخط ولم أعرف بغيره في ذلك الوقت ثم إن الخلافة وصلت إلى المستعصم فعمر خزانة كتب وأمر أن يختار لها كاتبان يكتبان ما يختاره ولم يكن في ذلك الوقت أفضل من الشيخ زكي الدين وكنت دونه في الشهرة فرتبنا في ذلك ولم يعلم في ذلك الوقت أفضل من الشيخ زكي الدين وكنت دونه في الشهرة فرتبنا في ذلك ولم يعلم الخليفة أنني أحسن ضرب العود وكان ببغداد مغنية تعرف ب لحاظ فائقة الجمال تغني جيدا فأحبها الخليفة وأجزل لها العطاء فكثر خدامها وجواريها وأملاكها فاتفق أن غنت يوما بين يديه بلحن طيب غريب فسألها عنه فقالت هذا لمعلمي صفي الدين فقال علي به فأحضرت بين يديه وضربت بالعود فأعجبه وأمرني بملازمة مجلسه وأمر لي برزق وافر جزيل غير ما كان ينعم به على وصرت أسفر بين يديه وأقضى للناس الحوائج وكان لي مرتب في الديوان كل سنة خمسة آلاف دينار يكون عنها دراهم مبلغ ستين ألف درهم وأحصل في قضاء أشغال الناس مثلها

31
وأكثر
وحضرت بين يدي هولاكو وغنيته فأضعف ما كان لي في أيام المستعصم واتصلت بخدمة علاء الدين عطا ملك الجويني وأخيه شمس الدين ووليت في أيامهما كتابة الإنشاء ببغداد ورفعاني إلى رتبة المنادمة وضاعفا على الإنعام والإحسان وبعد موت علاء الدين وقتل شمس الدين زالت سعادتي وتقهقرت إلى وراء في رزقي وعمري وعيشي وعلتني الديون وصار لي أولاد وأولاد أولاد وكبرت سني وعجزت عن السعي
قال الشريف صفي الدين بن الطقطقي مات صفي الدين عبد المؤمن محبوسا على دين لمجد الدبن غلام ابن الصباغ مبلغه ثلاثمائة دينار وكانت وفاته ثامن عشرين صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة رحمه الله
وكان ينفق ماله على الملاذ ويبالغ في عمل الحضرات البديعة وكان يكون ثمن الفاكهة والخضرة أربعمائة درهم وكان يتنعم كثيرا عفا الله عنه
((310 - ابن الفقيه الموصلي))
عبد الواحد بن إبراهيم بن الحسن بن نصر الله بن عبد الواحد أبو منصور المعروف ب ابن الفقيه ولد بالموصل سنة إحدى وستين وخمسمائة وتوفي سنة ست وثلاثين وستمائة سمع من أبي الفضل بن الطوسي حضورا وكتب الخط المليح وقال الشعر
وروى عنه محب الدين بن النجار وأورد له رحمه الله تعالى
* نفسي الفداء لمن سميري ذكره
* وحشاشتي في أسره ووثاقة
*
* رشأ لو أن البدر قابل وجهه
* في تمه لكساه ثوب محاقه
*
* ينآد لينا قده فكأنه
* غصن الأراك يميس في أوراقه
*
* فمعاطف الأغصان في أثوابه
* ومطالع الأقمار في أزياقه
*

32
* في ريقه طعم السلاف ولونها
* في خده واللطف في أخلاقه
*
* غفل الرقيب فزارني فوشى به
* في ليل طرته سنا إشراقه
*
* يشكو إلي غرامه وأبثه
* وجدي وما لاقيت من أشواقه
*
* حتى إذا ما الليل مد رواقه
* وقضى بجمع الشمل بعد فراقه
*
* هجم الصباح على الدجى بحسامه
* فظننت أن الصبح من عشاقه
*
وأورد له أيضا
* ما هب من أرض العراق نسيم
* إلا دعاني للغرام غريم
*
* فإلام ويك تلوم جهلا بالهوى
* قصر فإفراط الملامة لوم
*
* أنى يحل العذل من سمعي وفي
* قلبي لتكرار الكلام كلوم
*
* يا أيها القمر الذي لم يخل من
* يهواه من لاح عليه يلوم
*
* إن العذول على هواك أعده
* من حاسدي ولا أقول رحيم
*
* فإلام أحمل ثقل هجرك والهوى
* والهجر حامل ثقله مرحوم
*
* وإلى متى أرعى النجوم تعللا
* حتى كأني للنجوم نديم
*
* ومن العجائب أن قلبي يشتكي
* شوقا إليك وأنت فيه مقيم
*
((311 - ابن برهان النحوي))
عبد الواحد بن علي بن عمر بن إسحاق بن إبراهيم بن برهان أبو القاسم الأسدي العكبري النحوي صاحب العربية والغة والتواريخ وأيام العرب
قرأ على عبد السلام البصري وكان أول أمره منجما فصار نحويا وكان حنبليا فصار حنفيا وكانت فيه شراسة على من يقرأ عليه ولم يكن يلبس سراويل ولا على رأسه غطاء وتوفي في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وأربعمائة ببغداد

33
وكان قد سمع من ابن بطة كثيرا وصحبه وكان إذا ذكر المتنبي يعظمه وكان يخرج من داره وقد اجتمع على بابه من أولاد الرؤساء جماعة فيمشي وهم معه ويلقي على ذا مسألة وعلى ذا مسأله وكان يتكبر على أولاده الأغنياء وإذا رأى الطالب غريبا أقبل عليه وكان يعجبه الباذنجان ويقول في تفضيله إن الناس يأكلونه ثمانية أشهر في العام وهم أصحاء ولو أكلوا الرمان أربعة أشهر فلجوا
ولما ورد الوزير عميد الملك الكندري إلى بغداد استحضر ابن برهان وأعجبه كلامه وأمر له بمال فأبى أن يقبله فأعطاه مصحفا بخط ابن البواب وعكازا مليحة حملت إليه من بلاد الروم فأخذهما وعبر إلى منزله فدخل عليه أبو علي بن الوليد المتكلم فأخبره بالحال فقال له أنت تحفظ القرآن وبيدك عصا تتوكأ عليها فلم تأخذ شيئا فيه شبهة فنهض ابن برهان ودخل على قاضي القضاة أبي عبد الله بن الدامغاني وقال له قد كدت أهلك لولا نبهني أبو علي بن الوليد وهو أصغر مني سنا وأريد أن تعيد هذه العكازة وهذا المصحف على عميد الملك فما يصحباني فأخذهما وأعادهما إليه
وكان مع ذلك يحب المليح مشاهدة وإذا حضر أولاد الأمراء والأتراك وأرباب النعم يقبلهم بمحضر من آبائهم ولا ينكرون عليه ذلك لعلمهم بدينه وورعه
وكان يقول لو كان علم الكيمياء حقا لما احتجنا إلى الخراج ولو كان علم الطلاسم حقا لما احتجنا إلى الجند ولو كان علم النجوم حقا لما احتجنا إلى الرسل والبريد
وكان يحضر حلقته فتى مليح الوجه فانقطع عنه فسأل عنه فقيل له إن عميد الملك اعتقل والده فانحدر إلى باب المراتب فصادف الكندري جالسا فحين رآه أقبل عليه مسلما والناس من حوله فقال له ابن برهان
* فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
*
فوجم الكندري وسأل عمن في حبسه فأخبر بالرجل وأن ولده يغشى

34
مجلس الشيخ للاقتباس فأطلقه ووهبه ما كان عليه وكان ثمانية عشر ألف دينار
ومن شعر ابن برهان رحمه الله تعالى
* أحبتنا بأبي أنتم
* وسقيا لكم أينما كنتم
*
* أطلتم عذابي بإبعادكم
* وقلتم نزور وما زرتم
*
* فإن لم تجودوا على عبدكم
* فإن المعزي به أنتم
*
((312 - أبو الرضى المعري))
عبد الواحد بن الفرج بن نوت أبو الرضى المعري
توفي في حدود الثمانين وأربعمائة
ذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال كان مغفلا صاحب بديهة وأورد له عدة مقاطيع فمن ذلك أنه مر على قرية يقال لها سياث من أعمال المعرة وفيها دار تنقض فقال
* مررت بربع من سياث فراعني
* به زجل الأحجار تحت المعاول
*
* تناولها رحب الذراع كأنما
* رمى الدهر فيما بينها حرب وائل
*
* فقلت له شلت يمينك خلها
* لمعتبر أو زاهد أو مسائل
*
* منازل قوم حدثتنا حديثهم
* ولم أر أحلى من حديث المنازل
*
وقال من أبيات
* نسري فيغدو من نعال جيادنا
* قبس يضيء الليل وهو بهيم
*
* فكأن مبيض النعال أهلة
* وكأن محمر الشرار نجوم
*
((313 - مجد الدين بن سحنون))
عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحكيم البارع الخطيب مجد الدين خطيب النيرب

35
روى عن خطيب مردا وله شعر وأدب وفضائل وكان من فضلاء الحنفية درس بالدماغية وعاش خمسا وسبعين سنة وتوفي سنة أربع وتسعين وستمائة
وكان طبيب مارستان الجبل رحمه الله
من شعره
* لا تجزعن فما طول الحياة سوى
* روح تردد في سجن من البدن
*
* ولا يهولك أمر الموت تكرهه
* فإنما موتنا عود إلى الوطن
*
وسمع قول مجير الدين بن تميم في تفضيل الورد
* من فضل النرجس وهو الذي
* يرضى بحكم الورد إذ يغرس
*
* أما ترى الورد غدا جالسا
* إذ قام في خدمته النرجس
*
فأجاب من غير روية
* ليس جلوس الورد في مجلس
* قام به نرجسه يوكس
*
* وإنما الورد غدا باسطا
* خدا تمشى فوقه النرجس
*
وقال في مشاعلي
* بأبى غزال جاء يحمل مشعلا
* يكسو الدجى بملاء ثوب أصفر
*
* فكأنه غصن عليه باقة
* من نرجس أو زهرة من نوفر
*
وقال وقد أهدي نرجسا
* لما تحجبت عن عيني وأرقني
* بعدي ولم تحظ عيني منك بالنظر
*
* أرسلت مشبهها من نرجس عطر
* كيما أراك بأحداق من الزهر
*
وقال
* لله حسن الياسمين يلوح فوق
* الورد للجلساء والندمان
*
* مثل الثنايا والخدود نواضرا
* أو كالفراش هوى على النيران
*

36
وقال
* وورد أبيض قد زاد حسنا
* فعند الصد للخجل احمرار
*
* يمثله النديم إذا رآه
* مداهن فضة فيها نضار
*
وقال
* يا حسنة نيلوفرا في مائة
* طاف وفي أحشاه نار تسعر
*
* يحكي أنامل غادة مضمومة
* جمعت وزينها خضاب أخضر
*
((314 - القاضي عبد الوهاب))
عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد القاضي أبو محمد البغدادي المالكي
سمع وروى وكان شيخ المالكية في عصره وعالمهم
وقال الخطيب في تاريخه كتبت عنه وكان ثقة لم ألق أفقه منه ولى القضاء ب باذرايا وخرج آخر عمره إلى مصر فمات بها في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة
وقيل هو من أولاد مالك بن طوق صاحب الرحبة
وصنف التلقين وهو مع صغره من خيار الكتب وله المعرفة في شرح الرسالة وله عيون المسائل والنصرة لمذهب مالك وكتاب الأدلة في مسائل الخلاف وشرح المدونة وخرج إلى مصر في آخر عمره لإملاق به وفي ذلك يقول
* بغداد دار لأهل المال طيبة
* وللمفاليس دار الضنك والضيق
*
* ظللت حيران أمشي في أزقتها
* كأنني مصحف في دار زنديق
*

37
واجتاز في طريقه بمعرة النعمان وأضافه أبو العلاء المعري وفي ذلك يقول
* والمالكي ابن نصر زار في سفر
* بلادنا فحمدنا النأي والسفرا
*
* إذا تفقه أحيا مالكا جدلا
* وينشر الملك الضليل إن شعرا
*
ومن شعر القاضي عبد الوهاب
* سلام على بغداد في كل موطن
* وحق لها مني سلام مضاعف
*
* فوالله ما فارقتها عن قلي لها
* وإني بشطى جانبيها لعارف
*
* ولكنها ضاقت علي بأسرها
* ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
*
* فكانت كخل كنت أرجو دنوه
* وأخلاقه تنأى به وتخالف
*
وقال
* متى تصل العطاش إلى ارتواء
* إذا استقت البحار من الركايا
*
* ومن يثني الأصاغر عن مراد
* وقد جلس الأكابر في الزوايا
*
* وإن ترفع الوضعاء يوما
* على الرفعاء من إحدى الرزايا
*
* إذا استوت الأسافل والأداني
* فقد طابت منادمة المنايا
*
وقال أيضا
* ونائمة قبلتها فتنبهت
* وقالت تعالوا فاطلبوا اللص بالحد
*
* فقلت لها إني فديتك غاصب
* وما حكموا في غاصب بسوى الرد
*
* خذيها وكفي عن أثيم ظلامة
* وإن أنت لم ترضى فألفا على العد
*
* فقالت قصاص يشهد العقل أنه
* على كبد الجاني ألذ من الشهد
*
* فباتت يميني وهي هميان خصرها
* وباتت يساري وهي واسطة العقد
*
* فقالت ألم أخبر بأنك زاهد
* فقلت لها ما زلت أزهد في الزهد
*

38
((315 - شرف الدين بن فضل الله))
عبد الوهاب بن فضل الله القاضي شرف الدين يمين الملوك والسلاطين القرشي العمري وقد ذكرنا تمام نسبه في ترجمة ابن أخيه شهاب الدين
مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة
كان كاتبا أديبا مترسلا كتب المنسوب الفائق ومتع بحواسه لم يفقد منها شيئا ولم تتغير كتابته ومات وهو جالس ينفذ بريدا إلى بعض النواحي وكان مخاديمه يحترمونه ويعظمونه مثل حسام الدين لاجين والملك الأشرف والملك الناصر والأمير سيف الدين تنكز
كان كل وقت يذكره وكان كاملا في فنه ما كتب عن ملوك الأتراك أحد مثله
رآه الملك الأشرف مرة وقد قام ومشى يلقي أميرا فلما حضر عنده قال رأيتك قمت من مكانك وخطوت خطوات فقال يا خوند كان الأمير سيف الدين بيدرا النائب قد جاء وسلم علي فقال لا تعد تقم لأحد أبدا أنت تكون قاعدا عندي وذاك واقف
وحكى أنه كان يوما بالمرج يقرأ على تنكز كتاب بريد جاء من السلطان والمماليك قد رموا جلمة على عصفور فاشتغل تنكز بالنظر إليها فبطل شرف الدين القراءة وأمسكه وقال يا خوند إذا قرأت عليك كتاب السلطان اجعل بالك كله مني ويكون ذهنك عندي لا تشتغل بغيري أبدا وافهمه لفظة لفظة
وما رأى أحد ما رآه من التعظيم في النفوس
وكان في مبدأ أمره يلبس القماش الفاخر ويأكل الأطعمة الشهية ويعمل السماعات ويعاشر الفضلاء مثل بدر الدين بن مالك وابن الظهير وغيرهم ثم انسلخ من ذلك كله لما داخل الدولة وقتر على نفسه واختصر في ملبسه وانجمع عن الناس انجماعا كليا ولما مات خلف نعمة طائلة
وكان الملك الناصر قد نقله من مصر إلى الشام عوضا عن أخيه محيي

39
الدين لأن السلطان كان قد وعد القاضي علاء الدين بن الأثير لما كان معه بالكرك بالمنصب فأقام ب دمشق إلى سنة سبع عشرة وسبعمائة وتوفي في رمضان رحمه الله تعالى
ورثاه شهاب الدين محمود وهو ب مصر وكتب بها إلى القاضي محيي الدين أخيه
* لتبك المعالي والنهى الشرف الأعلى
* وتبكي الورى الإحسان والحلم والفضلا
*
* وتنتحب الدنيا لمن لم تجد له
* وإن جهدت في حسن أوصافه مثلا
*
* ومن أتعب الناس اتباع طريقه
* فكفوا وأعيتهم طريقته المثلى
*
* لقد أثكل الأيام حتى تجهمت
* وإن كانت الأيام لا تعرف الثكلا
*
* وفارق منه الدست صدرا معظما
* رحيبا يرد الحزن تدبيره سهلا
*
* فكم حاط بالرأي الممالك فاكتفت
* له أن تعد الخيل للصون والرجلا
*
* وكم جردت أيدي العدا نصل كيدهم
* فرد إلى أعناقهم ذلك النصلا
*
* وكم جل خطب لا يحل انعقاده
* فأعمل فيه صائب الرأي فانحلا
*
* وكم جاء أمر لا يطاق هجومه
* فلما تولى أمر تدبيره ولى
*
* وكم كف محذورا وكم فك عانيا
* وكم رد مكروها وكم قد جلا جلى
*
* وقد كان للاجين ظلا فقصلت
* يد الموت عدوا عنهم ذلك الظلا
*
* سأندبه دهري وأرثيه جاهدا
* وأكثر فيه من بكائي وإن قلا
*
* ولم لا وقد صاحبته جل مدتي
* أراه أبا برا ويعتدني نجلا
*
* ولم يرنا في طول مدتنا امرؤ
* فيحسبنا إلا الأقارب والأهلا
*
* وكم أرشدتني في الكتابة كتبه
* ولو زل عن إرشادها خاطري ضلا
*
* وكم مشكلات لم تبن لمحدق
* إليها جلاها فانجلت عندما أملى
*
* فمن هذه حالي وحالته معي
* أيحسن أن أبكي على فقده أم لا
*
* وعهدي به لا أبعد الله عهده
* وأقلامه أنى جرت نشرت عدلا
*
* لقد كان لي أنس به وهو نازح
* كأن التنائي لم يفرق لنا شملا
*
* وقد زال ذاك الأنس واعتضت بعده
* دموعا إذا أنشأتها أنشت الوبلا
*
* فلا مدمعي الهامي يجف ولا الأسى
* يخف جواه إن أقل لهما مهلا
*
* ولا حرقي تخبو وإن يطف وقدها
* بماء دموعي صار فيها غضا جزلا
*

40
* إلى الله أشكو فقد صحب رزئتهم
* وفقد ابن فضل الله قد عدل الكلا
*
* ولم يترك الموت الذي حم منهم
* حميما ولا خلى الردى منهم خلا
*
* وعمهم داعي الحمام فأسرعوا
* جميعا وألغى قولنا فيهم إلا
*
* وكم يرجئ الساري النوى عن رفاقه
* إذا ركبهم يوما بدارهم حلا
*
* أيطمع من قد جاز معترك الردى
* بإبطائه عمن تقدمه كلا
*
* ولا سيما من عاود الداء جسمه
* يعاوده بدءا إذا ظنه ولى
*
* عزاؤك محيي الدين في الذاهب الذي
* قضى إذ قضى فرض المناقب والنفلا
*
* فمثلك من يلقى الخطوب بكاهل
* يقل الذي تعيا الجبال له حملا
*
* وفي الصبر أجر أنت تعرف فضله
* وآثاره الحسنى فلا تدع الفضلا
*
* وسلم لأمر الله وارض بحكمه
* تحز منه فضلا ما برحت له أهلا
*
* ولا زال صوب المزن والعفو دائما
* يؤمانه حتى إذا وصلا أنهلا
*
ومن شعر شرف الدين يمدح الملك المنصور قلاوون الألفي
* تهب الألوف ولا تهاب لهم
* ألفا إذا لاقيت في الصف
*
* ألف وألف في ندى ووغى
* فلأجل ذا سموك بالألفي
*
ومنه لما ختن الملك الناصر
* لم يروع له الختان جنانا
* قد أصاب الحديد منه حديدا
*
* مثلما تنقص المصابيح بالقطط
* فتزداد في الضياء وقودا
*
وقال
* كتبت والشوق يدنيني إلى أمل
* من اللقاء ويقصيني عن الدار
*
* والحب يضرم فيما بين ذاك وذا
* بين الجوانح أجزاء من النار
*

41
((316 - المثقال))
عبد الوهاب بن محمد الأزدي المعروف بالمثقال
قال ابن رشيق في الأنموذج شاعر مطبوع قليل التكلف سهل القافية خبيث اللسان ماجن لا يمدح أحدا كان يألف غلاما نصرانيا خمارا واشتهر بحبه وأقام ببابه في الحانة ثلاث سنين ويدخل معه الكنيسة في الآحاد والأعياد طول هذه المدة حتى حفظ كثيرا من الإنجيل وشرائع أهله وهجره مرة فاستعان عليه وتحيل فلم يجد له عليه سبيلا وزعم أن عليه قسما شديدا ألا يكلمه إلى شهر فدعا بالفاصد وفصد إحدى يديه ثم دعا بفاصد آخر وفصد الأخرى ودخل داره وأغلق بابه وحل الفصادين فما شعر أهله إلا بالدم يدفع من سدة الباب وبلغ الغلام أنه يدعي أنه قتله فصالحه خوفا على نفسه
ومن شعره
* خيالك زائري من غير وعد
* وأكثر منك بي برا وحبا
*
* فلما أن رآك أطلت بعدي
* ولم تمنح محبك منك قربا
*
* سرى وهنا فقبلني وآلى
* يمين الله لا عذبت صبا
*
* فأحيا مهجة تلفت غراما
* وقلبا لم يفق دنفا وكربا
*
* وكان الطيف أرأف منك نفسا
* وألين منك أعطافا وقلبا
*
وقال
* هم بالوجوه من البدور
* وبالقدود من الغصون
*
* ودروعهم صبغ الحيا
* وسيوفهم لحظ العيون
*
وقال
* لما تناهى وكمل
* وتم لي فيه الأمل
*
* أعرض واستبدل بي
* كذلك الدنيا دول
*

42
وقال
* قد زارني طيف من أهوى يعللني
* عند الصباح وخيط الفجر قد طلعا
*
* فطرت شوقا لعلمي أن قبلته
* في النوم تحدث لي في وصله طمعا
*
وقال ابن رشيق أنشدته من قصيدة لي
* والثريا قبالة البدر تحكي
* باسطا كفه ليأخذ جاما
*
فاستطرفه وأنشدته أيضا لي
* رأيت بهرام والثريا
* والمشتري في القرآن كره
*
* كراحة خيرت فحارت
* ما بين ياقوتة ودرة
*
فأنشدني
* يا ساقي الراح سق صحبي
* وواسني إنني أواسي
*
* وانظر إلى حيرة الثريا
* والليل قد شد باندماس
*
* ما بين بهرامها الملاحي
* وبين برجيسها المواسي
* كأنها راحة أشارت
* لأخذ تفاحة وكاس
*
وقال
* أهدى إلى مدامة
* صفراء صافية حميا
*
* فكأنها وحبابها
* بدر تكلل بالثريا
*
* فشربتها من كفه
* وسكبت فاضلها عليا
*
وقال
* طاف بالراح حبيبي
* قائلا بين صحابي
*
* هاك خذها يا فتى الفت
* يان واسمع من خطابي
*
* فهي من خدي ولحظي
* ونسيمي ورضابي
*

43
وقال وقد مات محبوبه النصراني ب الإسكندرية
* أخي بوداد لا أخي بديانة
* ورب أخ في الود مثل نسيب
*
* وقالوا أتبكي اليوم من لست صاحبا
* غدا إن هذا فعل غير لبيب
*
* فقلت لهم هذا أوان تلهفي
* وشدة إعوالي وفرط كروبي
*
* وما لي لا أبكي حبيبا فقدته
* إذا خاب منه في المعاد نصيبي
*
* فيا ناصحي مهلا فلست بمرشد
* ويا لائمي أقصر فغير مصيب
*
* وسلمان أودى حيث لا أنا حاضر
* أعلله يوما بوصف طبيب
*
* وأجعل كفي تحت جيب مكرم
* علي وخد بالنحول خضيب
*
وكانت وفاة المثقال بعد الخمسمائة
((317 - أبو الفضل المكيالي))
عبيد الله بن أحمد بن علي بن إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن مكيال بن عبد الواحد بن جبريل بن القاسم بن بكر بن سور بن سور بن سور بن سوار أربعة من الملوك ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور أبو الفضل المكيالي
مات يوم عيد الأضحى سنة ست وثلاثين وأربعمائة كان أوحد خراسان في ذلك العصر أدبا وفضلا ونسبا حسن الخلق مليح الوجه والشمائل كثير القراءة دائم العبادة سخي النفس
سمع ب خراسان من الحاكم أبي أحمد الحافظ وأبي عمرو بن حمدان
وعقد له مجلس للإملاء وأبوه أمير مشهور جليل القدر
سمع قول الصاحب
* لئن هو لم يكفف عقارب صدغه
* فقولوا له يسمح بدرياق ريقه
*

44
فقال
* لدغت عينك قلبي
* إنما عينك عقرب
*
* لكن المصة من ريقك
* درياق مجرب
*
وله من التصانيف كتاب المنتحل كتاب مخزون البلاغة ديوان رسائله ديوان شعره كتاب ملح الخواطر ومنح الجواهر
ومن شعره رحمه الله تعالى
* إذا ما جاد بالأموال ثني
* ولم تدركه في الجود الندامة
*
* وإن هجست خواطره بجمع
* لريب حوادث قال الندى مه
*
وقال
* مبدع في شمائل المجد خيما
* ما اهتدينا لأخذه واقتباسه
*
* فهو فيض بالمال وقت نداه
* وجواد بالعفو في وقت باسه
*
وقال
* ألا رب أعداء لئام قريتهم
* متون سيوف أو صدور عوال
*
* إذا كلبهم يوما عوى لي رميتهم
* بكلب إذا عاوى الرجال عوى لي
*
وقال
* عجبت لوغد قد جذبت بضبعه
* فأصبح يلقاني بتية وبيسما
*
* يريد مساماتي ومن دونها السما
* وكيف يباريني سموا وبي سما
*
وقال
* لقد راعني بدر الدجى بصدوده
* ووكل أجفاني برعي كواكبه
*
* فيا جزعي مهلا عساه يعود لي
* ويا كبدي صبرا على ما كواك به
*
وله
* صل محبا أعياه وصف هواه
* فضناه ينوب عن ترجمانه
*

45
* كلما راقه سواك تصدت
* مقلتاه بدمعه ترجمانه
*
وله
* يا ذا الذي أرسل من طرفه
* علي سيفا قدني أو فرى
*
* شفاء نفسي منك تجميشة
* تغرس في خدك نيلوفرا
*
وقال
* أما حان أن تشفي المستهام
* بزورة وصل وتأوي له
*
* يجمجم عن سؤله هيبة
* ويعلم علمك تأويله
*
وقال
* سقيا لدهر مضى والوصل يجمعنا
* ونحن نحكي عناقا شكل تنوين
*
* فصرت إذ علقت نفسي حبائلكم
* بسهم هجرك ترمى ثم تنويني
*
وقال
* إن كنت تأنس بالحبيب وقربه
* فاصبر على حكم الرقيب وداره
*
* وإن الرقيب إذا صبرت لحكمه
* بواك في مثوى الحبيب وداره
*
وقال
* شكوت إليه ما ألاقي فقال لي
* رويدا ففي حكم الهوى أنت موتلي
*
* فلو كان حقا ما ادعيت من الهوى
* لقل بما تلقى إذن أن تموت لي
*
قال
* ومعشوق يتيه بوجه عاج
* شبيه الصدغ منه بلام زاج
*
* إذا استسقيته راحا سقاني
* رضابا كالرحيق بلا مزاج
*
وقال
* ظبي يحار البرق في بريقه
* غنيت عن إبريقه بريقه
*

46
* فلم أزل أرشف من رحيقه
* حتى شفيت القلب من حريقه
*
وقال
* إن لي في الهوى لسانا كتوما
* وجنانا يخفي حريق جواه
*
* غير أني أخاف دمعي عليه
* ستراه يفشي الذي ستراه
*
وقال
* وتفرق قلبي في هواه فعنده
* فريق وعندي شعبة وفريق
*
* إذا ظمئت نفسي أقول له اسقني
* وإن لم يكن راحا لديك فريق
*
وقال
* أهدت جفونك للفؤاد
* من الغرام بلابلا
*
* فالشوق منه بلا مدي
* والوجد فيه بلا بلى
*
وقال أبو القاسم الكرخي كنت ليلة عند الصاحب بن عباد ومعنا أبو العباس الضبي وقد وقف على رؤوسنا غلام كأنه فلقة قمر فقال الصاحب
* أين ذاك الظبي أينه
*
فقال أبو العباس
* شادن في وصف قينه
*
فقال الصاحب
* بلسان الدمع تشكو
* أبدا عيني عينه
*
فقال أبو العباس
* لي دين في هواه
* ليته أنجز دينه
*

47
فقال الميكالي
* لا قضى الله ببين
* أبدا بيني وبينه
*
وأنشد بعض الحاضرين
* أحسن من روضة حزن ناضره
* قد فتح النرجس فيها ناظرة
*
فقال الميكالي
* طلعة معشوق لدينا حاضره
* ناضرة تجلو العيون الناظرة
*
ومن شعره
* روض يروض هموم قلبي حسنه
* فيه لكاس اللهو أي مساغ
*
* وإذا بدت قضبان ريحان به
* حيت بمثل سلاسل الأصداغ
*
وقال
* تصوغ لنا كف الربيع بدائعا
* كعقد عقيق بين سمط لآل
*
* وفيهن أنوار الشقائق قد حكت
* خدود عذارى نقطت بغوال
*
وقال في اقتران الزهرة والهلال
* أما ترى الزهرة قد لاحت لنا
* تحت هلال لونه يحكي اللهب
*
* ككرة من فضة مجلوة
* أوفى عليها صولجان من ذهب
*
وقال في طلوع الفجر
* أهلا بفجر قد نضا ثوب الدجى
* كالسيف جرد من سواد قراب
*
* أو غادة شقت إزارا أزرقا
* ما بين ثغرتها إلى الأقراب
*
وقال
* يا مهديا لي بنفسجا أرجا
* يرتاح قلبي له وينشرح
*

48
* بشرني عاجلا مصحفه
* بأن ضيق الأمور ينفسح
*
وقال في ذمه
* يا مهديا لي بنفسجا سمجا
* وددت لو أن أرضه سبخ
*
* بشرني عاجلا مصحفه
* بأن عقد الحبيب ينفسخ
*
وقال
* ومدامة زفت إلى سلسال
* تختال بين ملابس كالآل
*
* قد نالها حتى إذا ما اقتضتها
* بالمزج أمهرها عقود لآلى
*
وقال
* لنا صديق إن رأى
* مهفهفا لاطفه
*
* فإن يكن في دهرنا
* ذو ابنة لاط فهو
*
وقال
* لنا صديق يجيد لقما
* راحتنا في أذي قفاه
*
* ما ذاق من كسبه ولكن
* أذى قفاه أذاق فاه
*
((318 - عبيد الله الوزير
*
عبيد الله بن سليمان بن وهب أبو القاسم الكاتب الوزير وزير المعتضد مولده سنة ست وعشرين ومائتين ووفاته سنة ثمان وثمانين ومائتين وكانت مدة وزارته للمعتضد عشر سنين وهو الذي قال فيه ابن المعتز
* قد استوى الناس ومات الكمال
* وقال صرف الدهر أين الرجال
*
* هذا أبو القاسم في نعشه
* قوموا انظروا كيف تسير الجبال
*

49
ولما دخل ابن المعتز على ابنه القاسم بن عبيد الله قال
* إني معزيك لا أني على ثقة
* من الخلود ولكن سنة الدين
*
* فما المعزي بباق بعد صاحبه
* ولا المعزي ولو عاشا إلى حين
*
ولما حمل على أعناق الرجال قال ابن المعتز
* وما كان ريح المسك ريح حنوطه
* ولكنه هذا الثناء المخلف
*
* وليس صرير النعش ما تسمعونه
* ولكنه أصلاب قوم تقصف
*
ولما تقدم القاسم للصلاة عليه قال ابن المعتز
* قضوا ما قضوا من أمره ثم قدموا
* إماما لهم والنعش بين يديه
*
* فصلوا عليه خاشعين كأنهم
* وقوف خضوع للسلام عليه
*
ولما استتر عند ابن أبي عون التاجر دخل عليه يوما فقام له فقال له ابن أبي عون يا سيدي اخبأ لي هذا القيام إلى وقت أنتفع به فما كان إلا قليل حتى ولي الوزارة فاستدعاه فصار إليه وهو في مجلسه بخلعته والناس عنده فقام إليه وعانقه وقال هذا وقت ينتفع بقيامي وأجلسه معه على طرف الدست فما مضت ساعة حتى استدعاه المعتضد فدخل عليه وغاب ثم حضر وأخذ بيده إلى مكان خلوة وقال له الخليفة طلبني بسببك لأنه كوتب بخبرنا وأنكر علي وقال تبذل مجلس الوزارة لتاجر ولو كان ملك أو ولي عهد كان كثيرا فقلت يا أمير المؤمنين لم يذهب على حق المجلس ولكن لي عذر وأخبرته خبري معك فقال أما الآن فقد عذرتك ثم قال لي إني قد شهرتك شهرة إن
لم يكن معك مائة ألف دينار معدة للنكبة هلكت فيجب أن نحصلها لك لهذه الحالة فقط ثم نحصل لك نعمة بعدها ثم قال هاتم فلانا الكاتب فجاء فقال أحضر الساعة التجار وسعر مائة ألف كر من غلات السلطان بالسواد عليهم فخرج وعاد وقال قد قررت معهم ذلك فقال بع على أبي عبد الله هذه الغلة بنقصان دينار مما قررت السعر مع التجار وبعه له عليهم

50
بالسعر الذي قررته معهم وطالبهم الساعة بفضل ما بين السعرين وأخرهم بالثمن إلى أن يتسلموا الغلال واكتب إلى النواحي بتقبيضهم ذلك فقام ابن أبي عون من المجلس وقد حصل له مائة ألف دينار فقال له الوزير اجعل هذه أصلا لنعمتك ولا يسألنك أحد من الخلق شيئا إلا أخذت رقعته ووافقته على أجرة ذلك وخاطبني فيه
وكان يعرض عليه في كل يوم ما يصل إليه بما فيه ألوف دنانير ويدخل في المكاسب الجليلة وكان ربما قال له في بعض الرقاع كم قرروا لك على هذه فيقول كذا فيقول الوزير هذه تسوي أكثر من ذلك ارجع إليهم ولا تفارقهم إلا بكذا
وكان ممن خدمه في أيام نكبته رجل يعرف بيعقوب الصايغ وكان عاميا ساقطا فقلده لما ولي الوزارة حسبة الحضرة فعزم الوزير في بعض الأوقات على السفر فجلس للنظر فيما يحمل معه من خزانته ومن يسافر معه من أصحابه وخدمه ويعقوب حاضر فأمر الوزير بما يحمل معه فلما انتهى إلى فصل منه قال يعقوب بغباوته وعاميته ويحمل أيضا معه كفن وحنوط فتطير الوزير من ذلك واعرض عنه وأخذ يأمر وينهي ولما انتهى إلى فصل من كلامه كرر يعقوب ذلك القول فأعرض عنه ضجرا وفعل ذلك ثالثا فقال الوزير يا هذا أتخاف على إن أنا مت أن أصلب أو أطرح على قارعة الطريق بغير كفن إن تعذر الكفن لفوني في ثيابي رحمه الله تعالى وعفا عنه
((319 - الوراق التميمي))
عتيق بن محمد أبو بكر الوراق التميمي
قال ابن رشيق دخلت الجامع فوجدته في حلقة يقرأ الرقائق والمواعظ ويذكر أخبار السلف الصالحين ومن بعدهم من التابعين وقد بدأ خشوعه وترقرقت دموعه فما كان إلا أن جئته عشية ذلك اليوم إلى بيته فوجدته وفي

51
يده طنبور وعن يمينه غلام مليح فقلت له ما أبعد ما بين حاليك في مجلسيك فقال ذلك بيت الله وهذا بيتي أصنع في كل واحد منهما ما يليق به وبصاحبه
فأمسكت عنه
ومن شعره يصف شاذروانا
* كأنه فلك غصت كواكبه
* وجه المعز المعلى بينها قمر
*
* إذا بدا فيه قرن الشمس قارنه
* كأنها منه أو منه بها أثر
*
* مذ زاحم الجو فاحتل السحاب به
* فليس يفقد في أرجائه مطر
*
* فرحمة الله عنه غير نازحة
* ونعمة الله ما فيها به قصر
*
* ترى الغمائم بيضا تحته بكرا
* مثل الكواكب فوق الأرض تنتثر
*
وقال
* كلما أذنب أبدى وجهه
* حجة فهو ملي بالحجج
*
* كيف لا يفرط في إجرامه
* من متى شاء من الذنب خرج
*
وقال
* بدر له إشراق شمس على
* غصن سبا قلبي بنوعين
*
* يكاد من لين ومن دقة
* في خصره ينقد نصفين
*
* إدباره ينسيك إقباله
* كأنما يمشي بوجهين
*
وقال ووزنه خارج عن أبحر العروض
* أورد قلبي الردى
* لام عذار بدا
*
* أسود كالغي في
* أبيض مثل الهدى
*
وقال
* تعبي راحتي وأنسي انفرادي
* وشفائي الضنى ونومي سهادي
*
* لست أشكو بعاد من صد عني
* أي بعد وقد ثوى في فؤادي
*
* هو يختال بين عيني وقلبي
* وهو ذاك الذي يرى في سوادي
*

52
وقال في الهجاء وبالغ
* لو أن أكفانهم من حر أوجههم
* قاموا إلى الحشر منها مثلما رقدوا
*
* خزر العيون إذا ما عوتبوا وإذا
* ما عاتبوا أنفذوا باللحظ ما قصدوا
*
((320 - ابن خمارتاش الهيتي))
عثمان بن خمارتاش بن عبد الله أبو القاسم من أهل هيت
كان أديبا فاضلا مليح الشعر لطيف الطبع كيسا طيب العشرة ظريفا
قال محب الدين بن النجار كان متهاونا بالأمور الدينية عفا الله عنه وتوفي سنة تسع عشرة وستمائة
ومن شعره
* ألمال أفضل ما ادخرت فلا تكن
* في مرية ما عشت من تفضيله
*
* ما صنف الناس العلوم بأسرها
* إلا لحيلتهم على تحصيله
*
وله لما تزوج
* كان رأيي ألا يكون الذي كان
* فيا ليتني تركت برائي
*
* لا يزال الإنسان يخدمه السعد
* إلى أن يقول بيت حمائي
*
وقال
* شيئان لم يبلغهما واصف
* فيما مضى بالنظم والنثر
*
* مدح ابنة العنقود في كأسها
* وذم أفعال بني الدهر
*
وقال
* قالوا هداك الشيب يا ليتني
* دام ضلالي وعدمت الهدى
*
وقال
* ولي قلب لشقوته ألوف
* ينغص عيشتي طول الليالي
*

53
* فلو أني ألفت الهجر يوما
* بكيت عليه في زمن الوصال
*
وقال
* لا تخضعن ولو بدت
* زرق الأسنة منك حمرا
*
* لا بد من ورد الحمام
* فمت كريم النفس حرا
*
وقال
* إني لأعجب من ضراعة سائل
* في جود مقتدر على الإحسان
*
* كيف استمالهما خداع رذيلة
* وكلاهما عما قليل فاني
*
((321 - عثمان الطفيلي))
عثمان بن دراج الطفيلي كان في زمن المأمون قال أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني كان فيه أدب وله شعر صالح قيل له يوما إن فلانا اشترى رءوسا ودخل بستانا مع جماعة فخرج إليهم فوجدهم قد لوحوا العظام فوقف ينظر إليها ثم استعبر باكيا وتمثل بقول الرقاشي
* آثار ربع قدما
* أعيا جوابي صمما
*
* كان لسعدي علما
* فصار وحشا رمما
*
وقيل له ما هذه الصفرة التي في لونك قال من الفترة بين القصعة ومن خوفي من نفاذ الطعام قبل أن أشبع
ومن شعره
* لذة التطفيل دومي
* وأقيمي لا تريمي
*
* أنت تشفين غليلي
* وتسلين همومي
*

54
وقيل له يوما كيف تصنع بالعرس إذا لم يدخلك أصحابه فقال أنوح على بابهم فيتطيرون من ذلك فيدخلوني
وقيل له أتعرف بستان فلان فقال إي والله وإنه للجنة الحاضرة في الدنيا
قيل له فلم لا تدخل إليه وتأكل من ثماره وتجلس تحت أشجاره وتسبح في أنهاره فقال لأن فيه كلبا لا يتمضمض إلا بدم عراقيب الرجال
وقال يوما مررت بجنازة ومعي ابني ومع الجنازة امرأة تبكي وتقول يذهبون بك إلى بيت لا فراش فيه ولا وطاء ولا ضياء ولا غطاء ولا خبز ولا ماء فقال ابني يا أبت إلى بيتنا والله يذهبون به
((322 - معين الدين بن تولوا))
عثمان بن سعيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن تولوا الأديب معين الدين الفهري المصري ولد ب تنيس سنة خمس وستمائة وتوفي سنة خمس وثمانين وستمائة
قال الشيخ شمس الدين أنشدنا عنه أبو الحسين اليونيني وغيره وتوفي بت القاهرة وعليه تخرج الحكيم شمس الدين بن دانيال وبه تأدب وله معه حكايات كان يسخر به ويضحك منه الناس
ومن شعره
* جمعك بين الكثيب والغصن
* فرق بين الجفون والوسن
*
* يا فتنة ما وقيت صرعتها
* مع حذري دائما من الفتن
*
* باللفظ واللحظ كم ترى أبدا
* تسخر بي دائما وتسحرني
*
* وقد ألفت الغرام فيك كما
* فرقت بين الحياة والبدن
*
وقال
* أما السماح فقد أقوت معالمه
* فما على الأرض من ترجى مكارمه
*
* فلا يغرنك من يلقاك مبتسما
* فطالما غر برق أنت شائمه
*

55
* لا تتعب النفس في استخلاص راحتها
* من باخل لؤمه في الجود لائمه
*
* آخى المذلة إعزازا لدرهمه
* ويصحب الذل من عزت دراهمه
*
* ماذا أقول لدهر عاش جاهله
* غني ومات بسيف الفقر عالمه
*
* قد سالم النقص حتى ما يحاربه
* وحارب الفضل حتى ما يسالمه
*
وقال
* يأهل مصر وجدت أيديكم
* عن بسطها بالنوال منقبضه
*
* فمذ عدمت الغذاء عندكم
* أكلت كتبي كأنني أرضه
*
((323 - ابن أبي عمامة))
عثمان بن علي بن المعمر بن أبي عمامة أبو المعالي البقال أخو أبي سعد المعمر بن علي الواعظ
قرأ الأدب على عبد الواحد بن برهان وأبي محمد الحسن بن الدهان وكان غير مرضي السيرة يخل بالصلوات ويرتكب المحظورات روى عنه أبو المعمر الأنصاري وأبو طاهر السلفي
وتوفي سنة سبع عشرة وخمسمائة
ومن شعره
* أرى شعرة بيضاء في الخد نابته
* لها لوعة في صفحة الصدر ثابتة
*
* ومن شؤمها أني إذا رمت نتفها
* نتفت سواها وهي تضحك شامتة
*
وقال
* أيا جمال الدولة المرتجي
* لكل خير كم أناديكا
*
* ما بي على أني أخفي الذي
* ما بي وبالخير أباديكا
*
* أجلس في الحمام من شقوتي
* أغسل أثوابي المراديكا
*
* والديك في دارك ذو بسطة
* يروح عنها ويغاديكا
*
* فكلم البواب في الأذن لي
* مقربا أو كشكش الديكا
*
* وعش كما تؤثر في نعمة
* تكبت بالذل أعاديكا
*

56
((324 - أبو الفتح البلطي))
عثمان بن عيسى بن هيجون أبو الفتح البلطي الأديب النحوي
له شعر ومجاميع في الأدب وكان طويلا ضخما كبير اللحية ويلبس عمامة كبيرة وثيابا كثيرة في الحر تصدر بالجامع العتيق ب مصر وروى
وتوفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة
وبلط بليدة قريبة من الموصل
وكان قد أقام ب دمشق مدة يتردد إلى الزبداني للتعليم ولما ملك الملك الناصر مصر انتقل إليها وحظي بها ورتب له صلاح الدين على جامع مصر جاريا يقرئ به النحو والقرآن ولما كان في آخر سنة الغلاء توفي وبقي في بيته ثلاثة أيام ميتا لأنه كان يحب الانفراد والخلوة وكان يتطيلس ولا يدير الطيلسان على عنقه بل يرسله وكان إذا دخل فصل الشتاء اختفى ولم يكد يظهر وكانوا يقولون له أنت في الشتاء من حشرات الأرض
وإذا دخل الحمام يدخل وعلى رأسه مزدوجة مبطنة بقطن فإذا صار عند الحوض كشف رأسه بيده الواحدة وصب عليه الماء الحار الناضج بيده الأخرى ثم يغطيه إلى أن يملأ السطل ثم يكشفه ويصب عليه ثم يغطيه يفعل ذلك مرارا ويقول أخاف من الهواء
وكان إماما نحويا مؤرخا شاعرا
وله العروض الكبير نحو ثلاثمائة ورقة وكتاب العروض الصغير وكتاب العظات الموقظات وكتاب النير في العربية وكتاب أخبار المتنبي وكتاب المستزاد على المستجاد في فعلات الأجواد وكتاب علم أشكال الخط وكتاب التصحيف والتحريف وكتاب تعليل العبادات
وحضر يوما عند البلطي يعض المطربين فغناه صوتا أطربه فبكى البلطي وبكى المغني فقال له البلطي أما أنا فإني طربت فأنت علام بكيت قال

57
تذكرت والدي فإنه كان إذا سمع هذا الصوت بكى فقال له البلطي فأنت والله إذن ابن أخي وخرج فأشهد على نفسه جماعة من عدول مصر بأنه ابن أخيه ولا وارث له سواه ولم يزل ذلك المطرب يعرف بابن أخي البلطي
وكان البلطي ماجنا خليعا خميرا متهتكا منهمكا على الشراب واللذات
ومن شعره
* دعوه على ضعفي يجوز ويشتط
* فما بيدي حل لذاك ولا ربط
*
* ولا تعتبوه فالعتاب يزيده
* ملالا وإني لي اصطبار إذا يسطو
*
* تنازعت الآرام والدر والمها
* له شبها والغصن والبدر والسقط
*
* فللريم منه اللحظ واللون والطلا
* وللدر منه اللفظ واللحظ والخط
*
* وللغصن منه القد والبدر وجهه
* وعين المها عين بها ابدا يسطو
*
* وللسقط منه ردفه فإذا مشى
* بدا خلفه كالموج يعلو وينحط
*
ومدح القاضي الفاضل بموشحة وهي
* ويلاه من رواغ
* بجوره يقضي
*
* ظبي بني يزداد
* منه الجفا حظي
*
* قد زاد وسواسي
* مذ زاد في التيه
*
* لم يلق في الناس
* ما أنا لاقيه
*
* من قيم قاسي
* بالهجر يغريه
*
* أروم إيناسي
* به ويثنيه
*
* إذا وصال ساغ
* بقربه يرضى
*
* أبعده الأستاذ
* لا حيط بالحفظ
*
* وكل ذا الوجد
* بطول إبراقه
*
* مضرج الخد
* من دم عشاقه
*
* مصارع الأسد
* في لحظ أحداقه
*
* لو كان ذا ود
* رق لعشاقه
*
* شيطانه النزاغ
* علمه بغضي
*

58
* واستحوذ استحواذ
* بقليه الفظ
*
* دع ذكره واذكر
* خلاصة المجد
*
* الفاضل الأشهر
* بالعلم والزهد
*
* والطاهر المئزر
* والصادق الوعد
*
* وكيف لا أشكر
* مولى له عندي
*
* نعمي لها إسباغ
* صائنة عرضي
*
* من كف كأس غاذ
* والدهر ذو عظ
*
* منة مستبق
* ضاق بها ذرعي
*
* قد أفحمت نطقي
* واستنفدت وسعي
*
* وملكت رقي
* لمكمل الصنع
*
* دافع عن رزقي
* في موطن الدفع
*
* لما سعى ابياغ
* دهري في خفضي
*
* أنفذني إنفاذ
* من همه حفظي
*
* ذو المنطق الصائب
* في حومة الفضل
*
* ذكاؤه الثاقب
* يجل عن مثل
*
* فهو الفتى الغالب
* كل ذوي النبل
*
* من عمرو والصاحب
* ومن أبو الفضل
*
* لا يستوي الأفراغ
* بواحد الأرض
*
* أين من الآزاذ
* نفاية المنظ
*
* يا أيها الصدر
* فت الورى وصفا
*
* قد مسني الضر
* والحال ما يخفى
*
* وعبدك الدهر
* يسومني خسفا
*

59
* وليس لي عذر
* ما دمت لي كهفا
*
* من صرف دهر طاغ
* أني له أغضي
*
* من بك أمسى عاذ
* لم يخش من بهظ
*
وقال من أبيات حصر قوافيها ومنع أن يزاد فيها
* بأبي من تهتكي فيه صون
* رب واف لغادر فيه خون
*
* بين ذل المحب في طاعة الحبب
* وعز الحبيب يا قوم بون
*
* أين مضنى يحكي البهارة لونا
* من غرير له من الورد لون
*
* لي حبيب ساجي اللواحظ أحوى
* مترف زانه جمال وصون
*
* يلبس الوشي والقباطي جون
* فوق جون ولون حالي جون
*
* إن رماني دهري فإن جمال الد
* دين ركني وجوده لي عون
*
* عنده للمسيء صفح وللأسرار
* مستودع وللمال هون
*
* زانه نائل وحلم وعدل
* ووفاء جم ورفق وأون
*
* أنا في ربعه الخصيب مقيم
* لي من جوده لباس ومون
*
* لا أزال الإله عنه نعيما
* وسرورا ما دام للخلق كون
*
((325 - عروة بن حزام))
عروة بن حزام العذري أحد متيمي العرب ومن قتله الغرام ومات عشقا في حدود الثلاثين للهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه وهو صاحب عفراء التي كان يهواها وكانت تربا له يلعبان معا فألف كل واحد منهما بصاحبه وكان عمه عقال يقول لعروة أبشر فإن عفراء امرأتك إن شاء الله تعالى فلم يزالا إلى أن التحق عروة بالرجال وعفراء بالنساء وكان عروة قد رحل إلى عم له ب اليمن ليطلب منه ما يمهر به عفراء لأن أمها سامته كثيرا في مهرها فنزل بالحي رجل ذو يسار ومال من بني أمية فرأى عفراء فأعجبنه فبذل لها كثيرا من المال فلم تزل أمها بأبيها إلى أن زوجها منه فلما أهديت إليه قالت

60
* يا عرو إن الحي قد نقضوا
* عهد الإله وحالفوا الغدرا
*
وارتحل الأموي بعفراء إلى الشام وعمد أبو عفراء إلى قبر فجدده وسواه وسأل أهل الحي كتمان أمرها ثم وفد عروة بعد أيام فنعاها أبوها إليه وذهب به إلى ذلك القبر وبقي مدة يختلف إليه فأتته جارية من الحي فأخبرته بالقصة فرحل إلى الشام وقصد الرجل وانتسب له في عدنان فأكرمه وبقي عنده أياما فقال لجارية عفراء هل لك في يد تولينيها قالت وما هي قال هذا الخاتم تدفعينه إلى مولاتك فأبت عليه فعرفها وقال اطرحي هذا الخاتم في صبوحها فإن أنكرته قولي إن ضيفك اصطبح قبلك ووقع من يده فلما فعلت الجارية ذلك عرفت عفراء الخبر فقالت لزوجها إن ضيفك ابن عمي فجمع بينهما وخرج وتركهما وأوقف من يسمع ما يقولانه فتشاكيا وتباكيا طويلا ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه فقال والله ما دخل جوفي حرام قط ولا ارتكبته وأنت حظي من الدنيا وقد ذهبت مني وذهبت منك فما أعيش بعدك وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأنا مستحي منه ولا أقيم بمكانه بعد علمه بي وإني لأعلم أني أرحل إلى منيتي ثم بكى وبكت وجاء زوجها فأخبره الخادم بما جرى بينهما فقال لها يا عفراء امنعي ابن عمك من الرحيل قالت لا يمتنع فدعاه وقال يا أخي اتق الله في نفسك فقد عرفت خبرك وإن رحلت تلفت ووالله ما أمنعك من الاجتماع بها أبدا وإن شئت فارقتها فجزاه خيرا وقال كان الطمع فيها آفتي والآن فقد صبرت نفسي ويئست منها واليأس يسلي ولي أمور ولا بد من الرجوع إليها فإن وجدت بي قوة لذلك وإلا عدت إليكم وزرتكم حتى يقضي الله في أمري ما يشاء
فزودوه وأكرموه وأعطته عفراء خمارا لها فلما سار عنها نكس بعد صلاحه وأصابه غشي وخفقان وكان كلما أغمي عليه ألقى عليه غلامه ذلك الخمار فيفيق فلقيه في الطريق ابن مكحول عراف اليمامة فجلس عنده وسأله عما به وهل هو خبل أم جنون فقال له عروة ألك علم بالأوجاع قال نعم فأنشأ عروة يقول

61
* أقول لعراف اليمامة داوني
* فإنك إن داويتني لطبيب
*
* فواكبدا أمست رفاتا كأنما
* يلذعها بالموقدات لهيب
*
* عشية لا عفراء منك قريبة
* فتسلو ولا السلوان منك قريب
*
* فوالله ما أنساك ما هبت الصبا
* وما أعقبتها في الرياح جنوب
*
* عشية لا خلفي مكر ولا الهوى
* أمامي ولا يهوى هواي غريب
*
* وإني لتغشاني لذكراك فترة
* كأن لها بين الضلوع دبيب
*
قال الإخباريون ومات في سفرته تلك قبل أن يصل إلى حيه بثلاث ليال وبلغ عفراء خبره فجزعت جزعا شديدا وقالت ترثيه
* ألا أيها الركب المخبون ويحكم
* أحقا نعيتم عروة بن حزام
*
* فلا يهنأ الفتيان بعدك لذة
* ولا رجعوا من غيبة بسلام
*
* وقل للحبالى لا يرجين غائبا
* ولا فرحات بعده بغلام
*
ولم تزل تنشد الأشعار وتندبه وتبكيه إلى أن ماتت بعده بأيام قلائل
وعن أبي صالح قال كنت مع ابن عباس ب عرفة فأتاه فتيان يحملون فتى لم يبق إلا خياله فقالوا يا بن عم رسول الله
ادع الله تعالى له قال وما به فقال الفتى
* بنا من جوى الأحزان في الصدر لوعة
* تكاد لها نفس الشفيق تذوب
*
* ولكنما أبقى حشاشة معول
* على ما به عود هناك صليب
*
قال ثم خفت في أيديهم فإذا هو قد مات فما رأيت ابن عباس سأل الله تعالى في عشيته إلا العافية مما ابتلي به ذلك الفتى قال وسألت عنه فقيل لي هذا عروة بن حزام
ومن شعر عروة
* خليلي من عليا هلال بن عامر
* ب صنعاء عوجا اليوم وانتظراني
*
* ولا تزهدا في الأجر وأجملا
* فإنكما بي اليوم مبتليان
*
* وألما على عفراء إنكما غدا
* بوشك النوى والبين معترفان
*

62
* فيا واشيي عفراء ويحكما بمن
* ومن وإلى من جئتما تشيان
*
* بمن لو أراه عانيا لفديته
* ومن لو رآني عانيا لفداني
*
* متى تكشفا عني القميص تبينا
* بي السقم من عفراء يا فتيان
*
* فقد تركتني لا أعي لمحدث
* حديثا وإن ناجيته ودعاني
*
* جعلت لعراف اليمامة حكمه
* وعراف نجد إن هما شفياني
*
* فما تركا من حيلة يعلمانها
* ولا شربة إلا وقد سقياني
*
* ورشا على وجهي من الماء ساعة
* وقاما مع العواد يبتدران
*
* وقالا شفاك الله والله ما لنا
* بما ضمنت منك الضلوع يدان
*
* فويل على عفراء ويل كأنه
* على الصدر والأحشاء حد سنان
*
* أحب ابنة العذري حبا وإن نأت
* ودانيت منها حيثما تريان
*
* إذا رام قلبي هجرها حال دونه
* شفيعان من قلبي لها جدلان
*
* إذا قلت لا قالا بلى ثم أصبحا
* جميعا على الرأي الذي يريان
*
* تحملت من عفراء ما ليس لي به
* ولا للجبال الراسيات يدان
*
* فيا رب أنت المستعان على الذي
* تحملت من عفراء منذ زمان
*
* كأن قطاة علقت بجناحها
* على كبدي من شدة الخفقان
*
((326 - عروة بن أذينة))
عروة بن أذينة الليثي الشاعر الحجازي المشهور
سمع ابن عمر وروى عنه مالك في الوطأ وكان من فحول الشعراء
وتوفي في حدود الثلاثين ومائة رحمه الله
ومن شعره
* لقد علمت وما الإسراف من خلقي
* أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
*
* أسعى إليه فيعييني تطلبه
* وإن قعدت أتاني لا يعنيني
*

63
* فإن حظ امرئ غيري سيبلغه
* لابد أن يحتازه دوني
*
* لا خير في طمع يدنى لمنقصة
* وغفة من كفاف العيش تكفيني
*
* كم من فقير غنى النفس تعرفه
* ومن غني فقير النفس مسكين
*
* ومن عدو رماني لو قصدت به
* لم آخذ النصف منه حين يرميني
*
* ومن أخ لي طوى كشحا فقلت له
* إن انطواءك عني سوف يطويني
*
* إني لأنظر فيما كان من أربى
* وأكثر الصمت فيما ليس يعنيني
*
* لا أبتغي وصل من يبغي مقاطعتي
* ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
*
أتى هو وجماعة من الشعراء إلى هشام بن عبد الملك فتبينهم فلما عرف عروة قال له ألست القائل
* لقد علمت وما الإسراف من خلقي
*
قال عروة نعم
قال فهلا قعدت في بيتك حتى يأتيك رزقك وغفل عنه هشام فخرج عروة من وقته وركب راحلته ومضى منصرفا فافتقده هشام فلم يره وقيل له رجع إلى الحجاز فأتبعه بجائزته وقال للرسول قل له أردت أن تكذبنا وتصدق نفسك فلحقه وأبلغه الرسالة ودفع إليه الجائزة فقال قل له صدقني الله وكذبك
((327 - الصاحب علاء الدين الجويني))
عطاء الملك بن محمد بن محمد الأجل علاء الدين الجويني صاحب الديوان الخراساني أخو الصاحب الكبير شمس الدين كان إليهما الحل والعقد في دولة أبغا ونالا من الجاه والحشمة ما يتجاوز الوصف
وفي سنة ثمانين قدم بغداد مجد الملك العجمي فأخذ صاحب الديوان وغله وعاقبه وأخذ أمواله وأملاكه وعاقب سائر خواصه
ولما عاد من كوتمر من الشام مكسورا حمل علاء الدين معهم إلى همذان وهناك مات أبغا ومنكوتمر فلما ملك أرغون بن لأبغا طلب الأخوين

64
فاختفيا وتوفي علاء الدين بعد الاختفاء بشهر سنة إحدى وثمانين وستمائة ثم أخذ ملك اللور أمانا لشمس الدين من أرغون وأحضره إليه فغدر به وقتله ثم فوض أمر العراق إلى مجد الملك العجمي ومجد الدين بن الأثير والأمير على ابن جكيبان ثم قتل أرق وزير أرغون الثلاثة بعد عام
وكان علاء الدين وأخوه فيهما كرم وسؤدد وخبرة بالأمور وعدل ورفق بالرعية وعمارة البلاد
وبالغ بعض الناس فقال كانت بغداد أيام الصاحب علاء الدين أجود ما كانت أيام الخليفة وكان الفاضل إذا عمل كتابا ونسبه إليهما يكون جائزته ألف دينار وكان لهما إحسان إلى العلماء والفضلاء ولهما نظر في العلوم الأدبية والعقلية
ومن شعر علاء الدين
* أبادية الأعراب عني فإنني
* بحاضرة الأتراك نيطت علائقي
*
* وأهلك يا نجل العيون فإنني
* بليت بهذا الناظر المتضايق
*
((328 - المؤيد الآلسي))
عطاف بن محمد بن علي أبو سعيد الآلسي الشاعر المعروف ب المؤيد
ولد ب آلس قرية بقرب الحديثة سنة أربع وتسعين وأربعمائة وتوفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة
وكان قد نشأ بدجيل ودخل بغداد وصار جاويشا في أيام المسترشد ونظم الشعر وعرف به ومدح وهجا ولجأ إلى خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه وتفسح في ذكر الإمام المقتفي وأصحابه بما لا ينبغي فقبض عليه وسجن بعد ما كان أثرى واقتنى عقارا وأملاكا وأقام في السجن عشر سنين إلى أن عشي بصره من ظلمة السجن وأخرج في زمان المستنجد وكان زيه زي الأجناد ثم سافر إلى الموصل وتوفي بعد خروجه بثلاث سنين

65
وكان قبل خروجه عرض على المقتفى قصة فوقع عليها يفرج عن هذا وكان ضاحي نهار فأفرج عنه ومضى إلى بيته واجتمع بزوجته وبرز العصر توقيع الخليفة ينكر الإفراج عنه والقبض على صاحب الخبر فإنه الذي عرض القصة وأعيد بعد العصر إلى المطمورة وجاءه ولد يدعى محمدا كان قد علقت به امرأته في ذلك اليوم عند حضوره إليها من الحبس
ومن شعره
* لعتبة من قلبي طريف وتالد
* وعتبة لي حتى الممات حبيب
*
* وعتبة أقصى منيتي وأعز من
* علي وأشهى من إليه أثوب
*
* غلامية الأعطاف تهتز للصبا
* كما اهتز من ريح الشمال قضيب
*
* تعلقتها طفلا صغيرا ويافعا
* كبيرا وها رأسي بها سيشيب
*
* وصيرتها ديني ودنياي لا أرى
* سوى حبها إني إذن لمصيب
*
* وقد أخلقت أيدي الحوادث جدتي
* وثوب الهوى ضافي الدروع قشيب
*
* سقى عهدها صوب العهاد بجوده
* ملث كتيار الفرات سكوب
*
* وليلتنا والغرب ملق جرانه
* وعود الهوى داني القطوف رطيب
*
* ونحن كأمثال الثريا يضمنا
* رداء على ضيق المكان رحيب
*
* إلى أن تقضي الليل وامتد فجره
* وعاود قلبي للفراق وجيب
*
* فياليت دهري كان ليلا جميعه
* وإن لم يكن لي فيه منك نصيب
*
* أحبك حتى يبعث الله خلقه
* ولي منك في يوم الحساب حسيب
*
* وألهج بالتذكار باسمك دائما
* وإني إذا سميت لي لطروب
*
* فلو كان ذنبي أن أديم لودكم
* حياتي بذكراكم فلست أتوب
*
* إذا حضرت هاجت وساوس مهجتي
* وتزداد بي الأشواق حين تغيب
*
* فوا أسفا لا في الدنو ولا النوى
* أرى عيشتي يا عتب منك تطيب
*
* بقلبي من حبيك نار وجنة
* ولي منك داء قاتل وطبيب
*
* فأنت التي لولاك ما بت ساهرا
* ولا عاودتني زفرة ونجيب
*
ومنه

66
* لنا صديق يغر الأصدقاء ولا
* نراه مذ كان في ود له صدقا
*
* كأنه البحر طول الدهر تركبه
* وليس تأمن منه الخوف والغرقا
*
((329 - العمي الشاعر))
عكاشة بن عبد الصمد العمي
كان من فحول الشعراء وكان يهوى جارية لبعض الهاشميين تدعى نعيما وكان لا يراها إلا في الأحيان وربما اجتمع بها مع صديقه حميد بن سعيد فيشربون وتغنيهم وتنصرف إلى أن قدم قادم من بغداد فاشتراها ورحل بها عن البصرة إلى بغداد فعظم أسف عكاشة وجزعه عليها واستحالت صورته وطبعه وكان ينوح عليها بأشعاره ويبكي
ومن شعره
* ألا ليت شعري هل يعودن ما مضى
* وهل راجع ما فات من صلة الحبل
*
* وهل أجلسن في مثل مجلسنا الذي
* نعمنا به يوم السعادة بالوصل
*
* عشية صبت لذة الوصل طيبها
* علينا وأفنان الحياة جنى النحل
*
* وقد دار ساقينا بكأس روية
* ترحل أحزان الكئيب مع العقل
*
* وشجت شمول بالمزاج فطيرت
* كألسنة الحيات خافت من القتل
*
* فبتنا وعين الكأس سح دموعها
* بكل فتى يهتز للمجد كالنصل
*
* وقينتنا كالظبي تحتج للهوى
* وبث تباريح الفؤاد على رسل
*
* إذا ما حكت بالعود رجع لسانها
* رأيت لسان العود من كفها يملي
*
* فلم أر كاللذات أمطرت الهوى
* ولا مثل يومي ذاك صادفه مثلي
*
ومن شعره
* وجاءوا إليه بالتعاويذ والرقي
* وصبوا عليه الماء من ألم النكس
*
* وقالوا به من أعين الجن نظرة
* ولو صدقوا قالوا به أعين الإنس
*
وقال من قصيدة طويلة
* هذا وكم من مجلس لي مونق
* بين النعيم وبين عيش داني
*
* نازعته أردانه فلبستها
* مع ظبية في عيشنا الفينان
*

67
* تنسي الحليم من الرجال معاده
* بين الغناء وعودها الحنان
*
* حتى يعود كأن حبة قلبه
* مشدودة بمثالث ومثاني
*
* ظلت تغنيني وتعطف كفها
* بالعود بين الراح والريحان
*
* فسمعت ما أبكي وأضحك سامعا
* فسكرت من طرب ومن أشجان
*
* ومشيت في لجج الهوى متبخترا
* ومشى إلي الموت في ألوان
*
* فعلمت أن قد عاد قلبي عائد
* من بين عود مطرب وبنان
*
ومنه
* إذ نحن نسقاها شمولا قرقفا
* تدع الصحيح بعقله مرتابا
*
* حمراء مثل دم الغزال وتارة
* بعد المزاج تخالها زريابا
*
* من كف جارية كأن بنانها
* من فضة قد قمعت عنابا
*
* تزداد حسنا كأسها في كفها
* ويطيب منها نشرها أحقابا
*
* وإذا المزاج علا فشج جبينها
* بقيت بألسنة المزاج حبابا
*
* وتخال ما جمعت فأحدق سمطه
* بالطوق ريق جنادب ورضابا
*
* والعود متبع غناء خريدة
* غردا يقول كما تقول صوابا
*
* وكأن يمناها إذا نطقت به
* تلقي على يدها الشمال حسابا
*
وكانت وفاته بعد المائتين رحمه الله تعالى
((330 - علوان الأسدي))
علوان بن علي بن مطارد الأسدي الضرير
سمع منه سلمان الشحام وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وخمسمائة رحمه الله تعالى
ومن شعره
* أوجهك أم شمس النهار أم البدر
* وثغرك أم در وريقك أم خمر
*
* وقدك أم غصن ترنحه الصبا
* وغنج أراه حشو جفنك أم سحر
*
* تبدى لنا والليل ملق جرانه
* فعاد نهارا قبل أن يطلع الفجر
*
* أعاذلتي ما أقتل الحب للفتى
* إذا كان من يهواه شيمته الغدر
*

68
* ويا معشر العشاق ما أعجب الهوى
* يرى مره عذبا وأعذبه مر
*
* ولم أنس حالي يوم زمت ركابهم
* أقام بجسمي الضر وارتحل الصبر
*
* فما للنوى لا ألف الله شملها
* وما لغراب البين لا ضمه وكر
*
* وليل كيوم الحشر معتكر الدجى
* طويل المدى لا يستبين له فجر
*
* أراعي نجوما ليس يلفى زوالها
* ولا مؤنس إلا التسهد والفكر
*
* أرى أسهم الأيام تقصد مهجتي
* كأن صروف الدهر عندي لها وتر
*
* ألا أيها الدهر المكدر عيشتي
* رويدك مثلي لا يروعه ذعر
*
* أتحسب أن ألفي لغدرك ضارعا
* فأنى وفخر الدين لي في الورى ذخر
*
ومنه في غلام أسود
* سواد عيني فدى أسود
* في داخل القلب له نقطة
*
* ألبدر ما استكمل في حسنه
* حتى اكتسى من لونه خطه
*
* مخطط بالحسن لكنما
* قلبي من الخطة في خطه
*
((331 - الباز الأشهب))
علوي بن عبد الله بن عبيد الشاعر الحلي المعروف ب الباز الأشهب
كان أديبا متفننا مليح الإيراد للشعر
توفي سنة ست تسعين وخمسمائة ب بغداد رحمه الله تعالى
ومن شعره
* سل البانة الغناء هل مطر الحمى
* وهل آن للورقاء أن تترنما
*
* وهل عذبات الرند نبهها الصبا
* لذكر الصبا قدما فقد كن نوما
*
* وإن تكن الأيام قصت جناحها
* فقد طالما مدت بنانا ومعصما
*
* بكتها الغوادي رحمة فتنفست
* وأعطت رياض الحزن سرا مكتما
*
* وشقت ثيابا كن سترا لأمرها
* فلما رآها الأقحوان تبسما
*
* خليلي هل من سامع ما أقوله
* فقد منع الجهال أن أتكلما
*

69
* عرفت المعالي قبل تعرف نفسها
* ولا سفرت وجها ولا فغرت فما
*
* وأوردتها ماء البلاغة منطقا
* فصارت لجيد الدهر عقدا منظما
*
* وكانت تناجيني بألسن حالها
* فأدرك سر الوحي منها توهما
*
* فما لليالي لا تقر بأنني
* خلقت لها منها بدورا وأنجما
*
* ورب جهول قال لو كان صاقا
* لأمكنت الأيام أن يتقدما
*
* ولم يدر أني لو أشاء حويتها
* ولكن صرفت النفس عنها تكرما
*
* أبى الله أن ألقى بخيلا بمدحة
* وقد جعل الشكوى إلى المدح سلما
*
* إذا المرء لم يحكم على النفس قادرا
* يمت غير مأجور ويحيا مذمما
*
* سلام على الماء الذي طاب موردا
* وإن صيرته وقفة الذل علقما
*
* فقد كنت لا أبغي سوى العز مطعما
* ولا أرتضي ماء ولو بلغ الظما
*
* وكنت متى مثلت للنفس حاجة
* أرى وجه إعراضي ولو كان أينما
*
* وأحسب أن الشيب غير حالتي
* وصير حلى الغانيات محرما
*
((332 - ابن سعد الخير
*
علي بن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن سعد الخير أبو الحسن الأنصاري البلنسي
كان مع تقدمه في العربية وتفننه في الآداب منسوبا إلى غفلة تغلب عليه وله رسائل بديعة وتواليف منها كتاب الحلل في شرح الجمل للزجاجي وكتاب جذوة البيان وفريدة العقيان وكتاب القرط على الكامل
وتوفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة رحمه الله تعالى
ومن شعره
* ألا سائل الركبان هل ظل لعلع
* كما كان مطلول الأصائل سجسجا
*
* وهل وردوا ماء العذيب مناهلا
* إذا صافحت كف النسيم تأرجا
*
* وعن جزعات الحي ما لي وما لها
* تجدد لي شوقا إذا الركب عرجا
*
* وعن أثلات الجزع هل مال ظلها
* وهل تخذت ريح الصبا منه مدرجا
*
* لئن ظمئت نفسي إليها فطالما
* وردت بمغناهن أشنب أفلجا
*

70
* بحيث يشف الستر عن ماء مبسم
* أرى باب صبري عنه أبهم مرتجا
*
وقال
* بأبي من بني الملوك غرير
* قد ترديت فيه برد التصابي
*
* ضاعفت حسنة ضفيرة شعر
* هي منه طراز برد الشباب
*
* تتلوى على الرداء مراحا
* كحباب ينساب فوق حباب
*
وقال في سحابة
* وسارية سحبت ذيلها
* وهزت على الأفق أعطافها
*
* تسل البروق بأرجائها
* كما سلت الزنج أسيافها
*
وقال
* بدا البدر في أفقه لابسا
* ثيابا من الشفق الأحمر
*
* فشبهته والدجى حائل
* عروسا تزف إلى أسمر
*
وقال في رمانة مفتحة
* وساكنة من ظلال الغصون
* بخدر تروقك أفنانه
*
* تضاحك أترابها عندما
* غدا الجو تدمع أجفانه
*
* كما فتح الليث فاه وقد
* تضرج بالدم أسنانه
*
وقال في إبرة في لباد أحمر
* ومخيط ضاق عنه وصفي
* يعجز عن فعله اليماني
*
* يكمن في لبدة ويبدو
* كالعرق في باطن اللسان
*
وقال في حقلة كتان اصطفت بها غربان
* ومخضرة الأرجاء قد طلها الندى
* وقابلها أنف الصبا بتنفس
*
* تبدى بها سطرا دقيقا كما بدت
* ضفيرة شعر فوق بردة سندس
*
وقال
* لله دولاب يفيض بسلسل
* في روضة قد أينعت أفنانا
*
* قد طارحته بها الحمائم شجوها
* فيجيبها ويرجع الألحانا
*
* فكأنه دنف يدور بمعهد
* يبكي ويسأل فيه عمن كانا
*
* ضاقت مجاري جفنه عن دمعه
* فتفتحت أضلاعه أجفانا
*

71
وقال في مليح أرمد وقد لبس ثيابا حمرا
* ومهفهف يجري بصفحة خده
* ولماه من ماء الحياة عبابه
*
* ما زال يهتك باللحاظ قلوبنا
* حتى تضرج طرفه وثيابه
*
* فبدا بحمرة ذا وحمرة هذه
* كالسيف يدمي حده وقرابه
*
((333 - ابن الثردة الواعظ))
علي بن إبراهيم بن علي بن معتوق بن عبد المجيد بن وفا المعروف ب ابن الثردة الواعظ الواسطي الأصل البغدادي المنشأ سألته عن مولده فقال بكرة الاثنين ثاني عشرين شعبان سنة سبع وتسعين وستمائة
قدم إلى دمشق مرات ووعظ بها ب الجامع الأموي ثم حصل له خلط سوداوي فتغير حاله وكان يدعي في هذه الحالة أنه كانت له ب بغداد كتب تقدير ألفي مجلدة وأن جماعة من التجار الذين قدموا دمشق اغتصبوها وقدموا بها إلى دمشق وأباعوها وكان ذلك كله من مخيلة السوداء فساءت حاله وأضرت به والتحق بعقلاء المجانين وكان يتخذ كارة يحملها تحت إبطه لا يفارقها ليلا ولا نهارا بحيث إنه كان إذا دخل الحمام أو الطهارة يكون جالسا وهي تحت إبطه وكلما وجد خيطا أو حبلا شدها به فلا تزال في نمو وزيادة وهو حاملها وكان يقول لو دفع لي فيها ملك مصر ما أبعتها ويقول هي أشهى إلى من خاتمة الخير والله لو خيرت بين دخول الجنة
بلا كارتى أو دخول النار وكارتى معي اخترت دخول النار على دخول الجنة وكان ينظم الشعر الجيد في هذه الحالة وكان إذا دفع إليه أحد شيئا من دراهم أو غيرها لا يقبل منه لأحد شيئا إلا بعد الجهد
وكانت وفاته بمارستان ابن سويد في أوائل سنة خمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى
ولما توفي فتحت كارته فما وجد فيها سوى جزاز بخطه وكراريس وعظيات وشعر تغزل وغيره

72
أنشدني لنفسه
* أضحى جمالك للورى أعجوبة
* كل الورى قد قيدوا بقياده
*
* فوحق من سواك يا بدر الدجى
* ما أنت إلا فتنة لعباده
*
وقال
* لي حبيب خياله نصب عيني
* أينما كنت وجهه مرآتي
*
* يتجلى لطور سيناء قلبي
* فتراني أخر من صعقاتي
*
* ليتني لا عدمته من حبيب
* أتراءاه من جميع جهاتي
*
* وإذا لاح أو تجلى لعيني
* كدت أقضي من شدة الحسرات
*
* هو ناري وجنتي ومماتي
* وحياتي في السر والخلوات
*
* لست مهما حييت أنساه أصلا
* لا ولا ساعة من الساعات
*
وأنشدني لنفسه
* سبحان من أبدى جمالك للورى
* عجبا يحار العقل في تصويره
*
* وصفوك غاية وصفهم لكنهم
* لم يدركوا مقدار عشر عشيرة
*
* لو كان يوسف في زمانك فقته
* حسنا وكنت تكون فوق سريره
*
* إعطف على عبد ملكت قياده
* فالعبد لم يرحمه غير أميره
*
وأنشدني لنفسه
* يا دار علوة لا عداك غمام
* مني عليك تحية وسلام
*
* فلقد تقضت لي بربعك عيشة
* زمن الصبا إذ لست فيك ألام
*
* مع فتية حلوا ببطحاء الحمى
* ولهم بقلبي مربع ومقام
*
* يحمون بالبيض النزيل حمية
* ومن استجار بهم فليس يضام
*
* أنظر إليهم كيف تضرم نارهم
* للطارقين إذا ألم ظلام
*
* ترهم إذا ما الليل جن عليهم
* وهم سجود في الدجى وقيام
*
* لولاهم ما كان يعرف ما الهوى
* كلا ولا بيع النفوس يسام
*
وقال أيضا عفا الله عنه
* بالجامع الأموي ظبي أهيف
* ما في الملاح كحسنه وجماله
*
* هو بدر تم والقلوب بروجه
* يخفي البدور بنور عز جلاله
*
* وإذا تثنى مائسا في مشيه
* فضح الغصون بلينه ودلاله
*

73
وقال
* ولما تجلى من أحب لناظري
* خررت من الأشواق صعقا إلى الأرض
*
* وإني لأتلو ذكره وحديثه
* وسمعي به يلتذ في النفل والفرض
*
وقال مواليا
* لك وجه يحكي فتات السكر المصري
* وقد يشبه قضيب البان لي يمري)
* وردف ما ريت مثله قط في عصري
* يا ليته حظ علي بن الثردة المقري
*
وأنشدني لنفسه من موشح
* أيها النائم كم هذا الرقاد
* انتبه كم نوم
*
* انتبه من ذا الكرى يا ذا الجماد
* تلتحق بالقوم
*
* وتأهب لغد يوم المعاد
* يا له من يوم
*
* وافعل الخير لتحظى بالنجاح
* لا تكن كسلان
*
* واجتهد فالمجتهد يلقى الفلاح
* ويرى الإحسان
*
* قد تقضى العمر دع لهو الصبا
* أيها الغافل
*
* لا تكن ممن إلى الجهل صبا
* تعس الجاهل
*
* كل شيء تهب الدنيا هبا
* ليس بالطائل
*
* كم حريص خلف الدنيا وراح
* لابس الأكفان
*
* وأخو الفقر توفى فاستراح
* قلبه التعبان
*

74
((334 - المكتفي بالله))
علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب هو أمير المؤمنين المكتفي بالله بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور الهاشمي العباسي
ولد سنة أربع وستين ومائتين وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين
كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وكانت أيامه ست سنين ونصف ومات شابا في ذي القعدة وخلف مائة ألف ألف دينار عينا وأمتعة وعقارا وأواني بمثلها وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب المترف لنعمة جسمه وحسنه وكان نقش خاتمه اعتمادي على الذي خلقني
ومن شعره
* من لي بأن تعلم ما ألقى
* فتعرف الصبوة والعشقا
*
* ما زال لي عبدا وحبي له
* صيرني عبدا له حقا
*
* أعتق من رقى ولكنني
* من حبه لا آمن العتقا
*
وله أيضا
* تلطف في رسولك يا أميري
* فإني من رسولك في غرور
*
* أحمله رسالاتي فينسى
* ويبلغك القليل مع الكثير
*
* وأرسل من إذا لحظته عيني
* حكى لي طرفه ما في ضميري
*
* إذا كان الرسول كذا بليدا
* تقطعت الجوانح في الصدور
*
وفي المكتفى هذا يقول ابن المعتز
* قايست بين جمالها وفعالها
* فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي
*

75
* والله لا كلمتها لو أنها
* كالشمس أو كالبدر أو ك المكتفي
*
وما أحسن قول ابن سناء الملك
* وملية بالحسن يسخر وجهها
* بالبدر يهزأ ريقها ب القرقف
*
* لا أرتضي بالشمس في تشبيهها
* والبدر بل لا أكتفي بالمكتفي
*
((335 - الحريري شيخ الطائفة))
علي بن الحسن بن منصور الشيخ أبو الحسن الحريري قال الشيخ شمس الدين شيخ الفقراء الحريرية أولى الطيبة والسماعات والمشاهد كان له شأن عجيب ونبأ غريب وهو حوراني من عشيرة يقال لهم بنو الزمان بقرية بسر وقدم دمشق صبيا ونشأ بها وذكر هو أنه من قوم يعرفون ب بني قرقر وكانت أمه دمشقية من ذرية الأمير قرواش بن المسيب العقيلي وكان خاله صاحب دكان في الصاغة
توفي والده وهو صغير ونشأ في حجر عمه وتعلم صناعة العتابي وبرع فيها حتى فاق الأقران ثم صحب الشيخ أبا علي المغربل خادم الشيخ رسلان
قال الحافظ سيف الدين بن المجد علي الحريري وطئ أرض الجبل ولم يمكنه المقام بها والحمد لله
كان من أفتن شيء وأضره على الإسلام تظهر منه الزندقة والاستهزاء بأوامر الشرع ونواهيه بلغني من الثقات عنه أشياء يستعظم ذكرها من الزندقة والجرأة على الله تعالى وكان مستخفا بأمر الصلاة وانتهاك الحرمات
ثم قال حدثني رجل أن شخصا دخل الحمام فرأى الحريري في الحمام ومعه صبيان حسان بلا مآرز فجاء إليه وقال ما هذا فقال كأن ليس سوى هذا وأشار إلى أحدهم تمدد على وجهك فتمدد فتركه الرجل وخرج هاربا مما رأى

76
قال الشيخ شمس الدين رأيت جزءا من كلامه من جملته إذا دخل مريدي بلد الروم فتنصر وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر كان في شغلي
وسأله رجل أي الطرقات أقرب إلى الله حتى أسير فيه فقال له اترك السير قد وصلت وهذا مثل قول العفيف التلمساني
* فلسوف تعلم أن سيرك لم يكن
* إلا إليك إذا بلغت المنزلا
*
وقال لأصحابه بايعوني على أن نموت يهود ونحشر إلى النار حتى لا يصاحبني أحد لعلة
وقال ما يحسن بالفقير أن ينهزم من شيء وإذا خاف من شيء قصده
وقال لو قدم على من قتل ولدي وهو بذلك طيب كنت أطيب منه
ومن شعره في ذلك الجزء
* أمرد يقدم مداسي
* أخير من رضوانكم
*
* وربع قحبة عندي
* أحسن من الولدان
*
* قالوا أنت تدعي صالح
* دع عنك هذي الزندقة
*
* قلت السماع يصلح لي
* بالشمع والمردان
*
* ما أعرف لآدم طاعة
* إلا سجود الملايكة
*
* ما أعرف آدم عصى الله
* يعظم الرحمن
*
وله
* إن كنت أقجي تقدم
* وإن كنت رماح انته
*
* وإن كنت حشو المخدة
* اخرج ورد الباب
*
* أود أشتهي قبل موتي
* أعشق ولو صورة حجر
*
* أنا مثكل محير
* والعشق بي مشغول
*
ومن شعره
* كم تتعبني بصحبة الأجساد
* كم تسهرني بلذة الميعاد
*
* جد لي بمدامه تقوي رمقي
* والجنة جد بها على الزهاد
*
وكان يلبس الطويل والقصير والمدورة والمفرج والأبيض والأسود والقلنسوة وحدها وثوب المرأة والمطرز والملون
وذكر بهاء الدين يوسف بن أحمد بن العجمي أن القاضي مجد الدين بن

77
العديم حدثه عن أبيه قال كنت أكره الحريري وطريقه فاتفق أن حججت وحج الحريري ومعه جماعة مردان فأحرموا وبقوا تبدو منهم في الإحرام أمور منكرة فحضرت يوما عند أمير الحاج فجاء الحريري واتفق حضور إنسان بعلبكي ومعه ملاعق ففرق علينا كل واحد ملعقتين ملعقتين وأعطى الشيخ على الحريري واحدة فأعطاه الجماعة ملاعقهم تكرمه له وأما أنا فلم أعطه ملعقتي فقال لي يا كمال الدين لم لا توافق الجماعة فقلت ما أعطيك شيئا فقال الساعة نكسرهما قال والملعقتان على ركبتي قال فنظر إليهما وإذا بهما قد انكسرتا كل واحدة شقفتين فقلت ومع هذا فلا أرجع عن أمري فيك وهذا من الشيطان أو قال هذا حال شيطاني
وذكر النسابة في تعاليقه قال وفي سنة ثمان وعشرين وستمائة أمر الصالح بطلب الحريري واعتقاله فهرب إلى بسر وسببه أن ابن الصلاح وابن عبد السلام وابن الحاجب
أفتوا بقتله لما اشتهر عنه من الإباحة وقذف الأنبياء والفسق وترك الصلاة
وقال الملك الصالح أعرف منه أكثر من هذا
وسجن الوالي جماعة من أصحابه وتبرأ منه أصحابه وشتموه ثم طلب وحبس ب غزتا فجعل أناس يترددون إليه فأنكر الفقهاء ذلك وسألوا الوزير ابن مرزوق أن يعمل الواجب فيه وإلا قتلناه نحن وكان ابن الصلاح يدعو عليه في أثناء كل صلاة بالجامع جهرا وكتب جماعة من أصحابه بالبراءة منه
ولما مات سنة خمس وأربعين وستمائة سن أصحابه المحيا في شهر رمضان كل ليلة سبع وعشرين وهي من ليالي القدر فيحيون تلك الليلة الشريفة بالدفوف والشبابات والملاح بالرقص إلى السحر وفي ذلك يقول علاء الدين الوداعي
* حاز الحريري فضلا
* لميت ما تهيا
*
* في كل ليلة قدر
* يرى له الناس محيا
*
وفيه يقول سيف الدين المشد
* سمعت بأن حبركم عليا
* حباه الله منه بالحبور
*
* إذا حضر السماع يتيه عجبا
* بما أوتيه من عزم الأمور
*

78
* فلا تولوه تعنيفا ولوما
* فما تدرون أسرار الصدور
*
* ومن ذا في السماع له مقام
* إذا سمعت مقامات الحريري
*
ورثاه النجم بن إسرائيل بقصيدته التي أولها
* خطب كما شاء الإله جليل
* ذهلت لديه بصائر وعقول
*
* ومصيبة كسفت لها شمس الضحى
* وهفا ببدر المكرمات أفول
*
* وكبا زناد المجد وانفصمت عرى ال
* علياء واغتال الفضائل غول
*
* وتنكرت سبل المعارف واغتدت
* غفلا وأقفر ربعها المأهول
*
* ومضت بشاشة كل شيء وانقضت
* فالوقت قبض والزمان عليل
*
* وعلا ملاحات الوجود سماجة
* وخفيف تلك الكائنات ثقيل
*
* والروض أغبر والمياه أواجن
* ومعاطف الأغصان ليس تميل
*
* والشمع والألحان لا نور ولا
* طرب وليس على الشهود قبول
*
* خطب ألم بكل قطر نعيه
* كادت له شم الجبال تزول
*
* فعلى المعاني والعلوم كآبة
* وعلى الحقائق ذلة وخمول
*
* والسالكون سطت عليهم حيرة
* وغوى لهم لهم نهج وضل سبيل
*
* والعارفون تنكرت أحوالهم
* فحجاب عين قلوبهم مسدول
*
* ودنان خمر الحب قد ختمت وبا
* ب الحان مهجور الفنا مملول
*
* ما كنت أعلم والحوادث جمة
* والناس فيهم عالم وجهول
*
* أن الدجى لبس الحداد توقعا
* لمصابه قدما وذاك قليل
*
* أو أن صوب المزن حين همي على
* عفر الثرى دمع عليه يسيل
*
* أو أن صوت الرعد حنة فاقد
* فقد العلا فله عليه عويل
*
* أو أن قلب البرق يخفق روعة
* لسماع ما ناعى علاه يقول
*
* أإمامنا يا أوحد العصر الذي
* ما إن له فيمن نراه عديل
*
* يا سيدا ملك القلوب فكلها
* عن حق طاعة أمره مسؤول
*
* من يبرد المهج الحرار ومن لها
* ببلوغ آمال الوصال كفيل
*
* أمن يدل السالكين إلى حمى
* ليلي وقد ضل السبيل دليل
*
* أمن يقول الحق لا متخوفا
* حيث النفوس على السيوف تسيل
*

79
* أمن يحل المشكلات بلفظة
* يرضى بها المنقول والمعقول
*
* أمن يفي بضمان حان مدامة
* حبل النجاة بدنها موصول
*
* أمن يبيح المفلسين سلافها
* ويجول بين دنانها ويصول
*
* أمن يهيم به الجمال صبابة
* فكأنما رب الجمال جميل
*
* يصبو إليه قلب من هو عند أر
* باب القلوب معشق مقبول
*
* من كل فتاك اللواحظ ما رنا
* إلا تشحط في الدماء قتيل
*
* نشوان عسال المعاطف فاتر ال
* أجفان خمر رضابه معسول
*
* بهواه لا يصغي لقول مفند
* أبدا ولا يثنيه عنه عذول
*
* وغريرة الألحاظ ناعمة الصبا
* ريا الإزار وخصرها مهزول
*
* حوراء مائسة المعاطف طرفها
* سيف على عشاقها مسلول
*
* كل يهيم بحبه وكذاك من
* ملك الإرادة أمره المفعول
*
* مولاي دعوة من دعته مصيبة
* غطت عليه فعقله معقول
*
* حاشا علاك من الممات وإنما
* هي نقلة فيها المنى والسول
*
* ناداك من أحببته فأجبته
* وأتاك منه بالقبول رسول
*
* وحننت نحو حماك حنة صادق
* لم يقتطعه عن حماك بديل
*
* فخلعت هيكلك السعيد مطهرا
* تبدو عليه نضرة وقبول
*
* جسد خلا وحلا وخف كأنما
* قد ضم منه الحامل المحمول
*
* حتى حللت محلك الأعلى الذي
* ما بعده بعد ولا تحويل
*
* فهناك عرس للوصال مجدد
* وسعادة تبقى وليس تزول
*
* جادت ثراك من السحائب ثرة
* وكفت دموع قد وكفن همول
*
* وتعاهدتك تحية وكرامة
* منه يروح بها صبا وقبول
*
* وعدت علينا من حماك تحية
* وبحسبنا من تربك التقبيل
*
واتفق أن ليلة وفاته كانت شاتية مثلجة فقال ابن إسرائيل
* بكت السماء عليه ساعة دفنه
* بمدامع كاللؤلؤ المنثور
*
* وأظنها فرحت بمصعد روحه
* لما سمت وتعلقت بالنور
* أوليس دمع الغيث يهمي باردا
* وكذا تكون مدامع المسرور
*

80
((336 - المسعودي صاحب التاريخ))
علي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودي المؤرخ من ذرية عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه
قال الشيخ شمس الدين عداده في البغداديين وأقام ب مصر مدة وكان أخباريا علامة صاحب غرائب وملح ونوادر مات سنة ست وأربعين وثلاثمائة
وله من التصانيف كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحف الأشراف والملوك وكتاب ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور وكتاب الرسائل والاستذكار لما مر في سالف الأعصار وكتاب التاريخ في أخبار الأمم من العرب والعجم وكتاب التنبيه والإشراف وكتاب خزائن الملك وسر العالمين وكتاب المقالات في أصول الديانات وكتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان وكتاب البيان في أسماء الأئمة وكتاب الخوارج
((337 - ابن هندو))
علي بن الحسين بن هندو أبو الفرج الكاتب الأديب الشاعر له رسائل مدونة وكان أحد كتاب الإنشاء في ديوان عضد الدولة وكان متفلسفا قرأ كتب الأوائل على أبي الحسن العامري بنيسابور ثم على أبي الخير بن

81
الخمار وكان يلبس الدراعة على رسم الكتاب وكانت وفاته بجرجان في سنة عشرين وأربعمائة
وكان به ضرب من السوداء وكان قليل القدرة على شرب النبيذ فاتفق أنه كان يوما عند أبي الفتح بن أبي علي حمد بن أحمد كاتب قابوس فتناشدوا الأشعار وحضر الغداء فأكلوا وانتقلوا إلى مجلس الشراب فلم يطق ابن هندو المساعدة على ذلك فكتب في رقعة ودفعها إليه
* قد كفاني من المدام شميم
* صالحتني النهى وتاب الغريم
*
* هي جهد العقول سمي راحا
* مثلما قيل للديغ سليم
*
* إن تكن جنة النعيم ففيها
* من أذى السكر والخمار جحيم
*
فلما قرأها ضحك وأعفاه من السكر
ومن شعره
* أرى الخمر نارا والنفوس جواهرا
* فإن شربت أبدت طباع الجواهر
*
* فلا تفضحن النفس يوما بشربها
* إذا لم تثق منها بحسن السرائر
*
وقال
* عابوه لما التحى فقلنا
* عبتم وغبتم عن الجمال
*
* هذا غزال ولا عجيب
* تولد المسك في الغزال
*
وقال
* حللت وقاري في شادن
* عيون الأنام بع تعقد
*
* غدا وجهه كعبة للجمال
* ولي قلبه الحجر الأسود
*
وقال
* ضعت بأرض الري في أهلها
* ضياع حرف الراء في اللثغة
*

82
* صرت بها بعد بلوغ المنى
* أجهد أن تبلغ بي البلغة
*
وقال
* لا يؤيسنك عن مجد تباعده
* فإن للمجد تدريجا وترتيبا
*
* إن القناة التي شاهدت رفعتها
* تنمي وتنبت أنبوبا فأنبوبا
*
وقال
* وساق تقلد لما أتى
* حمائل زق ملاه شمولا
*
* فلله درك من فارس
* تقلد سيفا يقد العقولا
*
وقال
* كل ما لي فهو رهن ما له
* من فكاك في مساء وابتكار
*
* ففؤادي أبدا رهن هوى
* وردائي أبدا رهن عقار
*
* فدع التفنيد يا صالح لنا
* إنما الربح لأصحاب الخسار
*
* لو ترى ثوبي مصبوغا بها
* قلت ذميا تبدى في غيار
*
* ولقد أمرح في شرخ الصبا
* مرح المهرة في ثنى العذار
*
وقال
* كفى فؤادي عذاره حرقه
* وكف عين بدمعها غرقه
*
* ما خط حرف من العذار به
* إلا محي من جماله ورقه
*
وقال
* يا من محياه كاسمه حسن
* إن غاب عني فليس لي وسن
*
* قد كنت قبل العذار في محن
* حتى تبدى فزادت المحن
*
* يا شعرات جميعها فتن
* يتيه في وصف كنهها الفطن
*
* ما غيروا من عذاره سفها
* قد كان غصنا فأورق الغصن
*

83
وقال
* أوحى لعارضه العذار فما
* أبقى على ورعي ولا نسكي
*
* وكأن نملأ قد دببن به
* غمست أكارعهن في مسك
*
وقال
* قولوا لهذا القمر البادي
* مالك إصلاحي وإفسادي
*
* زود فؤادا راحلا قبلة
* لا بد للراحل من زاد
*
وقال
* قالوا اشتغل عنهم يوما بغيرهم
* وخادع النفس إن النفس تنخدع
*
* قد صيغ قلبي على مقدار حبهم
* فما لحب سواه فيه متسع
*
قال الثعالبي قد اتفق لي معنى بديع لم أقدر أني سبقت إليه وهو
* قلبي وجدا مشتعل
* على الهموم مشتمل
*
* وقد كست جسمي الضنى
* ملابس الصب الغزل
*
* إنسانة فتانة
* بدر السما منها خجل
*
* إذا زنت عيني بها
* فبالدموع تغتسل
*
حتى أنشدت لابن هندو
* يقولون لي ما بال عينك إذ رأت
* محاسن هذا الظبي أدمعها هطل
*
* فقلت زنت عيني برؤية وجهه
* فكان لها من صوب أدمعها غسل
*
أخذ هذا المعنى ابن الساعاتي فقال
* جفني الذي يرد الكرى متأسنا
* كلف بفاتر جفنه المتوسن
*
* ولقد زنت عيني برؤية وجهه
* جهلا ورجم الدم حد المحصن
*
وما أحسن ما استعمل السراج الوراق هذا المعنى فقال
* ودموع في إثرهن دماء
* كانسكاب الولي بعد الوسم
*

84
* يتراكضن بين شهب وحمر
* والغواني يبكين حولي بدهم
*
* وزناء العيون تطهيره من
* شهب الدمع في الظلام برجم
*
وقال الشريف العقيلي
* افنض حمرة خده
* باللحظ طرفي إذ رنا
*
* فجدلته بدموعه
* والحد يلزم من زنا
*
وقال سيف الدين المشد
* تنبأ دمعي في ضلالة شعره
* ألم تره في فترة الجفن يرسل
*
* إذا ما زنا إنسان عيني بنظرة
* إلى حسنه يوما فبالدمع يغسل
*
وقال السراج الوراق
* يا نازح الطيف مر نومي يعاودني
* فقد بكيت لفقد النازحين دما
*
* أوجبت غسلا على عيني بأدمعها
* فكيف وهي التي لم تبلغ الحلما
*
وقال العفيف التلمساني
* قالوا أتبكي من بقلبك داره
* جهل العواذل داره بجميعي
*
* لم ابكه لكن لرؤية حسنه
* طهرت أجفاني بفيض دموعي
*
والأصل في هذا قول مجنون ليلى
* يقول رجال الحي تطمع أن ترى
* بعينك ليلى مت بداء المطامع
*
* وكيف ترى ليلى بعين ترى بها
* سواها وما طهرتها بالمدامع
*
ولابن هندو من المصنفات كتاب مفتاح الطب والمقالة المشوقة في المدخل إلى علم الفلك كتاب الكلم الروحانية من الحكم اليونانية والوساطة بين الزناة واللاطة هزلية وديوان شعره
((338 - الشريف العقيلي))
علي بن الحسين بن حيدرة بن محمد بن عبد الله بن محمد العقيلي ينتهي إلى عقيل بن أبي طالب ذكره ابن سعيد في كتاب المغرب وساق له قطعة

85
كبيرة من شعره وله أرجوزة طويلة ناقض فيها ابن المعتز في أرجوزته التي ذم فيها الصبوح ومدح الغبوق
ومن شعره
* استعجل بكرا عليها
* من الزجاج رداء
*
* فوجه يومك فيه
* من الملاحة ماء
*
ومنه
* قم فانحر الراح يوم النحر بالماء
* ولا تضح ضحى إلا بصهباء
*
* أدرك حجيج الندامى قبل نفرهم
* إلى منى قصفهم مع كل هيفاء
*
* وعج على مكة الروحاء مبتكرا
* وطف بها حول ركن العود والناء
*
وقال
* وقائل ما الملك قلت الغنى
* فقال لا بل راحة القلب
*
* وصون ماء الوجه عن بذله
* في نيل ما ينفذ عن قرب
*
وقال
* قم هاتها وردية ذهبية
* تبدو فتحبسها عقيقا ذابا
*
* أو ما ترى حسن الهلال كأنه
* لما تبدى حاجبا قد شابا
*
وقال
* وبركة قد أفادنا عجبا
* ما ماج من مائها وما انسكبا
*
* من حول فوارة مركبة
* قد انحنى ظهر مائها تعبا
*
وقال
* ولما أقلعت سفن المطايا
* بريح الوجد في لجج السراب
*
* جرى نظري وراءهم إلى أن
* تكسر بين أمواج الهضاب
*

86
وقال
* وهات زواهر الكاسات ملأى
* إلى الحافات بالذهب المذاب
*
* فكير الجو يوقد نار برق
* إذا خمدت تدخن بالضباب
*
وقال
* يا من يدلس بالخضاب مشيبه
* إن المدلس لا يزال مريبا
*
* هب ياسمين الشيب عاد بنفسجا
* أيعود عرجون القوام قضيبا
*
وقال
* أذهبت فضة خده بعتابي
* ونثرت در دموعه بخطابي
*
* ظبي جعلت كناسه قلبي فلم
* أعقل لصيد سواه قبل طلابي
*
* فزهى على ومر يسحب ذيله
* بين التكبير منه والإعجاب
*
* فحلفت أنى إن ظفرت بخده
* لأرصعن مدامه بحباب
*
وقال
* إشرب على ذهبية
* صفراء كالذهب المذاب
*
* فالجلنار خلوقة
* قد غاب في مسك الضباب
*
وقال
* أعتق من الهم رق قلبي
* بعاتق ثوبها الزجاج
*
* بين رياض مزخرفات
* لماء في خلجها اختلاج
*
* فليس يدنو إليك غصن
* بمفرق ليس فيه تاج
*
وقال
* يا ذا الذي يبسم عن مثل ما
* لائحة يلمع في عقده
*
* ومن له خد غدا حائزا
* شقائق النعمان من ورده
*
* اثن عنان الهجر عن عاشق
* قد طال ركض الدمع في خده
*

87
وقال
* سوالف سوسن وخدود ورد
* وأعين نرجس وجباه غدر
*
* محاسن ليس ترضى عن نديم
* إذا لم يقض واجبها بشكر
*
وقال
* قد أوقد الزهر مصابيحه
* وصير القضب فوانيسا
*
* فأغن بالراح ندامى غدوا
* من المسرات مفاليسا
*
* ما دام قد صار نعام الربا
* من نعم السحب طواويسا
*
وقال
* أهيف يستعطف لحظ القنا
* إن كان غضبان بأعطافه
*
* إذا التثني عصفت ريحه
* تلاطمت أمواج أردافه
*
وقال
* والأقحوان غصونه
* بيض النواصي والمفارق
*
* ومراود الأمطار قد
* كحلت بها حدق الحدائق
*
وقال
* منعم حلية اللحاظ إذا
* أقبل تجري إليه في طلق
*
* كأنما وجهه لكثرة ما
* فيه من الحسن موسم الحدق
*
وقال
* أنر بصبح الوصل عيشي فقد
* صيره ليل القلى مظلما
*
* وارث لمن أفلاك أجفانه
* تطلع من أدمعة أنجما
*
وقال
* ألذ مودات الرجال مذاقة
* مودة من إن ضيق الدهر وسعا
*

88
* فلا تلبس الود الذي هو ساذج
* إذا لم يكن بالمكرمات مرصعا
*
وقال
* ناحت فواخت سحب وكرها الفلك
* بكاؤها لطواويس الربا ضحك
*
* وأنجم النبت تجلي في ملابسها
* جيد السماء التي أقمارها البرك
*
* والورد ما بين أنهار مدرجة
* كأنه شفق من حوله حبك
*
* فسقنا من عصير الكرم صافية
* كأنها الذهب الإبريز منسبك
*
* يبدي المزاج على حافاتها حببا
* كأنه من حرير أبيض شبك
*
وقال
* رشأ تنعم العيون بما في
* خده من شقائق النعمان
*
* ما التقى حسنه بنا قط إلا
* ردنا عن محجة السلوان
*
وقال
* جعلت مهجتي الفداء لغصن
* إن تثنى تثنى القلوب إليه
*
* كلما لاح وجهه في مكان
* كثرت زحمة العيون عليه
*
وقال
* قطع قلبي بمدية التيه
* وذر من ملح صده فيه
*
* ولفه في رقاق جفوته
* وقطع البقل من تجنيه
*
* وقال لي كل فقلت آكل ما
* أمرض قلبي به وأوذيه
*
وقال
* نحن المحاسن في الدنيا إذا سفرت
* حتى إذا ابتسمت كنا ثناياها
*
* عصابة ما رأى جيد الزمان له
* قلائدا هي أبهى من سجاياها
*
* لم يخلق الله شيئا قط أكثر من
* حاجات قصادها إلا عطاياها
*

89
((339 - نجم الدين القحفازي))
علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة بن عبد الملك ينتهي نسبه إلى الزبير بن العوام الشيخ الإمام العلامة الفريد الكامل نجم الدين أبو الحسن ابن القاضي عماد الدين القرشي القحفازي شيخ أهل دمشق في عصره خصوصا في العربية قرأ عليه الطلبة وانتفع به الجماعة وله النظم والنثر والكتابة المليحة الفائقة وله التنديب الحلو والنوادر الظريفة والحكايات المطبوعة
سمعته يوما يقول لمنصور الكتبي رحمه الله تعالى يا شيخ منصور هذا أوان الحجاج اشترى لك منهم مائتي جراب وارمها خلف ظهرك إلى وقت موسمها تكسب فيها جملة
فقال والله الذي يشتغل عليك في العلم يحفظ حرفا قدره عشر مرات
وأنشد يوما للجماعة الذين يشتغلون عليه لغزا وهو
* يا أيها الحبر الذي
* علم العروض به امتزج
*
* أبن لنا دائرة
* فيها بسيط وهزج
*
ففكر الجماعة زمانا فقال واحد منهم هذه الساقية فقال دورت فيها زمانا حتى ظهرت لك يريد أنه ثور يدور في الساقية
وقيل إنه لما عمر الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى الجامع الذي له بدمشق المحروسة عينوا له شخصا من الحنفية يلقب ب الكشك ليكون خطيبا فلما كان يوما وهو يمشي في الجامع أجروا له ذكر الشيخ نجم الدين القحفازي وذكر فضائله وأنه في الحنفية مثل الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني في الشافعية فأحضره وتحدثا ثم قال له وهم
في الجامع يمشون أيش تقول في هذا الجامع فقال مليح وصحن مليح ولكن ما يليق أن يكون فيه كشك

90
فأعجب ذلك الأمير سيف الدين تنكز ورسم له بخطابة الجامع المذكور ثم بعد مدة رسم له بتدريس الركنية فباشرها مديدة ثم نزل عنها وقال لها شرط لا أقوم به ومعلومها في الشهر جملة تركه تورعا
وكان يعرف الإسطرلاب جيدا ويحل التقاويم وكان فريد عصره وكان يشتغل في مذهبه الحنفي وفي مختصر ابن الحاجب وفي الحاجبية والمقرب ويعرفهما جيدا إلى الغاية وفي ضوء المصباح وغيره من كتب المعاني والبيان
مولده ثالث عشر جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة ووفاته في شهور سنة أربع وأربعين وسبعمائة
ومن شعره في جارية اسمها قلوب
* عاتبني في حبكم عاذل
* يزعم نصحي وهو فيه كذوب
*
* وقال ما في قلبك اذكره لي
* فقلت في قلبي المعنى قلوب
*
وقال في مليح نحوي
* أضمرت في القلب هوى شادن
* مشتغل في النحو لا ينصف
*
* وصفت ما أضمرت يوما له
* فقال لي المضمر لا يوصف
*
ولما ظفر قازان سنة تسع وتسعين وستمائة ثم جاء في سنة اثنتين وسبعمائة فكسر وقازان اسم القدر فقال الشيخ نجم الدين
* لما غدا قازان فخارا بما
* قد نال بالأمس وأغراه البطر
*
* جاء يرجي مثلها ثانية
* فانقلب الدست عليه فانكسر
*
وقال عند قدوم الحاج وأنشدت بدار الحديث الأشرفية
* يا نياق الحجيج لا ذقت سهدا
* بعدها لا ولا تجشمت وخدا
*
* لا فدينا سواك بالروح منا
* أنت أولى من بات بالروح يفدي
*
* يا بنات الذميل كيف تركتنن
* شعاب الغضا وسلعا ونجدا
*
* مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا
* بوجوه رأت معالم سعدى
*

91
ولما ذهب بدر الدين بن بصخان مع الجفال إلى مصر أقام هناك فكتب إليه
* يا غائبا قد كنت أحسب قلبه
* بسوى دمشق وأهلها لا يعلق
*
* إن كان صدك نيل مصر عنهم
* لا غرو فهو لنا العدو الأزرق
*
وكان في فقهاء الشافعية شخص يسمى شهاب الدين التعجيزي وينظم شعرا في عمه فعمل أبياتا في شخص كان يحبه وكتبها لي أولها
* أيها المعرض لا عن سببا
* أصلحك الله وصالي الأربا
*
وفي هذا ما يغني عن باقيها فكتبت إليه
* يا شهابا أهدى إلى قريضا
* خاليا عن تعسف الألغاز
*
* جاءني مؤذنا برقة طبع
* حين رشحته بباب المجاز
*
* إن تكن رمت عنه منى جزاء
* فأقلني فلست ممن أجازي
*
ومن شعر شهاب الدين المذكور
* يا سن يا شيع إني بينكم وسط
* مذبذبا لا إلى هولي ولا ثمت
*
* وفي القيامة على الأعراف منقعد
* وانتظر منكم من يدخل الجنت
*
* فإن دخلتم فإني داخل معكم
* وإن صفعتم فإني قاعد سكت
*
((340 - ابن ظافر الأزدي))
علي بن ظافر بن حسين الفقيه الوزير جمال الدين أبو الحسن الأزدي المصري ابن العلامة أبي منصور
ولد سنة سبع وستين وخمسمائة وتفقه على والده
وتوفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة

92
قرأ الأدب وبرع فيه وقرأ على والده الأصول وبرع في علم التاريخ وأخبار الملوك وحفظ في ذلك جملة وافرة
ودرس بمدرسة المالكية بمصر بعد أبيه وترسل إلى الديوان العزيز وولي وزارة الملك الأشرف ثم انصرف عنه ودخل مصر وولى وكالة بيت المال مدة
وكان متوقد الخاطر طلق العبارة ومع تعلقه بالدنيا له ميل كثير إلى أهل الآخرة محبا لأهل الدين والصلاح
أقبل في آخر عمره على مطالعه الأحاديث النبوية وأدمن النظر فيها روى عنه القوصي وغيره وله تواليف منها الدول المنقطعة وهو كتاب مفيد جدا في بابه وبدائع البدائة والذيل عليه وأخبار الشجعان وأخبار الملوك السلجوقية وأساس السياسة ونفائس الذخيرة ولم يكمل ولو كمل ما كان في الأدب مثله وكتاب التشبيهات وكتاب من أصيب وابتدأ بعلي رضي الله عنه وغير ذلك
ومن شعره
* إني لأعجب من حبي أكتمه
* جهدي وجفني بفيض الدمع يعلنه
*
* وكون من أنا أهواه وأعشقه
* يخرب القلب عمدا وهو يسكنه
*
* وأعجب الكل أمرا أن مبسمه
* من أصغر الدر جرما وهو أثمنه
*
وله أيضا
* كم من دم يوم النوى مطلول
* بين رسوم الحي والطلول
*
* بانوا فلا جسم ولا ربع لهم
* إلا رماه البين بالنحول
*
* يا راحلين والفؤاد معهم
* مسابق في أول الرعيل
*
* ردوا فؤادي إنه ما باعكم
* إياه إلا طرفي الفضولي
*
* ورب ظبي منكم يخاف من
* سطوة عينيه أسود الغيل
*
* أنار منه الوجه حتى كدت أن
* أقول لولا الدين بالحلول
*
* ينقص بالعلة كل كامل
* في الحسن غير لحظه العليل
*
وقال في بدائع البدائة اجتمعنا ليلة من ليالي رمضان بالجامع فجلسنا بعد انقضاء الصلاة للحديث وقد وقد فانوس السحور فاقترح بعض الحضور على

93
الأديب أبي الحجاج يوسف بن علي المعروف بالنعجة أن يصنع قطعة في فانوس السحور وإنما طلب بذلك إظهار عجزه فصنع
* ونجم من الفانوس يشرق ضوءه
* ولكنه دون الكواكب لا يسري
*
* ولم أر نجما قط قبل طلوعه
* إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر
*
فقلت له هذا التعجب لا يصح لأنا قد رأينا نجوما لا تدخل تحت الحصر ولا تحصى بالعدد إذا غارت تنهى الصائمين عن الفطر وهي نجوم الصباح فأسرف الجماعة في تقريعه وأخذوا في تمزيق عرضه وتقطيعه فصنع أيضا
* هذا لواء سحور يستضاء به
* وعسكر الشهب في الظلماء جرار
*
* والصائمون جميعا يهتدون به
* كأنه علم في وسطه نار
*
ولما أصبحنا سمع من كان غائبا من أصحابنا ما جرى بيننا فصنع الرشيد أبو عبد الله محمد بن منانو رحمه الله تعالى
* أحبب بفانوس غدا صاعدا
* وضوءه دان من العين
*
* يقضي بصوم وبفطر معا
* فقد حوى وصف الهلالين
*
وصنع الفقيه أبو محمد العقيلي
* وكوكب من ضرام الزند مطلعه
* تسري النجوم ولا يسري إذا رقبا
*
* يراقب الصبح خوفا أن يفاجئه
* فإن بدا طالعا في أفقه غربا
*
* كأنه عاشق وافي على شرف
* يرعى الحبيب فإن لاح الرقيب خبا
*
ثم إني صنعت بعد ذلك
* ألست ترى شخص المنار وعوده
* عليه لفانوس السحور لهيب
*
* كحامل منظوم الأنابيب أسمر
* عليه سنان بالدماء خضيب
*
* ترى بين زهر الزهر منه شقيقة
* لها العود غصن والمنار كثيب
*

94
* وتبدو كخد أحمر والدجى لمى
* بدا فيه ثغر للنجوم شنيب
*
* كأن لزنجي الدجى من لهيبه
* ومن خفقه قلب عراه وجيب
*
* تراه يراعي الشهب ليلا فإن دنا
* طلوع صباح حان منه غروب
*
* فهل كان يرعاها لعشق ففر إذ
* درى أن رومي الصباح رقيب
*
وقلت في اختصار المعنى الأول من هذه القطعة
* انظر إلى المنار
* والفانوس فيه يرفع
*
* كحامل رمحا سنانه
* خضيب يلمع
*
وقلت
* ألست ترى حسن المنار ونوره
* يرفع من جنح الدجنة أستارا
*
* تراه إذا جن الظلام مراقبا
* له مضرما في قلب فانوسه نارا
*
* كصب بخود من بني الزنج سامها
* وصالا وقد أبدى لترغب دينارا
*
وقلت
* وليلة صوم قد سهرت بجنحها
* على أنها من طيبها تفضل الدهرا
*
* حكى الليل فيها سقف ساج مسمرا
* من الشهب قد أضحت مساميره تبرا
*
* وقام المنار المشرق اللون حاملا
* لفانوسه والليل قد أظهر الزهرا
*
* كما قام رومي بكأس مدامة
* وحيا بها زنجية وشحت درا
* وحين صنعت هذه القطع صنع شهاب الدين يعقوب
* رأيت المنار وجنح الظلام
* من الجو يسدل أستاره
*
* وحلق في الجو فانوسه
* فذهب بالنور أقطاره
*
* فقلت المحلق قد شب في
* ظلام الدجى للقرى ناره
*
* وخلت الثريا يدا والنجوم
* ورقا غدا البدر قسطاره
*
* وخلت المنار وفانوسه
* فتى قام يصرف ديناره
*

95
وأنشدني كمال الدين بن نبيه لنفسه
* حبذا في الصيام مئذنة الجامع
* والليل مسبل أذياله
*
* خلتها والفانوس إذ رفعته
* صائدا واقفا لصيد الغزاله
*
وأنشدني أبو القاسم نفطويه لنفسه
* يا حبذا رؤية الفانوس في شرف
* لمن يريد سحورا وهو يتقد
*
* كأنما الليل والفانوس مرتفع
* في الجو أعور زنجي به رمد
*
وله أيضا
* نصبوا لواء للسحور وأوقدوا
* من فوقه نارا لمن يترصد
*
* فكأنه سبابة قد قمعت
* ذهبا فأومت في الدجى تتشهد
*
وأنشدني أبو يحيى السيولي لنفسه
* وليلة ملئت أسدافها لعسا
* واستوضحت غرر من زهرها شنبا
*
* ولاح كوكب فانوس السحور على
* إنسان مقلتها النجلاء واشتبها
*
* حتى كأن دجاها وهو ملتهب
* زنجية حملت في كفها ذهبا
*
وصنع أبو العز مظفر الأعمى
* أرى علما للناس في الصوم ينصب
* على جامع ابن العاص أعلاه كوكب
*
* وما هو في الظلماء إلا كأنه
* على رمح زنجي سنان مذهب
*
* ومن عجب أن الثريا سماؤها
* مع الليل تلهى كل من يترقب
*
* فطورا تحييه بباقة نرجس
* وطورا يحييها بكأس تلهب
*
* وما الليل إلا قانص لغزالة
* بفانوس نار نحوها يتطلب
*
* ولم أر صيادا على البعد قبله
* إذا قربت منه الغزالة يهرب
*
ومن شعر ابن ظافر
* وقد بدت النجوم على سماء
* تكامل صحوها في كل عين
*

96
* كسقف أزرق من لازورد
* بدت فيه مسامر من لجين
*
ومنه
* والليل فرع بالكواكب شائب
* فيه مجرته كمثل المفرق
*
* ولربما يأتي الهلال بسحرة
* متصيدا حوت النجوم بزورق
*
* حتى إذا هبت على الماء الصبا
* وألاح نور تمامه بالمشرق
*
* أبدى لنا علما بهيجا مذهبا
* قد لاح في تجعيد كم أزرق
*
* وحكى برادى عسجد قد رام صانعها
* يؤلف بينها بالزئبق
*
((341 - تقي الدين بن المغربي))
علي بن عبد العزيز بن علي بن جابر الفقيه الأديب البارع تقي الدين بن المغربي البغدادي الشاعر المالكي
كان من أظرف خلق الله تعالى وأخفهم روحا وله القصيدة الدبدبية المشهورة التي أولها يا دبدبة تدبدبي
وكانت وفاته ببغداد سنة أربع وثمانين وستمائة ومن شعره يصف مجلسا تقضى له بالمحول
* يا مغاني اللهو والطرب
* بأبي أفدي ثراك وبي
*
* لا تعداه الغمام ولا
* حاد عنه صيب السحب
*
* حبذا دار عهدت بها
* كل معسول اللمى شنب
*
* حيث كانت قبل فرقتنا
* فلكا يجري على شهب
*
* نصيبي من وصالهم
* واصلا نحوي بلا نصب
*
* في بساتين المحول لا
* في قفار الجزع واللبيب
*
* بين أشجار تفوق على
* شجرات الضال والكثب
*
منها

97
* صفعوني لا عدمتهم
* وأضاعوا حرمة الأدب
*
* فعلوا بالرأس ما فعلوا
* وأحالوني على الذنب
*
* كان في رأسي وأسفلهم
* شبه من حكة الجرب
*
وقال يصف حال المستنصرية والفقهاء وكان قد قيل لهم من يرضى بالخبز وحده وإلا فما عندنا غيره
* حاشا لست المدارس
* ومن بها يضرب المثل
*
* تهون من بعد ذاك
* التتعظيم والتشريف
*
* مستنصرية سبيكه
* قد كنت في عصر الصبا
*
* واليوم قد صرت بهرج
* مزيفه تزييف
*
* ما زال نخلك يرجم
* حتى فنى الرطب الجنى
*
* وما بقي في قراحك
* غير الكرب والليف
*
* ذكرت بيتا ظريف
* من كان وكان البغاددة
*
* وكل معنى يندر
* من الظريف ظريف
*
* أي ست ما أكثر زبونك
* ما أخلى فراشك من العشي
*
* ذي زحمة الباقلاني
* وكلهم برغيف
*
وقال في شخص اسمه علوان وينعت بالصفى
* علوان لا شك اسمك
* وأنت تنعت بالصفى
*
* فإن سئلت عن اسمك
* قول الصفى علوان
*
وقال زجل في الخلاعة والمجون
* الوقت يا نديمي
* قد طاب واعتدل
*
* والشمس مذ ليالي
* قد حلت الحمل
*
* فانهض إلى الحميا
* واستنهض الصحاب
*
* فالبدر والثريا
* الكاس والحباب
*
* والوقت قد تهيا
* ومجلس الشراب
*
* فيه كل ما تريده
* فانهض على عجل
*
* ما قد بقي يعوزه
* غيرك وقد كمل
*
* انهب زمان وصلك
* وإنه الذي نهاك
*

98
* واسعد بقرب خلك
* وأبلغ منه مناك
*
* فبعد يوم لعلك
* لا تستطيع ذاك
*
* والتذ فالليالي
* ما بيننا دول
*
* لقمة تكون حنظل
* وأخرى تكن عسل
*
* مالك كدي محير
* لا تهتدي الطريق
*
* هل أدخل الصغير
* أو قال ما أطيق
*
* ادفع ولا تفكر
* تا يزعق الحريق
*
* دع يشتكي لعمه
* دع يفعل أيش فعل
*
* ما ريت قط لوطي
* مصلوب على دقل
*
* من أين للعروس
* مثل ذا العذار
*
* لمنية النفوس
* ودرة البحار
*
* زها على الشموس
* مذ تم واستدار
*
* فاترك كلام سفله
* بحرفته اشتغل
*
* وادي العروس عنده
* أشرف من الجبل
*
* لا تهو من أضاعك
* لا كان ولا استكان
*
* واعتز باقتناعك
* إن الهوى هوان
*
* كن عبد من أطاعك
* لا تنتظر فلان
*
* فالوقت سيف مجرد
* قاطع بيد بطل
*
* والعاقل المجرب
* يبطش بمن حصل
*
* لا تغفلوا يا ولدي
* عن طيب العناق
*
* وأوصوا بذاك بعدي
* لساير الرفاق
*
* المغربي جدي
* وأنا من العراق
*
* وقد علمت أني
* في صنعة الزجل
*
* مثل الذي بجهله
* يبخر لزحل
*
* ما لفت العمايم
* إلا على العقول
*
* نعشق وأنت نايم
* وتدعي الفضول
*
* قم واسمع الحمايم
* فإنها تقول
*

99
* يا من دنا حبيبه
* إنهض بلا كسل
*
* واشف الغليل منو
* بالضم والقبل
*
وقال أيضا
* لا بد نظهر بين الناس
* قلندري محلوق الرأس
*
* نلبس عوض هذا الكتا
* جلنك من صوف الخرفان
* أو دلق أو نصبح عريان
*
* نغدو ندروز مع أجناس
* محلقين الروس أكياس
*
* ما يعرفوا إلا الخضرة
* والبنك لا شرب الخمرة
* مثقالها بألفي جره
*
* وعندهم منها أكياس
* دانق يقاوم سبعين كأس
*
* من قبل ما نغدو مسطول
* نهتم في أمر المأكول
* ونطلع السوق بالكجكول
*
* نطلب على الله من رواس
* وباقلاني مع هراس
*
* لمن لقينا قلنا أي جان
* خره بدي كي درويشان
* همه غريبان سركردان
*
* يدعون لك وقت الإغلاس
* فهم صحيحين الأنفاس
*
* وننقد العالم جيد
* نقول لذي المال يا سيد
* نريد كرامة للمسجد
*
* رطيل شيرق في الجلاس
* لنشعله بين الجلاس
*
* كأنكم بي يا خلان
* وانا مجرد كالشيطان
* فقد قوي عندي ذا الشان
*
* وقد فشر في أذني الخناس
* حتى ملا صدري وسواس
*
* فلا تقولوا يا فقوس
* نرى جميع أمرك معكوس
* المغربي خلف منحوس
*
* ما خلف إلا أغلب دعاس
* والشبل من نسل الهرماس
*
* لكنني أصلي سمقو
* كشيح كالدر المكنون
* قد صرت في عشقه مجنون
*
* وهل على مثلي من باس
* إن هام بالقد المياس
*
* مثل القمر أبيض أزهر
* بعارض كالآس أخضر
* من تاه في عشقه يعذر
*
* لو باس قارون ذاك الآس
* هون على قلبو الإفلاس
*
* دعنا نلذ العيش دعنا
* مع رفقة جازوا المعنى
* فأعقل الناس من غنى
*
* كش البهار واصمى بالطاس
* ولا تقف مع قول الناس
*
وأما قصيدته الدبدبية فإنها غاية وهي طويلة جدا ذكر فيها فنون وأولها
* أي دبدبة تدبدبي
* أنا علي بن المغربي
*
* تأدبي ويحك في
* حق أمير الأدب
*

100
* وأنت يا بوقاته
* تألفي تركبي
*
* وأنت يا سناجقي
* يوم الوغى ترتبي
*
* وأنت يا عساكري
* يوم اللقا تأهبي
*
* ها قد ركبت للمسير
* في البلاد فاركبي
*
* ها قد برزت فاركبي
* في ألف ألف مقنب
*
* أنا الذي أسد الشرى
* في الحرب لا تحفل بي
*
* إذا تمطت وفر
* قعت عليهم ذنبي
*
* أنا الذي كل الملوك
* ليس تخشى غضبي
*
* فمن رأى للهذيان
* موكبا كموكبي
*
* أنا امرؤ أنكر ما
* يعرف أهل الأدب
*
* ولي كلام نحوه
* لا مثل نحو العرب
*
* لكنه منفرد
* بلفظه المهذب
*
* يصافع الفراء في النحو
* بجلد ثعلب
*
* ويقصد التثليث في
* نتف سبال قطرب
*
* وإن سألت مذهبي
* فمذهبي المجرب
*
* آكل ما يحصل لي
* ورغبتي في الطيب
*
* وأشرب الماء ولا
* أرد ماء العنب
*
* وألبس القطن ولا
* أكره لبس القصب
*
* وإن ركبت دابة
* وإلا فنعلي مركبي
*
* وكل قصدي خلوة
* تجمعني وللصبي
*
* في البيت أو في روضة
* أزهارها كالشهب
*
* ونجتلي بنت الكروم
* أو بني القنب
*
* ونبتدي نأخذ في
* الشكوى وفي التعتب
*
* حتى إذا ما جاد لي
* برشف ذاك الشنب
*
* حكمته في الرأس إذ
* حكمني في الذنب
*

101
((342 - الإربلي الشاعر))
علي بن عثمان بن علي بن سليمان أمين الدين السليماني الإربلي الصوفي الشاعر
كان من أعيان شعراء الناصر بن العزيز وكان جنديا فتصوف وصار فقيرا توفي بالفيوم وهو في معترك المنايا سنة سبعين وستمائة
ومن شعره قصيدة في كل بيت نوع من البديع وهي
* هذا الدلال والإدلال حال
* بالهجر والتجنب حالي
* (الجناس اللفظي)
* حرت إذ حزت ربع قلبي وإذ لا
* لي صبر أكثرت من إذلالي
* (الجناس الخطي)
* رق يا قاسي الفؤاد لأجفان
* قصار أسرى ليال طوال
* (الطباق)
* شارحات بدمعها مجمع البحر
* في حب مجمع الأمثال
* (الاستعارة)
* نفت النوم في هواك قصاصا
* حيث أدنى منها خداع الخيال
* (المقابلة)
* أنا بين الرجاء والخوف في حبك
* ما بين صحة واعتلال
* (التفسير)
* لست أنفك في هواك ملوما
* في معاد يسومني وموال
* (التقسيم)
* عمر ينقضي وأيامي الأيام
* بالهجر والليالي الليالي
* (الإشارة)

102
* ليس ذنبي سوى مخالفة اللاحين
* فيه واخيبة العذال
* (الإرداف)
* سالبا بزتي وما هي إلا
* العمر رفقا بهذه الأسماك
* (المماثلة)
* طلب دونه منال الثريا
* وهوى دونه زوال الجبال
* (الغلو)
* وغرام أقله يذهل
* الآساد في خيسها عن الأشبال
* (المبالغة)
* أنا أخفي هواك صونا وإن بت
* ت طعين القنا جريح النبال
* (الكناية والتعريض)
* فشمالي لم تستعن بيميني
* ويميني لم تستعن بشمالي
* (العكس)
* لذ طول المطال منك ولولا
* الحب ما لذ منك طول المطال
* (التذييل)
* خنت عهدي فدام وجدي فهل تكبت
* صدى يوما بطيب الوصال
* (الترصيع)
* لك ألحاظ مقلتين شباها
* كالحسام الهندي غب الصقال
* (الإيغال)
* كملت وصفها بمدح على
* في علي رب الحجا والكمال
* (التوشيح)
* ماجد بعض فضله بذله المال
* وقل الذي يجود بمال
* (رد العجز على الصدر)
* يفعل المكرمات طبعا فإن جود
* أفنى رغائب الآمال
* (التتميم والتكميل)
* طال شكري نداه حتى لقد أفحم
* فضل لا زال ذا إفضال
* (الالتفات)

103
* هو ما لم يزل وذلك أبقى
* عصمة المرملين ذي الأطفال
* (الاعتراض)
* ذو وداد للأصفياء بعيد
* عن زوال وهل به من زوال
* (الرجوع)
* أترى بالأنواء تخصب منه
* الأرض أم سيب جوده الهطال
* (تجاهل العارف)
* جاد حتى للمكتفين فأثروا
* فنداه كالماء في سيمال
* (الاستطراد)
* جامع العلم والفصاحة والحلم
* وحسن الأخلاق والأفعال
* (جمع المؤتلف والمختلف)
* لا يعد الفعل الجميل لدنياه
* ولكن يعده للمال
* (السلب والإيجاب)
* ليس فيه عيب يعدده الحساد
* إلا العطاء قبل السؤال
* (الاستثناء)
* عالم أن من يعيش كمن زال
* وإن دام والورى في زوال
* (المذهب الكلامي)
* يجتلى وجهه الكريم من الحبب
* ويغضى عنه من الإجلال
* (التشطير)
* أيها الصاحب الذي نلت منه
* ما أرجي فاليوم حالي حالي
* (المجاورة)
* عاين الناظمون شعري ولا يذهب
* فضل المعنى بلبس النصال
* (الاستشهاد والاحتجاج)
* هي آل لمدح في مجدك السامي
* المعاني وغيرها لمع آل
* (التعطف)

104
* آب يوم الهناء بالخير في ربعك
* يحكي نوالك المتوالي
* (المضاعف)
* فلك المدح دائما ولشانيك
* القطوعان منصلي ونصالي
* (التطريز)
* أعجز الواصفين فضلك فاجعل
* شين شكري فيه كشين بلال
* (التلطف)
وقال وهو حسن بديع
* أضيف الدجى معنى إلى ليل شعره
* فطال ولولا ذاك ما خص بالجر
*
* وحاجبه نون الوقاية ما وقت
* على شرطها فعل الجفون من الكسر
*
وقال
* وتعجبني حاجب نونها
* دلالا مع الجمع لا تنفتح
*
وقال
* تموج تحت الخصر أسود شعره
* فإياك والحيات في كثب الرمل
*
* ولو لم يقم بالحسن مرسل صدغه
* لما نزلت في خده سورة النمل
*
وقال
* وما غرني في حبكم لمع خافق
* لآل ولكن برد ماء لآلي
*
* شموس وعودي بالوصال لديكم
* تعلقت من مكذوبها بحبال
*
وقال
* بدر تم له على الخد خال
* في احمرار ينشق منه الشقيق
*
* كتب الحسن بالمحقق معناه
* ولكن عذاره تعليق
*

105
وقال
* يعذلني عاذلي عليك ولا
* يحصل مني إلا على التعب
*
* فعاذلي ظل في هواك كمن
* يقرأ تبت على أبي لهب
*
((343 - عفيف الدين بن عدلان))
علي بن عدلان بن حماد بن علي الإمام العلامة عفيف الدين أبو الحسن الربعي الموصلي النحوي المترجم
ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة ست وستين وستمائة سمع ببغداد وأخذ عن أبي البقاء وغيره وسمع من ابن الأخضر وابن منينا وجماعة
وسمع منه ابن الظاهري والدمياطي والشريف عز الدين والدواداري
وأقرأ العربية زمانا وتصدر بجامع الصالح بالقاهرة وكان علامة في الأدب من أذكياء بني آدم انفرد بحل المترجم والألغاز وله في ذلك تصانيف منها كتاب عقلة المجتاز في حل الألغاز ومصنف في حل المترجم للملك الأشرف
وكتب إلى علم الدين السخاوي بدمشق باللبادين قول الحسين بن عبد السلام في المعمى
* ربما عالج القوافي رجال
* في القوافي فتلتوي وتلين
*
* طاوعتهم عين وعين وعين
* وعصتهم نون ونون ونون
*
فحلهما ابن الحاجب فقال قوله عين وعين وعين يعني نحو غد ويد ودد لأنها عينات مطاوعات في القوافي مرفوعة كانت أو منصوبة أو مجرورة لأن وزن غد فع ووزن يد فع ووزن دد فع
وقوله وعصتهم نون ونون ونون الحوت يسمى نونا والدواة لأنها تسمى نونا والنون الذي هو الحرف
وكلها نونات غير مطاوعة في القوافي إذ لا يلتئم واحد منها مع الآخر

106
ونظم ابن الحاجب
* أي غد مع يد دد ذو حروف
* طاوعت في الروى وهي عيون
*
* ودواة والحوت والنون نونات
* عصتهم وأمرها مستبين
*
وقال عفيف الدين أنشدني إسماعيل المسمول الذي ينسب إلى صلاح الدين الإربلي
* وما بيت له في كل عضو
* عيون ليس تنكرها العقول
*
* إذا بسطوه تلقاه قصيرا
* وإن قبضوه تبصره يطول
*
فقلت هذه شبكة صياد طيور فأخذ يباهت فقلت قد نزليته ولا يلزمني أكثر من هذا فأخذ في المباهتة فقلت هذا في خركاه فاعترف أنه هو
وكتب إليه ناصر الدين ابن النقيب ملغزا في سيف
* يا عفيف الدين يا من
* دق في الفهم وجلا
*
* والذي سموه في الناس
* عليا وهو أعلى
*
* يا أخا الفضل الذي فيه
* لنا القدح المعلى
*
* أي شيء طعمه مرر
* وإن كان محلى
*
* وهو شيخ لا يصلي
* ولكم بالضرب صلى
*
* ما له عقل وكم من
* ه استفاد الناس عقلا
*
* جفنه من غير سهد
* ما يذوق النوم أصلا
*
* وهو ما يحسن قولا
* ولقد يحسن فعلا
*
* وهو إن تعكسه قيس
* فصحفه وإلا
*
* وهو مطبوع نحيف
* عندما يلقاك سلا
*
* ولكم بدد جمعا
* ولكم شتت شملا
*
* ولكم قد سبق العذل
* وكم قطع وصلا
*
* فأبن عنه بأجلى
* منه في اللفظ وأحلى
*
* وابق في إيوان عز
* وبناء ليس يبلى
*

107
فكتب عفيف الدين الجواب
* ناصر الدين الذي فاق
* جميع الناس فضلا
*
* والذي وافق في الاسم
* الذي وافق فعلا
*
* والذي أشعاره أش
* من الحلي وأحلى
*
* هو حلو في فم الناس
* وفي العينين يجلى
*
* إن تسلني عن رقيق
* لك يجلي حين يجلى
*
* هو أنثى في زمان
* ويرى في ذاك فحلا
*
* يشرب الماء ولا يأكل
* إلا اللحم أكلا
*
* والندى يؤذيه والنار
* له إلف فيصلى
*
* وهو يعمي العين لاشك
* متى ما كان كحلا
*
* محرم في كل وقت
* ما رآه الناس حلا
*
* أعجمي وفصيح
* جمع الوصفين كلا
*
* وهو كالمرآة يبدي
* مثل رأي الشكل شكلا
*
* ولموع برقه الخلب
* لا يمطر وبلا
*
* وعليه أبد الدهر
* ذباب ما تولى
*
* وهو مثل الناس في النشأة
* مذ قد كان طفلا
*
* ويرى شرخا وشيخا
* بعد ما قد كان كهلا
*
* سبق التصحيف ذا الشيء
* وشنف الأذن حلا
*
* قلت لما جاءني أهلا
* بذا اللغز وسهلا
*
* لغز كالشمس قد دققت
* معانيه وجلا
*
((344 - ابن الزقاق البلنسي))
علي بن عطية بن مطرف أبو الحسن اللخمي البلنسي الشاعر المشهور

108
المعروف بابن الزقاق أخذ عن ابن السيد واشتهر ومدح الأكابر وجود النظم وتوفي وله دون الأربعين في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة
ومن شعره
* كلما مال بها سكر الصبا
* مال بي سكر هواها والتصابي
*
* أشعرت في عبراتي خجلا
* إذ تجلت فتغطت بالنقاب
*
* كذكاء الدجن مهما هطلت
* عبرة المزن توارت بالحجاب
*
وقال
* وأغيد طاف بالكئوس ضحى
* فحثها والصباح قد وضحا
*
* والروض يبدي لنا شقائقه
* وآسه العنبري قد نفحا
*
* قلنا وأين الأقاح قال لنا
* أودعته ثغر من سقى القدحا
*
* فظل ساقي المدام يجحد ما
* قال فلما تبسم افتضحا
*
وقال
* ألمت فبات الليل في قصر بها
* يطير وما غير السرور جناح
*
* وبت وقد زارت بأنعم ليلة
* يعانقني حتى الصباح صباح
*
* على عاتقي من ساعديها خمائل
* وفي خصرها من ساعدي وشاح
*
وقال
* وحبب يوم السبت عندي أنني
* ينادمني فيه الذي كنت أحببت
*
* ومن أعجب الأشياء أني مسلم
* حنيف ولكن خير أيامي السبت
*
وقال أيضا
* بذلت لها من أدمع العين جوهرا
* وقدما حكاها في الصيانة والستر
*
* فقالت وأبدت مثله إذ تبسمت
* غنيت بهذا الدر عن ذلك الدر
*
وقال
* سقتني بيمناها وفيها فلم أزل
* يجاذبني من ذاك أو هذه سكر
*

109
* ترشفت فاها إذ ترشفت كأسها
* فلا والهوى لم أدر أيهما الخمر
*
وقال
* وشهر أدرنا لارتقاب هلاله
* عيونا إلى جو السماء موائلا
*
* إلى أن بدا أحوى المدامع أحور
* يجر لأبراد الشباب ذلاذلا
*
* فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا
* ببدر حوى طيب الشمول شمائلا
*
* أتطلبك الأبصار في الجو ناقصا
* وأنت كذا تمشي على الأرض كاملا
*
وقال
* وساق يحث الكأس حتى كأنما
* تلألأ منها مثل ضوء جبينه
*
* سقاني بها صرف الحميا عشية
* وثنى بأخرى من رحيق جفونه
*
* هضيم الحشا ذو وجنة عندمية
* تريك جني الورد في غير حينه
*
* فأشرب من يمناه ما فوق خده
* وألثم من خديه ما في يمينه
*
وقال
* أديراها على الزهر المندي
* فحكم الصبح في الظلماء ماض
*
* وكأس الراح تنظر عن حباب
* تنوب لنا عن الحدق المراض
*
* وما غربت نجوم الأفق لكن
* نقلن من السماء إلى الرياض
*
وقال
* وعشية لبست رداء شقيق
* تزهى بلون للخدود أنيق
*
* لو أستطيع شربتها كلفا بها
* وعدلت فيها عن كئوس رحيق
*
* أبقت بها الشمس المنيرة مثلما
* أبقى الحياء بوجنة المعشوق
*
وقال
* يفضح البدر كمالا إن بدا
* والدمى العفر جمالا إن رمق
*

110
* أطلعت خجلته في خده
* شفقا في فلق تحت غسق
*
وقال
* ومهفهف أحوى اللمى ذي مقلة
* تزري ظباها بالكمي الفارس
*
* فعلت شمائله العذاب بمهجتي
* فعل النعامى بالقضيب المائس
*
* كالغصن هز على كثيب أهيل
* كالصبح أطلع تحت ليل دامس
*
وقال
* ومقلة شادان أودت بنفسي
* كأن السقم لي ولها لباس
*
* يسل اللحظ منها مشرفيا
* لقتلي ثم يغمده النعاس
*
وقال
* كم زورة لي بالزوراء خضت بها
* عباب بحر من الليل الدجوجي
*
* وكم طرقت قباب الحي مرتديا
* بصارم مثل عزمي هندواني
*
* والليل يسترني غربيب سدفته
* كأنني خفر في خد زنجي
*
وقال
* زارت على شحط المزار متيما
* بالرقمتين ودارها تيماء
*
* في ليلة كشفت ذوائبها بها
* فتضاعفت بعقاصها الظلماء
*
* والطيف يخفى في الظلام كما اختفى
* في وجنة الزنجي منه حياء
*
وقال في حمام
* رب حمام تلظى
* كتلظي كل وامق
*
* ثم أذرى عبرات
* دمعها بالوجد ناطق
*
* فغدا منه ومني
* عاشق في جوف عاشق
*
وقال وأوصى أن تكتب على قبره وهي آخر شعر قاله رحمه الله تعالى
* أإخواننا والموت قد حال دوننا
* وللموت حكم نافذ في الخلائق
*

111
* سبقتكم للموت والعمر طية
* وأعلم أن الكل لا بد لاحقي
*
* بعيشكم أو باضطجاعي في الثرى
* ألم نك في صفو من العيش رائق
*
* فمن مر بي فليمض بي مترحما
* ولا يك منسيا وفاء الأصادق
*
((345 - سيف الدين المشد))
علي بن عمر بن قزل بن جلدك التركماني الياروقي الأمير سيف الدين المشد صاحب الديوان المشهور ولد بمصر سنة اثنتين وستمائة وتوفي بدمشق سنة ست وخمسين وستمائة ودفن بقاسيون
اشتغل في صباه وقال الشعر الرائق وتولى شد الدواوين بدمشق للناصر يوسف بن العزيز مدة
وكان ظريفا طيب العشرة تام المروءة وهو ابن أخي فخر الدين عثمان أستاذ دار الملك الكامل ونسيب الأمير جمال الدين بن يغمور
روى عنه الدمياطي والفخر بن عساكر
وكانت وفاته يوم تاسوعاء فقال الكمال العباسي
* أيا يوم عاشوراء جعلت مصيبة
* لفقد كريم أو عظيم مبجل
*
* وقد كان في قتل الحسين كفاية
* فقد جل بالرزء المعظم في علي
*
وقال تاج الدين بن حواري يرثيه
* أأخي أي دجنة أو أزمة
* كانت بغير السيف عنا تنجلي
*
* نبكي عليه وليس ينفعنا البكا
* نبكي على فقد الجواد المفضل
*
* من للقوافي والمعاني بعده
* من للمواضي والرماح الذبل
*
* من ذا لباب العلم غير عليه
* العالي المحل ومن لحل المشكل
*
* عاشوراء يوم قد تعاظم ذنبه
* إذ حل فيه كل خطب معضل
*
* لم يكفه قتل الحسين وما جرى
* حتى تعدى بالمصاب على علي
*

112
ومن شعر سيف الدين المشد رحمه الله تعالى
* باكر كئوس المدام واشرب
* واستجل وجهه الحبيب واطرب
*
* ولا تخف للهموم داء
* فهي دواء له مجرب
*
* من يد ساق له رضاب
* كالمسك لا بل جناه أطيب
*
* يعجبني خال وجنتيه
* والمسك في الجلنار أعجب
*
وقال في مليح معذر
* وأغيد لما لاح خط عذاره
* على خده إزددت منه تعجبا
*
* رأيت به التفاح أنبت سوسنا
* فأصبح مسكيا وكان مخضبا
*
وقال أيضا
* غرامي بكم أحلى من الأمن في القلب
* وودي لكم أصفى من المنهل العذب
*
* وشوقي إليكم كل يوم وليلة
* يزيد على حال التباعد والقرب
*
* وإني وإن شطت بي الدار عنكم
* تقلبني الأشواق جنبا إلى جنب
*
* أأحبابنا إن قرب الله داركم
* نذرت بأني لا أعود إلى العتب
*
* ذكرت زمانا كان يجمع بيننا
* ففاضت دموعي واستطار له قلبي
*
* فواها له لو عاد للوصل مرة
* وأعطيه ما أبقى التفرق من لبي
*
* وكم ليلة هبت من الغور نفحة
* برياكم طيبا فقلت لها هبي
*
* عليكم سلام الله مني تحية
* شذا عرفها كالمسك والمندل الرطب
*
وقال
* لئن تفرقنا ولم نجتمع
* وزادت الفرقة عن وقتها
*
* فهذه العينان مع قربها
* لا تنظر العين إلى أختها
*
وقال
* أقصى مرادي في الهوى
* بأن تحلوا ساحتي
*
* وراحتي في قدح
* أنظره في راحتي
*
وقال
* لعبت بالشطرنج مع أهيف
* رشاقة الأغصان من قده
*

113
* أحل عقد البند من خصره
* وألثم الشامات من خده
*
وقال في أرمد
* وشادن همت فيه وجدا
* لما غدت مقلتاه رمدا
*
* لم ينتقص حسنه ولكن
* نرجس عينيه صار وردا
*
وقال
* يا جيرة الحي من جرعاء كاظمة
* طرفي لبعدكم ما التذ بالنظر
*
* لا تسألوا عن حديث الدمع كيف جرى
* فقد كفى ما جرى منه على صبري
*
وقال في مليح نصراني
* وبي غرير يحاكي الظبي ملتفتا
* أغن أغيد عقلي فيه قد حارا
*
* يصبو الحباب إلى تقبيل مبسمه
* وتكتسي الراح من خديه أنوارا
*
* من آل عيسى يرى بعدي يقربه
* ولم يخف من دم العشاق أوزارا
*
* لأجله أصبح الراووق منعكفا
* على الصليب وشد الكأس زنارا
*
وقال لغزا في رمح
* أي شيء يكون مالا وذخرا
* راق حسنا عند اللقاء ومخبر
*
* أسمر القد أزرق السن وصفا
* إنما قلبه بلا شك أحمر
*
وقال لغزا في هاروت
* ما اسم إذا صحفته
* فهو نبي مرسل
*
* وهو إذا عكسته
* كتابه المنزل
*

114
وقال
* أساود شعره لسبت فؤادي
* وأمست بين أحشائي تجول
*
* كأن الشعر يطلبني بدين
* فكم يجفو علي ويستطيل
*
وقال
* الحمد لله في حلي ومرتحلي
* على الذي نلت من علم ومن عمل
*
* بالأمس كنت إلى الديوان منتسبا
* واليوم أصبحت والديوان ينسب لي
*
وقال
* فصل كأن البدر فيه مطرب
* يبدو وهالته لديه طاره
*
* والشمس في أفق السماء خريدة
* والجو ساق والأصيل عقاره
*
* وكأن قوس الغيم جنك مذهب
* وكأنما صوب الحيا أوتاره
*
وقال في مليحة عمياء وهو بديع
* علقتها نجلاء مثل المها
* فخان فيها الزمن الغادر
*
* اذهب عينيها فإنسانها
* في ظلمة لا يهتدي حائر
*
* تجرح قلبي وهي مكفوفة
* وهكذا قد يفعل الباتر
*
* والنرجس الغض غدا ذابلا
* وا حسرتا لو أنه ناضر
*
ولبعضهم في عمياء وقد أحسن
* قالوا تعشقتها عمياء قلت لهم
* ما شأنها ذاك في عيني ولا قدحا
*
* بل زاد وجدي فيها أنها أبدا
* لا تنظر الشيب في فودي إذ وضحا
*
* إن يجرح السيف مسلولا فلا عجب
* وإنما أعجب لسيف مغمد جرحا
*
* كأنما هي بستان خلوت به
* ونام ناطوره سكران قد طفحا
*
* تفتح الورد فيه من كمائمه
* والنرجس الغض فيه بعد ما انفتحا
*

115
ومن شعر المشد
* سرى بألاسنة الدموع علانية
* وشحوب جسمي في الغرام علانية
*
* أخفى الهوى ويذيعه يوم النوى
* حرق عن الواشين ليست خافية
*
* يا نازحين عن الهوى خلفتم
* جسدا بكم مضنى ونفسا بالية
*
* وسكنتم غور الحشا فمدامعي
* تجري شرائعها وعيني دامية
*
* وأنا الفداء لحاضرين بمهجتي
* أبدا وأشواقي إليهم بادية
*
* لي مقلة إنسانها في حبهم
* رفض الكرى ودموعها متوالية
*
* وبمهجتي من وجنتاه جنة
* وقطوف صدغيه عليها دانية
*
* ما بعت روحي في هواه رخيصة
* إلا لكون عذاره من غالية
*
وقال
* لو كان قلبك مثل عطفك لينا
* ما كنت أقنع من وصالك بالمنى
*
* لكن خصرك مثل جسمي ناحل
* فكلاهما متحالفان على الضنا
*
* يا هاجري ظلما بغير جناية
* ما هكذا شرط المودة بيننا
*
* قيدت طرفي مذ تسلسل دمعه
* وحبست نومي فالأسير إذن أنا
*
* لا تجم قدك عن حنايا أضلعي
* كم لذة بين الحمى والمنحنى
*
* علمتني كيف الغرام ولم أكن
* أدري الهوى فرأيت صعبا هينا
*
وقال من أبيات
* بدر يريني ثغره دائما
* برقا له في كل قلب وميض
*
* تلاعب الشعر على ردفه
* أوقع قلبي في الطويل العريض
*
وقال
* في كل يوم لأرباب الهوى شان
* وجد قديم وتبريح وأشجان
*
* دموعهم كالغوادي وهي هاملة
* وفي حشاياهم للحب نيران
*
* يبكون في الوصل خوف الهجر من شغف
* فكل أوقاتهم هم وأحزان
*

116
* لا يعرفون سلوا يهتدون به
* هيهات أين مع العشاق سلوان
*
وقال دوبيتا
* كم قلت لقاتلي الذي تيمني
* إذ قال أنا نبي هذا الزمن
*
* هل معجزة فقال من ساعته
* من ينظرني لوقته يعشقني
*
((346 - دبيران))
علي بن عمر بن علي العلامة نجم الدين الكاتبي دبيران بفتح الدال وكسر الباء الموحدة وسكون الياء وبعدها راء وألف ونون القزويني المنطقي الحكيم صاحب التصانيف
توفي في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة ومولده في رجب سنة ستمائة
ومن تصانيفه العين في المنطق والشمسية وجامع الدقائق وحكمة العين وله كتاب جمع فيه الطبيعي والرياضي وأضافه إلى العين ليكون حكمة كاملة وله غير ذلك
((347 - المنشئ الإربلي))
علي بن عيسى بن أبي الفتح الصاحب بهاء الدين ابن الأمير فخر الدين الإربلي المنشئ الكاتب البارع له شعر وترسل كان رئيسا كتب لمتولي إربل ابن صلايا ثم خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيام علاء الدين صاحب الديوان
ثم إنه فتر سوقه في دولة اليهود ثم تراجع بعدهم وسلم ولم ينكب إلى أن مات سنة اثنتين وتسعين وستمائة
وكان صاحب تجمل وحشمة ومكارم وفيه تشيع وكان أبوه واليا بإربل
ولبهاء الدين مصنفات أدبية مثل المقامات الأربع ورسالة الطيف المشهورة وغير ذلك وخلف لما مات تركة عظيمة بنحو ألفي ألف درهم تسلمها ابنه أبو الفتح ومحقها ومات صعلوكا

117
ومن شعر بهاء الدين
* أيا هاجري من غير جرم جنيته
* ومن دأبه ظلمي وهجري فديته
*
* أجرني رعاك الله من نار جفوة
* وحر غرام في البعاد اصطليته
*
* وكن مسعدي فيما ألاقي من الأسى
* فهجرك يا كل المنى ما نويته
*
* أأظما غراما في هواك ولوعة
* ولي دمع عين كالسحاب بكيته
*
* وحقك يا من تهت فيه صبابة
* ووجدا ومن دون الأنام اصطفيته
*
* وحقك لا أنسى العهود التي مضت
* قديما ولا أسلو زمانا قضيته
*
ومنه
* كيف خلاصي من هوى شادن
* حكمه الحسن على مهجتي
*
* بعاده ناري التي تتقى
* وقربه لو زارني جنتي
*
* ما اتسعت طرق الهوى فيه لي
* إلا وضاقت في الجفا حيلتي
*
* ليت ليالي وصله عدن لي
* يا حسرتا أين الليالي التي
*
وقال
* وجهه والقوام والشعر الأسود
* في بهجة الجبين النضير
*
* بدر تم على قضيب عليه
* ليل دجن من فوق صبح منير
*
وقال
* حثه سائق الغرام فحنا
* وجفا منزلا وخلف مغنى
*
* ودعاه الهوى فلبى سريعا
* وكذا شيمة المحب المعنى
*
* رام صبرا فلم يطعه غرام
* غادر القلب بالصبابة رهنا
*
* وجفا لذة الكرى في رضا الحبب
* فأرضى قلبا وأسخط جفنا
*
* اسهرت مقلتيه في طاعة الوجبد
* عيون على المحصب وسني
*
* كل ظامي الوشاح ريان من ماء
* التصابي أضنى المحب وغنى
*
* ما على الدهر لو أعاد زمانا
* سلبته أيدي الحوادث منا
*
* وعلى من أحب لو شفع الحي
* ن الذي قيد العيون بحسنى
*
* وبروحي أفدى رشيق قوام
* لاح بدرا وماس إذ ماس غصنا
*
* يتجنى ظلما فيحدث لي وج
* دا إذا صد عاتبا أو تجنى
*
* ما ثناني عنه العذول وهل يث
* نى غرامي وقده يتثنى
*

118
* كيف أسلو بدرا يشابهه البدر
* سناء يصبى الحليم وسنا
*
* لي معنى فيه وفي صاحب الديوان
* إذ رمت مدحه ألف معنى
*
وقال
* طاف بها والليل وحف الجناح
* بدر الدجى يحمل شمس الصباح
*
* وفاز بالراحة عشاقه
* لما بدا في كفه كأس راح
*
* ظبي من الترك له قامة
* يزرى تثنيها بسمر الرماح
*
* عارضه آس وفي خده
* ورد نضير والثنايا أقاح
*
* أطعت فيه صبوتي والهوى
* طوعا وعاصيت النهى واللواح
*
* عاطيته صهباء مشمولة
* تحكي سنا الصبح إذا الصبح لاح
*
* فسكنت سورته وانتشى
* فظل طوعي بعد طول الجماح
*
* فبت لا أعرف طيب الكرى
* وبات لا ينكر طيب المزاح
*
* فهل على من بات صبا به
* وإن نضا ثوب وقار جناح
*
وقال أيضا
* غزال النقا لولا ثناياك واللمى
* لما بت صبا مستهاما متيما
*
* ولولا معان فيك أوجبن صبوتي
* لما كنت من بعد الثمانين مغرما
*
* أيا جنة الحسن الذي غادر الحشا
* بفرط التجافي والصدود جهنما
*
* جريت على رسم من الجور واضح
* أما آن يوما أن ترق وترحما
*
* أمالك رقي كيف حللت جفوتي
* وعدت لقتلي بالبعاد متمما
*
* وحرمت من حلو الوصال محللا
* وحللت من مر الجفاء محرما
*
* بحسن التثني رق لي من صبابة
* أسلت بها دمعي على وجنتي دما
*
* ورفقا بمن غادرته غرض الردى
* إذا زار عن شحط بلادك سلما
*
* كلفت بساجي الطرف أحوى مهفهف
* يميس فينسيك القضيب المنعما
*
* يفوق الظبا والغصن طرفا وقامة
* وبدر الدجى والبرق وجها ومبسما
*
* فناظره في قصتي ليس ناظرا
* وحاجبه في قتلتي قد تحكما
*
* ومشرف صدغ ظل في الحكم جائرا
* وعامل قد بات أعدى وأظلما
*
* وعارضه لم يرث لي من شكاية
* فنمت دموعي حين لاح منمنما
*

119
((348 - أبو القاسم التنوخي))
علي بن المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي
ولد يوم الثلاثاء نصف شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائمة وتوفي في شهور سنه سبع وأربعين وأربعمائة
وكان شيعيا معتزليا وكان ساكنا وقورا وكان يدخله من نيابة القضاء ودار الضرب وغيرهما كل شهر مائتا دينار فيمر الشهر وليس معه شيء كان ينفق على أصحاب الحديث وكان الخطيب والصولي وغيرهما يبيتون عنده وكان ثقة في الحديث متحفظا في الشهادة محتاطا صدوقا وتقلد قضاء عدة نواح منها المدائن وأعمالها وأذربيجان والبردان وقرميسين
وكان ظريفا نبيلا جيد النادرة اجتاز يوما في بعض الدروب فسمع امرأة تقول لأخرى كم عمر بنتك يا أختي فقالت رزقتها يوم صفع القاضي وضرب بالسياط
فرفع رأسه إليها وقال يا بظراء صار صفعي تاريخ ما وجدت تاريخا غيره
وكان أعمش العينين لا تهدأ جفونه من الانخفاض والارتفاع والتغميض والانفتاح وفيه يقول ابن بابك
* إذا التنوخي انتشى
* وغاص ثم انتعشا
*
* أخفي عليه إن مشيت
* وهو يخفى إن مشى
*
* فلا أراه قلة
* ولا يراني عمشا
*
ودفع إليه رجل رقعة وهو راكب فلما فضها وجد فيها
* إن التنوخي به ابنة
* كأنه يسجد للفيش
*
* له غلامان ينيكانه
* بعلة الترويح في الخيش
*
فقال ردوا زواج القحبة
فردوه فقال له يا كشخان يا قرنان يا زوج

120
ألف قحبة هات زوجتك وأختك وأمك إلى داري وانظر ما يكون مني وبعد ذلك احكم بما يكون مني
قفاه فصفعوه
وكان يوما نائما فاجتاز واحد غث وأزعجه مما يصيح شراك النعال شراك النعال فقال لغلامه اجمع كل نعل في البيت وأعطها لهذا يصلحها ويشتغل بها
ثم نام وأصلحها الإسكافي واشتغل بها إلى آخر النهار ومضى لشأنه
فلما كان في اليوم الثاني فعل كذلك ولم يدعه ينام فقال للغلام أدخله
فأدخله فقال لهيا ماص بظر أمه أمس أصلحت كل نعل عندنا واليوم تصيح على بابنا هل بلغك أننا نتصافح بالنعال ونقطعها قفاه قفاه
فقال يا سيدي أتوب ولا أعود أدخل إلى هذا الدرب أبدا
وهذا أبو القاسم من أهل بيت كلهم فضلاء ذكر ابن خلكان أباه المحسن وجده القاضي اتنوخي الكبير رحمهم الله تعالى وعفا عنهم
((349 - القليوبي الكاتب))
علي بن محمد بن أحمد بن حبيب القليوبي الكاتب
قال ابن سعيد المغربي وصفه ابن الزبير في كتاب الجنان بالإجادة في التشبيهات وغلا في ذلك إلى أن قال إن أنصف لم يفضل عليه ابن المعتز وذكر أنه أدرك العزيز العبيدي ومدح قواده وكتابه
وتوفي في أوائل دولة الظاهر العبيدي
ومن شعره
* وصافية بات الغلام يديرها
* على الشرب في جنح من الليل أدعج
*
* كأن حباب الماء في وجناتها
* فرائد در في عقيق مدحرج
*
* ولا ضوء إلا من هلال كأنما
* تفرق منه الغيم عن نصف دملج
*
* وقد حال دون المشتري من شعاعه
* وميض كمثل الزئبق المترجرج
*
* كأن الثريا في أواخر ليلها
* تحية ورد فوق زهر بنفسج
*

121
وقال أيضا
* في ليلة أنف كأن هلالها
* صدع تبين في إناء زجاج
*
* كفل الزمان لأختها بزيادة
* في نورها فبدا كوقف العاج
*
* وكأنما كيوان نقرة فضة
* وكأنما المريخ ضوء سراج
*
* تتطاول الجوزاء تحت جناحه
* وكأنها من نورها في تاج
*
* ليل كمثل الروض فتح جنحه
* زهر الكواكب في ذرا الأبراج
*
* أحييته حتى رأيت صباحه
* من لونه يختال في دواج
*
* والشمس من تحت الغمام كأنها
* نار تضرم خلف جام زجاج
*
وقال
* وكأن السماء مصحف قار
* وكأن النجوم رسم عشور
*
* أو كأن النجوم زهر رياض
* قد أحاطت من بدرها بغدير
*
وقال
* نجمت نجوم الزهر إلا أنها
* في روضة فلكية الأنوار
*
* وكأنما الجوزاء منها شارب
* وكأنما المريخ كأس عقار
*
وقال
* ألا فاسقنيها قد قضى الليل نحبه
* وقام لشوال هلال مبشر
*
* بدا مثل عرق السام واسترجعت له
* صروف الليالي فرصة وهو مقمر
*
* إلى أن رأيناه ابن سبع كأنما
* على الأفق منه طيلسان مقور
*
وقال
* وصفراء منماء الكروم كأنما
* دجى الليل منها في رداء معصفر
*
* كأن حباب الماء في وجناتها
* من الدر إكليل على تاج يعصر
*
* قطعت بها ليل كأن نجومه
* إذا اعترضتها العين نيران عسكر
*
* تراها بآفاق السماء كأنما
* مطالعها منها معادن جوهر
*

122
* ومنطقة الجوزاء تبدو كأنها
* وسائط در في قلائد عنبر
*
* وبات بعيني الثريا كأنما
* على الأفق منها غصن ورد منور
*
* فبت أراعي النجم حتى تشمرت
* ذيول الدجى عن مائه المتفجر
*
((350 - ابن حريق البلنسي))
علي بن محمد بن أحمد بن سلمة بن حريق أبو الحسن المخزومي البلنسي الشاعر
كان متبحرا في اللغة والأدب حافظا لأشعار العرب وأيامها اعترف له بالسبق بلغاء وقته
قال ابن الأنباري توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة
ومن شعره في مليح أعور
* لم يشنك الذي بعينك عندي
* أنت أعلى من أن تعاب وأسنى
*
* لطف الله رد سهمين سهما
* رأفة بالعباد فازددت حسنا
*
ولشمس الدين محمد بن العفيف التلمساني
الآتي ذكره إن شاء الله تعالى
في مثله
* كان بعينين فلما طغى
* سحرهما رد إلى عين
*
* وذاك من لطف بعشاقه
* ما يضرب الله بسيفين
*
ومن شعر ابن حريق
* وكاتب ألفاظه وكتبه
* بغيضة إن خط أو تكلما
*
* ترى أناسا يتمنون العمى
* وآخرين يحمدون الصمما
*
وقال وقد زاره محبوبه فجاء مطر وسيل منعه من العود
* يا ليلة جادت الأماني
* فيها على رغم أنف دهري
*
* للقطر فيها على نعمي
* يقصر عنها طويل شكري
*
* إذ بات في منزلي حبيبي
* وقام في أهله بعذر
*
* يا ليلة السيل في الليالي
* لأنت خير من ألف شهر
*

123
وقال
* يا صاحبي وما البخيل بصاحبي
* هذي الخيام فأين تلك الأدمع
*
* أنمر بالعرصات لا نبكي بها
* وهي المعاهد منهم والأربع
*
* يا سعد ما هذا القيام وقد نأوا
* أتقيم من بعد القلوب الأضلع
*
* هيهات لا ريح اللواعج بعدهم
* رهو ولا طير الصبابة وقع
*
* وأبى الهوى إلا الحلول بلعلع
* ويح المطايا أين منها لعلع
*
* لم أدر أين ثووا فلم أسأل بهم
* ريحا تهب ولا بريقا يلمع
*
* وكأنهم في كل مدرج ناسم
* فعليه مني رقة وتضرع
*
* فإذا منحتهم السلام تبادرت
* تبليغه عني الرياح الأربع
*
((351 - ابن نبيه الشاعر))
علي بن محمد بن الحسن بن يوسف بن يحيى الأديب الشاعر البارع كمال الدين بن النبيه المصري صاحب الديوان المشهور
مدح بني أيوب واتصل بالملك الأشرف موسى وكتب له الإنشاء وسكن بنصيبين وتوفي بها في حادي عشرين جمادى الأولى سنة تسع عشرة وستمائة وهذا ديوانه المشهور هو انتقاه من شعره لأنه كله منقى منقح الدرة وأختها وإلا فما هذا شعر من لا نظم له إلا هذا الديوان الصغير
ومن شعره ما ذكره القوصي في مليح يشتغل بعلم الهندسة
* وبي هندسي الشكل يسبيك لحظه
* وخال وخد بالعذار مطرز
*
* ومذ خط بيكار الجمال عذاره
* كقوس علمنا أنما الخال مركز
*
وقال
* تعلمت علم الكيمياء بحبه
* غزال بجسمي ما بجفنيه من سقم
*
* فصعدت أنفاسي وقطرت أدمعي
* فصح بذا التدبير تصفيرة الجسم
*
وقال في مليح يهودي رآه بدمشق فأحبه
* من آل إسرائيل علقته
* أسقمني بالصد والتيه
*

124
* قد أنزل السلوى على قلبه
* وأنزل المن على فيه
*
وقال
* بدر تم له من الشعر هاله
* من رآه من المحبين هاله
*
* قصر الليل حين زار ولا غر
* وغزال غارت عليه الغزالة
*
* يا نسيم الصبا عساك تحملت
* لنا من سكان نجد رسالة
*
* كل معسولة المراشف بيضاء
* حمتها سمر القنا العسالة
*
* عانقتني كصارمي وأدارت
* معصميها في عاتقي كالحمالة
*
* إن بالرقمتين ملعب لهو
* بسطت دوحه علينا ظلاله
*
* معلم معلم وشى بسطه الزهر
* وحاكته ديمة هطاله
*
* وكأن الحمام فيه قيان
* أعربت لحنها على غير آلة
*
* وكأن القضيب شمر للرقص
* سحيرا عن ساقه أذياله
*
* إن خوض الظلماء أطيب عندي
* من مطايا أمست تشكي كلاله
*
* فهي مثل القسي شكلا ولكن
* هي في السبق أسهم لا محاله
*
* تركتها الحداة بالخفض والرفع
* حروفا في جرها عماله
*
ولشهاب الدين التلعفري قصيدة في هذا الوزن وهي
* أي دمع من الجفون أسأله
* إذ أتته من النسيم رسالة
*
* حملته الرياض أسرار عرف
* أودعتها السحائب الهطالة
*
ومنها
* يا خليلي وللخليل حقوق
* واجبات الأحوال في كل حالة
*
* سل عقيق الحمى وقل إذ تراه
* خاليا من ظبائه المختالة
*
* أين تلك المراشف العسليات
* وتلك المعاطف العسالة
*
* وليال قضيتها كلآل
* بغزال تغار منه الغزالة
*
* بابلي الحاظ والريق والألفاظ
* كل مدامة سلسالة
*
* وطويل الصدود والشعر والمطل
* ومن لي بأن يديم مطالة
*
* وسقيم الجفون والعهد والخصر
* فكل تراه يشكو اعتلالة
*
* ونقي الجبين والخد والثغر
* فطوبى لمن حسا جريالة
*
* من بنى الترك كلما جذب القوس
* رأينا في وسطه بدر هالة
*

125
* يقع الوهم حين يرمي فلا ندري
* يداه أم عينه النبالة
*
* قلت لما لوى ديون وصالي
* وهو مثر وقادر لا محالة
*
* بيننا الشرع قال سر بي فعندي
* من صفاتي لكل دعوى دلالة
*
* وشهودي من خال خدي ومن قددي
* شهود معروفة بالعدالة
*
* أنا وكلت مقلتي في دما الخلق
* فقالت قبلت هذي الوكالة
*
ومن شعر ابن نبيه
* رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا
* فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرى
*
* خذوا حذرا من خارجي عذاره
* فقد جاء زحفا في كتيبته الخضرا
*
* غلام أراد الله إطفاء فتنة
* بعارضة فاستأنفت فتنة أخرى
*
* فزرفن بالأصداغ جنة خده
* وأرخى عليها من ذؤابته سترا
*
* أخوض عباب الموت من دون ثغره
* كذاك يخوض البحر من طلب الدرا
*
* غزال رخيم الدل في يوم سلمه
* وليث له في حربه البطشة الكبرى
*
* درى بحمل الكأس في يوم لذة
* ولكن بحمل السيف يوم الوغى أدرى
*
* أهيم به في عقده أو نجاده
* فلا بد في السراء منه وفي الضرا
*
* وصامتة الخلخال أن وشاحها
* فهذا قد استغنى وذاك اشتكى الفقرا
*
* لها معصم لولا السوار يصده
* إذا حسرت أكمامها لجرى نهرا
*
* دعتني إلى السلوان عنه بحبها
* فما كنت أرضى بعد إيماني الكفرا
*
* بأي اعتذار التقى حسن وجهه
* إذا شغلتني عنه غانية عذرا
*
وقال
* باكر صبوحك أهنا العيش باكره
* فقد ترنم فوق الأيك طائره
*
* والليل تجري الدراري في حجرته
* كالروض تطفو على نهر أزاهره
*
* وكوكب الصبح نجاب على يده
* مخلق تملأ الدنيا بشائره
*
* فانهض إلى ذوب ياقوت لها حبب
* تنوب عن ثغر من تهوى جواهره
*
* حمراء في وجنة الساقي لها شبه
* فهل جناها مع العنقود عاصره
*
* ساق تكون من صبح ومن غسق
* فابيض خداه واسودت غدائره
*
* مفلج الثغر معسول اللمى غنج
* مؤنث الجفن فحل اللحظ شاطره
*
* مهفهف القد يندى جسمه ترفا
* مخضر الخصر عبل الردف وافره
*

126
* بيض سوالفه لعس مراشفه
* نعس نواظره خرس أساوره
*
* تعلمت بانة الوادي شمائله
* وزورت سحر عينيه جآذره
*
* كأنه بسواد الصدغ مكتحل
* وركبت فوق خديه محاجره
*
* نبي حسن أظلته ذوائبه
* وقام في فترة الأجفان ناظره
*
* فلو رأت مقلتا هاروت آيته
* الكبرى لآمن بعد الكفر ساحره
*
* قامت أدلة صدغية لعاشقه
* على عذول أتى فيه يناظره
*
* خذ من زمانك ما أعطاك مغتنما
* وأنت ناه لهذا الدهر آمره
*
* فالعمر كالكأس تستحلى أوائله
* لكنه ربما مجت أواخره
*
وقال
* طاب الصبوح لنا فهاك وهات
* واشرب هنيئا يا أخا اللذات
*
* كم ذا التواني والشباب مطاوع
* والدهر سمح والحبيب مواتي
*
* قم فاصطبح من شمس طاسك واغتبق
* بكواكب طلعت من الكاسات
*
* صفراء صافية توقد بردها
* فعجبت للنيران في الجنات
*
* ينسل من قار الظروف حبابها
* والدر مجتلب من الظلمات
*
* عذراء واقعها المزاج أما ترى
* منديل عذرتها بكف سقاه
*
* يسعى بها عبل الروادف أهيف
* خنث الشمائل شاطر الحركات
*
* يهوى فتسبقه أساود شعره
* ملتفة كأساود الحيات
*
* يدري منازل نيرات كئوسه
* ما بين منصرف وآخر آتى
*
وقال أيضا
* أمانا أيها القمر المطل
* فض جفنيك أسياف تسل
*
* يزيد جمال وجهك كل يوم
* ولى جسد يذوب ويضمحل
*
* وما عرف السقام طريق جسمي
* ولكن دل من أهوى يدل
*
* يميل بطرفه التركي عني
* صدقتم إن ضيق العين بخل
*
* إذا نشرت ذوائبه عليه
* ترى ماء يرف عليه ظل
*
وقال أيضا
* حديث دمعي عن غرامي شجون
* تنقله عني رواة الجفون
*
* عجبت من صحة أخبارها
* وقد تجرحن بدمع هتون
*

127
* بمهجتي أحور قد جمعت
* جفونه المرضى فنون الفتون
*
* مغنيطس الخال على خده
* يجذب بالحسن حديد العيون
*
* ساومته في فمه قبلة
* فقال هذا أبدا لا يكون
*
* أدر الدنانير فقد نثرت
* دراهم النور بنان الغصون
*
* عوذ جناني من جنون الهوى
* من لام صدغيه بقاف ونون
*
وقال أيضا
* صن ناظرا مترقبا لك أن يرى
* فلقد كفى من دمعه ما قد جرى
*
* يا من حكى في الحسن صورة يوسف
* آها لو أنك مثل يوسف تشترى
*
* تعشو العيون لخده فيردها
* ويقول ليست هذه نار القرى
*
* يا قاتل الله الجمال فإنه
* ما زال يصحب باخلا متجبرا
*
* يا غصن بان في نقا رمل لقد
* أبدعت إذ أثمرت بدرا نيرا
*
* ما ضر طيفك أن أكون مكانه
* فقد اشتبهنا في السقام فما نرى
*
* أترى لأيامي بوصلك عودة
* ولو أنها في بعض أحلام الكرى
*
* زمنا شربت زلال وصلك صافيا
* وجنيت روض رضاك أخضر مثمرا
*
* ملكتك فيه يدي فحين فتحتها
* لم ألق إلا حسرة وتفكرا
*
وقال
* لماك والخد النضر
* ماء الحياة والخضر
*
* أخذتني يا تاركي
* أخذ عزيز مقتدر
*
* أحلت سلواني على
* ضامن قلب منكسر
*
* ونمت عن ذي أرق
* إذا غفا النجم سهر
*
* وماء عيني التقي
* فيك لأمر قد قدر
*
* ما نصبت أشراك
* الحاظك إلا لحذر
*
* قلبي على الترك
* بهذا البدوي يفتخر
*
* ولي عهد البدر إن
* غاب فإني منتظر
*
* خلعت إذ بايعته
* عذار من لا يعتذر
*
* في خلقه وخلقه
* طبع الغزال والنمر
*

128
* نزهة أحداق الورى
* فحيثما سار تسر
*
* إن طريق ناظري
* إلى محياه خطر
*
وقال
* قم يا غلام ودع مقالة من نصح
* فالديك قد صدع الدجى لما صدح
*
* خفيت تباشير الصباح فسقني
* ما طل في الظلماء من قدح القدح
*
* صهباء ما لمعت بكف مديرها
* لمقطب إلا تهلل وانشرح
*
* هي صفوة الكرم الكريم فما سرت
* سراؤها في باخل إلا سمح
*
* من كف فتان القوام بوجهه
* عذر لمن خلع العذار أو اطرح
*
* ولي بشعر كالظلام إذا دجا
* وأتى بوجه كالصباح إذا وضح
*
* يهتز كالغصن الرطيب على النقا
* ذا خف في طي الوشاح وذا رجع
*
* النرجس الغض استحى من طرفه
* وبخده زهر الأقاح قد اتضح
*
* فكأنه متبسم بعقوده
* أو بالثنايا قد تقلد واتشح
*
وديوان شعره كله من هذا الأسلوب وهو موجود في أيدي الناس سامحه الله تعالى
((352 - علاء الدين الباجي))
علي بن محمد بن خطاب الشيخ علاء الدين الباجي المغربي الأصولي المصري
ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة وتوفي سنة أربع عشرة وسبعمائة
اختصر كتاب المحرر وعلوم الحديث والمحصول في أصول الفقه والأربعين
وكان عمدة في الفتوى وتخرج به الأصحاب وممن أخذ عنه العلامتان قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأثير الدين أبو حيان
وكان دينا صينا وقورا

129
* رثى لي عذلي إذ عاينوني
* وسحب مدامعي مثل العيون
*
* وراموا كحل عيني قلت كفوا
* فأصل بليتي كحل العيون
*
وقال دوبيت
* بالبلبل والهزار والشحرور
* يسبي طربا قلب الشجي المغرور
*
* فانهض عجلا وانهب من اللذة ما
* جادت كرما به يد المقدور
*
((353 - أبو سعد بن خلف))
علي بن محمد بن خلف أبو سعد الكاتب النيرماني
ونيرمان قرية من قرى الجبل بالقرب من همذان كان من جلة الكتاب الفضلاء والرؤساء النبلاء وكان يخدم في ديوان بني بوية ببغداد وصنف لبهاء الدولة المنثور البهائي في مجلدة وهو نثر كتاب الحماسة
وتوفي سنة أربع عشرة وأربعمائة
ومن شعره القصيدة المشهورة وهي
* خليلي في بغداد هل أنتما ليا
* على العهد مثلي أم غدا العهد باليا
*
* وهل ذرفت يوم النوى مقالتكما
* على كما أمسى وأصبح باكيا
*
* وهل أنا مذكور بخير لديكما
* إذا ما جرى ذكر لمن كان نائيا
*
* وهل فيكما من إن تنزل منزلا
* أنيقا وبستانا من النور حاليا
*
* أجد له طيب المكان وحسنه
* منى يتمناها فكنت الأمانيا
*
* كتابي عن شوق شديد إليكما
* كأن على الأحشاء منه مكاويا
*
* وعن أدمع منهلة فتأملا
* كتابي تبن آثارها في كتابيا
*
* ولا تيأسا أن يجمع الله بيننا
* كأحسن ما كنا عليه تصافيا
*
* فقد يجمع الله الشتيتين بعد ما
* يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
*
* ولما تفرقنا تطيرت أن أرى
* مكانك منى لا خلا منك خاليا
*

130
* فضمنه وردا كرياك ريحه
* يذكرني منك الذي لست ناسيا
*
* ولا تطلبا صوني إذا ما تغنتا
* تسر وفوز جادتا لي الأغانيا
*
* وخبرتماني أن تيماء منزل
* لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
*
* فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت
* فما للنوى ترمى بليلي المراميا
*
* فدي لك يا بغداد كل مدينة
* من الأرض حتى خطتي ودياريا
*
* فقد سرت في شرق البلاد وغربها
* وطوفت خيلي بينها وركابيا
*
* فلم أر فيها مثل بغداد منزلا
* ولم أر فيها مثل دجلة واديا
*
* ولا مثل أهليها أرق شمائلا
* وأعذب ألفاظا وأحلى معانيا
*
* وكم قائل لو كان ودك صادقا
* لبغداد لم ترحل وكان جوابيا
*
* يقيم الرجال الموسرون بأرضهم
* وترمى النوى بالمقترين المراميا
*
وأورد له ابن النجار في تاريخه
* يا ظالمي قسما عليك بحرمة ال
* إيمان وهي نهاية الأيمان
*
* لا تسفكن دمي فإني خائف
* جدا عليك عقوبة العدوان
*
* وإذا مررت على زرود فلا تغر
* بالمشي فيه تمايل الأغصان
*
* بالله واستر ورد خدك فيه لا
* ينشق قلب شقائق النعمان
*
وأورد له أيضا
* عجبا لضرسك كيف يشكو علة
* وبجنبه من ريقك الدرياق
*
* هذا نظير سقام ناظرك الذي
* عافاك واتليت به العشاق
*
* أو عقربي صدغيك إذ لدغا الورى
* وحماك من حمتيهما الخلاق
*
((354 - الصاحب بهاء الدين بن حنا))
علي بن محمد بن سليم الصاحب الوزير الكبير بهاء الدين بن حنا المصري أحد رجال الدهر حزما وعزما ورأيا ودهاء وخبرة وتصرفا استوزره

131
الظاهر وفوض إليه الأمور ولم يكن على يده يد وقام بأعباء المملكة وكان واسع الصدر عفيفا نزها لا يقبل لأحد شيئا إلا أن يكون من الصلحاء والفقراء وكان قائما بهم يحسن إليهم ويحترمهم ويدر عليهم الصلات وقد قصده غير واحد بالأذى فلم يجدوا ما يتعلقون به عليه ووزر بعد الظاهر لابنه السعيد وزادت رتبته وله مدرسة وبر وأوقاف
ابتلي بفقد ولديه فخر الدين ومحيي الدين فصبر وتجلد وعاش أربعا وسبعين سنة وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة
وحكى أن من جملة سعادته أول وزارته أنه نزل إلى دار الوزير الفائزي ليتبع ودائعه وذخائره فوجد ورقة فيها أسماء من أودع عنده أمواله فعرف الحاضرون كل من سمي في الورقة وطلب وأخذ المال منه وكان في جملة الأسماء مكتوب الشيخ ركن الدين أربعون ألف دينار فلم يعرف الحاضرون من هو الشيخ ركن الدين ففكر الصاحب زمانا وقال احفروا هذا الركن وأشار إلى ركن في الدار فحفروه فوجدوا الذهب
وكان ينتبه قبل الأذان للصبح ويشرب قدحا فيه ثماني أواق شراب بالمصري ويأكل طيري دجاج مصلوقة فإذا أذن صلى الصبح وركب إلى القلعة وأقام طول نهاره لا يأكل شيئا في المباشرة ويظن أنه صائم وهو في الحقيقة صائم لا يحتاج إلى غذاء مع ذلك الشراب والدجاج
وكان الملك الظاهر يعظمه ويدعوه يا أبي
وحكى أن الأمراء الكبار اشتوروا فيما بينهم أنهم يخاطبون الملك الظاهر في عزل الصاحب بهاء الدين وكانوا قد قرروا أن ابن بركة خان هو الذي يفتح الباب في ذلك والأمراء يراسلونه فبلغ السلطان ذلك وكانوا قد عزموا على مخاطبته في بكرة ذلك النهار في الخدمة فلما جاءوا ثاني يوم ادعى السلطان أنه أصبح بع مغس منعه عن الجلوس للخدمة فجلس الأمراء إلى أن تعالى النهار

132
ثم خرج إليهم جمدار وقال لهم باسم الله ادخلوا فدخلوا يعودون السلطان فوجدوه متقلقا فجلسوا عنده ساعة فجاءه خادم وقال خوند كان مولانا السلطان قد دفع إلى في وقت قعبة صيني فيها حلاوة يقطين وقال لي دعها عندك فإن هذه أهداها لي رجل صالح وهي تنفع من الأمراض فقال السلطان نعم أحضرها فأحضرها فأكل منها شيئا قليلا وادعى أنه سكن ما يجده من الألم ففرح الأمراء وسروا بذلك فقال يا أمراء تعرفون الذي أهدى إلى هذه الحلاوة فقالوا لا قال هذا أبي الصاحب بهاء الدين فسكتوا فلما خرجوا قال بعضهم لبعض إذا كان يعتقد أن طعامه يشفي من المرض أي شيء تقولون فيه
((355 - علاء الدين بن غانم))
علي بن محمد بن سلمان بن حمائل الشيخ الفاضل البليغ الكاتب الشاعر صدر الشام بقية الأعيان الشيخ علاء الدين بن غانم
تقدم تمام نسبه في ترجمة أخيه الشيخ شهاب الدين توفي ب تيوك سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وله ست وثمانون سنة
كان حسنة من حسنات الزمان وبقية مما ترك الأعيان ذا مروءة فاتت الواصف وجود أخجل الغمام الواكف تأذى من الدولة مرات وما رجع عما له في الخير والعصبية من كرات
قال الشيخ صدر الدين بن الوكيل ما أعرف أحدا في الشام إلا ولعلاء الدين ابن غانم في عنقه منة قلدها بصنيعه أو جاهه أو ماله
وكان الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني يكرهه ويقول ما أدري ما أعمله بهذا علاء الدين بن غانم أي من أردت أن أذكره عنده بسوء يقول ما في الدنيا مثل علاء الدين بن غانم
وكانت كراهته له بسبب وهو أنه شغر منصب القضاء بدمشق فكتب جمال الدين الأفرم نائب السلطنة مطالعة يذكر فيها من يصلح للقضاء فعين

133
الشيخ صدر الدين ابن الوكيل وابن الزملكاني وابن الشريشي وغيرهم وكتب في الجملة نجم الدين ابن صصري وكان بين ابن صصري وابن غانم تودد عظيم وإدلال وعشرة عظيمة وكان عند الأفرم حجرة عربية ليس لها نظير وكان يحبها وكان سلار والجاشنكير كل منهما قد طلبها وهو يدافع عنها ولا تسمح نفسه بفراقها فأخذ ابن غانم علامة الأفرم وكتب عليها كتابا بخطه يقول لسلار أحب أن تجعل ولاية قضاء القضاة لابن صصري وشكرانه ولك الحجرة التي طلبتها وسير المطالعة فلم يشعر إلا وتقليد ابن صصري قد كتب ولم يكن في ظن أحد ذلك فتغيظ ابن الزملكاني وابن الوكيل لذلك وعز عليهما وباشر ابن صصري القضاء ثم بعد ذلك طلبت الفرس وقيل له قد أجبنا سؤالك إلى ما أردت وسير لنا ما ذكرت من الفرس فقال أنا لم أعلم بذلك ولا لي غرض فسيروا إليه المطالعة فوجدت بخط ابن غانم فرسم إليه في الغد برايه ليقطع في بكرة النهار يده وشاع ذلك فلما أن كان سحر ذلك اليوم طلبه الأفرم وقال له من أول الليل إلى آخره كلما أردت النوم يأتيني شخص في يده رمح قال أو حربة
ويقول لا تعرض لابن غانم بسوء وإلا أقتلك بهذه الحربة
وقال له ما حملك على ذلك قال حبي لابن صصري ولا عدت إلى مثلها فعفا عنه وخلع عليه وكمد عداه لذلك واستقل ابن صصري بالقضاء وعظمت منزلة ابن غانم عند ابن صصري مع عظمها قبل ذلك وكان زائد الإدلال عليه تضاعف إدلاله
وكان ابن صصري إذا عزل لا يولى وإذا ذاكر في أمر لا يرجع عنه واتفق أن قاضي نوى كان له أعداء تكلموا فيه بسوء جرحوه بالباطل وتحاملوا عليه عند قاضي القضاة نجم الدين فاستحضره وعزله وانتهزه في المجلس وخرج من بين يديه منكسر الخاطر وكان علاء الدين بن غانم يقرأ بين المغرب والعشاء في السبع بالحائط الشمالي عند باب النظامين فقيل لذلك الرجل ما لك إلا علاء الدين بن غانم فله إدلال عظيم على القاضي وأعلموه أنه بين العشاءين يقرأ في السبع المذكور فاتفق أن ذلك الرجل جاء إلى علاء الدين ولم يكن يعرفه فسأله عن علاء الدين وقال لي إليه حاجة فدلني عليه
فقال علاء الدين قل لي حاجتك فإن كان يمكن قضاؤها تحدثت لك مع ابن غانم

134
فهو ما يخالفني إن شاء الله تعالى فقال له يا مولانا أنا والله فقير الحال ولي عائلة ورجل كبير والله ما معي درهم ولا ما أتعشى به وبكى وقال أنا قاض من قضاة البر وكأن بعض من يحسدني وشى بي عنده ونقل إليه بأنني أرتشي وحمله علي فاستحضرني وعزلني والله ما لي درهم واحد ولا دابة أحضر عليها أهلي وقصدت أن أجلس بين الشهود فما مكنني فقيل لي إن علاء الدين بن غانم واسطة خير وله عليه إدلال عظيم ودلوني إلى هذا المكان وبكى فقال له اقعد هنا لأكشف لك خبر ابن غانم وأرجو من الله إصلاح أمرك فأجلسه وانطلق من وقته فدخل على ابن صصري وكلمه بإدلاله بحيث قال له أنت قاسي القلب وأنت أنت فقال له ما الخبر فقال هذا القاضي الفلاني أي شيء ذنبه حتى عزلته فقال من صفته كذا وكذا وقيل عنه كذا وكذا فقال والله كذب عليه وأنا والله ما أعرفه ودل علي وحلف أنه ما ارتشى قط ولا له ما يتعشى به ورق قلبي له ووالله العظيم لا خرجت من عندك حتى توليه وظيفته وتكتب تقليده وتكتب عدوه
فقال هذا ما يمكن وما لي عادة إذا عزلت أحدا أعود إليه
فقال والله ما أخرج حتى توليه وإن لم تسمع مني لا عدت أكلمك أبدا
فلم يزل حتى ولاه من ساعته وكتب تقليده وأشهد عليه بذلك فقال وتعطيه عمامتك وفرجيتك خلعة عليه فلم يمكنه مخالفته
ثم قال وتكتب له على الصدقات خمسمائة درهم ففعل ذلك جميعه وأتى إلى منزله فأخذ ثوبا ودلقا له ووضع الجميع في بقجة وأتى إليه وهو ينتظره فحين رآه قال له إيش قال لك ابن غانم فأخرج التوقيع وكان في ذهنه أن يسعى له في الجلوس بين الشهود فلما قرأ التوقيع كاد يموت فرحا ثم أعطاه العمامة والفرجية والخمسمائة وقال هذا من قاضي القضاة وهذا الدلق والغلالة مني فأكب على يديه يقبلهما فلم يمكنه وقال أنا والله ما عملت معك هذا إلا لله تعالى فابتهل بالدعاء له
وله من هذا وأشباهه ما لا يكاد ينضبط ولو بسطت مناقبه لطال الفصل
وكان وقورا مليح الهيئة منور الشيبة ملازم الجماعة مطرح الكلف
حدث عن ابن عبد الدايم والزين خالد وابن النشبي وجماعة
وكان بيته رحمه الله تعالى مأوى كل غريب وبابه نقصد كل ملهوف
وله النظم والنثر

135
ومدحه شعراء عصره وكان آخر من بقي من رؤساء دمشق
كتب إلى العلامة شهاب الدين محمود
* لقد غبت عنا والذي غاب محسود
* وأنت على ما اخترت من ذاك محمود
*
* حللنا محلا بعد بعدك ممحلا
* به كل شيء ما خلا الشر مفقود
*
* به الباب مفتوح إلى كل شقوة
* ولكن به باب السعادة مسدود
*
فكتب إليه شهاب الدين محمود الجواب
* أأحبابنا بنتم وشط مزاركم
* برغمي وحالت دون وصلكم البيد
*
* وروعتم روض الحمى بفراقكم
* فشابت نواصي بأنه وهو مولود
*
* ومن لم تهجه الورق وجدا عليكم
* توهم أن النوح في الدوح تغريد
*
وكتب إليه الشيخ نجم الدين الصفدي
* شنف الأسماع بالنظم الذي
* قد حكى الأنجم في ظلمائها
*
* وبدا كالشمس إلا أنه
* زاد في النور على لألائها
*
فأجاب
* ليس للمملوك إلا مدحه
* في معاليك وفي آلائها
*
* وبحار الفضل تجري منك لي
* فمقالي قطرة من مائها
*
وقال رحمه الله تعالى عاتبني شهاب الدين محمود وهو صاحب الديوان وقال بلغني أن جماعة كتاب الإنشاء يذمونني وأنت حاضر ما ترد غيبتي فكتبت إليه
* ومن قال إن القوم ذموك كاذب
* وما منك إلا الفضل يوجد والجود
*
* وما أحد إلا لفضلك حامد
* وهل عيب بين الناس أو ذم محمود
*
فأجاب بأبيات منها
* علمت بأني لم أذم بمجلس
* وفيه كريم القوم مثلك موجود
*

136
* ولست أزكي النفس إذ ليس نافعي
* إذا ذم مني الفعل والاسم محمود
*
* وما يكره الإنسان من أكل لحمه
* وقد آن أن يبلى ويأكله الدود
*
قال ولم يكن بعد ذلك إلا أيام قلائل حتى توفي رحمه الله تعالى وأكله الدود
ومن شعر علاء الدين بن غانم لما أمسك كراي المنصوري نائب الشام
* أنا راض بحالتي لا مزيد
* بألا أزال عبد الحميد
*
* لي في أمر كافل الملك بالشا
* م عظات للحازم المستفيد
*
* جاءه بالتقليد أرغون بالأم
* س وولي وعاد بالتقييد
*
ومنه
* وكم سرحة لي بالربا زمن الصبا
* أشاهد مرأى حسنها متمليا
*
* ويسكرني عرف الشذا من نسيمها
* فأقضي هوى من طيبه حتف أنفيا
*
* وأسأل فيها مبسم الروض قبلة
* فيبرز من أكمامه لي أيديا
*
* فلله روض زرته متنزها
* فأبدي لعيني حسن مرأى بلا ريا
*
* غدا الغصن فيه راقصا ونسيمه
* يكر على من زاره متعديا
*
* ترجلت الأشجار والماء خر إذ
* نسيم الصبا أضحى به متمشيا
*
* تغنى لديه الورق والغصن راقص
* فيعرق وجه الأرض من كثرة الحيا
*
وقال
* فعد نفسك من أهل القبور بها
* فعن قليل إليها سوف تنتقل
*
* واذكر مصارع قوم قد قضوا ومضوا
* كأنهم لم يكونوا بعد ما رحلوا
*
* يا ليت شعري ما قالوا وقيل لهم
* وما الذي قد أجابوا عندما سئلوا
*
ومن نثره في صفة قلعة ذات أودية ومحاجر لا تراها العيون لبعد مرماها إلا شزرا ولا ينظر ساكنها العدد الكثير إلا نزرا ولا يظن ناظرها إلا أنها طالعة بين النجوم بما لها من الأبراج ولها من الفرات خندق يحفها كالبحر

137
إلا أن هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج ولها واد لا يقي لفحة الرمضاء ولا حر الهواجر وقد توعرت مسالكه فلا يداس فيه إلا على المحاجر وتفاوت ما بين مرآة العلى وبين قراره العميق ويقتحم راكبه الهول في هبوطه فكأنما خر من السماء أو تخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق
((356 - ابن خروف النحوي))
علي بن محمد بن خروف نظام الدين أبو الحسن بن خروف الأندلسي
حضر من إشبيلية وكان إماما في العربية محققا مدققا ماهرا مشاركا في علم الأصول صنف شرحا لكتاب سيبويه جليل الفائدة حمله إلى صاحب الغرب فأعطاه ألف دينار وشرحا للجمل وكتابا في الفرائض
وله رد على أبي زيد السهيلي وعلى جماعة في العربية
أقرأ النحو بعدة بلاد وأقام في حلب مدة واختل عقله بأخرة حتى مشى في الأسواق عريانا بادي العورة مكشوف الرأس وتوفي سنة تسع وستمائة
ومن شعره في كأس
* أنا جسم للحميا
* والحميا لي روح
*
* بين أهل الظرف أغدو
* كل يوم وأروح
*
وقال في صبي مليح حبسه القاضي
* أقاضي المسلمين حكمت حكما
* أتى وجه الزمان به عبوسا
*
* حبست على الدراهم ذا جمال
* ولم تحبسه إذ سلب النفوسا
*
وكتب إلى القاضي القضاة محيي الدين بن الزكي يستقيله من مشارفة مارستان نور الدين وكان بوابة يسمى السيد وهو في اللغة الذئب
* مولاي مولاي أجرني فقد
* أصبحت في دار الأسى والحتوف
*
* وليس لي صبر على منزل
* بوابة السيد وجدي خروف
*
ودعاه نجم الدين ابن اللهيب إلى طعامه فلم يجبه وكتب إليه

138
* ابن اللهيب دعاني
* دعاء غير نبيه
*
* إن سرت يوما إليه
* فوالدي في أبيه
*
وقال فيه
* يا بن اللهيب جعلت مذهب مالك
* يدعو الأنام إلى أبيك ومالك
*
* يبكي الهدى ملء الجفون وإنما
* ضحك الفساد من الصلاح الهالك
*
وقد قال فيه أيضا
* لابن اللهيب مذهب
* في كل غي قد ذهب
*
* يتلو الذي يبصره
* تبت يدا أبي لهب
*
وكتب إلى القاضي بهاء الدين بن شداد يطلب منه فروة قرض
* بهاء الدين والدنيا
* ونوء المجد والحسب
*
* طلبت مخافة الأنوا
* ء من نعماك جلد أبي
*
* وفضلك عالم أني
* خروف بارع الأدب
*
* حلبت الدهر أشطره
* وفي حلب صفا حلبي
*
وقال في نيل مصر
* ما أعجب النيل ما أحلى شمائله
* في ضفتيه من الأشجار أدواح
*
* من جنة الخلد فياض على ترع
* تهب فيها هبوب الريح أرواح
*
* ليست زيادته ماء كما زعموا
* وإنما هي أرزاق وأرواح
*
وقال
* واشربوا كل صباح لبنا
* واشربوا كل أصيل عسلا
*
* وعلسوا ذاك إلى أعدائكم
* من قسى النبل أو رقش الفلا
*
وقال
* لا ترجون لمثلي
* من هذه الراح توبة
*

139
* فإنما هي ليلى
* وإنما أنا توبة
*
قال القوصي وقع ابن خروف في جب بحلب ليلا فمات وذلك في سنة تسع وستمائة رحمه الله تعالى
((357 - مجد العرب))
علي بن محمد بن غالب أبو فراس العامري المعروف بمجد العرب شاعر جال ما بين العراق والشام ومدح الملوك والأكابر ولبس أخيرا لبس الأتراك
وتوفي بالموصل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
ومن شعره
* أمتعب ما رق من جسمه
* بحمل السيوف وثقل الرماح
*
* علام تكلفت حملانها
* وبين جفونك أمضى السلاح
*
وقال أيضا
* فارق تجد عوضا عمن تفارقه
* في الأرض وانصب تلاق الرشد في النصب
*
* فالأسد لولا فراق الغاب ما فرست
* والسهم لولا فراق القوس لم يصب
*
((358 - ابن الأعمى))
علي بن محمد بن المبارك الأديب كمال الدين ابن الأعمى الشاعر صاحب المقامة التي في الفقراء المجردين وكان شيخا كبيرا من بقايا شعراء الدولة الناصرية انقطع في آخر عمره بالقليجية وكان مقرئا بالتربة الأشرفية
ووالده الشيخ ظهير الدين الأعمى كان خطيب القدس
وكانت وفاة كمال الدين سنة اثنتين وتسعين وستمائة

140
ومن شعره
* أنا في حالة النوى والتداني
* لست أثني عن الغرام عناني
*
* لا يروم السلو قلبي ولا يف
* تر عن ذكر من أحب لساني
*
* وسواء إذا المودة دامت
* نظري بالعيان أو بالجنان
*
* فاقتراب الديار لفظ وقرب ال
* ود معنى فاسلك سبيل المعاني
*
* لست ممن يرضى بطيف خيال
* قانعا في هواهم بالهوان
*
* إن طيف الخيال دل على أن
* ن الكرى قد يلم بالأجفان
*
* غير أني تشتاق عيني إلى من
* حل من مهجتي أعز مكان
*
* وبروحي ظبي تغار غصون ال
* بان منه ويخجل النيران
*
* ذو قوام يغنيه عن حمله الرم
* ح وجفن وسنانه كالسنان
*
* كتب الحسن فوق خديه بين ال
* ماء والنار فيهما جنتان
*
* حرس الورد منهما نرجس اللحظ
* فلم سيجوه بالريحان
*
* عارض عوذته ياسين لما
* أن تبدى كالنمل أو كالدخان
*
* يلبس الحسن كل وقت جديدا
* فلهذا أخلقت ثوب التواني
*
* يا خليلي خلياني ووجدي
* وامزجا لي بذكره واسقياني
*
* وإذا ما قضيت سكرا من الوج
* د فلا تحزنا ولا تدفناني
*
* فأيادي ذا الناصر الملك تحيي
* ني كإحيائها الندى وهو فاني
*
وقال يذم دار سكناه ويبالغ فيها
* دار سكنت بها أقل صفاتها
* ان تكثر الحسرات من حشراتها
*
* الخير عنها نازح متباعد
* والسر دان من جميع جهاتها
*
* من بعض ما فيها البعوض عدمته
* كم أعدم الأجفان طيب سناتها
*
* وتبيت تسعدها براغيث متى
* غنت لها رقصت على نغماتها
*
* رقص بتيقيظ ولكن قافه
* قد قدمت فيه على أخواتها
*
* وبها ذباب كالضباب يسد عي
* ن الشمس ما طربي سوى غناتها
*
* أين الصوارم والقنا من فتكها
* فينا وأين الأسد من وثباتها
*
* وبها من الخطاف ما هو معجز
* أبصارنا عن حصر كيفياتها
*
* تعشى العيون بمرها ومجيئها
* وتصم سمع الخلد من أصواتها
*

141
* وبها خفافيش تطير نهارها
* مع ليلها ليست على عاداتها
*
* شبهتها بقنافذ مطبوخة
* نزع الطهاة بنضجها شوكاتها
*
* شوكاتها فاقت على سمر القنا
* في لونها وتمامها وشياتها
*
* وبها من الجرذان ما قد قصرت
* عنه العتاق الجرد في حملاتها
*
* فترى أبا غزوان منها هاربا
* وأبا الحصين يروغ عن طرقاتها
*
* وبها خنافس كالطنافس أفرشت
* في أرضها وعلت على جنباتها
*
* لو شم أهل الحرب منتن فسوها
* أردى الكماة الصيد عن صهواتها
*
* وبنات وردان وأشكال لها
* مما يفوت العين كنه ذواتها
*
* متزاحم متراكم متحارب
* متراكب في الأرض مثل نباتها
*
* وبها قراد لا اندمال لجرحها
* لا يفعل المشراط مثل أداتها
*
* أبدا تمص دماءنا فكأنها
* حجامة لبدت على كاساتها
*
* وبها من النمل السليماني ما
* قد قل ذر الشمس عن ذراتها
*
* لا يدخلون مساكنا بل يحطمو
* ن جلودنا فالعقر من سطواتها
*
* ما راعني شيء سوى وزغاتها
* فنعوذ بالرحمن من نزغاتها
*
* سجعت على أوكارها فظننتها
* ورق الحمام سجعن في شجراتها
*
* وبها زنابير تظن عقاربا
* لا برء للمسموم من لدغاتها
*
* وبها عقارب كالأقارب رتعا
* فينا حمانا الله لدغ حماتها
*
* فكأنما حيطانها كغرابل
* أطلعن أرؤسهن من طاقاتها
*
* كيف السبيل إلى النجاة ولا نجا
* ة ولا حياة لمن رأى حياتها
*
* السم في نفثاتها والمكر في
* فلتاتها والموت في لفتاتها
*
* منسوجة بالعنكبوت سماؤها
* والأرض قد نسجت ببزاقاتها
*
* ولقد رأينا في الشتاء سماءها
* والصيف لا تنفك من صعقاتها
*
* فضجيجها كالرعد في جنباتها
* وترابها كالوبل في خشباتها
*
* والبوم عاكفة على أرجائها
* والآل يلمع في ثرى عرصاتها
*
* والنار جزء من تلهب حرها
* وجهنم تعزى إلى لفحاتها
*

142
* قد رممت من قبل أن يلقى لا
* دم أمنا حواء في عرفاتها
*
* شاهدت مكتوبا على أرجائها
* ورأيت مسطورا على عتباتها
*
* لا تقربوا منها وخافوها ولا
* تلقوا بأيديكم إلى هلكاتها
*
* أبدا يقول الداخلون ببابها
* يا رب نج الناس من آفاتها
*
* قالوا إذا ندب الغراب منازلا
* تتفرق السكان من ساحاتها
*
* وبدارنا ألفا غراب ناعق
* كذب الرواة فأين صدق رواتها
*
* صبرا لعل الله يعقب راحة
* للنفس إذا غلبت على شهواتها
*
* دار تبيت الجن تحرس نفسها
* فيها وتنذر باختلاف لغاتها
*
* كم بت فيها مفردا والعين شو
* قا للصباح تسح من عبراتها
*
* وأقول يا رب السماوات العلا
* يا رازقا للوحش في فلواتها
*
* أسكنتني بجهنم الدنيا ففي
* أخراي هب لي الخلد في جناتها
*
* واجمع بمن أهواه شملي عاجلا
* يا جامع الأرواح بعد شتاتها
*
وكتب إلى الملك الحافظ يستهدي نطعا
* يا ملكا قد خلقت كفه
* للفرق بين الضر والنفع
*
* وملكا صيرني عبده
* إحسانه في القول والصنع
*
* وماجدا أنوار أسيافه
* مشرقة في ظلم النقع
*
* نحن بحمد الله في عيشة
* مرضية بالعقل والشرع
*
* إذا شبعنا بعد طول الطوى
* ليس لنا نقل سوى الصفع
*
* والشغل قد دار على رسمه
* والوقت محتاج إلى النطع
*
وله في حمام ضيق شديد الحر ليس فيه ماء بارد
* ييي إن حمامنا الذي نحن فيه
* قد أناخ العذاب فيه وخيم
*
* مظلم الأرض والسما والنواحي
* كل عيب من عيبه يتعلم
*
* حرج بابه كطاقة سجن
* شهد الله من يجز فيه يندم
*
* وله مالك غدا حازن النا
* ر بلى مالك أرق وأرحم
*
* كلما قلت قد أطلت عذابي
* قال لي اخسأ فيه ولا تتكلم
*

143
* قلت لما رأيته يتلظى
* ربنا اصرف عنا عذاب جهنم
*
وأهدي إليه صاحب صحن حلاوة ولم يكن جيدا فكتب إليه
* إن في صحنك المسمى حلاوة
* رقة تورث القلوب قساوة
*
* كم حفرنا فلم نجد غير أرض ال
* صحن يبسا كمثل أرض السماوة
*
* لست أدري من سكر كان أم من
* عسل حين لم تشبه نداوة
*
* غير أني رأيت صحنا صغيرا
* ما عليه من النعيم طلاوة
*
* شبهته العيون حين أتانا
* وجه مولودة عليه غشاوة
*
* لا تكن تحسب الصداقة هذا
* ليس هذا صداقة بل عداوة
*
((359 - ابن بسام البغدادي))
علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام أبو الحسن البغدادي أحد الشعراء ابن أخت أحمد ابن حمدون النديم وله هجاء خبيث استفرغ شعره في هجاء والده وهجا جماعة من الوزراء كالقاسم بن عبيد الله وأبي جعفر بن الزيات
وتوفي سنة اثنتين وثلاثمائة
وهو من بيت كتابة وله من الكتب كتاب أخبار عمر بن أبي ربيعة وكتاب المعاقرين وكتاب مناقضات الشعراء وكتاب أ بار الأحوص وديوان رسائله
ومن شعره في وزارة بني الفرات
* إذا حكم النصارى في الفروج
* وتاهوا بالبغال وبالسروج
*
* فقل للأعور الدجال هذا
* أوانك إن عزمت على الخروج
*
وقال كنت أتعشق غلاما لخالي أحمد بن حمدون فقمت ليلة لأدب عليه فلما قربت منه لسبتني عقرب فصرخت فانتبه خالي وقال ما تصنع

144
ههنا فقلت جئت لأبول فقال صدقت في است غلامي فقلت لوقتي
* ولقد سريت على الظلام لموعد
* حصلته من غادر كذاب
*
* فإذا على ظهر الطريق معدة
* سوداء قد عرفت أوان ذهابي
*
* لا بارك الرحمن فيها عقربا
* دبابة دبت على دباب
*
فقال خالي قبحك الله لو تركت المجون يوما لتركته في هذا الحال
وقال كنت أتقلد البريد في أيام عبيد الله بن سليمان بن وهب والعامل بها أبو عيسى أحمد بن محمد بن خالد فأهدى إلى ليلة عيد الأضحى بقرة فاستقللتها ورددتها وكتبت إليه
* كم من يد لي إليك سالفة
* وأنت بالحق غير معترف
*
* نفسك أهديتها لأذبحها
* فصنتها عن مواقع التلف
*
((360 - علاء الدين بن الكلاس))
علي بن محمد علاء الدين الدواداري يعرف بابن الريس وابن الكلاس
كان جنديا بدمشق رأيته بسوق الكتب غير مرة
كان فاضلا أديبا ناظما ناثرا قرية من قرى صفد في سنة ثلاثين وسبعمائة
ومن شعره
* خليلي ما أحلى الهوى وأمره
* وأعلمني بالحلو منه وبالمر
*
* بما بيننا من حرمة هل رأيتما
* أرق من الشكوى وأقسى من الهجر
*
وقال أيضا
* تقدمت فضلا من تأخر مدة
* بوادي الحيا طل وعقباه وابل
*
* وقد جاء وترا في الصلاة مؤخرا
* به ختمت تلك الشفوع الأوائل
*

145
وقال
* فكرت في الأمر الذي أنا قاصد
* تحصيله فوجدته لا ينجح
*
* وعلمت من نصف الطريق بأن من
* أرجوه يقضي حاجتي لا يفلح
*
وقال لغزا في رغيف
* ومستدير الوجه كالترس
* يجلس للناس على كرسي
*
* يدخل مثل البدر حمامه
* وبعدها يخرج كالشمس
*
* يوصل السلطان في دسته
* واللص في هاوية الحبس
*
* لو غاب عن عنترة ليلة
* وهت قوى عنترة العبسي
*
وقال
* من مبلغ غربيل أن رحيله
* جلب السرور وأذهب الأحزانا
*
* والناس من فرط الشماتة خلفه
* كسروا القدور وأوقدوا النيرانا
*
وقال
* وأهيف تحكى البدر طلعة وجهه
* وإن لم يكن في حسن صورته البدر
*
* خلوت به ليلا يدير مدامة
* وجنح الدجى دون الرقيب لنا ستر
*
* فلما سرت كأس الحميا بعطفه
* ومالت به تيها ورنحه السكر
*
* هممت بلثم الثغر منه فصدني
* عذار له في منع تقبيله عذر
*
* حمى ثغره المعسول نمل عذاره
* ومن عجب نمل يصان به ثغر
*
((361 - علاء الدين الشاعر المنجم))
علي بن محمود بن حسن بن نبهان بن سند علاء الدين أبو الحسن اليشكري الربعي البغدادي الأصل البصري المولد الشاعر المنجم
ولد سنة خمس

146
وتسعين وخمسمائة وتوفي سنة ثمانين وستمائة
سمع بدمشق من ابن طبرزد والكندي أخذ عنه الدمياطي وغيره وسمع منه البرزالي
وكانت له يد طولي في علم الفلك وحل التقاويم مع النظم وحسن الخط وكانت وفاته بدمشق
ومن شعره
* ولما دهاني الخطب من كل وجهة
* وأصبح حالي حائلا متبدلا
*
* عكفت على الأفلاك أرجو معونة
* بها أو بسعد للكواكب يجتلى
*
* فخاطبت منها المشتري بعد زهرة
* فما ازددت إلا حيرة وتقلقلا
*
* أما والعلا لو كنت خاطبت عاقلا
* لأصغي إلى ما قلته وتأملا
*
* ولكن خطابي أطلسا غير سامع
* مقالي له...
*
* فلا فلك التدوير للقول يرعوي
* ولا الكوكب الدري يفهم مقولا
*
* وليس سوى الخلاق جل جلاله
* أوجه وجهي نحوه متوسلا
*
وقال
* إني أغار من النسيم إذا سرى
* بأريج عرفك خيفة من ناشق
*
* وأود لو سهدت لا من علة
* خوفا عليك من الخيال الطارق
*
وقال
* من لي بمقتبل العذار كأنه
* مسك بوردة خده مفتوت
*
* وتخال جمر الخد يحرق خاله الن
* دى إلا أنه ياقوت
*
وقال أيضا
* وسرب من الغيد الحسان عرضن لي
* فخلت ظباء بالصريم نوافرا
*
* تكحلن سحرا واعتجرن دياجيا
* ولحن صباحا وابتسمن جواهرا
*
* وأقبلن في خضر الحلي فكأنما
* سلبن غصونا أو لبسن مرائرا
*
* نصبت لها اشراك عيني طماعة
* وقد رفعت خمرا وجرت غدائرا
*
* فغادرن قلبي في الحبائل واقعا
* وإن كان لبي بالصبابة طائرا
*
وقال في صبي لعب وعرق وأخذ المرآة ينظر وجهه فيها
* لما غدا تعبا وكل
* ل وجهه عرق المراح
*
* أخذ المراءة فاجتلى
* في الورد نوار الأقاح
*

147
* لا بل حباب قد طفا
* من وجنتيه فوق راح
*
وقال
* لما أتاني العاذلون عدمتهم
* وما منهم إلا للحمي قارض
*
* وقد بهتوا لما رأوني شاحبا
* وقالوا به عين فقلت وعارض
*
وقال
* أشممت من عرف الصبا المتضوع
* طيبا تأرج عن ظباء الأجرع
*
* وافي يقص على أخبار الغضا
* ففهمت من رياه ما لم أسمع
*
* رقصت قدود الدوح عند هبوبه
* وترنمت ورق الحمام السجع
*
* وسرى عليلا إذ براه هواهم
* من لم يطق حمل الهوى يتوجع
*
* فسقى حيا جفني إذا ضن الحيا
* دارا لهم بين العذيب ولعلع
*
* أوطان لهو قد قضت أوطارنا
* غفلات أيام لنا لم ترجع
*
* وبمهجتي قاس علي وإنه
* ليميله نفس النسيم المولع
*
* جذلان مقتبل الشباب بطرفه
* نظر الأبي وكسرة المتخضع
*
* متمنع لما سألت وصاله
* وا ذلتي من عزة الممتنع
*
* لقضيتي في الحب سقم شاهد
* لو تسمع الشكوى ودمع مدعي
*
وقال
* ومعذر غاض الجمال بوجهه
* من بعد ما قد كان ليس بغائض
*
* وعذاره بالنتف يصبح واقعا
* فكأن عارضه أصيب بعارض
*
وقال
* لا تضع بالفصاد من دمك الطيب
* واستبقه فما ذاك رشد
*
* فهو إن حال ريقة كان خمرا
* وإذا جال في الخدود فورد
*
وقال دوبيت
* يا ليلة وصلنا سقتك السحب
* عودي فعسى يقر هذا القلب
*
* إذ طاب عتابنا فيا فوزي لو
* أكثرت ذنوبا كي يطول العتب
*
وقال أيضا
* أهوى قمرا تحار منه الحور
* كالصبح سنا وفرعه ديجور
*
* يزور مقطبا إذا أبصرني
* كالكأس إذا عاينها المخمور
*

148
وقال
* قم نشربها فقد أضاء الشرق
* والصبح فقد بدا لنا ينشق
*
* قم نسلب روح الزق حتى نحيا
* سكرا ويموت بالفراق الزق
*
((362 - علاء الدين الوداعي))
علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن زيد الأديب البارع المقرئ المحدث الكاتب المنشئ علاء الدين الكندي المعروف بالوداعي كاتب ابن وداعة
ولد سنة أربعين وستمائة تقريبا وتوفي سنة ست عشرة وسبعمائة
تلا بالسبع علي القاسم الأندلسي وطلب الحديث ونسخ الأجزاء وسمع من الخشوعي والكفرطابي والصدر البكري وعثمان ابن خطيب القرافة والنقيب بن أبي الجن وابن عبد الدايم وغيرهم
ونظر في العربية وحفظ كثيرا من أشعار العرب وكتب المنسوب وخدم موقعا بالسميساطية في خمسين مجلدا بخطه فيها عدة فنون
وتوفي ببستانه عند قبة المسجف وكان شيعيا وكان شاهدا بديوان الجامع الأموي وولي مشيخة النفسية
وكانت له ذؤابة بيضاء إلى أن مات
ومن شعره فيها
* يا عائبا مني بقاء ذؤابتي
* مهلا فقد أفرطت في تعييبها
*
* قد واصلتني في زمان شبيبتي
* فعلام أقطعها زمان مشيبها
*
وقال
* من زار بابك لم تبرح جوارحه
* تروى محاسن ماأوليت من منن
*
* فالعين عن قرة والكف عن صلة
* والقلب عن جابر والأذن عن حسن
*

149
وقال
* وذي دلال أحور أهيف
* أصبح في عقد الهوى شرطي
*
* طاف على القوم بكاساته
* وقال ساقي قلت في وسطي
*
وقال
* ولم أرد الوادي ولا عدت صادرا
* مع الركب إلا قلت يا حادي النوق
*
* فديتك عرج بي وعرس هنيهة
* لعلي أبل الشوق من آبل السوق
*
وقال
* لا أرى لقط عارضيه قبيحا
* يا عذولا عن حبه ظل ينهى
*
* وجهه روضة وغير عجيب
* أنه يلقط البنفسج منها
*
وقال أيضا
* أتيت إلى البلقاء أبغى لقاءكم
* فلم أركم فازداد شوقي وأشجاني
*
* فقالت لي الأقوام من أنت راصد
* لرؤياه قلت الشمس قالوا بحسبان
*
وقال
* لنا صاحب قد هذب الشعر طبعه
* فأصبح عاصيه على فيه طيعا
*
* إذا خمس الناس القصيد لحسنه
* فحق لشعر قاله أن يسبعا
*
وقال
* قل للذي بالرفض أت
* همني أضل الله قصده
*
* أنا رافضي ألعن الش
* يخين أباه وجده
*
وقال
* قالوا حبيبك قد دامت ملاحته
* وما أتاه عذار إن ذا عجب
*

150
* فقلت خداه تبر والعذار صدا
* وقد زعمتم بألا يصدأ الذهب
*
وقال
* رو بمصر وبسكانها
*) شوقي وجدد عهدي البالي
*
* وصف لي القرط وشنف به
* وسمعي وما العاطل كالحالي
*
* وارو لنا يا سعد عن نيلها
* حديث صفوان بن عسال
*
* فهو مرادي لا يزيد ولا
* ثورا وإن رقا وراقا لي
*
وقال في مليح سمين كثير الشعر
* تعشقت فلاحا بنيرب جلق
* ففي حسنه لا في الرياض تفرجي
*
* وقالوا اسل عنه عبل ومشعر
* وما هو إلا من جبال البنفسج
*
وقال
* سمعت بأن الكحل للعين قوة
* فكحلت في عاشور مقلة ناظري
*
* لتقوى على سح الدموع على الذي
* أذاقوه دون الماء حر البواتر
*
وقال
* سئل الورد عندما استقطروه
* لم كذا عذبوك بالنيران
*
* قال ما لي جناية غير أني
* جئت بعض السنين في رمضان
*
وقال
* لا نال من وصلك ما يسومه
* إن كان قد أصغى لمن يلومه
*
* حاشا حشاه أن يبيت ليلة
* مقفرة من الهوى رسومه
*
* وا وحشة الصب الذي أنيسه
* أنينه ودمعه حميمه
*
* النوم لا يلوى على جفونه
* وصبره يلوى به غريمه
*
* هذا وما يشكو سوى عذوله
* فكم بما يسوءه يسومه
*
* وكيف يسلو عن غزال دمعه
* عقيقه ووده صريمه
*

151
* إن لم يكن في الحسن عن بدر الدجى
* خليفة فإنه قسيمة
*
* قباؤه سماؤه عذاره
* هالته أزراره نجومه
*
* كالأقحوان والبروق ثغره
* أشمه إن شيت أو أشيمه
*
* طوبى لمن يسعده زمانه
* وذاك في نديه نديمه
*
وقال
* كلما دغدغت أكف الجنوب
* خصر نهر وعطف غصن رطيب
*
* انثنى الغصن ضاحكا بالأزاهير
* وزاد الغدير في التقطيب
*
* وإذا هم أن يقبل خد ال
* ورد شوقا ثغر الأقاح الشنيب
*
* خال أن النيلوفر الغض والنر
* جس أذن الواشي وعين الرقيب
*
وقال
* ويوم لنا بالنير بين رقيقة
* حواشيه خال من رقيب يشينه
*
* وقفنا على الوادي نحييه بكرة
* فردت علينا بالرءوس غصونه
*
* وقد هب علوي النسيم فلم تزل
* تغازلنا من كل نهر عيونه
*
* ومالت بنا الجرد العتاق إلى رشا
* جديد العذار رائقات فنونه
*
* من الترك تقرى الطارقين جفانه
* وتفرى قلوب العاشقين جفونه
*
* يرنحه سكر الدلال فينثني
* فينهضه من شعره زرجونه
*
* إذا تاهت الأبصار في ليل شعره
* هداهن من فرق الصباح جبينه
*
وقال
* ليس لي بالصدود منك يدان
* لا ولا طاقة على السلوان
*
* وإذا ما أردت كتمان وجدي
* نم دمعي وكان شاني شاني
*
* حر قلبي من برد قلبك عني
* وسهادي من طرفك الوسنان
*
* وعذولي لما رأى منك إعرا
* ضا رثى لي وإن أطلت رثاني
*
* وغرامي هو العذاب وما في
* ض دموعي إلا حميم آن
*
* ودماء سقت سماء خدودي
* فغدت وهي وردة كالدهان
*
* فتكرم بعطفة والتفات
* مثل باقي الغصون والغزلان
*
وقال
* الزهر في الأكمام راح مقطبا
* والريح قد خطرت عليه بذيلها
*

152
* وغدت تبشره بإقبال الحيا
* حتى تبسم ضاحكا من قولها
*
وقال
* إن أسرع العارض في وجنته
* فأسرعت تعيبه اللوائم
*
* فما نبات خده أول من
* قد دخل الجنة وهو ظالم
*
وقال
* هيهات ما أنا بالمفيق من الهوى
* ما دام يسكرني بحسن فائق
*
* متناسب في حسنه متجانس
* برشيق قامته وطرف راشق
*
* سقيا لوادي النيربين فكم لنا
* من صابح فيه الغداة وغابق
*
* أيام ليس لنا عدو أزرق
* غير البنفسج والخزامي العابق
*
* كلا ولا للغانيات مشاقق
* في حمرة الوجنات غير شقائق
*
* والغصن يلحقنا بظل ساكن
* والنهر يلقانا بقلب خافق
*
((363 - ابن سعيد المغربي))
علي بن موسى بن سعيد المغربي الغماري الأديب نور الدين ينتهي نسبه إلى عمار بن ياسر
ورد من الغرب وجال في الديار المصرية والعراق والشام وجمع وصنف ونظم وهو صاحب كتاب المغرب في أخبار المغرب والمشرق في أخبار المشرق والمرقص والمطرب وملوك الشعر
توفي بدمشق في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة
حكى أنه كان يوما في جماعة من شعراء عصره المصريين وفيهم أبو الحسين الجزار فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة وقد هب الهواء فكشف ثيابه عنه فقالوا قفوا بنا لينظم كل منا في هذا شيئا فابتدر الأديب نور الدين فقال
* الريح أقود ما يكون لأنها
* تبدي خفايا الردف والأعكان
*

153
* وتميل الأغصان عند هبوبها
* حتى تقبل أوجه الغدران
*
* فلذلك العشاق يتخذونها
* رسلا إلى الأحباب والأوطان
*
فقال أبو الحسين ما بقي أحد منا يأتي بمثل هذا
وقال
* لله من أقطار جلق روضة
* راقت لنا حيث السحاب يراق
*
* وتلونت أزهارها فكأنما
* نزلت بها الأحباب والعشاق
*
وقال
* أنا من علمت بشوقه ذكر الحمى
* وتساق روحي والركاب تساق
*
* أخلصت في حبي وكم من عاشق
* فيما ادعاه من الغرام نفاق
*
* يدعو الحمام وترقص الأغصان من
* طرب بهم وتصفق الأوراق
*
* وحدي جمعت من الهوى مثل الذي
* جمعوا كذاك تقسم الأرزاق
*
وقال أيضا
* في جلق نزلوا حيث النعيم غدا
* مطولا وهو في الآفاق مختصر
*
* فكل واد به موسى يفجره
* وكل روض على حافاته الخضر
*
وقال
* يا غصن روض سقته أدمعي مطرا
* وليس لي منه لا ظل ولا ثمر
*
* طال انتظاري لوعد لا وفاء له
* وإن صبرت فقد لا يصبر العمر
*
وقال في جزيرة مصر
* تأمل لحسن الصالحية إذ بدت
* أبراجها مثل النجوم تلالا
*
* ووافي إليها النيل من بعد غاية
* كما زار مشغوف يروم وصالا
*
* وعانقها من فرط شوق محبها
* فمد يمينا نحوها وشمالا
*
وقال
* إن للجبهة في قلبي هوى
* لم يكن عندي للوجه الجميل
*

154
* يرقص الماء بها من طرب
* ويميل الغصن للظل الظليل
*
* وتود الشمس لو باتت بها
* فلذا تصفر أوقات الأصيل
*
وقال
* إذا الغصون غدت خفاقة العذب
* فاسجد هديت إلى الكاسات واقترب
*
* وطارح الورق في أوراقها طربا
* ومل إذا مالت الأغصان من طرب
*
* وانهض إلى أم أنس بنت دسكرة
* تجلا عليك بإكليل من الذهب
*
* وانظر إلى زينة الدنيا وزخرفها
* في روضة رقمتها أنمل السحب
*
* وللأزاهر أحداق محدقة
* قد كحلتها يمين الشمس بالذهب
*
وقال أيضا
* أسكان مصر جاور النيل أرضكم
* فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعر
*
* وكان بتلك الأرض سحر وما بقي
* سوى أثر يبدو على النظم والنثر
*
وقال
* يا واطئ النرجس ما تستحي
* أن تطأ الأعين بالأرجل
*
* قابل جفونا بجفون ولا
* تبتذل الأرفع بالأسفل
*
وقال
* انظر إلى الغيم كيف يبدو
* وقد أتى مسبل الإزار
*
* والبرق في جانبيه يذكي
* أنفاسه وهو كالشرار
*
* ما طاب هذا النسيم إلا
* والجو من عنبر ونار
*
وقال
* أتى عاطل الجيد يوم النوى
* وقد حان موعدنا للفراق
*
* فقلدته بلآلئ الدموع
* ووشحته بنطاق العناق
*
((364 - صاحب شذور الذهب))
علي بن موسى بن علي بن موسى بن محمد بن خلف أبو الحسن

155
الأنصاري الأندلسي الجياني نزيل فاس
ولي خطابة فاس وهو صاحب كتاب شذور الذهب في صناعة الكيمياء
توفي ثلاث وتسعين وخمسمائة
لم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه بلاغة معان وفصاحة ألفاظ وعذوبة تراكيب حتى قيل فيه إن لم يعلمك صنعة الذهب علمك صنعة الأدب وقيل هو شاعر الحكماء وحكيم الشعراء
وقصيدته الطائية أبرزها في ثلاثة مظاهر مظهر غزل ومظهر قصة موسى والمظهر الذي هو الأصل في صناعة الكيمياء وهذا دليل على القدرة والتمكن وأولها
* بزيتونة الدهن المباركة الوسطى
* غنينا فلم نبدل بها الأثل والخمطا
*
* صفونا فآنسنا من الطور نارها
* تشب لنا وهنا ونحن بذي الأرطى
*
* فلما أتيناها وقرب صبرنا
* على السير من بعد المسافة ما اشتطا
*
* نحاول منها جذوة ما ينالها
* من الناس من لا يعرف القبض والبسطا
*
* هبطنا من الوادي المقدس شاطئا
* إلى الجانب الغربي نمتثل الشرطا
*
* وقد أرج الأرجاء منها كأنها
* لطيب شذاها تحرق العود والقسطا
*
* وقمنا فألقينا العصا في طلابها
* إذا هي تسعى نحوها حية رقطا
*
* وثار لطيف النقع عند اهتزازها
* وأظلم من نور الظهيرة ما غطى
*
* ومد إليها الفيلسوف يمينه
* فجاذبها أخذا وأوسعها ضعفا
*
* فصارت عصا في كفه وأحبها
* فأخرجها بيضاء تجلو الدجى كشطا
*
* فلم أر ثعبانا أذل لعالم
* سواها ولا منها على جاهل أسطى
*
* هي المركب الصعب المرام وإنها
* ذلول ولكن لا لكل من استمطى
*
* فأعجب بها من آية لمفكر
* يقصر عن إدراكها كل من أخطا
*
* وتفجيرها من صخرة عشر أعين
* وثنتين تسقى كل واحدة سبطا
*

156
* وتفليقها رهوا من البحر فاستوى
* طريقا فمن ناج ومن هالك غمطا
*
* فتلك عصانا لا عصا خيزرانة
* على أنها في كف ممسكها ألطا
*
* وقد كان للزيتون فيها قساوة
* ولكن لين الدهن صيرها نقطا
*
* تسيل بماء الخد أبيض صافيا
* إذا ما شرطناها على ساقها شرطا
*
* ومن قبل ما أغوى أبانا بذوقها
* جذاذا فأخطأ والقضاء فما أخطا
*
* قطفت جناها واعتصرت مياهها
* فجمدت ما استعلى وذوبت ما انحطا
*
* ولينة الأعطاف قاسية الحشا
* إذا نفثت في الصخر تصدعه هبطا
*
* كأن عليها من زخاريف جلدها
* رداء من الوشى المفوف أو مرطا
*
* توصل إبليس بها في هبوطه
* إلى الأرض من عدن ففارقها سخطا
*
* أمت بها حيا وسودت أبيضا
* وأسرفت في قلع السواد فما أبطا
*
* وأحييت تلك الأرض من بعد موتها
* برى وكانت تشتكي الجدب والقحطا
*
* كأن العيون الثابتات بخصرها
* عقدن نطاقا أو على جيدها سمطا
*
* كأن من البدر المنير مشابها
* ومن أنجم الجوزاء في أذنها قرطا
*
* كأن من الصدغ الذي فوق خدها
* على ورده نونا ومن خاله نقطا
*
* ظفرت بها بالنفس من جسم أمها
* كما ظفرت بالقلب في صدره لقطا
*
* وأرضعتها بالدر من ثدي بنتها
* فعاشت وكانت قبل ماتت به عبطا
*
* فحلت به روح الحياة كأنما
* مزجت لها في ذلك الدر إسفنطا
*
* وصيرتها بنتا وصيرت بنتها
* لها مرضعا فاعجب لمرضعة شمطا
*
* فحالت هناك البنت والأم فضة
* فتى لم يزاحمه العذار ولا خطا
*
* له منظر كالشمس يعطى ضياءه
* وليس كمثل البدر يأخذ ما أعطى
*
* فهذا الذي أعيا الأنام فأضمروا
* لمن وضع الأرماز في علمه سخطا
*
* وهذا هو الكنز الذي وضعوا له
* برابي إخميم وخصوا بها قفطا
*
* وتخليصه سهل بغير مشقة
* لمن عرف التطهير والعقد والخلطا
*
* أبا جعفر خذها إليك يتيمة
* تورع لوقا أن يورثها قسطا
*
* ولكنني لما رأيتك أهلها
* سمحت بها لفظا وأثبتها خطا
*

157
ومن شعره أيضا في الصناعة
* لقد قلبت عيناي عن عينه قلبي
* بلينة الأعطاف قاسية القلب
*
* يهيم الفتى الشرقي منها بغادة
* تشوق إلى شرق وترغب عن غرب
*
* هي الشمس إلا أنها قمرية
* هي البدر إلا أنه كامن الشهب
*
* إذا الفلك الناري أطلع شهبها
* على الذروة العليا من الغصن الرطب
*
* تراءت عروسا برزة الوجه تبتغي
* رفاقا وكانت خلف ألف من الحجب
*
* فزوجها بكرا أخاها لأمها
* أبوها رجاء في المودة والقرب
*
* فعاد بها حيا وكان فراقها
* له سببا إذ مات من شقة الحب
*
* فجن هوى لما استجنت بنفسه
* وطار فقالت بعد جهد له حسبي
*
* ولما ثنته عن طبيعته التي
* بدت عنه إلا أن تناهبها قلبي
*
* تعالى عن الأشباه لونا وجوهرا
* وجل فلم ينسب إلى طينة الترب
*
((365 - ابن عصفور))
علي بن مؤمن بن محمد بن علي العلامة ابن عصفور النحوي الحضرمي الإشبيلي حامل لواء العربية بالأندلس
أخذ عن الأستاذ أبي الحسن الدباج ثم عن الأستاذ أبي علي الشلوبين وتصدى للاشتغال مدة ولازم الشلوبين عشر سنين إلى أن ختم عليه كتاب سيبويه وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل ذلك وأقرأ بإشبيلية وشريش ومالقة ولورقة ومرسية
قال ابن الزبير لم يكن عنده ما يؤخذ عنه سوى العربية ولا تأهل لغير ذلك
قال وكان يخدم الأمير أبا عبد الله محمد بن أبي بكر الهنتاتي
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة وتوفي سنة تسع وستين وستمائة بتونس
ولم يكن بذلك في الورع كان الشيخ تقي الدين ابن تيمية يدعي أنه

158
لم يزل يرجم بالنارنج في مجلس الشراب إلى أن مات
ومن تصانيفه كتاب الممتع وكتاب المفتاح وكتاب الهلال وكتاب الأزهار وكتاب إنارة الدياجي وكتاب مختصر الغرة وكتاب مختصر المحتسب وكتاب السالف والعذار وكتاب شرح الجمل وكتاب المقرب في النحو يقال إن حدوده كلها مأخوذة من الجزولية وكتاب البديع شرح الجزولية وشرح المتنبي وسرقات الشعراء وشرح الأشعار الستة وشرح المقرب وشرح الحماسة وهذه الشروحات لم يكملها وله غير ذلك
ومن شعره
* لما تدنست بالتخليط في كبري
* وصرت مغرى برشف الراح واللعس
*
* رأيت أن خضاب الشيب أستر لي
* إن البياض قليل الحمل للدنس
*
((366 - ابن ماكولا))
علي بن هبة الله بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن القاسم بن عيسى المعروف بابن ماكولا
كان أبوه وزير جلال الدولة بن بويه وكان عنه أبو عبد الله الحسين بن جعفر قاضي القضاة ببغداد وكان عالما حافظا متقنا وكان يقال عنه الخطيب الثاني
قال ابن الجوزي سمعت شيخنا عبد الوهاب يقدح فيه ويقول يحتاج إلى دين
صنف كتاب المختلف والمؤتلف جمع فيه بين كتاب الدارقطني وعبد الغني والخطيب وزاد عليه زيادات كثيرة
وله كتاب الوزراء
وكان نحويا مجودا شاعرا صحيح النقل ما كان في البغداديين في زمانه مثله
سمع أبا طالب بن غيلان وأبا بكر بن بشران وأبا القاسم بن شاهين

159
وأبا الطيب الطبري
وسافر إلى الشام والسواحل وديار مصر والجزيرة والثغور والجبال ودخل بلاد خراسان وما وراء النهر وجال في الآفاق
ولد ب عكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وتوفي سنة خمس وثمانين وأربعمائة
قال الحميدي خرج إلى خراسان ومعه غلمان له ترك فقتلوه بجرجان وأخذوا ماله وهربوا وطاح دمه هدرا
ومن شعره
* ولما تفرقنا تباكت قلوبنا
* فممسك دمع عند ذاك كساكبه
*
* فيا نفسي الحرى البسي ثوب حسرة
* فراق الذي تهوينه قد كساك به
*
وقال أيضا
* فؤاد ما يفيق من التصابي
* أطاع غرامه وعصى النواهي
*
* وقالوا لو تبصر كان يسلو
* وهل صبر يساعد والنوى هي
*
وقال أيضا
* علمتني بهجرها الصبر عنها
* فهي مشكورة على التقبيح
*
* وأرادت بذاك قبح صنيع
* فعلته فكان عين المليح
*
وقال أيضا
* أقول لقلبي قد سلا كل واحد
* ونفض أثواب الهوى عن مناكبه
*
* وحبك ما يزداد إلا تجلدا
* فيا ليت شعري ذا الهوى من مناك به
*
وقال أيضا
* تجنبت أبواب الملوك لأنني
* علمت بما لم يعلم الثقلان
*
* رأيت سهيلا لم يحد عن طريقه
* من الشمس إلا من مقام هوان
*

160
((367 - نجم الدين الحلي))
علي بن يحيى بن طريق نجم الدين أبو الحسن الحلي الكاتب
كتب بالديار المصرية أيام الدولة الكاملية ثم اختلت حاله فعاد إلى العراق ومات ببغداد سنة اثنتين وأربعين وستمائة
وكان فاضلا أصوليا
قال القوصي أنشدنا لنفسه بدمشق وكتب بها إلى ابن عنين وكان به جرب انقطع بسببه في داره
* مولاي لا بت في همي وفي نصبي
* ولا لقيت الذي ألقى من الجرب
*
* هذا زماني أبو جهل وذا جربي
* أبو معيط وذا قلبي أبو لهب
*
وأنشدني لنفسه وقد بلغه أن الملك الأشرف أعطى الحلي سيفا محلى فتقلد به وتشبه بالحيص بيص
* تقلد راجح الحلي سيفا
* محلى واقتني سمر الرماح
*
* وقال الناس فيه فقلت كفوا
* فليس عليه في ذا من جناح
*
* أيقدر أن يغير على القوافي
* وأموال الملوك بلا سلاح
*
وقال أيضا
* لي على الريق كل يوم ركوب
* في غبار أغص منه بريقي
*
* أقصد القلعة السحوق كأني
* حجر من حجارة المنجنيق
*
* فلدوابي تحفى وجسمي يضنى
* هذه قلعة على التحقيق
*
((368 - ابن الذروي))
علي بن يحيى القاضي الوجيه المعروف بالبن الذروي
شاعر مجيد وكانت وفاته بالديار المصرية سنة تسع وسبعين وخمسمائة ومن شعره

161
* جن به العاذل لما رآه
* وعاد يستعذر مما جناه
*
* أتاه كي يهدي إلى سلوة
* عنه فضل العقل منه وتاه
*
* وهل يطيع القلب تقييده
* وقد عصى لما نهته نهاه
*
* الحب بالكتمان عقل فإن
* تجد به وشاه قول الوشاه
*
* وما على العاذل من مغرم
* شفاؤه ما ضمنته الشفاه
*
* هويته كالروض في حسنه
* إذ رضيت بالوصف مني حلاه
*
* ينير وجها وابتساما فما
* نعرف منه الثغر لولا لماه
*
* إن لم يكن بدرا على بانة
* فإن بين المنظرين اشتباه
*
* أنكر من قتلى ألحاظه
* منه دما تعرفه وجنتاه
*
* وشفني سقما فما ضره
* لو أبرأ السقم الذي قد براه
*
وقال أيضا
* ألم وطرف النجم قد كاد يغمض
* خيال إذا دب الكرى يتعرض
*
* سرى لي من أقصى الشآم وبيننا
* فياف على الساري تطول وتعرض
*
* هدته من الأشواق نار دخانها
* هموم عليه صبغة الليل تنفض
*
* وأداه للعشاق دمع تقطرت
* مرائرنا في مائه فهي عرمض
*
* له الله من طيف متى ذقت هجعة
* أتتني به خيل الأماني تركض
*
* يواصلني عمن هو الدهر هاجر
* ويقبل لي عمن هو الدهر معرض
*
* وما شاقني إلا تألق بارق
* أرقت له والجو بالصبح يحرض
*
* وللغيم مسك في ذرأنا مطبق
* وللطل كافور لدينا مرضرض
*
* وقد أشرب الصهباء من كف شادن
* حلاه على شرب المدام تحرض
*
* يروقك خد منه للثم أحمر
* ويصبيك ثغر منه للرشف أبيض
*
* فللحسن من هذا شقيق مذهب
* وللطيب من ذا أقحوان مفضض
*
* وندمان صدق قد بلوت وكلهم
* لودك يصفي أو لنصحك يمحض
*
وقال أيضا
* يا بان إن كان سكان الحمى بانوا
* ففيض شاني له في إثرهم شان
*

162
* ويا حمائم إن سجعت مسعدة
* فلي على دوحة الأشواق ألحان
*
* أبكي الأحبة أو أبكي منازلهم
* فإن مضى ذكر نعمي قلت نعمان
*
* قد كان في تلك أوطار نعمت بها
* ولت كما كان من هاتيك أوطان
*
* من لي بأقمار أنس في دجى طرر
* أفلاكها العيش والأبراج أظعان
*
* تلك القدود مع الأرداف إن خطرت
* ما القضب قضب ولا الكثبان كثبان
*
* سقوا من الحسن ماء واحدا فبدا
* منهم لنا غير صنوان وصنوان
*
* يا يوم توديعهم ماذا به ظفرت
* عيني من الحسن لو والاه إحسان
*
* جئنا فولى بها الإعراض من حذر
* فكيف لم تتلفت وهي غزلان
*
* من كل قانية الخدين ناهدة
* لو كان للضم أو للثم إمكان
*
* يدل في وجنتيها الجلنار على
* أن الذي حاز منها الصدر رمان
*
* كم طرت شوقا إليها في الرياح ضني
* فظن بلقيس وافاها سليمان
*
وقال أيضا
* ما بين وجهك والهلال سوى
* أن الأهلة لا تميت هوى
*
* لله منظر من كلفت به
* ماذا من الحسن البديع حوى
*
* والنجم منه إذا هوى وروى
* ما ضل مثلي عاشق وغوى
*
* ما الغصن هزته الجنوب إذا
* ما السكر هز قوامه ولوى
*
* لام العذول وقد رآه وكم
* عاو على البدر المنير عوى
*
* يا من غدا بنواه يوعدني
* ليكن عقابك لي بغير نوى
*
* أنظر إلى جسمي يذوب ضني
* وانظر تجد قلبي يفت جوى
*
وقال من أبيات
* أنت المنى والمنايا للأنام فإن
* أردت آمن قلوب الناس أو أخف
*
* قال العواذل كم تعنى به أسفا
* فقلت يا أسفي إن حلت عن أسف
*
* يا من تعطفت الصدغان منه على
* ذلي وما قلبه القاسي بمنعطف
*
* إن كان عندك عدوى كل ذي جنف
* فإن عندي بلوى كل ذي دنف
*
* أقول والفجر قد لاحت بشائره
* والجو قد كاد يكسى حلة السدف
*

163
* والليل خلف عصا الجوزاء من خور
* فذاك في عمره للشيب والخرف
*
* راهنت يا نجم جفني في السهاد وقد
* بدا بأجفانك التسهيد فاعترف
*
ودخل الوجيه ابن الذروي إلى الحمام ومعه ابن وزير الشاعر فقال ابن وزير
* لله يومي بحمام نعمت بها
* والماء ما بيننا من حوضها جاري
*
* كأنه فوق شفاف الرخام ضحى
* ماء يسيل على أثواب قصار
*
فقال ابن الذروي
* وشاعر أوقد الطبع الذكي له
* فكاد يحرقه من فرط إذكاء
*
* أقام يعمل أياما قريحته
* وشبه الماء بعد الجهد بالماء
*
ولابن الذروي في الحمام
* إن عيش الحمام أطيب عيش
* غير أن المقام فيها قليل
*
* فهي مثل المليك يصفى لك الودد
* ولكن وده مستحيل
*
* جنة تكره الإقامة فيها
* وجحيم يطيب فيه الدخول
*
* فكأن الغريق فيها كليم
* وكأن الحريق فيها خليل
*
وفيه يقول ابن المنجم
* لا تحسبن الوجيه حين كسا
* بردته للغلام من غلطه
*
* والله ما لفه ببردته
* إلا لأخذ القضيب من وسطه
*
((369 - ابن القفطي))
علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى وزير حلب القاضي الأكرم الوزير جمال الدين أبو الحسن بن القفطي أحد الكتاب المشهورين

164
وكان أبوه القاضي الأشرف كاتبا أيضا ولد ب قفط من الصعيد الأعلى بالديار المصرية وأقام بحلب وكان يقوم بعلوم من اللغة والنحو والفقه والحديث وعلوم القرآن والأصول والمنطق والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل
ولد سنة ستين وخمسمائة وتوفي سنة ست وأربعين وستمائة
وكان صدرا محتشما كامل السؤدد جمع من الكتب ما لا يوصف وقصد بها من الآفاق وكان لا يحب من الدنيا سواها ولم يكن له دار ولا زوجة وأوصى بكتبه للناصر صاحب حلب وكانت تساوي خمسين ألف دينار وله حكايات غريبة في غرامه بالكتب
وهو أخو المؤيد بن القفطي
ومن شعره
* ضدان عندي قصرا همتي
* وجه حيي ولسان وقاح
*
* إن رمت أمرا خانني ذو الحيا
* ومقول يطمعني في النجاح
*
* فأنثنى في حيرة منهما
* لي مخلب ماض وما من جناح
*
* شبه جبان فر من معرك
* خوفا وفي يمناه عضب الكفاح
*
وله من التصانيف كتاب الضاد والظاء وهو ما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى والخط كتاب الدر الثمين في أخبار المتيمين كتاب من ألوت الأيام عليه فرفعته ثم التوت
عليه فوضعته كتاب أخبار المصنفين وما صنفوه كتاب أخبار النحويين كبير كتاب أخبار مصر من ابتدائها إلى أيام صلاح الدين ست مجلدات كتاب تاريخ المغرب كتاب تاريخ اليمن كتاب المحلى في استيعاب وجوه كلا كتاب إصلاح خلل صحاح الجوهري كتاب الكلام على الموطأ لم يتم كتاب الكلام على صحيح البخاري لم يتم كتاب تاريخ محمود بن سبكتكين وبيته كتاب تاريخ السلجوقية كتاب الإيناس في أخبار آل مرداس كتاب الرد على النصارى وذكر مجامعهم كتاب مشيخة تاج الدين الكندي كتاب نهزة الخاطر ونزهة الناظر في أحاسن ما نقل من ظهور الكتب

165
((370 - ابن الصفار المارديني))
علي بن يوسف بن شيبان جلال الدين المارديني المعروف بابن الصفار
مولده بماردين سنة خمس وسبعين وخمسمائة ومات مقتولا قتلته التتار لما دخلوا ماردين سنة ثمان وخمسين وستمائة
خدم بكتابة الإنشاء الملك المنصور ناصر الدين أرتق صاحب ماردين وتولى كتابة أشراف دنيسر ثماني عشرة سنة
كان شاعرا مجيدا وله فضل وأدب وصنف كتابا يحتوي على آداب كثيرة وسماه كتاب أنس الملوك وله شعر رائق منه من قصيدة
* أنا ما سلوت وبرق فيه خلب
* أسلو وعارضه أمامي سائل
*
* يسعى بإبريقين ذا من ثغره
* يحيي وذا من مقلتيه قاتل
*
* فمتى تقوم قيامتي بوصاله
* ويضم شملينا معاد شامل
*
* وأكون من أهل الخطايا خده
* ناري وصدغاه على سلاسل
*
وقال أيضا
* مشوق إذا ما ارتاح هيجه الحب
* وصب لوبل الدمع في خده صب
*
* إذا نفحته من صبا الشوق نفحة
* صبا نحوها والمدنف الصب قد يصبو
*
* بروحي ريم قد رمتني جفونه
* بأسهم لحظ كان برجاسها القلب
*
* نضا عضب جفنيه على عذاره
* فمن مهجتي جفن ومن لحظه عضب
*
* يعذب قلبي ظالما عذب ظلمه
* ولكن تعذيبي لمرشفه عذب
*
* نصبت لضيف الطيف منه حبائلا
* من النوم لما عز في اليقظة القرب
*
* وما كنت أدري أنه رافض الهوى
* ينفره عن زورتي ذلك النصب
*
* تجمعت الأضداد فيه ولم يكن
* ليجتمع الإيجاب في الشيء والسلب
*
* ففي خده نار وفي الثغر جنة
* وفي لفظه سلم وفي لحظه حرب
*
* وفي قده لين وفي القلب قسوة
* وفي خصره جدب وفي ردفه خصب
*

166
وقال أيضا
* إذا نظرت عيني وجوه حبائبي
* فتلك صلاتي في ليالي الرغائب
*
منها
* تبدت لنا عند الصباح طليعة
* من الترك مرد فوق جرد سلاهب
*
* بأيديهم سمر طوال كأنما
* أسنتها تبغي التقاط الكواكب
*
* تثنوا غصونا في السروج وأطلقوا
* سهام لحاظ من قسى الحواجب
*
* وألقوا القنا المران عنهم وقوموا
* قدودا أعدوها لقرع الكتائب
*
* ولو كشفوا بيض العوارض في الوغى
* لأغنتهم عن سل بيض القواضب
*
* ترى كل عين منهم عين فتنة
* تنادي أسود الحرب هل من محارب
*
* فظلت موالينا أسارى محاسن
* من القوم صرعى لا أسارى المضارب
*
* فما ملك إلا أسير لمالك
* ولا حاجب إلا أسير لحاجب
*
وقال أيضا
* هل اختلط فانآد غصنا وريقا
* غرير حكى الكأس ثغرا وريقا
*
* أم الصدغ لما صفا خده
* تمثل فيه خيالا دقيقا
*
* رنا فرمى أسهما وانثنى
* رشيقا فراح كلانا رشيقا
*
* وأبدع فيه فمالي أرى
* له الخال وهو فريد شقيقا
*
* وما بال مبسمه ميسما
* وما ملكته يمين رقيقا
*
* وهبه ارتوى من نمير الصبا
* فكيف استحال بفيه رحيقا
*
* فأجري لنا من فم أولا
* وثغر جديد كميتا عتيقا
*
* حججت إلى كعبة الحسن منه
* ووجهت وجهي إليها مشوقا
*
* وقبلته فوردت العذيب
* وجزت الثنايا وجئت العقيقا
*
وقال
* برق بدا أم ثغرك المنعوت
* أم لؤلؤ قد ضمه ياقوت
*
* وظبا سيوف جردت من لحظك ال
* فتاك أم هاروت أم ماروت
*
* يا للنصارى برقعوا شماسكم
* قبل الضلال فإنه طاغوت
*
* ما قام أقنوم الجمال بوجهه
* إلا وفي ناسوته لاهوت
*
* أحسن فإن الحسن وصف زائل
* واصنع جميلا فالجمال يفوت
*

167
* واستبق أبناء الغرام فإنهم
* سيقلدوك دماهم ويموتوا
*
وقال
* مذ عقربت صدغاه واستجمع
* النمل على شهد اللمى الأشنب
*
* تقدم الحاجب للعارض أن
* يكتب بالأدهم في الأشهب
*
* وقام في جيش الهوى معلنا
* وصاح والعشاق في الموكب
*
* يا أمراء الحسن لا تركبوا
* القمر الأرضي في العقرب
*
وقال في غلام مليح غرق في الماء
* يا أيها الرشأ المكحول ناظره
* إني أعيذك من نار بأحشائي
*
* إن انغماسك في التيار حقق أن
* ن الشمس تغرب في عين من الماء
*
وقال أيضا
* ويوم قر برد أنفاسه
* يمزق الأوجه من قرصها
*
* يوم تود الشمس من برده
* لو جرت النار إلى قرصها
*
أخذه من قول القاضي الفاضل في ليلة جمد خمرها وخمد جمرها إلى يوم تود البصلة لو ارتدت إلى قمصها والشمس لو جرت النار إلى قرصها
وقال أيضا
* ما برحت يوم وداعي لها
* تضمني ضمة مستأنس
*
* حتى تثنى الغصن فوق النقا
* وانتثر الطل على النرجس
*
وقال أيضا
* تعشقته أمي حسن فما له
* أتى بكتاب ضمنه سورة النمل
*
* وما لي أنا المجنون فيه وشعره
* إذا مر بالكثبان خط على الرمل
*
وهو مثل قول الآخر
* وتركي نقي الخد ألمي
* بقد ماس كالغصن الرطيب
*
* له شعر حكى مجنون ليلى
* يخط إذا مشى فوق الكثيب
*
وقال أيضا
* إذا هب النسيم بطيب نشر
* طربت وقلت إيه يا رسول
*
* سوى أني أغار لأن فيه
* شذاك وأنه مثلي عليل
*

168
وقال أيضا
* وأعجب شيء أن ريقك ماؤه
* يولد درا وهو عذب مروق
*
* وأنك صاح وهو في فيك مسكر
* وأنت جديد الحسن وهو معتق
*
وقال أيضا دوبيت
* لا تعتقدوا شامته في الخد
* قد زخرفها تعمدا بالقصد
*
* ذا خالقه لما بدا حاجبه
* نونا جعل النقطة فوق الخد
*
((371 - علية بنت المهدي))
علية بنت المهدي العباسية أخت أمير المؤمنين هارون الرشيد
كانت من أحسن خلق الله وجها وأظرف النساء وأعقلهن ذات صيانة وأدب بارع تزوجها موسى بن عيسى العباسي وكان الرشيد يبالغ في إكرامها واحترامها ولها ديوان شعر
عاشت خمسين سنة توفيت سنة عشر ومائتين وكان سبب موتها أن المأمون سلم عليها وضمها إلى صدره وجعل يقبل رأسها ووجهها مغطى فشرقت من ذلك وحمت وماتت لأيام يسيرة وكانت تتغزل في خادمين أحدهما طل والآخر رشا فمن قولها في طل وصحفت اسمه
* أيا سروة البستان طال تشوقي
* فهل لي إلى ظل لديك سبيل
*
* متى يلتقي من ليس يقضي خروجه
* وليس لمن يهوى إليه وصول
*
وقالت فيه أيضا
* سلم على ذاك الغزال
* الأغيد الحسن الدلال
*
* سلم عليه وقل له
* يا غل ألباب الرجال
*
* خليت جسمي ضاحيا
* وسكنت في ظل الحجال
*
* وبلغت مني غاية
* لم أدر منها ما احتيالي
*
فبلغ الرشيد ذلك فحلف أنها لا تذكره ثم تسمع عليها يوما فوجدها وهي

169
تقرأ في آخر سورة البقرة حتى بلغت قوله تعالى * (فإن لم يصبها وابل) * البقرة 265 فما نهى عنه أمير المؤمنين فدخل الرشيد وقبل رأسها وقال لها قد وهبت لك طلا ولا منعتك بعد هذا عما تريدين
وكانت من أعف الناس كانت إذا طهرت لازمت المحراب وإذا لم تكن طاهرة غنت
ولما خرج الرشيد إلى الري أخذها معه فلما وصلت إلى المرج نظمت قولها
* ومغترب بالمرج يبكي لشجوه
* وقد غاب عنه المسعدون على الحب
*
* إذا ما أتاه الركب من نحو أرضه
* تنشق يستشفي برائحة الركب
*
وغنت بهما فلما بلغ الرشيد الصوت علم أنها قد اشتاقت إلى العراق وأهلها فأمر بردها
ومن شعرها
* إني كثرت عليه في زيارته
* فمل والشيء مملول إذا كثرا
*
* ورابني منه أني لا أزال أرى
* في طرفه قصرا عني إذا نظرا
*
وقالت
* كتمت اسم الحبيب عن العباد
* ورددت الصبابة في فؤادي
*
* فواشوقي إلى ناد خلي
* لعلي باسم من أهوى أنادي
*
وقالت
* خلوت بالراح أناجيها
* آخذ منها وأعاطيها
*
* نادمتها إذ لم أجد صاحبا
* أرضاه أن يشركني فيها
*
وهذا يشبه قول أبي نواس
* على مثلها مثلي يكون منادمي
* وإن لم يكن مثلي خلوت بها وحدي
*
وقالت
* بني الحب على الجور فلو
* أنصف المعشوق فيه لسمج
*
* ليس يستحسن في حكم الهوى
* عاشق يحسن تأليف الحجج
*
* وقليل الحب صرفا خالصا
* هو خير من كثير قد مزج
*
وقالت عريب المغنية أحسن يوم مر بي في الدنيا وأطيبه يوم اجتمعت فيه

170
مع إبراهيم بن المهدي وأخته علية وعندهم أخوهم يعقوب وكان من أحذق الناس بالزمر فبدأت علية فغنتهم من صنعتها في شعرها وأخوها يعقوب يزمر عليها
* تحبب فإن الحب داعية الحب
* وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
*
* تبصر فإن حدثت أن أخا هوى
* نجا سالما فارج النجاة من الحب
*
* وأطيب أيام الفتى يومه الذي
* يروع بالهجران فيه وبالعتب
*
* إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا
* فأين حلاوات الرسائل والكتب
*
وغنى إبراهيم وزمر عليه يعقوب
* لم ينسينك سرور لا ولا حزن
* وكيف لا كيف ينسى وجهك الحسن
*
* ولا خلا منك لا قلبي ولا جسدي
* كلي بكلك مشغول ومرتهن
*
* وحيدة الحسن مالي منك مذ كلفت
* نفسي بحبك إلا الهم والحزن
*
* نور تولد من شمس ومن قمر
* حتى تكامل فيه الروح والبدن
*
فما سمعت مثل ما سمعت منهما قط وأعلم أني لا أسمع مثله أبدا
ولدت سنة ستين ومائة وتوفيت سنة عشر ومائتين رحمها الله تعالى
((372 - كمال الدين بن العديم))
عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الصاحب العلامة رئيس الشام كمال الدين العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة ست وستين وستمائة وسمع جماعة كثيرة بدمشق وحلب والقدس والحجاز والعراق
وكان محدثا حافظا

171
مؤرخا صادقا فقيها مفتيا منشئا بليغا كاتبا مجودا درس وأفتى وصنف وترسل عن الملوك وكان رأسا في الخط المنسوب لا سيما النسخ والحواشي
أطنب الحافظ شرف الدين الدمياطي في وصفه وقال ولي قضاء حلب خمسة من آبائه متتالية وله الخط البديع والحظ الرفيع والتصانيف الرائقة منها تاريخ حلب أدركته المنية قبل إكمال تبييضه
روى عنه الدواداري وغيره ودفن بسفح المقطم بالقاهرة
انتهى
قال ياقوت سألته لم سميتم ببني العديم فقال سألت جماعة من أهلي عن ذلك فلم يعرفوه وقال هو اسم محدث ولم يكن في آبائي القدماء من يعرف به ولا أحسب إلا أن جد جدي القاضي أبا الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة مع ثروة واسعة ونعمة شاملة كان يكثر في شعره من ذكر العدم وشكوى الزمان فسمي بذلك فإن لم يكن هذا سببه فما أدري ما سببه
ولكمال الدين من المصنفات كتاب الدراري في ذكر الذراري صنفه للملك الظاهر غازي وقدمه له يوم ولد ولده الملك العزيز وكتاب ضوء الصباح في الحث على السماح
صنفه للملك الأشرف وكتاب الأخبار المستفادة في ذكر بني أبي جرادة وكتاب في الخط وعلومه وآدابه ووصف طروسه وأقلامه وكتاب دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري وكتاب تبريد حرارة الأكباد في الصبر على فقد الأولاد
وكان إذا سافر يركب في محفة تشد له بين بغلتين ويجلس فيها ويكتب وقدم إلى مصر رسولا وإلى بغداد وكان إذا قدم إلى مصر يلازمه أبو الحسين الجزار فقال فيه بعض أهل العصر
* يا بن العديم عدمت كل فضيلة
* وغدوت تحمل راية الإدبار
*
* ما إن رأيت ولا سمعت بمثلها
* تيس يلوذ بصحبة الجزار
*
ومن شعر الصاحب كمال الدين
* وأهيف معسول المراشف خلته
* وفي وجنتيه للمدامة عاصر
*

172
* يسيل إلى فيه اللذيذ مدامة
* رحيقا وقد مرت عليه الأعاصر
*
* فيسكر منه عند ذاك قوامه
* فيهتز تيها والعيون فواتر
*
* كأن أمير النوم يهوى جفونه
* إذا هم رفعا خالفته المحاجر
*
* خلوت به من بعد ما نام أهله
* وقد غارت الجوزاء والليل ساتر
*
* فوسدته كفى وبات معانقي
* إلى أن بدا ضوء من الصبح سافر
*
* فقام يجر البرد منه على تقى
* وقمت ولم تحلل لإثم مآزر
*
* كذلك أحلى الحب ما كان فرجه
* عفيفا ووصلا لم تشبه الجرائر
*
وقال
* فواعجبا من ريقه وهو طاهر
* حلال وقد أضحى على محرما
*
* هو الخمر لكن أين للخمر طعمه
* ولذته مع أنني لم أذقهما
*
وقال
* بدا يسحر الألباب بالحسن والحسنى
* هلم إليه إنه المقصد الأسنى
*
* وزر بين أزرار القميص ترائبا
* وضم إليك الدعص والغصن اللدنا
*
وقال وكتب بها إلى نور الدين بن سعيد
* يا أحسن الناس نظما غير مفتقر
* إلى شهادة مثلي مع توحده
*
* إن كان خطي كسا خطا كتبت به
* إلى حسنا بدا في لون أسوده
*
* فقد أتت منك أبيات تعلمني
* نظم القريض الذي يحلو لمنشده
*
* أرسلتها تقتضيني ما وعدت به
* والحر حاشاه من إخلاف موعده
*
* وما نسيت ولكن عاقني ورق
* يجيد خطي فآتيه بأجوده
*
* وسوف أسرع فيه الآن مجتهدا
* حتى يوافيك بدرا في مجلده
*
* بأحرف حسنت كالوجه دار به
* مثل الحواشي عذار في مورده
*
وكتب إلى ولده قاضي القضاة مجد الدين
* هذا كتابي إلى من غاب عن نظري
* وشخصه في سواد القلب والبصر
*
* ولا يمن بطيف منه يطرقني
* عند المنام ويأتيني على قدر
*

173
* ولا كتاب له يأتي فأسمع من
* أنبائه عنه فيه أطيب الخبر
*
* حتى الشمال التي تسري على حلب
* ضنت علي فلم تخطر ولم تسر
*
* أخصه بتحياتي وأخبره
* أني سئمت من الترحال والسفر
*
* أبيت أرعى نجوم الليل مكتئبا
* مفكرا في الذي ألقى إلى السحر
*
* وليس لي أرب في غير رؤيته
* وذاك عندي أقصى السول والوطر
*
((373 - رشيد الدين الفارقي))
عمر بن إسماعيل بن مسعود بن سعد بن سعيد بن أبي الكتائب الأديب العلامة رشيد الدين أبو حفص الربعي الفارقي الشافعي
ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وتوفي سنة تسع وثمانين وستمائة
سمع من الزبيدي وابن باقا وغيرهما وبرع في النظم وكتب في ديوان الإنشاء وله يد طولي في التفسير والبديع واللغة وانتهت إليه رياسة الأدب وأفتى وناظر ودرس بالظاهرية وانقطع بها وله في النحو مقدمتان كبرى وصغرى وكان حلو المناظرة مليح النادرة يشارك في الأصول والطب وغير ذلك ودرس بالناصرية مدة قبل الظاهرية
روى عنه الدمياطي وابن دبوقا والمزي والبرازلي وآخرون
وكتب المنسوب وانتفع به جماعة وخنق في بيته بالظاهرية وأخذ ذهبه وشنق الذي خنقه على باب الظاهرية ودرس بالظاهرية بعده علاء الدين ابن بنت الأعز
من شعره ما كتبه إلى جمال الدين علي بن جرير إلى قرية القاسمية على يد راجل اسمه علي أيضا
* حسدت عليا على كونه
* توجه دوني إلى القاسمية
*
* وما بي شوق إلى قرية
* ولكن مرادي ألقى سمية
*
وكتب إلى شيخ الشيوخ عماد الدين بن حمويه

174
* من غرس نعمته وناظم مدحه
* بين الورى وسميه ووليه
*
* يشكو ظماه إلى السحاب لعله
* يرويه من وسميه ووليه
*
وقال
* خود تجمع فيها كل مفترق
* من المعاني التي تستغرق الكلما
*
* عطت غزالا سطت ليثا خطت غصنا
* فاحت عبيرا رنت نبلا بدت صنما
*
وقال وكتب بها إلى الوزير ابن جرير وقد سوغه سكنى المنيبع بدمشق
* فديت بنانا أراني الندى
* عيانا وكان الندى يسمع
*
* وكفا حكى البحر جودا ومن
* أنامله صح لي المنبع
*
وقال ملغزا في خيمة
* ما سام إذا نصبته
* رفعت ما ينصب به
*
* ولا يتم نصبه
* إلا بجر سببه
*
وقال ملغزا في سبسب
* ما اسم إذا عكسته
* فذلك اسم للفلا
*
* وإن تركت عكسه
* فهو المسمى أولا
*
وقال وكتب بها إلى المكرم محمد بن بصاقة
* يا جوادا جود راحته
* أغنت الدنيا عن الديم
*
* ووفيا من سجيته
* رعى أهل الود والذمم
*
* إنني أصبحت ذا ثقة
* بكريم غير متهم
*
* خص بالحمد اسمه وغدا ال
* نعت مشتقا من الكرم
*
وقال بيتين ولا يؤتى لهما بثالث
* ومخطفة تسبي القلوب وتخطف ال
* عقول كأن السحر من جفنها يوحى
*

175
* رنت وسطت ظبيا وليثا وأسفرت
* صباحا وفاحت عنبرا وبدت يوحى
*
((374 - ابن الحسام الذهبي))
عمر بن الحسام أقوس هو الشاعر زين الدين أبو حفص الشبلي الدمشقي الذهبي الشافعي الافتخاري سألته عن مولده فقال سنة أربع وثمانين وستمائة وكانت وفاته في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة
اجتمعت به غير مرة وأنشدني كثيرا من شعره وفيه تودد كثير وحسن صحبة وطهارة لسان أنشدني من لفظه لنفسه
* قد أثقلتني الخطايا
* فكيف أخلص منها
*
* يا رب فاغفر ذنوبي
* واصفح بفضلك عنها
*
وقال أيضا
* يا من عليه اتكالي
* ومن إليه مآبي
*
* جد لي بعفوك عني
* إذا أخذت كتابي
*
وقال
* يا سائلي كيف حالي في مراقبتي
* وما العقيدة في سري وإعلاني
*
* أخاف ذنبي وأرجو العفو عن زللي
* فانظر فبين الرجا والخوف تلقاني
*
وقال
* ولما اعتنقنا للوداع عشية
* وفي القلب نيران لفرط غليله
*
* بكيت وهل يغني البكا عند هائم
* وقد غاب عن عينيه وجه خليله
*
وقال أيضا
* يا سيد الوزراء دعوة قائل
* من بعد إفلاس وبيع أثاث
*
* أبطت حوالتكم علي كأنها
* تأتي إذا ما صرت في الأجداث
*
* فإذا أتت من بعد موتي فأحسنوا
* بوصولها للأهل في ميراثي
*
وقال وكتب بها إلى الصاحب شرف الدين يعقوب ناظر طرابلس يشكو من أيوب

176
* بليت بالضر من أيوب حين غدا
* ينكد العيش في أكل ومشروب
*
* وزاد يعقوب في حزني لغيبته
* فضر أيوب لي مع حزن يعقوب
*
وقال
* إذا ما جئتم لغناء فقري
* تقول ابشر إذا قدم الأمير
*
* وقد طال المطال وخفت يأتي
* أميركم وقد مات الفقير
*
((375 - أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز))
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين أبو حفص الأموي رضي الله عنه
ولد بالمدينة سنة ستين للهجرة عام توفي معاوية
أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب
روى عن أنس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ويوسف بن عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والربيع بن سبرة وطائفة
وكان أبيض رقيق الوجه جميلا نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر حافر دابة ولذلك سمى أشج بني أمية وخطه الشيب قيل إن أباه لما ضربه الفرس وأدماه جعل يمسح الدم ويقول إن كنت أشج بني مروان إنك لسعيد
بعثه أبوه من مصر إلى المدينة ليتأدب بها فكان يختلف إلى عبد الله بن عبيد الله يسمع منه ولما مات أبوه عبد العزيز طلبه عمه عبد الملك إلى دمشق وزوجه بابنته فاطمة وكان قبل الإمرة يبالغ في التنعم ويفرط في الاختيال في المشية
قال أنس رضي الله عنه ما صليت خلف إمام أشبه برسول الله
من هذا الفتى عمر بن عبد العزيز
وقال زيد بن أسلم كان يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود

177
سئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر فقال هو نجيب بني أمية وإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة
وقال عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة
وقال نافع بلغنا عن عمر أنه قال إن من ولدي رجلا بوجهه شين يملأ الدنيا عدلا
فلا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز
ولما طلب للخلافة كان في المسجد فسلموا عليه بالخلافة فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فأصعدوه المنبر فجلس طويلا لا يتكلم فلما رآهم جالسين قال ألا
تقوموا فتبايعوا أمير المؤمنين فنهضوا إليه فبايعوه رجلا رجلا
وروى حماد بن زيد عن أبي هاشم أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال لقد رأيت النبي
في النوم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه جالس فقال لك يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين لأبي بكر وعمر
وقيل إن عمر هو الذي رأى هذا المنام
وقد عمل له ابن الجوزي سيرة مجلد كبير
وكانت وفاته بدير سمعان لعشر بقين من شهر رجب سنة إحدى ومائة سقاه بنو أمية السم لما شدد عليهم وانتزع كثيرا مما في أيديهم وصلى عليه يزيد بن عبد الملك
وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما ونقش خاتمه عمر يؤمن بالله
وهو الذي بنى الجحفة واشترى ملطية من الروم بمائة ألف أسير وبناها
وروى له الجماعة
وفي عمر بن عبد العزيز يقول الشريف الرضي
* يا بن عبد العزيز لو بكت ال
* عين فتى من أمية لبكيتك
*
* غير أني أقول إنك قد طبت
* وإن لم يطب ولم يزك بيتك
*
* أنت نزهتنا عن السب والقذ
* ف فلو أمكن الجزاء جزيتك
*
* ولو أني رأيت قبرك لاستح
* ييت من أن أرى وما حييتك
*
* دير سمعان فيك مأوى أبي حف
* ص فودي لو أنني آويتك
*

178
* أنت بالذكر بين عيني وقلبي
* إن تدانيت منك أو إن ناعيتك
*
* وعجيب أني قليت بني مر
* وان طرا وأنني ما قليتك
*
* قرب العدل منك لما نأى الجو
* ر بهم فاجتويتهم واجتبيتك
*
* فلو أني ملكت دفعا لما نا
* بك من طارق الردى لافتديتك
*
((376 - أبو حفص الشطرنجي))
عمر بن عبد العزيز أبو حفص الشطرنجي مولى بني العباس
كان أبوه أعجميا من موالي المنصور ونشأ عمر في دار المهدي ومع أولاد مواليه فكان كأحدهم وتأدب وكان مشغوفا بالشطرنج ولعبه
ولما مات المهدي انقطع إلى علية وخرج معها لما تزوجت وعاد معها لما عادت إلى القصر وكان يقول لها الأشعار فيما تريده من الأمور بينها وبين إخوتها وبني أخيها من الخلفاء فتنتحل بعض ذلك وتترك بعضه
وقال محمد بن الجهم البرمكي رأيت أبا حفص الشطرنجي فرأيت إنسانا يلهيك حضوره عن كل غائب وتسليك مجالسته عن كل الهموم والمصائب قربه عرس وحديثه أنس وجده لعب وعبه جد دين ماجن إن لبسته على ظاهره لبست موموقا لا تمله وإن تتبعته لتنظر خبرته وقفت على مروءة لا تطور الفواحش بجنباتها وكان ما علمته أقل ما فيه الشعر وهو القائل
* تحبب فإن الحب داعية الحب
* وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
*
* إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا
* فأين حلاوات الرسائل والكتب
*
* ففكر فإن حدثت أن أخا الهوى
* نجا سالما فارج النجاة من الحب
*
* وأطيب أيام الهوى يومك الذي
* تروع بالهجران فيه وبالعتب
*
ومن شعره
* وقد حسدوني قرب داري منكم
* وكم من قريب الدار وهو بعيد
*

179
* دخولك من باب الهوى إن أردته
* يسير ولكن الخروج شديد
*
وقال له الرشيد يا حبيبي لقد أحسنت ما شئت في بيتين قلتهما فقال ما هما يا سيدي فمن شرفهما استحسانك فقال قولك
* لم ألق ذا شجن يبوح بحبه
* إلا حسبتك ذلك المحبوبا
*
* حذرا عليك وإنني بك واثق
* ألا ينال سواي منك نصيبا
*
فقال يا أمير المؤمنين ليسا لي هما للعباس بن الأحنف
فقال صدقك والله أعجب إلي ولك والله أحسن منهما حيث تقول
* إذا سرها أمر وفيه مساءتي
* قضيت لها فيما تريد على نفسي
*
* وما مر يوم أرتجي فيه راحة
* فأذكره إلا بكيت على أمسي
*
قيل غضب الرشيد على علية بنت المهدي فأمرت أبا حفص الشطرنجي شاعرها بأن يقول شعرا يعتذر فيه عنها ويسأله الرضا عنها فقال
* لو كان يمنع حسن الفعل صاحبه
* من أن يكون له ذنب إلى أحد
*
* كانت علية أبرا الناس كلهم
* من أن تكافا بسوء آخر الأبد
*
* ما لي إذا غبت لم أذكر بواحدة
* وإن سقمت فطال السقم ل ما أعد
*
* ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه
* قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
*
فغنت عليه لحنا وألقته على جماعة من جواري الرشيد فغنينه إياه في أول مجلس جلس فيه فطرب طربا شديدا وسأل عن القصة فأخبرنه بذلك فأحضر علية وقبلت رأسه واعتذرت إليه وسألها وإعادة الصوت فغنته فبكى وقال لا غضبت عليك ما عشت أبدا
وكانت وفاة أبي حفص في خلافة المعتصم
((377 - قطب الدين الشارعي))
عمر بن عوض بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب الشارعي يعرف بابن قليلة

180
ويدعي قطب الدين
كانت وفاته بعد السبعمائة
من شعره وقيل هي لابن خلكان
* ألا يا سائرا في قفر عمر
* يقاسي في السرى حزنا وسهلا
*
* بلغت نقا المشيب وجزت عنه
* وما بعد النقا إلا المصلى
*
وله
* عزمت على تزويج بكر مدامة
* بماء قراح والليالي تساعد
*
* فأمهرتها در الحباب وإنه
* إذا جليت ليلا عليها قلائد
*
* وجاءت رياحين البساتين عرفت
* فطابت بذاك النفس واللوز عاقد
*
* وكان حضور النبق فألا مهنئا
* لنا بالبقا في العقد والورد شاهد
*
((378 - مجير الدين بن اللمطي))
عمر بن عيسى بن نصر بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد بن حسن بن حسين التيمي مجير الدين بن اللمطي
قال العلامة أثير الدين أبو حيان رأيته بقوص وكتبت عنه شيئا من شعره قدم علينا مصر وسكنها أيام القاضي تقي الدين بن دقيق العيد واشتغل عنده في أوقات وكان قد نظر في العربية وأنشدني لنفسه بمدرسة الأفرم سنة ثمانين وستمائة
* أبي الدمع إلا أن يفيض وأن يجري
* على ما مضى من مدة النأي من عمري
*
* وما لي إن كفكفت ماء محاجري
* وقد بعدت دار الأحبة من عذر
*
* أما إنه لولا اشتياقي لذكرهم
* ولا شوق إلا ما يهيج بالذكر
*
* لما شاقني نظم القريض ولا صبا
* فؤادي على البلوى إلى عمل الشعر
*
* وكان لمثلي عن أفانين منطقي
* هنالك ما يلهى عن النظم والنثر
*
وأنشدني أيضا
* جفن قريح بالبكاء موكل
* فعلت به العبرات ما لا يفعل
*
* وجوانح مني على شحط النوى
* أضحت تمزق في الهوى وتوصل
*

181
* عجبا لحكم الحب في فليته
* يوما يجور به ويوما يعدل
*
* إني وإن أمسى يحملني الهوى
* من ثقله في الحب ما لا يحمل
*
* فلقد حلت منه مرارت الجوى
* عندي وخف لدي ما يستثقل
*
* لا يطمع اللوام في ترك الهوى
* إن كثروا من لومهم أو قللوا
*
* لهفي على زمني بمنعرج اللوى
* والشمل مجتمع وجدي مقبل
*
* ما كان أهنا العيش فيه فليته
* لو دام منه ريثما أتأمل
*
وقال
* وزهدني في الخل أن وداده
* لرهبة جاه أو لرغبة مال
*
* فأصبحت لا أرتاح منه لرؤية
* ولا أرتجي نفعا لديه بحال
*
ولما توفي قاضي القضاة ابن دقيق العيد ترك ما ولاه من نظر رباع الأيتام وتوجه إلى قوص وأقام بها إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وله من العمر ثلاث وثمانون سنة
وله شعر جيد وكان صحيح الود حافظ العهد حسن الصحبة رحمه الله
((379 - السراج الوراق))
عمر بن محمد بن حسن سراج الدين الوراق الشاعر المشهور والأديب المذكور
ملكت ديوان شعره وهو في سبعة أجزاء كبار ضخمة بخطه إلى الغاية هذا الذي اختاره لنفسه وأثبته فلعل الأصل كان من حساب خمسة عشر مجلدا وكل مجلد يكون مجلدين فهذا الرجل أقل ما يكون ديوانه لو ترك جيده ورديه في ثلاثين مجلدا
وخطه في غاية الحسن والقوة والأصالة
وكان حسن التخيل جيد المقاصد صحيح المعاني عذب التراكيب قاعد التورية والاستخدام عارفا بالبديع وأنواعه وكان أشقر أزرق العين وفي ذلك يقول
* ومن رآني والحمار مركبي
* وزرقتي للروم عرق قد ضرب
*
* قال وقد أبصر وجهي مقبلا
* لا فارس الخيل ولا وجه العرب
*

182
وكان يكتب الدرج للأمير سيف الدين أبي بكر بن أسباسلار والي مصر
وتوفي في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة رحمه الله تعالى وقد قارب التسعين أو جاوزها بقليل وأكثر شعره في اسمه فمن ذلك
* وكنت حبيبا إلى الغانيات
* فألبسني الشيب بغض الرقيب
*
* وكنت سراجا بليل الشباب
* فأطفأ نوري نهار المشيب
*
وقال
* بني اقتدي بالكتاب العزيز
* وراح لبري سعيا وراجا
*
* فما قال لي أف مذ كان لي
* لكوني أبا ولكوني سراجا
*
وقال
* وقالت يا سراج علاك شيب
* فدع لجديده خلع العذار
*
* فقلت لها نهار بعد ليل
* فما يدعوك أنت إلى النفار
*
* فقالت قد صدقت وما علمنا
* بأضيع من سراج في نهار
*
وقال
* إلهي قد جاوزت تسعين حجة
* فشكرا لنعماك التي ليس تكفر
*
* وعمرت في الإسلام فازددت بهجة
* ونورا كذا يبدو السراج المعمر
*
* وعمم نور الشيب رأسي فسرني
* وما ساءني أن السراج منور
*
وقال
* طوت الزيارة إذ رأت
* عصر المشيب طوى الزيارة
*
* ثم انثنت لما انثنت
* بعد الصلابة كالحجارة
*
* وبقيت أهرب وهي تس
* أل جارة من بعد جاره
*
* وتقول يا ستي استرح
* نا سراج ولا منارة
*
وقال
* كم قطع الجود من لسان
* قلد من نظمه النحورا
*
* فها أنا شاعر سراج
* فاقطع لساني أزدك نورا
*
وقال
* أثنى على الأنام أني
* لم أهج خلقا ولو هجاني
*
* فقلت لا خير في سراج
* إن لم يكن دافئ اللسان
*

183
وقال
* رب سامح أبا الحسين وسامح
* ني فشأني وشأنه الإسلام
*
* فذنوب الوراق كل جريح
* وذنوب الجزار كل عظام
*
وقال
* واخجلني وصحائفي قد سودت
* وصحائف الأبرار في إشراق
*
* وفضيحتي لمعنف لي قائل
* أكذا تكون صحائف الوراق
*
وقال
* وباخل يشنأ الأضياف حل به
* ضيف من الصفع نزال على القمم
*
* سألته ما الذي يشكو فأنشدني
* ضيف ألم برأسي غير محتشم
*
وقال
* وضاع خصر لها ما زلت أنشده
* أو رق ورثي للسقم من بدني
*
* وقال لي بلسان من مناطقه
* لولا مخاطبتي إياك لم ترني
*
وقال أيضا
* رأت حالي وقد حالت
* وقد غاب الصبا فوت
*
* فقالت إذ تشاجرنا
* ولم يخفض لنا صوت
*
* فلا خير ولا مير
* ولا أير فذا موت
*
وقال
* أصبحت أعجن إذ أقوم وشر ما
* وقعت عليه العين شيخ عاجن
*
* وإذا أردت أدق شيئا لم أجد
* عندي يدا والبيت فيه الهاون
*
وقال
* قام فلما دنوت منها
* نام وما مثل تلك خجله
*
* وكل كفى لفرط جذبي
* له وما للجبان حمله
*
* فزرجنت وانثنت وقالت
* قوموا انظروا عاشقا بوصله
*
* فقلت هذا لفرط حبي
* قالت دع الترهات بالله
*
* قلت أقيم الدليل قالت
* لو قام ما احتجت للأدلة
*
وقال في أقرع
* أبدي لنا لما بدا قرعة
* يحار في تشبيهها القلب
*

184
* قالوا فهل تشبه يقطينة
* فقلت لو كان لها لب
*
وقال
* ما كنت أعرف في فلان حالة
* تدعو لحب الأسود الغربيب
*
* حتى رأيت محل سعد عنده
* فرأيت كل غريبة وغريب
*
* ورأيته فرحا به في غاية
* ومقطبا لي غاية التقطيب
*
* فسألت بعض الحاضرين فقال لي
* حاشاك يغرب عنك فهم أديب
*
* أوليس سعد أسودا غض الصبا
* أو لست أبيض في خليع مشيب
*
* فأجبته حتى كلامي عنده
* يلغى وسعد لم يكن بأديب
*
* كلامه المسموع قال أطلت ما
* المسموع عند الشيخ إلا النوبي
*
وقال
* دع الهوينا وانتصب للتقى
* واكدح فنفس المرء كداحة
*
* وكن عن الراحة في معزل
* فالصفع موجود مع الراحة
*
وقال
* وقائل قال لي لما رأى قلقي
* لطول وعد وآمال تعنينا
*
* عواقب الصبر فيما قال أكثرهم
* محمودة قلت أخشى أن تخرينا
*
وقال
* هززته بالمدح جهدي فما اه
* تز ونادى الياس كم تتعب
*
* فقلت أرجو زبدة قال لي
* فاتك أين اللبن الطيب
*
وقال
* لي حرمدان كاتب قد تهرا
* وتخلى عني ومني تبرا
*
* من رآه مع الغلام إذا ما
* مر خلفي مقطعا ظن شرا
*
وقال
* جاري في وقفة وجاريتي
* في وجمة مذ عدمت دبوسي
*
* أبكي وتبكي وما لنا سبب
* يدخل في كسها ولا كيسي
*
وقال
* سألتهم وقد حثوا المطايا
* قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا
*
* وما عطفوا علي وهم غصون
* وما التفتوا إلي وهم ظباء
*

185
وقال
* ما حل عزمي مثل عقد قبائه
* بدرا يعد البدر من رقبائه
*
* مرح المعاطف تائه بجماله
* واه لصب تائه في تائه
*
* يحلو مقبله وبرد رضابه
* كالأقحوان غداة غب سمائه
*
* في شعره وجبينه لي موقف ال
* حيران بين ظلامه وضيائه
*
* يتشبه الغصن النضير بقده
* يا غصن حسبك لست من نظرائه
*
وقال
* شمت برقا من ثغرها الوضاح
* والدجى نسره مهيض الجناح
*
* فتماري شكى به ويقيني
* هل تجلى الصباح قبل الصباح
*
* فأجابت متى تبسم صبح
* عن حباب أو لؤلؤ أو أقاح
*
* ومتى كان للصباح لمى كالمسك
* أو نكهة كصرف الراح
*
* سل بثغري المسواك تسأل خبيرا
* باغتباق من خمره واصطباح
*
* قلت ما لي وللسكارى فقالت
* أنت أيضا من الهوى غير صاح
*
* حجة من مليحة قطعتني
* هكذا كل حجة للملاح
*
* لا ولحظ كفترة النرجس ال
* غض وخد كحمرة التفاح
*
* ما تيقنت بل ظننت وما في الظ
* ظن يا هذه كبير جناح
*
* وكثيرا شبهت بالبدر والشم
* س وسامحت فارجعي للسماح
*
* واجعلي ذا من ذاك واطرحي القو
* ل اطراحي عليك قول اللاحي
*
وقال
* أحسن ما سطر في صفحة
* عذار من أهوى على خده
*
* يا قلم الريحان سبحان من
* خطك بالآس على ورده
*
وقال
* جاء عذار الذي أهيم به
* فجرد الوجد أي تجريد
*
* وظنه آخر الغرام به
* مفند جاهل بمقصودي
*
* وما درى أن لام عارضه
* لام ابتداء أو لام توكيد
*
وقال
* يا نازح الطيف مر نومي يعاودني
* لقد بكيت لفقد النازحين دما
*

186
* أوجبت غسلا على عيني بأدمعها
* فكيف وهي التي لم تبلغ الحلما
*
وقال
* ومهفهف عني يميل ولم يمل
* يوما إلى فقلت من ألم الجوى
*
* لم لا تميل إلى يا غصن النقا
* فأجاب كيف وأنت من جهة الهوى
*
وقال
* أقول وكفي في خصرها
* يدور وقد كاد يخفى علي
*
* أخذت عليك عهود الهوى
* وما في يدي منك يا خصر شي
*
((380 - السراج المحار))
عمر بن مسعود الأديب سراج الدين المحار الحلبي الكناني صاحب الموشحات والأزجال الرائقة
توفي بدمشق في سنة إحدى عشرة وسبعمائة فمن شعره
* رأيته في المنام معتنقي
* يا ليت ما في المنام لو كانا
*
* ثم انثنى معرضا فواعجبي
* يهجرني نائما ويقظانا
*
وقال في مليح نجار بالمعرة
* قالوا المعرة قد غدت من فضلها
* يسعى إلى أبوابها وتزار
*
* وجبت زيارتها علينا عندما
* شغف القلوب حبيبها النجار
*
وقال في أحدب
* وأحدب أنكروا عليه وقد
* سمى حساما وغير منكور
*
* ما لقبوه الحسام عن سفه
* لو لم يروا قده القلاجوري
*
وقال
* بعثت نحوي المشط يا مالكي
* فكدت أن تسلبني روحي
*
* وكيف لا تسلب روحي وقد
* بعثت منشورا لتسريحي
*
وقال
* أرى لابن سعد لحية قد تكاملت
* على وجهه واستقبلت غير مقبل
*

187
* ودارت على أنف عظيم كأنه
* كبير أناس في بجاد مزمل
*
وقال
* يا حبذا وادي حماة وطيبه
* وطلاوة العاصي بها والجوسق
*
* فاقت منارة جلق فلحسنها الش
* شقراء تكبو خلفها والأبلق
*
وقال في إبريق فخار
* يا حبذا شكل إبريق تميل له
* منا القلوب وتصبو نحوه الحدق
*
* يروق لي حين أجلوه ويعجبني
* منه طلاوة ذاك الجسم والعنق
*
* كم قد شربت به ماء الحياة ولن
* ينالني منه لا غص ولا شرق
*
* حتى غدا خجلا مما أقبله
* فظل يرشح من أعطافه العرق
*
وقال في قنديل
* يا حسن بهجة قنديل خلوت به
* والليل قد أسلبت منا ستائره
*
* أضاء كالكوكب الدري متقدا
* فراق باطنه نورا وظاهره
*
* تزيده ظلمة الليل البهيم سنا
* كأنما الليل طرف وهو باصره
*
وقال في مليح معالج
* بروحي أفدي في الأنام معالجا
* معاطفه أزهى من الغصن الغض
*
* يكلف عطفيه العلاج فيبسط ال
* قلوب إلى حبيه في ساعة القبض
*
* إذا ما امتطى لطفا مقيرة له
* وأقعدها واحمر سالفه الفضي
*
* رأيت محياه وما في يمينه
* كشمس تجلت دونها كرة الأرض
* وقال أيضا رحمه الله تعالى
* ما بث شكواه لولا مسه الألم
* ولا تأوه لولا شفه السقم
*
* ولا توهم أن الدمع مهجته
* أذابها الشوق حتى سال وهو دم
*
* صب له مدمع صب يكفكفه
* فتستهل غواديه وتنسجم
*
* فطرفه بمياه الدمع في غرق
* وقلبه بلهيب الشوق يضطرم
*
* أراد إخفاء ما يلقاه من كمد
* حتى لقد عاد بالسلوان يتهم
*
* يبدي التجلد والأجفان تفضحه
* كالبرق تبكي الغوادي وهو يبتسم
*

188
* سقته أيدي النوى كأسا مدعدعة
* فما نداماه إلا الحزن والندم
*
* يمسي ويصبح لا صبر ولا جلد
* ولا قرار ولا طيف ولا حلم
*
* لولا يؤمل إلماما بجيرته
* لكاد يعتاده مما به لمم
*
* قال الوشاة تسل عن محبتهم
* يا ويحهم جهلوا فوق الذي علموا
*
* أنى يميل إلى السلوان مكتئب
* باق على الود والأيام تنصرم
*
* قضى بحبهم عصر الشباب وما
* خان الوداد وهذا الشيب والهرم
*
* أنا المقيم على ما يرتضون به
* مصغ إذا نطقوا راض بما حكموا
*
* متى دعاني هواهم جئت معتذرا
* أسعى على الرأس إن لم يسعد القدم
*
ومن موشحاته
* جسمي ذوي بالكمد والسهر
* والوصب من جاني
*
* ذي شنب كالبرد كالدرر
* كالحبب جماني
*
* بي غصن بان نضر
* يسبيك منه الهيف
*
* يرتع فيه النظر
* فزهره يقتطف
*
* الخد منه خفر
* والجسم منه ترف
*
* قد جاءنا يعتذر
* عذاره المنعطف
*
* ثم التوى كالزرد معبقري
* معقرب ريحاني
*
* في مذهب مورد مدنر
* مكتب سوساني
*
* ظبي له مرتشف
* كالسلسبيل البارد
*
* بدر علاه سدف
* من ليل شعر وارد
*
* غصن نقا منعطف
* من لين قد مائد
*
* مقرطق مشنف
* يختال في القلائد
*
* بين اللوى وثهمد كجؤذر
* في ربرب غزلاني
*
* من كثب ذي جيد ذي حور
* ذي هدب وسنان
*
* أما وحلى جيده
* ورنة الخلاخل
*
* والضم من بروده
* قد قضيب مائل
*
* والورد من خدوده
* إذ نم في الغلائل
*

189
* لا كنت من صدوده
* مستمعا لعاذل
*
* نار الجوى لا تخمدي واستعري
* وكذبي سلواني
*
* وانسكبي واطردي وانهمري
* كالسحب أجفاني
*
* مولاي جفني ساهر
* مؤرق كما ترى
*
* فلا خيال زائر
* يطرقني ولا كرى
*
* إني عليك صابر
* فما جزا من صبرا
*
* إن سح دمعي الهامر
* فلا تلمه إن جرى
*
* جال الهوى في خلدي ومضمري
* أضر بي كتماني
*
* مؤنبي اتئد لا تفتري
* وجنب عن عاني
*
وقال أيضا
* ترى دهر مضى بكم يئوب منيبا
* ويضحي روض آمالي الجديب خصيبا
*
* عسى صب تملكه هواه
* يعاود جفن مقلته كراه
*
* ويبلغ من وصالكم مناه
* ويرجع دهرنا عما جناه
*
* ويجمع شملنا حسن وطيب قريبا
* ويصبح حيث أدعوه الحبيب مجيبا
*
* أرى أمد الصدود بكم تمادى
* وكم لمت الفؤاد فما أفادا
*
* وتأبى عبرتي إلا اطرادا
* ونار صبابتي إلا اتقادا
*
* فخذي رده الدمع السكوب خضيبا
* وقلبي كاد أشواقا يذوب لهيبا
*
* وبي رشأ بناظره يصول
* حسام من ضرائبه العقول
*
* على وجناته لدمى دليل
* ولكن ما إلى قود سبيل
*
* حبته من ضمائرها القلوب نصيبا
* فكان لها وإن كره الرقيب حبيبا
*
* غزال وهو في المعنى هلال
* قريب وصله ما لا ينال
*
* وغصن راح يعطفه الدلال
* كذا الأغصان تثنيها الشمال
*
* إذا مالت بعطفيه الجنوب هبوبا
* تثنى في غلائله القضيب رطيبا
*
* كلفت بحبه حلو المعاني
* أعاني في هواه ما أعاني
*
* أراه وإن تباعد عن عياني
* كبدر التم قاص وهو داني
*
* يرينا حين تطلعه عجيبا
* جمالا لا يكلفه الغروب مغيبا
*

190
وقال أيضا
* من دون رملة عالج
* لربة الخال دار
*
* حلت عليها السحائب
* منا الدموع الغزار
*
* همت عليها دموع
* لها السحاب شؤون
*
* فاخضل منها النقيع
* ومسن فيها الغصون
*
* حدث فتلك الربوع
* حديثهن شجون
*
* ففي القلوب لواعج
* من ذكرها وأوار
*
* ونار فقد الحبائب
* زنادها الإدكار
*
* لم أنس يوم تولى
* حادي المطي وسارا
*
* خلي المحبين قتلي
* كما ترى وأساري
*
* ودون رامة خلي
* منا العقول حياري
*
* لأن بين الهوادج
* أقمار تم تحار
*
* منها بدور الغياهب
* لم يخفهن سرار
*
* حكوا البروق ابتساما
* والسمهريات لينا
*
* أغصان بان إذا ما
* مالت تغير الغصونا
*
* كم خلفت مستهاما
* ملقى لديها طعينا
*
* مذ أينعت في الدمالج
* لها البدور ثمار
*
* أوراقهن الذوائب
* حق الغصون تغار
*
* سفرن بين الستور
* هيف دقاق الخصور
*
* عن أوجه كالبدور
* في جنح ليل الشعور
*
* تقلدوا في النحور
* بمثل ما في الثغور
*
* يحكين غزلان ضارج
* شعارهن النفار
*
* فليس يدنو لطالب
* من طيفهن مزار
*
* هل للحياة سبيل
* وقد دهتنا العيون
*
* وسل منها نصول
* لها الجفون جفون
*
* قضب علينا تصول
* شفارهن المنون
*

191
* فكيف للهم فارج
* أو للمحب اصطبار
*
* وفي الجفون قواضب
* لها المنون شفار
*
وقال أيضا
* أيخفى غرامي والدموع السوافح
* تنم بما تطوى عليه الجوانح
*
* وقلبي في واد من الشوق هائم
* حزين وغاد في الغرام ورائح
*
* صب هيمان بعد الخلان
* نامي الأشجان بادي الأحزان
*
* كتمت الهوى العذرى بين أضالعي
* وأخفيته لولا وشاة مدامعي
*
* وحاولت سلوانا فلم ألق سلوة
* فقلت لقلبي مت بداء المطالع
*
* سلواني بان وسرى بان
* فلا سلوان ولا كتمان
*
* تملكني حلو الشمائل أهيف
* مليح التثني ناحل الخصر مخطف
*
* أغض من الغصن الرطيب شمائلا
* وأحسن مرأى في العيون وأظرف
*
* يثني ريان قد فينان
* فاق الأغصان أغصان البان
*
* أعار قضيب البان هزة عطفه
* ورق على نشر النسيم بلطفه
*
* وزاد على البدر المنير بوجهه
* سنا وعلى الظبي الغرير بطرفه
*
* ما للغزلان معنى أجفان
* طرف وسنان صاحي نشوان
*
* تقوى على ضعفي برقة خصره
* وأضرم أشواقي إلى لثم ثغره
*
* فقلت لقلبي عندما صد مغضبا
* وزاد إلى عدوانه طول هجره
*
* كم ذا العدوان بذا الهجران
* ترى ما آن يرضى الغضبان
*
* أجرني من الهجران يا غاية المنى
* وجد لي بوصل منك إن كان ممكنا
*
* وعدني إذا لم يمكن الوصل زورة
* وزدني من الحسنى فلا زلت محسنا
*
* وأحسن إن كان تلقى إمكان
* إن الإنسان عبد الإحسان
*
* ظفرت بمحمود الوصال حمبده
* حباني به المحبوب بعد صدوده
*
* فقلت لقلبي بين آس عذاره
* ونرجس عينيه وورد خدوده
*
* قم يا جنان وايش ذا النسيان
* واجنى ريحان هذا البستان
*

192
((381 - رشيد الدين الفهري))
عمر بن مظفر بن سعيد القاضي رشيد الدين أبو حفص الفهري الفوي المصري الشاعر الكاتب
تنقل في الخدم الديوانية ومدح الملوك والوزراء وكان كثير الحفظ روى عنه المنذري وعاش خمسا وسبعين سنة وتوفي سنة ثمان وثلاثين وستمائة
قال شهاب الدين القوصي أنشدني المذكور بدمشق عند قدومه إليها زائرا عقيب انفصاله من الخدمة الملكية الكاملية هذه الأبيات في النسيان
* أفرط بي النسيان في غاية
* لم يترك النسيان لي حسا
*
* وكنت مهما عرضت حاجة
* مهمة أودعتها الطرسا
*
* فصرت أنسى الطرس في راحتي
* وصرت أنسى أنني أنسى
*
وأنشدني
* قد نسيت الذي حفظت قديما
* من معان غر وحسن بيان
*
* غار مني قليب قلبي فذهني
* شارب من بلاذر النسيان
*
وأنشدته قول ابن سناء الملك
* خاصمني من سكت عنه
* فظن أن ليس لي لسان
*
* فقلت ما أنت لي بخصم
* وإنما خصمي الزمان
*
فأنشدني لنفسه
* سكت إذ سبني من لا خلاق له
* فقيل لي خفت منه إنه لسن
*
* فقلت والله ما عيا سكت ولا
* ذا النحس خصمي ولكن خصمي الزمن
*
وأنشدته قول ابن اللخمي
* أأبناء هذا الجيل طرا أكلكم
* يعوق وما فيكم يغوث ولا ود
*
* لقد طال تردادي إليكم فلم أجد
* سوى رب شأن منكم شانه الرد
*
فأنشدني لنفسه
* لأصنام الزمان عبدت دهرا
* وقد أسلمت واتسع المضيق
*

193
* فما فيهم يغوث أقول هذا
* ولكن كل من فيهم يعوق
*
((382 - ملك بطليوس))
عمر بن الأفطس ملك بطليوس هو المتوكل من قبيلة من البربر يعرفون بمكناسة ورث الملك ببطليوس من أبيه وأبوه هو الذي كان يحارب المعتضد بن عباد وكان المتوكل ببطليوس كالمعتمد بإشبيلية آل أمره إلى أن حصره الملثمون وحصل في أيديهم فقتلوه صبرا وقتلوا ولديه قبله وهو ينظر إليهما
وفيه قال ابن عبدون قصيدته المشهورة التي أولها
* الدهر يفجع بعد العين بالأثر
*
ومن شعره ما خاطب به وزيره أبا غانم
* انهض أبا غانم إلينا
* واسقط سقوط الندى علينا
*
* فنحن عقد من غير وسطى
* ما لم تكن حاضرا لدينا
*
وقال وقد ذكر في مجلس أخيه المنصور بسوء
* وما بالهم لا أنعم الله بالهم
* ينوطون بي ذما وقد علموا فضلي
*
* يسيئون لي في القول جهلا وضلة
* وإني لأرجو أن يسوءهم فعلي
*
* وكيف وراحي درس كل فضيلة
* وورد التقى شمى وحرب العدا نقلي
*
* فإن كان حقا ما أذاعوا فلا مشت
* إلى غاية العلياء من بعدها رجلي
*
* ولم ألق أضيافي بوجه طلاقة
* ولم أسخ للعافين في الزمن المحل
*
* ولي خلق في السخط كالشوك طعمه
* وعند الرضا أحلى جني من جني النحل
*
* فيأيها الساقي أخاه على النوى
* كئوس القلي جهلا رويدك بالعل
*
* لتطفئ نارا أضرمت في نفوسنا
* فمثلي لا يقلى ومثلك لا يقلي
*
* وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكيا
* فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي
*
* فبادر إلى الأولى وإلا فإنني
* سأشكوك يوم الحشر للحكم العدل
*

194
((383 - زين الدين ابن الوردي))
عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس القاضي الأجل الإمام الفقيه الأديب الشاعر زين الدين بن الوردي المعري الشافعي أحد فضلاء العصر وفقهائه وأدبائه وشعرائه تفنن في العلوم وأجاد في المنثور والمنظوم
نظمه جيد إلى الغاية وفضله بلغ النهاية
ومن شعره
* مليح ردفه والساق منه
* كبنيان القصور على الثلوج
*
* خذوا من خده القاني نصيبا
* فقد عزم الغريب على الخروج
*
وقال
* جاءنا مكتتما ملتثما
* فدعوناه لأكل وعجبنا
*
* مد في السفرة كفا ترفا
* فحسبنا أن في السفرة جبنا
*
وكتب إلى القاضي فخر الدين ابن خطيب جبرين قاضي حلب وقد عزله وعزل أخاه
* جنبتني وأخي تكاليف القضا
* وشفيتنا في الدهر من خطرين
*
* يا حي عالم دهرنا أحييتنا
* فلك التحكم في دم الأخوين
*
وقال
* قلت وقد عانقته
* عندي من الصبح فلق
*
* قال وهل يحسدنا
* قلت نعم قال انفلق
*
وقال أيضا
* جبرت يا عائدتي بالصلة
* فتممي الإحسان تنفى الوله
*
* وهذه قد حسبت زورة
* مالك بالفيئة مستعجله
*
وقال
* بالله يا معشر أصحابي
* إغتنموا علمي وآدابي
*
* فالشيب قد حل برأسي وقد
* أقسم لا يرحل إلا بي
*

195
وقال أيضا
* رامت وصالي فقلت لي شغل
* عن كل خود تريد تلقاني
*
* قالت كأن الخدود كاسدة
* قلت كثيرا لقلة القاني
*
وقال أيضا
* لا تقصد القاضي إذا أدبرت
* دنياك واقصد من جواد كريم
*
* كيف ترجي الرزق من عند من
* يفتي بأن الفلس مال عظيم
*
وقال أيضا
* وكنت إذا رأيت ولو عجوزا
* يبادر بالقيام على الحرارة
*
* فأصبح لا يقوم لبدر تم
* كأن النحس قد ولى الوزارة
*
وقال أيضا
* أنت ظبيي أنت مسكي
* أنت دري أنت غصني
*
* في التفات وثناء
* وثنايا وتثني
*
وقال
* لما شتت عيني ولم
* ترفق لتوديع الفتى
*
* أدنيتها من خده
* والنار فاكهة الشتا
*
وقال أيضا
* من كان مردودا بعيب فقد
* ردتني الغيد بعيبيبن
*
* الرأس واللحية سابا معا
* عاقبني الدهر بشيبين
*
أنشدني الشيخ جمال الدين بن نباتة أمتع الله بفوائده ورضي عنه
* لا حبذا شيب برأسي ولا
* شيب بقلبي أقذيا عيني
*
* ما كنت بالتائب من صبوتي
* أصلا فقد تبت بشيئين
*
ومن شعر ابن الوردي رحمه الله
* دهرنا أمسى ضنينا
* باللقا حتى ضنينا
*
* يا ليالي الوصل عودي
* واجمعينا أجمعينا
*

196
وقال
* أنتم أحبائي وقد
* فعلتم فعل العدا
*
* حتى تركتم خبري
* في العالمين مبتدأ
*
وقال
* سبحان من سخر لي حاسدي
* يحدث لي في غيبتي ذكرا
*
* لا أكره الغيبة من حاسد
* يفيدني الشهرة والأجرا
*
وقال
* وتاجر شاهدت عشاقه
* والحرب فيما بينهم ثائر
*
* قال علام اقتتلوا هكذا
* قلت على عينك يا تاجر
*
وقال
* إني عدمت صديقا
* قد كان يعرف قدري
*
* دعني لقلبي ودمعي
* عليه أحرق وأذري
*
ومن مصنفاته البهجة الوردية في نظم الحاوي فوائد فقهية منظومة شرح ألفية ابن مالك ضوء الدرة على ألفية ابن معطي قصيدة اللباب في علم الإعراب وشرحها اختصار ملحة الإعراب نظما مذكرة الغريب نظما وشرحها المسائل المذهبية في المسائل الملقبة أبكار الأفكار تتمة تاريخ صاحب حماة وأرجوزة في تعبير المنامات أرجوزة في خواص الأحجار ومنطق الطير نظما
وبلغنا وفاته في الطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة وهو في عشر السبعين رحمه الله تعالى
((384 - عمرو الأشدق))
عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس
كان أحد الأشراف الأمويين ولي المدينة ليزيد بن معاوية وكان يسمى الأشدق

197
سمي بذلك لأنه كان أفقم مائلا إلى الذقن ولهذا سمي لطيم الشيطان
وقيل إنما سمي الأشدق لتشادقه في الكلام
وكان مروان بن الحكم قد ولاه العهد بعد ابنه الملك فقتله عبد الملك فقيل إنها أول غدرة كانت في الإسلام وقال ابن الزبير لما بلغه قتله إن أبا الذبان قتل لطيم الشيطان * (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) * الأنعام 129 وقال يحيى بن الحكم أخو مروان يرثيه
* أعيني جودا بالدموع على عمرو
* عشية سددنا الخلافة بالخير
*
* كأن بني مروان إذ يقتلونه
* بغاث من الطير اجتمعن على صقر
*
* غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل
* ومثلكم يبني البيوت على غدر
*
* فرحنا وراح الشامتون بنعشه
* كأن على أكتافنا فلق الصخر
*
وكان عمرو قد رام الخلافة وغلب على دمشق
وكانت قتلته في سنة سبعين من الهجرة
وقد روى له مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي رحمه الله تعالى
((385 - عوف بن محلم الخزاعي))
عوف بن محلم الخزاعي أحد العلماء الأدباء الرواة الفهماء الندماء الظرفاء الشعراء الفصحاء
كان صاحب أخبار ونوادر ومعرفة بأيام الناس اختصه طاهر بن الحسين لمنادمته ومسامرته فلا يسافر إلا وهو معه فيكون زميله وعديله
قال محمد بن داود إن سبب اتصاله به أنه نادى على الجسر أيام الفتنة بهذه الأبيات وطاهر منحدر في حراقة له بدجلة وأنشده إياها وهي هذه
* عجبت لحراقة ابن الحسي
* ن كيف تعوم ولا تغرق
*
* وبحران من تحتها واحد
* وآخر من فوقها مطبق
*

198
* وأعجب من ذاك عيدانها
* وقد مسها كيف لا تورق
*
فضمه طاهر إليه وبقي معه ثلاثين سنة لا يفارقه وكلما استأذنه في الانصراف إلى أهله ووطنه لم يأذن له فلما مات طاهر ظن أنه قد تخلص وأنه يلحق بأهله فقربه عبد الله بن طاهر وأنزله منزلته من أبيه وأفضل عليه حتى كثر ماله وحسنت حاله وتلطف بجهده أن يأذن له بالعودة فاتفق أن خرج عبد الله بن طاهر إلى خراسان فجعل عوفا عديله فلما شارف الري سمع صوت عندليب يغرد بأحسن تغريد فأعجب ذلك عبد الله والتفت إلى عوف وقال يا بن محلم هل سمعت بأشجى من هذا فقال لا والله
فقال عبد الله قاتل الله أبا كبير حيث يقول
* ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر
* وغصنك مياد ففيم تنوح
*
* أفق لا تنح من غير شيء فإنني
* بكيت زمانا والفؤاد صحيح
*
* ولوعا فشطت غربة دار زينب
* فها أنا أبكي والفؤاد قريح
* فقال عوف أحسن والله أبو كبير إنه كان في الهذليين مائة وثلاثون شاعرا ما فيهم إلا مفلق وما كان فيهم مثل أبي كبير وأخذ عوف يصفه فقال له عبد الله أقسمت عليك إلا عارضت قوله فقال عوف قد كبر سني وفني ذهني وأنكرت كل ما أعرف
فقال له عبد الله بتربة طاهر إلا فعلت
فقال عوف رحمه الله
* أفي كل عام غربة ونزوح
* أما للنوى من ونية فتريح
*
* لقد طلح البين المشت ركائبي
* فهل أرين البين وهو طريح
*
* وأرقني بالري نوح حمامة
* فنحت وذو البث الغريب ينوح
*
* على أنها ناحت ولم تذر دمعة
* ونحت وأسراب الدموع سفوح
*
* وناحت وفرخاها بحيث تراهما
* ومن دون أفراخي مهامه فيح
*
* ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر
* وغصنك مياد ففيم تنوح
*
* عسى جود عبد الله أن يعكس النوى
* فيلقي عصا التطواف وهي مليح
*

199
* فإن الغني يدني الفتى من صديقه
* وعدم الفتى بالمعسرين طروح
*
فاستعبر عبد الله ورق له وجرت دموعه وقال له والله إني ضنين بمفارقتك شحيح على الفائت من محاضرتك ولكن والله لا أعلمت معي خفا ولا حافرا إلا راجعا إلى أهلك وأمر له بثلاثين ألف درهم فقال له عوف
* يا بن الذي دان له المشرقان
* وألبس الأمن به المغربان
*
* إن الثمانين وبلغتها
* قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
*
* وبدلتني بالشطاط انحنا
* وكنت كالصعدة تحت السنان
*
* وقاربت مني خطى لم تكن
* مقاربات وثنت من عنان
*
* فأنشأت بيني وبين الورى
* عنانة من غير نسج العنان
*
* ولم تدع في لمستمتع
* إلا لساني وبحسبي اللسان
*
* أدعو به الله وأثني على
* صنع الأمير المصعبي الهجان
*
* وهمت بالأوطان وجدا بها
* لا بالغواني أين مني الغوان
*
* فقرباني بأبي أنتما
* من وطني قبل اصفرار البنان
*
* وقبل منعاي إلى نسوة
* أوطانها حران والرقتان
*
* سقى قصور الشاذياخ الحيا
* من بعد عهدي وقصور الميان
*
* فكم وكم من دعوة لي بها
* أن تتخطاها صروف الزمان
*
وكر راجعا إلى أهله فلم يصل إليهم ومات في حدود العشرين ومائتين
ومن شعر عوف بن محلم رحمه الله تعالى
* وكنت إذا صحبت رجال قوم
* صحبتهم ونيتي الوفاء
*
* فأحسن حين يحسن محسونهم
* وأجتنب الإساءة إن أساءوا
*
* وأنظر ما يسرهم بعين
* عليها من عيونهم غطاء
*
وقال
* وصغيرة علقتها
* كانت من الفتن الكبار
*
* بلهاء لم تعرف لغر
* رتها يمينا من يسار
*

200
* كالبدر إلا أنها
* تبقى على ضوء النهار
*
((386 - النقاش البغدادي))
عيسى بن هبة الله بن عيسى أبو عبد الله البغدادي النقاش
كان ظريفا صاحب نوادر خفيف الروح له شعر
روى عنه التاج الكندي كتاب الكامل للمبرد
وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة
ومن شعره رحمه الله تعالى
* إذا وجد الشيخ في نفسه
* نشاطا فذلك موت خفي
*
* ألست ترى أن ضوء السراج
* له لهب قبل أن ينطفي
*
ومنه
* رزقت يسارا فوافيت من
* قدرت به حين لم يرزق
*
* وأملقت من بعده فاعتذرت
* إليه اعتذار أخ مملق
*
* فإن كان يشكر فيما مضى
* يدا لي يعذر فيما بقي
*
وقال أيضا
* كيف السلو وقد تمل
* ك مهجتي من غير أمري
*
* قمر تراه إذا استسر
* ر كمثل أربعة وعشر
*
* يرنو بنجلاوين يس
* قم من يشا بهما ويبري
*
* وإذا تبسم في دجى
* ليل شهدت له بفجر
*
* ولذاك تظلمه إذا
* شيهت ريقته بخمر
*
* ولورد وجنته وحس
* ن عذاره قد قام عذري
*
وكان نقاشا للحلي ثم صار بزازا وكان يمتنع من الرواية ويقول ما أنا أهل ذلك
قال ابن شجاع لقيته امرأة يوما فقالت له يا سيدي النظر منا بقيراط ونصف كم لي بقيراط وجبة فحل منديلا كان بيده وأعطاها قطعة وقال مري إيش أعطوك فقد أنصفوك

201
وقال كان في دربنا شخص أبغضه لا لسبب فاتفق أني خرجت يوم عيد وعلي ثياب العيد فلقيني شخص في الظلمة وفي يده دستيجة ملأى شيرجا فصدمني بها فانكسرت على ثيابي وصيرني شهرة قال فأمسكته وأخرجته إلى الضوء فلما رأيته قلت هو ذا أنت لهذا كنت أبغضك مر الله معك

202
((حرف الغين))
((387 - أبو الهندي الشاعر))
غالب بن عبد القدوس بن شبث بن ربعي أبو الهندي
كان شاعرا مطبوعا أدرك الدولتين الأموية والعباسية وكان جزل الشعر سهل الألفاظ لطيف المعاني وإنما أخمله وأمات ذكره بعده من العرب ومقامه بسجستان وخراسان ومعاقرة الشراب وكان يتهم بفساد الدين واستفرغ شعره في وصف الخمر وهو أول من وصفها من شعراء الإسلام فمن ذلك قوله (
* سقيت أبا المطوع إذ أتاني
* وذو الرعثات منتصب يصيح
*
* شرابا يهرب الذبان منه
* ويلثغ حين يشربه الفصيح
*
وقال
* نبهت ندماني وقلت له اصطبح
* يا بن الكرام من الشراب الأصهب
*
* صفراء تنزو في الزجاج كأنها
* حدق الجرادة أو لعاب الجندب
*
وقال
* مفدمة قزا كأن رقابها
* رقاب بنات الماء تفزع للرعد
*
* جلتها الجوالي حين طاب مزاجها
* وطينتها بالمسك والعنبر الورد
*
* تمج سلافا في الأباريق خالصا
* وفي كل كأس في يدي حسن القد
*
* تضمنها زق أزب كأنه
* صريع من السودان ذو شعر جعد
*
اشتهى أبو الهندي الصبوح يوما فدخل الخمارة فأعطى الخمار دينارا وجعل يشرب حتى سكر ونام وجاء قوم يسلمون عليه فوجدوه نائما فقالوا للخمار ألحقنا به
فسقاهم حتى سكروا وانتبه أبو الهندي فسأل عنهم فعرفه الخمار حالهم فقال يا هذا الآن وقت السكر والآن طاب ألحقني بهم
فسقاه حتى سكر وانتبهوا فقالوا للخمار ويحك هو نائم إلى الآن فقال لا انتبه وعرفته خبركم وسكر ونام فقالوا ألحقنا به فسقاهم حتى سكروا ولم يزل

203
على ذلك دأبه ودأبهم ثلاثة أيام ولم يلتقوا وهم في موضع واحد ثم تركوا الشرب عمدا حتى أفاق فلقوه وفي ذلك يقول
* ندامى بعد ثالثة تلاقوا
* يضمهم بكوه زيان راح
*
* وقد باكرتها فتركت منها
* قتيلا ما أصابني جراح
*
* فقالوا أيها الخمار من ذا
* فقال أخ تخونه اصطباح
*
* فقالوا هات راحك ألحقنا
* به وتعللوا ثم استراحوا
*
* فما إن لبثتهم أن رمتهم
* بحد سلاحها ولها سلاح
*
* وحان تنبهي فسألت عنهم
* فقال أتاحهم قدر متاح
*
* رأوك مجدلا واستخبروني
* فحركهم إلى الشرب ارتياح
*
* فقلت بهم فألحقني فهبوا
* فقالوا هل تنبه حين راحوا
*
* فقال نعم فقالوا ألحقنا
* به قد لاح للرائي صباح
*
* فما إن زال ذاك الدأب منا
* ثلاثا تستهب وتستباح
*
* نبيت معا وليس لنا التقاء
* ببيت ما لنا منه براح
*
قال صدقة بن إبراهيم البكري كان أبو الهندي يشرب معنا وكان إذا سكر يتقلب تقلبا قبيحا في نومه فكنا كثيرا ما نشد رجله لئلا يسقط فسكرنا ليلة في سطح وشددنا رجله بحبل طويل ليهتدي على القيام لبوله فتقلب فسقط من السطح فأمسكه الحبل فبقي معلقا منكسا فأصبحنا فوجدناه ميتا فمررت على قبره بعد حين فوجدت عليه مكتوبا
* اجعلوا إن مت يوما كفني
* ورق الكرم وقبري المعصرة
*
* إنني أرجو من الله غدا
* بعد شرب الراح حسن المغفرة
*
وكان الفتيان يجيئون إلى قبره فيشربون ويصبون القدح إذا وصلوا إليه على قبره
ومن شعره
* إذا صليت خمسا كل يوم
* فإن الله يغفر لي فسوقي
*
* ولم أشرك برب الناس شيئا
* فقد أمسكت بالحبل الوثيق
*
* وجاهدت العدو ونلت مالا
* يبلغني إلى البيت العتيق
*
* فهذا الحق ليس به خفاء
* دعوني من بنيات الطريق
*

204
وكانت وفاته في حدود الثمانين والمائة سامحه الله تعالى
((388 - الغضنفر أبو تغلب))
الغضنفر أبو تغلب بن ناصر الدولة صاحب الموصل وابن صاحبها
حارب عضد الدولة بن بويه وفر إلى الرحبة ثم هرب منها خوفا من ابن عمه سعد الدولة صاحب حلب فأنفذ كاتبه إلى العزيز العبيدي يستنجد به ثم نزل بحوران وفارقه ابن عمه الغطريف وجاءه الخبر من كاتبه بأن يقدم على العزيز فخاف وتوقف ثم إنهم حاربوه وأسروه وقتله مفرج صبرا وبعث برأسه إلى العزيز سنة ثمان وستين وثلاثمائة
وكان يرجع إلى فضل وأدب وله شعر
حكى أن أبا الهيجاء بن عمران بن شاهين صاحب البطيحة قال كنت أساير معتمد الدولة أبا المنيع قرواش بن المقلد ما بين سنجار ونصيبين فاستدعاني وقد نزل بقصر هناك مطل على بساتين ومياه كثيرة يعرف بقصر العباس بن عمرو الغنوي فدخلت عليه وهو قائم في القصر يتأمل كتابة على الحائط فلما دخلت قال اقرأ ما هنا فقرأت فإذا على الحائط مكتوب هذه الأبيات
* يا قصر عباس بن عم
* رو كيف فارقك ابن عمرك
*
* قد كنت تغتال الدهو
* ر فكيف غالك ريب دهرك
*
* واها لعزك بل لجو
* دك بل لمجدك بل لفخرك
*
وتحت الأبيات مكتوب وكتب علي بن عبد الله بن حمدان بخطه في سنة إحدى وستين وثلاثمائة وتحتها مكتوب
* يا قصر ضعضعك الزما
* ن وحط من علياء قدرك
*
* ومحا محاسن أسطر
* شرفت بهن متون جدرك
*
* واها لكاتبها الكري
* م وفخره الموفي بفخرك
*
وتحتها مكتوب وكتب الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

205
((حرف الفاء))
((389 - الفتح بن خاقان))
الفتح بن خاقان بن أحمد بن غرطوج وزير المتوكل
كان شاعرا فصيحا مفوها محسنا موصوفا بالشجاعة والكرم والرياسة والسؤدد وكان المتوكل لا يصبر عنه قدمه واستوزره وأمره على الشام وأمره أن يستنيب عنه وللفتح أخبار في الجود والوفاء والمكارم والظرف وكان معادلا للمتوكل على جمازة لما قدم إلى دمشق
قال أبو العيناء دخل المعتصم يوما على خاقان يعوده فرأى ابنه الفتح صغيرا لم يثغر فمازحه وقال أيما أحسن دارنا أو داركم فقال الفتح دارنا أحسن إذا كان أمير المؤمنين فيها
فقال المعتصم والله لا أبرح حتى أنثر عليه مائة ألف درهم
قتل هو والمتوكل معا في مجلس أنس على ما تقدم في ترجمة المتوكل وكان ذلك سنة سبع وأربعين ومائتين
وكانت له خزانة كتب جمعها علي بن يحيى المنجم لم ير أعظم منها كثرة وحسنا وكان يحضر داره فصحاء الأعراب وعلماء البصرة والكوفة
قال أبو هفان ثلاثة لم أر قط ولا سمعت بأكثر محبة للكتب والعلوم منهم الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسماعيل القاضي
وكان الفتح يحضر لمجالسة المتوكل فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتابا من كمه أو خفه وقرأه إلى حين عودة المتوكل
وللفتح من التصانيف كتاب البستان وكتاب الصيد والجوارح
قال ياقوت ومن شعر الفتح
* لست مني ولست منك فدعني
* وامض عني مصاحبا بسلام
*
* وإذا ما شكوت ما بي قالت
* قد رأينا خلاف ذا في المنام
*

206
* لم تجد علة تجنى بها الذن
* ب فصارت تعتل بالأحلام
*
قال البحتري قال لي المتوكل قل في شعرا وفي الفتح فإني أحب أن يحيا معي ولا أفقده فيذهب عيشي ولا يفقدني فقل في هذا المعنى فقلت
* سيدي كيف أنت أخلفت وعدي
* وتثاقلت عن وفاء بعهدي
*
وقلت فيها
* لا أرتني الأيام فقدك يا فت
* ح ولا عرفتك ما عشت فقدي
*
* أعظم الرزء أن تقدم قبلي
* ومن الرزء أن تؤخر بعدي
*
* حسدا أن تكون إلفا لغيري
* إذ تفردت بالهوى فيك وحدي
*
فقال أحسنت يا بحتري جئت بما في نفسي
وأمر لي بألف دينار
قال البحتري فقتلا معا وكنت حاضرا وربحت هذه الضربة وأومأ إلى ضربة على ظهره
ومن شعر الفتح بن خاقان
* وإني وإياها كالخمر والفتى
* متى يستطع منها الزيادة يزدد
*
* إذا ازددت منها ازددت وجدا بقربها
* فكيف احتراسي من هوى متجدد
*
ومنه
* أيها العاشق المعذب صبرا
* فخطايا أخي الهوى مغفوره
*
* زفرة في الهوى أحط لذنب
* من غزاة وحجة مبرورة
*
((390 - المسترشد بالله))
الفضل بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس

207
ابن عبد المطلب أمير المؤمنين المسترشد بالله بن المستظهر بن المقتدي
بويع بالخلافة ليلة الخميس الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بايعه سبعة من أولاد الخلفاء
وكان المسترشد أشقر أعطر أشهل خفيف العارضين وجلس للناس جلوسا عاما وكان المتولي للبيعة قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني وبايع الناس إلى الظهر ثم أخرجت جنازة المستظهر وكان عمره لما بويع سبعا وعشرين سنة لأن مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة وكان يتنسك في أول زمانه ويلبس الصوف وينفرد في بيت للعبادة وختم القرآن وتفقه وكان مليح الخط لم يكن قبله في الخلفاء من كتب أحسن منه وكان يستدرك على كتابه أغاليطهم وكان ابن الأنباري يقول أنا وراق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسه الشريفة
وكان ذا هيبة وإقدام وشجاعة وضبط الخلافة ورتبها أحسن ترتيب وأحيا رميمها وشيد أركان الشريعة ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش من المخالفين وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج الخرجة الأخيرة فكسر وأسر وقتلته الملاحدة جهزهم عليه السلطان مسعود فهجموا عليه في مخيمه بظاهر مراغة سنة تسع وعشرين وخمسمائة
وكانت خلافته سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما وكان عمره خمسا وأربعين سنة
ومن شعره لما كسر وأشير عليه بالهزيمة
* قالوا تقيم وقد أحا
* ط بك العدو ولا تفر
*
* فأجبتهم المرء ما
* لم يتعظ بالوعظ غر
*
* لا نلت خيرا ما حيي
* ت ولا عداني الدهر شر
*
* إن كنت أعلم أن غي
* ر الله ينفع أو يضر
*
ومن شعره
* أقول لشرخ الشباب اصطبر
* فولى ورد قضاء الوطر
*
* فقلت قنعت بهذا المشيب
* وإن زال غيم فهذا مطر
*
* فقال المشيب أيبقى الغبار
* على جمرة ذاب منها الحجر
*

208
وقال لما أسر
* ولا عجبا للأسد إن ظفرت بها
* كلاب الأعادي من فصيح وأعجم
*
* فحربة وحشي سقت حمزة الردى
* وموت على من حسام ابن ملجم
*
وقال
* أنا الأشقر الموعود بي في الملاحم
* ومن يملك الدنيا بغير مزاحم
*
* ستبلغ أقصى الروم خيلي وتنتضي
* بأقصى بلاد الصين بيض صوارمي
*
واتفق أن المسترشد رأى فيما يرى النائم في الأسبوع الذي استشهد فيه كأن على يده حمامة مطوقة فأتاه آت وقال له خلاصك في ذلك
فلما أصبح حكى لابن سكينة الإمام ما رآه فقال ما أولته يا أمير المؤمنين فقال أولته ببيت أبي تمام الطائي
* هن الحمام فإن كسرت عيافة
* من حائهن فإنهن حمام
*
وخلاصي في حمامي وليت من يأتيني فيخلصني مما أنا فيه من الذل والحبس
فقتل بعد المنام بأيام وكان قد خرج للإصلاح بين السلجوقية واختلاف الأجناد وكان معه جمع كثير من الأتراك فغدر أكثرهم به ولحقوا بالسلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه ثم التقى الجمعان فلم يلبثوا إلا قليلا وانهزموا عن المسترشد وقبض على المسترشد وعلى خواصه وحملوا إلى قلعة بقرب همذان وحبسوا بها وكان ذلك في شهر رمضان وبقي إلى النصف من ذي القعدة وحمل مع مسعود إلى مراغة وأنزل بناحية من العسكر فدخل عليه جماعة من الباطنية من خلف الخيمة وتعلقوا به وضربوه بالسكاكين فوقعت الصيحة وقتل معه جماعة منهم أبو عبد الله بن سكينة وابن الجزري وخرج جماعة وأمسكوا وقتلوا وأحرقوا وبقيت يد أحدهم لم تحترق وهي خارجة من النار مضمومة كلما ألقيت النار عليها لم تحترق ففتحوا يده فإذا فيها شعرات من كريمة المسترشد فأخذها السلطان مسعود وجعلها في تعويذ ذهب ثم جلس السلطان للعزاء وخرج الخادم ومعه

209
المصحف وعليه الدم وخرج أهل مراغة وعليهم المسوح وعلى وجوههم الرماد وهو يستغيثون ويبكون ودفنوه في مدرسة أحمدك وبقي العزاء بمراغة أياما
وخلف من الأولاد منصورا الراشد وأبا العباس أحمد وأبا القاسم عبد الله وإسحاق توفي في حياته
رحمه الله تعالى
((391 - المطيع لله))
الفضل بن جعفر أمير المؤمنين المطيع لله بن المقتدر بن المعتضد
بويع له بعد المستكفي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ومولده سنة إحدى وثلاثمائة وتوفي سنة أربع وستين وثلاثمائة قال ابن شاهين وخلع نفسه غير مكره في ذي القعدة سنة ثلاث وستين ونزل عن الخلافة لولده أبي بكر عبد الكريم ولقبوه الطائع لله وسنه يومئذ ثمان وأربعون سنة ومات المطيع في المحرم سنة أربع وستين
وكان أبيض تعلوه صفرة أقنى جميل الوجه وكانت خلافته تسعا وعشرين سنة
وفي أيامه أعيد الحجر الأسود إلى البيت من القرامطة
ومن شعره يمدح سيف الدولة بن حمدان
* تخيرت سيفا من سيوف كثيرة
* فلم أر فيها مثل سيف لدولة
*
* أرى الناس في وسط المجالس يشربوا
* وذاك بثغر الشام يحفظ دولتي
*
((392 - الرقاشي الشاعر))
الفضل بن عبد الصمد الرقاشي البصري من فحول الشعراء ومدح الخلفاء الكبار وبينه وبين أبي نواس مهاجاة ومباسطة توفي في حدود المائتين وكان

210
مولى رقاش وهو من ربيعة
قال أبو الفرج صاحب الأغاني قيل إنه كان من العجم من أهل الري ومدح الرشيد وأجازه إلا أن انقطاعه كان إلى بني برمك فأغنوه عمن سواهم وكان كثير التعصب لهم ولما صلب جعفر جاز به الرقاشي وهو على الجذع فبكى أحر بكاء وقال الأبيات التي منها
* على اللذات والدنيا جميعا
* ودولة آل برمك السلام
*
وقد ذكرها ابن خلكان في ترجمة جعفر البرمكي فكتب أصحاب الأخبار إلى الرشيد فأحضره وقال ما حملك على رثاء عدوي فقال يا أمير المؤمنين كان إلي محسنا فلما رأيته على هذا الحال حركني إحسانه فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلت قال فكم كان يجري عليك قال ألف دينار في كل سنة قال فإني قد أضعفتها لك
قال ابن المعتز حدثني أبو مالك قال قال الفضل بن الربيع للرقاشي ويلك يا رقاشي ما أردت بوصيتك إلا الخلاف على الصالحين فقال له جعلت فداك لو علمت أني أعافي من علتي ما أوصيت بها فإنها من الذخائر النفيسة التي تدخر للممات
ووصيته هذه أرجوزة مزدوجة يأمر فيها باللواط وشرب الخمر والقمار والنقار بين الديكة والهراش بين الكلاب
وهو يزعم لتهتكه وخلاعته أنها من الفوائد التي تدخر للوصية عند وأولها
* أوصى الرقاشي إلى إخوانه
* وصية المحمود في أخدانه
*
وهي مشهورة موجودة
ولما قال أبو دلف قصيدته التي يقول فيها
* ناوليني الدرع قد طا
* ل عن الحرب فطامي
*
أجابه الرقاشي فقال
* جنبيني الدرع قد طا
* ل عن القصف جمامي
*
* واكسري البيضة والمط
* رد وابدى بالسهام
*

211
* واقذفي في لجة البح
* ر بقوسي وسهامي
*
* وبترسي وبرمحي
* وبسرجي ولجامي
*
* واعقري مهري أصاب
* له مهري بالصدام
*
* أنا لا أطلب أن يع
* رف في الحرب مقامي
*
* وبحسبي أن تراني
* بين فتيان كرام
*
* سادة نغدو مجدي
* ن على حرب المدام
*
* واصطفاق العود والنا
* يأت في جوف الظلام
*
* نهزم الراح إذا ما
* هم قوم بانهزام
*
* ونخلي الضرب والطع
* ن لأشلاء وهام
*
* لشقي قال قد طا
* ل عن الحرب فطامي
*
((393 - فضل الشاعرة))
فضل جارية المتوكل الشاعرة
كانت من مولدات اليمامة ولم يكن في زمانها امرأة أفصح منها ولا أشعر توفيت سنة ستين ومائتين
قال لها يوما علي بن الجهم
* لاذ بها يشتكي إليها
* فلم يجد عندها ملاذا
*
فقال لها المتوكل أجيزي فقالت
* ولم يزل ضارعا إليها
* تهطل أجفانه رذاذا
*
* فعاتبوه فزاد عشقا
* فمات وجدا فكان ماذا
*
وقال ابن المعتز كانت تهاجي الشعراء ويجتمع عندها الأدباء ولها في الخلفاء والملوك مدائح كثيرة وكانت تتشيع وتتعصب لأهل مذهبها وتقضى حوائجهم بجاهها عند الملوك والأشراف
وعشقت سعيد بن حميد وكان من

212
أشد الناس نصبا وانحرافا عن آل البيت رضي الله عنهم وكانت فضل نهاية في التشيع فلما هويته انتقلت إلى مذهبه ولم تزل على ذلك إلى أن توفيت ومن قولها فيه
* يا حسن الوجه سئ الأدب
* شبت وأنت الغلام في الأدب
*
* ويحك إن القيان كالشرك ال
* منصوب بين الغرور والكذب
*
* بينا تشكي إليك إذ خرجت
* من لحظات الشكوى إلى الطلب
*
* فلحظ هذا ولحظ ذاك وذا
* لحظ محب بعين مكتسب
*
قال أبو الفرج الأصفهاني حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني سعيد بن حميد قال قلت لفضل الشاعرة أجيزي
* من لمحب أحب في صغره
*
فقالت غير متوقفة
* فصار أحدوثة على كبره
*
فقلت
* من نظر شفه وأرقه
*
فقالت
* وكان مبدأ هواه من نظره
*
* لولا الأماني لمات من كمد
* مر الليالي يزيد في فكره
*
* ليس له مسعد يساعده
* بالليل في طوله وفي قصره
*
ومن شعرها
* قد بدا شبهك يا مو
* لأي في جنح الظلام
*
* فانتبه نقض لبانا
* ت اعتناق والتثام
*
* قبل أن تفضحنا عو
* دة أرواح النيام
*
وألقى عليها يوما أبو دلف العجلي

213
* قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم
* أشهى المطي إلى ما لم يركب
*
* كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة
* من بين حبة لؤلؤ لم تثقب
*
فقالت تجيبه
* إن المطية لا يلذ ركوبها
* ما لم تذلل بالزمام وتركب
*
* والحب ليس بنافع أربابه
* ما لم يؤلف بالنظام ويثقب
*
قال علي بن الجهم كنت يوما عند فضل فلحظتها لحظة استرابت بها فقالت
* يا رب رام حسن تعرضه
* يرمى ولا يشعر أني غرضه
*
فقلت مجيبا لها
* أي فتى لحظك ليس يمرضه
* وأي عقد محكم لا ينقضه
*
فضحكت وقالت خذ في غير هذا
ويوم أهديت إلى المتوكل قال لها أشاعرة أنت فقالت كذا يزعم من باعني واشتراني فضحك المتوكل وقال أنشدينا شيئا من شعرك فأنشدته
* استقبل الملك إمام الهدى
* عام ثلاث وثلاثينا
*
* خلافة أفضت إلى جعفر
* وهو ابن سبع بعد عشرينا
*
* إنا لنرجو يا إمام الهدى
* أن تملك الدنيا ثمانينا
*
* لا قدس الله امرءا لم يقل
* عند دعائي لك آمينا
*

214
((حرف القاف))
((ابن الطوابيقي))
القاسم بن الحسين أبو شجاع بن الطوابيقي البغدادي الشاعر
سافر إلى الموصل ومدح الملوك بها وبديار ربيعة وديار بكر
روى عنه عثمان البلطي النحوي شيئا من شعره وتوفي سنة ست وتسعين وخمسمائة
ومن شعره
* لي بيت تموت فيه السناني
* ر هزالا والفأر في الأسراب
*
* أنا فيه فوق التراب وخير
* لي منه لو كنت تحت التراب
*
ومنه
* قامت تهز قوامها يوم النقا
* فتساقطت خجلا غصون البان
*
* وبكت فجاوبها البكا من مقلتي
* فتمثل الإنسان في إنساني
*
منها
* وأحبكم وأحب حبي فيكم
* وأجل قدركم على إنسان
*
* وإذا نظرتكم بعين خيانة
* قام الغرام بشافع عريان
*
* إن لم يخلصني الوصال بجاهه
* سأموت تحت عقوبة الهجران
*
منها
* أصبحت تخرجني بغير جناية
* من دار إعزار لدار هوان
*
* كدم الفصاد يراق أرذل موضع
* أبدا ويخرج من أعز مكان
*

215
((395 - قاسم الواسطي))
القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور أبو محمد الواسطي
مولده بواسط سنة خمسين وخمسمائة وتوفي بحلب سنة ست وعشرين وستمائة
كان أديبا نحويا لغويا فاضلا مصنفا قرأ النحو بواسط على الشيخ مصدق ابن شبيب وقرأ اللغة على عميد الرؤساء هبة الله بن أيوب والقراءات على الشيخ أبي بكر الباقلاني وعلى الشيخ علي بن هياب الجماجمي وسمع كثيرا من كتب النحو واللغة على جماعة يطول ذكرهم
ومن تصانيفه شرح اللمع لابن جني شرح التصريف الملوكي له كتاب فعلت وأفعلت بمعنى على حروف المعجم كتاب في اللغة لم يتم كتاب شرح المقامات على حروف المعجم شرح آخر على ترتيب المقامات شرح آخر على ترتيب آخر كتاب خطب كتاب رسالة فيما أخذ على الرشيد بن النابلسي في قصيدة نظمها في الإمام الناصر
ومن شعره
* ديباج خدك بالعذار مطرز
* برزت محاسنه وأنت مبرز
*
* وبدت على حسن الصبا لك روضة
* والغصن ينبت في الرياض ويغرز
*
* وجنت على وجنات خدك حمرة
* خجل الشقيق بها وحار القرمز
*
* لو كنت مدعيا نبوة يوسف
* لقضى القياس بأن حسنك معجز
*
ومنه
* زهر الحسن فوق زهر الرياض
* منه للغصن حمرة في بياض
*
* قد حمى ورده ونرجسه الغض
* ض سيوف من الجفون مواض
*
* فإذا ما اجتنيت باللحظ فاحذر
* ما جنت صحة العيون المراض
*
* فلها في القلوب قتلة باغ
* رويت عنه فتكة البراض
*

216
* وإذا فوقت سهاما من الهد
* ب رمين السهام بالأغراض
*
منها
* واجل من جوهر الدنان عروسا
* نطقت عن جواهر الأعراض
*
* كلما أبرزت أرتك لها وج
* ه انبساط يعطيك وجه انقباض
*
* فعلى الأفق للغمام ملاء
* طرزتها البروق بالإيماض
*
* وكأن الرعود إرزام نوق
* فصلت دونها بنات المخاض
*
* أو صهيل الجياد للملك الظا
* هر تسري بالجحفل النهاض
*
وقال يهجو الرشيد النابلسي الشاعر
* لا تعجبن لمدلوي
* ه إذا بدا شبه المريض
*
* قد ذاب من بخر بفي
* ه نما من الخلق البغيض
*
* وتكسرت أسنانه
* بالعض في جعس القريض
*
* وتقطعت أنفاسه
* عرضا بتفطيع العروض
*
وله فيه
* يا من تأمل مدلوي
* ه وشك فيما يسقمه
*
* انظر إلى بخر بفي
* ه وما أظنك تفهمه
*
* لا تحسبن بأنه
* نفس يغيره فمه
*
* لكنما أنفاسه
* نتنت بشعر ينظمه
*
وقال يهجو جماعة
* ويبدون الطلاقة من وجوه
* كما يبدو لك الحجر الصقيل
*
* إذا قاموا لمجد أقعدتهم
* مسالك ما لهم فيها سبيل
*
* وإن طلبوا الصعود فمستحيل
* وإن لزموا النزول فما يزولوا
*
* كذلك السجل في الدولاب يعلو
* صعودا والصعود له نزول
*

217
وقال
* لنا صديق فيه انقباض
* ونحن بالبسط نستلذ
*
* لا يعرف الفتح من يديه
* إلا إذا ما أتاه أخذ
*
* فكفه أين حين تعطي
* شيئا وبعد العطاء منذ
*
وقال
* لا ترد من خيار دهرك خيرا
* فبعيد من السراب الشراب
*
* رونق كالحباب يعلو على الكأ
* س ولكن تحت الحباب الحباب
*
* عذبت في النفاق ألسنة القو
* م وفي الألسن العذاب العذاب
*
وقال
* أفي لبان أن بان الخليط مخبر
* عسى ما انطوى من عهد لمياء ينشر
*
* نعم حركات في اعتدال سكونها
* أحاديث يرويها النسيم المعطر
*
* يود ظلام الليل وهو ممسك
* لذاذاتها والصبح وهو مزعفر
*
* أحاديث لو أن النجوم تمتعت
* بأسرارها لم تدر كيف تغور
*
* يموت بها داء الهوى وهو قاتل
* ويحيا بها ميت الجوى وهو مقبر
*
* فيا لنسيم صحتي في اعتلاله
* وصحوي إذا ما مر بي وهو مسكر
*
* كأن به مشمولة بابلية
* صفت وهي من غض الشمائل تعصر
*
* إذا نشأت مالت بلبك نشوة
* كما مال مهزوز يماح ويمطر
*
وقال
* في زهرة وطيب
* بستاني
* من أوجه ملاح
*
* أجلو على القضيب
* ريحاني
* والورد والأقاح
*
* ما روضة الربيع
* في حلة الكمال
*
* تزهى على ربيع
* مرت به شمال
*
* في الحسن كالبديع
* بالحسن والجمال
*
* ناهيك من حبيب
* نشوان
* بالدل وهو صاح
*

218
* إن قلت وا لهيبي
* حياني
* من ثغره براح
*
* كم بت والكئوس
* تجلى من الدنان
*
* كأنها عروس
* زفت من الجنان
*
* تبدو لنا الشموس
* منها على البنان
*
* لم أخش من رقيب
* ينهاني
* ألهو إلى الصباح
*
* مع شادن ربيب
* فتان
* زندي له وشاح
*
* خيل الصبا بركضي
* تجري مع الغواه
*
* في سنتي وفرضي
* ما أبتغي سواه
*
* وحجتي لعرضي
* ما تنقل الرواة
*
* عن عاقل لبيب
* أفتاني
* أن الهوى مباح
*
* والرشف من شنيب
* ريان
* ما فيه من جناح
*
((396 - علم الدين البرزالي))
القاسم بن محمد بن يوسف الشيخ الإمام الحافظ المحدث المؤرخ علم الدين أبو محمد بن العدل بهاء الدين بن الحافظ زكي الدين البرزالي الإشبيلي ثم الدمشقي الشافعي
ولد في جمادى الأولى سنة خمس وستين وستمائة وحفظ القرآن والتنبيه ومقدمة ابن الحاجب وسمع سنة ثلاث وسبعين من أبيه ومن القاضي عز الدين بن الصائغ ولما سمع صحيح البخاري من الإربلي وبعثه والده فسمعه سنة سبع وحب الحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ وسمع من ابن أبي الخير وابن أبي عمر وابن علان وابن شيبان والمقداد والفخر وجد في الطلب وذهب إلى بعلبك وارتحل إلى حلب سنة خمس وثمانين ومنها ارتحل إلى مصر وأكثر عن العز الحراني وطبقته وكتب بخطه الصحيح

219
المليح كثيرا وخرج لنفسه وللشيوخ شيئا كثيرا وجلس في شبيبته مدة مع أعيان الشهود وتقدم في معرفة الشروط ثم اقتصر على جهات تقوم به وورث من أبيه جملة وحصل كتبا جيدة وأجزاء في أربع خزائن وبلغ ثبته أربعا وعشرين مجلدا وأثبت فيه من كان يسمع معه وله تاريخ بدأ فيه من عام مولده الذي توفي فيه الإمام أبو شامة
فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في خمس مجلدات وله مجاميع وتعاليق كثيرة وعمل في فن الرواية عملا قل من يبلغ إليه وبلغ عدد مشايخه بالسماع أكثر من ألفين وبالإجازة أكثر من ألف رتب كل ذلك وترجمهم في مسودات متقنة
وكان رأسا في صدق اللهجة والأمانة صاحب سنة واتباع ولزوم الفرائض خيرا متواضعا حسن البشر عديم الشر فصيح القراءة مع عدم اللحن قرأ ما لا يوصف كثرة وروى وكان عالما بالأسماء والألفاظ وكان فيه حلم وصبر وتودد ولا يتكثر بفضائله ولا يتنقص بفاضل بل يوفيه فوق حقه يلاطف الناس وله ود في القلوب وحب في الصدور
احتسب عدة أولاد منهم محمد تلا بالسبع وحفظ كتبا وعاش ثماني عشرة سنة ومنهم فاطمة عاشت نيفا وعشرين سنة وكتبت صحيح البخاري وأحكام مجد الدين وأشياء
وللشيخ علم الدين إجازات عالية عام مولده من ابن عبد الدايم وإسماعيل بن عزون والنجيب وحدث في أيام شيخه ابن البخاري وكان حلو المحاضرة قوي المذاكرة عارفا بالرجال لا سيما أهل زمانه وشيوخهم لم يخلف بعده مثله
حج سنة ثمان وثمانين وأخذ عن مشيخه الحرمين ثم حج أربعا بعد ذلك
وكان باذلا لكتبه وأجزائه سمحا في كل أموره مؤثرا متصدقا
قال الشيخ شمس الدين الذهبي وهو الذي حبب إلى طلب الحديث قال لي خطك يشبه خط المحدثين فأثر قوله في وسمعت وتخرجت به في أشياء
ولي دار الحديث الأشرفية مقرئا فيها وقرأ بالظاهرية سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وحضر المدارس وتفقه بالشيخ تاج الدين عبد الرحمن وصحبه وأكثر عنه وسافر معه وجود القراءة على رضي الدين بن دبوقا وتولى مشيخه دار الحديث النورية ومشيخه النفيسية ووقف كتبه وعقارا جيدا على الصدقات

220
وتوفي بخليص بكرة الأحد الرابع من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة عن أربع وسبعين سنة ونصف وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى
((397 - صاحب الموصل))
قرواش بن مقلد بن المسيب بن رافع الأمير أبو المنيع معتمد الدولة ابن الأمير حسام الدولة العقيلي صاحب الموصل وقد خطب في بلاده للحاكم ثم رجع عن ذلك وخطب للقادر العباسي فجهز صاحب مصر جيشا لحربه ووصل إلى الموصل ونهبوا داره وأخذوا له من الذهب مائتي ألف دينار فاستنجد عليهم بدبيس بن صدقة واجتمعا على حربهم فنصرا عليهم وقتلا منهم خلقا كثيرا
وكان ظريفا شاعرا نهابا وهابا وجمع بين أختين فلاموه فقال خبروني ما الذي نستعمل من الشرع حتى تتكلموا في هذا الأمر وقبض عليه بركة ابن أخيه وحبسه وتلقب زعيم الدولة فلم تطل دولته فقام بعده أبو المعالي قريش بن بدران بن مقلد ابن أخيه فأول ما ملك أخرج عنه قرواشا وذبحه صبرا
وقيل بل مات في سجنه سنة أربع وأربعين وأربعمائة وفي قرواش يقول الظاهر الجزري
* وليل كوجه البرقعيدي ظلمة
* وبرد أغانيه وطول قرونه
*
* سريت ونومي فيه نوم مشرد
* كعقل سليمان بن فهد ودينه
*
* على أولق فيه مضاء كأنه
* أبو جابر في طيشه وجنونه
*
* إلى أن بدا وجه الصباح كأنه
* سنا وجه قرواش وضوء جبينه
*
وكانت إمارة قرواش خمسين سنة
حكى أبو الهيجاء بن عمران بن شاهين قال كنت أساير معتمد الدولة قرواشا ما بين سنجار ونصيبين فنزل ثم استدعاني بعد الزوال وقد نزل هناك بقصر

221
العباس بن عمرو الغنوي وهو مطل على بساتين ومياه كثيرة فدخلت عليه فوجدته قائما كتابة في الحائط فقرأتها فإذا هي
* يا قصر عباس بن عم
* رو كيف فارقك ابن عمرك
*
* قد كنت تغتال الدهو
* ر فكيف غالك ريب دهرك
*
* واها لعزك بل لجو
* دك بل لمجدك بل لفخرك
*
وتحت الأبيات مكتوب وكتب علي بن عبد الله بن حمدان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وهذا الكاتب هو سيف الدولة بن حمدان
وتحت ذلك مكتوب
* يا قصر ضعضعك الزما
* ن وحط من علياء قدرك
*
* ومحا محاسن أسطر
* شرفت بهن متون جذرك
*
* واها لكاتبها الكري
* م وقدره الموفى بقدرك
*
وتحت الأبيات وكتبه الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان بخطه في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة
وتحت ذلك مكتوب
* يا قصر ما فعل الألي
* ضربت خيامهم بعقرك
*
* أخنى الزمان عليهم
* وطواهم تطويل نشرك
*
* آها لقاصر عمر من
* يختال فيك وطول عمرك
*
وتحت ذلك مكتوب وكتب المقلد بن المسيب بن رافع بخطه سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وهذا هو حسام الدولة أبو قرواش المذكور
وتحت ذلك مكتوب
* يا قصر ما فعل الكرا
* م الساكنون قديم عصرك
*
* عاصرتهم فبذذتهم
* وشأوتهم طرا بصبرك
*
* ولقد أثار تفجعي
* يا بن المسيب رقم سطرك
*
* وعلمت أني لاحق
* بك دائبا في قفو إثرك
*

222
وتحت ذلك مكتوب وكتبه قرواش بن المقلد بن المسيب سنة إحدى وأربعمائة
قال الراوي فعجبت لذلك وقلت له الساعة كتبت هذا قال نعم ولقد هممت بهدم هذا القصر فإنه مشوم دفن الجماعة
فدعوت له بالسلامة ولم يهدم القصر
وسيأتي ذكر والده المقلد في مكانه من حرف الميم إن شاء الله تعالى
ومن شعر قرواش
* لله در النائبات فإنها
* صدأ اللئام وصيقل الأحرار
*
* ما كنت إلا زبرة فطبعنني
* سيفا وأطلق صرفهن غراري
*
ومنه أيضا
* وآلفة للطيب ليست تغبه
* منعمة الأطراف لينة اللمس
*
* إذا ما دخان الند من جبينها علا
* على وجهها أبصرت غيما على شمس
*
((398 - المظفر قطز))
قطز بن عبد الله الشهيد الملك المظفر سيف الدين المعزي
كان من أكبر مماليك المعز أيبك التركماني وكان بطلا شجاعا مقداما حازما حسن التدبير يرجع إلى دين وإسلام وخير وله اليد البيضاء في جهاد التتار
حكى شمس الدين الجزري في تاريخه عن أبيه قال كان قطز في رق ابن الزعيم بدمشق في القصاعين فضربه أستاذه فبكى ولم يأكل يومه شيئا ثم ركب أستاذه وأمر الفراش يترضاه ويطعمه فحدثني الحاج على الفراش قال جئته فقلت له ما هذا البكاء من ضربة فقال إنما بكائي من لعنته أبى وجدي وهما خير منه فقلت ومن أبوك واحد كافر فقال والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم أنا محمود بن مودود أبت أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك
فترضيته
ولما تملك أحسن إلى الفراش وأعطاه خمسمائة دينار وعمل له راتبا

223
وحكى الجزري أيضا في تاريخه قال حدثني أبو بكر بن الدريهم الإسعردي والزكي إبراهيم الجبيلي أستاذ الفارس أقطاي قال كنا عند قطز لما تسلطن أستاذه المعز أيبك وعنده منجم مغربي فصرف أكثر مماليكه فأردنا القيام فأمرنا بالقعود ثم أمر المنجم فضرب الرمل وقال اضرب لمن يملك بعد أستاذي ومن يكسر التتار فضرب وبقي زمانا يحسب وقال يا خوند يطلع معي خمس حروف بلا نقط فقال لم لا تقول محمود بن مودود فقال خوند لا يقع إلا هذا الاسم فقال أنا هو وأنا أكسرهم وآخذ بثأر خالي خوارزم شاه
فقلنا يا خوند إن شاء الله تعالى
فقال اكتموا هذا وأعطى المنجم ثلاثمائة درهم
وكان مدبر دولة ابن أستاذه المنصور علي بن المعز أيبك فلما دهم التتار الشام رأى أن الوقت يحتاج إلى سلطان مهيب فعزل الصبي وتسلطن وتم له ذلك في أواخر سنة سبع وخمسين فلم يبلع ريقه ولا تهنا بالسلطنة حتى امتلأ الشام تتار فتجهز للجهاد وأخذ أهبة الغزو والتف إليه عسكر الشام وبايعوه فسار بالجيوش في أوائل رمضان وعمل المصاف مع التتار على عين جالوت وعليهم كتبغا فنصره الله عليهم وقتل مقدمهم
وكان قطز شابا أشقر كبير اللحية ولما كسر التتار جهز بيبرس أعني الظاهر في أثر التتار ووعده بنيابة حلب فساق وراءهم إلى أن طردهم عن الشام ثم انثنى عزمه عن
إعطائه حلب وولاها علاء الدين ابن صاحب الموصل فتأثر الظاهر من ذلك ودخل دمشق وأحسن إلى الرعية فأحبوه حبا زائدا ثم استناب على البلد علم الدين سنجر الحلبي ورجع يعد شهر إلى القاهرة فقتل بين الغرابي والصالحية ودفن بالقصير رحمه الله تعالى سنة ثمان وخمسين وستمائة تولى قتله الظاهر وأعانه جماعة من الأمراء وبقي ملقى فدفنه بعض غلمانه وصار قبره يقصد بالزيارة ويترحم عليه ويسب من قتله فلما كثر ذلك بعث الظاهر من نبشه ونقله إلى مكان لا يعرف ودفنه وعفى قبره وأثره
وكان قتله في سادس عشر ذي القعدة من السنة

224
((399 - المنصور قلاوون))
قلاوون السلطان المنصور سيف الدنيا والدين أبو المعالي وأبو الفتوح الصالحي النجمي
اشترى بألف دينار ولهذا كان يقال له الألفي كان من أحسن الناس صورة في صباه وأبهاهم كان تام الشكل مهيبا مستدير اللحية قد وخطه الشيب على وجهه هيبة الملك وعليه سكينة ووقار
كان في إمرته إذا دخل دمشق ينزل في دار الزاهر وعمل نيابة السلطنة للملك العادل سلامش بن الظاهر عندما خلعوا السعيد وحلفوا لسلامش وهو ابن سبع سنين وضربت السكة بوجهين وجه عليه اسم سلامش ووجه عليه اسم قلاوون وبقي هذا الحال مدة شهرين وفي رجب سنة ثمان وسبعين خلعوا العادل سلامش وبايعوا الملك المنصور قلاوون واستقل بالملك وأمسك جماعة أمراء ظاهرية واستعمل مماليكه على نيابة البلاد
وكسر التتار سنة ثمانين ونازل حصن المرقب وفتحه سنة أربع وثمانين وفتح طرابلس وأنشأ بالقاهرة بين القصرين المدرسة العظيمة والبيمارستان العظيم الذي لم يكن مثله وتوفي في سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ظاهر القاهرة وحمل إلى القلعة وملك بعده ولده الأشرف فلما كان مستهل سنة تسع أنزل من القلعة في تابوته إلى تربته وفرق الذهب على القراء
وكان ملكا عظيما لا يحب سفك الدماء إلا أنه كان يحب جمع الأموال وأبقى الله تعالى الملك في بيته من بنيه ومماليكه وبنى بنيه إلى الآن رحمه الله تعالى
((400 - قيس بن ذريح))
قيس بن ذريح بالذال المعجمة الكناني صاحب لبنى

225
قال صاحب الأغاني كان رضيعا للحسن بن علي عليهما السلام مر بخيام بني كعب والحي خلوف فوقف على خيمة لبنى بنت الحباب فاستسقى ماء فسقته وكانت امرأة مديدة القامة شهلاء حلوة المنظر والكلام فلما رآها وقعت في نفسه فشرب الماء فقالت انزل فتبرد عندنا قال نعم ونزل فجاء أبوها فنحر له وأكرمه وانصرف قيس وفي قلبه النار من لبنى فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروى ثم أتاها يوما آخر وقد اشتد وجده بها فظهرت له فشكا إليها ما يجده من حبها وشكت إليه مثل ذلك وانصرف إلى أبيه يسأله زواجها فأبى عليه وقال بنات عمك أحق بك وكان ذريح كثير المال فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه به فاستعان بأمه على أبيه فلم يجد عندها ما يحب فأتى الحسن بن علي رضي الله عنهما وشكا إليه ما به فقال أنا أكفيك ومشى معه إلى أبي لبنى فلما رآه أعظمه فقال له قد جئتك خاطبا ابنتك لقيس بن ذريح فقال يا بن بنت رسول الله
ما كنا لنعصي لك أمرا وما بنا عن الفتى رغبة ولكن نحب أن يخطبها أبوه ذريح فإنا نخاف إن لم يسمح أبوه أن يكون علينا عار وسبة فأتى الحسن رضي الله عنه ذريحا وقومه فأعظموه فقال لذريح أقسمت عليك إلا خطبت لبنى لقيس فقال السمع والطاعة ثم قام في وجوه القوم وخطبها لابنه وزوجه إياها وزفت إليه فأقام معها مدة لا ينكر أحد منهما من صاحبه شيئا
وكان أبر الناس بأبيه فألهاه عكوفة على لبنى عن ذلك ووجدت أمه في نفسها فقالت لأبيه لقد خشيت أن يموت قيس ولم يترك ولدا وقد حرم الولد من هذه المرأة وأنت ذو مال فيصير مالك إلى غير ولدك فزوجه بغيرها لعل الله يرزقه ولدا وألحت عليه فأمهل قيس حتى اجتمع قومه وقال له يا قيس إنك اعتللت هذه العلة فخفت عليك ولا لي ولد سواك وهذه المرأة ليست بولود فتزوج غيرها من بنات عمك لعل الله يهب لك ولدا تقر به أعيننا فقال قيس لا أتزوج غيرها أبدا فقال أبوه إن في مالي سعة فتسرى بالجواري قال ولا أسوءها بشيء فقال أقسمت عليك إلا طلقتها قال الموت عندي والله أسهل من ذلك ولكن أخيرك خصالا قال ما هي قال تزوج أنت لعل الله يرزقك ولدا غيري قال ما في فضل لذلك قال فدعني أرحل عنك بأهلي

226
واصنع ما أنت صانع لو مت في علتي هذه قال ولا هذه قال فأدع لبنى عندك وأرتحل عنك فلعلي أسلوها فإنها تطيب نفسي أنها في حبالي قال ولا هذه ولا أرضى إلا أن تطلقها ثم حلف أنه لا يكنه بيت ولا سقف إلا أن تطلق لبنى وكان يخرج فيقف في الشمس فيجيء قيس ويقف إلى جانبه ويظلل عليه بردائه ويصلي هو بحر الشمس حتى يفيء الفيء فينصرف عنه فيدخل إلى لبنى فيعانقها ويبكي وتبكي معه وتقول له يا قيس إياك أن تطيع أباك فتهلك وتهلكني فيقول ما كنت لأطيع فيك أحدا أبدا
فيقال إنه مكث كذلك سنة
وقيل بل أربعين يوما ثم طلقها فلما بانت بطلاقها وفرغ من الكلام لم يلبث أن استطير عقله ولحقه مثل الجنون وأسف وجعل يبكي وينشج وبلغها الخبر فأرسلت إلى أبيها فأقبل بهودج على ناقة وإبل تحمل أثاثها فلما رأى قيس ذلك أقبل على جاريتها وقال ويلك ما دهاني فيكم قالت لا تسألني وسل لبنى فذهب إلى لبنى ليسلم عليها فمنعه قومها وأقبلت عليه امرأة من قومه وقالت له مالك تسأل كأنك جاهل أو تتجاهل هذه لبنى ترحل الليلة أو غدا فسقط مغشيا عليه لا يعقل ثم أفاق وهو يقول
* وإني لمفن دمع عيني بالبكا
* حذار الذي قد كان أو هو كائن
*
* وقالوا غدا أو بعد ذاك بليلة
* فراق حبيب لم يبن وهو بائن
*
* وما كنت أخشى أن تكون منيتي
* بكفك إلا أن ما حان حائن
*
ورحلت لبنى واشتد مرضه فسأل أبوه فتيات الحي أن يعدنه ويتحدثن عنده ويعللنه فأتينه وجلسن عنده وجاءه طبيب يداويه فقال قيس
* عدن قيسا من حب لبنى ولبنى
* داء قيس والحب داء شديد
*
* فإذا عادني العوائد يوما
* قالت العين لا أرى من أريد
*
* ليت لبنى تعودني ثم أقضي
* إنها لا تعود فيمن يعود
*
* ويح قيس ماذا تضمن منها
* داء خبل والقلب منه عميد
*
فقال له الطبيب مذ كم وجدت العلة بهذه المرأة فقال

227
* تعلق روحي روحها قبل خلقنا
* ومن بعد ما كنا نطاقا وفي المهد
*
* فزاد كما زدنا فأصبح ناميا
* وليس إذا متنا بمنفصم العهد
*
* ولكنه باق على كل حادث
* وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
*
ومن شعره
* وفي عروة العذرى إن مت أسوة
* وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند
*
* وبي مثل ما قد نابه غير أنني
* إلى أجل لم يأتني وقته بعد
*
* هل الحب إلا عبرة ثم زفرة
* وحر على الأحشاء ليس له برد
*
* وفيض دموع تستهل إذا بدا
* لنا علم من أرضكم لم يكن يبدو
*
وشكا أبو لبنى قيسا إلى معاوية وأعلمه بتعرضه لها بعد الطلاق فكتب إلى مروان بن الحكم بهدر دمه وأمر أباها أن يزوجها بخالد بن حلزة من بني غطفان فلما علم قيس جزع جزعا شديدا وقال
* فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها
* مقالة واش أو وعيد أمير
*
* فلن يمنعوا عيني من دائم البكا
* ولن يذهبوا ما قد أجن ضميري
*
* وكنا جميعا قبل أن يظهر النوى
* بأنعم حالي غبطة وسرور
*
* فما برح الواشون حتى بدت لنا
* بطون النوى مقلوبة لظهور
*
* لقد كنت حسب النفس لو دام وصلنا
* ولكنما الدنيا متاع غرور
*
ولم يزل تارة يتوصل إلى زيارتها بالحيلة عليها وتارة تزوره وهو نازل على قوم إلى أن ماتت لبنى فتزايد ولعه وجزعه وخرج في جماعة قومه حتى وقف على قبرها وقال
* ماتت لبيني فموتها موتي
* هل تنفعن حسرة على الفوت
*
* فسوف أبكي بكاء مكتئب
* قضى حياة وجدا على الميت
*
ثم أكب على القبر يبكي حتى أغمي عليه فرفعه أهله إلى منزله وهو لا

228
يعقل ولم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب متكلما حتى مات ودفن إلى جانبها وكانت وفاتهما في حدود السبعين للهجرة رحمهما الله تعالى
((401 - مجنون ليلى))
قيس بن الملوح بن مزاحم بن قيس هو مجنون بني عامر
قال صاحب الأغاني لم يكن مجنونا ولكن كانت به لوثة مثل أبي حية النميري
وكان سبب عشقه لليلى أنه أقبل ذات يوم على ناقة له وعليه حلتان من حلل الملوك وكان من أجمل الفتيان فمر بامرأة من قومه يقال لها كريمة وعندها جماعة من النسوان تحدثهن فيهن ليلى فأعجبهن جماله فدعونه إلى النزول فنزل وأمر عبدا كان معه فعقر لهن ناقته وتحدثن بقية يومه معه فبينما هم كذلك إذ طلع فتى من الحي يسمى منازلا فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون فغضب وقام من عندهن وهو يقول
* أأعقر من أجل الكريمة ناقتي
* ووصلي مقرون بوصل منازل
*
* إذا جاء قعقعن الحلي ولم أكن
* إذا جئت أرضي صوت تلك الخلاخل
*
* متى ما انتضلنا بالسهام نضلته
* وإن يرم رشقا عندها فهو ناضلي
*
ولما أصبح لبس حلتيه وركب ناقة أخرى ومضى متعرضا لهن فرأى ليلى قاعدة بفناء بيتها وكان قد علق قلبه بحبها وعندها جويريات يتحدثن معها فوقف المجنون وسلم عليهن فدعونه إلى النزول وقلن له هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره فقال إيه لعمري ونزل وعقر ناقته فأرادت ليلى أن تعلم هل لها عنده مثل ما له عندها فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره وكان قد شغفته بحبها واستملحته واستملحها فبينما هي تحدثه إذ أقبل فتى من الحي فدعته ليلى وساررته سرا

229
ثم قالت له انصرف ونظرت إلى وجه المجنون وقد تغير وامتقع لونه فقالت
* كلانا مظهر للناس بغضا
* وكل عند صاحبه مكين
*
* تبلغنا العيون بما أردنا
* وفي القلبين ثم هوى دفين
*
فلما سمع البيتين شهق وأغمى عليه فنضحوا الماء على وجهه فأفاق بعد ساعة وقد تمكن حب كل منهما من قلب الآخر وانصرفا وقد أصاب المجنون لوثة ولم يزل في جنبات الحي منفردا عاريا ولا يتكلم إلا أن يذكروا له ليلى فيثوب إليه عقله
فلما تولى الصدقات عليهم نوفل بن مساحق رأى المجنون يلعب بالتراب عريانا فسأل عنه فأخبروه بخبره وحكوا له ما هو فيه فأراد أن يكلمه فقيل له ما يكلمك إلا إن ذكرت له ليلى وحديثها فأقبل عليه وذكرها له فثاب إليه عقله وأقبل يحدثه بحديثه وينشده شعره فيها فرق له نوفل وقال له أتحب أن أزوجكها قال نعم وكيف لي بذلك فدعا له بثياب فألبسه إياها وراح معه كأصح ما يكون يحدثه وينشده فبلغ ذلك رهط ليلى فتلقوه بالسلاح وقالوا لا والله يا بن مساحق لا يدخل المجنون منازلنا وقد أهدر السلطان دمه فأقبل بهم وأدبر فأبوا فقال للمجنون إن انصرافك أهون من سفك الدماء فانصرف وهو يقول
* أيا ويح من أمسى يخلس عقله
* فأصبح مذهوبا به كل مذهب
*
* خليا من الخلان إلا معذرا
* يضاحكني من كان يهوى تجنبي
*
* إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت
* روائع عقلي من هوى متشعب
*
* وقالوا صحيح ما به طيف جنة
* ولا الهم إلا بافتراء التكذب
*
* تجنب ليلى أن يلج بك الهوى
* وهيهات كان الحب قبل التجنب
*
* ألا إنما غادرت يا أم مالك
* صدى أينما تذهب به الريح يذهب
*
ثم إن المجنون وأهله وعشيرته اجتمعوا إلى أبي ليلى ووعظوه وناشدوه

230
الرحم وقالوا إن هذا الرجل هالك وقد حكمناك في المهر فأبى وحلف بالطلاق ألا يزوجها به أبدا وقال يا قوم أفضح نفسي وعشيرتي فانصرفوا عنه وزوجها رجل من قومه وبنى بها في تلك الليلة فيئس المجنون وزال عقله جملة فقالوا لأبيه احجج به وادع الله له فلعل الله أن يخلصه فحج به فلما كان بمنى سمع صارخا بالليل يصيح يا ليلى فصرخ صرخة كادت نفسه تزهق معها ووقع مغشيا عليه ولم يزل كذلك حتى أصبح فأفاق وهو حائل اللون وجعل يقول
* عرضت على قلبي العزاء فقال لي
* من الآن فايأس لا أعزك من صبر
*
* إذا بان من تهوى وأصبح نائيا
* فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
*
* وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى
* فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
*
* دعا باسم ليلى غيرها فكأنما
* أطار بليلى طائرا كان في صدري
*
* دعا باسم ليلى ضلل الله سعيه
* وليلى بأرض عنه نازحة قفر
*
قال العتبي مر المجنون يوما بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم بارد فوقف عليه المجنون ثم أنشأ يقول
* بربك هل ضممت إليك ليلى
* قبيل الصبح أو قبلت فاها
*
* وهل رفت عليك قرون ليلى
* رفيف الأقحوانة في نداها
*
فقال اللهم إذ حلفتني فنعم فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر فسمع نشيش لحمه وسقط لحم كفيه مع الجمر ووقع مغشيا عليه وقام زوج ليلى متعجبا منه مغموما عليه
ومن شعر المجنون
* أيا جبلي نعمان بالله خليا
* سبيل الصبا يخلص إلي نسيمها
*
* أجد بردها أو تشف مني حرارة
* على كبد لم يبق إلا صميمها
*
* فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت
* على نفس مهموم تجلت همومها
*

231
ومنه وبه سمي المجنون
* يقول أناس عل مجنون عامر
* يروم سلوا قلت أنى لما بيا
*
* وقد لامني في حب ليلى أقاربي
* أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا
*
* يقولون ليلى أهل بيت عداوة
* بنفسي ليلى من عدو وماليا
*
* خليلي لا والله لا أملك البكا
* إذا علم من أرض ليلى بدا ليا
*
* قضاها لغيري وابتلاني بحبها
* فهلا بشيء غير ليلى قضى ليا
*
فسلب عقله
ومن شعره
* جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى
* وفاضت له من مقلتي غروب
*
* وما ذاك إلا حين أيقنت أنه
* يمر بواد أنت منه قريب
*
* يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى
* إليكم تلقى نشركم فيطيب
*
* أظل غريب الدار في أرض عامر
* لا كل مهجور هناك غريب
*
* وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى
* إلي وإن لم آته لحبيب
*
* ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر
* حبيبا ولم يطرب إليك حبيب
*
وقال أيضا
* وأدنيتني حتى إذا ما ملكتني
* بقول يحل العصم سهل الأباطح
*
* تناءيت عني حين لا لي حيلة
* وغادرت ما أوريت بين الجوانح
*
وقال أيضا
* أمزمعة للبين ليلى ولم تمت
* كأنك عما قد أظلك غافل
*
* ستعلم إن شطت بهم غربة النوى
* وزالوا بليلى أن لبك زائل
*
وقال أيضا
* كأن القلب ليلة قيل يغدي
* بليلى العامرية أو يراح
*

232
* قطاة غرها شرك فباتت
* تجاذبه وقد علق الجناح
*
ولم يزل المجنون يهيم في كل واد ويتبع الظباء ويكتب ما يقوله على الرمل ولا يأنس بالناس حتى أصبح ميتا في واد كثير الحجارة وما دل عليه إلا رجل من بني مرة فحضر أهله وغسلوه وكفنوه واجتمع حي بني عامر يبكونه أحر بكاء ولم ير أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم وذلك في حدود الثمانين من الهجرة رحمه الله تعالى وعفا عنه آمين

233
((حرف الكاف))
((402 - ظهير الدين الباذرائي))
كامل بن الفتح بن ثابت ظهير الدين الضرير الباذرائي الأديب
له شعر وترسل كتب الصاحب كمال الدين بن العديم عنه وتوفي سنة ست وتسعين وخمسمائة وكان مسكنه ببغداد بباب الأزج وكان يدخل على الخليفة الناصر ويحاضره ويخلو معه وعلمه علم الأوائل وهون عليه الشرائع والله أعلم
وقال ياقوت وكان متهما في دينه ومن شعره من قصيدة
* وفي الأوانس من بغداد آنسة
* لها من القلب ما تهوى وتختار
*
* سألتها نهلة من ريقها بدمي
* وليس إلا خفي الطرف سمسار
*
* عند العذول اعتراضات ولائمة
* وعند قلبي جوابات وأعذار
*
((403 - كتبغا المنصوري))
كتبغا الملك العادل زين الدين المنصوري المغلي كان أسمر قصيرا رقيق الصوت له لحية صغيرة من الحنك أسر حدثا من عسكر هولاكو نوبة حمص الأولى في آخر سنة ثمان وخمسين وستمائة وأمره أستاذه الملك المنصور وكان من أمراء الألوف ثم إنه عظم في دولة الأشرف ولما قتل الأشرف التفت الخاصكية عليه فحمل بهم على بيدرا وقتلوه ولما تملك السلطان الملك الناصر جعل كتبغا نائبه ولما تحول الناصر إلى الكرك تسلطن كتبغا ولقب

234
بالعادل ونهض بأمره لاجين وقراسنقر وطائفة كان قد اصطنعهم في نوبة الأشرف وتمكن وقدم دمشق وسار بالجيش إلى حمص ثم رد ولما كان بأرض بيسان وثب حسام الدين لاجين وشد على بتخاص والأزرق فقتلهما في الحال وكانا عضدي كتبغا واختبط الجيش وفر كتبغا على فرس النوبة وتبعه أربعة من مماليكه وكان ذلك في صفر سنة وتسعين وستمائة وكانت دولته سنتين
وساق كتبغا إلى دمشق فتلقاه نائبها مملوكه وفتح له أرجواش القلعة ودقت البشائر ولم ينتظم له حال واجتمع كجكن والأمراء وحلفوا لمن هو صاحب مصر وصرحوا لكتبغا بالحال فقال أنا ما مني خلاف
وخرج من القلعة إلى قاعة صغيرة وبذل الطاعة فرسم له أن يقيم بقلعة صرخد فأقام بها وانطوى ذكره إلى بعد نوبة قازان فأحسن الملك الناصر إليه وأعطاه حماة فمات بها سنة اثنتين وسبعمائة
وكان موصوفا بالديانة والخير والرفق ونقل تابوته إلى تربته بسفح قاسيون بدمشق وجرى في أيامه الغلاء العظيم بالديار المصرية وكان يبكي ويقول هذا بخطيئتي
وفيه يقول الوداعي لما تسلطن وخلع على أهل دمشق
* إنما العادل سلطان الورى
* عندما جاد بتشريف الجميع
*
* مثل قطر صاب قطرا ماحلا
* فكسا أعطافه زهر الربيع
*
((404 - العتابي))
كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر
أصله من الشام من أرض قنسرين صحب البرامكة وصحب طاهر بن الحسين وكان حسن الاعتذار في رسائله وشعره وهو أديب مصنف له من الكتب كتاب المنطق وكتاب الآداب وكتاب فنون الحكم وكتاب الخيل وكتاب الألفاظ
وتوفي في حدود العشرين والمائتين

235
وكان تزهد ومدح الرشيد والمأمون وكان قد نقل إلى الرشيد عنه ما أهدر به دمه فخلصه جعفر فقال فيه شعرا
* ما زلت في غمرات الموت مطرحا
* يضيق عني فسيح الرأي من حيلي
*
* فلم تزل دائما تسعى بلطفك لي
* حتى اختلست حياتي من يدي أجلي
*
وكلم يحيى بن خالد في حاجة بكلمات قليلة فقال له يحيى لقد نزر كلامك اليوم وقل فقال وكيف لا يقل وقد كفيتني ذل المسألة وحيرة الطلب وخوف الرد فقال له يحيى لئن قل كلامك لقد كثرت فوائده
ومن شعره
* ولو كان يستغني عن الشكر حامد
* لعزة ملك أو علو مكان
*
* لما أمر الله العباد بشكره
* وقال اشكروا لي أيها الثقلان
*
ولما دخل على المأمون كان عنده إسحاق الموصلي فسلم عليه فرد عليه وأدناه وقربه حين دخل عليه وقبل يده وأقبل عليه يسأله عن حاله وهو يجيبه بلسان طلق فاستظرفه المأمون وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح فظن أنه استخف به فقال له يا أمير المؤمنين الإيناس قبل الإبساس فاشتبه على المأمون وأقبل على إسحاق مستفهما فأومأ إليه وغمزه على معناه حتى فهمه فقال يا غلام ألف دينار فأتى بذلك فدفعها إلى العتابي ثم غمز المأمون إسحاق الموصلي عليه فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فبقي العتابي متعجبا ثم قال يا أمير المؤمنين ايذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه فقال نعم سله فقال لإسحاق يا شيخ من أنت وما اسمك فقال أنا من الناس واسمي كل بصل فتبسم العتابي وقال أما أنت فمعروف وأما الاسم فمنكر فقال إسحاق ما أقل إنصافك أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم وما كل ثوم من الأسماء أليس البصل أطيب من الثوم فقال العتابي لله درك ما أحجك أيأذن لي أمير المؤمنين أن أصله بما وصلني به فقال لا بل هو موفر عليك ونأمر له بمثله فقال إسحاق أما إذ

236
أقررت فتوهمني أنت فقال ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى إلينا خبره قال أنا حيث ظننت فأقبل عليه بالتحية والسلام فقال المأمون وقد طال الحديث بينهما أما إذ اتفقتما فانصرفا متنادمين فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق وأقام عنده
وقال عمر الوراق رأيت العتابي يأكل خبزا على الطريق بباب الشام فقلت له ويحك أما تستحي فقال أرأيت لو كان في دار فيها بقر أكنت تحتشم أن تأكل وهو يراك فقلت لا فقال فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر ثم قام فوعظ وقص ودعا حتى كثر الزحام عليه فقال لهم روي لنا من غير وجه أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار قال فما بقي أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه ويقدره هل يبلغها أو لا فلما تفرقوا قال العتابي ألم أعلمك أنهم بقر
ودخل العتابي على عبد الله بن طاهر فلما مثل بين يديه أنشده
* حسن ظني وحسن ما عود الل
* ه بسؤلي منك الغداة أتى بي
*
* أي شيء يكون أحسن من حس
* ن يقين حدا إليك ركابي
*
فأمر له بجائزة ثم دخل عليه من الغد فأنشده
* ودك يكفينيك في حاجتي
* ورؤيتي كافية عن سؤال
*
* وكيف أخشى الفقر ما عشت لي
* وإنما كفاك لي بيت مال
*
فأمر له بجائزة ثم دخل عليه في اليوم الثالث فأنشده
* بهجات الثياب يخلقها الده
* ر وثوب الثناء غض جديد
*
* فاكسني ما يبيد أصلحك الل
* ه فإني أكسوك ما لا يبيد
*
فأمر له بكسوة وجارية

237
((حرف اللام))
((405 - أبو مخنف))
لوط بن يحيى بن مخنف بن سليمان الأزدي أبو مخنف بالميم والخاء المعجمة والنون والفاء وجده مخنف من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه
توفي لوط سنة سبع وخمسين ومائة
وكان راوية إخباريا صاحب تصانيف وكان يروي عن جماعة من المجهولين
قال أبو حاتم متروك الحديث
وقال الدارقطني إخباري ضعيف
ومن تصانيفه كتاب الردة فتوح الشام فتوح العراق كتاب الجمل كتاب صفين كتاب النهروان كتاب الغارات كتاب الخريت ابن راشد وبني ناجية كتاب مقتل علي رضي الله عنه كتاب مقتل حجر بن عدي وأصحابه مقتل محمد بن أبي بكر والأشتر ومحمد بن أبي حذيفة كتاب الشورى كتاب مقتل عثمان رضي الله عنه كتاب المسور بن علقمة كتاب مقتل الحسين رضي الله عنه كتاب المختار بن أبي عبيد كتاب وفاة معاوية وولاية يزيد ووقعة الحرة ومقتل عبد الله بن الزبير كتاب سليمان بن صرد وعين الوردة كتاب مرج راهط ومقتل الضحاك بن قيس الفهري كتاب مصعب بن الزبير والعراق كتاب مقتل عبد الله بن الزبير كتاب حديث وادي الجماجم ومقتل عبد الرحمن بن الأشعث كتاب نجدة الحروري كتاب الأزارقة كتاب حديث روشتقباذ كتاب شبيب الحروري وصالح بن مسرح كتاب المطرف بن المغيرة كتاب يزيد بن المهلب

238
ومقتله بالعقر كتاب خالد القسري ويوسف بن عمر وموت هشام وولاية الوليد كتاب زيد بن علي ويحيى بن زيد كتاب الضحاك الخارجي كتاب الخوارج والمهلب بن أبي صفرة وله غير ذلك من الفتوحات
((406 - ليلى الأخيلية))
ليلى بنت عبد الله الأخيلية الشاعرة المشهورة
كانت من أشهر النساء لا يتقدم عليها إلا الخنساء توفيت في عشر الثمانين للهجرة
وكان توبة بن الحمير يهواها
وقد تقدم ذكره
خطبها فأبى أبوها فكان يزورها
قال لها الحجاج إن شبابك قد مضى واضمحل أمرك وأمر توبة فأقسم عليك إلا صدقتيني هل كانت بينكما ريبة قط أو خاطبك في ذلك قالت لا والله أيها الأمير إلا أنه قد قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننت أنه قد خضع فيها لبعض الأمر فقلت له
* وذي حاجة قلنا له لا تبح بها
* فليس إليها ما حييت سبيل
*
* لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه
* وأنت لأخرى صاحب وخليل
*
فلا والله ما سمعت بعدها منه ريبة حتى فرق بيننا فقال لها الحجاج فما كان منه بعد ذلك قالت وجه صاحبا له إلى حاضرنا وقال له اعل شرفا واهتف بهذا البيت بين أهله
* عفا الله عنها هل أبيتن ليلة
* من الدهر لا يسري إلى خيالها
*
فلما فعل ذلك عرفت المعنى فقلت
* وعنه عفا ربي وأحسن حفظه
* يعز علينا حاجة لا ينالها
*
وعن محمد بن الحجاج بن يوسف قال بينما الأمير جالس إذ استؤذن لليلى فأذن لها فدخلت امرأة طويلة دعجاء العين حسنة المشية حسنة الثغر فسلمت عليه فرحب بها الحجاج وقال لها ما وراءك ضع لها وسادة يا

239
غلام فجلست فقال لها ما أقدمك إلينا فقالت السلام على الأمير والقضاء لحقه والتعرض لمعروفه فقال كيف خلفت قومك قالت في حال خصب وأمن ودعة أما الخصب ففي الأموال والكلأ وأما الأمن فقد أمنهم الله عز وجل وأما الدعة فقد خامرهم من خوفك ما أصلح بينهم ثم قالت ألا أنشدك أيها الأمير قال إذا شئت فقالت
* أحجاج لا يفلل سلاحك إنما ال
* منايا بكف الله حيث يراها
*
* إذا هبط الحجاج أرضا مريضة
* تتبع أقصى دائها فشفاها
*
* شفاها من الداء العضال الذي بها
* غلام إذا هز القناة سقاها
*
* سقاها دماء المارقين وعلها
* إذا جمحت يوما وخيف أذاها
*
* أعد لها مصقولة فارسية
* بأيدي رجال يحلبون صراها
*
* أحجاج لا تعط العداة مناهم
* أبى الله يعطي للعداة مناها
*
* ولا كل حلاف تقلد بيعة
* بأعظم عهد الله ثم شراها
*
فأمر وكيله أن يعطيها خمسمائة درهم ويكسوها خمسة أثواب كسا خز
وفي خبر آخر أنها وفدت عليه فقال لها أنشديني بعض شعرك في توبة فأنشدته
* لعمرك ما بالموت عار على الفتى
* إذا لم تصبه في الحياة المعاير
*
* وما أحد حي وإن عاش سالما
* بأخلد ممن غيبته المقابر
*
* ولا الحي مما أحدث الدهر معتب
* ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر
*
* وكل جديد أو شباب إلى بلى
* وكل امرئ يوما إلى الله صائر
*
* قتيل بني عوف فيا لهفتا له
* وما كنت إياهم عليه أحاذر
*
* ولكنني أخشى عليه قبيلة
* لها بدروب الشام باد وحاضر
*
فقال الحجاج لحاجبه اذهب فاقطع عني لسانها فدعا بالحجام ليقطع لسانها فقالت ويحك إنما قال الأمير اقطع لسانها بالعطاء والصلة فارجع إليه فاستأذنه فرجع إليه فاستأذنه فاستشاط غيظا وهم بقطع لسانه ثم أمر بها فأدخلت عليه فقالت كاد وعهد الله يقطع أيها الأمير مقولي وأنشدته
* حجاج أنت الذي ما فوقه أحد
* إلا الخليفة والمستعظم الصمد
*
* حجاج أنت شهاب الحرب إذ نهجت
* وأنت للناس نور في الدجى يقد
*

240
((حرف الميم))
407 -
((صاحب الرحبة))
مالك بن طوق التغلبي صاحب الرحبة أحد الأشراف والفرسان الأجواد ولي إمرة دمشق للمتوكل كان ينادي على باب داره بالخضراء وكانت دار الإمارة بعد المغرب الإفطار يرحمكم الله قال والأبواب مفتحة يدخلها الناس توفي سنة تسع وخمسين ومائتين
وهو الذي بنى الرحبة التي على الفرات وإليه تنسب وسبب ذلك أن هارون الرشيد ركب في حراقة مع ندمائه في الفرات ومعهم مالك بن طوق فلما اقترب من الدواليب قال يا أمير المؤمنين لو خرجت إلى الشط لنجوز هذه الدواليب قال أحسبك تخاف هذه قال الله يكفي أمير المؤمنين كل محظور قال الرشيد قد تطيرت بقولك ثم صعد إلى الشط فلما بلغت الحراقة إلى الدواليب دارت دورة ثم انقلبت بما فيها فتعجب الرشيد من ذلك وسجد شكرا لله تعالى وتصدق بأموال كثيرة وقال لمالك وجبت لك علينا حاجة فسل ما تحب قال يعطيني أمير المؤمنين هنا أرضا أبنيها فتنسب إلي قال قد فعلنا وساعدناك بالأموال والرجال فلما عمرها واستوثقت أموره فيها وتحول الناس فيها أنفذ إليه الخليفة يطلب منه مالا فتعلل ودافع ومانع وتحصن وجمع الجيوش وطالت الوقائع بينه وبين عسكر الرشيد إلى أن ظفر به صاحب الرشيد وحمله مكبلا فمكث في السجن عشرة أيام ثم أمر بإحضاره في جمع من الرؤساء وأرباب الدولة فقبل الأرض ولم ينطق فعجب الرشيد من صمته وغاظه ذلك وأمر بضرب عنقه وبسط النطع وجرد السيف وقدم مالك فقال الوزير يا مالك تكلم فإن أمير المؤمنين يسمع كلامك فرفع رأسه وقال يا أمير المؤمنين أخرست عن الكلام دهشة وقد أدهشت عن السلام والتحية فأما إذ أذن أمير المؤمنين فإني أقول السلام على أمير المؤمنين

241
ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين يا أمير المؤمنين
جبر الله بك صدع الدين ولم بك شعث الأمة واخمد بك شهاب الباطل وأوضح بك سبيل الحق إن الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة وتصدع الأفئدة وأيم الله لقد عظمت الجريمة وانقطعت الحجة ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك ثم أنشأ يقول بعد ما التفت يمينا وشمالا
* أرى الموت بين النطع والسيف كامنا
* يلاحظني من حيث ما أتلفت
*
* وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي
* وأي امرئ مما قضى الله يفلت
*
* يعز على الأوس بن تغلب وقفة
* يهز علي السيف فيها وأسكت
*
* وأي امرئ يدلي بعذر وحجة
* وسيف المنايا بين عينيه مصلت
*
* وما بي من خوف أموت وإنني
* لأعلم أن الموت شيء موقت
*
* ولكن خوفي صبية قد تركتهم
* وأكبادهم من حسرة تتفتت
*
* كأني أراهم حين أنعى إليهم
* وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا
*
* فإن عشت عاشوا آمنين بغبطة
* أذود الردى عنهم وإن مت موتوا
*
* فكم قائل لا يبعد الله داره
* وآخر جذلان يسر ويشمت
*
قال فبكى هارون الرشيد وقال لقد سكت على همة وتكلمت على حلم وحكمة وقد عفوت لك عن الصبوة ووهبتك للصبية فارجع إلى ولدك ولا تعاود فقال سمعا وطاعة وانصرف
((408 - مالك بن نويرة))
مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد أبو المغوار اليربوعي أخو متمم كان يلقب بالجفول لكثرة شعره
قتل في الردة قال صاحب الأغاني كان أبو بكر رضي الله عنه لما جهز خالد بن الوليد لقتال أهل الردة قد أوصاهم أنهم إذا سمعوا الأذان في الحي وإقامة الصلاة نزلوا عليهم فإن أجابوا إلى أداة الزكاة وإلا الغارة فجاءت

242
السرية حي مالك وكان في السرية أبو قتادة الأنصاري وكان ممن شهد أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا فقبض عليهم خالد وكانت ليلة باردة فأمر خالد مناديا ينادي أدفئوا أسراكم
وكان لغة كنانة إذا قالوا أدفئوا الرجل يعنون اقتلوه فقتل ضرار بن الأزور مالكا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال ضرار بن الأزور مالكا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر فغضب عليه أبو بكر حتى كلمه فيه عمر فلم يرض إلا أن يرجع إلى خالد ويقيم معه فرجع إليه ولم يزل معه حتى قدم خالد المدينة وكان خالد قد تزوج بزوجة مالك فقال عمر إن في سيف خالد رهقا وحق عليه أن تقيده وأكثر عليه في ذلك وكان أبو بكر لا يقيد عماله فقال يا عمر إن خالدا تأول فأخطأ فارفع لسانك عنه ثم كتب إلى خالد أن يقدم عليه فقدم وأخبره فقبل عذره وعنفه بالتزويج
وقيل إن خالدا كان يهوى امرأة مالك في الجاهلية وكان خالد يعتذر في قتله فيقول إنه قال لي وهو يراجعني ما إخال صاحبكم إلا قد كان يقول كذا وكذا فقال خالد أو ما تعده صاحبك ثم قدمه فضرب عنقه
ومما يؤيد خالدا وأن مالكا مات مرتدا أن متمما لما أنشد عمر مراثيه في مالك قال له عمر والله لوددت أني أحسن الشعر فأرثي أخي زيدا بمثل ما رثيت أخاك فقال متمم لو أن أخي مات على ما مات عليه أخوك ما رثيته فقال عمر رضي الله عنه ما عزاني أحد عن أخي بأحسن مما عزاني به متمم
وقال الرياشي صلى متمم بن نويرة مع أبي بكر رضي الله عنه الصبح ثم أنشده
* نعم القتيل إذا الرياح تناوحت
* تحت الإزار قتلت يا بن الأزور
*
الأبيات
ثم بكى حتى سالت عينه العوراء ثم انخرط على سية قوسه مغشيا عليه
وقيل لمتمم ما بلغ من وجدك على أخيك فقال أصبت بإحدى عيني فما قطرت منها قطرة عشرين سنة فلما قتل أخي استهلت فما ترقأ
ويقال في المثل فتى ولا كمالك ومرعى ولا كالسعدان يعنون به مالكا هذا
وقيل لمتمم صف لنا مالكا فقال كان يركب الجمل الثفال في الليلة القرة

243
يرتمي لأهله بين المزادتين عليه الشملة الفلوت يقود الفرس الحرون ثم يصبح ضاحكا
ومن شعر متمم في مالك
* نعم القتيل إذا الرياح تناوحت
* فوق العضاة قتلت يا بن الأزور
*
* أدعوته بالله ثم غدرته
* بل لو دعاك بذمة لم يغدر
*
* لا يلبس الفحشاء تحت ثيابه
* صعب مقادته عفيف المئزر
*
* فلنعم حشو الدرع كنت وحاسرا
* ولنعم مأوى الطارق المتنور
*
وقال يرثيه من أبيات
* وكنا كندماني جذيمة حقبة
* من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
*
* وعشنا بخير في الحياة وقبلنا
* أصاب المنايا هط كسرى وتبعا
*
* فلما تفرقنا كأني ومالكا
* لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
*
* فإن تكن الأيام فرقن بيننا
* فقد بان محمودا أخي يوم ودعا
*
* أقول وقد طار السنا في ربابه
* وجون يسح الماء حتى تربعا
*
* سقى الله أرضا حلها قبر مالك
* ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا
*
* تحيته مني وإن كان نائيا
* وأمسي ترابا فوقه الأرض بلقعا
*
وقال
* وقالوا أتبكي كل قبر رأيته
* لقبر ثوى بين اللوى والدكادك
*
* لقد لامني عند القبور على البكا
* رفيقي لعذارف الدموع السوافك
*
* فقلت لهم إن الشجا يبعث الشجا
* دعوني فهذا كله قبر مالك
*
وقال عمر رضي الله عنه لمتمم أكان مالك يحبك مثل محبتك إياه فقال أين أنا من مالك والله يا أمير المؤمنين لقد أسرني حي من العرب فشدوني وثاقا وألقوني بفنائهم فبلغه خبري فأقبل علي على راحلته حتى انتهى إلى القوم وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إلي أعرض عني وقصد إلى القوم فعرفت ما أراد فوقف عليهم فسلم وحادثهم وضاحكهم فوالله
ما زال حتى ملأهم سرورا وأحضروا غداءهم فسألوه النزول يتغدى معهم ففعل ثم نظر إلي وقال ليقبح بنا أن نأكل ورجل ملقى بين أيدينا لا يأكل معنا وأمسك عن الطعام فقاموا القوم إلي وصبوا الماء على قدي حتى لان وحلوني ثم جاءوا

244
بي وأجلسوني معهم على الغداء فلما أكلنا قال لهم ما ترون تحرم هذا بنا وأكله معنا وإنه لقبيح بكم أن تردوه إلى القيد فخلوا سبيلي وأطلقوني بغير فداء
وكان مقتل مالك في حدود سنة اثنتي عشرة
((409 - مجاهد الخياط))
مجاهد بن سليمان بن مرهف بن أبي الفتح المصري التميمي الأديب المعروف بالخياط ويعرف بابن أبي الربيع كان من كبار أدباء العوام لكنه قرأ النحو وفهم وكان قد سلطه الله تعالى على أبي الحسين الجزار شاعر الديار المصرية
وتوفي مجاهد سنة اثنتين وسبعين وستمائة
ومن شعره
* أبا الحسين تأدب
* ما الفخر بالشعر فخر
*
* وما تبلت منه
* بقطرة وهو بحر
*
* وإن أتيت ببيت
* وما لبيتك قدر
*
* لم تأت بالبيت إلا
* عليه للناس حكر
*
وكان ناصر الدين بن النقيب قد وعده بإردب قمح فجهز له ويبتين وتأخر له أربعة فكتب إلى ابن النقيب
* يا ماجدا بالقمح قد جاد لي
* ما ذا الذي ألجاك أن تمنعه
*
* وقد شكا لي نقصه فرقة ال
* باقي عسى مولاي أن يجمعه
*
* أأبعث الثنتين من حاصلي
* إليك أو تبعث لي الأربعة
*
فكتب إليه ابن النقيب الجواب
* تالله ما أخرتها مانعا
* لها ولا في ذاك من مطمعه
*
* وإنما أخرتها خيفة
* من كفك الملتفة المضيعة
*
* وما عسى مقدارها عندكم
* والألف مع مثلك مستودعه
*
* وإنها أجود ما يقتني
* وإنك الميشوم بالأربعة
*

245
ومن شعره
* أعد يا برق ذكر أهيل نجد
* فإن لك اليد البيضاء عندي
*
* أشيمك بارقا فيضل عقلي
* فواعجبا تضل وأنت تهدي
*
* ويبكيك السحاب وأنت ممن
* تحمل بعض أشواقي ووعدي
*
* بعثت مع النسيم لهم سلاما
* فما عطفوا علي له برد
*
وقال
* وظبي تظلمت من خده
* لقلبي عليه حقوق ودم
*
* أخذت القصاص بتعضيضه
* ولم يجر بعد عليه القلم
*
((410 - ابن مواهب البغدادي))
محمد بن محمد بن مواهب أبو العز بن الخراساني الشاعر البغدادي صاحب العروض ومصنف النوادر المنسوب إلى حدة الخاطر
قرأ الأدب على الجواليقي وله ديوان شعر في خمسة عشر مجلدا
قال العماد الكاتب ومدح الخلفاء والوزراء وله مصنفات أديبة وتغير ذهنه آخر عمره وتوفي سنة ست وسبعين وخمسمائة وله اثنتان وثمانون سنة
وأورد له ابن النجار ما يكتب على كمران
* أنا محسود من النا
* س على أمر عجيب
*
* أنا ما بين قضيب
* يتثنى وكثيب
*
وقال
* أنا راض منكم بأيسر شيء
* يرتضيه لعاشق معشوق
*
* بسلام على الطريق إذا ما
* جمعتنا بالاتفاق الطريق
*
وقال
* إن شئت ألا تعد غمرا
* فخل زيدا معا وعمرا
*

246
* واستغن بالله في أمور
* ما زلن طول الزمان إمرا
*
* ولا تخالف مدى الليالي
* لله حتى الممات أمرا
*
* واقنع بما راج من طعام
* والبس إذا ما عريت طمرا
*
((411 - القاضي نجم الدين الطبري))
محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي نجم الدين بن جمال الدين الطبري
كان فقيها جيدا فيه كرم وحسن أخلاق
وله نظم منه
* أشبيهة البدر التمام إذا بدا
* حسنا وليس البدر من أشباهك
*
* مأسور حبك إن يكن متشفعا
* فإليك بالحسن البديع بجاهك
*
* وأساه قد أعيا الأساة دواؤه
* وشفاه يحصل بارتشاف شفاهك
*
* فصليه واغتنمي بقاء حياته
* لا تقطعيه جفا بحق إلهك
*
قال تاج الدين اليمني توفي القاضي نجم الدين الطبري سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ومولده سنة ثمان وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى
((412 - الوأواء الدمشقي))
محمد بن أحمد
وقيل هو ابن محمد
أبو الفرج الوأواء الغساني الدمشقي شاعر مطبوع منسجم الألفاظ عذب العبارة حسن الاستعارة جيد التشبيه
بنى الحريري مقامة على قوله
* وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
* وردا وعضت على العناب بالبرد
*

247
ومن شعره
* وليل كفكري في صدود معذبي
* وإلا كأنفاسي عليه من الوجد
*
* وإلا كعمر الهجر فيه لأنه
* إذا قسته بالوصل كان بلا حد
*
وقال أيضا
* اسقياني ذبيحة الماء في الكأ
* س وكفا عن شرب ما تسقياني
*
* إنني قد أمنت بالأمس إذ مت
* ت بها أن أموت موتا ثاني
*
* قهوة تطرد الهموم إذا ما
* سكنت في مواطن الأحزان
*
* نثرت راحة المزاج عليها
* حدقا ما تدور في أجفان
*
* فهي تجري من اللطافة في الأر
* واح مجرى الأرواح في الأبدان
*
* يتهادى بكأسها من هدايا
* ه إلينا طرائف الأشجان
*
* ما رأينا وردا كورد بخدي
* ه بدا طالعا على غصن بان
*
* زارني والصباح في ساعد الأف
* ق كبحر في نصفه نصف جان
*
* وغدا والهلال في شرك الفج
* ر شريكي في قبضة الإرتهان
*
* ويمين الجوزاء تبسط باعا
* لعناق الدجى بغير بنان
*
* وكأن الإكليل إذ رمى الغر
* ب به شعلة من النيران
*
* وكأن النجوم أحداق روم
* ركبت في محاجر السودان
*
* رشأ تشره النفوس إلى ما
* في ثناياه من رحيق اللسان
*
* لا وما احمر من تورد خدي
* ه وما اصفر من شموس الدنان
*
* لأطيل السجود في قبلة الكأ
* س بتسبيح ألسن العيدان
*
* كم صلاة على فتى مات سكرا
* قد أقيمت فينا بغير أذان
*
* أيها الرائح الذي راحتاه
* بخضاب الكئوس مخضوبتان
*
* عج بضحك الأقداح في رهج القص
* ف إذا ما بكت عليها القناني
*
* واسقني القهوة التي تنبت الور
* د إذا شئت في خدود الغواني
*
* لا تدغدغ صدر المدام بأيدي ال
* مزج ما دغدغت صدور المثاني
*
* كتبتها أيدي السحاب بأقلا
* م دموع على طروس المغاني
*
* ألفات مؤلفات ولا ما
* ت تكون من ضمير المعاني
*
* في رياض تريك بالليل منها
* سرجا من شقائق النعمان
*

248
انظر إلى ما في هذه القصيدة من جودة التشبيه وصحته ولطف الاستعارات ورشاقة ألفاظها ومن شعره
* وجلا الثريا في ملا
* ءة نوره البدر التمام
*
* فكأنها كأس فيش
* ربها الدجى والبدر جام
*
* وكأن زرق نجومها
* حدق مفتحة نيام
*
وقال أيضا
* سقيا ليوم غدا قوس الغمام به
* والشمس مشرقة والبرق خلاس
*
* كأنه قوس رام والبروق له
* رشق السهام وعين الشمس برجاس
*
وقال أيضا
* والبدر أول ما بدا متلثما
* يبدي الضياء لنا بخد مسفر
*
* وكأنما هو خوذة من فضة
* قد ركبت في هامة من عنبر
*
وله أيضا
* لست أنسى قلبي وقد راح نهبا
* بين بين مبرح وصدود
*
* وسماء العيون إذ ذاك تسقى
* بسحاب الدموع روض الخدود
*
وقال وهو لطيف عذب
* بالله ربكما عوجا على سكني
* وعاتباه لعل العتب يعطفه
*
* وعرضا بي وقولا في حديثكما
* ما بال عبدك بالهجران تتلفه
*
* فإن تبسم قولا في ملاطفة
* ما ضر لو بوصال منك تسعفه
*
* وإن بدا لكما في وجهه غضب
* فغالطاه وقولا ليس نعرفه
*
وقال آخر في المعنى
* ألا يا نسيم الريح بلغ رسالتي
* سليمى وعرض بي كأنك مازح
*
* فإن أعرضت عني فموه مغالطا
* بغيري وقل ناحت بذاك النوائح
*
وأخذه القائل فنظمه دوبيت
* باللطف إذا لقيت من أهواه
* عاتبه وقل له الذي ألقاه
*
* إن أغضبه الوصال غالطه به
* أو رق فقل عبدك لا تنساه
*
وقال الآخر مواليا
* بحرمة العهد إن جزت النقا يا سعد
* أبصرت ذاك المحيا والأثيث الجعد
*

249
* عرض بذكرى وغالطها وقل يا دعد
* إذ لم تجودي بوصلك فاسمحي بالوعد
*
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي من أبيات
* ويا رسولي إليهم صف لهم أرقى
* وأن طرفي لطيف الضيف مرتقب
*
* واسأل مواهبهم للعين بعض كرى
* لعل أن يهبوا لي بعض ما نهبوا
*
* ولطف القول لا تسأم مراجعة
* عند الهوى والنوى قد ينجح الطلب
*
* عرض بذكري فإن قالوا أتعرفه
* فاسأل لي الوصل وانكرني إذا غضبوا
*
ومن قول الوأواء الدمشقي في سيف الدولة
* من قاس جدواك بالغمام فما
* أنصف في الحكم بين اثنين
*
* أنت إذا جدت ضاحك أبدا
* وهو إذا جاد دامع العين
*
وقال أيضا
* أيا ملزمي ذنب الدموع وقد جرت
* فأبدت من الأسرار كا مصون
*
* أعني على تأديب دمعي فإنه
* يتوب إذا ما كنت أنت معيني
*
وقال أيضا وهو لطيف جدا
* إذا اشتد ما ألقى جلست حذاءه
* ونار الهوى قد أضرمت بين أوصالي
*
* أقبل من فيه نسيم كلامه
* إذا مر بي صفحا بأفواه آمالي
*
وقال أيضا
* يا من بزرقة سيف اللحظ طل دمي
* والسيف ما فخره إلا بزرقته
*
* علمت إنسان عيني أن يعوم فقد
* جادت سباحته في ماء مقلته
*
وقال أيضا
* ولما وقفنا ساعة البين لم نطق
* كلاما تناجينا بكسر الحواجب
*
* نناجي بإضمار الهوى ظاهر الهوى
* بأطيب من نجوى الأماني الكواذب
*
وقال أيضا
* رعى الله من لم يرع لي حق صحبتي
* وإن كان في كف المنية مودعي
*
* فيا أسفي زدني عليه تأسفا
* ويا كبدي وجدا عليه تقطعي
*
* وإني لمشتاق إلى من أحبه
* فلا معه شوقي ولا صبره معي
*
وقال أيضا
* تنفست الغداة وقد تولت
* ركائبهم معارضة طريقي
*

250
* تنادت بالحريق فظلت أبكي
* فنادت بالحريق وبالغريق
*
وقال في جرب معشوقه من أبيات
* دب في كفيه ما من
* حبه دب بقلبي
*
* فهو يشكو حر حب
* واشتكائي حر حب
*
وكانت وفاة الوأواء في عشر التسعين والثلاثمائة تقريبا رحمه الله تعالى
((413 - محيي الدين بن سراقة))
محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة محيي الدين الأنصاري الأندلسي الشاطبي
ولد في رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بشاطبة وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة بالقاهرة ودفن بسفح المقطم
سمع الكثير وولي مشيخة دار الحديث البهائية بحلب ثم قدم إلى الديار المصرية وولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى حين فاته وكان أحد الأئمة المشهورين بغزارة الفضل وكثرة العلم والجلالة والنبل وأحد المشايخ المعروفين بطريق القوم وله في ذلك إشارات لطيفة مع ما جبل عليه من مكارم الأخلاق واطراح التكليف ورقة الطبع ولين الجانب وله شعر منه
* إلى كم أمني النفس ما لا تناله
* فيذهب عمري والأماني لا تقضى
*
* وقد مر لي خمس وعشرون حجة
* ولم أرض فيها عيشتي فمتى أرضى
*
* وأعلم أني والثلاثون مدتي
* وخير مغاني اللهو أوسعها ركضا
*
* فماذا عسى في هذه الخمس أرتجي
* ووجدي إلى أوب من العشر قد أفضى
*
وقال أيضا
* وصاحب كالزلال يمحو
* صفاؤه الشك باليقين
*
* لم يحص إلا الجميل مني
* كأنه كاتب اليمين
*

251
وهذا عكس قول المنازي
* وصاحب خلته خليلا
* وما جرى غدره ببالي
*
* لم يحص إلا القبيح مني
* كأنه كاتب الشمال
*
وكان محيي الدين من أبناء القضاة حفظ القرآن العظيم وتفقه على مذهب مالك رحمه الله
((414 - نصير الدين الطوسي))
محمد بن محمد بن الحسن نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب علم الرياضي
كان رأسا في علم الأوائل لا سيما في الأرصاد والمجسطي فإنه فاق الكبار قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو وكان يطيعه فيما يشير به عليه والأموال في تصريفه وابتنى بمراغة قبة ورصدا عظيما واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة وجعل له الأوقاف وكان حسن الصورة سمحا كريما جوادا حليما حسن العشرة غزير الفضل
حكى أنه لما أراد العمل للرصد رأى هولاكو ما يغرم عليه فقال له هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته أيدفع ما قدر أن يكون فقال أنا أضرب لك مثلا يأمر القان من يطلع إلى هذا المكان ويرمي من أعلاه طشت نحاس كبيرا من غير أن يعلم به أحد ففعل ذلك فلما وقع كانت له وقعة عظيمة هائلة روعت كل من هناك وكاد بعضهم يصعق وأما هو وهولاكو فإنهما ما حصل لهما شيء لعلهما بأن ذلك يقع فقال له هذا العلم النجومي له هذه الفائدة

252
يعلم المتحدث فيه ما يحدث فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه فقال له لا بأس بهذا وأمره بالشروع فيه
أو كما قيل
ومن دهائه ما حكى أنه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان فأمر بقتله فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ذلك فقال النصير هذا القان إن أمر بأمر لا يمكن رده خصوصا إذا برز إلى الخارج فقال له لا بد من الحيلة في ذلك فتوجه إلى هولاكو وبيده عكاز وسبحة ثم أصطرلاب وخلفه من يحمل مبخرة وبخورا ونارا فرآه خاصة هولاكو الذين على باب المخيم فلما وصل أخذ يزيد في البخور ويرفع الأصطرلاب ناظرا فيه ويضعه فلما رأوه يفعل ذلك دخلوا على هولاكو وأعلموه ثم خرجوا إليه فقال لهم القان أين هو قالوا له جوا قال طيب معافى موجود في صحة قالوا نعم فسجد شكرا لله تعالى ثم قال لهم طيب في نفسه قالوا نعم وكرر ذلك مرارا وقال أريد أرى وجهه بعيني فدخلوا فأعلموه وكان في وقت لا يجتمع فيه به أحد فقال علي به فلما دخل ورآه سجد وأطال السجود فقال له ما خبرك قال اقتضى الطالع في هذا الوقت أن يكون على القان أمر فظيع عظيم إلى الغاية فقمت وعملت هذا وبخرت بهذا البخور ودعوت بأدعية أعرفها أسأل الله تعالى صرف ذلك عن القان وينبغي
الآن أن القان يكتب إلى سائر ممالكه بإطلاق من في الاعتقال والعفو عمن له جناية لعل الله عز وجل يصرف هذا الحادث العظيم ولو لم أر وجه القان ما صدقت فأمر في تلك الساعة هولاكو بما قال وانطلق علاء الدين صاحب الديوان في جملة الناس ولم يذكره النصير الطوسي وهذا غاية في الدهاء بلغ به مقصده ودفع عن الناس أذاهم
ومما وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه من شخص من جملة ما فيها يا كلب يا بن الكلب فكان الجواب أما قوله يا كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار وأما أنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص وأطال في نقض كل ما قاله هكذا رد عليه بحسن طوية وتأن غير منزعج ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة

253
ومن تصانيفه كتاب المتوسطات بين الهندسة والهيئة وهو جيد إلى الغاية ومقدمة في الهيئة واختصر المحصل للإمام فخر الدين وهذبه وزاد فيه وشرح الإشارات ورد على الإمام فخر الدين في شرحه وقال هذا جرح وما هو شرح وقال فيه إني حررته في عشرين سنة وناقض فخر الدين كثيرا ومن تصانيفه التجريد في المنطق وأوصاف الأشراف وقواعد العقائد والتخليص في علم الكلام والعروض بالفارسية وشرح الثمرة لبطليموس وكتاب المجسطي وجامع الحساب في التخت والتراب والكرة والأسطرلاب والمغطيات والظاهرات والمناظر والليل والنهار والكرة المتحركة والطلوع والغروب وتسطيح الكرة والمطالع وتربيع الدائرة والمخروطات والشكل المعروف بالقطاع والجواهر والأسطوانة والفرائض على مذهب أهل البيت وتعديل المعيار في نقض تنزيل الأفكار وبقاء النفس بعد بوار البدن والجبر والمقابلة وإثبات العقل الفعال وشرح مسألة العلم ورسالة الإمام ورسالة إلى نجم الدين الكاشي في إثبات واجب الوجود والحواشي على كليات القانون والزيج الإيلخاني ورسالة ثلاثون فصلا في معرفة التقويم وكتاب أكر مانالاوس وأكر ثاوذوسيوس وله شعر كثير بالفارسية
وقال شمس الدين بن المؤيد العرضي أخذ النصير العلم عن كمال الدين بن يونس الموصلي ومعين الدين سالم بن بدران المصري المعتزلي وكان منجما لأبغا بعد أبيه وكان يعمل الوزارة لهولاكو من غير أن يدخل يده في الأموال واحتوى على عقله حتى أنه لا يركب ولا يسافر إلا في وقت يأمره به ودخل عليه مرة ومعه كتاب مصور في عمل الدرياق الفاروق فقرأه عليه وعظمه عنده وذكر منافعه وقال أن كمال منفعته أن تسحق مفرداته في هاون ذهب فأمر له بثلاثة آلاف دينار لعمل الهاون وولاه هولاكو جميع الأوقاف في سائر بلاده وكان له في كل بلد نائب يستغل الأوقاف ويأخذ عشرها ويحمل إليه ليصرفه في جامكيات المقيمين بالرصد ولما يحتاج إليه من الأعمال بسبب الأرصاد وكان للمسلمين به نفع خصوصا الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم وكان

254
يبرهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقافهم وكان مع هذا كله فيه تواضع وحسن ملتقى
قال شمس الدين الجزري قال حسن بن أحمد الحكيم صاحبنا سافرت إلى مراغة وتفرجت في الرصد ومتوليه علي بن الخواجا نصير الدين الطوسي وكان شابا فاضلا في التنجيم والشعر بالفارسية وصادفت شمس الدين بن المؤيد العرضي وشمس الدين الشرواني والشيخ كمال الدين الأيكي وحسام الدين الشامي فرأيت فيه من آلات الرصد شيئا كثيرا منها ذات الحلق وهي خمسة دوائر متخذة من نحاس الأولى دائرة نصف النهار وهي مركوزة على الأرض ودائرة معدل النهار ودائرة منطقة البروج ودائرة العرض ودائرة الميل ورأيت الدائرة الشمسية التي يعرف بها سمت الكواكب
وأخبرني شمس الدين العرضي أن نصير الدين أخذ من هولاكو بسبب عمارة هذا الرصد ما لا يحصيه إلا الله تعالى خارجا عن الجوامك والرواتب التي للحكماء والقومة
وقال نصير الدين في الزيج الإيلخاني إنني جمعت لبناء الرصد جماعة من الحكماء منهم المؤيد العرضي من دمشق والفخر المراغي الذي كان بالموصل والفخر الخلاطي الذي كان بتفليس ونجم الدين القزويني وقد ابتدأنا في بنائه في سنة سبع وخمسين وستمائة بمراغة والأرصاد التي بنيت قبل وعليها كان الاعتماد دون غيرها هو رصد برجس وله مذ بني ألف وأربعمائة سنة وبعده رصد بطليموس وبعده في ملة الإسلام رصد المأمون ببغداد وله أربعمائة سنة وثلاثون سنة والرصد البناني في حدود الشام والرصد الحاكمي بمصر ورصد بني الأعلم ببغداد وله مائتان وخمسون سنة لأن فيها يتم دوران هذه السبعة فقال هولاكو اجهد في أن رصد هذه السبعة يتم في ثنتي عشرة سنة قلت أجتهد في ذلك
وكان النصير قد قدم من مراغة إلى بغداد ومعه كثير من تلامذته وأصحابه فأقام بها مدة أشهر ومات وخلف من الأولاد صدر الدين على

255
والأصيل حسن والفخر أحمد وولي صدر الدين بعد أبيه غالب مناصبه فلما مات ولي بعده الأصيل حسن وقدم الشام مع غازان وحكم في أوقاف الشام تلك الأيام وأخذ منها جملة ورجع مع غازان وولي نيابة بغداد فأساء السيرة فعزل وصودر وأهين فمات غير حميد
وأما الفخر أحمد فقتله غازان لكونه أكل أوقاف الروم وظلم
ومولد النصير بطوس سنة سبع وتسعين وخمسمائة وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وستمائة ببغداد وشيعه صاحب الديوان والكبار وكانت جنازته حفلة ودفن في مشهد الكاظم رحمه الله تعالى آمين
((415 - مؤيد الدين بن العلقمي))
محمد بن محمد بن علي أبو طالب الوزير مؤيد الدين بن العلقمي البغدادي الرافضي وزير المستعصم
ولي الوزارة أربع عشرة سنة فأظهر الرفض قليلا وكان وزيرا كافيا خبيرا بتدبير الملك ولم يزل ناصحا لأصحابه وأستاذه حتى وقع بينه وبين الدوادار لأنه كان متغاليا في السنة وعضده ابن الخليفة فحصل عنده من الضغن ما أوجب سعيه في دمار الإسلام وخراب بغداد على ما هو مشهور لأنه ضعف جانبه وقويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة حتى قال في شعره من ذلك
* وزير رضي من بأسه وانتقامه
* بطى رقاع حشوها النظم والنثر
*
* كما تسجع الورقاء وهي حمامة
* وليس لها نهى يطاع ولا أمر
*
وأخذ يكاتب التتار إلى أن جر هولاكو وجرأه على أخذ بغداد وقرر مع هولاكو أمورا انعكست عليه وندم حيث لا ينفعه الندم وكان كثيرا ما يقول بعد ذلك
* وجرى القضاء بعكس ما أملته
*
لأنه عومل بأنواع الهوان من أراذل التتار والمرتدة حكى أنه كان جالسا

256
بالديوان فدخل عليه بعض التتار ممن ليس له وجاهة راكبا فرسه فسار إلى أن وقف بفرسه على بساط الوزير وخاطبه بما أراد وبال الفرس على البساط وأصاب الرشاش ثياب الوزير وهو صابر لهذا الهوان يظهر قوة النفس وأنه بلغ مراده
وقال له بعض أهل بغداد يا مولانا أنت فعلت هذا جميعه حمية وحميت الشيعة وقد قتل من الأشراف الفاطميين خلق لا تحصى وارتكبت الفواحش مع نسائهم فقال بعد أن قتل الدوادار ومن كان على رأيه لا مبالاة بذلك
ولم تطل مدته حتى مات غما وغيظا في أوائل سنة سبع وخمسين وستمائة
بعث إليه المستعصم شدة أقلام فكتب إليه قبل المملوك الأرض شكرا للإنعام عليه بأقلام قلمت أظفار الحدثان وقامت له في حرب الزمان مقام عوالي المران وأجنته ثمار الأوطار من أغصانها وحازت له قصبات المفاخر بيوم رهانها فيا لله كم عقد زمام في عقدها وكم بحر سعادة أصبح جاريا من مدادها ومددها وكم منآد خط استقام بمثقفاتها وكم صوارم فل مضاربها مطرر مرهفاتها
* لم يبق لي أمل إلا وقد بلغت
* نفسي أقاصيه برا وإنعاما
*
* لأفتحن بها والله يقدر لي
* مصانعا أعجزت من قبل بهراما
*
* تعطي الأقاليم من لم يبد مسألة
* له فلا عجب إن تعط أقلاما
*
وكان قد طالع المستعصم في شخص من أمراء الجبل يعرف بابن شرف شاه وقال في آخر كلامه وهو مدبر فوقع المستعصم له
* ولا تساعد أبدا مدبرا
* وكن مع الله على المدبر
*
فكتب ابن العلقمي أبياتا في الجواب منها
* يا مالكا أرجو بحبي له
* نيل المنى والفوز في المحشر
*

257
* أرشدتني لا زلت لي مرشدا
* وهاديا من رأيك الأنور
*
* أبنت لي بيت هدى قلته
* عن شرف من بيتك الأطهر
*
* فضلك فضل ما له منكر
* ليس لضوء الشمس من منكر
*
* أن يجمع العالم في واحد
* ليس على الله بمستنكر
*
اشتغل بالحلة على عميد الرؤساء أيوب وعاد إلى بغداد وأقام عند خاله عضد الدين أبي نصر المبارك بن الضحاك وكان أستاذ الدار
ولما قبض على مؤيد الدين القمي وكان أستاذ الدار فوضت الأستاذ دراية إلى شمس الدين بن الناقد ثم عزل وفوضت الأستاذ دارية إلى ابن العلقمي فلما توفي المستنصر بالله وولي الخليفة المستعصم وتوفي ابن الناقد وزر ابن العلقمي وكان قد سمع الحديث واشتغل على أبي البقاء العكبري
وحكى أنه لما كان يكاتب التتار تحيل إلى أن أخذ رجلا وحلق رأسه حلقا بليغا وكتب ما أراد عليه بالإبر ونفض عليه الكحل وتركه عنده إلى أن طلع شعره وغطى ما كتب فجهزه وقال إذا وصلت مرهم بحلق رأسك ودعهم يقرءون ما فيه وكان آخر الكلام اقطعوا الورقة فضربت عنقه وهذا غاية في المكر والخزي
((416 - تاج الدين بن حنا))
محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم المصري الصاحب تاج الدين ابن الصاحب فخر الدين ابن الوزير بهاء الدين بن حنا ولد سنة أربعين وستمائة وتوفي سنة سبع وسبعمائة وسمع من سبط السلفي ومن الشرف المرسي وبدمشق من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وانتهت إليه رياسة عصره بمصره وكان ذا تصون وسؤدد ومكارم أخلاق وشكل حسن وبزة فاخرة إلى الغاية يتناهى في المطاعم والملابس والمساكن ومع ذلك صدقاته كثيرة وتواضعه وافر ومحبته في الفقراء والصلحاء زائدة وهو الذي اشترى الآثار

258
النبوية على ما قيل بستين ألف درهم وجعلها في مكانه بالمعشوق وهو المكان المنسوب إليه بالديار المصرية وهي قطعة من العنزة ومرود ومخصف وملقط من فضة ورأى من العز والرياسة والوجاهة ومن السيادة ما لا رآه جده الصاحب بهاء الدين
حكى الشيخ شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى أن الصاحب فخر الدين ابن الخليلي لما لبس خلعة الوزارة توجه من القلعة بالخلعة إلى دار الصاحب تاج الدين وجلس بين يديه وقبل يده فأراد أن يجبره ويعظم قدره فالتفت إلى بعض غلمانه وطلب منه توقيعا يختص بذلك الشخص فأخذه وناوله لابن الخليلي وقال مولانا يعلم على هذا التوقيع فأخذه وقبله ووضعه على رأسه وكتب عليه قدامه
وكان فتح الدين ابن سيد الناس إذا حكى هذه الحكاية يقول وهذه الحركة من الصاحب تاج الدين بمنزلة الإجازة والإمضاء لوزارة ابن الخليلي
ومن أحسن حركة اعتمدها ما حكاه الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى في تاريخه قال حكى لي القاضي شهاب الدين ابن فضل الله رحمه الله تعالى قال اجتزت بتربته فرأيت إلى جانبها مكتبا للأيتام وهم يكتبون القرآن في ألواحهم فإذا أرادوا مسحها غسلوا الألواح وسكبوا ذلك على قبره فسألت عن ذلك فقيل لي هذا شرط الواقف وهذا قصد حسن وعقيدة صحيحة
وكان الصاحب بهاء الدين يؤثره على أولاده لصلبه ويعظمه وكتب له عليه حجة بمبلغ ستين ألف مثقال مصرية
ومن وجاهته وعظمه في النفوس أنه لما نكب على يد الشجاعي جرده من ثيابه وضربه مقرعة واحدة فوق قميصه ولم يدعه الناس يصل إلى أكثر من ذلك مع جبروت الشجاعي وعتوه وتمكنه من السلطان
وكان له شعر حسن فمن ذلك ما كتبه إلى السراج الوراق في حمار سقط في بئر فمات

259
* يفديك جحشك إذ مضى مترديا
* وبتالد يفدي الأديب وطارف
*
* عدم الشعير فلم يجده ولا رأى
* تبنا وراح من الظما كالتالف
*
* ورأى البويرة غير خاف ماؤها
* فرمى حشاشة نفسه لمخاوف
*
* فهو الشهيد لكم بوافر فضلكم
* هذي المكارم حمامة خاطف
*
* قوم يموت حمارهم عطشا لقد
* أزروا بحاتم في الزمان السالف
*
وأجابه الوراق بقصيدة على وزنها في غاية الحسن أولها
* أدنت ثمار قطوفها للقاطف
* وثنت بأنفاس النسيم معاطفي
*
ومنها في ذكر الحمار
* ولكم بكيت عليه عند مرابع
* ومراتع رشت بدمعي الذارف
*
* يمشي على عسري ويسري صابرا
* بمعازف تلهيه دون معالف
*
* وقد استمر على القناعة يقتدي
* بي وهي في ذا الوقت جل وظائفي
*
* ودعاه للبئر الصدى فأجابه
* واعتاقه صرف الحمام الآزف
*
* وهو المدل بألفة طالت وما
* أنسى حقوق مرابعي ومآلفي
*
* وموافقي في كل ما حاولته
* في الدهر غير مواقفي ومخالفي
*
* دوران ساقية لطاحون ونق
* ل الماء في شات ويوم صائف
*
* لكن بماء البئر راح بنقلة
* قتلته شامات بموت جارف
*
وبعث الصاحب تاج الدين إلى السراج وقد ولد له ولد صلة وثلثا حريريا وكتب مع ذلك أبياتا خمسة أولها
* بعثت بها وبالثلث الرفيع
*
فأجابه الوراق بأبيات أولها
* سرت من جانب العز الرفيع
* إلى بطيب أنفاس الربيع
*
* مصرعة كأني اليوم منها
* ولجت على حبيب والصريع
*

260
* دعونا الخمسة الأبيات ستا
* لسبع علقت فوق الجميع
*
* فدينا من هباتك مذهبات
* كأن بحوكها قطع الربيع
*
* تزيد بلمس كفك حسن وشى
* كحسن الروض بالغيث المربع
*
* بها أحييت للنفساء نفسا
* ولي معها وللطفل الرضيع
*
* وقد سمنت كيسي بعد ضعف
* به التقت الضلوع مع الضلوع
*
وحكى أنه أضاف جده يوما ووسع في الضيافة فلما عاد جده إلى بيته أخذ الناس يتعجبون من همته وكرم نفسه فقال الصاحب بهاء الدين ليس ما ذكرتموه بعجيب لأن نفسه كريمة ومكنته متسعة والعجب العجيب كونه طول هذا النهار وما أحضره من المشروب والمأكول من الطعام والفاكهة والحلوى وغير ذلك على اختلاف الأنواع ما قام من مكانه ولا دعا خادما فأسر إليه ولا أشار إليه بيده ولا طرفه وقيل إن الناس تعجبوا على كثرتهم من شربهم الماء المبرد في كيزان عامة نهارهم فسئل عن ذلك فيما بعد فقال اشترينا خمسمائة كوز وبعثنا إلى الجيران قليلا قليلا بردوا ذلك في الباذهنجات التي لهم
ولا شك أنه كان عالي الهمة ممجدا مسودا
واعتكف في مئذنة عرفات بجامع مصر ثلاثة أيام فكتب إليه السراج الوراق
* ثلاثة أيام قطعت لطولها
* ثلاث شديدات من السنوات
*
* حجبن محيا الصاحب بن محمد
* لتجمع بين الحسن والحسنات
*
* وما كاد قلبي أن يقر قراره
* لأني بمصر وهو في عرفات
*
وقال الحكيم شمس الدين بن دانيال يهجوه

261
* يحتاج ذا التاج من يرصعه
* بدرة تحت دالها كسره
*
* فم رأى عنقه الطويل ولا
* ينزل فيه يموت بالحسرة
*
((417 - الأثير بن بنان))
محمد بن محمد بن محمد بن بنان الأنباري أبو طاهر بن أبي الفضل الكاتب من أهل مصر وأصله من الأنبار قرأ الأدب وسمع الحديث وكان شيخا جليلا مهيبا عالما أديبا كاملا بليغا يكتب الخط الحسن ويقول الشعر الجيد ويترسل وفيه مفاكهة ودماثة أخلاق
قدم بغداد رسولا مع قافلة الحاج من مكة من جهة سيف الإسلام طغتكين أخي صلاح الدين من اليمن فأنزل بباب الأزج وأكرم مثواه وحدث بكتاب الصحاح في اللغة للجوهري وبالسيرة النبوية
ولد سنة سبع وخمسمائة بمصر وتوفي بها سنة ست وتسعين وخمسمائة
ودفن بالقرافة وله كتاب تفسير القرآن المجيد وكتاب المنظوم والمنثور في مجلدين ومن نظمه في صاحب له توفي
* عجبا لي وقد مررت بآثا
* رك كيف اهتديت نهج الطريق
*
* أتراني نسيت عهدك فيها
* صدقوا ما لميت من صديق
*
وكتب الكثير بخطه المليح وتولى ديوان النظر في الدولة المصرية وتنقلت به الخدم في الأيام الصلاحية بتنيس وإسكندرية وكان القاضي الفاضل ممن يغشى بابه ويمدحه ويفتخر بالوصول إليه

262
((418 - ابن عروس الكاتب))
محمد بن محمد بن عروس الشيرازي الكاتب الشاعر نزيل سامرا
له نظم وتوفي في سنة ثمانين ومائتين
ومن شعره
* ولقد تأملت الحيا
* ة بعيد فقدان التصابي
*
* فإذا المصيبة بالحيا
* ة هي المصيبة بالشباب
*
وله أيضا في أبي العيناء
* طرف أبي العيناء معلول
* ودينه لا شك مدخول
*
* وليس ذا علم بشيء ولا
* له إذا حصلت محصول
*
* ما هو إلا جملة غثة
* وليس للجملة تفصيل
*
قال محمد بن عروس اجتمعت أنا وعلي بن الجهم في سفينة ونحن غير متعارفين فتذاكرنا ووجدت له مذاكرة جلوة فكان في بعض ما قاله أنا أشعر الناس قلت بماذا قال بقولي
* سقى الله ليلا ضمنا بعد هجعة
* وأدنى فؤادا من فؤاد معذب
*
* فبتنا جميعا لو تراق زجاجة
* من الخمر فيما بيننا لم تسرب
*
فقلت والله قد أحسنت ولكنني أشعر منك قال بأي شيء قلت بقولي
* لا والمنازل من نجد وليلتنا
* بفيد إذ جسدانا بيننا جسد
*
* كم رام فينا الكرى من لطف مسلكه
* نوما فما انفك لا خد ولا عضد
*
فقال أحسنت ولكن بم صرت أشعر مني قلت لأنك منعت دخول جسد بين جسدين وأنا منعت دخول عرض بين جسدين قال من أنت قلت أنا

263
ابن عروس فمن أنت قال أنا علي بن الجهم
((419 - أبو الحسن البصروي))
محمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن البصروي وبصرى قرية بدجيل دون عكبرا كان شاعرا فصيحا مطبوعا له نوادر منها أنه قال له رجل لقد شربت البارحة كثيرا فاحتجت للقيام للبول كل ساعة كأني جدي فقال لم تصغر نفسك يا سيدي وتوفي ببغداد في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة
ومن شعره
* ترى الدنيا وزهرتها فتصبو
* وما يخلو من الشبهات صب
*
* فضول العيش أكثره هموم
* وأكثر ما يضرك ما تحب
*
* فلا يغررك زخرف ما تراه
* وعيش لين الأطراف رطب
*
* إذا ما بلغة جاءتك عفوا
* فخذها فالغنى مرعى وشرب
*
* إذا حصل القليل وفيه سلم
* فلا ترد الكثير وفيه حرب
*
وله غير ذلك رحمه الله
((420 - ابن الجنان الشاطبي))
محمد بن سعيد بن هشام بن الجنان بتشديد النون الشيخ فخر الدين أبو الوليد الشاطبي الحنفي
ولد سنة خمس عشرة وستمائة بشاطبة وقدم الشام وصحب الصاحب كمال الدين بن العديم وولده قاضي القضاة مجد الدين فاجتذباه ونقلاه من مذهب مالك إلى مذهب أبي حنيفة ودرس بالإقبالية وكان أديبا فاضلا وشاعرا محسنا وكان يخالط الأكابر وفيه حسن عشرة ومزاح
توفي سنة خمس وسبعين وستمائة

264
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى أخبرني الشيخ فتح الدين بن سيد الناس قال أخبرني والدي قال كنا عند القاضي شمس الدين بن خلكان وهو ينوب في الحكم بالقاهرة والشيخ فخر الدين حاضر وهو إلى جانبي فأنشد
* عرف النسيم بعرفكم يتعرف
* وأخو الغرام بحبكم يتشرف
*
* شرف المتيم في هواكم أنه
* طورا ينوح وتارة يتلهف
*
* لطفت معانيه فهب مع الصبا
* فرقيبه بهبوبه لا يعرف
*
* وإذا الرقيب درى به فلأنه
* أخفى لديه من النسيم وألطف
*
* ولأنه يعدو النسيم ديارهم
* وله على تلك الربوع توقف
*
فقال القاضي شمس الدين يا شيخ فخر الدين لطفته لطفته إلى أن عاد لا شيء فالتفت وقال بلسانه الكاضي حمار ما له ذوك شيء يعني القاضي حمار ما له ذوق
قال أبو حيان أنشدني فخر الدين بن الجنان
* أفناني القبض عني
* حتى تلاشى وجودي
*
* وجاءني البسط يحيي
* روحي بفضل وجود
*
* فقلت للنفس شكرا
* كذاك بالنفس جودي
*
* وقمت اشطح سكرا
* فغبت عن ذا الوجود
*
وقال أيضا
* ذكر العذيب فمال من سكر الهوى
* صب على صحف الغرام قد انطوى
*
* يبكي على وادي العقيق بمثله
* ويميل من طرب بمنعطف اللوى
*
* وجهت وجهي نحوهم فبوجههم
* لا أبتغي غيرا ولا أرجو سوى
*
* وبمهجتي معبود حسن منهم
* فلذا على عرش القلوب قد استوى
*

265
* أوحى إلى قلبي الذي أوحى له
* فعجبت كيف نطقت فيه عن الهوى
*
وقال أيضا
* عليك من ذاك الحمى يا رسول
* بشرى علامات الرضا والقبول
*
* جئت وفي عطفيك منهم شذا
* يسكر من خمر هواه العذول
*
* يكفيك تشريفا رسول الرضا
* أنك للعشاق فيهم رسول
*
* حللتم قلبي وهو الذي
* يقول في دين الهوى بالحلول
*
وقال أيضا
* وأبيك لم يخفق حشاي وإنما
* طربا بأودية العقيق يصفق
*
* بالله قولوا من أكون لديهم
* حتى أرى بهواهم أتعشق
*
* نطق الغرام بحالهم لما رأى
* أن اللسان بحاله لا ينطق
*
* لا يدعى فيه الفؤاد خفوقه
* فوشاح من أهوى لعمري أخفق
*
وقال أيضا
* ودوح بدت معجزات له
* تبين عليه وتدعو إليه
*
* جرى النهر حتى سقى غصنه
* فمال يقبل شكرا يديه
*
* وكف الصبا ضيعت حليه
* فأضحى الحمام ينادي عليه
*
* كساه الأصيل ثياب الضنى
* فحل طبيب الدياجي لديه
*
* وجاء النسيم له عائدا
* فقام له لاثما معطفيه
*
وقال أيضا
* خبر بأنفاس النسيم معطر
* وافى إلي فظلت منه أسكر
*
* لله ما أحلى شمائله التي
* جاء النسيم بعرفها يتبختر
*
* وافى وما في القوم من يدري به
* إلا فتى في حبه متنكر
*
* تتلى أحاديث الغرام بقلبه
* ولسانه عما به يستخبر
*

266
* حتى إذا غنى له الحادي بهم
* وسرى له من نشر ليلى العنبر
*
* هز المعاطف ثم راح مولها
* نشوان في زي الصبا يتعثر
*
* متهتكا في العاشقين كما ترى
* يبدي الذي يخفيه منه ويضمر
*
* سلطان حبي فيك أرسل أدمعا
* أمست بأخبار الغرام تخبر
*
* فقرأت منها في صحيفة وجنتي
* ما لا وعينك باللسان تعبر
*
* نزلوا حديقة مقلتي أو ما ترى
* أغصان أهدابي بدمعي تزهر
*
* لا أقفرت تلك المنازل منهم
* أبدا وربع الصبر منهم مقفر
*
وقال أيضا
* يا رعى الله عيشنا بين روض
* حيث مال السرور فيه نميل
*
* تحسب النهر عنده يتثنى
* وتخال الغصون فيه تسيل
*
وقال أيضا
* أهيل إلى هل علم الفريق
* بأني فيكم صب مشوق
*
* نعم علموا وذاك لأن دمعي
* غداة البين سال به الطريق
*
* أتأتون الحجاز وما علمتم
* بأن القلب بيتكم العتيق
*
* وألفاظي العذيب وفي ضلوعي ال
* حمى ودموع مقلتي العقيق
*
وقال أيضا
* لي حبيب عن حبه لا أحول
* إن شرح الغرام فيه يطول
*
* قال لي عاذلي تناس هواه
* قلت أنسى يا عاذلي ما تقول
*
* ولعمري لقد نسيت فقل لي
* أنت فيه مساعد أم عذول
*
* لو ضللنا في فترة من هواه
* لهدانا من مقلتيه رسول
*
وقال أيضا
* قم فاسقنيها وجيش الليل منهزم
* والصبح أعلامه محمرة العذب
*
* والسحب قد نثرت في الروض لؤلؤها
* فضمها الشمس في ثوب من الذهب
*
وقال أيضا
* حديث ذاك الحمى روحي وريحاني
* فكيف يصبر عن هذين جثماني
*

267
* فمن هواك لذاك الحسن راح به
* في الحي كل خلي القلب يهواني
*
* ثم انثنيت وبي من سكره طرب
* أهز عطفي به تيها وأرادني
*
* وحقهم لو ملكت الكون أجمعه
* وهبته طمعا في وصل هجراني
*
وقال أيضا
* بروحي وقلبي روض مبسمه الذي
* أبان لنا زهرا بأرض عقيق
*
* وخاف بأن يسري النسيم بعطره
* فأصبح يخفيه بستر شقيق
*
((421 - سعد الدين بن عربي))
محمد بن محمد بن علي بن العربي الطائي الحاتمي سعد الدين ابن الشيخ محيي الدين بن العربي الأديب الشاعر
ولد بملطية في رمضان سنة ثمان عشرة وستمائة سمع الحديث ودرس وكان شاعرا مجيدا وله ديوان مشهور
وتوفي بدمشق سنة ست وثمانين وستمائة ودفن عند قبر أبيه بسفح قاسيون في تربة بني الزكي
ومن شعره في مليح رآه بالزيادة بدمشق
* يا خليلي في الزيادة ظبي
* سلبت مقلتاه جفني رقاده
*
* كيف أرجو السلو عنه وطرفي
* ناظر حسن وجهه في الزيادة
*
وقال في مليح قاض
* ورب قاض لنا مليح
* يعرب عن منطق لذيذ
*
* إذا رمانا بسهم لحظ
* قلنا له دائم النفوذ
*
وقال في مليح قواس
* قلت لقواس له طلعة
* من رام عنها الصبر لم يقدر
*

268
* يا من له وجه كبدر الدجى
* بكم تبيع القوس للمشتري
*
وله أيضا
* لما تبدى عارضاه في نمط
* قيل ظلام بضياء اختلط
*
* وقيل نمل فوق عاج قد سقط
* وقال قوم إنها اللام فقط
*
وقال أيضا
* فاتر الطرف فاتك
* لدم الصب سافك
*
* هاجر لي مواصل
* آخذ لي وتارك
*
* وعلى كل حالة
* فهو مولى ومالك
*
* قد أراني الدجى ضحى
* وجهه وهو ضاحك
*
* يا سليما من الأسى
* أنا والله هالك
*
* لي حال كمثل شع
* رك يا بدر حالك
*
* كم صبا فيك عابد
* ولكم ضل ناسك
*
* لك والله منظر
* قل فيه المشارك
*
* إن يوما أراك في
* ه ليوم مبارك
*
وقال
* أسباك نرجس مقلتيه المضعف
* يا للهوى غلب القوي الأضعف
*
* فتكت بقلبك مرهفات جفونه
* سله علام عليه سل المرهف
*
* ويروقني الورد الجني بخده
* واها له لو كان مما يعطف
*
* إن سامني فيه الهوان فإنني
* أبدا بعشق جماله أتشرف
*
* يثنيه عن وصلي العفاف وطرفه
* أبدا يريق دمي ولا يتعفف
*
* أمعنفى قسما بمن قسم الهوى
* وقضى بأنك في الغرام تعنف
*
* ما أبصرت عيناك أحسن منظرا
* من وجهه لو كنت ممن ينصف
*
* قال الحبيب وقد رآني مبديا
* فرط التأسف لو أفاد تأسف
*
* مالي أراك لفرط حبك حاكيا
* يعقوب قلت له لأنك يوسف
*

269
وقال أيضا
* أنا بالأحبة لا أزال مولها
* إن لم أكن أنا للصبابة من لها
*
* جاء البشير بهم فلولا أنني
* عبد لهم لبذلت نفسي كلها
*
* شرفت بهم منا القلوب وإنما
* شرف المنازل بالذي قد حلها
*
* آه على أيامنا بطويلع
* ما كان أطيبها لنا وأجلها
*
* لاحت منازلهم بأعلى المنحنى
* قف بي لألثم حزنهن وسهلها
*
* يا سادة ملكوا النفوس لأنهم
* كانوا أحق بها وكانوا أهلها
*
وقال أيضا في مليح يسمى بابن الفويرة
* زعموا بأن المسك فارته اغتدرت
* تجني من الظبي الغرير وتجلب
*
* نسبوا الفويرة للغزال وما دروا
* أن الغزال إلى الفويرة ينسب
*
وقال أيضا في مليح سمين
* وقالوا من كلفت به سمين
* وذلك لا يخف على القلوب
*
* فقلت لهم نحول الجسم وصف ال
* محب وليس من وصف الحبيب
*
وقال أيضا في مليح ضعيف
* قيل لي جسم من تحب نحيل
* وهو مما يشينه فاسل عنه
*
* قلت ما ذاك من سقام ولكن
* خفة الروح أعدت الجسم منه
*
وقال أيضا
* ألا يا سائلي عن شرح حالي
* سؤال المشفق البر الرحيم
*
* فأما الجسم فهو كما تراه
* سقيم مثل ناظرك السقيم
*
* وأما حال قلبي يا حبيبي
* فلا تسأل عن أصحاب الجحيم
*
وقال أيضا دوبيت
* قد طارحني الحديث في ناديه
* بدر حسن جميع ما يبديه
*
* يا مهدي در لفظه من فيه
* شرفت مسامعي فإيه إيه
*
وقال أيضا
* يا للهوى مالي من راحم
* يأخذ حقي منك يا ظالمي
*
* لو لم تكن في مهجتي حاكما
* ما غبت عني غيبة الحاكم
*

270
وقال أيضا دوبيت
* صبرت فؤادي عنهم إذ جاروا
* في الحب وأرباب الهوى أطوار
*
* نادوني كم تظهر عنا جلدا
* في قلبك غيرنا فقلت النار
*
وقال أيضا
* أليلة وصل كنت أم ليلة القدر
* سقى عهدك الماضي سلاف من الخمر
*
* لئن كان ذاك العهد ولي ولم يدم
* فإني له إني له دائم الذكر
*
* أآمل أن الدهر يسخو برده
* فوا أسفا ما ذاك من شيم الدهر
*
* وبي رشأ أهوى رشاقة قده
* إذا ما انثنى يا خجلة الغصن النضر
*
* أيا صنم الحسن الذي فتن الورى
* وبرهان قولي أن قلبك من صخر
*
* سباني ثغر منك كالدر نظمه
* ويا من رأى درا يشبه بالبدر
*
* أشاهد ريقا منه كالشهد طعمه
* وما ذقته يوما ولكنني أدري
*
((422 - النور الإسعردي))
محمد بن محمد وقيل محمد بن عبد العزيز ابن عبد الصمد بن رستم الإسعردي نور الدين الشاعر
ولد سنة تسع عشرة وستمائة وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة
كان من كبار شعراء الملك الناصر وله به اختصاص وله ديوان شعر وغلب عليه المجون وأفرد هزلياته من شعره وجمعها وسماها سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون وضم إليها أشياء من نظم غيره
وكان ماجنا خليعا يجلس تحت الساعات حضر ليلة عند الملك الناصر في مجلس أنس فخلع عليه قباء وعمامة بطرف ذهب فأتى بهما من الغد وجلس تحت الساعات
ومن شعره
* ولقد بليت بشادن إن لمته
* في قبح ما يأتيه ليس بنافع
*

271
* متبذل في خسة وجهالة
* ومجاعة كشهود باب الجامع
*
وحضر ليلة عند الناصر في مجلس أنس وكان فيه شرف الدين بن الشيرجي وكان ألحى فقام ابن الشيوخي فقضى شغله وعاد فأشار إليه السلطان بصفع النور الإسعردي فصفعه فلما فعل نزلت ذقنه على كتف النور فقبض عليها وأنشد في الحال
* قد صفعنا في ذا المحل الشريف
* وهو إن كنت ترتضي تشريفي
*
* فارث للعبد من مصيف صفاع
* يا ربيع الندى وإلا خرى في
*
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي ما أحسن ما أتى بياء المنادى هنا لترشيح التورية بين الربيع والخريف وقوله وإلا خرى في من أحسن التورية بقرينة إمساكه ذقن ابن
الشيرجي وقد ظرف غاية
وأضر قبل موته فقال
* قد كنت من قبل في أمن وفي دعة
* طرفي يرود لقلبي روضة الأدب
*
* حتى تلقبت نور الدين فانعمشت
* عيني وحول ذاك النور للقب
*
وقال أيضا
* سألت الله يختم لي بخير
* فعجل لي ولكن في عيوني
*
وقال أيضا
* يا سائلي لما رأى حالتي
* والطرف مني ليس بالمبصر
*
* لست أحاشيك ولكنني
* سمحت بالعينين للأعور
*
وقال أيضا
* قلت إذ راح ناعسا ثم أبدى
* ضرطة آذنت لشملي بجمع
*
* فاتني أن أرى الديار بطرفي
* فلعلي أرى الديار بسمعي
*

272
وقال مضمنا قول المتنبي
* سباني معسول المراشف عاسل ال
* معاطف مصقول السوالف مائد
*
* يروم على أردافه الخصر مسعدا
* إذا عظم المطلوب قل المساعد
*
وقال أيضا
* قلت يوما للصدر هل تثبت البع
* ث وتنفي إنكارهم للحشر
*
* قال أثبت قلت ذقنك في استي
* قال أنفي فقلت في وسط حجري
*
وقال أيضا يفضل حشيش الفقراء
* لك الخير لا تسمع كلام المفند
* ودونك في فتياك غير مقلد
*
* سألت عن الخضراء والخمر فاستمع
* مقالة ذي رأي مصيب مسدد
*
* وحقك ما بالخمر بعض صفاتها
* أتشرب جهرا في رباط ومسجد
*
* عليك بها خضراء غير مبالغ
* بأبيض ورق أو بأحمر عسجد
*
* ولكن على رغم المدام هدية
* تنزه عن بيع بغير التزهد
*
* رياضية يحكي الجنان اخضرارها
* وخمرهم كالمارج المتوقد
*
* مدامهم تنسى المعاني وهذه
* تذكر أسرار الجمال الموحد
*
* هي السر ترقى الروح فيها إلى ذرا ال
* معالم في معراج فهم مجرد
*
* بل الروح حقا لا يحل بربعها
* هموم ولا يحظى بها غير مهتدي
*
* ولا داسها العصار عمدا ودنس الد
* دنان بمختوم من القار أسود
*
* ولا تتعب الأبدان عند نزالها
* وفي القيء إذ تبدو كزق ممدد
*
* ولا تستخف الناس عقلك بينهم
* لعمري ولا تدعي لديهم بمفسد
*
* وفي طرف المنديل يوما وعاؤها
* ويعتاض عن حمل الزجاجة باليد
*
* وتخلص من إثم وحد ولا ترى
* ذليلا وتنجو من نديم معربد
*
* وتشربها في العسر واليسر دائما
* ولا تتقي فيها ليالي التعبد
*
* وتغدو ذكيا فاضلا ذا نباهة
* ظريفا ولا يغشاك فرط تبلد
*
* وتصبح عند الناس غير مبعض
* وتمنح من كل بحسن التودد
*

273
* وإن ذاقها المعشوق وافاك خلسة
* من الحاسد الواشي على غير موعد
*
* ومن فضلها في الطب جودة هضمها
* وهيهات يحصى فضلها لمعدد
*
* ولا سيما إن كان فيها منادمي
* غزال كغصن البانة المتأود
*
* ينادم بالشعر اللطيف وتارة
* يغني فيزري بالحمام المغرد
*
* يغازلني سرا بعيني غزالة
* ويبسم عن ثغر كدر منضد
*
* فلا تستمع فيها مقالة عاذل
* يصدك عنها واعص كل مفند
*
وقال أيضا يفضل الخمر على الحشيش
* فديتك نور الحق قد لاح فاهتد
* نديم وكن في اللهو غير مقلد
*
* أترضى بأن تمسي شبيه بهيمة
* بأكل حشيش يابس غير أرغد
*
* فدع رأى قوم كالدواب ولا تدر
* سوى درة كالكواكب المتوقد
*
* مدام إذا ما لاح للركب نورها
* وقد ضل ليلا عاد بالنور يهتدي
*
* حشيشتهم تكسو المهيب مهانة
* فتلقاه مثل القاتل المتعمد
*
* ويبدو على خديه مثل اخضرارها
* فيضحي بوجه مظلم اللون أربد
*
* وتفسد من ذهن النديم خياله
* فينظر مبيض الصباح كأسود
*
* وخمرتنا تكسو الذليل مهابة
* وعزا فتلقي دونه كل سيد
*
* وتجلى فتجلو هم كل منادم
* ويروي بها من شربها قلبه الصدى
*
* وتبدو فيبدو سره وتسره
* فيشبهها لونا بخد مورد
*
* وفيها على رغم الحشيش منافع
* فقل في معانيها وصفها وعدد
*
* وفي غيرها للناس كل مضرة
* فحدث بكل السوء عن وصفها الردى
*
* وحقك ما ذاق الحشيش خليفة
* ولا ملك فاق الأنام بسؤدد
*
* ولا جد في وصف لها قط شاعر
* بتنميق ألفاظ كألحان معبد
*
* ولم تضرب الأوتار في مجلس لها
* وما ذاك إلا للشراب المورد
*
* أتخضب من غير المدامة راحة
* إذا ما بدت في الكأس تجلى على اليد
*
* بها ينثني المعشوق نشوان مائلا
* بقد كغصن البانة المتأود
*
* يعاطيك راحا مثلها في رضابه
* ومبسمه مثل الحباب المنضد
*
* وينعم بالوصل الذي كان باخلا
* به ثم ينسى كل ما كان في الغد
*
* أعن مثلها يا صاح يصبر عاقل
* لقد كنت في تركي لها غير مهتدي
*

274
* ولولا فضول الناس ما بت صاحيا
* ولم أستمع فيها مقال المفند
*
* فخذها ولا تسمع مقالة لائم
* وإن حرمت يوما على دين أحمد
*
تأمل هاتين القصيدتين وكيف ناقض بينهما وبهذا يعرف حذق الشاعر فإنه يمدح الشيء ويذم ضده ثم يعكس فيميل الطباع إلى ما مدح ويصرفها عما ذم من غير أن يغير حقيقة هذا ولا هذا
وقال أيضا
* أيا حبذا دوح حللنا ظلاله
* فطاب لنا فيه مقيل ومسرح
*
* سرينا إليه خلسة كنسيمه
* وعدنا كأغصان به تترنح
*
وقال هو ببستان البهاء بن سيده
* ألا يا بهاء الدين ليس بنادم
* نديمك بل تسدي إليه المكارم
*
* خرينا وبلنا إذ سكرنا بنهركم
* ووجهك وضاح وثغرك باسم
*
وقال في أحول لائط
* يا ظريفا يكاد يقطر من عط
* فيه ماء اللواط في كل واد
*
* عش هنيئا فإن عينيك يغني
* حول فيهما عن القواد
*
وقال أيضا
* ولي صاحب قال نلت المنى
* بمن هو دون الورى منيتي
*
* فقلت أتى زائرا قال لا
* ولكن جلدت ولي نيتي
*
((423 - شهاب الدين بن تمرداش))
محمد بن محمد بن محمود بن تمرداش شهاب الدين أبو عبد الله
كان في أول أمره جنديا وخدم بحماة وصحب صاحبها الملك المنصور ثم أبطل ذلك ولبس زي العدول وجلس في مركز الرواحية بدمشق وبها ولد وتوفي
ومن شعره
* أقول لمسواك الحبيب لك الهنا
* برشف فم ما ناله ثغر عاشق
*
* فقال وفي أحشائه حرقة الجوى
* مقالة صب للديار مفارق
*

275
* تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى
* أعلله بين العذيب وبارق
*
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى ما أحلى قول محيي الدين بن قرناص
* سألتك يا عود الأراكة إن تعد
* إلى ثغر من أهوى فقبله مشفقا
*
* ورد من ثنيات العذيب منيهلا
* تسلسل ما بين الأبيرق والنقا
*
ولابن تمرداش
* ولما التقينا بعد بعد وفي الحشا
* لواعج شوق في الفؤاد تخيم
*
* أراد اختباري بالحديث فما رأى
* سوى نظر فيه الجوى يتكلم
*
وقال أيضا
* ومهفهف الأعطاف معسول اللمى
* كالغصن يعطفه النسيم إذا سرى
*
* قال اسقني فأتيته بزجاجة
* ملئت قراحا وهو لاه لا يرى
*
* وتأرجت برضابة وأمدها
* من نار وجنته شعاعا أحمرا
*
* ثم انثنى ثملا وقد أسكرته
* برضابة وبوجنتيه وما درى
*
وقال أيضا
* قال لي ساحر اللواحظ صف لي
* هيفي قلت يا رشيق القوام
*
* لك قد لولا جوارح جفني
* ك لغنت عليه ورق الحمام
*
وقال أيضا
* حتام لا تصل المدام وقد أتت
* لك في النسيم من الحبيب وعود
*
* والنهر من طرب يصفق فرحة
* والغصن يرقص والرياض تميد
*

276
وقال أيضا
* قد صنت سر هواكم ضنا به
* إن المتيم بالهوى لضنين
*
* فوشت به عيني ولم أك عالما
* من قبلها أن الوشاة عيون
*
ومن شعر ابن تمرداش
* لقد لذ لي من بعد طول تنسكي
* غرامي بمعسول اللمى وتهتكي
*
* وأصليت قلبي في جحيم صدوده
* وإن كان في توحيده غير مشرك
*
* ولم أنس إذ ودعته وحشاشتي
* تقابل جيش الشوق في كل معرك
*
* فلو يسمع الشكوى حسود لراعه
* غريب الهوى من حيث أشكي ويشتكي
*
* ولما سرت من نحوه نسمة الصبا
* يفوح شذاها كالعبير الممسك
*
* علمت يقينا أن نار ذكائه
* أعارت نسيم الريح من عرفها الذكي
*
وقال أيضا في خياط
* رأيت في السوق خياطا محاسنه
* تزهو على البدر إذ يبدو من الأفق
*
* إن قرض الخيط في فيه وألصقه
* إلى ثنايا كنظم الدر في النسق
*
* تكسوه نورا ثناياه فتحسبه
* على المراشف خيط الصبح في الشفق
*
وقال أيضا
* أراه بعيدا وهو من نفسي أدنى
* إلي وألقاه إذا غاب بالمعنى
*
* وتشتاقه شوق الرياض إلى الحيا
* عيوني وإن أضحى فؤادي له مغنى
*
* تشرد نومي إذ جفاني لأجله
* وسال من الصبر إلى المقلة الوسنى
*
* وكيف يلام النوم في عشق مقلة
* لواحظها تلقاك بالحسن والحسنى
*
* يلوم عليه الحاسدون وبيننا
* من الود ما يفنى الزمان وما يفنى
*
* إذا ما قطعت العمر في ظل عشقه
* فلله ما أحلاه عيشا وما أهنا
*
وله أيضا
* قسما بظبي ليس فيه نفور
* إني بعشق عذاره معذور
*
* قمر يميس به كما شاء الصبا
* غصن يسر الناظرين نضير
*
* يرنو إلى بناظر فيه الرضا
* فيغور في قلبي الجوى ويغير
*

277
* وتزيدني ألطافه شغفا به
* وقليل إحسان الحبيب كثير
*
* وإذا أتاني زائرا وافي وفي
* ديباجته نضرة وسرور
*
* لا يعتريه تكلف أنى سرى
* سرا ولا يرزوه حين يزور
*
وقال أيضا
* ولرب ليل سرت فيه والدجى
* يدعي لفرط ظلامه بالكافر
*
* طورا أضل عن الطريق وأهتدي
* طورا بنجم من هلال الحافر
*
وقال أيضا دوبيت
* أخفيت هواك عن جميع البشر
* ضنا بحديث سرك المستتر
*
* فانصان وكاد يخفى قمري
* عن فرط ذكا مثلك لولا نظري
*
وله أيضا
* كلما زادني اللواحي ملاما
* في هوى من أحب قلت سلاما
*
* أنا من معشر إذا استمعوا العذ
* ل تجافوا عنه ومروا كراما
*
* لي سمع للمنطق العذب إلا
* أنه لا يعي سواه كلاما
*
* يصبح العاذلون في الهرج والمر
* ج وقلبي لا يستفيق غراما
*
* وجفاني الذي أحب وأجفا
* ني يبيتون سجدا وقياما
*
وقال أيضا
* طرب الدوح من غناء الحمام
* وتثنى سكرا بغير مدام
*
* وسقته سحب الغوادي فأضحى
* باسم النور من بكاء الغمام
*
* باسما في كمامه وابتسام ال
* عجب يخفي للحسن في الأكمام
*
* كيف لا يزدهيه عجب وقد أص
* بح يحكيك يا رشيق القوام
*
* يا حمام الأراك لا تعرب اللح
* ن فحسبي ما فيك من إعجام
*
* لا تبح بالذي تجن فتلقى
* ما ألاقي من كثرة اللوام
*
وقال أيضا
* ولقد قطعت العيش في زمن الصبا
* قطع امرئ عن غيه لا يرجع
*
* أيام ألقى الحادثات بمثلها
* بأسا وأنف الخطب عني أجدع
*
* والآن قد ولى الشباب وأقبل الش
* شيب الملم وخطبه لا يدفع
*

278
وقال أيضا
* تقضت شهور بالبعاد وأحوال
* جرت بعدكم فيها أمور وأحوال
*
* فإن يسر الله التلاقي ذكرتها
* وإلا فلى في هذه الأرض أمثال
*
وقال أيضا
* يا قمري إن جزت وادي الأراك
* وقبلت أغصانه الخضر فاك
*
* أرسل إلى عبدك من بعضها
* فإنني والله ما لي سواك
*
وقال أيضا
* روى دمع عيني عن غرامي فأشكلا
* ولكنه ورى الحديث فأشكلا
*
* وأسنده عن واقدي أضالعي
* فأضحى صحيحا بالغرام معللا
*
وله أيضا
* وافي النسيم وقد تحمل منكم
* لطفا يقصر فهمه عن علمه
*
* وشكا السقام وما درى ما قد جرى
* وأنا أحق من الرسول بسقمه
*
وقال أيضا
* إن طال ليلى بعدكم فلطوله
* عذر وذاك لما أقاسي منكم
*
* لم تسر فيه نجومه لكنها
* وقفت لتسمع ما أحدث عنكم
*
وقال أيضا
* عجبا لمشغوف يحدث عنكم
* ماذا يقول وما عساه يمدح
*
* والكون إما صامت فمعظم
* حرماتكم أو ناطق فمسبح
*
وقال أيضا
* من لأسير أمست أنيسته
* في الدوح عن حاله تسائله
*

279
* فهو يغني مبدي الحزين لها
* وهي بأوراقها تراسله
*
وقال أيضا
* حتى إذا رق جلباب الدجى وسرت
* من تحت أذياله مسكية النفس
*
* تبسم الصبح إعجابا بخلوتنا
* ووصلنا الطاهر الخالي من الدنس
*
وقال أيضا
* جيادك يا من طبق الأرض عدله
* وحاز بأعلى الجد أعلى المناصب
*
* إذا سابقتها في المهبة غرة
* رياح الصبا عادت لها كالجنائب
*
* ولو لم يكن في ظهرها كعبة المنى
* لما شبهت آثارها بالمحارب
*
وقال أيضا
* يا سيدي أوحشت قوما ما لهم
* عن حسن منظرك الجميل بديل
*
* وتعللت شمس النهار فما لها
* من بعد بعدك بكرة وأصيل
*
* وبكى السحاب مساعدا لتفجعي
* من طول هجرك والنسيم عليل
*
وقال أيضا
* يقولون شبهت الغزال بأهيف
* وهذا دليل في المحبة واضح
*
* ولو لم يكن لحظ الغزال كلحظه اح
* ورارا لما تاقت إليه الجوارح
*
سبقه إلى هذا شمس الدين محمد بن دانيال فقال
* بي من أمير شكار
* وجد يذيب الجوانح
*
* لما حكى الظبي حسنا
* حنت إليه الجوارح
*
وقال أيضا
* انظر إلى الأزهار تلق رءوسها
* شابت وطفل ثمارها ما أدركا
*

280
* وعبيرها قد ضاع من أكمامها
* وغدا بأذيال الصبا متمسكا
*
وقال أيضا
* ولما أشارت بالبنان وودعت
* وقد أظهرت للكاشحين تشهدا
*
* طفقنا نبوس الأرض نوهم أننا
* نصلي الضحى خوفا عليها من العدا
*
وقال أيضا
* ما أبطأت أخبار من أحببته
* عن مسمعي بقدومه ورجوعه
*
* إلا جرى قلبي إليه خافقا
* وشكا إليه تشوقي بدموعه
*
وقال أيضا
* يقول لي الدولاب راض حبيبك ال
* ملول بما يهوى من الخير والنفع
*
* فإني من عود خلقت وها أنا
* إذا مال عني الغصن أسقيه من دمعي
*
وقال أيضا دوبيت
* الصب بك المتعوب والمعتوب
* والقلب بك المسلوب والملسوب
*
* يا من طلبت لحاظه سفك دمي
* مهلا ضعف الطالب والمطلوب
*
قيل إن الشيخ صدر الدين بن الوكيل كان يقول وددت لو أخذ شعري كله وأعطاني هذين البيتين
وله غير ذلك وكل شعره مليح رحمه الله تعالى وعفا عنه
((424 - ابن الحداد الأندلسي))
محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبد الله القيسي الأندلسي ابن الحداد الشاعر
له ديوان كبير وكتاب في العروض اختص بالمعتصم بن صمادح وتوفي سنة ثمانين وأربعمائة
ومن شعره قوله من قصيدة
* بعيشكما ذات اليمين فإنني
* أراح بشم الروح من عقداتها
*

281
* فقد عبقت ريح النعامى كأنما
* سلام سليمى فاح من نفحاتها
*
* وتيماء للقلب المتيم منزل
* فعوجا بتسليم على سلماتها
*
* مشاعر تهيام وكعبة فتنة
* فؤادي من حجاجها ودعاتها
*
* فكم صافحتني من مناها يد المنى
* وكم هب عرف اللهو في عرفاتها
*
* عهدت بها أصنام حسن عهدتني
* هوى عبد عزاها وعبد مناتها
*
* أهل بأشواقي إليها واتقى
* شرائعها في الحب حق تقاتها
*
وله أيضا
* هم في ضميرك خيموا أم قوضوا
* ومنى جفونك أقبلوا أم أعرضوا
*
* وهم رضاك من الزمان وأهله
* سخطوا كما زعمت وشاتك أم رضوا
*
* أهواهم وإن استمر قلاهم
* ومن العجائب أن يحب المبغض
*
وله أيضا
* وقد هوت بهوى نفسي مها سبأ
* فهل درت مضر من تيمت سبأ
*
* كأن قلبي سليمان وهدهده
* طرفي وبلقيس ليلى والهوى النبأ
*
((425 - ابن الصابوني الإشبيلي
*
محمد بن أحمد بن الصابوني الصدفي من أهل إشبيلية
قال ابن الأبار ذهبت البدائع بذهابه وختمت الأندلس شعراءها به ذهب إلى المشرق فتوفي بالإسكندرية وهو طالب مصر سنة أربع وثلاثين وستمائة
ومن شعره من قصيدة رحمه الله تعالى
* أقسم فرق الليل عن سنة الضحى
* وأهبط خصر القاع من كفل الدعص
*
* إلى أن أرى برقا إذا شمت وجهه
* رأيت جبين البدر مكتمل القرص
*
وقال أيضا
* لقد حججت زج الحواجب سلوتي
* ومن لحظ هذا سميت بالحواجب
*
* وواوات أصداغ أقارب نسبة
* لنوناتها تدعى بوصف عقارب
*
* وميم فم من تحت صاد لشارب
* سلافا حواها ختم صاد لشارب
*

282
وله أيضا
* أما وعذار فوق خديك إنه
* لأنكأ فعلي مقلتيك لفاعل
*
* وما خيلت نفسي إلي بأنه
* ستفعل أفعال السيوف الحمائل
*
وله أيضا
* رأيت في خده عذارا
* خلعت في حبه عذارى
*
* قد كتب الحسن فيه سطرا
* ويولج الليل في النهار
*
وله أيضا
* يسقى الرحيق المختوم من يده
* ختامه من عذاره مسك
*
* أسيل دمعي من صده دررا
* جسمي لفرط الضنا لها سلك
*
((426 - أبو نصر الأواني))
محمد بن أحمد بن الحسين بن محمود الفروخي أبو نصر الكاتب الأواني
كان كاتبا على أعمال السواد من قبل الوزير ابن هبيرة وكان شيخا فاضلا نبيلا أديبا حاذقا صنف عدة رسائل منها رسالة في الربيع
وتوفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة
ومن شعره
* ما لعين جنت على القلب ذنب
* إنما يرسل اللحاظ القلب
*
* والهوى قائد القلوب فإن سل
* لط جيش الغرام فالقلب نهب
*
* أحياة بعد التفرق يا قل
* ب فأين الهوى وأين الحب
*
* كان دعوى ذاك التأوه للبي
* ن ولم ينصدع لشملك شعب
*
* إن موت العشاق من ألم الفرقة
* في الحب سنة تستحب
*
* وعلاج الهوى عذاب المحبين
* ولكنه عذاب عذب
*
وقال أيضا
* يا رب عفوك إنني في معشر
* لا أبتغي منهم سواك ملاذا
*
* هذا ينافق ذا وذا يغتاب ذا
* ويسب هذا وذا ويشتم ذا ذا
*

283
وقال أيضا
* قالت وقد عاينت حمرة كفها
* لا تعتبن فالعهد غير مضيع
*
* ما إن تعمدت الخضاب وإنما
* زفرات حبك أوقدت في أضلعي
*
* فبكيت من شوقي دما فمسحته
* بأنامي فتخضبت من أدمعي
*
وله ترسل مليح رحمه الله تعالى
((427 - فتح الدين بن سيد الناس))
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدث فتح الدين أبو الفتح ابن الفقيه أبي عمرو بن الحافظ أبي بكر اليعمري
كان حافظا بارعا أديبا بليغا مترسلا حسن المحاورة لطيف العبارة فصيح الألفاظ كامل الأدوات لا تمل محاضرته كريم الأخلاق زائد الحياء حسن الشكل والعمة
وهو من بيت رياسة وعلم سمع وقرأ وارتحل وكتب وحدث وأجاز
أجاز له عبد اللطيف وكناه بأبي الفتح وسمع حضورا سنة خمس وسبعين من القاضي شمس الدين محمد بن العماد
وفي سنة خمس وثمانين كتب الحديث عن الشيخ قطب الدين ابن القسطلاني وقرأ على أصحاب ابن طبرزد وأصحاب الكندي وأصحاب الحرستاني وارتحل إلى دمشق سنة تسعين فكاد يدرك الفخر بن البخاري ففاته بليلتين قال الشيخ شمس الدين ولعل مشيخته تقارب الألف
ونسخ بخطه واختار وانتقى شيئا كثيرا ولازم الشهادة مدة وكان عنده كتب كبار وأمهات جيدة منها مصنف ابن أبي شيبة ومسنده والمحلى والتمهيد وجامع عبد الرزاق وتاريخ أبي خيثمة والاستيعاب والاستذكار وتاريخ الخطيب والمعاجم الثلاثة للطبراني وطبقات ابن سعد وتاريخ المظفري وغير ذلك

284
وصنف عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير والنفح الشذي في شرح الترمذي ولم يكمل وكتاب بشرى اللبيب بذكر الحبيب ومنح المدح
وشعره رقيق سهل التركيب منسجم الألفاظ عذب النظم بلا كلفة
وكتب بالمغربي طبقة كما كتب بالمشرقي
فمن شعره قوله
* عهدي به والبين ليس يروعه
* صبا براه نحوله ودموعه
*
* لا تطلبوا في الحب ثأر متيم
* فالموت من شرع الغرام شروعه
*
* عن ساكن الوادي سقته مدامعي
* حدث حديثا طاب لي مسموعه
*
* أفدي الذي عنت البدور لوجهه
* إذ حل معنى الحسن فيه جميعه
*
* البدر من كلف به كلف به
* والغصن من عطف عليه خضوعه
*
* لله معسول المراشف واللمى
* حلو الحديث ظريفه مطبوعه
*
* دارت رحيق لحاظه فلنا بها
* سكر يجل عن المدام صنيعه
*
* يجني فأضمر عتبه فإذا بدا
* فجماله مما جناه شفيعه
*
وقال أيضا
* قضى ولم يقض من أحبابه أربا
* صب إذا مر خفاق النسيم صبا
*
* راض بما صنعت أيدي الغرام به
* فحسبه الحب ما أعطى وما سلبا
*
* لا تحسبن قتيل الحب مات ففي
* شرع الهوى عاش للإخلاص منتسبا
*
* في جنة من معاني حسن قائله
* لا يشتكي نصبا فيها ولا وصبا
*
* ما مات من مات في أحبابه كلفا
* وما قضى بل قضى الحق الذي وجبا
*
* فالسحب تبكيه بل تسقيه هامية
* وكيف تبكي محبا نال ما طلبا
*
* فطوقت جيدها الورقاء واختصبت
* له وغنت على أعوادها طربا
*
* ومالت الدوحة الغناء راقصة
* تصبو وتنثر من أوراقها ذهبا
*
* والغصن نشوان يثنيه الغرام به
* كأنه من حميا وجده شربا
*
* والروض حمل أنفاس النسيم شذا
* أزهاره راجيا من قربه سببا
*

285
* فرقه الورد فاستغنى به وثنى
* عطفا إليه ومن رجع الجواب أبى
*
* ففارقت روضها الأزهار واتخذت
* نحو الرسول سبيلا وابتغت سربا
*
* وحين وافته نادت عند رؤيته
* لمثل هذا حبيبا فلتحل حبا
*
* تهللت وجنات الورد من فرح
* وأعين النرجس انهلت له نغبا
*
* سقته واستوسقت من عرفه أرجا
* أذكى وأعطر أنفاسا إذا انتسبا
*
* وأملت لمحة من حسن قاتله
* فأجفلت رهبا إذ لم تطق هربا
*
* أما درى حين جد الوجد أن لها
* من دمعها ولها من حسنه حجبا
*
* وبانة الشيح جادتها سحائبها
* أوفت وفاء ولفت حولها عذبا
*
* عرارها وخزاماها وما حملت
* من البشام سقاه الغيث منسكبا
*
* والعاذلون لووا أكتافهم حزنا
* والكاشحون ثنوا أعطافهم حربا
*
* لم يبق عذل ولا لوم يؤنبه
* سيان إن بعد اللاحي وإن قربا
*
* ولم يكن قبل ذا يصغي لهم أذنا
* ولا تخوف يوما أعين الرقبا
*
* وربما طاف شيطان السلو به
* فأرسل الشوق من آماقه شهبا
*
* أفديه من حافظ للعهد إذ نقضوا
* عهدا ومن صادق في الحب ما كذبا
*
* راض الصبابة واستحلى لواعجها
* حتى استلان له منها الذي صعبا
*
* تراه منقبضا للوصل مقتضيا
* طورا ومكتئبا للبين مرتقبا
*
* يستخبر الركب هل شط المزار بهم
* والرسم أعجم أنى خاطب العربا
*
* بالله يا نسمات الريح هل خبر
* عنهم يعيد لي العيش الذي ذهبا
*
* بانوا فأي فؤاد لم يذب أسفا
* وأي قلب غداة البين ما وجبا
*
* ناديت بالسفح قلبا في ضيافتهم
* لا يذكر السفح إلا حن مغتربا
*
* غيران تصرعه الذكرى إذا خطرت
* والريح إن نسمت والدمع إن نضبا
*
* يرتاع للقضب إن ماست معاطفها
* لينا وكان يروع السمر والقضبا
*
* شوقا إلى غصن بان مثمر قمرا
* على كثيب نقا بالحسن منتقبا
*
* تضرم الماء في جنات وجنته
* نارا وأضرم في أحشائنا لهبا
*

286
* لو لم يكن بابلي الريق مبسمة
* لما اكتسى ثغره من دره حببا
*
* للأقحوانة مما فيه منظرها
* ولم تنل مثله عرفا ولا ضربا
*
* والبرق يخفق لما شام بارقه
* فالمزن تبكي له أن أعوز الشنبا
*
* من لي وللكبد الحرى ومقلتي ال
* عبرى استهلت وسحت دمعها سحبا
*
* ومن لمضنى إذا لج السقام به
* والحب لم يرض إلا روحه سلبا
*
* ما زال يتعبه حتى استراح به
* وإنما يألف الراحات من تعبا
*
وقال أيضا
* ما شروط الصوفي في عصرنا اليو
* م سوى ستة بغير زيادة
*
* وهي نيك العلوق والسكر والسط
* لة والرقص والغنا والقيادة
*
* وإذا ما اهتدى وأبدى اتحادا
* وجميلا من خلوة وأعاده
*
* وأتى المنكرات عقلا وشرعا
* فهو شيخ الشيوخ ذو السجادة
*
وقال أيضا
* يا كاتم الشوق إن الدمع مبديه
* حتى يعيد زمان الوصل مبديه
*
* أصبوا إلى البان بانت عنه هاجرتي
* تعللا بليالي وصلها فيه
*
* عصر مضى وجلابيب الصبا قشب
* لم يبق من طيبه إلا تمنيه
*
وقال أيضا
* صرفت الناس عن بالي
* فحبل ودادهم بالي
*
* وحبل الله مستعصمي
* به علقت آمالي
*
* فمن يسلو الورى طرا
* فإني ذلك السالي
*
* فلا وجهي لذي جدة
* ولا ميلي لذي مال
*
وقال أيضا
* فقري لمعروفك المعروف يغنيني
* يا من أرجيه والتقصير يرجيني
*
* إن أوثقتني الخطايا عن مدى شرف
* نجا بإدراكه الناجون من دوني
*

287
* وغض من أملي ما ساء من عملي
* فإن لي حسن ظن فيك يكفيني
*
وقال أيضا
* عذيري من دهري تصدى معاتبا
* لمستمنح العتبي فأقصد من قصد
*
* رجوت به وصل الحبيب فعندما
* تبدى له المعشوق قابله الرصد
*
وقال أيضا
* يا بديع الجمال شكر جمالك
* أن توافي عشاقه بوصالك
*
* لنت عطفا لهم وقلبك قاس
* فهم يأخذون من ذا لذلك
*
* غير أن الكمال أولى بذا الحس
* ن ومن للبدور مثل كمالك
*
* قابلت وجهك السماء فشكل ال
* بدر ما في مرآتها من خيالك
*
* مثلته لكن رسوم صداها
* كلفته فقصرت عن مثالك
*
وقال أيضا
* إن غض من فقرنا قوم غني منحوا
* فكل حزب بما أوتوه قد فرحوا
*
* إن هم أضاعوا لحفظ المال دينهم
* فإنما خسروا أضعاف ما ربحوا
*
وكانت وفاة الشيخ فتح الدين بن سيد الناس حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ومولده رابع عشر ذي القعدة سنة إحدى وستين وستمائة رحمه الله
((428 - أبو اليسر بن الصايغ))
محمد بن محمد بن عبد القادر الأنصاري الشيخ الإمام المفتي بركة الوقت بدر الدين أبو اليسر ابن قاضي القضاة عز الدين بن الصائغ الدمشقي الشافعي مدرس الدماغية والعمادية
ولد سنة ست وسبعين وستمائة وسمع كثيرا من أبيه وابن شيبان والفخر علي وبنت مكي وحضر على ابن علان وحدث بصحيح البخاري عن اليونينى وكان يلازم حلقة الشيخ برهان الدين وعرض عليه قاضي القضاة فامتنع

288
واستعفى وصمم فاحترمه الناس وأحبوه لتواضعه ودينه وعظمه تنكز نائب دمشق واعتقد فيه وحج غير مرة وتولى خطابة القدس مدة مديدة وتركها وكان مقتصدا في لباسه وأموره زار القدس فتعلل هناك ونقل إلى دمشق فمات بها في شهور سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ودفن عند أبيه بسفح قاسيون وشيعه الخلائق وحمل على الرؤوس رحمه الله تعالى وعفا عنه
((429 - الشيخ بهاء الدين بن النحاس الحلبي))
محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الإمام العلامة حجة العرب بهاء الدين ابن النحاس الحلبي النحوي شيخ العربية بالديار المصرية
ولد في سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وستمائة بحلب وتوفي سنة ثمان وتسعين وستمائة بالقاهرة
سمع ابن اللتي والموفق بن يعيش وأبا القاسم بن رواحة وابن خليل وقرأ القرآن على أبي عبد الله الفاسي وأخذ عن جمال الدين ابن عمرون ودخل مصر لما خربت حلب وأخذ عن بقايا شيوخها ثم جلس للإفادة وتخرج به جماعة من الأئمة وكان من أذكياء بني آدم وله خبرة بالمنطق وإقليدس مشهورا بالدين والصدق والعدالة مع اطراح الكلفة يمشي في الليل بين القصرين بقميص وطاقية على رأسه فقط وكان حسن الأخلاق فيه ظرف النجاة وانبساطهم وكان له صورة كبيرة في صدور الناس معروفا بحل المشكلات واقتنى كتبا نيفسة ولم يتزوج قط وكانت له أوراد من العبادة
قال قطب الدين عبد الكريم كان كثير التلامذة كثير الذكر كثير الصلاة ثقة حجة يسعى في مصالح الناس وكان لا يدخر شيئا وكان عنده من أصحابه ومن الطلبة من يأكل
على مائدته وكان لا يكلم أحدا في حل النحو إلا بلغة العوام لا يراعى الإعراب

289
وقال الشيخ أثير الدين كان الشيخ بهاء الدين والشيخ محيي الدين محمد بن عبد العزيز المازوني المقيم بالإسكندرية شيخي الديار المصرية ولم ألق أحدا أكثر سماعا لكتب الأدب من الشيخ بهاء الدين وانفرد بسماع الصحاح للجوهري وكان كثير العبادة والمروءة والترحم على من يعرفه لا يكاد يأكل شيئا وحده وكان ينهى عن الخوض في العقائد وله تودد إلى من ينتمي إلى الخير ولي التدريس بجامع ابن طولون وبالقبة المنصورية وله تصدير ب مصر ولم يصنف شيئا إلا إملاء على كتاب المقرب لابن عصفور من أول الكتاب إلى باب الوقف أو نحوه توفي يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وكنت أنا وإياه نمشي بين القصرين فعبر علينا صبي يسمى بجمال وكان مصارعا فقال الشيخ بهاء الدين ينظم كل منا في هذا المصارع فنظم الشيخ بهاء الدين
* مصارع تصرع الآساد سمرته
* تيها فكل مليح دونه همج
*
* لما غدا راجحا في الحسن قلت لهم
* عن حسنه حدثوا عنه ولا حرج
*
ونظم الشيخ أثير الدين أبو حيان
* سباني جمال من مليح مصارع
* عليه دليل للملاحة واضح
*
* لئن عز منه المثل فالكل دونه
* وإن خف منه الخصر فالردف راجح
*
قال الشيخ أثير الدين وسمع الشيخ شهاب الدين العزازي نظمنا فنظم
* هل حكم ينصفني من هوى
* مصارع يصرع أسد الشرى
*
* مذ فر مني الصبر في حبه
* حكى عليه مدمعي ما جرى
*
* أباح قتلي في الهوى عامدا
* وقال كم من عاشق في الورى
*
* رميته في أسر حبى ومن
* أجفان عينيه أخذت الكرى
*
وقال الشيخ أثير الدين أنشدني الشيخ بهاء الدين يخاطب رضي الدين الشاطبي وقد كلفه أن يشتري له قطرا
* أيها الأوحد الرضي الذي طال
* علاء وطاب في الناس نشرا
*
* أنت بحر لا غرو إن نحن وافيناك
* راجين من نداك القطرا
*
وأنشدني لنفسه ما كتب على منديل
* ضاع مني خصر الحبيب نحولا
* فلهذا أضحى عليه أدور
*

290
* لطفت خرقتي ودقت فجلت
* عن نظير كما حكتها الخصور
*
* أكتم السر عن رقيب لهذا
* بي يخفى دموعه المهجور
*
وأنشدني لنفسه أيضا
* إني تركت لذا الورى دنياهم
* وظللت أنتظر الممات وأرقب
*
* وقطعت في الدنيا علائق ليس لي
* ولد يموت ولا عقار يخرب
*
وله أيضا في مليح شرطوه
* قلت لما شرطوه وجرى
* دمه القاني على الخد اليقق
*
* ليس بدعا ما أتوا في فعلهم
* هو بدر ستروه بالشفق
*
وكتب الخط الفائق المنسوب وقرأ عليه جماعة من أهل عصره ومصره وقرأ عليه الشيخ شمس الدين الذهبي وكان يحفظ ثلث صحاح الجوهري رحمه الله تعالى وعفا عنه
((430 البدر بن جماعة))
محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر قاضي القضاة بدر الدين أو عبد الله الكناني الحموي الشافعي
ولد ب حماة سنة تسع وثلاثين وستمائة وسمع سنة خمسين من شيخ الشيوخ الأنصاري وب مصر من الرضى بن البرهان والرشيد العطار وإسماعيل بن عزون وغيره وب دمشق من الواني بن أبي اليسر وابن عبد الله وطائفة وحدث بالشاطبية عن ابن عبد الوارث صاحب الشاطبي وحدث بالكثير وتفرد في وقته وكان قوى المشاركة في علم الحديث والفقه والأصول والتفسير خطيبا تام الشكل ذا تعبد وأوراد وحج وله تصانيف درس وأفتى وأشغل ولي خطابة القدس ثم طلبه الوزير ابن السلعوس فولاه قضاء مصر ورفع شأنه ثم حضر إلى الشام قاضيا وولى خطابة الجامع الأموي مع القضاء ثم طلب

291
لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد وامتدت أيامه إلى أن شاخ وأضر وثقل سمعه فعزل بقاضي القضاة جلال الدين القزويني سنة سبع وعشرين وسبعمائة وكثرت أمواله وباشر آخرا بلا معلوم على القضاء ولما رجع السلطان من الكرك صرفه وولى جمال الدين الزرعي فاستتم نحو السنة ثم أعيد بدر الدين بن جماعة وولى مناصب كبارا وكان يخطب من إنشائه وصنف في علوم الحديث وفي الأحكام وله رسالة في الكلام على الأسطرلاب وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة رحمه الله
((431 أبو العبر))
محمد بن أحمد الهاشمي كنيته أبو العباس فصيرها أبا العبر ثم إنه كان يزيدها كل سنة حرفا فمات وهو أبو العبر طرد طبك طلياري بك بك بك
وكان شاعرا ترك الجد وعدل إلى الهزل حبسه المأمون وقال هذا عار على بني هاشم فصاح في الحبس نصيحة لأمير المؤمنين فأخبروه فاستحضره وقال هات نصيحتك فقال الكشكية أصلحك الله لا تطيب إلا بكشك فضحك منه وقال أرى أنه مجنون فقال أبو العبر إن ما امتخطت حوت فقال ويحك ما معنى قولك فقال أصلحك الله زعمت أنني مججت نون وإن ما امتخطت حوت فأطلقه وقال أظنني في حبسك مأثوم قال لا ولكنك في ماء بصل فقال أخرجوه عني ولا تقم في بغداد فهذا عار علينا
وكان في مبدأ أمره صالح الشعر مع توسط لا ينفق مع أبي تمام

292
والبحتري وأضرابهما فعمد إلى الحمق وكسب بذلك أضعاف ما كسبه كل شاعر بالجد
ومن قوله الصالح
* لا أقول الله يظلمني
* كيف أشكو غير متهم
*
* وإذا ما الدهر ضعضعني
* لم تجدني كافر النعم
*
* قنعت نفسي بما ظفرت
* وتناهت في العلا هممي
*
قال عبد العزيز بن أحمد كان أبو العبر يجلس في مجلس يجتمع إليه المجان فكان يجلس على سلم وبين يديه بالوعة فيها ماء وحمأة وقد سد مجراها وبيده قصبة طويلة وعلى رأسه خف وفي رجليه قلنسوتان ومستمليه في جوف بئر وحوله ثلاثة يدقون بالهواوين حتى تكثر الجلبة ويقل السماع ويصيح مستمليه من البئر ثم يملى عليهم فإن ضحك أحد ممن حضر قاموا فصبوا على رأسه من البالوعة إن كان وضيعا وإن كان ذا مروءة رشوا عليه بالقصبة من مائها ثم يحبس في الكنيف إلى أن ينقضي المجلس فلا يخرج منه حتى يغم درهمين
ومن شعره الصالح
* أيها الأمرد المولع بالهج
* ر أفق ما كذا سبيل الرشاد
*
* فكأني بحسن وجهك قد أل
* بس في عارضيك ثوب حداد
*
* وكأني بعاشقيك وقد أب
* دلت فيهم من خلطة ببعاد
*
* حيث تغضي العيون عنك كما ين
* قبض السمع من حديث معاد
*
* فاغتنم قبل أن تصير إلى كا
* ن وتضحى من جملة الأضداد
*
وقال أيضا
* رأيت من العجائب قاضيين
* هما أحدوثة في الخافقين
*
* هما اقتسما العمى نصفين عمدا
* كما اقتسما قضاء الجانبين
*

293
* هما فأل الزمان بهلك يحيى
* إذ افتتح القضاء بأعورين
*
* وتحسب منهما من هز رأسا
* لينظر في مواريث ودين
*
* كأنك قد جعلت عليه دنا
* فتحت بزاله من فرد ودين
*
وكان المتوكل يرمي به في المنجنيق إلى البركة فإذا علا في الهواء يقول الطريق جاءكم المنجنيق حتى يقع في البركة فيطرح عليه الشباك ويصطاد ويخرج وهو يقول ويأمر بي ذا الملك فيطرحني في البرك ويصطادني بالشبك كأني بعض السمك ويضحك لي هك هك
قال بعضهم رأيته ببعض آجام سامرا وهو عريان لا يواريه شيء على يده اليمنى بأشق وبيده اليسرى قوس وعلى رأسه قطعة وبيده اليسرى قوس وعلى رأسه قطعة رثة من حبل مشدود بأنشوطة وفي ذكره شعر مفتول فيه شص قد ألقاه لصيد السمك وعلى شفته دوشاب ملطخ فقلت له خرب بيتك ما تصنع قال أصطاد بجميع جوارحي
وفي كتاب نثر الدر باقي نوادره
وكانت وفاته بعد الأربعين ومائتين رحمه الله تعالى وعفا عنه
((432 - الشيخ مجد الدين بن الظهير الإربلي))
محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الشيخ مجد الدين أبو عبد الله بن الظهير الإربلي الحنفي الأديب ولد بإربل في ثاني صفر سنة اثنتين وستمائة وسمع ببغداد في الكهولة من أبي بكر بن الخازن والكاشغري وبدمشق من السخاوي وكريمة وتاج الدين بن حمويه وتاج الدين بن أبي جعفر وقيل إنه سمع من ابن اللتي
روى عنه أبو شامة والدمياطي وأبو الحسين اليونيني وشهاب الدين محمود وعليه تدرب وبه تخرج وابن العطار وابن الخباز والشيخ جمال الدين المزي وجماعة وكان من كبار الحنفية ودرس

294
بالقيمازية وكان ذا رأي منتقى وهو من أعيان شيوخ الأدب وفحول المتأخرين في الشعر له ديوان شعر في مجلدين
وكانت وفاته سنة سبع وسبعين وستمائة بدمشق ودفن بمقابر الصوفية ورثاه الشيخ شهاب الدين محمود بقصيدة أولها
* تنكر ليلى واطمأنت كواكبه
* وسدت على صبحي الغداة مذاهبه
*
منها
* بكته معاليه ولم ير قبله
* كريم مضى والمكرمات نوادبه
*
* ولا غرو أن تبكي المعالي بشجوها
* على المجد إذ أودى وهن صواحبه
*
* فأي إمام في الندى وفي الهدى
* تماثله آدابه ومآدبه
*
* أظن الردى نسر السماء وأنه
* علا فوقه فاستنزلته مخالبه
*
وهي من قصيدة طويلة مليحة
ومن شعر الشيخ مجد الدين
* حيث الأراكة والكثيب الأوعس
* واد يهيم به الفؤاد مقدس
*
* يحمي بأطراف الرماح طرافه
* عزا وبالبيض المواضي يحرس
*
* وتكاد أنفاس النسيم إذا سرت
* من خيفة الغيران لا تتنفس
*
* وبجو ذاك الشعب أنفس مطلب
* أمست تذوب أسى عليه الأنفس
*
* وبكل خدر منه ليث مخدر
* أفغابة ذاك الحمى أم مكنس
*
* يا جيرة الحي المظلل بالقنا
* هل ناركم بسوى الأضالع تقبس
*
* أضرمتموها للنزيل ودونها
* غيران فتاك الحفيظة أشوس
*
وقال أيضا
* غش المفند كامن في نصحه
* فأطل وقوفك بالغوير وسفحه
*
* واخلع عذارك في محل ريه
* برذاذ دمع العاشقين وسفحه
*
* وإذا سرى سحرا طليح نسيمه
* مالت به سكرا ذوائب طلحه
*
* جهل الهوى قوم فراموا شرحه
* جل الهوى وجنابه عن شرحه
*
* أفدي الذي يغنيه فاتر طرفه
* عن سيفه وقوامه عن رمحه
*
* ذو وجنة شرقت بماء نعيمها
* كالورد أشرقه نداه برشحه
*
* وكأن طرته ونور جبينه
* ليل تألق فيه بارق صبحه
*

295
ومنها
* قلبي وطرفي ذا يسيل دما وذا
* بين الورى أنت العليم بقرحه
*
* وهما بحبك شاهدان وإنما
* تعديل كل منهما في جرحه
*
* والقلب منزلك القديم فإن تجد
* فيه سواك من الأنام فنحه
*
وقال أيضا
* أواصل فيه لوعتي وهو هاجر
* ويؤنسني تذكاره وهو نافر
*
* ويغري هواه ناظري بأدمع
* يوردها ورد له وهو ناظر
*
* ويفتن في تيه الملاحة خاطرا
* فكل خلي في هواه مخاطر
*
* ويزور سخطا ثاني العطف معرضا
* فلا عطفه يرجى ولا الطيف زائر
*
* محياه زاه بالملاحة زاهر
* فقلبي وطرفي فيه ساه وساهر
*
* يجيل على القد المهفهف معجبا
* حبالة شعر كم بها صيد شاعر
*
* جلا طلعة كالروض دبجه الحيا
* ترف بماء الحسن فيه أزاهر
*
* وشهر خدا بالعذار مطرزا
* فما لفؤاد لم يهم فيه عاذر
*
* فإن صاد قلبي طرفه فهو جارح
* وإن فتنت آياته فهو ساحر
*
* إذا كان صبري في الصبابة خاذلا
* فمالي سوى دمعي على الشوق ناصر
*
* على أن فيض الدمع لم يرو غلة
* من الوجد أذكتها العيون الفواتر
*
وقال أيضا
* لعل سنا برق الحمى يتألق
* على النأي أو طيفا لأسماء يطرق
*
* فلا نارها تبدو لمرتقب ولا
* وعود الأماني الكواذب تصدق
*
* وعل الرياح الهوج تهدي لنازح
* عن الشام عرفا كاللطيمة يعبق
*
* ديار قضينا العيش فيها منعما
* وأيامنا تحنو علينا وتشفق
*
* سحبنا بها برد الشباب وشربنا
* لذيذ كما شئنا مصفى مصفق
*
* مواطن فيها السهم سهمي فكلنا
* نحث مطايا اللهو فيه ونعنق
*
* كلا جانبيه معلم متجعد
* من الماء في أطلاله يتدفق
*
* إذا الشمس حلت متنه فهو مذهب
* وإن حجبتها دوحة فهو أزرق
*
* وإن فرج الأوراق جادت بنورها
* فرقم أجادته الأكف منمق
*
* أطل عليه قاسيون كأنه
* غمام معلى أو لغام معلق
*

296
* تسافر عنه الشمس قبل غروبها
* وترجف إجلالا له حين تشرق
*
* وتصفر من قبل الأصيل كأنها
* محب من البين المشتت مشفق
*
* وفي النيرب المرموق للب سالب
* من المنظر الزاهي وللطرف مونق
*
* بدائع من صنع القديم ومحدث
* تألق فيه المحدث المتأنق
*
* رياض كوشي البرد تزهو بحسنها
* جداولها والنور بالماء يشرق
*
* فمن نرجس يخشى فراق فريقه
* ترى الدمع في أجفانه يترقرق
*
* ومن كل ريحان مقيم وزائر
* تضاعف رياه الرياح فيعبق
*
* كأن قدود السرو فيه موائسا
* قدود عذارى ميلها يترقرق
*
* إذا ما تداعت للتعانق صدها
* عيون من النور المفتح ترمق
*
* وقصر يكل الطرف عنه كأنه
* إلى النسر نسر في السماء محلق
*
* زها ببديع الوشى حسنا كأنما
* مدبج روض في نواحيه ملصق
*
* وكم جدول جار يطارد جدولا
* وكم جوسق عال يوازيه جوسق
*
* وكم بركة فيه تضاحك بركة
* وكم قسطل في الماء للماء يدفق
*
* وكم منزل يعشى العيون كأنما
* تألق فيه بارق يتألق
*
* وفي الربوة الشماء للقلب جاذب
* وللسمع إصمات وللعين مرمق
*
* فهام بها الوادي ففاضت عيونه
* فكل قرار منه بالدمع يملق
*
* تكفل من دون الجداول شربها
* يزيد يصفيه لها ويصفق
*
* إذا أشرف الولدان من شرفاتها
* رأيت بدورا في بروج تألق
*
* وفي بردى معنى يشوق ومنظر
* يروق ومأوى للسرور ومطرق
*
* إذا أنت من أعلاه أشرفت ناظرا
* تجيل عنان الطرف فيه وتطلق
*
* رأيت به بحرا من الدوح مزبدا
* وغدرانه حيتانه منه ترمق
*
* تميل مع الأفنان فيه كأنها
* نشاوى وما دار الرحيق المعتق
*
* وتعطف أعطاف الغصون حمامة
* إذا ما تغنت والغدير يصفق
*
* وتجمع فيه كل حسن مفرق
* وشمل الأسى عن حاضريه مفرق
*
* كأن رياض الغوطتين جنوده
* يقسم فيها جوده ويفرق
*
* وبالمزة الفيحاء دام نعيمها
* جنان تأنى أهلها وتأنقوا
*
* حدائقها من ريها ذات بهجة
* بها الراح والريحان والورد محدق
*

297
* وفي كنفي سطرى ومقرى معالم
* تعلم أسباب الهوى كيف تعلق
*
* عليلة أنفاس النسيم رياضها
* كأن سراها فأر مسك مفتق
*
* إذا ما تغنت في ذرا الدوح ورقها
* غدا كل عود منه كالعود يخفق
*
* وإن جمشت أنهارها نسمة الصبا
* تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق
*
* جنيت بها ما شئت من ثمر المنى
* وغازلني فيها الغزال المقرطق
*
* وفي بيت أبيات مصايد للنهي
* خيول الهوى واللهو فيهن سبق
*
* فكم من كئيب نال فيها ترفقا
* بمن كان لا يحنو ولا يترفق
*
* وكم من خلى لازم طوقه الهوى
* ينوح كما ناح الحمام المطوق
*
* وفي ساحة الميدان أثواب سندس
* لها بهجة تجلو العيون ورونق
*
* كأن شعاع الشمس في كل وجهة
* يفر إذا الغزلان فيه تفرقوا
*
* من الترك لا عانيهم يبلغ المنى
* ولا هو ممنون عليه فيعتق
*
* عيونهم المرضى ومرضى عهودهم
* تؤكد أسباب الهوى وتوثق
*
* أكفهم ترمى ولا دم طائح
* وألحاظهم تصمي القلوب وترشق
*
* إذا أرسلوا سود الذوائب خلتها
* أساود تأبى أن تصاد فتعلق
*
* وبالجانب الشرقي واد جنانه
* محاسنها من جنة الخلد تسرق
*
* تؤلف شمل الماء بعد شتاته
* وتجمع شمل الأنس وهو مفرق
*
* ومن جسر جسرين إلى تل راهط
* ظلال عنان الأنس فيهن مطلق
*
* فكم من غياض في رياض وجنة
* بها كوثر من مائها يتدفق
*
* حدائقها لا ظلها قالص ولا
* مجال خيول اللهو فيهن ضيق
*
* رعى الله من ودعت والوجد قابض
* عنان لساني والمدامع تنطق
*
* وفارقتهم لا عن ملال ولا رضا
* وغربت عنهم غير قال وشرقوا
*
* لئن حالت الأيام دون لقائهم
* فما حال لي عهد ولا انحل موثق
*
* أجيراننا بالغوطتين عليكم
* سلام مشوق قد براه التشوق
*
* له كل يوم ثوب وجد مجدد
* وصبر كما شاءت نواكم ممزق
*
* أعاتب دهرا صرفه غير معتب
* أصرف فيه كنز عمري وأنفق
*
* نأت بي ولم تسمع خطابي خطوبه
* فدام زفيري والحنين المؤرق
*
* وبدلت عن تلك الظلال وطيبها
* منازل صافي العيش منها مرنق
*

298
* أظل نجى الشوق لا نار لوعتي
* تبوخ ولا شمل الأسى يتفرق
*
* وكم ليلة شاب الفؤاد بطولها
* وما شاب للظلماء فود ومفرق
*
* وإن غيبتني غشية توهم الكرى
* يواصل طيف الهم فيها ويطرق
*
* ويمزج ماء النيل عند وروده
* بدمعي أشواق إليكم فأشرق
*
* فيا ليت شعري هل تلوح لمقلتي
* منازل ظني باللقاء محقق
*
* وهل شائم برق الثنية ناظري
* على القرب يخفى تارة ثم يخفق
*
* وهل بارد من ماء بأناس مبرد
* لظى كبد حرى لها الشوق محرق
*
* وهل زمني بالصالحية عائد
* يبلغني أقصى المنى ويحقق
*
* وهل يجمعني والأحبة موقف
* لنشكو جميعا ما لقيت وما لقوا
*
* وهل لي إلى باب البريد وقد نأى
* بريد به فيما يبلغ موثق
*
* دمشق أذاقتني الليال فراقها
* وقد كنت أخشى منه قدما وأفرق
*
* هي الغرض الأقصى ورؤيتها المنى
* وسكانها ودي لهم متوثق
*
* ولو لم تكن ذات العماد لما غدت
* وليس لها مثل على الأرض يخلق
*
* حنيني إليها ما حييت مرجع
* وقلبي أسير الشوق والدمع مطلق
*
* عليها تحياتي عواد روائح
* بها الريح تجري والركائب تخفق
*
* لجامعها المعمور بالذكر بهجة
* ومرأى يسر الناظرين ورونق
*
* محاسنه بكر الزمان فصرفه
* علينا مدى الأيام حان ومشفق
*
* به زجل التسبيح عال يهيجه
* حنين إلى ذاك الحمى وتشوق
*
* وللعلم فيه والعبادة معلم
* جديد على مر الجديدين مونق
*
* وفيه لأرباب التلاوة لذة
* إذا أخذوا في شأنهم وتحلقوا
*
* كأن مجاج النحل في لهواتهم
* إذا رجعوا الأصوات فيها وأطلقوا
*
* وكم فيه من مثوى نبي ومشهد
* بنسبته يسمو محلا ويسمق
*
* وكم قائم لله فيه تهجدا
* بدعوته نكفي المخوف ونرزق
*
* مصابيحه تجلو الظلام كأنها
* مصابيح في جو السماء تألق
*
* وقبته مأوى الهلال وبرجه
* وفي كل أفق منه للحسن مشرق
*

299
* وقد جاوز الجوزاء فيه مآذن
* بأكنافها نور الجلالة محدق
*
* فواحدها منه الهلال سواره
* وأخرى لها الجوزاء قرط معلق
*
* وأخرى ترى الإكليل في غسق الدجى
* يزان بها منها جبين ومفرق
*
* إذا ما بدا قوس السحاب لناظر
* فمنها له في الجو سهم مفوق
*
* وقد نازع النسر العنان كأنه
* إلى أخويه نازع متشوق
*
* أحاطت به الأمواه من كل جانب
* وأمثالها في أرضه تتخرق
*
* فمن بركة فيحاء يدعج ماؤها
* ومن جدول ريان كالسهم يمرق
*
* وفوارة يحكي سبيكة فضة
* تلألؤها أو بارقا يتألق
*
* فإن تنجز الأيام وعدا بقربها
* فإني موفى الحظ منها موفق
*
* وإن أرض طوعا أرض مصر وحرها
* بديلا فإني فائل الرأي أخرق
*
* سقاها فروى كل منفصم العرى
* من الدلو دان مرعد السحب مبرق
*
* إذا أثقلت حملا رواعد مزنه
* حسبت عشار النوق للرعد تطلق
*
* وإن شهرت سيفا من البرق كفها
* رأيت بخديه دم المحل يهرق
*
* على أنه أضحى الكفيل بريها
* وإن ضن غيثا ماؤها المتدفق
*
وكان قد وعده الشيخ شهاب الدين محمود وفخر الدين بن الجنان فأخلفا فكتب إلى الشيخ شهاب الدين محمود
* مواعد الفخر والشهاب
* أكذب من لامع السراب
*
* أحسنت بالسيدين ظنا
* فكان نقبا على خراب
*
* كم أخلفاني فخلفاني
* إذ كنت غرا على التراب
*
* بما تكلفت من أمور
* ما كن من عادتي ودابي
*
* خرجت فيهن من قشوري
* فأفقراني من اللباب
*
* راغا وزاغا وليس هذا ال
* خداع من شيمة الصحاب
*
* لو أنصفاني بفرط شوقي
* لوافياني بلا طلاب
*
* أو عدلا في الوداد عادا
* بعد عدول إلى الصواب
*
* هل أمنا الصعب من ملامي
* والمؤلم المر من عقابي
*
فأجابه شهاب الدين
* أبارق لاح في صباح
* أم نظم الدر في سخاب
*

300
* أم أسطر فر جيش همي
* حين تسارعن في طلابي
*
* لم ير من قبلها محب
* كتائبا سرن في كتاب
*
* أرسلها سيد نداه
* يهزأ بالزاخر العباب
*
* إلى غريبين لم يزالا
* لها مدى الدهر في ارتقاب
*
* لم يخلفا الوعد بل أقاما
* ليأخذ الجوع في التهاب
*
* ويستطيلا بكل ناب
* كالصارم العضب غير نابي
*
* ويصبح الفخر وهو جاث
* ينقض للأكل كالشهاب
*
فلما زاراه كتب إلى الأمير ناصر الدين الحراني متولي حرب دمشق
* تفضل فخر الدين مثل شهابه
* وزارا محل العبد وامتثلا الأمرا
*
* وجاءا بجمع ضامرين من الطوى
* فما تركوا عندي لبابا ولا قشرا
*
* فأوسعتهم بالرغم مني كرامة
* وإن كنت بالتحقيق ضقت بهم صدرا
*
* وقالوا جميعا يخلف الله قلت إن
* تقبل منكم كان في السنة الأخرى
*
وقال أيضا
* أدار عقيقا في إناء من الدر
* فعاينت شمس الراح في راحة البدر
*
* وأبدت سماء الكأس زهر نجومها
* فيا حسن يوم حف بالأنجم الزهر
*
* غدت كعبة الأفراح إذ طاف ناحرا
* بها الهم مصقول الترائب والنحر
*
* غزال له من أخته البعد والسنا
* وليس لها در القلائد والثغر
*
* أغارت على أسرار أرواح شربها
* وأنقذت الأفراح من قبضة الأسر
*
* غرير من الأتراك زنجي خاله
* كقلبي مقيم من هواه على جمر
*
* إذا أزور سخطا أو تلفت راضيا
* أمات وأحيا بالقطوب وبالبشر
*
* وإن سل سيف اللحظ أو هز عطفه
* فيا خجلة البيض القواضب والسمر
*
* تمتع بأيام الصبا واغد جامعا
* لشمل صبا الأيام باللذة البكر
*
* فما العيش إلا وصل كأس بأختها
* وجارية تسقى وساقية تجري
*
* وداو بحسن الظن بالله كل ما
* جنيت فعفو الله يجلو دجى الوزر
*

301
((433 - قطب الدين القسطلاني))
محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن ميمون الإمام الزاهر قطب الدين القسطلاني التوزري الأصل المصري ثم المكي ابن الشيخ الزاهر أبي العباس ولد بمصر سنة أربع عشرة وستمائة ونشأ بمكة وسمع من ابن البناء والسهروردي وابن الزبيدي وجماعة وقرأ العلم ودرس وأفتى ورحل في طلب الحديث وسمع ببغداد ومصر والشام والموصل وكان شيخا عالما زاهدا عابدا كريم النفس كثير الإيثار حسن الأخلاق قليل المثال
طلب من مكة إلى القاهرة وولي مشيخة دار الحديث بالدار الكاملية إلى أن مات وله شعر مليح
وروى عنه الدمياطي والمزي والبرزالي وخلق كثير
وكان يتوجه إلى أبي الهول الذي عند أهرام مصر وهو رأس الصنم الذي هناك ويعلو رأسه ويضربه باللالكة ويقول يا أبا الهول افعل كذا افعل كذا لأن جماعة من أهل مصر يزعمون أن الشمس إذا كانت في الحمل وتوجه أحدهم إلى أبي الهول وبخر بشكاعي وباذاورد ووقف عليه وقال ثلاثا وثلاثين مرة كلمات يحفظونها وقال معها يا أبا الهول افعل كذا فزعموا أن ذلك يتفق وقوعه
وكان الشيخ قطب الدين يفعل ذلك إهانة لأبي الهول وعكسا لذلك المقصد الفاسد لأن تلك الكلمات ربما تكون تعظيما له ضرورة
وتوفي الشيخ قطب الدين سنة ستمائة وستوثمانين
ومن شعره
* إذا كان أنسي في التزامي لخلوتي
* وقلبي عن كل البرية خالي
*
* فما ضرني من كان في الدهر قاليا
* وما سرني من كان في موالي
*
وقال أيضا
* ألا هل لهجر العامرية إقصار
* فتقضى من الوجد المبرح أوطار
*
* عسى ما مضى من خفض عيشي في الحمى
* يعود ولي فيه نجوم وأقمار
*

302
* عدمت فؤادي إن تعلقت غيرها
* وإن زين السلوان لي فهو غدار
*
* ولي من دواعي الشوق في السخط والرضا
* على الوصل والهجران ناه وأمار
*
* أأسلو وفي الأحشاء من لاعج الجوى
* لهيب أسال الروح فالصبر منهار
*
وقال أيضا
* لما رأيتك مشرقا في ذاتي
* بدلت من حالي ذميم صفاتي
*
* وتوجهت أسرار فكري سجدا
* لجميل ما واجهت من لحظاتي
*
* وتلوت من آيات حسنك سورة
* سارت محاسنها لجمع شتاتي
*
* وبلوت أحوالي فخلت معبرا
* في الصحو عن سكري بصدق ثباتي
*
* وتحولت أحوال سري في العلا
* فعلت على محو وعن إثبات
*
* وتوحدت صفتي فرحت مروحا
* نظرا لما أشهدت من آيات
*
* لا أشتهي أن أشتهي متنزها
* بل أنتهي عن غفلة الشهوات
*
* أنا إن ظهرت فعن ظهور بواطن
* شهدت بنطق كان من سكتاتي
*
* من كان يجهل ما أقول عذرته
* فالشمس تخفى في دجى الظلمات
*
* فدع المعنف والعذول وقل له
* الحق أبلج فاستمع كلماتي
*
* لا تيأسن بذاهب من حاضر
* أو غائب يدعو إلى الغفلات
*
* لا تنظرن لغير ذاتك واسترح
* عن كل ما في الكون من طلبات
*
* نزه مصادر وردها عن كل ما
* يلقى بها في ظلمة الشبهات
*
((434 - قاضي القضاة الخويي))
محمد بن أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر قاضي القضاة ذو الفنون شهاب الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين الخويي الشافعي قاضي دمشق وابن قاضيها
ولد في سنة ست وعشرين وستمائة ونشأ بدمشق وقد اشتغل في صغره ومات والده وله إحدى عشرة سنة فبقي منقطعا بالعادلية ثم أدمن الدرس

303
والسهر والتكرار مدة بالمدرسة وحفظ عدة كتب وعرضها وتميز على أقرانه وسمع في صغره من ابن اللتي وابن المقير والسخاوي وابن الصلاح وأجاز له خلق من أصبهان وبغداد ومصر والشام ولازم الاشتغال في كبره
وصنف كتابا كبيرا يحتوي على عشرين علما وشرح الفصول لابن معطي ونظم علوم الحديث لابن الصلاح والفصيح لثعلب وكفاية المتحفظ وشرح من أول الملخص للقابسي خمسة عشر حديثا في مجلد
قال الشيخ شمس الدين ثم انجفل إلى القاهرة فولى قضاء القاهرة والوجه البحري خاصة اقتطع له من ولاية الوجيه البهنسي وأقام البهنسي على قضاء مصر والوجه القبلي ولما مات القاضي بهاء الدين بن الزكي بدمشق نقل الخويي إليها
وسمه منه المزي والبرزالي والنابلسي والختني وعلاء الدين المقدسي
توفي في بستان صيف فيه بالسهم يوم الخميس خامس عشرين رمضان سنة ثلاث ونسعين وستمائة وصلى عليه بالجامع المظفري ودفن عند والده بتربته بالجبل
كان يعرف من العلوم التفسير والأصولين والفقه والنحو والخلاف والمعاني والبيان والحساب والفرائض
ومن شعره رحمه الله تعالى
* بخفي لطفك كل سوء أتقى
* فامنن بإرشادي إليه ووفق
*
* أحسنت في الماضي وإني واثق
* بك أن تجود علي فيما قد بقي
*
* أنت الذي أرجو فما لي والورى
* إن الذي يرجو سواك هو الشقي
*
وقال أيضا
* أما سواك فبابه لا أطرق
* حسبي كريم جوده متدفق
*
* ما إن يخاف بظل بابك واقف
* ظمأ وبحر نداك طام مغدق
*
* بحبال جودك لا يزال تعلقي
* ما خاب يوما من بها يتعلق
*
* بشرى لمن أضحى رجاؤك كنزه
* وله الوثوق بأنه لا يملق
*

304
((435 - الشيخ محمد بن تمام))
محمد بن أحمد بن تمام الصالحي الحنبلي الخياط
هو الشيخ البركة أخو الشيخ تقي الدين بن تمام ولد بطريق الحج سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع سنة ست وخمسين من عمر بن عوة التاجر وتمام السروري وابن عبد الدايم وعبد الوهاب بن محمد وسمع منه خلق كثير
واشتهر بالصلاح والتواضع وقد طال عمره وكان يرتزق من خياطة الخام ومما يفتح عليه ويطعم ويؤثر
وكان مليح الوجه بساما لين الكلمة أمارا بالمعروف له وقع في القلوب ومحبة في الصدور نشأ في تصون وعفاف وقناعة وتفقه قليلا وصحب الأخيار مثل الشيخ شمس الدين بن كمال ورافق ابن مسلم والشيخ علي بن نفيس وكان الأمير سيف الدين تنكز يكرمه ويزوره ويذهب هو إليه ويشفع عنده وتمتع بحواسه وأبطأ مشيبه
وتوفي ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وسبعمائة رحمه الله تعالى
((436 - الحافظ شمس الدين الذهبي))
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي حافظ لا يجارى ولافظ لا يباري أتقن الحديث ورجاله ونظر علله وأحواله وعرف تراجم الناس وأبان الإبهام من تواريخهم والإلباس جمع الكثير ونفع الجم الغفير وأكثر من التصنيف ووفر بالاختصار مئونة التطويل في التأليف وقف الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني رحمه الله تعالى على تاريخه الكبير المسمى بتاريخ الإسلام جزءا بعد جزء إلى أن أنهاه مطالعة وقال هذا كتاب علم

305
ومن تصانيفه كتاب تاريخ الإسلام عشرين مجلدا وكتاب تاريخ النبلاء عشرين مجلدا والدول الإسلامية وطبقات القراء وطبقات الحفاظ مجلدان وميزان الاعتدال ثلاث مجلدات والمشتبه في الأسماء والأنساب مجلد نبأ الدجال مجلد تذهيب التهذيب اختصار تهذيب الكمال ثلاث مجلدات اختصار كتاب الأطراف مجلدان الكاشف اختصار التذهيب مجلد اختصار سنن البيهقي خمس مجلدات تنقيح أحاديث التعليق لابن الجوزي المستحلى اختصار المحلى المقتنى في الكنى المغنى في الضعفاء العبر في خبر من غبر مجلدان اختصار المستدرك للحاكم مجلدان اختصار تاريخ ابن عساكر عشر مجلدات اختصار تاريخ الخطيب مجلدان اختصار تاريخ نيسابور مجلد الكبائر جزءان تحريم الإدبار جزءان أخبار السد أحاديث مختصر ابن الحاجب توقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق مجلد نعم السمر في سيرة عمر مجلد التبيان في مناقب عثمان مجلد
فتح المطالب في أخبار علي بن أبي طالب مجلد معجم أشياخه وهو ألف وثلاثمائة شيخ اختصار كتاب الجهاد لابن عساكر مجلد ما بعد الموت مجلد اختصار كتاب القدر للبيهقي ثلاثة أجزاء هالة البدر في عدد أهل البدر اختصار تقويم البلدان لصاحب حماة نفض الجعبة في أخبار شعبة قض نهارك بأخبار ابن المبارك أخبار أبي مسلم الخراساني وله في تراجم الأعيان لكل واحد منهم مصنف قائم الذات مثل الأئمة الأربعة ومن يجري مجراهم لكنه أدخل الكل في تاريخ النبلاء
وكان مولده في ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتوفي في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
ومن شعره
* إذا قرأ الحديث على شخص
* واخلى موضعا لوفاة مثلي
*
* فما جاوى بإحسان لأني
* أريد حياته ويريد قتلي
*
وله أيضا
* لو أن سفيان على حفظه
* في بعض همي نسي الماضي
*

306
* نفسي وعرسي ثم ضرسي سعوا
* في غربتي والشيخ والقاضي
*
وقال أيضا
* العلم قال الله قال رسوله
* إن صح والإجماع فاجهد فيه
*
* وحذار من نصب الخلاف جهالة
* بين الرسول وبين رأي فقيه
*
((437 - المنتصر بالله))
محمد بن جعفر أمير المؤمنين المنتصر بالله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور كان أعين أقنى أسمر مليح الوجه جسيما مهيبا وكان وافر العقل راغبا في الخير قليل الظلم محسنا إلى العلويين
وكان يقول يا بغا أين أبي من قتل أبي ويسب الأتراك ويقول هؤلاء قتلة الخلفاء فدسوا للطبيب ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مرضه فأشار بفصده بريشة مسمومة فمات
ويقال إن ابن طيفور نسي وقال لغلامه افصدني ففصده بتلك الريشة فمات أيضا
وقيل مات بالخوانيق
وقيل سم في كمثراة بإبرة
وقال عند موته يا أماه ذهبت مني الدنيا والآخرة عاجلت أبي فعوجلت
ولم يتمتع بالخلافة لأنه ولي في شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ومات في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين وعاش ستا وعشرين سنة وقال عند الموت
* فما متعت نفسي بدنيا أصبتها
* ولكن إلى الرب الكريم أصير
*
* وما كان ما قدمته رأي فلتة
* ولكن بفتياها أشار مشير
*
وقال أيضا
* متى ترفع الأيام من قد وضعته
* وينقاد لي دهر على جموح
*
* أعلل نفسي بالرجاء وإنني
* لأغدو على من ساءني وأروح
*

307
وله فيما نسب إليه من قتل أبيه
* لو يعلم الناس الذي نالني
* فليس لي عندهم عذر
*
* كان إلى الأمر في ظاهر
* وليس لي في باطن أمر
*
قال سبط ابن الجوزي في المرآة كان المتوكل قد أراد أن ينقل العهد من ابنه المنتصر لابنه المعتز لمحبته لأمه وسام المنتصر أن ينزل عن ولاية العهد فأبى وكان يحضره ويتهدده بالقتل فأحضره ليلة وشتمه شتما قبيحا وشتم أمه فقام المنتصر وهو يقول والله لو أنها جارية لبعض سواسك لمنعت من ذكرها ولوجب عليك صيانتها فغضب المتوكل وقال للفتح بن خاقان وحق قرابتي من رسول الله
لئن لم تلطمه لأقتلنك فقام الفتح ولطمه وقال المتوكل اشهدوا علي إنني قد خلعته من الخلافة فبقيت هذه الأشياء في قلبه وعمل ما عمل مما هو مذكور في ترجمته المتوكل والله أعلم
((438 - المعتز بالله))
محمد بن جعفر أمير المؤمنين المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم
ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ولم يل الخلافة قبله أصغر منه بويع له بالخلافة عند عزل المستعين بالله وهو ابن تسع عشرة سنة وكانت خلافته ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما ومات عن أربع وعشرين سنة
وكان مستضعفا مع الأتراك اجتمع إليه الأتراك وقالوا له أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف وكان يخافه فطلب من أمه مالا لنفقة الأتراك فأبت ولم يكن في بيوت المال شيء فاجتمعوا هم وصالح واتفقوا على خلعه وجروه برجله وضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس في يوم صائف فبقي يرفع قدما ويضع أخرى وهم يلطمون وجهه ويقولون اخلع نفسك ثم احضروا القاضي ابن أبي الشوارب والشهود وخلعوه ثم أحضروا محمد بن الواثق من سامرا فسلم عليه المعتز بالخلافة وبايعه ولقبوه المهتدي ثم إنهم أخذوا

308
المعتز بعد خمسة أيام وأدخلوه الحمام وعطشوه وطلب الماء فمنعوه من ذلك حتى أغمي عليه فأخرجوه وسقوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتا
وقال سبط ابن الجوزي في المرآة لما أوقفوه في الشمس طلب نعلا فلم يعطوه فأسبل سراويله على رجليه
وقيل إنهم نزعوا أصابع يديه ورجليه ثم خنقوه
وقيل أدخلوه سردابا مجصصا جديدا فاختنق ولم يعذب خليفة بمثل ما عذب على صغر سنه وتوفي يوم السبت لست خلون من رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ودفن إلى جانب أخيه المنتصر
وكان أبيض جميل الوجه على خده الأيسر خال أسود وصلى عليه المهتدي
وأمه رومية وكان نقش خاتمه المعتز بالله وهو ثالث خليفة خلع من بني العباس ورابع خليفة قتل منهم
قال البحتري كنت صاحبا لأبي معشر المنجم فتضايقنا مضايقة شديدة فدخلنا على المعتز وهو محبوس قبل أن يلي الخلافة فأنشدته أبياتا كنت قلتها
* جعلت فداك الدهر ليس بمنفك
* من الحادث المشكو والنازل المشكي
*
* وما هذه الأيام إلا منازل
* فمن منزل رحب إلى نزل ضنك
*
* وقد هذبتك الحادثات وإنما
* صفا الذهب الإبريز قبلك بالسبك
*
* أما في رسول الله يوسف أسوة
* لمثلك محبوسا على الظلم والإفك
*
* أقام جميل الصبرفي السجن برهة
* فآل به الصبر الجميل إلى الملك
*
فدفع الورقة إلى خادم على رأسه وقال احتفظ بها فإن فرج الله تعالى ذكرني لأقضي حاجتهم وكان أبو معشر قد أخذ له طالعا لمولده فحكم له بالخلافة بمقتضى الطالع فلما ولي الخلافة أعطى كل واحد منا ألف دينار وأجرى له في كل شهر مائة دينار
وقال الزبير بن بكار دخلت على المعتز فقال لي يا أبا عبد الله قد قلت أبياتا في مرضي هذا وقد أعيا على إجازة بعضها وأنشدني
* إني عرفت علاج القلب من وجعي
* وما عرفت علاج الحب والهلع
*
* جزعت للحب والحمى صبرت لها
* فليس يشغلني عن حبكم وجعي
*
قال ابن الزبير فقلت
* وما أمل ببيتي ليلتي أبدا
* مع الحبيب ويا ليت الحبيب معي
*

309
((439 - الراضي بالله))
محمد بن جعفر بن أحمد الراضي بالله أمير المؤمنين ابن المقتدر بن المعتضد
كان سمحا واسع النفس أديبا شاعرا كريم الأخلاق محبا للعلماء مجالسا لهم ختم الخلفاء في أمور عدة منها أنه آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش والأموال وآخر خليفة جالس الندماء وآخر خليفة كانت عطاياه ونفقاته وجوائزه تجري على ترتيب الخلفاء الأول ووقع حريق بالكرخ فأطلق خمسين ألف دينار لعمارة ما احترق
قال الصولي دخلت عليه وهو جالس على آجرة قبالة الصانع وكنت أنا وجماعة من الجلساء فأمر بالجلوس فأخذ كل واحد منا آجرة وجلس عليها واتفق أني قد أخذت أنا آجرتين ملتصقتين فجلست عليهما فلما قمنا أمر أن توزن كل آجرة ويدفع إلى صاحبها بوزنها دنانير قال الصولي فتضاعفت جائزتي عليهم
وقد حكي عنه أنواع من الكرم
ومن شعره وقد تكلم الناس في إنقافه الأموال
* لا نقد في كرمي على الإسراف
* ربح المحامد متجر الأشراف
*
* أجري كآبائي الخلائف سابقا
* وأشيد ما قد أسست أسلافي
*
* إني من القوم الذين أكفهم
* معتادة الإتلاف والإخلاف
*
وقال أيضا
* يصفر وجهي إذا تأمله
* طرفي ويحمر وجهه خجلا
*
* حتى كأن الذي بوجنته
* من دم جسمي إليه قد نقلا
*
وقال أيضا
* قد أفصحت بالوتر الأعجم
* وأفهمت من كان لم يفهم
*

310
* جارية تحسب من لطفها
* مخاطبا ينطق لا من فم
*
* جست من العود مجاري الهوى
* جس الأطباء مجاري الدم
*
وقال أيضا عند موته
* كل صفو إلى كدر
* كل أمر إلى حذر
*
* ومصير الشباب لل
* موت فيه أو الكبر
*
* أيها الآمل الذي
* تاه في لجة الغرر
*
* أين من كان قبلنا
* درس الشخص والأثر
*
* رب إني ادخرت عن
* دك أرجوه مدخر
*
* إنني مؤمن بما
* بين الوحي في السير
*
قيل إنه مرض وتقيأ في يومين أربعة عشر رطل دم وقيل إنه استسقى وأصابه ذرب عظيم وكان أعظم آفاته كثرة الجماع
توفي ببغداد منتصف ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وهو ابن إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر وكانت خلافته ست سنين وعشرة أيام ولم يوجد له حنوط لأن الخزائن ختمت عند موته فاشتروا له حنوطا من بعض العطارين وحمل إلى الرصافة في طيار ودفن في تربة عظيمة له أنفق عليها أموال كثيرة
قال ابن الجوزي درست الآن ولم يبق لها عين ولا أثر
كان قصيرا أسمر نحيفا في وجهه طول رحمه الله تعالى وعفا عنا وعنه
((440 - ابن حمدون صاحب التذكرة))
محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون أبو المعالي بن أبي سعد الكاتب المعدل كافي الكفاة بهاء الدين البغدادي من بيت فضل ورياسة وكان ذا معرفة بالأدب والكتابة سمع وروى وصنف كتاب التذكرة في الأدب والنوادر والتواريخ وهو كتاب كبير يدخل في اثني عشر مجلدا اختص بالمستنجد يجتمع به وينادمه وولاه ديوان الزمام وكان أولا عارض جيش

311
المقتفى
وكان كريم الأخلاق حسن العشرة وقف المستنجد على حكايات له رواها في التذكرة توهم غضاضة على الدولة فأخذ من دست منصبه وحبس ولم يزل في سجنه إلى أن رمس
توفي محبوسا سنة اثنتين وستين وخمسمائة
ومن شعره
* يا خفيف العقل والرأس معا
* وثقيل الروح أيضا والبدن
*
* تدعي أنك مثلي طيب
* طيب أنت ولكن بلبن
*
وقال أيضا
* وحاشا معاليك أن تستزاد
* وحاشا نوالك أن يقتضى
*
* ولكنما أستزيد الحظوظ
* وإن أمرتني النهى بالرضا
*
((441 - ابن الأردخل))
محمد بن أبي الحسن بن يمن أبو عبد الله الأنصاري الموصلي المعروف بابن الأردخل الشاعر نديم صاحب الموصل ونديم صاحب ميافارقين
كان من الشعراء المجيدين مدح الأشرف موسى وغيره والأردخل هو المجيد في البناء توفي سنة ثمان وعشرين وستمائة
ومن شعره رحمه الله
* ولقد رأيت على الأراك حمامة
* تبكي فتسعدني على أحزاني
*
* تبكي على غصن وأندب قامة
* فجميعنا يبكي على الأغصان
*
* صرع الزمان وحيدها فتعللت
* من بعده بالنوح والأحزان
*
* تخشى من الأوتار وهي مروعة
* منها فلم غنت على العيدان
*
وقال أيضا
* أير أنام الليل وهو يقوم
* حامي الإهاب كأنه محموم
*
* مغري بحرف الجر إلا أنه
* ما زال مفتوحا به المضموم
*
وله أيضا
* أفي كل يوم لي من الدهر صاحب
* جديد ولي حاد إلى بلد يحدو
*

312
* أروح وأغدو للغنى غير مدرك
* ويدركه من لا يروح ولا يغدو
*
وقال أيضا
* وذكرها ماء بدجلة لائم
* فلم تتمالك أن جرت عبراتها
*
* فلله عين ما عتبت دموعها
* صمتن وإقرار الجواري صماتها
*
وله أيضا
* ما على من وصاله الصبح لو قص
* صر من ليل هجره ما أطاله
*
* ألفي القوام عني أما لو
* ه فقلبي مكسور تلك الإمالة
*
وقال
* واها على عيش مضت سنواته
* فكأنما كانت هي الساعات
*
* والراح ترجم كل هم طالع
* بكواكب أفلاكها الراحات
*
* قابلت بالساقي السماء فأطلعت
* بدرا علي كأنها مرآة
*
* الخصر عارضه وواضح ثغره
* عين الحياة وصدغه الظلمات
*
وله أيضا
* يا قريبا عصيت فيه التنائي
* وعزيزا أطعت فيه الهوانا
*
* أخذت وصف قدك الورق عني
* فأحبت لحبه الأغصانا
*
((442 - الشمس الصايغ))
محمد بن الحسن بن سباع شمس الدين الصايغ العروضي أقام بالصاغة زمانا يقرئ الناس العربية والعروض والأدب وكان يألف بقطب الدين ابن شيخ السلامية ورأيته غير مرة
توفي سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة تقريبا وكان له نظم ونثر وشرح ملحة الإعراب وشرح الدريدية في مجلدين كبيرين رأيته بخطه وديوانه مجلدان كبيران واختصر صحاح الجوهري وجرده من الشواهد وله قصيدة تائية على وزن الهيتية التي لشيطان العراق وتزيد على ألفي بيت وله المقامة الشهابية عملها للقاضي شهاب الدين الخويي

313
ومن نظمه
* إن جزت بالموكب يوما فلا
* تسأل عن السيارة الكنس
*
* فثم آرام على ضمر
* لله ما تفعل بالأنفس
*
* فقل لذي الهيئة يا ذا الذي
* ينقل ما ينقل عن هرمس
*
* قولك هذا خطل باطل
* أما ترى الأقمار في الأطلس
*
أخذ هذا المعنى من سيف الدين الشد ونقصه فإنه قال
* زعم الأوائل أنما
* تبدو الذوائب للكواكب
*
* وتوهموا الفلك المعظم
* أطلسا ما فيه ثاقب
*
* أتراهم لم ينظروا
* ما في الزمان من العجائب
*
* كم من هلال قد بدا
* في أطلس وله ذوائب
*
وقال وهو بمصر يتشوق إلى دمشق
* لي نحو ربعك دائما يا جلق
* شوق أكاد به جوى أتمزق
*
* وهمول دمع من جوى بأضالع
* ذا مغرق عيني وهذا محرق
*
* أشتاق منك منازلا لم أنسها
* أني وقلبي في ربوعك موثق
*
* طللا به خلقي تكون أولا
* وبه عرفت بكل ما أتخلق
*
* وقف عليه لدى التأسف والبكا
* قلبي الأسير ودمع عيني المطلق
*
* أدمشق لا بعدت ديارك عن فتى
* أبدا إليك بكله يتشوق
*
* أنفقت في ناديك أيام الصبا
* حبا وذاك أعز شيء ينفق
*
* ورحلت عنك ولي إليك تلف
* ولكل جمع صدعه وتفرق
*
* فاعتضت عن أنسي بظلك وحشة
* منها وهي جلدي وشاب المفرق
*
* فلبست ثوب الشيب وهو مشهر
* وخلعت ثوب الشرخ وهو معتق
*
* ولكم أسكن عنك قلبا طامعا
* بوعود قربك وهو شوقا يخفق
*
* ولكم أحدث عنك من لاقيته
* وجميع من سمع الحديث يصدق
*
* والأرض في عرض وطول دائما
* لم يحوي مثلك غربها والمشرق
*
* لله وادي النيربين وظله
* لا الرقمتان ورامة والأبرق
*
* وسقى ديار الصالحين وابل
* يهمي على تلك المنازل مغدق
*
* والسهم لا افترت ثغور أقاحه
* إلا ودمع سحابه يترقرق
*

314
* كم فيه من قصر منيف مشرف
* يبدو به قمرا منير مشرق
*
* وببيت لهيا لا تعداه الحيا
* طلل عليه من النضارة رونق
*
* هو منزل أثاره مشهورة
* ولأهله عهد علي وموثق
*
* وحباك يا أطلال جوبرا واصلا
* غيث مريع مستهل مشفق
*
* لله سرحة ذلك الربع الذي
* قلبي يهيم به وذاك الجوسق
*
* والوادي الشرقي لا برحت به
* ديم تسح ووبلها يتدفق
*
* فغياضه ورياضه كعيونه
* هذا يعوم به وهذا يغرق
*
* ولكم قطعت به زمانا لم أزل
* أشتاقه ما دمت حيا أرزق
*
* في سكر زبدين إلى جسرين كم
* حيا الحيا حيا عليه رونق
*
* بالواديين كلاهما الغربي والشرقي
* نزهة من برفق يرمق
*
* إني اتجهت رأيت دوحا ماؤه
* متسلسل يعلو عليه جوسق
*
* والقصر والشرفات والشقراء والميدان
* عشقا للذي لا يعشق
*
* فلكم حوت تلك المنازل صورة
* فيها الجمال مجمع ومفرق
*
* فمخضب ومؤزر ومعمم
* ومزنر ومبرقع ومقرطق
*
* كم من غزال بالنفوس متوج
* وقضيب بان بالعيون ممنطق
*
* والرح تكتب والجداول أسطر
* خطا له نسخ الربيع محقق
*
* والطير يقرأ والنسيم مردد
* والغصن يرقص والغدير يصفق
*
* ومعاطف الأغصان غنتها الصبا
* طربا فذا عار وهذا مورق
*
* وكأن زهر اللوز أحداق إلى الززوار
* من خلل الغصون تحدق
*
* وكأن أشجار الرياض سرادق
* في ظلها من كل لون نمرق
*
* والورد بالألوان يجري منظرا
* ونسيمه عطر كمسك يعبق
*
* فبلابل منها تهيج بلابلا
* وكذاك أثواب الشقيق تشقق
*
* وهزاره يصبو إلى شحروره
* ويجاوب القمري فيه مطوق
*
* وكأنما في عود صادح
* عود حلا مزمومه والمطلق
*
* والورق في الأوارق يشبه شجوها
* شجوى وأين من الخلي الموثق
*
* تتلو على الأغصان أخبار الهوى
* فيكاد ساكن كل شيء ينطق
*
* يا سائرا والريح تعثر دونه
* والبرق يبسم إذ به يتألق
*

315
* إن جزت من وادي دمشق منازلا
* لي نحوها حتى الممات تشوق
*
* بالجبهة الغراء والوجه الذي
* يزهو به القصر المنيف الأبلق
*
* ورأيت ذاك الجامع الفرد الذي
* في الأرض طرا مثله لا يخلق
*
* قل للفتى عبد الرحيم فإنني
* أبدا بحسن وداده أتحقق
*
* إن كنتم عرضتم بتشوق
* وحياتكم إني إليكم أشوق
*
* أشتاقكم من أرض مصر وبيننا
* بيد تخب لها المطي وتعنق
*
* قفر يحار به الدليل ودونه
* رمل تكاد به المطايا تغرق
*
* لم أستطع فيه المسير كأنه
* لتوقد الرمضاء نار تحرق
*
* فارقتكم لا عن رضا فلبعدكم
* عني علي الرحب ضنك ضيق
*
* وقنعت حتى صرت أرجو منكم
* من بعد ذاك القرب طيفا يطرق
*
* ولقد عطفت على الزمان معاتبا
* فرأيت كفى عنه صبرا أليق
*
* يمضي النهار وفيه قلبي مفكر
* والليل طرفي بالبعاد مؤرق
*
* فعليكم مني التحية ما بدا
* صبح به وجه الغزالة مشرق
*
((443 - شمس الدين بن دانيال الحكيم))
محمد بن دانيال بن يوسف الموصلي الحكيم الفاضل الأديب شمس الدين صاحب النظم الحلو والنثر العذب والطباع الداخلة والنكت الغريبة والنوادر العجيبة
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي هو ابن حجاج عصره وابن سكرة مصره وضع كتاب طيف الخيال فأبدع طريقة وأغرب فيه فكان هو المطرب والمرقص على الحقيقة
أخبرني الشيخ فتح الدين بن سيد الناس قال كان الحكيم شمس الدين بن دانيال له دكان كحل داخل باب الفتوح فاجتزت عليه أنا وجماعة من أصحابه فرأينا عليه زحمة ممن يكحله فقالوا تعالوا نخايل على الحكيم فقلت لهم لا تشاكلوه تخسروا معه فلم يسمعوا وقالوا

316
يا حكيم تحتاج إلى عصيات يعنون أن هؤلاء الذين يكحلهم يعمون ويحتاجون إلى العصا فقال بسرعة لا إلا إن كان فيكم من يقود لله تعالى فمروا خجلين وله من هذا النوع غرائب ينقلها المصريون عنه
وكانت وفاته بالديار المصرية في شهور سنة عشر وسبعمائة
فمن نظمه قال لغزا في سرموزة
* وجارية هيفاء ممشوقة القد
* لها وجنة أبهى احمرارا من الورد
*
* من اليمنيات التي حر وجهها
* يفوق صقالا صفحة الصارم الهندي
*
* وثيقة حبل الوصل منذ صحبتها
* فلست أراه قط منتقض العهد
*
* وفي وصلها أمسى الشقاء ميسرا
* وجاوز في تيسيره غاية الجهد
*
* ولم أر وجها قبلها كل ساعة
* على الترب ألقاها معفرة الخد
*
* ومن عجبي أني إذا ما وطئتها
* تئن أنينا دونه أنة الوجد
*
* مباركة عندي ولا برحت إذن
* مدورة الكعبين شؤما على ضد
*
وقال أيضا
* قلت لمولاي السني
* المحسن المستحسن
*
* من قال إنك ما تني
* فإن عبدك ما يني
*
وقال أيضا
* ولرب ليل بالخليج قطعته
* إذ بت منه ساهرا بالشاطي
*
* أمسى الضياء منادمي وحشاه لي
* محشوة بغرائب الأخلاط
*
* ولشقوتي بتنا معا في مضجع
* مترددين على الثرى ببساط
*
* عصفت علي رياحه فوجدتها
* أقوى هبوبا من رياح شباط
*
* قد كنت أنعس لانتشاق فسائه
* غشيا فيوقظني بصوت ضراط
*
* ما زلت أنشق منه ريحا منتنا
* حتى استحال إلى الخراء مخاطي
*
* يا أيها المفتوق في أرياحه
* هذي النصيحة فيك للخياط
*
وقال أيضا في فرسه
* قد كمل الله برذوني لمنقصة
* وشانه بعد ما أعماه بالعرج
*
* أسير مثل أسير وهو يعرج بي
* كأنه ماشيا يخط من درج
*

317
* فإن رماني على ما فيه من عرج
* فما عليه إذا ما مت من حرج
*
وقال في الشيخ ابن ثعلبة وقد ترك الغناء واللهو وتصوف في المشتهى من روضة مصر
* لطمت بعدك الخدود الدفوف
* وتحامت تلك الصروف الكفوف
*
* وتساوي عند الرقاق وقد ما
* ت لدينا ثقيلها والخفيف
*
* وعلت ضجة المواصل حزنا
* والندامى على السرور عكوف
*
* وجرت أدمع الرواويق حتى
* عاد منها النزيف وهو نزيف
*
* وبدا الشمع وهو من سيلان الد
* دمع إنسان عينه مطروف
*
* يا إمام الملاح دعوة قاض
* في قضايا المجون ليس يحيف
*
* كيف ذقت الخشوع هل هو حلو
* يا حريفي بالله أو حريف
*
* تبت لله توبة الشيخ إن الز
* زهد لا يحتوي عليه الضعيف
*
* لا تكن راسب المقر فما ير
* سب في المستقر إلا الكثيف
*
* وإذا قمت للصلاة فقم ثع
* لبة ناشفا فأنت نظيف
*
* وإذا ما خلوت في خلوة المس
* جد قل للمريد عندي ضيوف
*
* وإذا ما أخرجت كيسك بالمع
* لوم قل للحضور هذا سفوف
*
* حبذا زهدك التليد فما أن
* ت به في الشيوخ إلا ظريف
*
* قسما يا قبلة البين إني
* قرم الشوق للقا ملهوف
*
* أترجى منك الرجوع قريبا
* طمعا فيك والمحب عطوف
*
وقال أيضا
* أصبحت أفقر من يروح ويغتدي
* ما في يدي من فاقة إلا يدي
*
* في منزل لم يحو غيري قاعدا
* فإذا رقدت غير ممدد
*
* لم يبق فيه سوى رسوم حصيرة
* ومخدة كانت لأم المهتدي
*
* ملقى على طراحة في حشوها
* قمل كمثل السمسم المتبدد
*
* والفأر يركض كالخيول تسابقت
* من كل جرداء الأديم وأجرد
*
* هذا وكم من ناشر طاوي الحشا
* يبدو كمثل الفاتك المتردد
*
* هذا ولي ثوب تراه مرقعا
* من كل لون مثل ريش الهدهد
*

318
وقال أيضا
* قد عقلنا والعقل أي وثاق
* وصبرنا والصبر مر المذاق
*
* كل من كان فاضلا كان مثلي
* فاضلا عند قسمة الأرزاق
*
وقال أيضا
* ما عاينت عيناي في عطلتي
* أدبر من حظي ولا بختي
*
* قد بعت عبدي وحماري وقد
* أصبحت لا فوقي ولا تحتي
*
وقال أيضا
* يا سائلي عن حرفتي في الورى
* وضيعتي فيهم وإفلاسي
*
* ما حال من درهم إنفاقه
* يأخذه من أعين الناس
*
وقال أيضا
* رأيت سراج الدين للصفع صالحا
* ولكنه في علمه فاسد الذهن
*
* أستره بالكف خوف انطفائه
* وآفته في طفئه كثرة الدهن
*
وقال وقد صلبوا ابن الكازروني وفي عنقه جرة خمر في الأيام الظاهرية
* لقد كان حد الخمر من قبل صلبه
* خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا
*
* فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي
* ألا تبت فإن الحد قد جاوز الحدا
*
وقال أيضا
* لقد منع الإمام الخمر فينا
* وصير حدها حد اليماني
*
* فما جسرت ملوك الجن خوفا
* لأجل الخمر تدخل في القناني
*

319
وقال أيضا
* كم قيل لي إذ دعيت شمسا
* لا بد للشمس من طلوع
*
* فكان ذاك الطلوع داء
* سما إلى السطح من ضلوعي
*
وقال أيضا
* فسر لي عابر مناما
* أحسن في قوله وأجمل
*
* وقال لا بد من طلوع
* فكان ذاك الطلوع دمل
*
وقال أيضا
* يا رشا لحظه الصحيح العليل
* كل صب بسيفه مقتول
*
* لك ردف غادرته رهن خضر
* وهو رهن كما علمت ثقيل
*
وقال أيضا
* يا لائمي في العذار مهلا
* فأنت بالعذل لي مهيج
*
* الحسن قد زادني غراما
* إذ رقم الورد بالبنفسج
*
* وكل ديباج خد ظبي
* إن لم يكن معلما فدحرج
*
وقال أيضا
* يقولون سيف الدين من أجل علقه
* جفاك فلا تأمن غوائل حقده
*
* فقلت ألا يا قوم ما أنا جاهل
* فأدخل بين السيف عمدا وغمده
*
وقال وقد أبطلت المنكرات في أيام حسام الدين لاجين
* احذر نديمي أن تذوق المسكرا
* أو أن تحاول قط أمرا منكرا
*
* لا تشرب الصهباء صرفا قرقفا
* وتزور من تهواه إلا في الكرى
*
* أنا ناصح لك إن قبلت نصيحتي
* اشرب إذا ما رمت سكرا سكرا
*
* والرأي عندي ترك عقلك سالما
* من أن تراه بالمدام تغيرا
*
* ذي دولة المنصور لاجين الذي
* قهر الملوك وكان سلطان الورى
*

320
* إياك تأكل أخضرا في عصره
* يا ذا الفقير يصير جسمك أحمرا
*
* والمزر يا مسعود دعه جانبا
* واشرب من اللبن المخيض مبكرا
*
* وبني حرام احفظوا أيديكم
* فالوقت سيف والمراقب قد درى
*
* توبوا وصلوا داعيين لملكه
* فبه تنالون النعيم الأكبرا
*
وقال أيضا وقد دعى إلى عرس
* دعوتني للعرس يا سيدي
* فكدت أن أحضر من أمس
*
* وها أنا الليلة في داركم
* فالكلب ما يهرب من عرس
*
وقال في البرهان الفاحشة وقد صفع وهو أرمد
* صفع البرهان وما رجما
* فبكى من بعد الدمع دما
*
* قد كان شكا رمدا صعبا
* فازداد بذاك الصفع عمى
*
* ورمى النوروز أخادعه
* حتى باتت تشكو ورما
*
* أدماه القوم بآخرة
* كانت حورا لا بل أدما
*
* نزلوا سحرا في ساحله
* فرأى الإصباح بهم ظلما
*
* من كل فتى بالنطع بدا
* مثل القصار إذا احتزما
*
* فسقاه بها صرفا سبعا
* وسقاه بها سبعين بما
*
وقال أيضا
* في وصف حسنكم تكل الألسن
* وجمالكم فهو الجمال الأحسن
*
* يا سادة غابوا فمات تصبري
* وبكيتهم حتى بكاني المسكن
*
* لي فيكم ظبي ذكرت لحسنه
* عين الجنان أجم أحور أعين
*
* قاسي الفؤاد علي لكن عطفه
* مثلي على غمز الصبابة لين
*
* باد ولكن في الضمير محجب
* سهل ولكن بالرماح محصن
*
* حلفوا بأن الورد زهرة خده
* صدق الوشاة وعارضاه سوسن
*
* متلون الميثاق لكن وجهه
* بسوى الحياء الطلق لا يتلون
*
* في خط عارضه ونقطة خاله
* شكل يصادر في الهوى ويبرهن
*
وقال أيضا في شرح حاله وشكوى زوجته
* قل لقاضي الفسوق والإدبار
* عضد البله عمدة الفجار
*
* والذي قد غدا سفينة جهل
* وله من قرونه كالصواري
*

321
* بله أشكو من زوجة صيرتني
* غائبا بين سائر الحضار
*
* غيبتني عني بما أطعمتني
* فأنا الدهر مفكر في انتظار
*
* غبت حتى لو أنهم صفعوني
* قلت كفوا بالله عن صفع جاري
*
* فنهاري من البلادة ليل
* في التساوي والليل مثل النهار
*
* دار رأسي عن باب داري فبالل
* ه أخبروني يا سادتي أين داري
*
* ملكتني عيارة وعيارا
* حين زادت بالدردبيس عياري
*
* أين مخ الجمال من طبع مخي
* في التساوي وأين مخ الحمار
*
* غفر الله لي بما رحت للبح
* ر من البرد أصطلي بالنار
*
* وتجردت للسباحة في الآ
* ل لظني به الزلال الجاري
*
* ولكم قد عصبت رجلي برؤيا
* أوطأتني حلما على مسمار
*
* ولكم رمت قلع ضرس ضروب
* بعد ما ضر غاية الإضرار
*
* فإذا بي قلعت بعد عنائي
* واجتهادي القوي من أوزاري
*
* ورحى حزتها لطحن فما زل
* ت ضلالا أدور حول المدار
*
* وأنادي وقد سئمت من الرك
* ض إلى أين منتهى مضماري
*
* أنا أختار لو قعدت من الجه
* د ولكن أمشي بغير اختيار
*
* أنا أنسى أني نسيت فلا يخ
* شى سمير إذاعة الأسرار
*
* أنا سطل الشرائحي بما أو
* دعت من عجة ومن أبزار
*
* ولكم قد رأيت في الماء شيخا
* وهو جاث في الجب كالعيار
*
* شيخ سوء كالثلج ذقنا ولكن
* وجهه في سواده كالقار
*
* أشبه الناس بي وقد يشبه التي
* س أخاه في حومة الجزار
*
* فاعتراني رعب وناديت ما كن
* ت إخال اللصوص في الأزيار
*
* أين ترسى وأين درعي ألحقيني
* أم عمرو بصارمي البتار
*
* إن أمت كنت في الغزاة شهيدا
* أو أعش كنت شاطر الشطار
*
* ثم أثخنت ذلك الزير ضربا
* بحسامي حتى هوى لانكسار
*
* وجرى الماء في قوامي وإن أف
* ردتني كنت في التهارش ضاري
*
* أنا مثل الخروف قرنا وإن أس
* قط فإني أعد في الأقذار
*
* أنا لو رمت للعلاج طبيبا
* ما تعديت دكة البيطار
*
* بعد ما كنت من ذكائي أدري
* أن بابي من صنعة النجار
*
* أحزر البيض قبل ما يكسروه
* أن فيه البياض فوق الصفار
*
* وبعيني نظرت كوز نحاس
* كان عندي أقوى من الفخار
*
* وكثير مني على شيب رأسي
* حفظ هذي الأشياء مثل الكبار
*
وقال موشحا يعارض به أحمد الموصلي
* غصن من البان مثمر قمرا
* يكاد من لينه إذا خطرا يعقد
*
* بديع حسن سبحان خالقه
*
* مسك ذكي الشذا لناشقه
*
* أبيض ثغر يبدي لعاشقه
*
* نمل عذار يحير الشعرا
* وفود شعر يستوقف النهرا أسود
*
* بأبي شادن فتنت به
*
* يهواه قلبي على تقلبه
*
* مذ زاد في التيه من تجنبه
*
* أحرمني النوم عندما نفرا
* حتى لطيف الخيال حين سرى قيد
*
* جوى أذاب الحشا فحرقني
*
* ونيل دمعي جرى فغرقني
*
* لكنه بالدموع خلقني
*
* فرحت أمشي في الدمع منحدرا
* ذاك لأني غدوت منكسرا مفرد
*
وأما موشح أحمد الموصلي فإنه قوله
* بي رشأ عندما رنا وسرى
* باللحظ للعاشقين إذ أسرا قيد
*
* بما بأجفانه من الوطف
*
* وما بأعطافه من الهيف
*
* وما بأردافه من الترف
*

322
* ذا الأسمر اللدن ردني سمرا
* وفي فؤادي من قده سمرا أملد
*
* السحر من لحظه ومقلته
*
* والرشد من فرقه وغرته
*
* والغي من صدغه وطرته
*
* بدر لصبح الجبين قد سترا
* بليل شعر فانظر له ستري أسود
*
* إن قلت بدر فالبدر ينخسف
*
* أو قلت شمس فالشمس تنكسف
*
* أو قلت غصن فالغصن ينقصف
*
* وسنان جفن سما عن النظرا
* وكل طرف إليه قد نظروا سهد
*
* يزهو بثغر كالدر والشهب
*
* والطلع والأقحوان والحبب
*
* رصع شبه اللجين في الذهب
*
* حوى الثريا من ثغره أثرا
* له الذي أدمعي به نثرا نضد
*
* حاجبه مشرف على شغفي
*
* عارضه شاهد على أسفي
*
* ناظره عامل على تلفي
*
* به غرامي قد شاع واشتهرا
* وسيفه في الحشا إذا شهرا يغمد
*
* عذاره النمل في الفؤاد سعى
*
* والنحل من ثغره الأقاح رعى
*
* ويوسف أيدي النسا قطعا
*
* بالنور من وجهه سبا الشعرا
* وردني بالجفا وما شعرا مكمد
*
((444 - أبو علي بن الشبل))
محمد بن الحسين بن عبد الله بن الشبل أبو علي الشاعر الحكيم البغدادي

324
توفي في المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ودفن بباب حرب
كان شاعرا مجيدا وله ديوان وكان ظريفا نديما مطبوعا ومن شعره
* لا تظهرن لعاذل أو عاذر
* حاليك في السراء والضراء
*
* فلرحمة المتوجعين حرارة
* في القلب مثل شماتة الأعداء
*
وقال أيضا
* يفنى البخيل بجمع المال مدته
* وللحوادث والأيام ما يدع
*
* كدودة القز ما تبنيه يهدمها
* وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
*
وقال أيضا يرثى أخاه بقصيدة أولها
* غاية الحزن والسرور انقضاء
* ما لحي من بعد ميت بقاء
*
* لا لبيد بأربد مات حزنا
* وسلت عن شقيقها الخنساء
*
* مثلما في التراب يبلى الفتى فال
* حزن يبلى من بعده والبكاء
*
* غير أن الأموات مروا وأبقوا
* غصصا لا تسيغها الأحياء
*
* إنما نحن بين ظفر وناب
* من خطوب أسودهن ضراء
*
* نتمنى وفي المنى قصر العم
* ر فنغدو كما نسر نساء
*
* صحة المرء للسقام طريق
* وطريق الفناء هذا البقاء
*
* بالذي نغتذي نموت ونحيا
* أقتل الداء للنفوس الدواء
*
* ما لقينا من غدر دنيا فلا كا
* نت ولا كان أخذها والعطاء
*
* صلف تحت راعد وسراب
* كرعت فيه مومس خرقاء
*
* راجع جودها عليها فمهما
* تهب الصبح يسترد المساء
*
* ليت شعري حلما تمر بنا الأي
* يام ليس تعقل الأشياء
*
* من فساد يكون في عالم الكو
* ن فما للنفوس منه اتقاء
*
* وقليلا ما يصحب المهجة الجس
* م ففيم الشقا وفيم العناء
*
* قبح الله لذة لشقانا
* نالها الأمهات والآباء
*

325
* نحن لولا الوجود لم نألم الفق
* د فإيجادنا علينا بلاء
*
ومن شعره
* بربك أيها الفلك المدار
* أقصد ذا المسير أم اضطرار
*
* مدارك قل لنا في أي شيء
* ففي أفهامنا عنك انبهار
*
* فطوق في المجرة أم لآل
* هلالك أم يد فيها سوار
*
* وفيك الشمس رافعة شعاعا
* بأجنحة قوادمها قصار
*
* ودنيا كلما وضعت جنينا
* عراه من نوائبها طوار
*
* هي العشواء ما خبطت هشيم
* هي العجماء ما جرحت جبار
*
* فكم من بعده عفر وعقر
* يضير وما تلا ليلا نهار
*
* لقد بلغ العدو بنا مناه
* وحل بآدم وبنا الصغار
*
* وتهنا ضائعين كقوم موسى
* ولا عجل أضل ولا خوار
*
* فيا لك أكلة ما زال فيها
* علينا نقمة وعليه عار
*
* نعاقب في الظهور وما ولدنا
* ويذبح في حشا الأم الحوار
*
* ونخرج كارهين كما دخلنا
* خروج الضب أخرجه الوجار
*
* وكانت أنعما لو أن كونا
* نشاور قبله أو نستشار
*
* وما أرض عصته ولا سماء
* ففيم يغول أنجمها انكدار
*
ومثل هذه للبحتري
* أناة أيها الفلك المدار
* أنهب ما تطرف أم جبار
*
* ستفنى مثلما ما تفنى وتبلى
* كما تبلى فيدرك منك ثار
*
* وما أهل المنازل غير ركب
* مطاياهم رواح وابتكار
*
* لنا في الدهر آمال طوال
* نرجيها وأعمار قصار
*
* وأهون بالخطوب على خليع
* إلى اللذات ليس له عذار
*
* فآخر يومه سكر تجلى
* غوايته وأوله خمار
*

326
ومن شعر أبي علي بن الشبل
* وكأنما الإنسان فيه غيره
* متكونا والحسن فيه معار
*
* متصرف وله القضاء مصرف
* ومكلف وكأنه مختار
*
* طورا تصوبه الحظوظ وتارة
* حظ تحيل صوابه الأقدار
*
* تعمي بصيرته وتبصر بعدما
* لا يسترد الفائت استبصار
*
* فتراه يؤخذ قلبه من صدره
* ويرد فيه وقد جرى المقدار
*
* فيظل يضرب بالملامة نفسه
* ندما إذا لعبت به الأفكار
*
* لا يعرف التفريط في إيراده
* حتى يبينه له الإصدار
*
وقال أيضا
* إن تكن تجزع من دم
* عي إذا فاض فصنه
*
* أو تكن أبصرت يوما
* سيدا يغفو فكنه
*
* أنا لا أصبر عمن
* لا يحل الصبر عنه
*
* كل ذنب في الهوى يغ
* فر لي ما لم أخنه
*
وقال أيضا
* قالوا القناعة عز والكفاف غنى
* والذل والعار حرص النفس والطمع
*
* صدقتم من رضاه سد جوعته
* إن لم يصبه بماذا عنه يقتنع
*
وله
* قالوا وقد مات محبوب فجعت به
* وبالصبا وأرادوا عنه سلواني
*
* سواه في الحسن موجود فقلت لهم
* من أين لي للهوى الثاني صبا ثاني
*
وقال أيضا
* بنا إلى الدير من درنا صبابات
* فلا تلمني فلا تجدي الملامات
*
* لا تبعدن وإن طال الزمان بها
* أيام لهو عهدناها وليلات
*
* فكم قضيت لبانات الشباب بها
* غنما وكم بقيت عندي لبانات
*

327
* ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة
* فانعم ولذ فإن العيش تارات
*
* قبل ارتجاع الليالي وهي عارية
* وإنما لذة الدنيا إعارات
*
* قم فاجل في فلك الظلماء شمس ضحى
* بروجها الدهر كاسات وطاسات
*
* لعله إن دعا داعي الحمام بنا
* نقضي وأنفسنا منها رويات
*
* بم التعليل لولا ذاك من زمن
* أحياؤه باعتياد الهم أموات
*
* دارت تحيي فقابلنا تحيتها
* وفي حشاها لقرع المزج روعات
*
* عذراء أخفى مزاج الماء صورتها
* لم يبق من روحها إلا حشاشات
*
* مدت سرداق برق من أبارقها
* على مقابلها منها ملاءات
*
* فلاح في أذرع الساقين أسورة
* تبرا وفوق نحور الشرب جامات
*
* قد وقع الدهر سطرا في صحيفته
* لا فارقت شارب الخمر المسرات
*
* خذ ما تعجل واترك ما وعدت به
* فعل اللبيب فللتأخير آفات
*
* وللسعادة أوقات ميسرة
* تعطي السرور وللأحزان أوقات
*
((445 - ابن فورجة))
محمد بن حمد بن فورجة بالفاء المضمومة وبعد الواو والراء جيم مشددة البروجردي
قال الثعالبي في التتمة من شعره
* كأن الأيك توسعنا نثارا
* من الورق المكسر والصحاح
*
* تميد كأنما علت براح
* وما شربت سوى الماء القراح
*
* كأن غصونها شرب نشاوي
* تصفق كلها راح براح
*
وقال في الفستق المملوح

328
* أعجب إلي بفستق أعددته
* عونا على العادية الخرطوم
*
* مثل الزبرجد في حرير أخضر
* في حق عاج في غلاف أديم
*
وقال أيضا
* فلو ترى نقلي وما أبدعت
* فيه بماء الملح أيدي الصنع
*
* قلت حمامات على منهل
* شحت مناقير تسيغ الجرع
*
وأكمل منه قول المشتهي أبي الفضل جعفر بن المحسن الدمشقي حيث يقول
* انظر إلى الفستق المملوح حين بدا
* مشققا في لطيفات الطيافير
*
* والقلب ما بين قشريه يلوح لنا
* كألسن الطير ما بين المناقير
*
وقال ابن فورجة
* أما ترون إلى الأصداغ كيف جرى
* لها نسيم فوافت خده قدرا
*
* كأنما مد زنجي أنامله
* يريد قبضا على جمر فما قدرا
*
قال ياقوت مولد ابن فورجة بنهاوند في ذي الحجة سنة ثمانين وثلاثمائة
وله التجني على ابن جني والفتح على أبي الفتح والكتابان يرد فيهما على أبي الفتح بن جني في شعر المتنبي رحمه الله تعالى وعفا عنه
((446 - أبو طاهر البغدادي))
محمد بن حيدر أبو طاهر البغدادي الشاعر المشهور توفي سنة سبع عشرة وخمسمائة
ومن شعره
* مرحبا بالتي بها قتل الهم
* م وعاشت مكارم الأخلاق
*
* هي في رقة الصبابة والشو
* ق وفي قسوة النوى والفراق
*

329
* لست أدري أمن خدود الغواني
* سفكوها أم أدمع العشاق
*
وقال أيضا
* خطرت فكاد الورق يسجع فوقها
* إن الحمام لمغرم بالبان
*
* من معشر نشروا على هام الربا
* للطارقين ذوائب النيران
*
أورد له محب الدين بن النجار في تاريخه قصيدة وهي
* من كل ذات روادف
* كالرمل رجرجة ولينا
*
* منطقن بالنجف الخصو
* ر وصن بالترف البطونا
*
* وأقمن من تلك العيو
* ن على خواطرنا عيونا
*
منها
* يا من يلوم على البكا
* كلفا يزيد به جنونا
*
* الآن قد كان الذي
* قد كنت أحذر أن يكونا
*
* وتفرق الشمل الذي
* قد كنت أعهده مصونا
*
* مني تعلمت الحما
* م النوح والإبل الحنينا
*
* والسحب من عيني تعل
* لم كيف يحتلب الشئونا
*
ومنها
* ورأيت منك قبيح ما
* ظن الوشاة بنا يقينا
*
* حتى كأنك كنت بال
* هجران للواشي ضمينا
*
* طولت أنفاسي فلم
* قصرت عن وسني الجفونا
*
((447 - السابق المعري))
محمد بن الخضر بن الحسن بن القاسم أبو اليمن بن أبي المهزول التنوخي المعروف بالسابق من أهل المعرة قال ابن النجار كان شاعرا مجيدا مليح

330
القول حسن المعاني رشيق الألفاظ دخل بغداد وجالس ابن ناقيا والأبيوردي والخطيب التبريزي وأنشدهم شعره ودخل الري وأصفهان ولقي ابن الهبارية الشاعر وعمل رسالة لقبها تحية الندمان أتى فيها بكل معنى غريب تشتمل على عشر كراريس وأورد له في مليح قد حلق شعره
* وجهك المستنير قد كان بدرا
* فهو شمس لنفي صدغك عنه
*
* ثبتت آية النهار عليه
* إذ محا القوم آية الليل منه
*
وأحسن منه قول ابن بلول الكاتب
* حلقوك تقبيحا لحسنك رغبة
* فازداد وجهك بهجة وضياء
*
* كالخمر فك ختامها فتشعشعت
* كالشمع قط ذباله فأضاء
*
ومن شعر السابق المعري
* وأغيد واجه المرآة زهوا
* فحرق بالصبابة كل نفس
*
* وليس من العجائب أن تأتي
* حريق بين مرآة وشمس
*
وقال أيضا
* ولقد عصيت عواذلي وأطعته
* رشأ يقتل عاشقيه ولا يدي
*
* إن تلق شوك اللوم فيه مسامعي
* فبما جنت من ورد وجنته الندى
*
وقال أيضا
* وراح أزاحت ظلام الدجى
* فأبدى الفراش إليها فطارا
*
* رآها توقد في كأسها
* فيممها يحسب النور نارا
*
* وما زلت أشربها قهوة
* تميت الظلام وتحيي النهارا
*
وقال أيضا
* حلمت عن السفيه فزاد بغيا
* وعاد فكفه سفهي عليه
*
* وفعل الخير من شيمي ولكن
* أتيت الشر مدفوعا إليه
*

331
قال محب الدين بن النجار قال لنا أبو عبد الله بن الملحي كنت عند السابق قبل موته فقال لي قد وصف صديقنا أبو نصر بن الحكيم سماقية فتقدم إلى من يخطبها وأنفذها إلى فقلت نعم وانصرفت فتقدمت إلى تعجيل ما اقترحه وعدت إلى منزلي عاجلا فوردت على رقعة من السابق بخطه المليح الفائق يا سيدي كانت السماقية ممسكة
فصارت ممسكه
وأظن سماقها ما نبت والسكين عن ذبح شاتها نبت
* فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها
* ولا علت كف ملقى كفه فيها
*
فكتبت في ظهر الرقعة وأنفذتها قرين السماقية
* بل كل ولا حرج منه عليك ودع
* عنك التمثل بالأشعار تهديها
*
* ولا تعن لتشقيق الكلام ولا
* قصد المعاني تنقاها وتبنيها
*
وكانت وفاته بعد الخمسمائة رحمه الله تعالى
((448 - السنبسي الشاعر))
محمد بن خليفة بن حسين أبو عبد الله النميري العراقي الشاعر المعروف بالسنبسي
أصله من هيت أقام بالحلة عند سيف الدولة صدقة بن مزيد وكان شاعره وشاعر ولده دبيس روى عنه السلفي توفي سنة خمس عشرة وخمسمائة
أورد له ابن النجار في تاريخه قوله
* قم فاسقنيها على صوت النواعير
* حمراء تشرق في ظلماء ديجور
*
* كانت سراج أناس يهتدون بها
* في أول الدهر قبل النار والنور
*
* فأصبحت بعد ما أفنى ذبالتها
* مر السنين وتكرار الأعاصير
*
* تهتز في الكأس من ضعف ومن كبر
* كأنها قبس في كف مقرور
*
* ونرجس خضل تحكي نواظره
* أحداق تبر على أجفان كافور
*

332
* عليه نيلوفر تحكي كمائمه
* زرق الأسنة في لون وتقدير
*
وقال أيضا
* نفض ختاما عن حديث كأنه
* وإن مل من أسماعنا لم يردد
*
* فإما لأمر عاجل يستجده
* وإما لأمر فات أو ذكر موعد
*
وقال أيضا
* وخمارة من بنات المجوس
* لا تطعم النوم إلا غرارا
*
* طرقت على عجل والنجو
* م في الجو معترضات حيارى
*
* وقد برد الليل فاستخرجت
* لنا في الظلام من الدن نارا
*
وقال أيضا
* فوالله ما أنسى عشية ودعوا
* ونحن عجالى بين غاد وراجع
*
* وقد سلمت بالطرف منها فلم يكن
* من النطق إلا رجعنا بالأصابع
*
* ورحنا وقد روى السلام قلوبنا
* ولم يجر منا في خروق المسامع
*
* ولم يعلم الواشون ما دار بيننا
* من السر لولا ضجرة في المدامع
*
أنشدت هذه الأبيات في مجلس سيف الدولة صدقة فطرب طربا شديدا وما ارتضاها مقدار بن المطاميري فقال له سيف الدولة ويلك يا مقيدير ما تقول قال أقول أنا خيرا منه قال إن خرجت من عهدة دعواك وإلا ضربت عنقك فقال وهو سكران ملتج
* ولما تناجوا للفراق غدية
* رموا كل قلب مطمئن برائع
*
* وقمنا فمبد حنة إثر أنة
* نقوم بالأنفاس عوج الأضالع
*
* مواقف تدمي كل عبراء ثرة
* خروق الكرى إنسانها غير هاجع
*
* أمنا بها الواشين أن يلهجوا بنا
* فلم نتهم إلا وشاة المدامع
*

333
فطرف سيف الدولة وأمره بالجلوس عنده
((449 - الشيخ محمد الأكال))
محمد بن خليل بن عبد الوهاب بن بدر المعروف بالأكال من جبل بني هلال ومولده بقصر حجاج خارج دمشق سنة ستمائة وتوفي سنة ثمان وخمسين وستمائة في شهر رمضان
كان رجلا صالحا كثير الإيثار وحكاياته في أخذ الأجرة على ما يأكله وما يقبله من بر الأمراء والكبراء مشهورة ولم يسبقه إلى ذلك أحد ولا اقتفي أثره غيره وجميع ما يتحصل له يصرفه في وجوه البر ويتفقد به المحابيس والمحاويج والأرامل وكان بعض الناس ينكر على من يعامله بهذه المعاملة فإذا اتفق ذلك معه انفعل له ودفع ما يرضاه على الأكل وكلما تناهى الإنسان له في المطعم زاد هو في الاشتراط عليه وكان مع ذلك حلو الشكل والحديث مليح العبارة له قبول تام بين سائر الناس
وعاش تسعا وخمسين سنة رحمه الله تعالى
((450 - ابن الخمسي))
محمد بن الخمسي الإسكندري
توفي في حدود الخمسمائة
ومن شعره رحمه الله في إنسان ينعت بعين الملك
* ألا إن ملكا أنت تدعى بعينه
* جدير بأن يمسي ويصبح أعورا
*
* فإن كنت عين الملك حقا كما ادعوا
* فأنت له العين التي دمعها جرى
*
ومن شعره أيضا
* قال لي العاذل في حبه
* وقوله زور وبهتان
*
* ما وجه من أحببته قبلة
* قلت ولا قولك قرآن
*

334
((451 - ابن الجراح الكاتب))
محمد بن داود بن الجراح الكاتب
كان كاتبا عارفا بأيام الناس وأخبارهم ودول الملوك له في ذلك مصنفات كان مع ابن المعتز فلما انحل أمر ابن المعتز وقتل اختفى ابن داود
قال أبو عمر محمد بن يوسف القاضي لما جرت واقعة ابن المعتز حبست أنا وأبو المثنى ومحمد بن داود بن الجراح فكنا في دار في ثلاثة بيوت متلاصقات وبيتي في الوسط وإذا جننا الليل تحدثنا من وراء الجدار وأوصى بعضنا إلى بعض فلما كان في بعض الليالي دخل أناس بشموع إلى بيت محمد ابن داود وأخرجوه وأضجعوه للذبح فقال يا قوم ذبحا كالشاة أين المصادرات أين أنتم من الأموال أنا أفدي نفسي بكذا وكذا فلم يسمعوا منه وذبحوه وأخذوا رأسه وألقوه في البئر ثم أخرجوا أبا المثنى بعد ما ذهبوا وعادوا وقالوا يا عدو الله يقول لك أمير المؤمنين بم استحللت نكث بيعتي فقال لعلمي أنه لا يصلح
فذبحوه وأخذوا رأسه وألقوا جثته في البئر ومضوا وعادوا وأخرجوني وقالوا يقول لك أمير المؤمنين يا فاعل ما الذي حملك على نكث بيعتي قلت الشقاوة وقد أخطأت وأنا تائب إلى الله تعالى فحملوني إلى دار الخلافة وابن الفرات جالس فوبخني فتنصلت واعتذرت فقالوا وهب لك أمير المؤمنين ذنبك واشتريت دمك وجرمك بمائة ألف دينار فقلت والله ما رأيت بعضها مجتمعا قط فغمزني الوزير فأديت البعض وسومحت بالباقي
وكانت وفاة ابن الجراح سنة ست ة تسعين ومائتين
ومن شعر ابن الجراح
* قد ذهب الناس فلا ناس
* وصار بعد الطمع الياس
*
* وساس أمر القوم أدناهم
* وصار تحت الذنب الرأس
*

335
وقال أيضا
* أعين أخي أو صاحبي في مصابه
* أقوم له يوم الحفاظ وأقعد
*
* ومن يفرد الأقوام فيما ينوبهم
* تنيه الليالي مرة وهو مفرد
*
ومن تصانيفه كتاب الورقة سماه بذلك لأنه في أخبار الشعراء ولا يزيد في خبر الشاعر الواحد على ورقة ولهذا سمي الصولي كتابه في أخبار الوزراء بالأوراق لأنه أطال في أخبار كل واحد بأوراق
وله الشعر والشعراء لطيف كتاب من سمى عمرا من الشعراء في الجاهلية والإسلام كتاب الوزراء
((452 - الشريف الناسخ))
محمد بن رضوان السيد الشريف العلوي الحسيني الدمشقي الناسخ
توفي في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وستمائة عن تسع وستين سنة
كان يكتب خطا متوسط الحسن والمنسوب وله يد في النظم والنثر والأخبار وعنده مشاركة في العلوم وكتب الكثير وجمع وكان مغري بتصانيف ابن الأثير الجزري مثل المثل السائر والوشي المرقوم فكتب منها كثيرا
ومن شعره ما ذكر الشيخ قطب الدبن اليونيني أنه سمعه منه
* يا من يعيب تلوني
* ما في التلون ما يعاب
*
* إن السماء إذا تلو
* ون وجهها يرجى السحاب
*
وقال أيضا
* كرر على الظبي حديث الهوى
* عل سماه بعد صحو تغيم
*
* ولا تخف أن له نفرة
* فطالما أونس ظبي الصريم
*
* ولا تقل إن له صحبة
* مع غيرنا دهرا وعهدا قديم
*
* فالماء ربي الغصن في حجره
* ومال عنه برسول النسيم
*
وقال أيضا

336
* عقد الربيع على الشتاء مآتما
* لما تقوض للرحيل خيامه
*
* لطم الشقيق خدوده فتضرجت
* حزنا وناح على القضيب حمامه
*
* والدهر منتفح العيون إلى خيو
* ط المزن حيث تفتقت أكمامه
*
وقال من أبيات
* تجلى لنا ليلا فلم ندر وجهه
* أم القمر الوضاح واتضح الشك
*
* صعقت له لما استنار جماله
* فطور فؤادي مذ تجلى له دك
*
* طما بحر أجفاني فيا نوح غفلتي ان
* تبه فلهذا البحر تصطنع الفلك
*
وقال في مليح يلقب بالجدي
* رأيت في جلق أعجوبة
* ما إن رأينا مثلها في بلد
*
* جدي له من صدغه عقرب
* وفي مطاوي الجفن منه أسد
*
* وخلفه سنبلة تطلب ال
* ميزان لا ترضى بأخذ العدد
*
وقال في حسين الصواف وكان يلازم رجلا مقدسيا
* يهنيكم الصواف أصبح عابدا
* للرب غير مداهن ومدلس
*
* طويت له الأرض الفسيحة فاغتدي
* تحت المهامه في ظلام الحندس
*
* فهو المقيم بجلق وركوعه
* وسجوده أبدا ببيت المقدس
*
وقال أيضا
* عانقته عند الوداع وقد جرت
* عيني دموعا كالنجيع القاني
*
* ورجعت عنه وطرفه في فترة
* يملي علي مقاتل الفرسان
*
((453 - زين الدين بن الرعاد))
محمد بن رضوان بن إبراهيم بن عبد الرحمن المعروف بابن الرعاد

337
يدعى زين الدين
قال الشيخ أثير الدين كان المذكور خياطا بالمحلة من الغربية وله مشاركة في العربية وله أدب لا بأس به وكان في غاية الصيانة والترفع عن أهل الدنيا والتودد إليهم واقتنى من صناعة الخياطة كتبا نفيسة وابتنى دارا حسنة بالمحلة وتوفي بالمحلة
ومن شعره في الشيخ بهاء الدين ابن النحاس
* سلم على المولى البهاء وصف له
* شوقي إليه وأنني مملوكه
*
* أبدا يحركني إليه تشوقي
* جسمي به مشطوره منهوكه
*
* لكن نحلت لبعده فكأنني
* ألف وليس بممكن تحريكه
*
وقال أيضا
* رأيت حبيبي في المنام معانقي
* وذلك للمهجور مرتبة عليا
*
* وقد رق لي من بعد هجر وقسوة
* وما ضر إبراهيم لو صدق الرؤيا
*
وقال أيضا
* نار قلبي لا تقري لهبا
* وامنعي أجفان عيني أن تناما
*
* فإذا نحن التقينا فارجعي
* نار إبراهيم بردا وسلاما
*
وقال أيضا
* قالوا وقد شاهدوا نحولي
* إلام في ذا الغرام تشقى
*
* فنيت أو كدت فيه تفنى
* وأنت لا تستفيق عشقا
*
* فقلت لا تعجبوا لهذا
* ما كان لله فهو يبقى
*
((454 - شمس الدين المقدسي))
محمد بن سعد بن عبد الله بن مفلح بن هبة الله بن نمير شمس الدين الأنصاري الحنبلي المقدسي نشأ بقاسيون على الخير والصلاح وقرأ القرآن

338
والعربية وسمع الكثير وكان دينا ورعا وبرع في الأدب وحسن الخط وكتب للصالح إسماعيل وللناصر داود وطال عمره وروى عنه الدمياطي وغيره وتوفي سنة خمسين وستمائة
ومن شعره رحمه الله ما كتبه إلى الصالح إسماعيل
* يا مالكا لم أجد لي من نصيحته
* بدا وفيها دمي أخشاه منسفكا
*
* اسمع نصيحة من أوليته نعما
* يخاف كفرانها إن كف أو تركا
*
* والله لا امتد ملك مد مالكه
* على رعيته من ظلمه شبكا
*
* ترى الحسود به مستبشرا فرحا
* مستغربا من بوادي أمره ضحكا
*
* وزيره ابن غزال والرفيع له
* قاضي القضاة ووالي حربه ابن بكا
*
* وثعلب وفضيل من هما وهما
* أهل المشورة فيما ضاق أو ضنكا
*
* جماعة بهم الآفات قد نشرت
* والشرع قد مات والإسلام قد هلكا
*
* ما راقبوا الله في سر وفي علن
* وإنما يرقبون النجم والفلكا
*
* إن كان خيرا ورزقا واسعا فلهم
* أو كان شرا وأمرا سيئا فلكا
*
((455 - ابن شرف القيرواني))
محمد بن أبي سعيد بن أحمد بن شرف القيرواني الجذامي أحد فحول شعراء الأندلس والغرب كان أعور وله تصانيف منها أبكار الأفكار وهو كتاب حسن في الأدب يشتمل على نظم ونثر من كلامه وتوفي سنة ستين وأربعمائة

339
وكان بينه وبين ابن رشيق مهاجاة ومعاداة جرى الزمان بها كعادته بين المتعاصرين ولابن رشيق فيه عدة رسائل يهجوه فيها ويذكر أغلاطه وقبائحه منها رسالة ساجور الكلب ورسالة قطع الأنفاس ورسالة نجح الطلب ورسالة رفع الإشكال ودفع المحال وكتاب فسخ الملح ونسخ اللمح
ومن شعر ابن شرف وهو تشبيه متمكن
* كأنما حمامنا فقحة
* النتن والظلمة والضيق
*
* كأنني في وسطها فيشة
* ألوطها والعرق الريق
*
فبلغ ذلك ابن رشيق فقال مجيزا
* وأنت أيضا أعور أصلع
* فصادف التشبيه تحقيق
*
وهذا في غاية الحسن وعجيب الاتفاق
ومن شعر ابن شرف من أبيات
* ولقد نعمت بليلة جمد الحيا
* بالأرض فيها والسماء تذوب
*
* جمع العشاءين المصلى وانزوى
* فيها الرقيب كأنه مرقوب
*
* والكأس كاسية القميص كأنها
* لونا وقدرا معصم مخضوب
*
* هي وردة في خده وبكأسها
* تحت القناني عسجد مصبوب
*
* مني إليه ومن يديه إلى يدي
* فالشمس تطلع بيننا وتغيب
*
ومما سار له وطار وملأ الأقطار قوله
* جاور عليا ولا تحفل بحادثة
* إذا ادرعت فلا تسأل عن الأسل
*
* فالماجد السيد الحر الكريم له
* كالنعت والعطف والتوكيد والبدل
*
* سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد
* ملء المسامع والأفواه والمقل
*
وقال أيضا
* لا تسأل الناس والأيام عن خبر
* هما يبثانك الأخبار تطفيلا
*

340
* ولا تعاتب على نقص الطباع أخا
* فإن بدر السما لم يعط تكميلا
*
وقال أيضا
* احذر محاسن أوجه فقدت محا
* سن أنفس ولو أنها أقمار
*
* سرج تلوح إذا نظرت فإنها
* نور يضيء وإن مسست فنار
*
وقال أيضا
* قالوا تصاهلت الحمي
* ر فقلت من عدم السوابق
*
* خلت الدسوت من الرخا
* خ ففرزنت فيها البياذق
*
وقال في عود والمعنى مشهور
* سقى الله أرضا أنبتت عودك الذي
* زكت منه أغصان وطابت مغارس
*
* تغنى عليها الطير وهي رطيبة
* وغنت عليها الناس والعود يابس
*
وقال
* إذا صحب الفتى جد وسعد
* تحامته المكاره والخطوب
*
* ووافاه الحبيب بغير وعد
* طفيليا وقاد له الرقيب
*
* وعد الناس ضرطته غناء
* وقالوا إن فسا قد فاح طيب
*
وقال في مليح اسمه عمر
* يا أعدل الناس اسما كم تجوز على
* فؤاد مضناك بالهجران والبين
*
* أظنهم سرقوك القاف من قمر
* فأبدلوها بعين خيفة العين
*
((456 - شرف الدين البوصيري))
محمد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج بن ملال الصنهاجي
كان أحد أبويه من أبو صير والآخر من دلاص فركبت له نسبة

341
منهما وقيل الدلاصيري لكنه اشتهر بالبوصيري
كان يعاني صناعة الكتابة والتصرف وباشر الشرقية ببلبيس وله تلك القصيدة المشهورة التي نظمها في مباشري الشرقية التي أولها
* فقدت طوائف المستخدمينا
* فلم أر فيهم رجلا أمينا
*
* فقد عاشرتهم ولبثت فيهم
* مع التجريب من عمري سنينا
*
* فكتاب الشمال هم جميعا
* فلا صحبت شمالهم اليمينا
*
* فكم سرقوا الغلال وما عرفنا
* بهم فكأنما سرقوا العيونا
*
* ولولا ذاك ما لبسوا حريرا
* ولا شربوا خمور الأندرينا
*
* ولا ربوا من المردان مردا
* كأغصان يقمن وينحنينا
*
* وقد طلعت لبعضهم ذقون
* ولكن بعد ما نتفوا ذقونا
*
* وأقلام الجماعة جائلات
* كأسياف بأيدي لاعبينا
*
* وقد ساوقتهم حرفا بحرف
* وكل اسم يخطوا منه سينا
*
* أمولاي الوزير غفلت عما
* يتم من اللئام الكاتبينا
*
* تنسك معشر منهم وعدوا
* من الزهاد والمتورعينا
*
* وقيل لهم دعاء مستجاب
* وقد ملئوا من السحت البطونا
*
* تفقهت القضاة فخان كل
* أمانته وسموه الأمينا
*
* وما أخشى على أموال مصر
* سوى من معشر يتأولونا
*
* يقول المسلمون لما حقوق
* بها ولنحن أولى الآخذينا
*
* وقال القبط نحن ملوك مصر
* وإن سواهم هم غاصبونا
*
* وحللت اليهود بحفظ سبت
* لهم مال الطوائف أجمعينا
*
* وما ابن قطيبة إلا شريك
* لهم في كل ما يتخطفونا
*
* أغار على قرى فاقوس منه
* بجور يمنع النوم الجفونا
*
* وصير عينها حملا ولكن
* لمنزله وغلتها خزينا
*
* وأصبح شغله تحصيل تبر
* وكانت راؤه من قبل نونا
*
* وقدمه الذين لهم وصول
* فتمم نقصه صلة الذينا
*
* وفي دار الوكالة أي نهب
* فليتك لو نهبت الناهبينا
*
* فقام بها يهودي خبيث
* يسوم المسلمين أذى وهونا
*

342
* إذا ألقى بها موسى عصاه
* تلقفت القوافل والسفينا
*
* وشاهدهم إذا اتهموا يؤدي
* عن الكل الشهادة واليمينا
*
وهي طويلة إلى الغاية وقد اختصرت من أبياتها كثيرا وله فيهم غير ذلك
وشعره في غاية الحسن واللطافة عذب الألفاظ منسجم التركيب
وقال فيمن اسمه عمر وعلى عينه بياض
* سموه غمرا فصفحنا اسمه عمرا
* فبين الدهر منا موضع الغلط
*
* فأصبحت عينه غينا بنقطتها
* وطالما ارتفع التصحيف بالنقط
*
وقال فيه من قصيدة أولها
* أهوى والمشيب قد حال دونه
* والتصابي بعد المشيب رعونة
*
* أبت النفس أن تطيع وقالت
* إن جنى لا يدخل القنينة
*
* كيف أعصى الهوى وطينة قلبي
* بالهوى قبل آدم معجونة
*
* سلبته الرقاد بيضة خدر
* ذات حسن كالدرة المكنونة
*
* سمتها قبلة تسر بها النف
* س فقالت كذا أكون حزينة
*
* قلت لا بد أن تسيري إلى الدا
* ر فقالت عسى أنا مجنونة
*
* قلت سيري فإنني لك خير
* من أب راحم وأم حنونة
*
* أنا نعم القرين إن كنت تبغي
* ن حلالا وأنت نعم القرينة
*
* قالت اضرب عن وصل مثلي صفحا
* واضرب الخل أو تصير طحينة
*
* لا أرى أن تمسني يد شيخ
* كيف أرضى به لطستي مسينة
*
* قلت إني كثير مال فقالت
* هبك أنت المبارز القارونة
*
ومنها
* سيدي لا تخف علي خروجا
* في عروضي ففطنتي موزونة
*

343
* كل بحر إن شئت فيه اختبرني
* لا تكذب فإنني يقطينة
*
وقال من قصيدة أولها
* يا أيها المولى الوزير الذي
* أيامه طائعة أمره
*
* ومن له منزلة في العلا
* تكل عن أوصافها الفكرة
*
* إليك نشكو حالنا إننا
* حاشاك من قوم أولى عسره
*
* في قلة نحن ولكن لنا
* عائلة في غاية الكثرة
*
* أحدث المولى الحديث الذي
* جرى لهم بالخيط والإبرة
*
* صاموا مع الناس ولكنهم
* كانوا لمن أبصرهم عبرة
*
* إن شربوا فالبئر زير لهم
* ما برحت والشربة الجرة
*
* لهم من الخبيز مصلوقة
* في كل يوم تشبه النشرة
*
* أقول مهما اجتمعوا حولها
* تنزهوا في الماء والخضرة
*
* وأقبل العيد وما عندهم
* قمح ولا خبز ولا فطرة
*
* فارحمهم إن عاينوا كعكة
* في يد طفل أو رأوا تمرة
*
* تشخص أبصارهم نحوها
* بشهقة تتبعها زفرة
*
* كم قائل يا أبتا منهم
* قطعت عنا الخير في كره
*
* ما صرت تأتينا بفلس ولا
* بدرهم ورق ولا نقرة
*
* وأنت في خدمة قوم فهل
* تخدمهم يا أبتي سخرة
*
* ويوم زارت أمهم أختها
* والأخت في الغيرة كالضرة
*
* وأقبلت تشكو لها حالها
* وصبرها مني على العشرة
*
* قالت لها كيف تكون النسا
* كذا مع الأزواج يا عره
*
* قومي اطلبي حقك منه بلا
* تخلف منك ولا فترة
*
* وإن تأبى فخذي ذقنه
* وانتفيها شعرة شعرة
*
* قالت لها ما هكذا عادتي
* فإن زوجي عنده ضجرة
*
* أخاف إن كلمته كلمة
* طلقني قالت لها بعرة
*

344
* وهونت قدري في نفسها
* فجاءت الزوجة محترة
*
* فقاتلني فتهددتها
* فاستقبلت رأسي بآجرة
*
* وحق من حالته هذه
* أن ينظر المولى له نظرة
*
وقال وقد كتب بها إلى بعض الأصحاب
* قل لعلي الذي صداقته
* على حقوق الإخوان مؤتمنه
*
* أخوك قد عودت طبيعته
* بشربة في الربيع كل سنة
*
* والآن قد عفنت عليه وقد
* هدت قواه وجففت بدنه
*
* وعاودت يومها زيارته
* وما اعتراها من قبل ذاك سنه
*
* وعاد عند القيام يحملها
* براحتيه كأنها زمنه
*
* جئت بها للطبيب مشتكيا
* ودمعتي كالعوارض الهتنة
*
* فقال عد لي إذا احتميت وكل
* في كل يوم دجاجة دهنه
*
* كيف وصولي إلى الدجاجة وال
* بيضة عندي كأنها بدنه
*
* جزاك ربي إذا انسهلت بما
* شربت عن كل خرية حسنة
*
قال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس كانت له حمارة استعارها منه ناظر الشرقية فأعجبته فأخذها وجهز له ثمنها مائتي درهم فكتب على لسانها إلى الناظر المملوكة حمارة البوصيري تنشد
* يا أيها السيد الذي شهدت
* ألفاظه لي بأنه فاضل
*
* ما كان ظني يبيعني أحد
* قط ولكن سيدي جاهل
*
* لو جرسوه على من سفه
* لقلت غيظا عليه يستأهل
*
* أقصى مرادي لو كنت في بلدي
* أرعى بها في جوانب الساحل
*
* ويعد هذا فما يحل لكم
* أخذي لأني من سيدي حامل
*

345
فردها الناظر إليه ولم يأخذ الدراهم منه
وقال فيمن على عينه بياض
* أنظر تجد لله في
* عينيه سرا أي سر
*
* طمس اليمين بكوكب
* وسيطمس اليسرى بفجر
*
وقال في الشيخ زين الدين ابن الرعاد
* لقد عاب شعري في البرية شاعر
* ومن عاب أشعاري فلا بد أن يهجى
*
* وشعري بحر لا يوافيه ضفدع
* ولا يقطع الرعاد يوما له لجا
*
وللبوصيري في مديح النبي
قصائد طنانة منها قصيدة مهموزة أولها
* كيف ترقى رقيك الأنبياء
*
وقصيدة على وزن بانت سعاد وأولها
* إلى متى أنت باللذات مشغول
* وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
*
وقصيدته المشهورة بالبردة التي أولها
* أمن تذكر جيران بذي سلم
* مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
*
قال البوصيري كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله
منها ما كان اقترحه على الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير ثم اتفق أن أصابني فالج أبطل نصفي ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة فعملتها واستشفعت به إلى الله تعالى في أن يعافيني وكررت إنشادها وبكيت ودعوت وتوسلت ونمت فرأيت النبي
فمسح على وجهي بيده المباركة وألقى علي بردة فانتبهت ووجدت في نهضة فقمت وخرجت من بيتي ولم أكن أعلمت بذلك أحدا فلقيني بعض الفقراء فقال لي أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله
فقلت أيها فقال التي أنشأتها في مرضك وذكر أولها وقال والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله
فرأيت رسول الله
يتمايل وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة فأعطيته إياها

346
وذكر الفقير ذلك وشاع المنام إلى أن اتصل بالصاحب بهاء الدين ابن حنا فبعث إلي وأخذها وحلف ألا يسمعها إلا قائما حافيا مكشوف الرأس وكان يحب سماعها هو وأهل بيته
ثم إنه بعد ذلك أدرك سعد الدين الفارقي الموقع رمد أشرف منه على العمى فرأى في المنام قائلا يقول له اذهب إلى الصاحب وخذ البردة واجعلها على عينيك فتعافى بإذن الله عز وجل فأتى إلى الصاحب وذكر منامه فقال ما أعرف عندي من أثر النبي
بردة ثم فكر ساعة وقال لعل المراد قصيدة البردة التي للبوصيري يا ياقوت افتح الصندوق الذي فيه الآثار وأخرج القصيدة للبوصيري وأت بها فأتى بها فأخذها سعد الدين ووضعها على عينيه فعوفي ومن ثم سميت بالبردة والله أعلم
((457 - ابن قتلمش الحاجب))
محمد بن سليمان بن قتلمش أبو منصور السمرقندي ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وبرع في الأدب وولي حجبة الباب للخليفة
وتوفي سنة عشرين وستمائة ودفن في الشونيزية
ومن شعره
* سئمت تكاليف هذب الحياة
* وكر الصباح بها والمساء
*
* وقد صرت كالطفل في عقله
* قليل الصواب كثير الهذاء
*
* أنام إذ كنت في مجلس
* وأسهر عند دخول الغناء
*
* وقصر خطوي قيد المشيب
* وطال على ما عناني عنائي
*
* وما جر ذلك غير البقاء
* فكيف ترى سوء فعل البقاء
*
وقال أيضا
* تقول حليلتي لما رأتني
* وقد أزمعت عن وطني غدوا
*

347
* أقم واطلب مرامك من صديق
* فقلت لها يصير إذن عدوا
*
وقال أيضا
* لا والذي سخر قلبي لها
* عبدا كما سخر لي قلبها
*
* ما فرحي في حبها غير أن
* تبيح لي من هجرها قلبها
*
وقال أيضا
* ومهفهف غض الشباب أنيقه
* كالبدر غصني الشباب وريقه
*
* نازعته مشمولة فأرادها
* من وجنتيه ومقلتيه وريقه
*
وقال أيضا
* يا قوم ما بي مرض واحد
* لكن بي عدة أمراض
*
* ولست أدري بعد ذا كله
* أساخط مولاي أم راضي
*
وقال أيضا
* ومقرطق وجدي عليه كردفه
* وتجلدي والصبر عنه كخصره
*
* نادمته في ليلة من شعره
* أجلو محاسنه بشمعة ثغره
*
وقال أيضا
* لي في هواك وإن عذبتني أرب
* ينفي السلو ولو قطعت آرابا
*
* لا أطلب الروح من كرب الغرام ولو
* صبت علي سماء الحب أوصابا
*
* ولست أبغي ثواب الصبر عنك ولو
* ألبستني من سقام الجسم أثوابا
*
* وشقوتي بك لا أرضى النعيم بها
* وساعة منك تسوى النار أحقابا
*
وكان مغرى بالقمار والنرد لا يكاد يفارقهما إلا إذا لم يجد من يساعده على ذلك

348
((458 - ابن أبي الربيع الهواري))
محمد بن سليمان بن عبد الله بن يوسف جمال الدين الهواري بتشديد الواو وبعد الألف راء المالكي المعروف بابن أبي الربيع
كان فاضلا أديبا قال قطب الدين اليونيني قال ابن خلكان أنشدني جمال الدين لنفسه
* لولا التطير بالخلاف وأنهم
* قالوا مريض لا يعود مريضا
*
* لقضيت نحبي خدمة بفنائكم
* لأكون مندوبا قضى المفروضا
*
ومن شعره
* أحباب قلبي إن تحكمت النوى
* في بيننا وجرى القضاء بما جرى
*
* فلقد غضضت عن الورى من بعدكم
* طرفا يرى من بعدكم ألا يرى
*
وقال أيضا
* سريت من السواد إلى السويدا
* مسير البدر في طرفي وقلبي
*
* قضيت من النوى وطرا وها قد
* قضيت لك البقا في البعد نحبي
*
وقال في موسى بن يغمور
* لك الله يا موسى فأنت محمد الص
* صفات وفكري فيك حسان مدحه
*
* إذا ما دجا ليل من الخطب مظلم
* فمن يدك البيضاء إسفار صبحه
*
وكتب إلى صديق له يدعى الصدر
* ما زلت في بعد وقرب
* صبا إليك وأي صب
*
* حزت القلوب بأسرها
* والصدر موضع كل قلب
*

349
وقال أيضا فيه
* وتوسوست باشتياقي إلى الصد
* ر وما زال موضع الوسواس
*
((459 - شمس الدين بن العفيف التلمساني))
محمد بن سليمان بن علي شمس الدين ابن الشيخ عفيف الدين التلمساني
قال القاضي شهاب الدين بن فضل الله في حقه نسيم سرى ونعيم جرى وطيف لا بل أخف موقعا منه في الكرى لم يأت إلا بما خف على القلوب وبرئ من العيوب رق شعره فكاد أن يشرب ودق فلا غرو للقضب أن ترقص والحمام أن يطرب ولزم طريقة دخل فيها بلا استئذان وولج القلوب ولم يقرع باب الآذان وكان لأهل عصره ومن جاء على آثارهم افتتان بشعره وخاصة أهل دمشق فإنه بين غمائم حياضهم ربى وفي كمائم رياضهم حبى حتى تدفق نهره وأينع زهره وقد أدركت جماعة من خلطائه لا يرون عليه تفضيل شاعر لا يروون له شعرا إلا وهم يعظمونه كالمشاعر لا ينظرون له بيتا إلا كالبيت ولا يقدمون عليه سابقا حتى لو قلت ولا امرأ القيس لما باليت ومرت له ولهم بالحمى أوقات لم يبق من زمانها إلا تذكره ولا من إحسانها إلا تشكره وأكثر شعره لا بل كله رشيق الألفاظ سهل على الحفاظ لا يخلو من الألفاظ العامية وما تحلو به المذاهب الكلامية فلهذا علق بكل خاطر وولع به كل ذاكر وعاجله أجله فاخترم وحرم أحباءه لذة الحياة وحرم
فمن شعره
* بلا غيبة للبدر وجهك أجمل
* وما أنا فيما قلته متجمل
*
* ولا عيب عندي فيك لولا صيانة
* لديك بها كل امرئ يتبذل
*

350
* لحاظك أسياف ذكور فما لها
* كما زعموا مثل الأرامل تغزل
*
* وما بال برهان العذار مسلما
* ويلزمه دور وفيه تسلسل
*
* وعهدي أن الشمس بالصحو آذنت
* فما بال سكري من محياك يقبل
*
* كأنك لم تخلق لغير نواظر
* تسهدها وجدا وقلبا تعلل
*
* حبيبي ليهن الحسن أنك حزته
* ويهن فؤادي أنه لك منزل
*
* إذا كنت ذا ود صحيح فلم يكن
* يضرني العذال حيث تقولوا
*
* رأوا منك حظي في المحبة آخرا
* لذا حرفوا عني الحديث وأولوا
*
وقال أيضا
* بعينيك هذي الفاترات التي تسبي
* يهون على اليوم قتلي يا حبي
*
* إذا ما رأت عيني جمالك مقبلا
* وحقك يا روحي سكرت بلا شرب
*
* وإن هز عطفيك الصبا متمايلا
* أضاع الهوى نسكي وغيبت عن لبي
*
* فدعني وهذا الخد أعصر في فمي
* عناقيد صدغيه وحسبي به حسبي
*
* لو أن تجار اللؤلؤ الرطب شاهدوا
* ثناياك ما عنوا على اللؤلؤ الرطب
*
* أيا ساقي الكاس الذي زاد خده
* عليها احمرارا عد بالكاس عن صحبي
*
* وما ذاك بخلا بالمدام وإنما
* إذا لحت لم آمن عليهم من السلب
*
* وبالله قل لي أيها الظبي كيف قد
* تعلمت صيد الأسد في شرك الهدب
*
* وماذا الذي قد بعت فاسترهنت به
* لديك الربا رهنا كثيبا من الكثب
*
* فخذ قصة الشكوى من الأعين التي
* نفيت لذيذ النوم عنها بلا ذنب
*
* ولا تعتبن صبا تهتك ستره
* عليك فهتك الستر أليق بالصب
*
وقال أيضا
* أعز الله أنصار العيون
* وخلد ملك هاتيك الجفون
*
* وضاعف بالفتور لها اقتدارا
* وإن تك أضعفت عقلي وديني
*
* وأبقى دولة الأعطاف فينا
* وإن جارت على القلب الطعين
*
* وأسبغ ظل ذاك الشعر يوما
* على قد به هيف الغصون
*
* وصان حجاب هاتيك الثنايا
* وإن ثنت الفؤاد إلى شجون
*

351
وقال أيضا
* أسير ألحاظ لخد أسيل
* كليم أحشاء لطرف كليل
*
* في حب من حظي كشعر له
* لكن قصير ذا وهذا طويل
*
* ليس خليلا لي ولكنه
* أضرم في الأحشاء نار الخليل
*
* يا ردفه جرت على خصره
* رفقا به ما أنت إلا ثقيل
*
وقال أيضا
* في غزلي من لحظ ذاك الغزال
* أخبار صب قتلته النبال
*
* غصن سقته أدمعي ثم ما
* أثمر لما مال إلا الملال
*
* حل ثلاثا يوم حمامه
* ذوائبا تعبق منها الغوال
*
* فقلت والقصد ذؤاباته
* يا سهري في ذي الليالي الطوال
*
وقال أيضا
* لم أنس لما زارني مقبلا
* أولاني الوصل وما ألوى
*
* وقعت بالرشف على ثغره
* وقع المساطيل على الحلوى
*
وقال أيضا
* رأى رضابا عن تسل
* ليه أولو العشق سلوا
*
* ما ذاقه وشاقه
* هذا وما كيف لو
*
وقال
* يا من أطال التجني
* وقد أسا في التوخي
*
* أسرفت تيها وعجبا
* وكثرة الشد يرخي
*
وقال أيضا
* بحق هذي الأعين الساحرة
* وحسن هذي الوجنة الزاهرة
*

352
* خف في الهوى إثمي يا قاتلي
* فاليوم دنيا وغدا آخرة
*
* قلبي مصر لك ما باله
* قد ذاب من أخلاقك القاهرة
*
وقال أيضا
* أحلى من الشهد من هويت وكم
* شقت به في الهوى مرارات
*
* وكيف لا تستطاب ريقته
* وثغره سكر سنينات
*
وقال أيضا
* يا خالة خضرة بعارضه
* حرستها عن متيم مغرى
*
* كف عن العاشقين مقتصرا
* هل أنت إلا حويرس الخضرا
*
وقال أيضا
* مثل الغزال نظرة ولفتة
* من ذا رآه مقبلا ولا افتتن
*
* أعذب خلق الله ثغرا وفما
* إن لم يكن أحق بالحسن فمن
*
* في ثغره وخده وشكله
* الماء والخضرة والوجه الحسن
*
وقال أيضا
* حللت بأحشاء لها منك قاتل
* فهل أنت فيها نازل أم منازل
*
* أرى الليل مذ حجبت ما حال لونه
* على أنه بيني وبينك حائل
*
* أيسعدني يا طلعة البدر طالع
* ومن شقوتي خط بخديك نازل
*
* ولو أن قسا واصف منك وجنة
* لأعجزه نبت بها وهو بأقل
*
* على كل أمر منك عون فربما
* يعين الذي أبلى بما أنت فاعل
*
* وبي ساحر باللحظ للخد حارس
* وذابل أعطاف لدمعي نازل
*
* وشعر كليلى كان طولا فما له
* قصير كحظي هل لذاك دلائل
*

353
* نعم قد تناهى في الغرام تطاولا
* وعند التناهي يقصر المتطاول
*
وقال أيضا
* ما بين هجرك والنوى
* قد ذبت فيك من الجوى
*
* وحياة وجهك لا سلا
* عنك المحب ولا الهوى
*
* يا فاتني بمعاطف
* سجدت لها قضب اللوى
*
* يا من حكى بقوامه
* قد القضيب إذا التوى
*
* ما أنت عندي والقضي
* ب اللدن في حال سوا
*
* هذاك حركه الهوا
* ء وأنت حركت الهوى
*
وقال أيضا
* تمشى بصحن الجامع اليوم شادن
* على قده أغصان بان النقا تثنى
*
* فقلت وقد لاحت عليه حلاوة
* ألا فانظروا هذي الحلاوة في الصحن
*
وقال أيضا
* وهل فيه من شيء سوى أن طرفه
* لكل فؤاد في البرية صائد
*
* وأن محياه إذا قابل الدجى
* أضاء به جنح من الليل راكد
*
* فكم يتجافى خصره وهو ناحل
* وكم يتحالى ريقه وهو بارد
*
* وكم يدعي صونا وهذي جفونه
* بفترتها للعاشقين مواعد
*
وقال أيضا
* للعاشقين بأحكام الغرام رضا
* فلا تكن في الهوى بالعذل معترضا
*
* روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا
* عهد الوفي الذي للعهد ما نقضا
*
* قف واستمع سيرة الصب الذي قتلوا
* فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا
*
* رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا
* فرام صبرا فأعيا نيله فقضى
*
وقال أيضا موشحا
* بدر عن الوصل في الهوى عدلا
* ما لي عنه إن جار أو عدلا
*
* مذهب
*
* مترك اللحظ لفظه خنث
*

354
* إليه تصبو الحشا وتنبعث
*
* أشكو إليه وليس يكترث
*
* دعا فؤادي بأن يذوب قلى
* الموت والله إذ دعا وقلى
*
* أقرب
*
* لم يبق لي مقلة ولا كبد
*
* والقلب فيه أودى به الكمد
*
* وليس يلفي لهجره أمد
*
* لا تعجبوا أن غدوت محتملا
* لكن قلبي إن كان عنه سلا
*
* أعجب
*
* بالحسن كل العقول قد نهبا
*
* والحزن كل القلوب قد وهبا
*
* شمس ولكنني لديه هبا
*
* فانظر لذاك القوام كيف جلا
* غصن وكم بالجمال منه جلا
*
* غيهب
* وقال دوبيت
* قاسيت بك الغرام والهجر سنين
* ما بين بكاء وأنين وحنين
*
* أرضيك ولا تزداد إلا غضبا
* الله كما أبلى بك القلب يعين
*
وقال أيضا
* يا من بفؤادي نار وجدي غادر
* من قاس إليك حسنه من فاخر
*
* لا تخش إذا ما قيل هذا حسن
* عن غيرك فالشيخ غدا شيء آخر
*
وقال أيضا
* يا من غدت القلوب في حكم يديه
* ذا صبك كم تهدى تجنيك إليه
*
* عذل وتسهيد ووجد وقلى
* ما تم على الكلاب ما تم عليه
*
وقال أيضا
* لا تعتقدوا عذاره الفتان
* قد وشح ورد الخد بالريحان
*
* ذا خالقه قد خط في وجنته
* لاما كتبت بالقلم الريحاني
*
وقال أيضا
* يا ممرض جسم صبه بالتيه
* أوردت فؤاده بحار التيه
*
* لا يطلب مضنى مغرم فيه سوى
* إبلاغ حويجة له في فيه
*
وقال أيضا

355
* كم يشمت بي في حبك العذال
* كم يكثر فيك القيل بي والقال
*
* الصبر بكل حالة أليق بي
* أحتاج أداريك ويمشي الحال
*
وقال أيضا
* إن صد وراح للجفا يعتمد
* أو زال وداده الذي أعتقد
*
* فالأمر له وما عليه حرج
* لا يدخل بينه وبيني أحد
*
وقال أيضا
* قد أصبح آخر الهوى أوله
* فالعاذل في هواك ما لي وله
*
* بالله عليك خل ما أوله
* وارحم دنفا حشو حشاه وله
*
وكانت وفاة شمس الدين المذكور في شهور سنة ثمان وثمانين وستمائة بدمشق وكان مولده بالقاهرة في عاشر جمادى الآخرة سنة إحدى وستين وستمائة
ورثاه والده الشيخ عفيف الدين وذكر أخاه أيضا
* ما لي بفقد المحمدين يد
* مضى أخي ثم بعده الولد
*
* يا نار قلبي وأين قلبي أو
* يا كبدي لو يكون لي كبد
*
* يا بائع الموت مشتريه أنا
* فالصبر ما لا يصاب والجلد
*
* أين البنان التي إذا كتبت
* وعاين الناس خطها سجدوا
*
* أين الثنايا التي إذا ابتسمت
* أو نطقت لاح لؤلؤ نضد
*
* ما فقدتك الإخوان يا ولدي
* وإنما شمس أنسهم فقدوا
*
* محمد يا محمد عددا
* وما لما ليس ينتهي عدد
*
منها
* ماذا على الغاسلين إذ قرب ال
* أملاك منه لو أنهم بعدوا
*
* قد حملت نفسه العلوم إلى ال
* فردوس والنعش فوقه الجسد
*
* أبكيت خالاتك الضواحك من
* قبل وما من صفاتك النكد
*
* بي كبر مسني وأمك قد
* شاخت فمن أين لي يرى ولد
*

356
* وهبه قد كان لي فمثلك لا
* يرجى وأين الزمان والأمد
*
منها
* يا ليتني لم أكن أبا لك أو
* يا ليت ما كنت أنت لي ولد
*
قيل إنه عمل مرة جماعة سماعا حسنا وكان فيه جماعة ملاح فبعثوا منهم مليحا إلى شمس الدين يطلبونه من والده فلما جاء الرسول كتب والده على يده
* أرسلتما لي رسولا في رسالته
* حلو المراشف والأعطاف والهيف
*
* وقد تما ويسير ذاك أنكما
* وقدتما النار في بادي الضنا دنف
*
فلما حضر ولده وبلغته الواقعة واطلع على مجيء الرسول كتب إلى والده
* مولاي كيف انثنى عنك الرسول ولم
* تكن لوردة خديه بمرتشف
*
* جاءتك من بحر ذاك الحسن لؤلؤة
* فكيف ردت بلا ثقب إلى الصدف
*
((460 - ابن النقيب المفسر))
محمد بن سليمان بن الحسن بن الحسين العلامة الزاهد جمال الدين أبو عبد الله البلخي الأصل المقدسي الحنفي المعروف بابن النقيب أحد الأئمة
ولد سنة إحدى عشرة وستمائة ودخل القاهرة ودرس بالعاشورية ثم تركها وأقام بالجامع الأزهر مدة
وكان صالحا زاهدا متواضعا عديم التكلف وكان الأكابر يترددون إليه ويسألونه الدعاء وصرف همته إلى التفسير وصنف تفسيرا حافلا جمع فيه خمسين مصنفا وذكر فيه أسباب النزول والقراءات والإعراب واللغات والحقائق وعلم الباطن
قيل إنه في خمسين مجلدة
وتوفي سنة ثمان وتسعين وستمائة رحمه الله تعالى

357
((461 - نجم الدين بن إسرائيل))
محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن الحسن بن علي بن الحسين نجم الدين أبو المعالي الشيباني الشاعر المشهور
ولد بدمشق سنة ثلاث وستمائة وتوفي بها سنة سبع وسبعين وستمائة ودفن داخل قبة الشيخ رسلان
صحب الشيخ علي الحريري ولبس الخرقة من الشيخ شهاب الدين السهروردي وسمع عليه وأجلسه في ثلاث خلوات
وكان قادرا على النظم مكثرا منه مدح الرؤساء والقضاة وغيرهم وتجرد وسافر إلى البلاد على قدم الفقر وقضى الأوقات الطيبة وكان ريحانة المشاهد وديباجة السماعات
وحضر بعض الليالي وقتا وفيه نجم الدين بن الحكيم الحموي فغنى المغني من شعر ابن إسرائيل قوله
* وما أنت غير الكون بل أنت عينه
* ويفهم هذا السر من هو ذائق
*
فقال ابن الحكيم كفرت كفرت فقال ابن إسرائيل لا ما كفرت ولكن أنت ما تفهم وتشوش الوقت
ومن شعره
* وفى لي من أهواه جهرا بموعدي
* فأرغم عذالي عليه وحسدي
*
* وزار على شحط المزار تطولا
* على مغرم بالوصل لم يتعودا
*
* فيا حسن ما أبدي لعيني جماله
* ويا برد ما أهدي إلى قلبي الصدى
*
* ويا صدق أحلامي ببشرى وصاله
* ويا نيل آمالي ويا نجح مقصدي
*
* نديمي من سعد أريحا ركائبي
* فقد أمنت من أن تروح وتغتدي
*
* ولا تلزماني النسك فالحب شاغلي
* ولا تذكرا لي الورد فالراح موردي
*
* ولا تقفا بي في الرسوم التي عفت
* فقد طال حبسي بين نؤى وموقد
*
* ومرا علي حي بمنعرج اللوى
* وقولا لغزلان الصريم ألا أبعدي
*
* ولا تسعداني بعدها لكما البقا
* فما في بعد اليوم فقر لمسعد
*

358
* أمن بعد ما قد برد الشوق غلتي
* وزار الكرى أجفان طرفي المسهد
*
* وهامت بي الصهباء وجدا فكل من
* سقاها له طرف إلى رؤيتي صدي
*
* وأمسيت والكاسات شمسي وأصبحت
* عروس حميا الحان تجلى على يدي
*
* وأضحت ظباء الحي صيد خلاعتي
* وإن صدن من أهل النهى كل أصيد
*
* ذراني وعزمي والدجى ومزاره
* فقد أبت العلياء إلا تفردي
*
* ولا تأيسا من روحه وتأسيا
* فكم معرض في اليوم يقبل في غد
*
* ففي الحي صب باع مهجة نفسه
* لجيرة ذاك الحي نقدا بموعد
*
* هو الحب إما منية أو منية
* ودون العلا حد الحسام المهند
*
* ألم تريا أني وجدت تلذذي
* برؤياه عقبى حيرتي وتلددي
*
* وقد عشت دهرا والزمان يهزني
* وتطربني الألحان من كل منشد
*
* فأغدو وفي ليل الغدائر دائبا
* أضل ومن صبح المباسم أهتدي
*
* ويقسم جسمي كل جفن وتارة
* يورد دمعي كل خد مورد
*
* فطورا أرى في الربع يبدو تولهي
* وطورا وراء الظعن يوهى تجلدي
*
* أحن للمع النار شب ضرامها
* بنعمان في ظل الأراك المعمد
*
* وأصبو متى هبت صباحا جرية
* تخبرني عن منجد غير منجدي
*
* وتخجل أجفاني السحاب بوبلها
* متى لاح لي برق ببرقة ثهمد
*
وقال في غلام جميل الصورة حياه بتفاحة
* لله تفاحة وافي بها سكني
* فسكنت لهبا في القلب يستعر
*
* كفرصة المسك وافني الغزال بها
* وغره النجم حياني بها القمر
*
* حمراء في صورة المريخ عاطرة
* يزري بنشر الحميا نشرها العطر
*
* أتى بها قاتلي نحوي فهل أحد
* قبلي تمشى إليه الغصن والثمر
*
وقال أيضا
* عسى الطيف بالزوراء منك يزور
* فقد نام عنه كاشح وغيور
*
* وكيف يزور الطيف صبا مسهدا
* له النجم بعد الظاعنين سمير
*
* سروا في ضياء من شموس خدورهم
* كأن سراهم في الظلام منير
*
* ظعائن تغزو الجيش وهي رديفة
* عليهن من سمر الرماح ستور
*
* إذا نزلوا أرضا تولت محولها
* وأضحت وفيها روضة وغدير
*

359
* وإن فارقوا أرضا غدت ورمالها
* من الطيب مسك والتراب عبير
*
* أأحبائنا النائين أدعو وبيننا
* سهول عسير قطعها ووعور
*
* سقى أبرق الحنان حيث مصيفكم
* من المزن داني الهيدبين مطير
*
* ودار لكم بالبان عن أيمن الحمى
* يلوح عليها نضرة وسرور
*
* قريبة عهد بالخليط رسومها
* مواثل ما محت لهن سطور
*
* كأن مواطي الخيل فيها أهلة
* وآثار أخفاف المطي بدور
*
وقال أيضا
* في ذمة الله من أهوى وإن بانا
* وإن أسر لي الغدر الذي بانا
*
* وفي سبيل الهوى عهدا تحمله
* قلب يرى حفظه الأيمان إيمانا
*
* يا ظاعنا لم أكن من قبل فرقته
* أهوى ربوعا ولا أشتاق أوطانا
*
* لم يبق بينك عندي يا منى أملي
* للشوق قلبا ولا للدامع أجفانا
*
وقال أيضا في كحال كحل محبوبه
* يا سيد الحكماء هذي سنة
* مسنونة في الطب أنت سننتها
*
* أو كلما كلت سيوف جفون من
* سفكت لواحظه الدماء سننتها
*
وقال أيضا
* يا من يشير إليهم المتكلم
* وإليهم يتوجه المتظلم
*
* وعليهم يحلو التأسف والأسى
* ويلذ لوعات الغرام المغرم
*
* هذا الوجود وإن تعدد ظاهرا
* وحياتكم ما فيه إلا أنتم
*
* وشغلتم كلي بكم وجوارحي
* وجوانحي أبدا تحن إليكم
*
* وإذا نظرت فلست أنظر غيركم
* وإذا سمعت فمنكم أو عنكم
*
* وإذا نطقت ففي صفات جمالكم
* وإذا سألت الكائنات فعنكم
*
* وإذا سكرت فمن مدامة حبكم
* وبذكركم في سكرتي أترنم
*
* وإذا نظمت تغزلا في صورة
* فلأجل حسنكم المحجب أنظم
*
* أنتم حقيقة كل موجود بدا
* ووجود هذي الكائنات توهم
*

360
* أنا في وجودكم غريب بائس
* وغريبكم ما باله لا يرحم
*
وقال أيضا
* وأهيف القامة عذب اللمى
* يقر عينيه دوام السهر
*
* وما رأينا قبل أجفانه
* من نرجس يذبل وقت السحر
*
وقال أيضا
* إن أم صبحي سمرا أو أراك
* فإنما مقصدهم أن أراك
*
* وإن ترنمت بذكر الحمى
* فإنما عقد ضميري حماك
*
* وإن دعا غيرك داع فما
* أحسب إلا أنه قد دعاك
*
* وإن بكى صب حبيبا فما
* أحسب إلا أنه قد بكاك
*
* يا جملة الحب وتفصيله
* أجملت إذ فرغتني من سواك
*
* ويا غنيا عن غرامي به
* من لي بأن يرحم فقري غناك
*
* ملأت كل الكون عشقا فما
* أعرف قلبا خاليا من هواك
*
وقال أيضا
* إلى كم رعاك الله تنأى وأقرب
* وأرضى بما تجني علي وتغضب
*
* فلا أنت مشك إن شكوت فيشتفى
* فؤادي وإن أعتب فما أنت معتب
*
* تكلفت لي ذاك الوداد فلم يدم
* وكل وداد بالتكلف يصعب
*
* ومن يتكلف ضد ما هو طبعه
* تعد نفسه للطبع والطبع أغلب
*
* يقولون هند لا تدوم وزينب
* على العهد كل الناس هند وزينب
*
* تطلبت ودا لا يكون لعلة
* فأعوزني وجدان ما أتطلب
*
* وحاولت من يوفي بعهد فلم أجد
* كأن الذي حاولت عنقاء مغرب
*
* تلطف فإن اللطف منك سجية
* تعطف فإن العطف منك مجرب
*
* وإن كان لا بد من الهجر فاتئد
* لعل رحيلي عن جنابك يقرب
*
* سأرحل عنك اليوم لا متلفت
* بوجهي كأني خائف مترقب
*
* وأما ودادي فهو باق وإن من
* بقاء ودادي أنني أتعتب
*
وقال أيضا
* يا غزالا قد سبانا حسنه
* وهلالا لاح في غصن لجين
*
* قمر العقرب خوفت فمن
* منصفي من قمر في عقربين
*

361
وقال أيضا
* ما أحسن الجامع في ليلة الن
* نصف وقد لاح عليه السرور
*
* وأشبهت زهر قناديله
* كاسات راح للندامى تدور
*
* وقارن النسر الثريا به
* وقابل البدر هناك البدور
*
وقال أيضا
* ما مثل جامعنا ومثل وقيده
* كضياء طلعة شاهدي ومواصلي
*
* وكأن ذاك الوجه قنديل يرى
* ومن العذار معلق بسلاسل
*
وقال أيضا في مروحة
* ومحبوبة في القيظ لم تخل من يد
* وفي القر تجفوها أكف الحبائب
*
* إذا ما الهوى المقصور هيج عاشقا
* أتت بالهوى الممدود من كل جانب
*
وقال في مليح مغن
* وأهيف إن غني فقمري بانة
* وإن ماس من عجب فبعض غصونها
*
* تحرك خلف الدف حتى تحركت
* قلوب رجال فجعت بسكونها
*
وقال أيضا
* هل عهد ليلى بالكثيب عائد
* أم طيفها لسقم جسمي عائد
*
* حوراء حار العقل في صفاتها
* لها الجمال عاشق وحاسد
*
* فكل عضو فيه بدر طالع
* وكل عطف فيه غصن مائد
*
* فعطفها وحسن صبري ناقص
* وحسنها وفرط وجدي زائد
*
* يا كعبة الحسن التي أحجها
* فؤاد مضناك عليك وافد
*
* قد سقت في الهوى إليك مهجتي
* والدم دمع لغرامي شاهد
*
* وطفت في مغناك حتى ملني
* من أرضك الرسوم والمعاهد
*
* ولم أقصر فيك عن حفظ الهوى
* والحر من يحفظ من يعاهد
*
* وربما يجمع جمع شملنا
* بكم وتصفو عندك الموارد
*
* وعلنا نقضي منانا بمنى
* وتنقضي من وصلنا المواعد
*
* أو لا فموتي فيكم شهادة
* علي فيها بالرضا شواهد
*
وحكى لي الشيخ عز الدين الدربندي المؤذن بالجامع الأموي رحمه الله تعالى قال أخبرني نجم الدين بن إسرائيل قال أضقت في بعض الأوقات

362
إضافة شديدة فقلت في نفسي والله لا مدحت غير الله تعالى فقلت القصيدة السينية التي أولها
* يا ناق ما دون الأثيل معرس
* جدي فصبحك قد بدا يتنفس
*
* واستصحبي عزما يبلغك الحمى
* لتظل تغبطك الجواري الكنس
*
قال فجاءت اثنتين وستين بيتا وكان لي عادة أن أنظم القصيدة وأنقحها فيما بعد فعرضت القصيدة فلم أر فيها ما يحذف فنمت ليلتي فلما كان وقت السحر وإذا بالباب يدق فقمت فوجدت قاصدا من مصر ومعه كتاب من الأمير جمال الدين بن يغمور وصحبته صرة ذهب وقال الأمير يسلم عليك وهذه برسم النفقة فعددت الذهب فكان اثنين وستين دينارا
أو كما قال رحمه الله تعالى
((462 - شرف الدين بن الوحيد))
محمد بن شريف بن يوسف الكاتب شرف الدين بن الوحيد صاحب الخط الفائق والنظم والنثر كان تام الشكل حسن البزة موصوفا بالشجاعة متكلما بعدة ألسن يضرب المثل
بحسن كتابته
توفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة وقد شاخ
سافر إلى العراق واجتمع بياقوت المجود وكان قد اتصل بخدمة بيبرس الجاشنكير وكتب له أجزاء ختمة في سبعة أجزاء بليقة ذهب بقلم الثلث في قطع البغدادي دخل فيها جملة من الذهب أعطاها له الجاشنكير ألف وستمائة دينار أو ألف وأربعمائة دينار دخل الختمة ستمائة دينار وأخذ الباقي فقيل له في ذلك فقال متى يعود آخر مثل هذا يكتب مثل هذه الختمة وزمكها صندل المذهب وهي وقف في جامع الحاكم
وكتب السبعة أقلام طبقة وخدم بديوان الإنشاء بالقاهرة ومن نظمه في تفضيل الحشيش

363
* وخضراء لا الحمراء تفعل فعلها
* لها وثبات في الحشا وثبات
*
* تؤجج نارا في الحشا وهي جنة
* وتبدي مرير الطعم وهي نبات
*
وقال أيضا
* جهد المغفل في الزمان مضيع
* وإن ارتضى أستاذه وزمانه
*
* كالثور في الدولاب يسعى وهو لا
* يدري الطريق فلا يزال مكانه
*
وكان ناصر الدين شافع قد وقف على شيء من نظمه فأثنى عليه وشكره فلما بلغ ابن الوحيد ذلك قال
* أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
*
وكان ناصر الدين شافع قد عمي فلما بلغه قوله كتب إليه أبياتا يهجوه
* نعم نظرت ولكن لم أجد أدبا
* يا من غدا واحدا في قلة الأدب
*
* عيرتني بالعمى أصبحت تذكره
* والعيب في الرأس دون العيب في الذنب
*
وكان الواقع عظيما بينه وبين محيي الدين بن البغدادي وابن البغدادي عمل له ذلك المنشور الذي أقطعه فيه قائم الهرمل وابن عروة وأبو عروق وما أشبه هذه الأماكن
ورأيت كتاب خواص الحيوان وفيه مكتوب ذكر الضبع من خواص شعرها أنه من تحمل بشيء منه حدث له البغاء وقد كتب ابن البغدادي على الهامش أخبرني الثقة شرف الدين بن الوحيد الكاتب أنه جرب ذلك فصح معه
أو كما قال
((463 - العلوي))
محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب حمله المتوكل من البادية سنة أربعين ومائتين فيمن طلبه

364
من آل أبي طالب فحبس ثلاث سنين ثم أطلق فأقام بسامرا ثم عاد إلى الحجاز
وكان راوية أديبا شاعرا وهو القائل في الحبس من أبيات
* وبدا له من بعد ما اندمل الهوى
* برق تألق بالحمى لمعانه
*
* يبدو كحاشية الرداء ودونه
* صعب الذرا متمنع أركانه
*
* فدنا لينظر أين لاح فلم يجد
* نظرا إليه وصده سجانه
*
* فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه
* والماء ما سمحت به أجفانه
*
((464 - عماد الدين الدنيسري))
محمد بن عباس بن أحمد بن صالح الحكيم البارع عماد الدين الدنيسري
ولد بدنيسر سنة خمس وستمائة وقرأ الطب حتى برع فيه وساد وسمع الحديث بالديار المصرية وصحب البهاء زهيرا مدة وتخرج به في الأدب والشعر وتفقه على مذهب الإمام الشافعي وصنف المقالة المرشدة في درج الأدوية المفردة وأرجوزة في الدرياق الفاروق ونظم مقدمة المعرفة لبقراط وغير ذلك وسكن الشام وخدم بالقلعة في الدولة الناصرية ثم خدم بالبيمارستان الكبير وكان أبوه خطيبا بدنيسر
سمع منه قاضي القضاة نجم الدين بن صصري والبرزالي
توفي سنة ست وثمانين وستمائة
ومن شعره رحمه الله تعالى
* وقلت شهودي في هواك كثيرة
* وأصدقها قلبي ودمعي مسفوح
*
* فقال شهود ليس يقبل قولهم
* فدمعك مقذوف وقلبك مجروح
*
وقال أيضا
* عشقت بدرا مليحا
* عليه في الحسن هالة
*
* مثل الغزال ولكن
* تغار منه الغزالة
*

365
* فقلت أنت حبيبي
* ومالكي لا محالة
*
* جسمي يذوب وجفني
* دموعه هطالة
*
* بعثت من نار وجدي
* مني إليه رسالة
*
* ولي عليك شهود
* معروفة بالعدالة
*
وقال أيضا
* إذا رفع العود تكبيره
* ونادى على الراح داعي الفرح
*
* رأيت سجودي لها دائما
* ولكن عقيب ركوع القدح
*
وقال أيضا
* كلفت بالمعسول من ريقه
* وهمت بالعسال من قده
*
* بدر إذا أبصرته مقبلا
* أبصرت بدر التم في سعده
*
* يجرح قلبي لحظه مثلما
* يجرحه لحظي في خده
*
* قلت لعذالى على حبه
* والقلب موقوف على وجده
*
* من يده في الما إلى زنده
* يعرف حر الماء من برده
*
وقال أيضا
* ولقد سألت وصاله فأجابني
* عنه الجمال إشارة عن قائل
*
* في نون حاجبه وعين جفونه
* مع ميم مبسمه جواب السائل
*
((465 - بدر الدين بن الفويرة))
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن حفاظ بدر الدين السلمي الحنفي الدمشقي ابن الفويرة
تفقه على الصدر سليمان وبرع في المذهب ودرس وأفتى وأخذ العربية عن

366
الشيخ جمال الدين بن مالك ونظر في الأصول وقال الشعر الفائق وكان ذا مروءة ودين ومعروف وهو والد القاضي جمال الدين بن الفويرة
ومن شعره
* وشاعر يسحرني طرفه
* ورقة الألفاظ من شعره
*
* أنشدني نظما بديعا له
* أحبب بذاك النظم من ثغره
*
وقال أيضا
* عاينت حبة خاله
* في روضة من جلنار
*
* فغدا فؤادي طائرا
* فاصطاده شرك العذار
* وقال:
* عاينت كانت دموعي حمرا قبل بينهم
* فمذ نأوا قصرتها لوعة الحرق
*
* قطفت باللحظ وردا من خدودهم
* فاستقطر البين ماء الورد من حدقي
*
وقال أيضا
* ورياض كلما انعطفت
* نثرت أوراقها ذهبا
*
* تحسب الأغصان حين شدا
* فوقها القمري منتحبا
*
* ذكرت عصر الشباب وقد
* لبست أبراده القشبا
*
* فانثنت في الدوح راقصة
* ورمت أثوابها طربا
*
وقال أيضا
* والروض مثل العروس قد خطرت
* أعطافه في ملابس قشب
*
* وريقه الطل قد طفت دررا
* على كئوس الشقيق كالحبب
*
* في أعين النور كالدموع وفي
* مباسم الأقحوان كالشنب
*
وقال أيضا
* ألا رب غصن أثمر البدر طالعا
* وأورق ليلا من عذاريه أليلا
*

367
* محياه روض نرجس اللحظ زهره
* وقد سال فيه عارض الخد جدولا
*
وقال أيضا
* ألمت بنا والليل زهر نجومه
* كأحداق زهر فتحتها الحدائق
*
* وأبدت محياها لنا وتبسمت
* وهل مع شروق الشمس يلمع بارق
*
وقال أيضا
* تأمل إلى الروض الأنيق وحسنه
* وبهجة ذاك النور بين الحدائق
*
* وقد نثرت أيدي السماء لآلئا
* نظمن حبابا في كئوس الشقائق
*
وقال يمدح الملك الناصر يوسف بن العزيز
* أذاع لسان الدمع يوم النوى سرى
* وحلت أكف البين فيه عرى صبري
*
* وطلت على الأطلال أسياف نأيهم
* دمي واغتدى قلبي أسيرا مع السفر
*
* وعطل نادي الأنس من حلى حسنهم
* فحليته من أدمع العين بالدر
*
* رعى الله ليلات تقضت بوصلهم
* فقد كن كالخيلان في وجنة الدهر
*
* وحيا رياضا بالحمى كنت منهم
* أنال المنى في ظل أغصانه الخضر
*
* وأركض طرف اللهو في حلبة الهوى
* فأعثر في ذيل المسرة بالسكر
*
* ولله ليل زارني في ظلامه
* غزال رشيق القد كالغصن النضر
*
* شربت مياه الحسن من روض وجهه
* براحة طرفي والدجى مسبل الستر
*
* وبتنا وثوب الوصل ينشر بيننا
* إلى أن طوت برد الظلام يد الفجر
*
* فقام كبدر التم في غسق الدجى
* يدير شموس الراح في الأنجم الزهر
*
* وطاف علينا بالكئوس ضحا وقد
* تمايل عطف الروض في الحلل الخضر
*
* تعانق قد الغصن أيديه تارة
* ويلثم طورا ثغره وجنة النهر
*
* وألقت عليه الشمس ثوب شعاعها
* لتمسح دمع الطل من أعين الزهر
*
* وفاح نسيم الريح يعبث في الربى
* بديباج روض حاكه واكف القطر
*
* وينساب منها الماء بين شقائق
* بدت كالغواني في غلائلها الحمر
*
* كما لمعت أسياف يوسف في الوغى
* مخضبة أطرافها من دم الكفر
*
ومنها في المديح أيضا
* يشيد بنيان المعالي لمجده
* ويرفل في ثوب المكارم والفخر
*
* هو البحر يسطو في غدير مفاضة
* بجدوله الماضي على الجحفل المجر
*

368
* ويغرس في لباتهم سوسن القنا
* فينبت ورد الطعن من ساحة الصدر
*
* ولو لم تكن يمناه غيثا لما بدا
* بها لامعا برق المهندة البتر
*
* ولا أورقت بالنضر في موقف الوغى
* وقد جال أغصان المثقفة السمر
*
* ويا عجبا من كفه كيف أضرمت
* شرار حروب وهي أندى من البحر
*
* ورقصت في ليل المداد عقيلة
* تناغي بألفاظ أرق من الخمر
*
* وقد قلدت من بحر علياك جيدها
* بنظم لآل هذبته يد الفكر
*
* تغالى ملوك الأرض في مهر مثلها
* وها هي قد جاءت إليك بلا مهر
*
((466 - شهاب الدين الباجربقي))
محمد بن عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الجزري الشيخ الزاهد ابن المفتي الكبير جمال الدين
تحول جمال الدين بولديه بعد الثمانين وستمائة إلى دمشق فسمعهما من ابن البخاري وجلس للإفادة والإفتاء ودرس ومات وقد شاخ بعد السبعمائة فتزهد ولده محمد المذكور وحصل له حال وكشف فانقطع فصحبه جماعة من الرذالة وهون لهم أمر الشرائع وأراهم بوارق شيطانية وكان له قوة تأثير فقصده جماعة من الفضلاء وقلدوا الشيخ صدر الدين بن الوكيل في تعظيمه وكان ممن قصده الشيخ مجد الدين التونسي النحوي فسلكه على عادته فجاء إليه في اليوم الذي قال له تعود إلي فيه فقال له ما رأيت قال وصلت في سلوكي إلى السماء الرابعة فقال هذا مقام موسى بن عمران بلغته في أربعة أيام فرجع الشيخ مجد الدين إلى نفسه وتوجه إلى القاضي وحكى له ما جرى وتاب إلى الله تعالى وجدد إسلامه فطلب الباجربقي وحكم بإراقة دمه فاختفى وتوجه إلى مصر وانقطع بالجامع الأزهر وتردد إليه جماعة وكان الشيخ صدر الدين يتردد إليه وهو بدمشق ويجلس بين يديه ويحصل له بهت في وجهه ويضع يده تحت ذقنه ويخلل ذقنه بأصابعه وينشد

369
* عجب من عجائب البر والبح
* ر وشكل فرد ونوع غريب
*
وشهد عليه مجد الدين التونسي وخطيب الزجيلية والشيخ أبو بكر بن شرف بما أبيح به دمه
وحكى عنه التهاون بالصلاة وذكر النبي
باسمه من غير تعظيم ولا صلاة عليه حتى يقول ومن محمد هذا فحكم القاضي جمال الدين الزواوي المالكي بإراقة دمه فاختفى وسافر إلى العراق وسعى أخوه بحماية بيبرس العلائي إلى الحنبلي فشهد نحو العشرين بأن الستة الذين شهدوا عليه بينهم وبينه عداوة فحقن الحنبلي دمه فغضب المالكي وجدد الحكم بقتله وجاء بعد مدة ونزل بالقابون على باب دمشق ولم يزل مختفيا إلى أن مات وله ستون سنة سنة أربع وعشرين وسبعمائة
وكان يقول إن الرسل كولت على الأمم الطريق إلى الله تعالى
((467 - شمس الدين الرسعنى))
محمد بن عبد الرزاق بن رزق الله الرسعنى العدل شمس الدين المحدث الحنبلي نزيل دمشق كان شيخا أبيض مليح الشكل ولد سنة عشر وستمائة وسمع من ابن روزبه وابن بهروز وابن القبيطى وكريمة وجماعة وأم بالمسجد الكبير ب _ الرماحين وسافر إلى مصر في شهادة ولما عاد دخل الشريعة يسقى فرسه فغرق ولم يظهر له خبر وذلك سنة تسع وثمانين وستمائة
كتب إليه بهاء الدين بن الأرزني
* أحن إلى تلك السجايا وإن نأت
* حنين أخي ذكرى حبيب ومنزل
*
* وأهدي إليها سلامي مشاكلا
* نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
*
فأجابه شمس الدين المذكور
* على فترة جاء الكتاب معطرا
* بمسك سحيق لا بريا القرنفل
*
* فاذكرني ليلات وصل تصرمت
* بدار حبيب لا بدارة جلجل
*
* شكوت إلى صبري اشتياقا فقال لي
* ترفق ولا تهلك أسى وتجمل
*

370
* فقلت له إني عليك معول
* وهل عند رسم دارس من معول
*
ومن شعره أيضا
* ولو أن إنسانا يبلغ لوعتي
* ووجدي وأشجاني إلى ذلك الرشا
*
* لأسكنته عيني ولم أرضها له
* ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا
*
وقال أيضا
* أأحبابنا إن جادت المزن أرضكم
* فما هي إلا من دموعي تمطر
*
* وإن لاح برق فهو برق أضالعي
* وإن ناح ورق عن أنيني يخبر
*
* وإن نسمت ريح الصبا وتأرجت
* فمن طيب أنفاسي بكم تتعطر
*
* وإن رنحت أغصان دجلة فانثنت
* فعني بإبلاغ النسيم تخبر
*
* ومن عجب أني أكتم لوعة
* وأودعها طي الصبا وهي تنشر
*
((468 - أمير المؤمنين المهدي))
محمد بن عبد الله أمير المؤمنين المهدي بن المنصور ثالث خلفاء بني العباس
مولده سنة سبع وعشرين ومائة كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا إلى الرعية قصابا للزنادقة وكان ملكه عشر سنين وشهرا ونصفا ومات في سنة تسع وستين ومائة وعاش ثلاثا وأربعين سنة وصلى عليه ولده هارون الرشيد
ومن شعره
* أرى ماء وبي عطش شديد
* ولكن لا سبيل إلى الورود
*
* أما يكفيك أنك تملكيني
* وأن الناس كلهم عبيدي
*
* وأنك لو قطعت يدي ورجلي
* لقلت من الرضا أحسنت زيدي
*
وكتب إلى جاريته الخيزران وهو في منتزه له
* نحن في أفضل السرور ولكن
* ليس إلا بكم يتم السرور
*

371
* عيب ما نحن فيه يا أهل ودي
* أنكم غبتم ونحن حضور
*
* فأغذوا المسير بل إن قدرتم
* أن تطيروا مع النسيم فطيروا
*
دخل ابن الخياط المكي عليه فقبل يده ومدحه فأمر له بخمسين ألف درهم فلما قبضها فرقها على الناس وقال
* لمست بكفي كفه أبتغي الغنى
* ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
*
* فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى
* أفدت وأعداني فضيعت ما عندي
*
وبلغ المهدي ذلك فأعطاه بكل درهم دينارا
وجلس المهدي جلوسا عاما فدخل عليه رجل وبيده منديل فيه نعل فقال يا أمير المؤمنين هذه نعل رسول الله
قد أهديتها لك فأخذها منه وقبلها ووضعها على عينيه وأعطاه عشرة آلاف درهم فلما خرج قال لجلسائه ما ترون إني أعلم أن رسول اله
لم يرها فضلا على أن يكون قد لبسها ولو كذبناه لقال للناس أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله
فردها علي وكان من يصدقه أكثر ممن يكذبه إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها والنصرة للضعيف على القوي وإن كان ظالما فاشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدقنا قوله وكان الذي فعلناه أرجح وأنجح
((469 - أبو الشيص الشاعر))
محمد بن عبد الله بن رزين الشاعر المشهور الملقب بأبي الشيص وهو ابن عم دعبل الخزاعي
توفي سنة ست وتسعين ومائة وقد كف بصره
قال أبو الشيص وهو مشهور عنه
* وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي
* متأخر عنه ولا متقدم
*
* أجد الملامة في هواك لذيذة
* حبا لذكرك فليلمني اللوم
*

372
* أشبهت أعدائي فصرت أحبهم
* إذ كان حظي منك حظي منهم
*
* وأهنتني فأهنت روحي عامدا
* ما من يهون عليك ممن يكرم
*
فأخذ بعض المغاربة هذا المعنى فقال
* هددت بالسلطان فيك وإنما
* أخشى صدودك لا من السلطان
*
* أجد اللذاذة في الملام فلو درى
* أخذ الرشا مني الذي يلحاني
*
ولأبي الشيص
* لا تنكري صدي ولا إعراضي
* ليس المقل عن الزمان براض
*
* شيئان لا تصبو النساء إليهما
* حلى المشيب وحلة الإنفاض
*
* حسر المشيب قناعة عن رأسه
* فرمينه بالصد والإعراض
*
* ولربما جعلت محاسن وجهه
* لجفونها غرضا من الأغراض
*
((470 - محمد بن طاهر))
محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي الخراساني الأمير أبو العباس
كان جوادا ممدحا أديبا شاعرا مألفا لأهل الفضل والأدب من بيت الأدب والإمرة والتقدم ولاه المتوكل على بغداد وعظم سلطانه في دولة المعتز إلى أن مات بالخوانيق سنة ثلاث وخمسين ومائتين ومن شعره ما كتبه إلى جارية له
* ماذا تقولين فيمن شفه سقم
* من جهد حبك حتى صار حيرانا
*
فأجابته
* إذا رأينا محبا قد أضر به
* جهد الصبابة أوليناه إحسانا
*

373
وقال في حسن العشرة
* أواصل من هويت على خلال
* أذوذ بهن ليات المقال
*
* وأحفظ سره والغيب منه
* وأرعى عهده في كل حال
*
* وفاء لا يحل به انتكاث
* وود لا تخونه الليالي
*
* وأوثره على عسر ويسر
* وينفذ حكمه في سر مالي
*
* وأغفر نبوة الإدلال منه
* إذا ما لم يكن غير الدلال
*
* وما أنا بالملول ولا بجاف
* ولا الغدر المذمم من فعالي
*
وقال في الأترنج
* جسم لجين قميصه ذهب
* ركب فيه بديع تركيب
*
* فيه لمن شمه وأبصره
* لون محب وريح محبوب
*
((471 - أبو عبد الله بن الأبار))
محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ العلامة أبو عبد الله القضاعي البلنسي الكاتب الأديب المعروف بابن الأبار
ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة
عني بالحديث وجال في الأندلس وكتب العالي والنازل وكان بصيرا بالرجال عالما بالتاريخ إماما في العربية فقيها مفننا أخباريا فصيحا له يد في البلاغة والإنشاء كامل الرياسة ذا رياسة وافية وأبهة وتجمل وافر
وله من المصنفات تكملة الصلة لابن بشكوال كتاب تحفة القادم وكتاب إيماض البرق
قتل مظلوما بتونس على يد صاحبها لأنه تخيل منه الخروج وشق العصا
وقيل إن بعض أعدائه ذكر عند صاحب تونس أنه ألف تاريخا وأنه تكلم فيه في جماعة
فلما طلب وأحس بالهلاك قال لغلامه خذ البغلة وامض بها حيث

374
شئت فهي لك وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة
ومن شعره
* مرقوم الخد مورده
* يكسوني السقم مجرده
*
* شفاف الدر له جسد
* بأبي ما أودع مجسده
*
* في وجنته من نعمته
* جمر بفؤادي موقده
*
* ريم يرمي عن أكحله
* زرقا تصمي من يصمده
*
* متداني الخطوة من ترف
* أترى الأحجال تقيده
*
* ولاه الحسن وأمره
* وأتاه السحر يؤيده
*
وقال أيضا
* ونهر كما ذابت سبائك فضة
* حكى بمحانيه انعطاف الأراقم
*
* إذا الشفق استولى عليه احمراره
* تراءى خضيبا مثل دامي الصوارم
*
وقال أيضا
* لم تدر ما خلدت عيناك في خلدي
* من الغرام ولا ما كابدت كبدي
*
* أفديك من رائد رام الدنو فلم
* يسطعه من فرق في القلب متقد
*
* خان العيون فوافاني على عجل
* معطلا جيده إلا من الجيد
*
* عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها
* من ذلك الشنب المعسول والبرد
*
* حتى إذا غازلت أجفانه سنة
* وصيرته يد الصهباء طوع يدي
*
* أردت توسيده خدي وقلت له
* فقال كفك عندي أفضل الوسد
*
* فبات في حرم لا غدر يذعره
* وبت ظمآن لم أصدر ولم أرد
*
* بدر ألم وبدر الأفق ممتحق
* والجو محلولك الأرجاء من حسد
*
* تحير الليل فيه أين مطلعه
* أما درى الليل أن البدر طوع يدي
*
وقال أيضا
* زارني خيفة الرقيب مريبا
* يتشكى القضيب منه الكثيبا
*

375
* رشأ راش لي سهام المنايا
* من جفون تمصى بهن القلوبا
*
* قال لي ما ترى الرقيب مطلا
* قلت ذرة أتى المكان الرحيبا
*
* واسقينها بخمر عينيك صرفا
* واجعل الكأس منك ثغرا شنينا
*
* عاطني اكؤس الرضاب دراكا
* وأدرها على كوبا فكوبا
*
* ثم لما أن نام من بعد نعس
* وتلقى الكرى سميعا مجيبا
*
* قال لا بد ان تدب إليه
* قلت أبغى رشا وآخذ ذيبا
*
* قال فابدأ بنا وثن عليه
* قلت عمري لقد وضعت قريبا
*
* فوثبنا على الغزال وثوبا
* ودببنا إلى الرقيب دبيبا
*
* فهل أبصرت أو سمعت بصب
* ناك محبوبه وناك الرقيبا
*
((472 - الشيخ جمال الدين بن مالك))
محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الإمام العلامة الأوحد جمال الدين الطائي الجياني الشافعي النحوي نزيل دمشق
ولج سنة ستمائة وسمع بدمشق وتصدر بحلب لإقراء العربية وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين وكان إماما في القراءات وعللها صنف فيها قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية
وأما اللغة فكان إليه المنتهى فيها وكان إماما في العادلية فكان إذا صلى فيها يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له
وأما النحو والتصريف فكان فيهما بحرا لا يشق لجه
وأما اطلاعه على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو فكان أمرا عجيبا وكان الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره
وأما الاطلاع على الحديث فكان فيه غاية وكان أكثر ما يستشهد بالقرآن فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث فإن لم يكن فيه شيء عدل إلى

376
أشعار العرب هذا مع ما هو عليه من الدين والعبادة وكثرة النوافل وحسن السمت وكمال العقل
وانفرد عن المغاربة بشيئين الكرم ومذهب الشافعي وأقام بدمشق مدة يصنف ويشغل بالجامع وبالتربة العادلية وتخرج به جماعة وكان نظم الشعر عليه سهلا وصنف كتاب تسهيل الفوائد
مدحه سعد الدين بن عربي بأبيات مليحة إلى الغاية وهي هذه
* إن الإمام جمال الدين جمله
* رب العلا ولنشر العلم أهله
*
* أملى كتابا له يسمى الفوائد لم
* يزل مفيدا لذي لب تأمله
*
* فكل مسألة في النحو يجمعها
* وإن الفوائد جمع لا نظير له
*
ومن تصانيفه سبك المنظوم وفك المختوم وكتاب الكافية الشافية ثلاث آلاف بيت وشرحها والخلاصة وهي مختصر الشافية وإكمال الإعلام بمثلث الكلام وفعل وأفعل والمقدمة الأسدية وصنفها باسم ولده الأسد وعدة اللافظ وعمدة الحافظ والنظم الأوجز فيما يهمز والاعتضاد في الظاء والضاد وإعراب مشكل البخاري
وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وستمائة
قال شرف الدين الحصني يرثيه بأبيات رحمه الله تعالى
* يا شتات الأسماء والأفعال
* بعد موت ابن مالك المفضال
*
* وانحراف الحروف من بعد ضبط
* منه في الانفصال والاتصال
*
* مصدرا كان للعلوم بإذن الله
* من غير شبهة ومحال
*
* عدم النعت والتعطف والتوكيد
* مستبدلا من الأبدال
*
* ألم إعتراه أسكن منه
* حركات كانت بغير اعتلال
*
* يا لها سكنة لهمز قضاء
* أورثت طول مدة الانفصال
*
* رفعوه في نعشه فانتصبا
* نصب تمييز كيف سير الجبال
*
* صرفوه يا عظم ما فعلوه
* وهو عدل معرف بالجمال
*
* أدغموه في الترب من غير مثل
* سالما من تغير الإنتقال
*
* وقفوا عند قبره ساعة الدفن
* وقوفا ضرورة الامتثال
*
* ومددنا الأكف نطلب قصرا
* مسكنا للنزيل من ذي الجلال
*

377
* آخر الآي من سبا حظنا منه
* حظه جاء أول الأنفال
*
* يا لسان الأعراب يا جامع الإعراب
* يا مفهما لكل مقال
*
* يا فريد الزمان في النظم والنثر
* وفي نقل مسندات العوالي
*
* كم علونا بثثتها في أناس
* علموا ما بثثت عند الزوال
*
((473 - حافي رأسه النحوي))
محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر العلامة جمال الدين التلمساني محيي الدين النحوي المعروف بحافي رأسه
كان من أئمة العربية وكان يحفظ الإيضاح للفارسي ويقرئ بدره
ولد بتلمسان سنة ست وستمائة وسمع من ابن رواج وجماعة وتصدر للاشتغال زمانا أخذ عنه تاج الدين الفاكهاني وجماعة ولقب بحافي رأسه لحفرة كانت في رأسه
وقيل لأنه كان في أول أمره مكشوف الرأس
وقيل رآه رئيس في الثغر فأعطاه ثيابا جددا لبدنه فقال هذا لبدني ورأسي حاف فأمر له بعمامة فلقب بحافي رأسه
ومن شعره
* ومعتقد أن الرياسة في الكبر
* فأصبح ممقوتا بها وهو لا يدري
*
* يجر ذيول الكبر طالب رفعة
* ألا فاعجبوا من طالب الرفع بالجر
*
وقال أيضا
* يا منكرا من بخل أهل الثغر ما
* عرف الورى أنكرت ما لا ينكر
*
* اقصر فقد صحت نتانة أهله
* ومن الثغور كما علمت الأبخر
*
وقال أيضا
* ومعلمي الصبر الجميل بهجره
* فثنى فؤادا عنه لم يك ينثني
*
* لا بد من أجر لكل معلم
* وإلى السلو ثواب ما علمتني
*

378
وكتب إلى الأمير نور الدين علي بن مسعود الصوابي
* شكوت إليك نور الدين حالي
* وحسبي أن أرى وجه الصواب
*
* وكتبي بعتها ورهنت حتى
* بقيت من المجوس بلا كتاب
*
وتوفي سنة ثمانين وستمائة رحمه الله تعالى وعفا عنا وعنه
((474 - ابن حواري الحنفي))
محمد بن عبد المنعم بن نصر الله بن جعفر بن أحمد بن حواري الشيخ تاج الدين أبو المكارم التنوخي المعري الأصل الدمشقي الحنفي ويعرف بابن شقير الأديب الشاعر
ولد سنة ست وستمائة وهو أخو المحدث الأديب نصر الله وكانت وفاة تاج الدين سنة تسع وستين وستمائة
ومن شعره
* ما ضر قاضي الهوى العذري حين ولى
* لو كان في حكمه يقضي على ولي
*
* وما عليه وقد صرنا رعيته
* لو أنه مغمد عنا ظبا المقل
*
* يا حاكم الحب لا تحكم بسفك دمي
* إلا بفتوى فتور الأعين النجل
*
* ويا غريم الأسى الخصم الألد هوى
* رفقا علي فجسمي في هواك بلى
*
* أخذت قلبي رهنا يوم كاظمة
* على بقايا دعاو للهوى قبلي
*
* ورمت مني كفيلا بالأسى عبثا
* وأنت تعلم أني بالغرام ملى
*
* وقد قضى حاكم التبريح مجتهدا
* على بالوجد حتى ينقضي أجلي
*
* لذا قذفت شهود الدمع فيك عسى
* أن الوصال بجرح الجفن يثبت لي
*
* لا تسطون بعسال القوام على
* ضعفي فما آفتي إلا من الأسل
*
* هددتني بالقلى حسبي الجفا وكفى
* أنا الغريق فما خوفي من البلل
*
وقال أيضا
* اما الوفاء فشي ليس يتفق
* من بعد ما خنت يا قلبي بمن أثق
*
* أغراك طرفي بما أغراك من فتن
* حتى سبتك القدود الهيف والحدق
*

379
* وقد تشاركتما في فتح باب هوى
* سدت على سلوتي من دونه الطرق
*
* سعيتما في دمي بغيا فيا لكما
* لفرط بغيكما التبريح والأرق
*
* حتام لا ترعوى يا قلب ذب كمدا
* فحسبك المزعجان الشوق والقلق
*
* تبيت صبا كئيبا نهب جند هوى
* لا قاتلي بك طول الدهر معتلق
*
* طورا بنجد وأحيانا بكاظمة
* وتارة لك يبدو بالحمى علق
*
* وكل يوم تعنيني إلى أمل
* من دونه المرهفات البيض تمتشق
*
* أبكي لكي تنطفي من أدمعي حرقي
* وكلما فاض دمعي زادت الحرق
*
* وكنت أشكو ولي صبر ولي رمق
* فكيف حالي ولا صبر ولا رمق
*
وقال أيضا
* وغزال سبا فؤادي منه
* ناظر راشق وقد رشيق
*
* ريقه رائق السلافة والثغر
* حباب وخده الراووق
*
* حل صدغيه ثم قال أفرق بين
* هذين قلت فرق دقيق
*
وقال أيضا
* واحيرة القمرين منه إذا بدا
* وإذا انثنى يا خجلة الأغصان
*
* كتب الجمال ويا له من كاتب
* سطرين من خديه بالريحان
*
وكان تاج الدين يلقب بالهدهد فأعطاه الملك الناصر ضيعة على نهر ثورا فحسده جماعة وسعوا على إخراجها من يده فكتب إلى الملك الناصر
* ما قدر دارى في البناء فسعيهم
* في هدمها قد زاد في مقدارها
*
* هب أنها إيوان كسرى رفعة
* أو ما بجودك كان أصل قرارها
*
* فاكتب بأني لا أعارض كاتب
* عصب يضن علي في إنكارها
*
* فالنص جاء عن النبي محمد الهادي
* أقروا الطير في أوكارها
*
وقال أيضا دوبيت

380
* أقسمت برشق المقلة النباله
* قلبي وبلين القامة العساله
*
* ما ألبسني حلة سقم وضنى
* يا هند سوى جفونك القتالة
*
((475 - شهاب الدين بن الخيمي))
محمد بن عبد المنعم بن محمد شهاب الدين بن الخيمي الأنصاري اليمني الأصل المصري الدار حدث بجامع الترمذي عن ابن البناء المكي وحدث بكثير من مروياته روى عنه الصقلي وابن منير وابن الظاهري وكان هو المقدم على شعراء عصره مع المشاركة في كثير من العلوم وشعره في الذروة وكان يعاني الخدم الديوانية وباشر وقف مدرسة الشافعي ومشهد الحسين وفيه أمانة ومعرفة ة كان معروفا بالأجوبة المسكتة ولم يعرف عنه غضب عاش اثنتين وثمانين سنة وكانت وفاته بالقاهرة سنة خمس وثمانين وستمائة
اتفق أن نجم الدين بن إسرائيل حج فرأى ورقة ملقاة فيها القصيدة التي لابن الخيمي البائية المشهورة فادعاها
قال قطب الدين اليونيني في تاريخه إن ابن إسرائيل وابن الخيمي اجتمعا بعد ذلك بحضرة جماعة من الأدباء وجرى الحديث فتحاكما إلى شرف الدين بن الفارض فقال ينبغي لكل واحد منكما ان ينظم أبياتا على هذا الوزن والروى فنظم ابن الخيمي
* لله قوم بجرعاء الحمى غيب القصيدة
*
ونظم ابن إسرائيل
* لم يقض من حقكم بعض الذي يجب القصيدة
*
فلما وقف عليهما ابن الفارض قال لابن إسرائيل
* لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
*
وحكم بالقصيدة لابن الخيمي واستجاد بعض الحاضرين أبيات ابن إسرائيل

381
وقال من ينظم مثل هذا ما الحامل له على ادعاء ما ليس له فابتدر ابن الخيمي وقال هذه سرقة عادة لا سرقة حاجة وانفصل المجلس وسافر ابن إسرائيل لوقته من الديار المصرية
وطلب ابن خلكان وهو نائب الحكم بالقاهرة الأبات من ابن الخيمى فكتبها له وذيل في آخرها أبياتا وسأله الحكم بينه وبين من ادعاها
والقصيدة المدعاة هي هذه
* يا مطلبا ليس لي في غيره أرب
* إليك آل التقصي وانتهى الطلب
*
* وما طمحت لمرأى أو لمستمع
* إلا لمعني إلى علياك ينتسب
*
* وما أراني أهلا أن تواصلني
* حسبي علوا بأني فيك مكتئب
*
* لكن ينازع شوقي تارة أدبي
* فاطلب الوصل لما يضعف الأدب
*
* ولست أبرح في الحالين ذا قلق
* نام وشوق له في أضلعي لهب
*
* ومدمع كلما كفكفت صيبة
* صونا لذكرك يعصيني وينسكب
*
* ويدعي في الهوى دمعي مقاسمتي
* وجدي وحزني ويجري وهو مختصب
*
* كالطرف يزعم توحيد الحبيب ولا
* يزال في ليله للنجم يرتقب
*
* يا صاحبي قد عدمت المسعدين فساعدني
* على وصبي لا مسك الوصب
*
* بالله إن جزت كثبانا بذي سلم
* قف بي عليها وقل لي هذه الكثب
*
* ليقضي الخد من أجراعها وطرا
* في تربها ويؤدي بعض ما يجب
*
* ومل إلى البان من شرقي كاظمة
* فلي إلى البان من شرقيها أرب
*
* وخذ يمينا لمغنى تهتدي بشذا
* نسيمه الرطب إن ضلت بك النجب
*
* حيث الهضاب وبطحاها يروضها
* دمع المحبين لا الأنداء والسحب
*
* أكرم به منزلا تحميه هيبته
* عنى وأنواره لا السمر والقضب
*
* دعني أعلل نفسا عز مطلبها
* فيه وقلبا لغدر ليس ينقلب
*
* ففيه عاينت قدما حسن من حسنت
* به الملاحة واعتزت به الرتب
*
* أحيا إذا مت من شوق لرؤيته
* بأنني لهواه فيه منتسب
*
* ولست أعجب من جسمي وصحته
* في حبه إنما سقمي هو العجب
*
* والهف نفسي لو أجدي تلهفها
* غوثا ووا حربا لو ينفع الحرب
*
* يمضي الزمان وأشواقي مضاعفة
* يا للرجال ولا وصل ولا سبب
*

382
* يا بارقا بأعالي الرقمتين بدا
* لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
*
* ويا نسيما سرى من حي كاظمة
* بالله قل لي كيف البان والعذب
*
* وكيف جيرة ذاك الحي هل حفظوا
* عهدا أراعيه إن شطوا وإن قربوا
*
* أم ضيعوا ومرادي منك ذكرهم
* هم الأحبة إن أعطوا وإن سلبوا
*
* إن كان يرضيهم ابعاد عبدهم
* فالعبد منهم بذاك البعد مقترب
*
* والهجر إن كان يرضيهم بلا سبب
* فإنه من لذيذ الوصل محتسب
*
* وإن هم احتجبوا عني فإن لهم
* في القلب مشهود حسن ليس يحتجب
*
* قد نزه اللطف والإشراق بهجته
* عن أن تمنعها الأستار والحجب
*
* ما ينتهي نظري منهم إلى رتب
* في الحسن إلا ولاحت فوقها رتب
*
* وكلما لاح معنى من جمالهم
* لباه شوق إلى معناه منتسب
*
* أظل دهري ولي من حبهم طرب
* ومن أليم اشتياقي نحوهم حرب
*
وكان الذي نظمه ابن إسرائيل
* لم يقض في حبكم بعض الذي يجب
* صب متى ما جرت ذكراكم يجب
*
* أحبابنا والمنى تدني زيارتكم
* وربما حال من دون المنى الأدب
*
* قاطعتموني فأحزاني مواصلة
* وحلتم فحلا لي فيكم التعب
*
* ما رابكم من حياتي بعد بعدكم
* وليس لي في حياة بعدكم أرب
*
* رحتم بقلبي وما كادت لتسلبه
* لولا قدودكم الخطية السلب
*
* يا بارقا ببريق الحزن لاح لنا
* أأنت أم أسلمت أقمارها النقب
*
* ويا نسيما سرى والعطر يصحبه
* أجزت حيث مشين الخرد العرب
*
* أقسمت بالمقسمات الزهر تحجبها
* سمر العوالي والهندية القضب
*
* لكدت تشبه برقا من ثغورهم
* يا در لولا الظلم والشنب
*
والقصيدة التي نظمها ابن الخيمي ثانيا مع ابن إسرائيل
* لله قوم بجرعاء الحمى غيب
* جنوا على ولما أن جنوا عتبوا
*
* يا رب هم أخذوا قلبي فلم سخطوا
* وإنهم غصبوا عيشي فلم غضبوا
*
* هم العريب بنجد مذ عرفتهم
* لم يبق لي معهم مال ولا نشب
* @ 384 @
* شاكون للحرب لكن من قدودهم
* وفاترات اللحاظ السمر والقضب
*
* فما ألموا بحي أو ألم بهم
* إلا وغاروا على الأبيات وانتهبوا
*
* عهدت في دمن البطحاء عهد هوى
* إليهم وتمادت بيننا حقب
*
* فما أضاعوا قديم العهد بل حفظوا
* لكن لغيري ذاك العهد قد نسبوا
*
* من منصفي من لطيف منهم غنج
* لدن القوام إسرائيل ينتسب
*
* مبدل القول ظلما لا يفي بمواعيد
* الوصال ومنه الذنب والغضب
*
* تبين لثغته بالراء نسبته
* والمين منه بزور الوعد والكذب
*
* موحد فيرى كل الوجود له
* ملكا ويبطل ما يأتي به النسب
*
* فعن عجائبه حدث ولا حرج
* ما ينتهي في المليح المطلق العجب
*
* بدر ولكن هلالا لاح إذ هو بالوردي
* من شفق الخدين منتقب
*
* في كأس مبسمه من حلو ريقته
* خمر ودر ثناياه لها حبب
*
* فلفظه أبدا سكران يسمعنا
* من معرب اللحن ما ينسى به الأدب
*
* تجنى لواحظه فينا ومنطقه
* جناية يجتني من مرها الضرب
*
* حلو الأحاديث والألحاظ ساحرها
* تلقى إذ نطق الألواح والكتب
*
* لم تبق ألفاظه معنى يرق لنا
* لقد شكت ظلمه الأشعار والخطب
*
* فداؤه ما جرى في الدمع من مهج
* وما جرى في سبيل الحب محتسب
*
* ويح المتيم شام البرق من إضم
* فهزه كاهتزاز البارق الحرب
*
* وأسكن البرق من وجد ومن كلف
* في قلبه فهو في أحشائه لهب
*
* وكلما لاح منه بارق بعثت
* ماء المدامع من أجفانه سحب
*
* وما أعادت نسيمات الغوير له
* اخبار ذي الأثل إلا هزه الطرب
*
* واها له أعرض الأحباب عنه وما
* أجدت رسائله الحسنى ولا القرب
*
ونظم الشيخ عفيف الدين التلمساني
* لولا الحمى وظباء بالحمى عرب
* ما كان في البارق النجدي لي أرب
*
* حلت عقود اصطباري دونه حلل
* خفوقها كارتياحي لها تجب
*
* وفي رياض بيوت الحي من إضم
* ورد جنى ومن أكمامه النقب
*

383
* يسقى الأقاحي منها قرقف فإذا
* لاح الحباب عليها فاسمه الشهب
*
* يقضي بها لعيون الناظرين على
* كل القلوب قضاء ما له سبب
*
* إلا تمارض أجفان إذا سلبت
* فمقتضى همها المسلوب لا السلب
*
* وبي لدى الحلة الفيحاء غصن نقا
* يهفو فيجبذبه حقف فينجذب
*
* لا تقدر الحجب أن تخفى محاسنه
* وإنما في سناه الحجب تنحجب
*
* أعاهد الراح أني لا أفارقها
* من أجل أن الثنايا شبهها الحبب
*
* وأرقب البرق لا سقياه من أربى
* لكنه مثل خديه له لهب
*
* يا سالما في الهوى مما اكابده
* رفقا بأحشاء صب شفه الوصب
*
* فالأجر يا أملي إن كنت تكسبه
* من كل ذي كبد حراء يكتسب
*
* يا بدر تم تجافي في زيارته
* ما آن أن تنجلي عن أفقك السحب
*
* صحا السكارى وسكرى دام فيك أما
* للسكر لا سبب يروي ولا نسب
*
* قد آيس الصبر والسلوان أيسره
* وعاقت الصب عن آماله الوصب
*
* وكلما لاح يا عيني وميض سنا
* تهمي وإن هب يا قلبي صبا تجب
*
وقال العفيف التلمساني أيضا
* أينكر الوجد أني في الهوى شجب
* ودون كل دخان ساطع لهب
*
* وما سلوت كما ظن الوشاة ولا
* أسلو كما يترجى الواله الوصب
*
* فإن بكى لصباباتي عذول هوى
* فلي بما منه يبكي عاذلي طرب
*
* ناشدتك الله يا روحي اذهبي كلفا
* بحب قوم عن الجرعاء قد ذهبوا
*
* لا تسأليهم ذماما في محبتهم
* فطالما قد وفى بالذمة العرب
*
* هم أهل ودي وهذا واجب لهم
* وإنما ودهم لي فهو لا يجب
*
* هم ألبسوني سقاما من جفونهم
* أصبحت أرافل فيه وهو ينسحب
*
* وصيرت ادمعي حمرا خدودهم
* فكيف اجحد ما منوا وما وهبوا
*
* هل السلامة إلا أن أموت بهم
* وجدا وإلا فبقيائي هي العطب
*
* إن يسلبوا البعض مني والجميع لهم
* فإن أشرف جزأى الذي سلبوا
*

385
* لو تعلم العذبات المائسات يمن
* قد بان عنها إذن ما اخصرت العذب
*
* ولو درى منهل الوادي الذي وردوا
* من وارد ماءه لاهتزه الطرب
*
* إني لأكظم أنفاسي إذا ذكروا
* كي لا يحرقهم من زفرتي اللهب
*
* أسائل البان على ميل النسيم بهم
* سؤال من ليس يدري فيه ما السبب
*
* وتلك آثار لين في قدودهم
* جرت بها الريح فاهتزت بها القضب
*
* تصحوا السكارى ولا أصحو ظما بكم
* ويسكر السكر من بعض الذي شربوا
*
وتظم الشيخ شهاب الدين محمود رحمه الله في هذه المادة
* قضى وهذا الذي في حبهم يجب
* في ذمة الوجد تلك الروح تحتسب
*
* ما كان يوم رحيل الحي عن إضم
* لروحه في بقاء بعدهم ارب
*
* صب بكى أسفا والشمل مجتمع
* كأنه كان لللتفريق يرتقب
*
* نأوا فذابت عليهم روحه كمدا
* ما كان إلا النوى في حتفه سبب
*
* لم يدر أن قدود السمر مشبهة
* للبيض لو لم يكن أسماءها القضب
*
* وظن كأس الهوى يصحو الشريد بها
* إذا أوهمته الثنايا أنها الحبب
*
* طوبى له لم يبدل دين حبهم
* بل مات وهو إلى الإخلاص ينتسب
*
* لو لم يمت فيهم ما عاش عندهم
* حياته من وفاة الحب تكتسب
*
* بانوا وفي الحي ميت ناح بعدهم
* له الحمام وسحت دمعها السحب
*
* وشق غصن النقا من أجله حزنا
* جيوبه وأديرت حوله العذب
*
* وشاهد الغيث أنفاسا يصعدها
* فعاد والبرق في أحشائه لهب
*
* يا بارق الثغر لو لاحت ثغورهم
* وشمت بارقها ما فاتك الشنب
*
* ويا حيا جادهم إن لم تكن كلفا
* ما بال عينك منها الماء ينسكب
*
* ويا قضيب النقا لو لم تجد خبرا
* عند الصبا منهم ما هزك الطرب
*
* بالله يا نسمات الريح أين هم
* وهل نأوا أم دموعي دونهم حجب
*
* بالله لما استقلوا عن ديارهم
* أحنت الدار من شوق أم النجب
*
* وهل وجدت فؤادي في رحالهم
* فإنه عندهم من بعض ما سلبوا
*
* نأوا غضابا وقلبي في إسارهم
* يا ليتهم غصبوا روحي وما غضبوا
*

386
* طوبى لقلب غدا في الركب عندهم
* كأنه عندهم ضيف وهم عرب
*
* وإن رجعت إليهم فاذكري خبري
* إني شرقت بدمع العين مذ غربوا
*
* ثم اذكري سفح دمعي في معاهدهم
* لا يذكر السفح إلا حن مغترب
*
* عساك ان تعطفي نحوي معاطفهم
* فالغصن بالريح ينأى ثم يقترب
*
ومن شعر الشيخ شهاب الدين الخيمي
* كلفت ببدر في مبادي الدجى بدا
* فعاد لنا ضوء الصباح لكما بدا
*
* وحجب عنا حسنه نور حسنه
* فمن ذلك الحسن الضلالة والهدى
*
* فيا عاذلي دعني ونار صبابتي
* عليه فإني قد وجدت بها هدى
*
* وهاك يدي إني على ترك حبه
* مدى الدهر لا أعطيك يا عاذلي يدا
*
* فما العيش إلا أن أبيت مواصلا
* لبدري أو في حب بدري مسهدا
*
* فيا نار قلبي حبذا أنت مصطلى
* ويا دمع عيني حبذا أنت موردا
*
* ويا سقمي في الحب أهلا ومرحبا
* ويا صحة السلوان شأنك والعدا
*
وقال أيضا
* سلام علي بعد المزار وقربه
* سلام فتى ما زال عن عهد حبه
*
* يعلله إن فاته طيب وصلكم
* لذيذ هواكم في سويداء قلبه
*
* ويلقى بخديه النسيم لأنه
* بمغانكم قد جر ذيلا بثوبه
*
* ويعترض الركبان عل مبشرا
* بقربكم يقضى بتفريج كربه
* وقال - أيضا -:
* هل إلى برد الثنايا من سبيل
* لمشوق ذاب من حر الغليل
*
* أو إلى الوصل وصول خلسة
* لمحب بين واش وعذول
*
* تعب الواشي ولو شاء اكتفى
* بوشاة من دموعي ونحولى
*
* [و] بواش من كثير الطيب إن
* سمح المحبوب بالوصل القليل
*
* وعذول لج في عذلى إذ
* لم ير الخال على الخد الأسيل
*
* لو رأى وجه حبيبي عاذلى
* لتفارقنا على وجه جميل
*
* حبذا وجه حبيبي جنة
* ذات ظل مد بالصدغ ظليل
*

387
* لم يرق قلبي خليل غيره
* إنه خير حبيب وخليل
*
* خده الناظر برد ناره
* وسلام إنها نار الخليل
*
* أنا مقتول كما شاء الهوى
* بالقوام اللدن والطرف الكحيل
*
* مت بالحب شهيدا فعسى في
* جنان الخلد أن يقضى دخولي
*
وقال - وهو محموم -:
* صاح قل للطبيب ما هي حمى
* تلك نار اشتياق قلبي إليهم
*
* وخروج المياه من جسمي المض
* نى بكا أعين المسام لديهم
*
* ما شفاني بكاء عيني حتى
* ساعدتنى عيون جسمي عليهم
* وقال - أيضا -:
* أتي سلوت عن الحبيب ولم يكن
* هذا لأنى في الهوى غدار
*
* لكنه اختار السلو وقال لي
* إني على من المحب أغار
*
* فأطعته وسلوته إذ بيننا
* في العهد أن أختار ما يختار
*
وقال - أيضا -:
* أيا من سلوا عنا ومالوا إلى الغدر
* وما لزموا أخلاق أهل الهوى العذرى
*
* وبعد حلاوات التواصل والهوى
* جنوا مر طعم الهجر من علقم الصبر
*
* إذا ما رجعتم عن محبتكم لنا
* مشاة رجعنا عن محبتكم نجرى
*
* وإن كنتم في الهجر عنا صددتم
* ففي سرنا عنكم نصد وفى الجهر
*
* سكنتم فؤادي مرة ورحلتم
* فأصبح منكم خاليا خالى السر
*
* وقال لي العذال هل أنت راجع
* وإذا رجعوا عن غدرهم قلت لا أدرى
*
وقال - أيضا -:
* ألام على الخلاعة إذ شبابي
* ورونق جدتي ذهبا جميعا
*
* ومن ذهبت بجدته الليالي
* فلا عجب إذا أضحى خليعا
*
وقال - أيضا -:
* رأيت على قد المليح ذؤابة
* فعينى غراما بالذؤابة تهمع
*
* وقال لي الواشون مالك باكيا
* فقلت بعيني شعرة فهي تدمع
*
وقال - أيضا -:
* يا صاح يا صاح البدار البدار
* فالشرق قد أضحى وصاح الهزار
*

388
* وهب مسكى نسيم الصبا
* فانهض نباكر زمن الإبتكار
*
* وقم بنا نحى ابنة الكرم أم
* الزهر زوج الماء أخت النهار
*
* ثم اجلها عذراء من ذاتها
* صيغت حلالها والحباب النثار
*
* صهباء خمر قرقف سلسل
* مدامة راح سلاف عقار
*
* كوجنة الساقي فلا غرو ان
* يخلع إذ تجلى عليها العذار
*
* صفراء لا أملك في حبها
* مالا ولا أملك عنها اصطبار
*
* ولا أخاف النار من شربها
* لننى أشربها وهى نار
*
* وما أضعت المال فيها وقد
* بعت لها وهي النضار العقار
*
* يملأ أعطافى وسمعي بها
* سكرا ووقرا عن حديث الوقار
*
* تشربها قبل فمي مقلتى
* ففي جفونى قبل سكرى انكسار
*
* ما أذهبت عقلي ولكن أطا
* رته إلى أفق المعالي فطار
*
* فعاطنى يا صاح كاساتها
* وسقنى واشرب نهارا جهار
*
* وهات في يمناى من صرفها
* كأسا وأخرى هاتها في اليسار
*
* دعني بها أقطع ليلى فما
* أطوله بعد الليالي القصار
*
* إذ كان ربع ب ' لوى الجزع ' لي
* دارا وكان الحب لي فيه جار
*
* ما كان أحلى ذلك العيش من
* عيش وأحلى الدار بالجزع دار
* وقال لغزا في الملعقة:
* وممدودة كيد المجتدى
* بكف على ساعد مسعد
*
* ترى بعضها في فمي كاللسان
* وجملتها في يدي كاليد
* وقال في سبحة سوداء:
* وسبحة مسودة لونها
* يحكى سواد القلب والناظر
*
* كأنني اشتغالى بها
* أعد أيامك يا هاجرى
* 476 -
((صريع الدلاء))
محمد بن عبد الواحد الملقب بصريع الدلاء وقتيل الغواشي كان شاعرا ما جنا غلب على شعره الهزل والمجون عارض مقصورة ابن دريد بمقصورة

389
يقول فيها:
* من لم يرد أن تنتقب نعاله
* يحملها في كفه إذا مشى
*
* ومن أراد أن يصون رجله
* فلبسه خير له من الحفا
*
* من دخلت في عينه مسلة
* فاسألهمن ساعته عن العمى
*
* من أكل الفحم يسود فمه
* وراح صحن خده مثل الدجى
*
* من صفع الناس ولم يدعهم
* أن يصفعهوه فعليهم اعتدى
*
* من ناطح الكبش يفجر رأسه
* وسال من مفرقه شبه الدما
*
* من أكل الكرش ولا يغسله
* سال على شاربه منه الخرا
*
* من طبخ الديك ولا يذبحه
* طار من القدر إلى حيث يشا
*
* من شرب المسهل في فعل الدوا
* أطال ترددا على بيت الخلا
*
* من مازح السبع ولا يعرفه
* مازحه السبع مزاحا بجفا
*
* من فاته العلم وأخطاه الغنى
* فذاك والكلب على حد سوا
*
* والدرج يلفى بالغشاء ملصقا
* والسرج لا يلزق إلا بالغرا
*
* والذقن شعر في الوجوه نابت
* وإنما الاست التي تحت الخصا
*
* فاستمعوها فهي أولى لكم
* من زخرف القول ومن طول المرا
* يقول في آخرها - مشيرا إلى ابن دريد -:
* فتلك كالدر يضئ لونها
* وهذه في وزنها مثل الحذا
* ومن شعره يمدح فخر الملك - من قصيدة -:
* كيف تلقى بؤسا ودولة فخر ال
* مللك فينا تعم بالإنعام
*
* هكذا ما بقي الجديدان تبقى
* للتهانى مملكا ألف عام
*
* كل يوم لنا بنعماك عيد
* لاخلت منه سائر الأيام
*
* فله الأنعم الجسام الواتى
* هن مثل الحياة في الأجسام
*
* لم يزل يطلب المحامد والعل
* ياء بين السيوف والأقلام
*

390
* فلقد نال بالعزائم مجدا
* لم ينل مثله بحد الحسام
*
* أدراك المجد قاعدا وسواه
* عاجزا أن يناله من قيام
*
* لم يزل جوده يعطعط بالإفضال
* مذ كان في قفا الإعدام
*
* فهو من حبه المكارم والجو
* د يرى الآملين في الأحلام
*
* قد كفتنا غيوث كفيه أن نب
* سط كفا إلى سؤال الغمام
*
* ورضعنا لديه در الأماني
* ونظمنا لديه در الكلام
* وكانت وفاة صريع الدلاء في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، رحمه الله تعالى.
((477 - الحافظ بن ضياء الدين المقدسي))
محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل، الحافظ الحجة الإمام ضياء الدين أبو عبد الله السعدي المقدسي، الدمشقي الصالحي، صاحب التصانيف
ولد ب ' الدير المبارك ' سنة تسع وستين وخمسمائة، ولزم الحافظ عبد الغنى وتخرج به، وحفظ القرآن وتفقه، ورحل أولا إلى ' مصر ' سنة خمس وتسعين، وسمع، ورحل إلى ' بغداد ' بعد موت ابن كليب، وسمع من ابن الجوزي وغيره، ودخل ' همذان ' ثم رجع إلى ' دمشق ' بعد الستمائة، ثم رحل إلى ' أصفهان ' فأكثر بها وتزيد وحصل شيئا كثيرا من المسانيد والأجزاء ورحل إلى ' نيسابور ' فدخلها ليلة وفاة الفراوي، ورحل إلى ' مرو ' وعاد إلى ' حلب ' وسمع بها وب ' حران ' و ' الموصل '، وعاد إلى ' دمشق ' بعلم كثير، وحصل أصولا نفيسة فتح الله بها عليه: هبة وشراء ونسخا، وسمع ب ' مكة '، وأكب على الاشتغال لما رجع والتصنيف والنسخ، وأجازه السلفي وشهدة وابن برى وخلق كثير، قال الشيخ شمس الدين: سمعت الشيخ جمال الدين المزي يقول: الحافظ ضياء الدين أعلم من الحافظ عبد الغنى.

391
ومن تصانيفه: كتاب ' الأحكام ' ثلاث مجلدات، ' فضائل الأعمال ' مجلد، ' الأحاديث المختارة ' تسعين جزءا، ' فضائل الشام '، ثلاثة أجزاء
' فضائل القرآن ' جزء، ' صفة الجنة والنار '، ' مناقب أصحاب الحديث '، ' النهى عن سب الصحابة '، ' سير المقادسة ': كالحافظ عبد الغنى والشيخ أبى عمر وغيرهم في عدة مجلدات. وله تصانيف كثيرة في أجزاء عديدة
وبنى مدرسة على باب الجامع المظفري، وأعانه عليها أهل الخير وجعلها دار حديث ووقف عليها كتبه وأجزاءه، وفيها من وقف الموفق والبهاء عبد الرحمن والحافظ عبد الغنى وابن الحاجب وابن سلام وابن هائل والشيخ على الموصلي وقد نهبت في نكبة الصالحية نوبة غازان وراح منها شئ كثير. وكانت وفاة الشيخ الضياء سنة ثلاث وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
((478 - شمس الدين الحنبلي))
محمد بن عبد الوهاب بن منصور العلامة شمس الدين أبو عبد الله الحراني الحنبلي كان إماما بارعا أصوليا من كبار الأئمة في الفقه والأصول والخلاف تفقه على القاضي نجم الدين راجح الحنبلي والشيخ مجد الدين بن تيمية وقدم ' دمشق ' فقرأ الأصول والعربية على الشيخ علم الدين القاسم ودخل ' مصر ' ولازم درس الشيخ عز الدين بن عبد السلام وناب في القضاء عن تاج الدين بن بنت الأعز فلما جعلت القضاة أربعة ناب في القضاء عن الشيخ شمس الدين العماد ثم قدم ' دمشق ' وانتصب للإفادة وكان حسن العبارة طويل النفس في البحث أعاد بالجوزية مدة وناب في إمامة محراب الحنابلة ثم ابتلى بفالج أبطل نصفه الأيسر وثقل لسانه حتى لا يفهم من كلامه إلا القليل وبقى كذلك أربع أشهر ومات سنة خمس وسبعين وستمائة وكان من أذكياء الناس روى عن ابن اللتي والموفق عبد اللطيف وجماعة ومات في عشر السبعين وكان يقرأ تائية ابن الفارض ويبكى

392
ومن شعره ما ذكره الشيخ شهاب الدين محمود أنه أنشده إياه لغزا في شبابة:
* منقبة مهما خلت مع محبها
* يزودها لثما وينظرها شزرا
*
* وتصحيفها في كف من شئت فلتقل
* إذا شئت في اليمنى وإن شئت في اليسرى
* وقال - أيضا رحمه الله تعالى -:
* طار قلبي يوم ساروا فرقا
* وسواء فاض دمعي ' أو رقا '
*
* حار في سقمى من بعدهم
* كل من في الحي داوى ' أو رقى '
*
* بعدهم لا ظل وادى المنحنى
* وكذا بان الحمى لا ' أورقا '
*
((479 - ابن أبي كدية))
محمد بن عتيق أبى بكر بن محمد بن أبي نصر التميمي القيرواني الأشعري المتكلم المعروف ب ' ابن أبي كدية ' درس الأصول ب ' القيروان ' على أبى عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي صاحب ابن الباقلاني وسمع ب ' مصر ' من القضاعي وقدم ' الشام ' وأخذ عنه أبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي ودخل ' العراق ' وأقرأ الكلام بالنظامية
وكان صلبا في الاعتقاد وسمع ابن عبد البر ب ' الأندلس ' وتوفى ب ' بغداد ' سنة اثنتي عشرة وخمسمائة سمع يوما قائلا ينشد أبيات أبى العلاء المعرى:
* ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة
* وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
*
* تحطمنا الأيام حتى كأننا
* زجاج ولكن لا يعاد له سبك
* فقال - رحمه الله يرد عليه -:
* كذبت وبيت الله حلفة صادق
* سيسبكنا بعد الثرى من له الملك
*
* ونرجع أجساما صحاحا سليمة
* تعارف في الفردوس ما عندنا شك
*

393
ومن شعره - أيضا -:
* كلام إلهي ثابت لا نفارقه
* وما دون رب العرش فالله خالقه
*
* ومن لم يقل هذا فقد صار ملحدا
* وصار إلى قول النصارى يوافقه
* ودفن عند الأشعري قال ابن الجوزي كان يحفظ كتاب سيبويه
((480 - ابن حسول الهمذاني))
محمد بن علي بن حسول - بالحاء المهملة والسين المهملة وبعد الواو لام - الكاتب الهمذاني
كان صدرا نبيلا له النظم والنثر وسمع من الصاحب ابن عباد ومن ابن فارس صاحب ' المجمل ' توفى سنة خمسين وأربعمائة
ومن شعره - في أمرد علوي -:
* وأزهر من بنى الزهراء يرنو
* إلى كمارنا الظبي الكحيل
*
* نهاني الدين والإسلام عنه
* فليس إلى مقبله سبيل
*
* إذا أرسلت ألحاظى إليه
* نهاني الله عنه والرسول
*
ومن شعره - أيضا -:
* تقعد فوقى لأي معنى
* للفضل للهمة النفسية
*
* إن غلط الدهر فيك يوما
* فليس في الشرط أن تقيسه
*
* كنت لنا مسجدا ولكن
* قد صرت من بعده كنيسه
*
* كم فارس أفضت الليالي
* به إلى أن غدا فريسه
*
* فلا تفاخر بمن تقضى
* كان الخرا مرة هريسه
*
ومن شعره - أيضا -:
* دخلت على الشيخ مستأنسا
* به وهو في دسته الأرفع
*
* وقد دخل الناس مثل الجراد
* فمن ساجدين ومن ركع
*
* فهش ولكن لمردانه
* وقام ولكن على أربع
*

394
* وأرسل في كمه مخطة
* بدت لي على صورة الضفدع
*
* فهوعنى ما تأملته
* وزعزع روحي من أضلعى
*
* وأعرض إعراض مستكبر
* تصدر مثلي ومستبدع
*
* فأقبلت أضرط من خيفة
* وأفسو على السيد الأروع
*
* وقمت وجددت فرض الوضو
* ء وكنت قعدت وطهرى معي
*
* ورام الخضوع الذي رامه
* أبى من أبيه فلم أخضع
*
* وكيف أقبل كف امرئ
* إذا صنع الخير لم يصنع
*
* فيقبضها عند بذل اللهى
* ويبسطها في الجدا الرضع
*
* وإني وإن كنت ممن يهو
* ن عليه تكبر مستوضع
*
* ليعجبني نتف شيب السبال
* وصفع قمحدوة الأصلع
*
* خراها ولو أنه ابن الفرات
* وحرها ولو أنه الأصمعي
* وقال يهجو بعض المتكبرين:
* دخلت على الشيخ فيمن دخل
* فغربل عصعصه وانتحل
*
* وأظهر من نخوه الكبرياء
* ما لم أقدر وما لم أخل
*
* فقلت له مؤثرا نصحه
* وقد يقبل النصح ممن بخل
*
* إذا كنت سيدنا سدتنا
* وإن كنت للخال فاذهب فخل
*
* فقال اغتفر زلتي منعما
* فإني نغل بزيت وخل
*
* وكم من وزير كبير عراه
* عند قضاء الحقوق البخل
*
وقال يداعب ابن الحنان - وكان يخضب -:
* سنى كسن أديب ال
* عراق زين الظراف
*
* ست وستون عاما
* ما بيننا من خلاف
*
* لكن شيبى باد
* وشيبه في غلاف
* @ 396 @
((481 - ابن حباب الصوري))
محمد بن علي بن محمد بن حباب الصوري الشاعر
كان فصيحا توفى في ' طرابلس ' وقد نيف على السبعين وكانت وفاته سنة ثلاث وستين وأربعمائة
ومن شعره - رحمه الله تعالى -:
* صب جفاه حبيبة
* فحلا له تعذيبه
*
* فالنار تضرم في الجو
* نح والغرام يذيبه
*
* حتى بكاه لما دها
* ه بعيده وقريبه
*
* وتآمروا في طبه
* كيما يخف لهيبه
*
* فأتى الطيب وما دروا
* أن الطبيب حبيبه
*
((482 - أبو بكر القصار المؤدب))
محمد بن علي بن محمد الدينوري أبو بكر القصار المؤدب سكن ' درب الدواب ' ببغداد وله أشعار في الزهد والغزل توفى سنة أربع عشرة وخمسمائة
ومن شعره:
* ومشمر الأذيال في ممزوجة
* متتوج تاجا من العقيان
*
* بالجاشرية ظل يهتف سحرة
* ويصيح من طرب إلى الندمان
*
* يا طيب لذة هذه دنياكم
* لو أنها أبقت على الإنسان
*
* أصبو إلى شرب الخمور وإنما
* لصبوحكم لا للصلاة أذانى
*
* طلعت شموس الراح من أيديهم
* مثل النجوم وغبن في الأبدان
*
((483 - أبو سعد الكاتب الكرماني))
محمد بن علي بن محمد بن المطلب أبو سعد الكرمانة الكاتب ولد @ 396 @
((481 - ابن حباب الصوري))
محمد بن علي بن محمد بن حباب الصوري الشاعر
كان فصيحا توفي في طرابلس وقد نيف على السبعين وكانت وفاته سنة ثلاث وستين وأربعمائة
ومن شعره - رحمه الله -:
* صب جفاه حبيبه
* فحلا له تعذيبه
*
* فالنار تضرم في الجوانح
* والغرام يذيبه
*
* حتى بكاه لما دهاه
* بعيده وقريبه
*
* وتآمروا في طبه
* كيما يخف لهيبه
*
* فأتى الطبيب وما دروا
* أن الطبيب حبيبه
*
((482 - أبو بكر القصار المؤدب))
محمد بن علي بن محمد الدينوري أبو بكر القصار المؤدب سكن درب الدواب ببغداد وله أشعار في الزهد والغزل توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة
ومن شعره
* ومشمر الأذيال في ممزوجة
* متتوج تاجا من العقيان
*
* بالجاشرية ظل يهتف سحرة
* ويصيح من طرب إلى الندمان
*
* يا طيب لذة هذه دنياكم
* لو أنها أبقت على الإنسان
*
* أصبو إلى شرب الخمور وإنما
* لصبحوكم لا للصلاة أذانى
*
* طلعت شموس الراح من أيديهم
* مثل النجوم وغبن في الأبدان
*
((483 - أبو سعد الكاتب الكرماني))
محمد بن عبد بن محمد بن المطلب أبو سعد الكرماني الكاتب ولد

395
ب ' بغداد ' وقرأ طرفا صالحا من الأدب وأخبار الأوائل وسمع الحديث من ابن بشران وابن شاذان وكان كاتبا سديدا مليح الشعر إلا أأانه كان قليله كثير الهجاء دقيق الفكر فيه
قال ابن النجار: يشبه هجوه ابن الرومي
ومن شعره:
* عزلت وما خنت فيما وليت
* وغيرى يخون فلا يعزل
*
* فهذا يدل على أن من
* يولى ويعزل لا يعقل
* وكتب إلى الوزير أبى نصر بن جهير:
* هبني كما زعم الواشون لا زعموا
* أخطأت حاشاى أو زلت بي القدم
*
* وهبك ضاق عليك العذر من حرج
* لم أجنه أيضيق العفو والكرم
*
* ما أنصفتنى في حكم الهوى أذن
* تصغى لواش وعن عذرى بها صمم
*
ومن شعره:
* يا حسرتا مات حظى من قلوبكم
* وللحظوظ كما للناس آجال
*
* إن مت شوقا ولم أبلغ بكم أملى
* كم تحت هذى القبور الدرس آمال
*
توفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ودفن بمقابر قريش رحمه الله
((484 - الشيخ محيي الدين بن عربى))
محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الشيخ محيي الدين أبو بكر الطائي الحاتمي الأندلسي المعروف ب ' ابن عربى ' صاحب التصنيفات في التصوف وغيره
ولد في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة ب ' مرسية ' ذكر أنه

397
سمع ب ' مرسية ' من ابن بشكوال وسمع ب ' بغداد ' و ' مكة ' و ' دمشق ' وسكن ' الروم ' وركب له يوما صاحب الروم فقال: هذا تذعر له الأسود فسئل عن ذلك؟ فقال: خدمت ب ' مكة ' بعض الصلحاء فقال يوما: الله يذل لك أعز خلقه أوكما قال وقيل: إن صاحب ' الروم ' أمر له بدار تساوى مائة ألف درهم على ما قيل فلما كان يوما قال له بعض السؤال شئ لله فقال: ما لي غير هذه الدار خذها لك قال ابن مسدى في جملة ترجمته: كان ظاهري المذهب في العبارات باطني النظر في الاعتقادت وكتب لبعض الولاة ثم حج ولم يرجع إلى بلده وروى عن السلفي بالإجازة العامة وبرع في علم التصوف وله فيه مصنفات كثيرة ولقى جماعة من العلماء والمتعبدين
قال الشيخ شمس الدين: وله توسع في الكلام وذكاء وقوة خاطر وحافظة وتدقيق في التصوف وتواليف جمة في العرفان ولولا شطحه في الكلام لم يكن به بأس ولعل ذلك وقع منه حال سكره وغيبته فيرجى له الخير
وقال الشيخ قطب الدين اليونينى في ذيله على ' المرآة ': وكان يقول أنا أعرف اسم الله الأعظم وأعرف الكيمياء وكانت وفاته في دار القاضي محيي الدين بن الزكي وغسله الجمال بن عبد الخالق ومحيى الدين وكان عماد الدين بن النحاس يصب عليه وحمل إلى ' قاسيون ' ودفن بتربة بنى الزكي وكان مولده في سنة ستين وخمسمائة ب ' مرسية ' من ' الأندلس ' ووفاته في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة
ومن تصانيفه: ' الفتوحات المكية ' عشرون مجلدا و ' التدبيرات الإلهية والتنزلات الموصلية ' و ' فصوص الحكم ' - وعمل ابن سودكين شرحا عليها سماه: ' نقش الفصوص ' وهو من تلك المادة - و ' الإسرا إلى المقام الأسرى ' نظما ونثرا و ' شرح خلع النعلين ' و ' الأجوبة المسكتة عن سؤالات الحكيم الترمذي ' و ' تاج الرسائل ومنهاج الوسائل ' و ' كتاب العظمة ' و ' كتاب السبعة ' وهو كتاب الشان و ' الحروف الثلاثة التي انعطفت أواخرها على أوائلها ' و ' التجليات ' ' ومفاتيح الغيب ' و ' كتاب الحق ' و ' ' مراتب علوم

398
الوهب ' و ' الإعلام بإشارات أهل الإلهام ' و ' العبادة والخلوة ' و ' المدخل إلى معرفة الأسماء ' و ' كنه ما لا بد للمريد منه ' و ' النقباء ' و ' حلية الأبدال ' و ' الشروط فيما يلزم أهل طريق الله تعالى من الشروط ' و ' أسرار الخلوة ' و ' عقيدة أهل السنة ' و ' المقنع في إيضاح السهل الممتنع ' و ' إشارات القرآن ' و ' كتاب الهو ' و ' الأحدية ' و ' الاتحاد العشقى ' و ' الجلالة ' و ' الأزل ' و ' القسم ' و ' عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب ' و ' الشواهد ' و ' مناصحة النفس ' و ' اليقين ' و ' تاج التراجم ' و ' القطب والإمامين ' و ' رسالة الانتصار ' و ' الحجب ' و ' الأنفاس العلوية في المكاتبة ' و ' ترجمان الأشواق ' و ' الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الشواق ' و ' مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم ' و ' المواعظ الحسنة ' و ' المبشرات ' و ' خطبة ترتيب العالم ' و ' الجلال والجمال ' و ' مشكاة الأنوار فيما روى عن الله - عز وجل - من الأخبار ' و ' شرح الألفاظ التي اصطلحت عليها الصوفية ' و ' محاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار ' خمس مجلدات وغير ذلك
قال الشيخ محيي الدين بن عربى: رأيت النبي
في النوم فقلت: يا رسول الله أيما أفضل الملك أو النبي؟ فقال: الملك فقلت: يا رسول الله أريد على هذا برهان دليل إذا ذكرته عنك أصدق فيه فقال: ما جاء عن الله تعالى أنه قال * (من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) * وعلى الجملة فكان رجلا صالحا عظيما والذي نفهمه من كلامه حسن والمشكل علينا نكل أمره إلى الله تعالى وما كلفنا اتباعه ولا العمل بما قاله وقد عظمه الشيخ كمال الدين بن الزملكانى - رحمه الله تعالى - في مصنفه الذي عمله في الكلام على الملك والنبي والصديق والشهيد وهو مشهور فقال

399
في الفصل الثاني في فضل الصديقية: ' قال الشيخ محيي الدين بن العربي البحر الزاخر في المعارف الإلهية ' وذكر من كلامه جملة ثم قال في آخر الفصل: إنما نقلت كلامهوكلام من يجري مجراه من أهل الطريق لأنهم أعرف بحقائق هذه المقامات وأبصر بها لدخولهم فيها وتحققهم بها ذوقا والمخبر عن الشئ ذوقا مخبر عن اليقين فاسأل به خبيرا انتهى ومن شعر الشيخ محيي الدين:
* إذا حل ذكركم خاطري
* فرشت خدودى مكان التراب
*
* وأقعدنى الذل في بابكم
* قعود الأسارى لضرب الرقاب
* وقال:
* نفسي الفداء لبيض خرد عرب
*) لعبن بي عند لثم الركن والحجر
*
* ما أستدل إذا ما تهت خلفهم
* إلا بريحهم من طيب الأثر
*
* غازلت من عزلى فيهن واحدة
* حسناء ليس لها أخت من البشر
*
* إن أسفرت عن محياها أرتك سنا
* مثل الغزالة إشراقا بلا غير
*
* للشمس غرتها لليل طرتها
* شمس وليل معا من أحسن الصور
* وقال في كتاب ترجمان الأشواق:
* سلام على سلمى ومن حل بالحمى
* وحق لمثلى رقة أن يسلما
*
* وماذا عليها أن ترد تحية
* علينا ولكن لا احتكام على الدمى
*
* سروا وظلام الليل أرخى سدوله
* فقلت لها صبا غريبا متيما
*
* فأبدت ثناياها وأومض بارق
* فلم أدر من شق الحنادس منهما
*
* وقالت أما يكفيه أنى بقلبه
* يشاهدنى من كل وقت أما أما
* وقال فيه - أيضا -:
* درست عهودهم وإن هواهم
* أبدا جديد في الحشا ما يدرس
*
* هذى طلولهم وهذى الأدمع
* ولذكرهم أبدا تذوب الأنفس
*
* ناديت خلف ركابهم من حبهم
* يا من غناه الحسن ها أنا مفلس
*

400
* يا موقدا نارا رويدا هذه
* نار الصبابة شأنكم فلتقبسوا
* وقال - أيضا -:
* ناحت مطوقة فحن حزين
* وشجاه ترجيع لها وحنين
*
* جرت الدموع من العيون تفجعا
* لحنينها فكأنهن عيون
*
* طارحتها ثكلى بفقد وحيدها
* والثكل من فقد الوحيد يكون
*
* بي لاعج من حب ' رملة عالج '
* حيث الخيام بها وحيث العين
*
* من كل فاتكة اللحاظ مريضة
* أجفانها لظبا اللحاظ جفون
*
* ما زلت أجرع دمعتى من غلتي
* أخفى الهوى عن عاذلى وأصون
*
* حتى إذا صاح الغراب ببينهم
* فضح الفراق صبابة المحزون
*
* وصلوا السرى قطعوا البرى فلعيسهم
* تحت المحامل رنة وأنين
*
* عاينت أسباب المنية عندما
* أرخوا أزمتها وشد وضين
*
* إن الفراق مع الغرام لقاتل
* صعب الغرام مع اللقاء يهون
*
* ما لي عذول في هواها إنها
* معشوقة حسناء حيث تكون
* وقال - أيضا -:
* ليت شعري هل دورا
* أي قلب ملكوا
*
* وفؤادى لو درى
* أي شعب سلكوا
*
* أتراهم سلموا
* أم تراهم هلكوا
*
* حار أرباب الهوى
* في الهوى وارتبكوا
*
((485 - مهذب الدين بن الخيمى))
محمد بن علي بن علي الأديب الكامل مهذب الدين بن الخيمى الحلى العراقي الشاعر شيخ معمر فاضل قال ابن النجار: كتبت عنه ب ' القاهرة ' وله مصنفات كثيرة سمع وروى وتوفى سنة اثنتين وأربعين وستمائة @ 402 @
ومن شعره
* أأصنام هذا الجيل طرا أكلكم
* يعوق أما فيكم يغوث ولا ود
*
* لقد طال تردادي إليكم فلم أجد
* سوى رب شان في الغنى شانه الرد
*
ومن شعره
* جننت فعوذني بكتبك إن لي
* شياطين شوق لا تفارق مضجعي
*
* إذا استرقت أسرار وجدي تمردا
* بعثت عليها في الدجى شهب أدمعي
*
ومن شعره الأبيات المشهورة وهو ما كتبه لابنه لما عصر
* عصروك أمثال اللصوص
* ولم تفد تلك الأمانة
*
* فإذا سلمت فخنهم
* إن السلامة في الخيانة
*
* وافعل كفعل بني سناء
* الملك في مال الخزانة
*
يقال إن هذه الأبيات لما شاعت أمسك بنو سناء الملك وصودروا بسبب هذه الأبيات
وقال ابن خلكان أنشدني مهذب الدين الخيمي وأخبرني أنه كان بدمشق قد رسم السلطان بحلق لحية شخص له وجاهة بين الناس فحلق نصفها وحصل فيه شفاعة فعفى عنه في الباقي فعمل فيه أبياتا ولم يصرح باسمه
* زرت ابن آدم لما قيل قد حلقوا
* جميع لحيته من بعد ما ضربا
*
* فلم أر النصف محلوقا فعدت له
* مهنئا بالذي منها له وهبا
*
* فقام ينشدني والدمع يخنقه
* بيتين ما نظما مينا ولا كذبا
*
* إذا أتتك لحلق الذقن طائفة
* فاخلع ثيابك منها ممعنا هربا
*
* وإن أتوك وقالوا إنها نصف
* فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا
* @ 403 @
((486 - الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد))
محمد بن علي بن وهب بن مطيع الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح بن دقيق العيد القشيري المصري المالكي الشافعي أحد الأعلام وقاضي القضاة
ولد سنة خمس وعشرين وستمائة بناحية ينبع وتوفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة اثنتين وسبعمائة
سمع من ابن المقير وابن رواج وابن الجميزي والسبط وسمع من ابن عبد الدايم والزين خالد وله التصانيف البديعة ك ((الإمام)) و ((الإلمام)) و ((علوم الحديث)) و ((شرح عمدة الأحكام)) و ((شرح مقدمة المطرز في أصول الفقه)) وجمع الأربعين في الرواية عن رب العالمين وشرح بعض مختصر ابن الحاجب
وكان إماما متفننا محدثا مجودا فقيها مدققا أصوليا أديبا شاعرا نحويا ذكيا غواصا على المعاني مجتهدا وافر العقل كثير السكينة بخيلا بالكلام تام الورع شديد التدين مديم السهر مكبا على المطالعة والجمع قل أن ترى العيون مثله
وكان سمحا جوادا وكان قد قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات وله في ذلك حكايات ووقائع كثيرة
وكان كثير التسري والتمتع وله عدة أولاد ذكور بأسماء الصحابة العشرة
تفقه بأبيه وبالشيخ عز الدين بن عبد السلام واشتهر اسمه في حياة مشايخه وكان مالكيا ثم صار شافعيا ومن شعره رحمه الله تعالى
* الحمد لله كم أسعى بعزمي في
* نيل العلا وقضاء الله ينكسه
*
* كأنني البدر أبغي الشرق والفلك
* الأعلى يعارض مسعاه فيعكسه
* وقال أيضا
* أأحباب قلبي والذين بذكرهم
* وترداده طول الزمان تعلقي
* @ 404 @
* لئن عاب عن عيني بديع جمالكم
* وجار على الأبدان حكم التفرق
*
* فما ضرنا بعد المسافة بيننا
* سرائرنا تسرى إليكم فنلتقي
*
وقال - يمدح رسول الله
* يا سائرا نحو الحجاز مشمرا
* اجهد فديتك في المسير وفي السرى
*
* وإذا سهرت الليل في طلب العلا
* فحذار من خدع الكرى
*
* فالقصد حيث النور يشرق ساطعا
* والطرف حيث ترى الثرى متعطرا
*
* قف بالمنازل والمناهل من لدن
* وادي قباء إلى حمى أم القرى
*
* وتوخ آثار النبي فضع بها
* متشرفا خديك في عفر الثرى
*
* وإذا رأيت مهابط الوحي التي
* نشرت على الآفاق نورا أنورا
*
* فاعلم بأنك ما رأيت شبيهها
* مذ كنت في ماضي الزمان ولا ترى
*
* ولقد أقول إذا الكواكب أشرقت
* وترفعت في منتهى شرف الذرا
*
* لا تفخرى زهوا فإن محمدا
* أعلى علا منها وأشرف جوهرا
*
* نلنا به ما قد رأينا من علا
* مع ما نؤمل في القيامة أن نرى
*
* فسعادة أزلية سبقت وما
* هو ثابت أزلا فلن يتغيرا
*
* وسيادة بارى الأنام بها ولا
* سيما إذا قدموا عليه المحشرا
*
* وبديع لطف شمائل من دونها
* ماء الغمامة والنسيم إذا سرى
*
* مع سطوة لله في يوم الوغى
* تعنو لشدة بأسها أسد الشرى
*
* شوقي لقرب جنابه وصحابه
* شوق يجل يسيره أن يذكرا
*
* أفنى كنوز الصبر من أشواقه
* وجرى على الأحشاء منه ما جرى
*
* إن لاح صبح كان وجد مقلق
* أو جن ليل كان هما مسهرا
*
ومن شعره
* تهيم نفسي طربا عندما
* أستملح البرق الحجازيا
*
* ويستخف الوجد عقلي وقد
* لبست أثواب الحجا زيا
*
* يا هل أقضى حاجتي من منى
* وأنحر البزل المهاريا
*

401
* وأرتوي من زمزم فهي لي
* أرق من ريق المها ريا
*
وقال أيضا
* تمنيت أن الشيب عاجل لمتى
* وقرب منى في صباى مزارة
*
* فآخذ من عصر الشباب نشاطه
* وآخذ من عصر المشيب وقاره
*
وقال أيضا
* عطيته إذا أعطى سرور
* فإن سلب الذي أعطى أثابا
*
* فأي النعمتين أعد فضلا
* وأحمد عند عقباها إيابا
*
* أنعمته التي كانت سرورا
* أم الأخرى التي جلت ثوابا
*
وقال يمدح رسول الله
* لم يبق لي أمل سواك فإن يفت
* ودعت أيام الحياة وداعا
*
* لا أستلذ لغير وجهك منظرا
* وسوى حديثك لا أريد سماعا
*
وقال أيضا
* أتعبت نفسك بين لذة كادح
* طلب الحياة وبين حرص مؤمل
*
* وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن
* حصلت فيه ولا وقار مبجل
*
* وتركت حظ النفس في الدنيا وفي الأخرى
* ورحت عن الجميع بمعزل
*
وقال أيضا
* لعمري لقد قاسيت بالفقر شدة
* وقعت بها في حيرة وشتات
*
* فإن ربحت بالشكوى هتكت مروءتي
* وإن لم أبح بالصبر خفت مماتي
*
* وأعظم به من نازل لملمة
* يزل حيائي أو يزل حياتي
*
وقال أيضا دوبيت
* الجسم تذبيه حقوق الخدمة
* والقلب عذابه علو الهمة
* @ 406 @
* والعمر بذاك ينقضي في تعب
* والراحة ماتت فعليها الرحمة
*
وقال أيضا
* يا عصر شبيبتي ولهوي أرأيت
* ما أسرع ما انقضيت عني ومضيت
*
* قد كنت مساعدي على كيت وكيت
* واليوم فلو رأيت حالي لبكيت
*
وقال أيضا
* أفكر في حالي وقرب منيتي
* وسيري حثيثا في مصيري إلى القبر
*
* فينشئ لي فكري سحائب للأسى
* تسح هموما دونها وابل القطر
*
* إلى الله أشكو من وجودي فإنني
* تعبت به مذ كنت في مبتدأ العمر
*
* نروح ونغدو والمنايا فجائغ
* تكدره والموت خاتمة الأمر
*
وله أيضا
* سحاب فكري لا يزال هاميا
* وليل همي لا أراه راحلا
*
* قد أتعبتني همتي وفطنتي
* فليتني كنت مهينا جاهلا
*
وقال أيضا
* كم ليلة فيك وصلنا السرى
* لا نعرف الغمض ولا نستريح
*
* وكلت العيس وجد الهوى
* واتسع الكرب وضاق الفسيح
*
* وكادت الأنفس مما بها
* تزهق والأرواح منا تطيح
*
* واختلف الأصحاب ماذا الذي
* يزيل من شكواهم أو يريح
*
* فقيل تعريسهم ساعة
* وقلت بل ذكراك وهو الصحيح
*
وقال أيضا
* يا معرضا عني ولست بمعرض
* بل ناقضا عهدي وليس بناقض
*
* أتعبتني بخلائق لك لم يفد
* فيها وقد جمحت رياضة رائض
*

406
* أرضيت أن تختار رفضي مذهبا
* فتشنع الأعداء أنك رافضي
*
وقال أيضا
* قد جرحتنا يد أيامنا
* وليس غير الله من آس
*
* فلا ترج الخلق في حاجة
* ليسوا بأهل لسوى الياس
*
* ولا تزد شكوى إليهم فلا
* معنى لشكواك إلى قاس
*
* وإن تخالط منهم معشرا
* هويت في الدين على الرأس
*
* يأكل بعض لحم بعض ولا
* يخاف في الغيبة من باس
*
* لا ورع في الدين يحميهم
* عنها ولا حشمة جلاس
*
* فاهرب من الناس إلى ربهم
* لا خير في الخلطة بالناس
*
وقال أيضا
* إذا كنت في نجد وطيب نسيمها
* تذكرت أهلي باللوى فمحجر
*
* وإن كنت فيهم ذبت شوقا ولوعة
* إلى ساكني نجد وعيل تصبري
*
* وقد طال ما بين الفريقين قصتي
* فمن لي بنجد بين أهلي ومعشري
*
وقال أيضا نظما في بعض الوزراء
* مقبل مدبر بعيد قريب
* محسن مذنب عدو حبيب
*
* عجب من عجائب البر والبحر
* ونوع فرد وشكل غريب
*
وقال أيضا
* ذروا في السرى نحو الجناب الممنع
* لذيذ الكرى واجفوا له كل مضجع
*
* وأهدوا إذا جئتم إلى خير مربع
* تحية مضني هائم القلب موجع
*
* سريع إلى داعي الصبابة طيع
*
* يقوم بأحكام الهوى ويقيمها
* فكم ليلة قد نازلته همومها
*
* فسامرها حتى تولت نجومها
* له فكرة فيمن يحب يديمها
*
* وطرف إلى اللقيا كثير التطلع
*

407
* وكم ذاق في أحواله طعم محنة
* وكم عارضته من مواقف فتنة
*
* وكم أنة يأتي بها بعد انة
* تنم على سر له في أكنة
*
* وتخبر عن قلب له متقطع
*
* وفي صبره شوق أقام ملازما
* وحب يحاشي أن يطيع اللوائما
*
* وجفن يرى ألا يرى الدهر نائما
* وعقل ثوى في سكرة الحب دائما
*
* وأقسم ألا يستفيق ولا يعي
*
* أقام على بعد المزار متيما
* وأبكاه برق بالحجرز تبسما
*
* وشوقه أحبابه نظر الحمى
* دعوه لأمر دونه تقطر الدما
*
* فيا ويح نفس الصب ماذا له دعى
*
* له عند ذكر المنحنى سفح عبرة
* وبين الرجا والخوف موقف عبرة
*
* فحينا يوافيه النعيم بنظره
* وحينا ترى في قلبه نار حسرة
*
* يجيء إليه الموت من كل موضع
*
* سلام على صفو الحياة وطيبها
* إذا لم تفز عيني بلقيا حبيبها
*
* ولم تحظ من إقباله بنصيبها
* ولا استعطفته عبرتي بصبيبها
*
* ولا وقعت شكواي منه بموقع
*
* موكل طرفي بالسهاد المؤرق
* ومجرى دموعي كالحيا المتدفق
*
* وملهب وجد في فؤادي محرق
* بعينك ما يلقي الفؤاد وما لقي
*
* وعندك ما تحوى وتخفيه أضلعي
*
* أضرت بي البلوى وذو الحب مبتلى
* يعالج داء بين جنبيه معضلا
*
* ويثقله من وجده ما تحملا
* وتبعثه الشكوى فيشتاق منزلا
*
* به يلتقي راحة المتودع
*
* مقر الذي دل الأنام بشرعه
* على أصل دين الله حقا وفرعه
*
* به انضم شمل الدين من بعد صدعه
* لنا مذهب العشاق في قصد ربعه
*
* نقيم به رسم البكا والتضرع
*
* تحل به الأنوار ملء رحابه
* ومستودع الأسرار عند صحابه
*
* هداية من يحتار تأميل بابه
* وتشريف من يختار قصد جنابه
*
* بتقبيله وجه الثرى المتضوع
*

408
* أقام لنا شرع الهدى ومناره
* وألبسنا ثوب التقى وشعاره
*
* وجنبنا جور العمى وعثاره
* سقى الله عهد الهاشمي وداره
*
* سحابا من الرضوان ليس بمقلع
*
* بنى العز للتوحيد من بعد هده
* وأوجب ذل المشركين بجده
*
* عزيز قضى رب السماء بسعده
* وأيده عند اللقاء بجنده
*
* فأورده للنصر أعذب مشرع
*
* أقول لركب سائرين ليثرب
* ظفرتم بتقريب النبي المقرب
*
* فبثوا إليه كل شكوى ومتعب
* وقصوا عليه كل سؤل ومطلب
*
* فأنتم بمرأى للرسول ومسمع
*
* أما والذي آتاه مجدا مؤثلا
* لقد كان كهفا للعفاة ومعقلا
*
* يبوئهم سترا من الحلم مسدلا
* ويمطرهم غيثا من الجود مسبلا
*
* وينزع في إكرامه كل منزع
*
* لقد شرف الدنيا قدوم محمد
* وألقى بها أنوار حق مؤبد
*
* يزين به وراثه كل مشهد
* فهم بين هاد للأنام ومهتدي
*
* ومثبت أصل في الهدى ومفرع
*
* سلام على من شرف الله قدره
* سلام محب عمر الدهر سره
*
* له مطلب أفنى تمنيه عمره
* وحاجات نفس لا تجاوز صدره
*
* أعد لها جاه الشفيع المشفع
*
وقال أيضا
* آه من حيرة الفراق ويا حسرة
* من خاب بعد ما قد تمنى
*
* ليت شعري أكان هجري لمعنى
* عند أهل العقيقي أم لا لمعنى
*
((487 - الشمس الدهان))
محمد بن علي بن عمر المازني الدهان الشيخ شمس الدين الدمشقي الشاعر

409
كان يعمل صناعة الدهان وينظم الشعر الرقيق ويدري الموسيقى ويعمل الشعر ويلحنه ويغني به المغنون وكان يلعب بالقانون
توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وكان قد ربى مملوكا وهذبه وأحبه حبا مفرطا فمات فأسف عليه أسفا عظيما ورثاه بشعر كثير غنى به ونقله المغنون من ذلك
* تيم قلبي وزادني أسفا
* بدر به البدر قد غدا كلفا
*
* مهفهف القد لين قامته
* علم غصن الأراكة الهيفا
*
* يا راحلا أودع الحشا حرقا
* كدت بها أن أشارف التلفا
*
* بعدك دمعي قد كاد يغرقني
* وكلما قلت قد كفى وكفا
*
وقال أيضا موشحا
* يا بأبي غصن بأنه حملا
* بدر دجى بالجمال قد كملاأهيف
*
* فريد حسن ما ماس أو سفرا
*
* إلا أغار القضيب والقمرا
*
* يبدي لنا بابتسامه دررا
*
* في شهد لذ طعمه وحلا
* كأن أنفاسه نسيم طلا قرقف
*
* مورد الخد فاتر المقل
*
* يفوق ظبي الكناس بالحمل
*
* وينثني كالقضيب في الميل
*
* من حمل ردف مثل الكثيب علا
* نيط بخصر كأضلعي نحلامخطف
*
* ظبي من الترك يقنص الأسدا
*
* مقرطق قد أذابني كمدا
*
* حاز بديع الجمال فانفردا
*
* واها له لو أجاز أو عدلا
* لمستهام بهجره نحلامدنف
*
* غزال سرب جماله شرك
*
* ستر اصطباري عليه منهتك
*
* لكل قلب هواه منتهك
*
* قلبي الولوع والغزلا
* طرف له بالفتور قد كحلااوطف
*
* لله يوم به الزمان وفى
*

410
* إذا من بالوصل بعد طول جفا
*
* حتى إذا ما اطمأن وانعطفا
*
* أسفر عنه اللثام ثم جلا
* وردا بغير اللحاظ منه فلا يقطف
*
* فظلت من فرط شدة البرج
*
* إذ زاراني والرقيب لم يلح
*
* ألثم أقدامه من الفرح
*
* وقلت إذ عن صدوده عدلا
* أهلا بمن بعد جفوة وقلى أسعف
*
((488 - كمال الدين بن الزملكاني))
محمد بن علي بن عبد الواحد الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة ذو الفنون جمال الإسلام كمال الدين بن الزملكاني الأنصاري السماكي الدمشقي كبير الشافعية في عصره
ولد في شوال سنة سبع وستين وستمائة وسمع من ابن علان والفخر على وابن الواسطي وابن القواس وطلب الحديث وقرأه وكان فصيحا مشرعا وكان بصيرا بالمذهب وأصوله قوي العربية وقد أتقنها ذكاء ودربها ذكيا صحيح الذهن صائب الفكر تفقه على الشيخ تاج الدين وأفتى وله نيف وعشرون سنة وكان يضرب بذكائه المثل
وقرأ العربية على الشيخ بدر الدين بن مالك وقرأ على قاضي القضاة شهاب الدين الخويي وقاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي وعلى شمس الدين الأيكي وصفي الدين الهندي وحفظ التنبيه والمنتخب في أصول الفقه والمحصل في أصول الدين وغير ذلك وكتب المنسوب
وكان شكله حسنا ومنظره رائعا وتجمله في بزته وهيئته وغاية وشيبته منورة بنور الإسلام يكاد الورد يلقط من وجنتيه وعقيدته صحيحة متمكنة أشعرية وفضائله عديدة وفواضله ربوعها مشيدة وكان كريم النفس عالي الهمة حشمته وافرة

411
صنف أشياء منها رسالة في الرد على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة الطلاق ورسالة في الرد عليه في مسألة الزيارة ورسالة سماها رابع أربعة نظما ونثرا وشرح قطعة جيدة من المنهاج
وتخرج به الأصحاب وانتفع به الطلبة ودرس بالشامية البرانية والظاهرية والرواحية وولي نظر ديوان الأفرم ونظر الخزانة ووكالة بيت المال وكتب في ديوان الإنشاء ووقع في الدست وله الإنشاء الجيد والتواقيع المليحة
نقل إلى قضاء بحلب ومدارسها فأقام بها أكثر من سنتين واشتغلوا عليه الحلبيون ثم إن السلطان طلبه من حلب ليوليه قضاء دمشق لما نقل قاضي القضاة جلال الدين القزويني إلى مصر وفرح الناس بذلك فمرض في الطريق وأدركه الأجل في بلبيس في سادس عشر شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبعمائة قيل إنه سم في الطريق وعند الله تجتمع الخصوم
وحكى ولده تقي الدين أن والده الشيخ كمال الدين قال له يا ولدي أنا والله ميت ولا أتولى لا مصر ولا غيرها وما بقي بعد حلب ولاية أخرى لأنه في الوقت الفلاني حضر إلى دمشق فلان الصالح فترددت إليه وخدمته وطلبت منه التسليك فأمرني بالصوم مدة ثم أمرني بصيام ثلاثة أيام أفطر فيها على الماء واللبان الذكر وكان آخر ليلة في الثلاث ليلة النصف من شعبان فقال لي الليلة تجئ إلى الجامع تتفرج أو تخلو بنفسك فقلت أخلو بنفسي فقال جيد ولا تزل تصلي حتى أجيء إليك فخلوت بنفسي أصلي ساعة جيدة فلما كنت في الصلاة إذا به قد أقبل فلم أبطل الصلاة وإذا قد خيل لي قبة عظيمة بين السماء والأرض وظاهرها معارج ومراق والناس يصعدون فيها من الأرض إلى السماء فصعدت معهم فكنت أرى على كل مرقاة مكتوبا نظر الخزانة وعلى أخرى وأخرى وأخرى وكالة بيت المال التوقيع المدرسة الفلانية قضاء حلب فلما وصلت إلى هذه المرقاة أشفقت من تلك الحالة ورجعت إلى حسي وبت ليلتي فلما اجتمعت بالشيخ قال كيف كانت ليلتك جئت إلبك وما قصرت لأنك ما اشتغلت بي والقبة التي رأيتها هي الدنيا

412
والمراقي هب المراتب والوظائف والأرزاق وهذا الذي رأيته كله تناله
والله يا عبد الرحمن كل شيء قد رأيته نلته وكان آخر الكل قضاء حلب وقد قرب الأجل
وكان الشيخ كمال الدين كثير التخيل شديد الاحتراز يتوهم أشياء بعيدة ويبني عليها وتعب بذلك وعودى وحسد وعمل عليه ولطف الله به رحمه الله
ومن نظمه قصيدة يذكر فيها الكعبة المعظمة ويمدح النبي
* أهواك يا ربة الأستار أهواك
* وإن تباعد عن مفناي مغناك
*
* وأعمل العيس والأشواق ترشدني
* عسى يشاهد مغناكي مغناك
*
* تهوى بها البيد لا تخشى الضلال وقد
* هدت ببرق الثنايا الغر مضناك
*
* تشوقها نسمات الصبح سارية
* تسوقها نحو رؤياك برباك
*
* يا ربه الحرم العالي الأمين لمن
* وافاه من أين هذا الأمن لولاك
*
* إن شبهوا الخال بالمسك الذكي فهذا
* الخال من رؤية المحكى والحاكي
*
* أفدى بأسود قلبي نور أسوده
* من لي بتقبيله من بعد يمناك
*
* إني قصدتك لا ألوى على بشر
* ترمي النوى بي سراعا نحو مرماك
*
* وقد حططت رحالي في حماك عسى
* تنحط أثقال أوزاري برؤياك
*
* كما حططت بباب المصطفى أملى
* وقلت للنفس بالمأمول بشراك
*
* محمد خير خلق الله كلهم
* وفاتح الخير ماحى كل إشراك
*
* سما بأخمصه فوق السماء فكم
* أوطا أسافلها من علو أفلاك
*
* ونال مرتبة ما نالها أحد
* من أنبياء ذوي فضل وأملاك
*
* يا صاحب الجاه عند الله خالقه
* ما رد جاهك إلا كا أفاك
*
* أنت الوجيه على رغم العدا أبدا
* أنت الشفيع لفتاك ونساك
*
* يا فرقة الزيغ لا لقيت صالحة
* ولا شفى الله يوما قلب مرضاك
*
* ولا حظيت بجاه المصطفى أبدا
* ومن أعانك في الدنيا ووالاك
*
* يا أفضل الرسل يا مولى الأنام ويا
* خير الخلائق من إنس وأملاك
*
* ها قد قصدتك أشكو بعض ما صنعت
* بي الذنوب وهذا ملجأ الشاكي
*

413
* قد قيدتني ذنوب عن بلوغ مدى
* قصدي إلى الفوز منها فهي أشراكي
*
* فاستغفر الله لي وأسأله عصمته
* فيما بقي وغنى من غير إمساك
*
* عليك من ربك الله الصلاة كما
* منا عليك السلام الطيب الزاكي
*
وعمل على هذه القصيدة كراريس وسماها عجالة الراكب
ومن شعره
* يا سائق الظعن قف بي هذه الكثب
* عساي أقضى بها ما للهوى يجب
*
* فثم حي حياتي في خيامهم
* فالموت إن بعدوا والعيش إن قربوا
*
* لي فيهم قمر في القلب منزله
* لكن طرفي له بالبعد يرتقب
*
* لدن القوام رشيق القد ذو هيف
* تغار من لينه الأغصان والقضب
*
* حلو المقبل معسول مراشفه
* يجول فيها رضاب طعمه الضرب
*
* لا غرو إن راح نشوانا ففي فمه
* خمر ودر ثناياه لها حبب
*
* ولائم لامني في البعد عنه وفي
* قلبي من الشوق نيران لها لهب
*
* فقلت وإن صروف الدهر تصرفني
* عما أروم فما لي في النوى سبب
*
* ومذ رماني زماني بالبعاد ولم
* يرحم خضوعي ولما يبق لي نشب
*
ولما توفي إلى رحمة الله تعالى رثاه الشيخ جمال الدين بن نباتة بقصيدة أولها
* بلغا القاصدين إن الليالي
* قبضت جملة العلا بالكمال
*
* وقفا في مدارس العقل والنقل
* ونوحا معي على الأطلال
*
* سائلاها عسى يجيب صداها
* أين ولي مجيب أهل السؤال
*
* أين ولى بحر العلوم وأبقى
* بين أجفاننا الدموع لآلي
*
* أين ذاك الذهن الذي قد ورثنا
* عنه ما في الحشا من الإشتعال
*
* أين تلك الأقلام يوم انتصار كعوالي الرماح يوم النزال
*
* ينقل الناس عن حديث هداها
* طرق العلم عن متون العوالي
*
* وتفيد الجنى من اللفظ حلوا
* حين كانت نوعا من العسال
*

414
((489 - المنصور صاحب حماة))
محمد بن عمر شاهنشاه بن أيوب السلطان الملك المنصور ابن الملك المظفر تقي الدين ابن الأمير نور الدولة صاحب حماة وابن صاحبها سمع الحديث بالإسكندرية من السلفي وكان شجاعا يحب العلماء وجمع تاريخا على السنين في عدة مجلدات فيه فوائد
قال شهاب الدين القوصى قرأت عليه قطعة من كتابه مضمار الحقائق وسر الخلائق وهو كبير نفيس يدل على فضله لم يسبق إلى مثله وله كتاب طبقات الشعراء يكون في عشر مجلدات وجمع من الكتب ما لا مزيد عليه وكان في خدمته ما يناهز مائتي متعمم من الفقهاء والأدباء والنحاة والمشتغلين بالحكمة والمنجمين والكتاب
وأقامت دولته ثلاثين سنة وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة رحمه الله
ومن شعره
* سحا الدموع فإن القوم قد بانوا
* وأقفر الصبر لما أقفر البان
*
* وأسعداني بدمع بعد بينهم
* فالشان لما نأوا عني له شأن
*
* لا تبعثوا في نسيم الريح نشركم
* فإنني من نسيم الريح غيران
*
* سقاهم الغيث من قبلي كاظمة
* سحا وروى ثراهم أينما كانوا
*
وقال
* ادعني باسمها فإني مجيب
* وادر أني مما تحب قريب
*
* حكم الحب أن أذل لديها
* نخوة الملك والغرام عجيب
*
وقال
* أربى راح وريحان
* ومحبوب وشادي
*

415
* والذي ساق لي الملك
* له دفع الأعادي
*
((490 - الشيخ صدر الدين بن الوكيل))
محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد الشيخ الإمام العالم العلامة ذو الفنون البارع صدر الدين بن المرحل ويعرف في الشام بابن الوكيل المصري الأصل العثماني الشافعي أحد الأعلام وفريد أعاجيب الزمان في الذكاء والحافظة والذاكرة
ولد في شوال سنة خمس وستين بدمياط وتوفي بالقاهرة سنة ست عشرة وسبعمائة
رثاه جماعة من شعراء مصر والشام وحصل التأسف عليه
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية لما بلغه وفاته أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين
نشأ بدمشق وتفقه بوالده وبالشيخ شرف الدين المقدسي
وأخذ الأصول عن صفي الدين الهندي وسمع من القاسم الإربلي والمسلم بن علان وجماعة وكان له عدة محفوظات قيل إنه حفظ المفصل في مائة يوم ويوم والمقامات الحريرية في خمسين يوما وديوان المتنبي على ما قيل في جمعة واحدة وكان من أذكياء زمانه فصيحا مناظرا لم يكن أحد من الشافعية يقوم بمناظرة الشيخ تقي الدين بن تيمية غيره وتخرج به الأصحاب والطلبة وكان بارعا في العقليات وأما الفقه وأصول الفقه فكانا قد بقيا له طباعا لا يتكلفهما
أفتى ودرس وبعد صيته ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سبع سنين وجرت له أمور وتنقلات وكان مع استغاله يتنزه ويعاشر ونادم الأفرم نائب دمشق ثم توجه إلى مصر وأقام بها إلى أن عاد السلطان من الكرك سنة تسع وسبعمائة فجاء بعد ما خلص من واقعة الجاشنكير فإنه نسب إليه منها أشياء وعزم الصاحب فخر الدين بن الخليلي على القبض عليه تقربا إلى خاطر

416
السلطان فلما أحس بذلك فر إلى السلطان على طريق البدرية ودخل على السلطان وهو بالرمل فعفا عنه وجاء إلا دمشق وتوجه إلى حلب وأقرأ بها ودرس وأقبل عليه الحلبيون إقبالا زائدا وعاشرهم وكان محفوظا لم يقع بينه وبين أحد من الكبار إلا وعاد من أحب الناس فيه
وكان حسن الشكل تام الخلق حسن البزة حلو المجالسة طيب المفاكهة وعنده كرم مفرط كل ما يحصل له ينفقه بنفس متسعة ملوكية وكان يتردد إلى الصلحاء ويلتمس دعاءهم ويطلب بركتهم
قيل إنه وقف له فقير وكانت ليلة عيد وقال له شيء لله فالتفت إلى غلامه وقال إيش معك قال مائتا درهم قال ادفعها إلى هذا الفقير فقال له يا سيدي الليلة العيد وما معنا شيء ننفقه غدا فقال امض إلى القاضي كريم الدين وقل له الشيخ يهنيك بالعيد فلما رأى كريم الدين غلام الشيخ قال كأن الشيخ يعوز نفقة في هذا العيد ودفع له ألفي درهم وثلاثمائة للغلام فلما حضر إلى الشيخ قال صدق رسول الله
الحسنة بعشرة مائتان بألفين
وكان له مكارم كثيرة ولطف زائد وحسن عشرة وأما أوائل عشرته فما كان لها نظير لكنه ربما يحصل عنده ملل في آخر الحال حتى قال فيه القائل
* وداد ابن الوكيل له شبيبة
* بلبادين جلق في المسالك
*
* فأوله حلي ثم طيب
* وآخره زجاج مع لوالك
*
وشعره مليح إلى الغاية وكان ينظم الشعر والموشح والدوبيت والمخمس والزجل والبليق ومن تصانيفه ما جمعه في سفينة وسماه الأشباه والنظائر يقال إنه شيء غريب وعمل مجلدة في السؤال الذي حضر عند أسندمر نائب طرابلس وفي الفرق بين الملك والنبي والشهيد والولي والعالم
ومن شعره قصيدة بائية أولها
* ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا
* في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب
*

417
* لا تأسفن على مال تمزقه
* أيدي سقاة الطلا والخرد العرب
*
* فما كسوا راحتي من راحها حللا
* إلا وعروا فؤادي الهم واستلبوا
*
* راح بها راحتي في راحتي حصلت
* فتم عجبي بها وازداد لي العجب
*
* إذ ينبع الدر من حلو مذاقته
* والتبر منسبك في الكأس منسكب
*
* وليست الكيميا في غيرها وجدت
* وكل ما قيل في أبوابها كذب
*
* قيراط خمر على القنطار من حزن
* يعود في الحال أفراحا وينقلب
*
* عناصر أربع في الكأس قد جمعت
* وفوقها الفلك السيار والشهب
*
* ماء ونار هواء أرضها قدح
* وطوقها فلك والأنجم الحبب
*
* ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل
* بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب
*
* شججت بالماء منها الرأس موضحة
* فحين أعقلها بالخمس لا عجب
*
* وما تركت بها الخمس التي وجبت
* وإن رأوا تركها من بعض ما يجب
*
* ولن أقطب وجها حين تبسم لي
* فعند بسط الموالي يحسن الأدب
*
* عاطيتها من بنات الترك عاطية
* لحاظها للأسود الغلب قد غلبوا
*
* هيفاء جارية للراح ساقية
* من فوق ساقية تجري وينسرب
*
* من وجهها وتثنيها وقامتها
* تخشى الأهلة والقضبان والقضب
*
* يا قلب أردافها مهما مررت بها
* قف بي عليها وقل لي هذه الكثب
*
* وإن مررت بشعر فوق قامتها
* بالله قل لي كيف البان والعذب
*
* تريك وجنتها ما في زجاجتها
* لكن مذاقته للريق تنتسب
*
* تحكى الثنايا الذي أبدته من حبب
* لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
*
وقال أيضا
* وعارض قد لام في عارض
* وطاعن يطعن في سنه
*
* وقال لي قد طلعت ذقته
* فقلت لا أفكر في ذقنه
*
وقال وهو في غاية الحسن
* شب وجدي بشائب
* من سنا البدر أوجه
*

418
* كلما شاب ينحني
* بيض الله وجهه
*
وقال أيضا
* ولما جلا فصل الخريف محاسنا
* وصفق ماء النهر إذ غرد القمري
*
* اتاه النسيم الرطب رقص دوحه
* فنقط وجه الماء بالذهب المصري
*
وقال أيضا
* عيرتني بالسقم طرفك مشبهي
* ونحول جسمي مثل حضرك ناحلا
*
* وأراك تشمت إذ أتيتك سائلا
* لا بد أن يأتي عذارك سائلا
*
وقال في مليح به يرقان
* رأيت في طرفه اصفرارا
* سبا فؤادي فقلت مهلا
*
* أيا مليك الأنام حسنا
* العفو من سيفك المحلى
*
وهذا يشبه قول الوداعي
* قال قوم شانه يرقان
* قلت أخطأتم وحاشا وكلا
*
* إنما الخد واللواحظ منه
* مصحف مذهب وسيف محلى
*
وقال أيضا
* أقصى مناي أن أمر على الحمى
* ويلوح نور رياضه ويفوح
*
* حتى أرى سحب الحمى كيف البكا
* واعلم الورقاء كيف تنوح
*
وقال أيضا
* بعيشك خل عاذلتي تلمني
* ومنها في ملامتها ومنى
*
* فإن نجحت فلا نجحت طريقي
* وأدركت المنية لا التمني
*
* وإن خابت فلا خابت طريقي
* وإن كان الهوى ثانيه عنى
*
* فيا غصن النقا ويجل قدرا
* قوامك أن أشبهه بغصن
*

419
* لحاظك بالمها فتكت عنادا
* ولا تسأل عن الظبي الأغن
*
* وعطفك قد كسا الأغصان وجدا
* فمالت بالهوى لا بالتثني
*
* ورقت ورقها فبكت عليها
* وفب الأفنان أبدت كل فن
*
* وقد طارحتها شجنا فلما
* بكيت صبابة أخذت تغنى
*
وقال أيضا في مليح اسمه خليل
* تلك المعاطف أم غصون البان
* لعبت ذوائبها على الكثبان
*
* وتضرجت تلك الخدود فوردها
* قد شق قلب شقائق النعمان
*
* ما يفعل الموت المبرح في الورى
* ما تفعل الأحداق في الأبدان
*
* أخليل قلبي وهو يوسف عصره
* قلبي الكليم رميت في النيران
*
* قطعته مذ كان قلبا طائرا
* ودعوته فاتى بغير توان
*
* يا نور عيني لا أراك وهكذا
* إنسان عيني لا يراه عياني
*
وقال أيضا
* أخفيت حبك عن جميع جوانحي
* فوشت عيوني والوشاة عيون
*
* وودت ان جوانحي وجوارحي
* مقل تراك وما لهن جفون
*
* وودت دمع الخافقين لمقلتي
* حتى عزيز الدمع فيك يهون
*
* يا ليت قيسا في زمان صبابتي
* حتى أريه العشق كيف يكون
*
وقال أيضا في مليح يلقب بالحامض
* وبديع الجمال معتدل القامة
* كالغصن والقنا الأملود
*
* لقبوه بحامض وهو حلو
* قول من لم يصل إلى العنقود
*
وقال
* يا وجمة هي جنة قد زخرفت
* وردا ومن آس العذار تخضرت
*
* عين بنور جمال وجهك متعت
* وسوى جمالك أبصرت لا أبصرت
*

420
وقال دوبيت
* يا غاية منيتي ويا معشوقي
* من بعدك لم أمل إلى مخلوق
*
* يا خير نديم كان لي يؤنسني
* من بعدك صلبت على الاووق
*
وقال أيضا
* في خدك خط مشرف الصدغ سطور
* والشاهد ناظر على الفتك يدور
*
* يا عارضة بالشرع لا تقتلني
* الشاهد فاتك وذا خطك زور
*
وقال
* تغنت في ذرا الأوراق ورق
* ففي الأفنان من طرب فنون
*
* وكم بسمت ثغور الزهر عجبا
* وبالأكمام كم رقصت غصون
*
وقال أيضا
* وبي من قسا قلبا ولان معاطفا
* إذا قلت أدناني يضاعف تبعيدي
*
* أقر برق إذا أقول أنا له
* وكم قالها أيضا ولكن لتهديدي
*
وقال
* إذا قلت ثغرك صن باللثام
* يقول سيحميه صارم جفني
*
* وإن قلت قد صار من فتكه
* كليلا يقول عذاري مسني
*
وقال دوبيت
* كم قال معاطفي حكتها الأسل
* والبيض سرقن ما حوته المقل
*
* الآن أوامري عليهم حكمت
* البيض تحد والقنا تعتقل
*
وقال
* عانقت وبالعناق يشفى الوجد
* حتى شفى الصب ومات الضد
*
* من أخمصه لثما إلى وجنته
* حتى اشتكت القضب وضج الورد
*

421
وقال موشحا يعارض به السراج المحار
* ما أخجل قده غصون البان
* بين الورق
*
* إلا سلب المها مع الغزلان
* حسن الحدق
*
* قاسوا غلطا من حاز حسن البشر
*
* بالبدر يلوح في دياجي الشعر
*
* لا كيد ولا كرامة للقمر
*
* الحب جماله مدى الأزمان
* معناه بقي
*
* وازداد سنا وخص بالنقصان
* بدر الأفق
*
* الصحة والسقام في مقلته
*
* والجنة والجحيم في وجنته
*
* من شاهده يقول من دهشته
*
* هذا وأبيك فر من رضوان
* تحت الغسق
*
* للأرض يعيذه من الشيطان
* رب الفلق
*
* قد أنبته الله نباتا حسنا
*
* وازداد على المدى بهاء وسنا
*
* من جاد له بروحه ما غبنا
*
* قد زين حسنه مع الإحسان
* حسن الخلق
*
* لو رمت لحسنه شيبها ثاني
* لم يتفق
*
* في نرجس لحظه وزهر الثغر
*
* روض نضر قطافه بالنظر
*
* قد دبج خده بنيت الشعر
*
* كالورد حواه ناعم الريحان
* بالطل سقى
*
* والقد يميل ميلة الأغصان
* للمعتنق
*
* أحيا وأموت في هواه كمدا
*
* من مات جوى في حبه قد سعدا
*
* يا عاذل لا اترك وجدى ابدا
*

422
* لا تعذلني كلما تلحانى
* زادت حرقى
*
* يستأهل من يهم بالسلوان
* ضرب العنق
*
* القد وطرفه قناة وحسام
*
* والحاجب واللحاظ قوس وسهام
*
* والثغر مع الرضاب كأس ومدام
*
* والدر منظم مع المرجان
* في فيه نقى
*
* قد رصع فوقه عقيق قان
* نظم النسق
*
وأما موشحة السراج المحار فهي
* مذ شمت سنا البروق من نعمان
* باتت حدقى
*
* تذكى بمسيل دمعها الهتان
* نارالحرق
*
* ما أومض بارق الحمى أو خفقا
*
* إلا وأجد لي الأسى والحرقا
*
* هذا سبب لمحنتي قد خلقا
*
* أمسى لوميضه بقلب عان
* بادي القلق
*
* لا أعلم في الظلام ما يغاشي
* غير الأرق
*
* أضنى جسدي فراق إلف نزحا
*
* افنى جلدي ودمع عيني نزحا
*
* كم صحت وزند لوعتي قد قدحا
*
* لم تبق يد السقام من جثماني
* غير الرمق
*
* ما أصنع والسلو مني فان
* والوجد بقي
*
* أهوى قمرا حلو مذاق القبل
*
* لم يكحل طرفه بغير الكحل
*
* تركى اللحظات بابلي المقل
*
* زاهى الوجنات زائد الإحسان
* حلو الخلق
*
* عذب الرشفات ساحر الإجفان
* ساجى الحدق
*
* ما حظ لثامه وأرخى شعره
*
* أو هز معاطفا رشاقا نضره
*
* إلا ويقول كل راء نظره
*

423
* هذا قمر بدا بلا نقصان
* تحت الغسق
*
* أو شمس ضحى في غصن فنيان
* غض الورق
*
* ما أبدع معنى لاح في صورته
*
* إيناع عذاره على وجنته
*
* لما سقى الحياة من ريقته
*
* فاعجب لنبات خده الريحاني
* من حيث سقى
*
* يضحي ويبيت وهو في النيران
* لم يحترق
*
والسراج المحار عارض بهذا موشح أحمد الموصلي وهو
* مذ غردت الورق على الأغصان
* بين الورق
*
* أجرت دمعي وفي فؤادي العاني
* أذكت حرقي
*
* لما برزت في الدوح تشدو وتنوح
*
* أضحى دمعي بساحة السفح سفوح
*
* والفكر نديمي في عبوق وصبوح
*
* قد هيجت الذي به أضناني
* منه قلقي
*
* والقلب له من بعد صبري الفاني
* الوجد بقي
*
* ما لاح بريق رامة أو لمعا
*
* إلا وسحاب عبرتي قد همعا
*
* والجسم على المزمع هجري زمعا
*
* بالنازح والنازح عن أوطاني
* ضاقت طرقي
*
* ما أصنع قد حملت من أحزاني
* ما لم أطق
*
* قلبي لهوى ساكنه قد خفقا
*
* والوجد حبيس واصطباري طلقا
*
* والصامت من سرى بدمعي نطقا
*
* في عشق منعم من الولدان
* أصبحت شقي
*
* من جفوته لم يزر أجفاني
* غير الأرق
*
* فالورد مع الشقيق من خديه
*
* قد صانهما النرجس من عينيه
*
* والآس هو السياج من صدغيه
*

424
* واللفظ وريق الأغيد الروحاني
* عند الحدق
*
* حلوان على غصن من المران
* غض رشق
*
* الصاد من المقلة من حققه
*
* والنون من الحاجب من عرقه
*
* واللام من العارض من عقله
*
* قد سطره بالقلم الريحاني
* رب الفلق
*
* بالمسك على الكافور كالعنوان
* فوق الورق
*
* ما أبدع وضع الخال في وجنته
*
* خط الشكل الرفيع من نقطته
*
* قد حير إقليدس من هيئته
*
* كالعنبر في نار الأسيل القاني
* للمنتشق
*
* فاعجب لعبير وهو في النيران
* لم يحترق
*
ومن موشحات الشيخ صدر الدين قوله
* صاح صاح الهزار
* قم نحت الكئوس
*
* قد تجلى النهار
* فاجل بنت القسوس
*
* ما علينا جناح
* إن فصل المصيف
*
* قد تولى وراح
* وتولى الخريف
*
* قم فذات الجناح
* ذات رمز لطيف
*
* في اقتلاع الوقار
* من طروس الضروس
*
* وانتهاب العقار
* وسرور النفوس
*
* زوج الما براح
* يا شيبة القمر
*
* والشهود الملاح
* والولي المطر
*
* والمغاني الفصاح
* ساكنات الشجر
*
* وهي بكر تدار
* والسقاة الشموس
*
* والحباب النثار
* فوق وجه العروس
*

425
* إن عيشي الرغيد
* حين ألقى الصديق
*
* وعذار جديد
* وسلاف عتيق
*
* ثم ألقى شهيد
* بسيوف الرحيق
*
* كم كذا ذا الفشار
* وخيوط الرؤوس
*
* طاح عمري وطار
* في سماع الدروس
*
وكان الشيخ صدر الدين عارفا بالطب علما لا علاجا فاتفق أن شكا إليه الأفرم سوء هضم فركب له سفوفا وأحضره فلما استعمله أفرط في الإسهال جدا فأمسكه مماليكه ليقتلوه وأحضروا أمين الدين الحكيم لمعالجة الأفرم فعالجه باستفراغ تلك المواد التي اندفعت وأعطاه أمراق الفراريج ثم أعطاه الممسكات حتى صلح حاله فلما صلحت حال سأل الأفرم عن الشيخ صدر الدين فأخبروه المماليك ما فعلوا به فأنكر ذلك عليهم ثم أحضره وقال له يا صدر الدين جئت تروحني غلطا فقال له سليمان الحكيم يا صدر الدين اشتغل بفقهك ودع الطب فغلط المفتي يستدرك وغلط الطبيب ما يستدرك فقال الأفرم صدق لك لا تخاطر ثم قال لمماليكه مثل صدر الدين ما يتهم والله الذي جرى عليه منكم أصعب مما جرى على وما أراد والله إلا الخير ثم سير له جملة دراهم وقماش
ولما أنكر البكري استعارة البسط والقناديل من الجامع العمري بمصر لبعض كنائس القبط في بعض مهماتهم ونسب هذه الفعلة إلى كريم الدين فطلع البكري إلى حضرة السلطان وكلمه في ذلك وأغلظ في القول وكاد يجوز ذلك على السلطان لو لم يحل بعض القضاة الحاضرين على البكري وقال ما قصر الشيخ كالمستهزئ به فحينئذ أغلظ السلطان له وأمر بقطع لسانه فأتى الخبر إلى الشيخ صدر الدين وهو في زاوية السعودي فطلع إلى القلعة على حمار فاره اكتراه للسرعة فرأى البكري وقد أخذ ليمضي فيه ما أمر فلم يملك دموعه أن تساقطت على خده واستمهل الشرطة ثم صعد الإيوان والسلطان جالس به وتقدم إلى السلطان من غير استئذان وهو باك فقال له السلطان خير يا صدر الدين فزاد بكاؤه ونحيبه ولم يقدر على مجاوبة السلطان فلم يزل السلطان يرفق به ويقول له خير ما بك إلى أن قدر على

426
الكلام فقال له هذا البكري من العلماء الصلحاء وما أنكر إلا في موضع الإنكار ولكنه لم يحسن التلطف فقال له السلطان إي والله أنا أعرف انه حطبة وانفتح الكلام ولم يزل الشيخ صدر الدين يرفق بالسلطان ويلاطفه حتى قال خذه وروح وانصرف هذا كله جرى والقضاة حضور وأمراء الدولة ملء الإيوان وما فيهم من إعانة
وكان إذا فرغ مما هو فيه مع أصحابه وعشراه قام وتوضأ وصلى ومرغ وجهه على التراب وبكى حتى يبل ذقنه بالدموع ويستغفر الله تعالى ويسأله التوبة رحمه الله تعالى
((491 - ابن اللبانة))
محمد بن عيسى بن محمد أبو بكر اللخمي الأندلسي الشاعر المشهور بابن اللبانة وله كتاب مناق الفتنة ونظم السلوك في وعظ الملوك وسقيط الدرر ولقيط الزهر في شعر بني عباد وتوفي بميورقة في سنة سبع وخمسمائة
من شعره
* هلا ثناك على قلب مشفق
* لترى فراشا في فراش يحرق
*
* أصبحت كالرمق الذي لا يرتجي
* وبقيت كالنفس الذي لا يلحق
*
* وغرقت في دمعي عليك وعمني
* طوف فهل سبب به أتعلق
*
* أو خدعته بتحية مقبولة
* في جنب موعدك الذي لا يصدق
*
* أنت المنية والمنى فيك استوى
* ظل الغمامة والهجير المحرق
*
* لك قد ذابلة الوشيح ولونها
* لكن سنانك أكحل لا أزرق
*
* ويقال إنك أيكة حتى إذا
* غنيت قيل هو الحمام الأورق
*

427
* لو في يدي سحر وعندي نفثة
* لجعلت قلبك بعض يوم يعشق
*
* لتذوق ما قد ذقت من ألم الهوى
* وترق لي مما تراه وتشفق
*
وقال أيضا يمدح المعتمد بن عباد
* بكت عند توديعي فما علم الركب
* اذاك سقيط الطل أم لؤلؤ رطب
*
* وتابعها سرب وإني لمخطئ
* نجوم الدياجي لا يقال لها سرب
*
* لئن وقفت شمس النهار ليوشع
* لقد وقفت شمس الهوى لي والشهب
*
ومنها في ذكر المركب
* هفا بين عصف الريح والموج مثلما
* هفا بين أضلاعي يكوي به القلب
*
* كأني قذى في مقلة وهو ناظر
* بها والمجاذيف التي حولها هدب
*
منها في المديح
* حوى قصبات السبق عفوا ولو سعى
* لها البرق خطفا جاء من دونها يكبو
*
* ويرتاح عند الجود حتى كأنه
* وحاشاه نشوان يلذ له الشرب
*
* سألت أخاه البحر عنه فقال لي
* شقيقي إلا أنه البارد العذب
*
وقال موشحا
* في نرجس الأحداق
* وسوسن الأجياد
*
* نبت الهوى مغروس
* بين القنا المياد
*
* وفي نقا الكافور
* والمندل الرطب
*
* والهودج المزرور
* بالوشى والعصب
*
* قضب من البلور
* حمين بالقضب
*
* نادى بها المهجور
* من شدة الحب
*
* أذابت الأشواق
* روحي على أجساد
*
* أعارها الطاوس
* من ريشه أبراد
*

428
* كواعب أتراب
* تشابهت قدا
*
* عضت على العناب
* بالبرد الأندا
*
* أوصت بي الأوصاف
* وأغرت الوجدا
*
* وأكثر الأحباب
* أعدى من الأعدا
*
* تفتر عن أعلاق
* لآلئ أفراد
*
* فيه اللمى محروس
* بألسن الأغماد
*
* من جوهر الذكرى
* اعطى نحور الحور
*
* وقلد الدرا
* سلالة المنصور
*
* جاوز به البحرا
* واخرق حجاب النور
*
* وقل له شعرا
* بفضلك المشهور
*
* جمعت في الآفاق
* تنافر الأضداد
*
* فأنت ليث الخيس
* وأنت بدر الناد
*
* خرجت مختالا
* أبغى سنا البرق
*
* أقطع أميالا
* غربا إلى شور
*
* مؤملا حالا
* يكون من وقفي
*
* فقال من قالا
* وفاه بالصدق
*
* دع قطعك الآفاق
* يا أيها المرتاد
*
* واقصد إلى باديس
* خير بني عباد
*
* يا من رجا الظلا
* وأمل التعريس
*
* إن شئت أن تحلى
* بطائل التأنيس
*
* لا تعتمد إلا
* على علا باديس
*
* من قومه أعلى
* قدرا من البرجيس
*
* مواطن الأرزاق
* أولئك الأمجاد
*
* فاحطط رحال العيس
* وانفض بقايا الزاد
*
وقال أيضا
* شق النسيم كمامه
* عن زاهر يتبسم
*

429
* فلا تطع لملامه
* واشرب على الزير والبم
*
* حيا النسيم بمندل
* عن طيب زهر أنيق
*
* ونرجس الروض تخجل
* منه خدود الشقيق
*
* فانهض إلى الدن واقبل
* منه سؤال الرحيق
*
* وفض منه ختامه
* عن مثل مسك مختم
*
* تكاد منه المدامه
* للشرب أن تتكلم
*
* حاكت على النهر درعا
* ريح الصبا في الأصايل
*
* وأسبل القطر دمعا
* على جيوب الخمايل
*
* فاسمع من العود سجعا
* تشق منه الغلايل
*
* ما رنمته حمامه
* من فوق غصن منعم
*
* ولا ادعته كرمه
* بنت الحسين بن مجذم
*
* أما علي فإني
* ممن سمعت بذكره
*
* والود يشهد عني
* بما أبوح بفخره
*
* وقد رأيت التمني
* يختال) في ثوب بره
*
* في حلة من أسامة
* بظاهر الحسن معلم
*
* متوج بالكرامه
* وبالسماح مختم
*
* حيا النسيم تلمسان
* بواكف القطر هطال
*
* فقد قضت كل إحسان
* بجودها بابن شملال
*
* وقصرت كل إنسان
* عما حواه من إجلال
*
* ندب يذل همامه
* ربيعة بن مكدم
*
* وما حواه أسامة
* في عصره المتقدم
*
* قد جاءك المتنبي
* يا سيف هذا الزمان
*
* يختال في ثوب عجب
* بما حوى من معان
*
* يشدو ارتجالا فيسبى
* كل الوجوه الحسان
*

430
* هذا المليح في العمامه
* لو أنه يتلثم
*
* لقلت هذي غمامه
* غطت على قمر التم
*
((492 - مانى الموسوس))
محمد بن القاسم أبو الحسن المعروف بماني الموسوس من أهل مصر قدم بغداد أيام المتوكل وكان من أظرف الناس وألطفهم
توفي سنة خمس وأربعين ومائتين
ومن شعره
* زعموا أن من تشاغل باللذذات
* عمن يحبه يتسلى
*
* كذبوا والذي تقاد له البدن
* ومن عاذ بالطواف وصلى
*
* عن نار الهوى أحر من الجمر
* على قلب عاشق يتقلى
*
وقال
* دعا طرفه طرفي فأقبل مسرعا
* وأثر في خديه فاقتص من قلبي
*
* شكوت إليه ما لقيت من الهوى
* فقال على رسل فمت فما ذنبي
*
وقال
* ذنبي إليه خضوعي حين أبصره
* وطول شوقي إليه حين أذكره
*
* وما جرحت بدمع العين وجنته
* إلا ومن كبدي يقتص محجره
*
* نفسي على بخله تفديه من قمر
* وإن زماني بذنب ليس يغفره
*
* وعاذل باصطبار القلب يأمرني
* فقلت من أين لي قلب فأهجره
*
وذكر صاحب الأغاني أن محمد بن عبد الله بن طاهر عزم على الصبوح وعنده الحسن بن محمد بن طالوت فقال له محمد نحتاج أن يكون معنا من نأنس به ونلتذ بمنادمته فمن ترى أن يكون فقال له ابن طالوت قد خطر ببالي

431
من ليس علينا بمنادمته ثقل قد خلا من إبراهيم المجالسين وبرئ من ثقل المؤانسين خفيف الوطأة إذا أدنيته سريع الوثبة إذا أمرته قال من هو قال ماني الموسوس فتقدم إلى صاحب الشرطة بطلبه وإحضاره فلم يكن بأسرع من أن قبض عليه ووافى به باب محمد فلما مثل بين يديه وسلم رد عليه السلام وقال له ما آن لك أن تزورنا مع شوقنا إليك فقال له ماني أعز الله الأمير الشوق شديد والود عتيد والحجاب صعب ولو سهل لي الإذن لسهلت على الزيارة فقال له محمد لقد لطفت في الاستئذان وأمره بالجلوس فجلس وكان قد أطعم قبل أن يدخل وأدخل الحمام وأخذ من شعره وألبس ثيابا نظافا وأتى محمد بن عبد الله بن طاهر بجارية كان يحب السماع منها فكان أول ما غنته
* ولست بناس إذ غدوا وتحملوا
* دموعي على الخدين من شدة الوجد
*
* وقولي وقد زالت بعيني حمولهم
* بواكر تحدي لا يكن آخر العهد
*
فقال ماني يزن لي أيها الأمير قال في ماذا قال في استحسان ما أسمع قال نعم قال أحسنت فإن رأيت أن تزيدي في هذا الشعر هذين البيتين
* وقفت أناجى الربع والدمع حائر
* بمقلة موقوف على الضر والجهد
*
* ولم يعدني هذا الأمير بعدله
* على ظالم قد لج في الهجر والصد
*
فقال له محمد ومن أي شيء استعديت يا ماني قال لا من ظلم أيها الأمير ولكن تحرك شوقي وكان ساكنا
ثم غنت
* حجبوها عن الرياح لأني
* قلت للريح بلغيها السلاما
*
* لو رضوا بالحجاب هان ولكن
* منعوها يوم الرياح الكلاما
*
فطرب محمد وشرب فقال ماني أيها الأمير ما على قائل هذين البيتين لو

432
أضاف إليهما
* فتنفست ثم قلت لطيفي
* وبك لو زرت طيفها إلماما
*
* حيها بالسلام سرا وإلا
* منعوها لشقوتي أن تناما
*
فقال محمد أحسنت يا ماني
ثم غنت
* يا خليلي ساعة لا تريما
* وعلى ذي صبابة فأقيما
*
* ما مررنا بدار زينب إلا
* فضح الدمع سرنا المكتوما
*
فقال ماني لولا هيبة الأمير لأضفت إلى هذين البيتين بيتين لا يردان على سمع ذي لب فيصدران إلا على استحسان لهما فقال محمد الرغبة في حسن ما تأتي به حائلة عن كل رهبة فهات ما عندك فقال
* ظبية كالهلال لو تلحظ الصخر
* بطرف لغادرته هشيما
*
* وإذا ما تبسمت خلت ما يبدو
* من الثغر لؤلؤا منظوما
*
وفي الخبر طول وهذا يكفي منه
((493 - الملك الناصر))
محمد بن قلاوون السلطان الملك الناصر ناصر الدين أبو الفتح محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون
ولد الملك الناصر سنة أربع وثمانين وستمائة
وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ودفن بالمدرسة المنصورية بين القصرين وأنزل على والده وكان ملكا عظيما دانت له البلاد وملك الأطراف بالطاعة
لما قتل الأشرف خليل وقع الاتفاق أن يكون السلطان الملك الناصر أخوه

433
هو السلطان وزين الدين كتبغا هو النائب والشجاعي وزيرا واستقر الأمر على ذلك سنة ثم تسلطن كتبغا وتسمى بالعادل وخطب له بمصر والشام وزينت له البلاد ثم تسلطن لاجين وتسمى بالملك المنصور وقتل في سنة ثمان وتسعين فحلفوا الأمراء للملك الناصر وأحضروه من الكرك وهذه سلطنته الثانية وعمره يومئذ خمس عشرة سنة فأقام إلى سنة ثمان وسبعمائة وذهب إلى الكرك متبرما من سلار والجاشنكير وحجرهم عليه ومنعهم له من التصرف وأعرض عن مصر فوثب الجاشنكير على السلطنة وتسلطن
وفي سنة تسع وسبعمائة خرج السلطان من الكرك وطلب دمشق ودخل من باب السر إلى قلعة دمشق وجاء الخبر بنزول الجاشنكير عن الملك وهروبه وهروب سلار ورحل الملك الناصر طالبا مصر فدخلها فلما استقر بها وهي سلطنته الثالثة ومد السماط قبض على اثنين وثلاثين أميرا وأمر غيرهم وصفا له الوقت إلى حين وفاته رحمه الله تعالى
((494 - الحافظ ابن النجار))
محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن الحافظ الكبير محب الدين بن النجار البغدادي صاحب التاريخ
ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة سمع الحديث من ابن كليب وابن الجوزي وأصحاب ابن الحصين وجماعة
وله الرحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان وخراسان ومرو وهراة ونيسابور وسمع الكثير وحصل الأصول والمسانيد وصنف التاريخ الذي ذيل به على تاريخ الخطيب واستدرك فيه على الخطيب فجاء في ثلاثين مجلدا دل على تبحره في هذا الشأن وسعة حفظه
وكان إماما ثقة حجة مقرئا مجودا حسن المحاضرة كيسا متواضعا اشتملت

434
مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ ورحل سبعا وعشرين سنة
يقال إنه حضر مع تاج الدين الكندي في مجلس المعظم عيسى أو الأشرف موسى لأنه ذكره وأثنى عليه فقال له الأشرف أحضره فسأله السلطان عن وفاة الشافعي ومتى كانت فبهت وهذا من التعجيز لمثل هذا الحافظ الكبير القدر فسبحان من له الكمال
وله كتاب القمر المنير في المسند الكبير ذكر كل صحابي وما له من الحديث وله كتاب كنز الإمام في معرفة السنن والأحكام والمختلف والمؤتلف ذيل به على ابن ماكولا والمتفق والمفترق ونسب المحدثين على الآباء والبلدان كتاب عوالبه كتاب معجمه جنة الناظرين في معرفة التابعين الكمال في معرفة الرجال العقد الفائق في عيون أخبار الدينا ومحاسن تواريخ الخلائق الدرة الثمينة في أخبار المدينة نزهة الورى في أخبار أم القرى روضة الأوليا في مسجد إيليا الأزهار في أنواع الأشعار سلوة الوحيد غرر الفوائد ست مجلدات مناقب الشافعي ووقف كتبه بالنظامية والزهر في محاسن أهل العصر كتاب نحا فيه نحو نشوار المحاضرة مما التقطه من أفواه الرجال نزهة الطرف في أخبار أهل الظرف إخبار المشتاق إلى أخبار العشاق الشافعي في الطب
قال ياقوت في معجم الأدباء أنشدني لنفسه
* وقائل قال يوم العيد لي ورأى
* تململي ودموع العين تنهمر
*
* ما لي أراك حزينا باكيا أسفا
* كان قلبك فيه النار تستعر
*
* فقلت إني بعيد الدار عن وطني
* ومملق الكف والأحباب قد هجروا
*
ونظر إلى غلام تركي حسن الصورة فرمد باقي يومه فقال
* وقائل قال قد نظرت إلى
* وجه مليح فاعتادك الرمد
*
* فقلت إن الشمس المنيرة قد
* يغشى بها الناظر الذي يقد
*

435
((495 - شمس الدين الأصفهاني))
محمد بن محمود بن محمد بن عبد الكافي العلامة شمس الدين الأصفهاني الأصولي
قدم الشام بعد الخمسين وستمائة وناظر الفقهاء واشتهرت فضيلته وانتهت إليه الرياسة في معرفة الأصول وشرح المحصول للإمام فخر الدين شرحا كبيرا حافلا وصنف كتاب القواعد مشتملا على أصول الدين والفقه والمنطق والخلاف وهو أحسن تصانيفه وله غاية الطلب في المنطق وله معرفة جيدة بالعربية والأدب والشعر ولكنه كان قليل البضاعة في الفقه والسنة
ولي قضاء منبج في أيام الناصر ثم دخل مصر وولى قضاء قوص ثم قضاء الكرك ورجع إلى مصر وولى تدريس الصاحبية وتدريس مشهد الحسين وأعاد وأفاد ثم ولي تدريس الشافعي وتخرج به خلق ورحل إليه الطلبة كتب عنه علم الدين البرزالي وغيره
مولده بأصبهان سنة ست عشرة وتوفي سنة ثمان وثمانين وستمائة
((496 - ابن المكرم))
محمد بن مكرم بتشديد الراء ابن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي ثم المصري القاضي جمال الدين بن المكرم من ولد رويفع بن ثابت الأنصاري
ولد أول سنة ثلاثين وستمائة وكان فاضلا وعنده تشيع بلا رفض مات في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة
خدم في الإنشاء بمصر ثم ولى نظر طرابلس وكان كثير الحفظ اختصر كتبا كثيرة وله نظم ونثر فمن شعره
* ضع كتابي إذا أتاك إلى الأرض
* وقلبه في يديك لماما
*
* فعلى ختمه وفي جانبيه
* قبل قد وضعتهن توأما
*

436
* كان قصدي بها مباشرة الأرض
* وكفيك بالتثامي إذا ما
*
وقال
* الناس قد أثموا فينا بظنهم
* وصدقوا بالذي أدري وتدرينا
*
* ماذا يضرك في تصديق قولهم
* بأن نحقق مافينا يظنونا
*
* حملي وحملك ذنبا واحدا ثقة
* بالعفو أجمل من إثم الورى فينا
*
وقال
* توهم فينا الناس أمرا وصممت
* على ذاك منهم أنفس وقلوب
*
* وظنوا وبعض الظن إثم وكلهم
* لأقواله فينا عليه ذنوب
*
* تعالى نحقق ظنهم لنريحهم
* من الإثم فينا مرة ونتوب
*
أخذه من قول القائل حيث يقول
* قم بنا تفديك نفسي
* نجعل الشك يقينا
*
* فإلى كم يا حبيبي
* يأثم القائل فينا
*
وأخذه هذا من قول الأول
* ما أنس قولها بمنى
* ويحك إن الوشاة قد علموا
*
* ونم واش بنا فقلت لها
* هل لك يا هند في الذي زعموا
*
* قالت لماذا ترى فقلت لها
* كي لا تضيع الظنون والتهم
*
ومن شعر ابن المكرم
* بالله إن جزت بوادي الأراك
* وقبلت أغصانه الخضر فاك
*
* ابعث إلى المملوك من بعضه
* فإنني والله ما لي سواك
*
((497 - ابن الدجاجية))
محمد بن مكي بن محمد بن حسن بن عبد الله القرشي الدمشقي العدل الأديب بهاء الدين ابن الدجاجية كان يجيد النظم روى عنه الدمياطي
ومن شعره
* ما راح عندكم النسيم ولا غدا
* إلا ليأخذ عند عبدكم يدا
*

437
* أحباب قلبي ذلك القلق الذي
* قد كاد يأخذني عليكم ما هدا
*
* كدرتم بعد الصفا وغدرتم
* بعد الوفا وبخلتم بعد الجدا
*
* وجعلتم الريان منزل حيكم
* ولكم محب مات فيه من الصدا
*
وقال
* من أين لقدك ذا الهيف
* قد حار الواصف ما يصف
*
* الرمح الأسمر يحسده
* والغصن الأخضر والألف
*
* فتبارك من أنشاك لقد
* في الخلق تفاضلت النطف
*
* يا أحسن بل يا أظرف من
* زينب بذؤابته الكتف
*
* وقاك الله تعالى العين
* وعن أعطافك تنصرف
*
* كل الأقمار ببلدتنا
* بضياء جبينك قد خسفوا
*
* فاحكم فلأنت أميرهم
* فيهم فببابك قد وقفوا
*
* راقت أخلاقك للغرباء
* فكيف بمن بك قد ألفوا
*
* قسما بهواط وما أحلى
* قسم العشاق إذا حلفوا
*
* وبمن خاضوا غمرات مني
* وحصى الجمرات بها حذقوا
*
* لا حلت عن الميثاق ولو
* أودى بحشاشتي التلف
*
* يلحاني قوم ما فهموا
* ما شاني فيك ولا عرفوا
*
قال أيضا
* إلى سلم الجرعاء اهدى سلامه
* فماذا على من قد لحاه ولامه
*
* تجلد حتى لم يدع معظم الجوى
* لرائيه إلا جلده وعظامه
*
وقال أيضا
* غرته غرته لما سرى
* ظن بأن الصبح قد أسفرا
*
* أقبل يسعى خفرا خائفا
* على ذمام الوعد أن يخفرا
*
* بحق يا قوم لمن قده الخطار
* ألا يرهب الأخطرا
*
* ضممته إذ نام سماره
* كما يضم البطل الأسمرا
*

438
* بتنا وما في ليلنا من كرى
* كأنما النوم غدا منكرا
*
وقال دوبيت
* ما عذر فتى ما مد للهو يدا
* والدوح قد اكتسى ثيابا جددا
*
* مالت طربا أغصانه راقصة
* لما صدح الطير عليها وشدا
*
وكانت وفاته في شهور سنة سبع وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى
((498 - شرف الدين القدسي))
محمد بن موسى الكاتب شرف الدين القدسي
كان كاتب أمير سلاح ثم كتب في ديوانه الإنشاء بقلعة الجبل
كان حسن الأخلاق كريم العشرة محتملا فيه كرم وله خط حسن ونظم كثير ونثر
قال أبو حيان جالسته مرارا وكتبت عنه وقرأ علينا من نظمه وخمس شذور الذهب تخميسا حسنا أنشدني من لفظه
* تبسم فاستبكى ببارق ثغره
* سحائب جفن ما أحلت بعارض
*
* مليح أصبناه بعين ونظرة
* فمن أجل هذا قد أصيب بعارض
*
وقال أيضا
* بي فرط ميل إلى الغزلان والغزل
* فكيف لا يقصر العذال عن عذلي
*
* مالوا على ولاموا في الهوى عبثا
* من لم يمل سمعه مذ كان للملل
*
* أضحى الغرام غريمي في هوى رشأ
* يغنيه عن كحله ما فيه من كحل
*
* فالبدر من حسنه قد راح ذا كلف
* والورد من خده قد راح في خجل
*
* تشاغل الناس في الأسمار بي وبه
* وإنني عن حديث الناس في شغل
*

439
وقال أيضا في مليح اسمه سالم
* وأهيف تهفو نحو بأنه قده
* قلوب تبث الشجو فهي حمائم
*
* عجبت له إذ دم توريد خده
* وما الورد في حال على الغصن دائم
*
* وأعجب من ذا أن حية شعره
* تجول على اعطافه وهو سالم
*
ومن شعره قصيدة بديعة في معناها وهي
* ما ملت عنك لجفوة وملال
* يوما ولا خطر السلو ببالي
*
* يا مانحا جسمي السقام ومانعا
* طرفي المنام وتاركي كالآل
*
* عمن أخذت جواز منعي ريقك المعسول
* يا ذا المعطف العسال
*
* عن شعرك الفحام أم عن ثغرك الننظام
* أم عن طرفك الغزالي
*
* فأجابني أنا مالك أهل الهوى
* والحسن أضحى شافعي وجمالي
*
* وشقائق النعمان أضحى نابتا
* في وجنتي وحماه رشق نبالي
*
* والصبر أجمل للمحب إذا ابتلى
* في الحب من محن الهوى بسؤال
*
* وعلى أسارى الحب في سجن الهوى
* بين الملاح عرفت بالقفال
*
* وقتلت معتزلي في شرع الهوى
* وطرقت بالتنبيه عين السالي
*
* وتفقه العشاق في فكل من
* نقل الصحيح أجزته بوصالي
*
* والجوهري غدا بثغري ساكنا
* يحمي الصحاح بقدى الميال
*
* وشهود حسني لو نظرت إليهم
* بين الأنام عجبت من أفعالي
*
* جرح البكاء عيونهم وقلوبهم
* وزكوا لقذف الدمع في الأطلال
*
* والشاهد المجروح عندي صادق
* هل في قضاة العاشقين مثالي
*
* وعلى رحيق الثغر صارم مقلتي
* وليته ولكل ثغر وال
*
* وعلى مقامات الغرام شواهد
* جسمي الحريري والبديع مقالي
*
* ولبست من حلل الجمال مفصلا
* حسن الملابس مذهب الغزالي
*
* ولحسني الكشاف في جمل الضيا
* لمعا لآيضاح الفصيح مقالي
*
* وأتى المطرز نحو خدي راقما
* طرز العذار وحار في أشكالي
*

440
* والواقدي بنار هجري والجفا
* وكلته فلكل سال صال
*
* وبلفظي الفراء يفرى قلب من
* وافى يناظر ناظري بنصال
*
* ومصارع العشاق بين خيامنا
* ومقاتل الفرسان يوم نزال
*
* ورفضت يوم العاشقين فكل من
* ذكر الفراق فدمعه متوال
*
* ولدى سلوان المطاع سفاهة
* لمتيم أوثقته بحبالي
*
* وخصصت إخوان الصفا برسائلي
* ولهم صفا ودي وهم آمالي
*
* والبيهقي بوجه كل معنف
* في موقف التوديع والترحال
*
* وبوجهي النقاش راح مفسرا
* سور الملاحة من دليل دلالي
*
* ورقيبي الكلبي قد أخسأته
* بوقوفه في باب ذل سؤال
*
* ومجاهد أضحى على مقاتلا
* خوفا من الرقباء والعذال
*
* وأبو نعيم منعم في حليتي
* إذ بات يمليها على النقال
*
* ومحاسني قوت القلوب تكرما
* ومناقب الأبرار حسن فعالي
*
* وبطلعتي زاد المسير ومبسمي الضضحاك
* والمنثور حسن لآلي
*
* وبخدي الزهري جنات المنى
* أضحى بها الثوري من عمالي
*
* وبمنطقي قس الفصاحة واعظ
* في فترة الأجفان للضلال
*
* وقميص حسنى قد من قبل الهوى
* بيدي اليمين وتارة بشمالي
*
* والثعلبي رأى الوجوه بجهده
* وخلا له في النقل وجه الحالي
*
* وعلى أبي الجود اشتغلت ونافع
* علمي كثير عاصم متوالي
*
* ولحسني الأنساب يرويها عن العدل
* الزكي بصحة النقال
*
* فيراه للتمييز نصبا واجبا
* ورفعت عنه الهجر من أفعالي
*
* ولي الخلافة في الملاح فلحظي السفاح
* والمنصور في أقوالي
*
* وعلى محلي بالجمال رواية
* في راية نشرت ليوم جدال
*
* ومدينة العلم السخاوي أصبحت
* في راحتي فعرفت بالبذال
*
* قال الأوائل ما رأينا مثله
* غصن رطيب مثمر بهلال
*
* قد عمه الحسن الغريب وخاله
* ما في البرية منه قلب خال
*
* فوصلت عشاقي قلام معنفي
* فأجبته هذا الذي يبقى لي
*
* القوم أبناء السبيل وعندنا
* تعطى زكاة الحسن كالأموال
*

441
* قد طال ما نقلوا حديث محاسني
* فهم عدولي صحة ورجالي
*
* هذه القصيدة بالأئمة شرفت
* قدري وفقت بها على أمثالي
*
* فكأنها العقد النظيم وهم بها الددر
* الثمين مكللا بللآلي
*
((499 - أمير المؤمنين الأمين))
محمد بن هارون أمير المؤمنين الأمين ابن أمير المؤمنين الرشيد بن المهدي
كان ولي العهد بعد أبيه وكان من أحسن الشباب صورة أبيض طويلا ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة وفصاحة وأدب وبلاغة ولكنه كان سئ الرأي كثير التبذير أرعن
عاش سبعا وعشرين سنة وآخر أمره خلع ثم أسر وقتل صبرا في المحرم سنة تسع وتسعين ومائة وطيف برأسه لأنه في سنة خمس وتسعين خلع أخاه المأمون وعقد لعلي بن عيسى بن ماهان على الجبال ونهاوند وقم وقاشان وأمر له بمائتي ألف دينار وأعطى لجنده مالا عظيما وفرق على أهل بغداد ثلاثة آلاف ألف درهم وسارت العساكر لملتقى المأمون وعليهم ابن ماهان فلقيهم طاهر بن الحسين من قبل المأمون وهو في أقل من أربعة آلاف فارس فكسرهم وقتل ابن ماهان
ولما وصل الخبر إلى الأمين قال دعوني فإن كوثر الخادم صاد سمكتين وأنا ما صدت سمكة
وقيل إن جيش ابن ماهان كان أربعين ألف فارس
وندم الأمين على خلع المأمون ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في أربعين ألف فارس فسار إلى همذان فلقيه طاهر فقتله وكسر جيشه بعد حروب عظيمة وسار طاهر وقد خلت البلاد وتقدم إلى الأهواز ثم تقدم ونزل بباب الأنبار ثم سار وأحاط بمدينة المنصور فخرج الأمين في حراقة هاربا فلما سمع طاهر بذلك

442
خرج إليه ورماه بالنشاب فانكفأت الحراقة وغرق الأمين ومن كان معه فسبح حتى صار إلى بستان موسى فعرفه محمد بن حميد فصاح بأصحابه ثم أخذ برجله وحمل على برذون إلي بين يدي طاهر فأمر بقتله وقطع رأسه ونصب على حائط بستان ونودي عليه هذا رأس محمد المخلوع ثم بعث به وبالبردة والقضيب والمصلى مع ابن عمه
محمد بن المصعب إلى المأمون وقال قد بعثت إليك بالدنيا وهو رأس محمد الأمين وبالآخرة وهي البردة والقضيب فأمر المأمون لمحمد بن مصعب بألف ألف درهم ولما رأى رأس الأمين سجد
وكان قتله سنة تسع وتسعين ومائة وخلافته أربع سنين وكان الرشيد يعرف بالفراسة ما يجري بين الأمين والمأمون فكان ينشد
* محمد لا تبغض أخاك فإنه
* يعود عليك البغي إن كانت باغيا
*
* فلا تعجلن فالدهر فيه كفاية
* إذا مال بالأقوام لم يبق باقيا
*
وفي الأمين يقول أبو الهول الحميري
* ملك أبوه وأمه من نبعة
* منها سراج الأمة الوهاج
*
* شربوا بمكة في ذرا بطائحها
* ماء النبوة ليس فيه مزاج
*
يريد أن أباه وأمه من هاشم ومن شعر الأمين
* ما يريد الناس من صبب
* بمن يهوى كئيب
*
* كوثر ديني ودنياي
* وسقمي وطبيبي
*
* أحمق الناس الذي يلحى
* محبا في حبيب
*
((500 - أمير المؤمنين المعتصم))
محمد بن هارون أبو إسحاق المعتصم بن الرشيد ولد سنة ثمانين ومائة وأمه أم ولد اسمها ماردة بويع بعد المأمون بعهد منه إليه في رابع عشر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين

443
وكان أبيض أصهب اللحية طويلها ربع القامة ذا شجاعة وقوة وهمة عالية وكان يقال له المثمن لأنه ثامن خلفاء بني العباس وملك ثماني سنين وثمانية أشهر وفتح ثمانية فتوح وقتل ثمانية أعداء بابك وباطيش ومازيار والأفشين وعجيف وقاروت وقائد الرافضة ورئيس الزنادقة
وخلف من الذهب ثمانية آلاف دينار ومن الدراهم مثلها ومن الخيل ثمانين ألف فرس وثمانية آلاف مملوك وثمانية آلاف جارية وبنى ثمانية قصور
وكان عريا من العلم كان معه مملوك يتعلم في الكتاب فقال له أبوه مات يا محمد غلامك فقال نعم واستراح من الكتاب فقال له أبوه إن كان الكتاب ليبلغ منك هذا دعوه لا تعلموه
وغزا عمورية وفتحها وقتل ثلاثين ألفا وسبى مثلهم
وكان من أهيب الخلفاء وامتحن العلماء في القول بخلق القرآن
وقال أحمد بن أبي دؤاد كان المعتصم يخرج يده إلي ويقول عض ساعدي بأكبر قوتك فأقول ما تطيب نفسي فيقول إنه لا يضرني فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنان ' وقبض يوما على جندي أخذ ابنا لامرأة فأمره برده فأبى فقبض عليه فسمعت صوت عظامه ثم أطلقه فسقط وكان ذلك في حياة المأمون وجعل زند رجل بين إصبعيه فكسره
وكان موته في شهور سنة سبع وعشرين ومائتين وصلى عليه ابنه الواثق
ولكثرة عسكره وضيق بغداد عليه بنى سامرا وانتقل إليه بعسكره وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين وعلق له خمسون ألف مخلاة ولما اختصر قال ذهبت الحيلة ولم يزل يكررها حتى صمت رحمه الله تعالى
ومن شعره ما أورده ابن المرزبان في المعجم
* قرب النحام واعجل يا غلام
* واطرح السرج عليه واللجام
*

444
* أعلم الأتراك أني خائض
* لجة الموت فمن شاء أقام
*
وقال
* لم يزل بابك حتى
* صار للعالم عبره
*
* ركب الفيل ومن يركب
* فيلا فهو شهره
*
وقال في غلامه عجيب
* إني هويت عجيبا
* هوى أراه عجيبا
*
* طبيب ما بي من الحبب
* لا عدمت الطبيبا
*
* الوجه منه كبدر
* والقد يحكي القضيبا
*
((501 - أمير المؤمنين المهتدي))
محمد بن هارون أمير المؤمنين الخليفة الصالح المهتدي بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد
ولد في خلافة جده سنة بضع عشرو ومائتين وبويع له بالخلافة وله بضع وثلاثون سنة
وكان أسمر رقيقا مليح الوجه ورعا متعبدا عادلا قويا في أمر الله بطلا شجاعا لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير
وكان يلبس في الليل جبة صوف وكساء ويصلي فيهما ويفطر في رمضان على خبز وملح وزيت وخل ويقول فكرت بأنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغنا فغرت على بني هاشم وأخذت نفسي بذلك
وكان قد أطرح الملاهي وحرم الغناء وحسم أصحاب السلطان عن الظلم وكان شديد الإشراف على الدواوين فخرجوا عليه الأتراك

445
فحاربهم بنفسه وجرح فأسروه وخلعوه وقتلوه سنة ست وخمسين ومائتين
قال العمراني إن الأتراك عصروا خصاه حتى مات وبايعوا أحمد بن المتوكل ولقبوه المعتمد على الله وذلك في سادس عشر رجب سنة ست وخمسين وكانت خلافة المهتدي سنة إلا خمسة عشر يوما
جلس يوما للمظالم فاستعداه رجل على ابن له فأحضره وحكم عليه ورد الحق لرجل فقال لرجل أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال قال الأعشى
* حكمتموه فقضى بينكم
* أبلج مثل القمر الزاهر
*
* لا يقبل الرشوة في حكمه
* ولا يبالي غبن الخاسر
*
فقال المهتدي أما أنت فجزاك الله خيرا وأما أنا فإني والله ما جلست حتى قرأت قوله تعالى * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) * الأنبياء 47 قال الإسكافي فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم
ومدحه البحتري بقصيدة منها
* هجرت الملاهي خشية وتفردا
* بآيات ذكر الله يتلى حكيمها
*
* وما تحسن الدنيا إذا هي لم تعن
* بآخرة حسناء يبقى نعيمها
*
وخلف من الولد سبعة عشر ذكرا وست بنات وأولاده أعيان أهل بغداد وهم الخطباء بالجوامع والعدول ولم يبق ببغداد أكثر من ولده
((502 - الخالدي الشاعر))
محمد بن هاشم بن وعلة بن عثمان بن بلال الخالدي مضى ذكر أخيه سعيد في حرف السين كانا شاعرين اشتركا في كثير من الشعر ونسب إليهما معا وكلاهما من خواص سيف الدولة بن حمدان

446
والخالدية قرية من قرى الموصل
توفي سنة ثمانين وثلاثمائة تقريبا
وكانا خزنة كتب سيف الدولة وقد اختاروا من الدواوين كثيرا وجمعا مجاميع أدبية ومن شعر محمد المذكور من أبيات
* وصبغ شقائق النعمان يحكي
* يواقيتا نظمن على اقتران
*
* وأحيانا نشبهها خدودا
* كستها الراح ثوبا أرجواني
*
* شقائق مثل أقداح ملاء
* وخشخاش كفارغة القناني
*
* وإما غازلتها الريح خلنا
* بها جيشي وغى يتقاتلان
*
* تخال به ثغورا باسمات
* إذا ما افتر نور الأقحوان
*
* وآذريونه قد شبهوه
* بتشبيه صحيح في المعاني
*
* بكأس من عقيق فيه مسك
* وهذا الحق أيد بالبيان
*
((503 - أبو الوليد بن حزم))
محمد بن يحيى بن حزم من شعراء الذخيرة قال ابن بسام أحلى الناس شعرا لا سيما إذا عاتب أو عتب وهو ابن عم الفقيه أبي محمد بن حزم وكنيته أبو الوليد ومن شعره
* أتجزع من دمعي وأنت أسلته
* ومن نار احشائي ومنك لهيبها
*
* وتزعم أن النفس غيرك علقت
* وأنت ولا من عليك حبيبها
*
* إذا طلعت شمس عليك بسلوة
* أثار الهوى بين الصلوع غروبها
*
ومن شعره من قصيدة
* والشمس ترمق من محاجر أرمد
* والظل يركض في النسيم الواني
*
* والراح تأخذ من معاطف أغيد
* أخذ الصبا من عطف غصن البان
*
* ملنا نؤمل غير ذلك منزلا
* والراح يقصر خطوه فيداني
*
* ثم اعتنقنا والوشاة بمعزل
* وقد التقت في جفنه سنتان
*

447
* والبدر يرميني بمقلة حاسد
* لو يستطيع لكان حيث يراني
*
وله أيضا
* وكم ليلة عاقرت في ظلها المنى
* وقد طرفت من أعين الرقاباء
*
* وفي ساعدي حلو الشمائل مترف
* لعوب بيأسي تارة ورجائي
*
* أطارحه حلو العتاب وربما
* تغاضب فاسترضيته ببكائي
*
* وفي لفظه من سورة الراح فترة
* تمت إلى ألحاظه بولاء
*
* وقد عابثته الراح حتى رمت به
* لقي بين ثنيي بردتي وردائي
*
* على حاجة في النفس لو شئت نلتها
* ولكن حمتني عفتي وحيائي
*
وقال أيضا
* وكم ليلة بات الهوى يستفزني
* ولا رقبة دون الأماني ولا ستر
*
* وفي ساعدي بدر على غصن بأنه
* يود مكاني بين لباته البدر
*
* وفي لحظة كالسكر لا عن مدامه
* ولولا اعتراض الشك قلت هو السكر
*
* فلم يك إلا ما أباح لي التقى
* ولم يبق إلا أن تحل لي الخمر
*
وقال أيضا
* كم ليلة ضمت عليه ساعدي
* والمسك يأخذ منه ما يعطيه
*
* والبدر من حسد يجمجم قوله
* ما ضر مجدك لو شركتك فيه
*
توفي بعد الخمسمائة رحمه الله تعالى
((504 - مجير الدين بن تميم))
محمد بن يعقوب بن علي مجير الدين بن تميم الأسعردي وهو سبط فخر الدين بن تميم
سكن حماة وخدم الملك المنصور وكان جنديا محتشما شجاعا مطبوعا كريم الأخلاق بديع النظم رقيقه لطيف التخيل
توفي بحماة سنة أربع وثمانين وستمائة

448
وهو في التضمين الذي عاناه في فضلا من المتأخرين آية وفي صحة المعاني والذوق اللطيف غاية لأنه يأخذ المعنى الأول ويحل تركيبه وينقله بألفاظه إلى معنى ثان حتى كأن الناظم الأول إنما أراد به المعنى الثاني وقد أكثر من ذلك حتى قال
* أطالع كل ديوان أراه
* ولم أزجر عن التضمين طيري
*
* أضمن كل بيت فيه معنى
* فشعري نصفه من شعر غيري
*
ومنه قوله يرثي قدحا
* أيا قدحا قد صدع الدهر شمله
* فأصبح بعد الراح قد جاور التربا
*
* سأبكيك في وقت الصبوح وإنني
* سأكثر في وقت الغبوق لك الندبا
*
* وإن قطبت شمس المدام فحقها
* لأنك كنت الشرق للشمس والغربا
*
ومنه
* أهديته قدحا فإن أنصفته
* اوسعته بجماله تقبيلا
*
* نظمت به الصهباء در حبابها
* حتى تصير لرأسه إكليلا
*
ومنه قوله
* لو أنك إذ شربناها كئوسها
* ملئن من المدام الأرجواني
*
* حسبت سقاتها دارت علينا
* بأشربة وقفن بلا أواني
*
ومنه قوله أيضا
* إن كان راووق المدامة عندما
* تاب الأمير بكى بدمع قان
*
* فاليوم ينشد وهو يبكي عندا ما
* شرب المدامة من يد السلطان
*
* يا عين صار الدمع عندك عادة
* تبكين في فرح وفي أحزان
*
ومنه قوله
* قالوا فلان تولى نتف عارضه
* ليصبح الحسن عنه غير منتقل
*

449
* فقلت سد طريق الشعر يعجزه
* ومن يسد طريق العارض الهطل
*
وقال يهجو كحالا
* دعوا الشمس من كحل العيون فكفه
* تسوق إلى الطرف الصحيح الدواهيا
*
* فكم ذهبت من ناظر بسواده
* وخلت بياضا خلفها ومآقيا
*
وقال أيضا
* لو كنت في الحمام والحنا على
* اعطافه ولجسمه لألاء
*
* لرأيت ما يسببك منه بقامة
* سال النضار بها وقام الماء
*
وقال في مليح كان عند خصي فانتقل إلى غيره
* يقول ويبدي للخصئ اعتذاره
* برغيته في غيره واجتنابه
*
* رأيتك مخصبا فملت إلى الذي
* له فضلة عن جسمه في إهابة إخابه
*
وقال في فوازه
* لقد نزهت عيني أنابيب بركة
* تقابلني أمواجها بالعجائب
*
* أنابيب لجت في علو كأنما
* تحاول تأرا عند بعض الكواكب
*
وقال في عواده
* جاءت بعود كلما لعبت به
* لعبت بي الأشجان والتبريح
*
* غنت فجاوبها ولم يك قبلها
* شجر الأراك مع الحمام ينوح
*
وقال
* يا ليلة قصرت بزورة غادة
* سفرت فأغنى وجهها عن بدرها
*
* حتى إذا خافت هجوم صباحها
* نشرت ثلاث ذوائب من شعرها
*
وقال أيضا
* وأهيف مثل البدر غصن قوامه
* عليه قلوب العاشقين نطير
*

450
* يدور عذاره لتقبيل وجنة
* على مثلها كان الخصيب يدور
*
وقال أيضا
* ولم أنس قول الورد والنار قد سطت
* عليه فأمسى دمعه يتحدر
*
* ترفق فما هذي دموعي التي ترى
* ولكنها روحي تذوب فتقطر
*
وقال في جارية تحمل فانوسا
* يقول لها الفانوس لما بدت له
* وفي قلبه نار من الوجد تسعر
*
* خذي بيدي ثم اكشفي الثوب وانظري
* ضني جسدي لكنني أتستر
*
وقال في مليح يشرب من بركة
* أفدى الذي أهوى بفيه شاربا
* من بركة راقت وطابت مشرعا
*
* أبدت لعيني وجهه وخياله
* فأرتني القمرين في وقت معا
*
وقال أيضا
* طوبى لمرآة الحبيب فإنها
* حملت براحة غصن بان أينعا
*
* واستقبلت قمر السماء بوجهها
* فأرتني القمرين في وقت معا
*
وقال أيضا
* وليلة بت أسقي في غياهبها
* راحا تسل شبابي من يد الهرم
*
* ما زلت أشربها حتى نظرت إلى
* غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم
*
وقال أيضا
* ألا رب يوم قد تقضي ببركة
* أقمت به فيما جرى متفكرا
*
* بعيني رأيت الماء فيها وقد هوى
* على رأسه من شاهق فتكسرا
*
وقال أيضا
* تأمل إلى الدولاب والنهر إذ جرى
* ودمعهما بين الرياض غزير
*

451
* كأن نسيم الروض قد ضاع منهما
* فأصبح ذا يبكي وذاك يدور
*
وقال أيضا
* ونهر حالف الأهواء حتى
* غدا طوعا لها في كل أمر
*
* إذا سرقت حلى الأغصان ألقت
* إليه بها فيأخذها ويجري
*
وقال أيضا
* لم أنس قول الورد حين جنيته
* ودموعه خوف الحريق تراق
*
* لا تعجلوا في أخذ روحي واصبروا
* فإليكم هذا الحديث يساق
*
وقال أيضا
* سيقت إليك من الحديقة وردة
* وافتك قبل أوانها تطفيلا
*
* طمعت بلثمك إذ رأتك فجمعت
* فمها إليك كطالب تقبيلا
*
وقال أيضا
* كيف السبيل للثم من أحببته
* في روضة للزهر فيها معرك
*
* ما بين منثور وناضر نرجس
* مع أقحوان وصفه لا يدرك
*
* هذا يشير بإصبع وعيون ذا
* ترنو إليه وثغر هذا يضحك
*
وقال أيضا
* أيا حسنها من روضة ضاع نشرها
* فنادت عليه في الرياض طيور
*
* ودولابها كادت تعد ضلوعه
* لكثرة ما يبكي بها ويدور
*
وقال أيضا
* لو كنت تشهدني وقد حمى الوغى
* في موقف ما الموت عنه بمعزل
*
* لترى أنابيب القناة على يدي
* تجري دما من تحت ظل القسطل
*

452
وقال أيضا
* راقبت غفوة من أحب ولم أكن
* أدري بأن الريح من رقبائه
*
* جتى هممت بأن أقبل خده
* هبت وغطت وجهه بقبائه
*
وقال في بستانه
* لي بستان كبير
* نجده أصبح غورا
*
* دارت الأيام حتى
* كبشه قد صار ثورا
*
وقال أيضا
* زار الحمى فتعطرت أنفاسه
* شغفا بمن تصبو إليه الأنفس
*
* وأحب رؤيته فأنبت نرجسا
* إن الرياض عيونهن النرجس
*
وقال أيضا
* قالوا رأيناك كل وقت
* تهيم بالشرب والغناء
*
* فقلت إني فتى قنوع
* أعيش بالماء والهواء
*
وقال أيضا
* لو كان فيض الدمع يرجع من نأى
* عنى بكيت بسائر الأعضاء
*
* قلبي له قبر وتلك عجيبة
* أن تقبر الأموات في الأحياء
*
وقال وقد اجتاز ليلة بدار بعض أصحابه ومعه شمعة فطفئت وأوقدها من داره
* يا أيها المولى الشريف ومن له
* فضل يفوق به على أهل الأدب
*
* لما أزرتك شمعتي لتنيرها
* جاءت تحدث عن سراجك بالعجب
*
* وافته حاسرة فقبل رأسها
* وأعادها نحوي بتاج نت ذهب
*
وقال أيضا
* إن تاه ثغر الأقاحي في تشبهه
* بثغر حبي واستولى به الطرب
*
* فقل له عندما يحكيه مبتسما
* لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
*

453
وقال في مليح يطيل حمل الكأس
* قالوا الذي تهواه يحبس كاسه
* في كفه من غير ذنب موجب
*
* فأحبتهم كفوا الملام فإنه
* قمر ينزه طرفه في كوكب
*
وقال أيضا
* تركت بمصر يوسفا وهو أمرد
* وقلت لخل قاصد مصر يا فتى
*
* لك الحمد بالرحمن عرج بيوسف
* لتخبرني عن نمل خديه هل اتى
*
وقال يفاخر بين السماء والأرض
* يا جاعل الأفق مثل الأرض حجته
* بالشمس إذ بزغت والبدر حين وضح
*
* كم من شموس وأقمار إذا سرحت
* في الأرض طرت إليها خفة وفرح
*
* فلا تقل قزح في الجو زينه
* في كل غصن ترى في الأرض قوس قزح
*
وقال في مليح ينظر في المرآة
* وأهيف ظل بالمرآة مغرى
* يواظب رؤية الوجه المليح
*
* يقول طلبت معشوقا جميلا
* فلما لم أجده عشقت روحي
*
وقال في رثاء مليح
* وكم ساعدتني مذ دفنت قوامه
* حمامة أيك بالغرام تبوح
*
* فكنت وإياها لأجل قوامه
* كلانا على الغصن الرطيب ينوح
*
وقال يهجو
* أنت بين اثنتين يا نجل داود
* وكلتاهما مقر السيادة
*
* ليس تنفك راكبا أير عبد
* مسيطرا أو حاملا خف غاده
*
* أي ماء لحر وجهك يبقى
* بين ذل البغا وذل القيادة
*
وقال أيضا
* لمن أبوح بشعري حين أنظمه
* أم من أخص بما فيه من الزيد
*
* إما جهول فلا يدري مواقعه
* أو فاضل فهو لا يخلو من الحسد
*
وقال أيضا
* حاذر أصابع من ظلمت فإنه
* يدعو بقلب في الدجى مكسور
*
* فالورد ما ألقاه في جمر الغضا
* إلا الدعا بأصابع المنثور
*

454
وقال أيضا
* رعى الله وادي النيربين فإنني
* قطعت به يوما لذيذا من العمر
*
* درى أنني قد جئته متنزها
* فمد لأقدامي بساطا من الزهر
*
* وأخدمني الماء الزلال فحيثما التفت
* رأيت الماء في خدمتي يجري
*
وقال أيضا
* مذ لاحظ المنثور طرف النرجس المزور
* قال وقوله لا يدفع
*
* فتح عيونك في سواي فإنما
* عندي قبالة كل عين إصبع
*
وقال
* ومادمة كاساتها
* تعطى الأمان من الزمان
*
* قد أحكمت علم النجوم
* وأتقنت سحر البيان
*
* فإذا حساها الشاربون
* وأوقعتهم في الأماني
*
* بدأت بإخراج الضمير
* وبعده عقد اللسان
*
((505 - التلعفري الشاعر))
محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الأديب البارع شهاب الدين الشيباني التلعفري الشاعر المشهور ولد بالموصل سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة واشتغل بالأدب ومدح الملوك والأعيان وكان خليعا معاشرا امتحن بالقمار وكلما أعطاه الملك الأشرف شيئا قامر به فطرده إلى حلب فمدح العزيز فأحسن إليه وقرر له رسوما فسلك معه ذلك المسلك فنودي في حلب أي من قامر مع الشهاب التلعفري قطعت يده فضاقت عليه الأرض فجاء إلى دمشق
ولم يزل يستجدي ويقامر حتى بقي في أتون حمام وفي الآخر نادم صاحب حماة
توفي سنة خمس وسبعين وستمائة
ومن شعره
* أقلعت إلا عن العقار
* وبت إلا من القمار
*
* فالكاس والفص ليس يخلو
* منهم يميني ولا يسارى
*

455
وقال الشيخ شهاب الدين بن غانم رحمه الله تعالى أنشدني التلعفري لنفسه
* جريت بحمراء الكميت إلى الشقرا
* مقر الهوى حسنا وأعرضت عن مقري
*
* ولم أخل بالخلخال من كأسها يدي
* وأثبت في تاريخ ما سرني سطرا
*
* وأبصرت ما بين الميادين سائلا
* فلم أر إلا أن أ قابله نهرا
*
* ولا سيما والروض من حوله له
* بساط وقد مد النسيم له نشرا
*
* فلله أيام تولت بجانبي
* يزيد فقد كانت ببهجتها العمرا
*
* وما كان مقصودي يزيد وبرده
* ولكن قصدي كان أن أنظر الزهرا
*
وقال أيضا
* أيطرق في الدجى منكم خيال
* وطرفي ساهر هذا محال
*
* سقت أيامنا بأراك حزوى
* وهاتيك الربا سحب ثقال
*
* منازل للصبا ما زال شملي
* له فيها بمن أهوى اتصال
*
* دموعي بعدها دال وميم
* على خدي له ميم ودال
*
وقال من أبيات
* وإذا الثنية أشرقت وشممت من
* أرجائها أرجا كنشر عبير
*
* سل هضبها المنصوب اين حديثه المرفوع
* عن ذيل الصبا المجرور
*
وقال أيضا
* حتام أرفل في هواك وتغفل
* وإلام أهزل من جفاك وتهزل
*
* يا مضرما في مهجتي بصدوده
* حرقا يكاد لهن يذبل يذبل
*
* القلب دل عليك أنك في الدجى
* قمر السماء لأنه لك منزل
*
* هب أن خدك قد أصيب بعارض
* ما بال صدغك راح وهو مسلسل
*
* قسما بحاجبك الذي لم ينعقد
* إلا أراني السبي وهو محلل
*
* وبماء ثغرك من سلافة ريقه
* عذبت فقيل هي الرحيق السلسل
*

456
* لولا مقبلك المنظم عقده
* ما بات من يهواك وهو مقبل
*
* حزني وحزنك إن لغا من لامني
* ونحوت هجري مجمل ومفصل
*
* لو كنت في شرع المحبة عادلا
* يا ظالمي ما كنت عني تعدل
*
* يا آمري من نصحه بسلوه
* إن السلو كما تقول لأجمل
*
* لكن يعز خلاص قلب متيم
* تركته أيدي الهجر وهو مبلبل
*
* هيهات كلا لا نجاة لمن غدا
* من جشمه في كل عضو مقتل
*
وقال أيضا
* أرأيت غيرك يا حياة الأنفس
* ومن يحرس الورد الجني بنرجس
*
* أم هل سمعت بشمس أفق أشرقت
* من قبل وجهك في ظلام الحندس
*
* يا من يدير بمقلتيه ووجنتيه
* وراحيته لنا ثلاثة أكؤس
*
* ما زاغ عن نهج الصواب مشبه
* منك الجبين بشمعة في المجلس
*
* أنسيت ليلتنا وقد أخذ الكرى
* بزمام هاتيك العيون النعس
*
* إذ قلت أين الراح قلت مغالطا
* يغنيك عنها رشف ثغري الألعس
*
* فضممت منك إلي غضنا لم يكن
* دون الغلائل بالخمائل مكتسي
*
* يا حسنها من ليلة ما شأنها
* إلا تبلج صبحها المتنفس
*
* فوقت للرقباء فيها أسهما
* من مقلتيك لها حواجبك القسي
*
* ما كنت أطمع قبلها في مثلها
* فأعدتني من مثلها لم أيأس
*
وقال رحمه الله تعالى
* تولهي بك شيء عنك غير خفى
* فراقب الله في الهجران لي وخف
*
* واعدل عن الظلم واعدل في النفوس ولا
* تجر على المستهام المغرم الدنف
*
* يا رائشا أسهما من لحظ ناظره
* فوق فغير فؤادي ليس من هدف
*
* سبحان معطيك خصرا غير مختصر
* لي في العذاب وعطفا غير منعطف
*
* إذا شكوت لترثي لي وترحم ما
* تراه من جسمي المضني ومن كلفى
*

457
* يردني آيسا من ذاك عارضك اللامي
* والمنثني من قدك الألفي
*
* أحبابنا بنواحي الغوطتين سقى
* ربوعكم وابل من أدمعي الذرف
*
* قد كنت قبل النوى أشكو الصدود فوا
* لهفي على الصد يومي ذا ويا أسفي
*
* جادتك يا ساحتي جيرون سارية
* من السواري الثقال الوكف الوطف
*
* ولا تعداك يا بأناس منهمر
* يهمي على القصر والميدان والشرف
*
* ملاعب كم بها من شادن غنج
* حلو الشمائل معسول اللمى ترف
*
* محجب بالتجني والدلال رخيم
* اللفظ أحور مطبوع على صلف
*
* بخده كل ما بالورد من ضرج
* وقده كل ما بالبان من هيف
*
وقال أيضا
* يذكرني برق الحمى والمتألق
* زمانا تولى بالحمى وهو مونق
*
* ويرتاح قلبي للنسيم إذا سرى
* ويطربني ذاك الحمام المطوق
*
* سقى بانة الجرعاء إن أخلف الحيا
* وضن حيا من عبرتي يتدفق
*
* ولا حاد عن تلك المعاطف صيب
* من المزن أو من مقلة الصب مغدق
*
* منازل تصيبني إليها نسيمة
* لها أرج أرجاؤها منه تعبق
*
* عدمت عذولي كم يعنف في الهوى
* حليف غرام نال منه التشوق
*
* إذا لامني أنشدته متمثلا
* بودى لو يهوى العذول ويعشق
*
* كلفت بأحوى من بني الترك أحور
* له غصن قد بالذوائب مورق
*
* رشيق التثني والمعاطف ألعس
* المراشف يصمي طرفه حين يرمق
*
* حمى بحسام اللحظ خدا موردا
* غدت عنه أكمام الشقيق نشقق
*
* له ناظر في ضمنه وهو أسود
* عدو لأرباب الصبابة أزرق
*
وقال أيضا
* ألم بي طيفه إلمام مختلس
* فأشرقت بسناه ظلمه الغلس
*
* جلا على بعده لي منه بدر دجى
* على قضيب بغير الدل لم يمس
*
* طيف غنيت به عن شيم بارقة
* وعن تلقي صبا مسكية النفس
*
* أراحني من مواعيد مزخرفة
* أجريت منهن آمالي على يبس
*
* فبت في نعمة لليل سابغة
* ممتعا باللمى والثغر واللعس
*
* أردد الطرف في خد نضارته
* وقف على مستق منها ومقتبس
*

458
* خد متى قلت إن الورد يشبهه
* قال الجمال تأمل ذا وذا وقس
*
* شققت أكمام صون عن شقائقه
* بالرغم من نرجس في الأعين النعس
*
* فيها لها زورة ما كان لي طمع
* فيها لعلمي بخلق الزائر الشرس
*
* بات الغرام بها في مأتم وأنا
* بمنة عظمت للطيف في عرس
*
* وافى بمن لم أخل أني أفوز به
* لما على طرفه دوني من الحرس
*
* فلا عدمت الكرى من محسن أخذ
* الأيمان بالأنس لي ممن إلى يسى
*
وقال من أبيات رحمه الله تعالى
* في ثغره والقوام اللدن ألف غنى
* عن أبرق الحزن بل عن بانة الوادي
*
* سبحان مطلع بدر التم منه على
* غصن رطيب من الأغصان مياد
*
* سكرت من نشوة في مقلتيه صحا
* منها وزاد ضلالي وجهه الهادي
*
* ما ضرني ما أقاسي فيه من سقم
* ومن ضني لو غدا من بعض عوادي
*
وقال أيضا
* أي دمع من الجفون أسأله
* إذ أتته مع النسيم رسالة
*
* حملته الرياض أسرار عرف
* أودعنها السحائب الهطاله
*
* يا خليلي وللخليل حقوق
* واجبات الأداء في كل حاله
*
* سل عقيق الحمى وقل إذ تراه
* خاليا من ظبائه المختاله
*
* أين تلك المراشف العسليات
* وتلك المعاطف العساله
*
* وليال قضيتها كلآل
* بغزال تغار منه الغزاله
*
* بابلي اللحاظ والريق والألفاظ
* كل مدامه سلساله
*
* ونقى الجبين والخد والثغر
* فطوبى لمن حسا جرياله
*
* وطويل الصدود والشعر والمطل
* ومن لي بأن يديم مطاله
*
* من بنى الترك كلما جذب القوس
* رأينا في وسطه بدر هاله
*
* يقع الوهم حين يرمي فلا ندري
* يداه أم عينيه النباله
*
* قلت لما لوى ديون وصالي
* وهو مثر وقادر لا محاله
*

459
* بيننا الشرع قال سر بي فعندي
* من صفاتي لكل دعوى دلاله
*
* وشهودي من خال خدي ومن قددي
* شهود معروفة بالعدالة
*
* أنا وكلت مقلتي في دما الخلق
* فقالت قبلت هذي الوكالة
*
وكتب إليه الأديب شهاب الدين العزاري بهذه الموشحة يمدحه بها
* بات طرفي يتشكى الأرقا
* وتوالت أدمعي لا ترتقي
*
* ليت أيامي ببانات اللوى
* غفلت عنها لويلات النوى
*
* عاذلاتي باعتلاقي بالهوى
* كيف سلواني وقلبي والجوى
*
* أقسما في الحب لن يفترقا
* وجفوني أقسمت لا تلتقي
*
* ولقد همت بذي قد نضر
* قامه البانة منه تنهصر
*
* ذي رضاب بارد الظلم خصر
* في فؤادي منه نار تستعر
*
* رشأ قلبي به قد علقا
* جل من صروه من علق
*
* سال من سالفه المسك فنم
* وشذا المسك أبى أن يكتتم
*
* أحور صحح عينيه السقم
* مذ تبدي وتثني وابتسم
*
* خلته بدرا على غصن نقا
* باسما عن أنفس الدر نقي
*
* ساد بالدل وفرط الخفر
* سانحات الظبيات العفر
*
* مثلما فاق فتى التلعفري
* قاله الشعر بوشي الحبر
*
* أريحي خص لما خلقا
* بسخا النفس وحسن الخلق
*
* شيمه أصفى من الراح الشمول
* همة أوفت على العلياء طول
*
* نبعة جرت على النجم الذيول
* دوحة طابت فروعا وأصول
*
* سح جودا في ذراها ورقا
* فكساها يانعات الورق
*
* شاعر فاق فحول الشعرا
* بقواف مثل أطراف الكرى
*
* باسمات تجتلي منها الورى
* ثغرا يبسم أو زهرا يرى
*
* كلما لاح سناها مشرقا
* سجد الغرب لنور المشرق
*
* أيها الموفى على عهد الزمن
* كرما محضا وفضلا ومنن
*
* جاءك الخادم من غير ثمن
* جالب الوشى لصنعاء اليمن
*

460
* فاستمعها زادك الله بقا
* مدحه لم يحكها ابن بقي
*
فأجابه شهاب الدين التلعفري رحمهما الله
* ليس يروي ما بقلبي من ظما
* غير برق لائح من إضم
*
* إن تبدي لك بان الأرجع
* وأثيلات النقا من لعلع
*
* يا خليلي قف على الدار معي
* وتأمل كم بها من مصرع
*
* واحترز واحذر فأحداق الدمي
* كم أراقت في رباها من دم
*
* حظ قلبي في الغرام الوله
* فعذولي فيه ما لي وله
*
* حسبي الليل فما أطوله
* لم يزل آخره أوله
*
* في هوى أهيف معسول اللمى
* ريقه كم قد شفى من ألم
*
* سائلي عن أحمد مما حوى
* من خلال هي للداء دوا
*
* ما سواه وهو يا صاح سوى
* ناشر من كل فن ما انطوى آذيه الملتطم
*
* بحر آداب وفضل قد طما
* فاخش من آذيه الملتطم
*
* العزازي الشهاب الثاقب
* شكره فرض علينا واجب
*
* فهو إذ تبلوه نعم الصاحب
* سهمه في كل فن صائب
*
* جائل في حلبة الفضل كما
* جال في يوم الوغى شهم كمي
*
* شاعر أبدع في أشعاره
* ومتى أنكرت قولي باره
*
* لو جرى مهيار في مضماره
* والخوارزمي في آثاره
*
* قلت عودا وارجعا من أنتما
* ذا امرؤ القيس إليه ينتمي
*
وكان بالقاهرة قد عشق صبيا يلقب بالنجم فسافر ووجد عليه حزنا فكتب إليه عز الدين ابن أمسينا بهذه الأبيات يسأله عن حاله ويسليه
* يا خليلي حدثاني بعلم
* كيف حال الشهاب بعد النجم
*
* واقصصا لي حديثه فلقد قلل
* اصطباري وزاد فكري وهمي
*
* فمن المستحيل بعد رواح الروح
* عند الورى بقاء الجسم
*
* ثم قولا له مقال أخ برر
* شنيق بغير ظن ووهم
*

461
* يا شهابا أنوار بهجته الغراء
* تجلو عنا دياجي الظلم
*
* إن تناءى فلا أقل من الإلمام
* شوقا من الديار برسم
*
* واصرف الهم عن فؤادك إن أمكن
* تصريفه بابنة كرم
* فأجابه الشهاب التلعرفي
* بأبي أنت يا خليلي وأمي
* أنت قوسي إذا رميت وسهمي
*
* أنت والله لي حسام جراز
* فيه للنائبات أعظم حسم
*
* كيف أخشى ذلي ولي منك عز
* ما ترقت إليه همة نجم
*
* نظمت فيك المعالي عقود
* معجزات جميع نثري ونظمي
*
* سيدي ما يطيق عبدك يشكو
* ما يقاسي من فرط وجد وغم
*
* مذ تولى نجمي علمت بأني
* هابط في جميع أمري ونجمي
*
* الليالي عندي ظلام وظلم
* بعد ذاك اللمى وذاك الظلم
*
* جملة الأمر أن لي بعده دمعا
* كجدواك في انسكاب وسجم
*
وقال
* ما لي ولمصر لا سقاها ربي
* غيثا غدقا من ساريات السحب
*
* بالروح دخلتها وبالقلب فلا
* بالروح خرجت لا ولا بالقلب
*
((506 - أثير الدين أبو حيان))
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الشيخ الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان النحاة وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وثغر الإسكندرية وبلاد مصر والحجاز وحصل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك واجتهد وطلب وحصل وكتب وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم

462
نظم ونثر وله الموشحات البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما وله اليد الطولي في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم وتقييد أسمائهم خصوصا المغاربة على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم وهو الذي جسر الناس على مصنفات جمال الدين بن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها وفتح لهم مقفلها والتزم ألا يقرئ أحدا إلا إن كان في سيبويه أو التسهيل لابن مالك أو في مصنفاته
ولما قدم من البلاد لازم الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى وأخذ عنه كتب الأدب
وكان حسن العمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا بحمرة منور الشيبة
مولده بغرناطة في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة وتوفي بالديار المصرية في أوائل سنة خمس وأربعين وسبعمائة رحمه الله تعالى
ومن نظمه
* سبق الدمع بالمسيل المطايا
* إذ نوى من أحب عني نقله
*
* وأجاد السطور في صفحة الخدد
* ولم لا يجيد وهو ابن مقله
*
وقال أيضا
* يقول لي العذول ولم أطعه
* تسل فقد بدا للحب لحيه
*
* تخيل أنها شانت حبيبي
* وعندي أنها زين وحليه
*
وقال أيضا
* شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي
* شوق شديد وجسمي الواهن الواهي
*
* أسهرت طرفي ودلهت الفؤاد هوى
* والطرف والقلب مني الساهر الساهي
*
* نهبت قلبي وتنهى أن يبوح بما
* يلقاه وأشواقه للناهب الناهي
*
* بهرت كل مليح بالبهاء فما
* في النيرين شيبة الباهر الباهي
*
* لهجت بالحب لما أن لهوت به
* عن كل شيء فويح اللاهج اللاهي
*

463
وقال أيضا
* راض حبيبي عارض قد بدا
* يا حسنه من عارض رائض
*
* وظن قوم أن قلبي سلا
* والأصل لا يعتد بالعارض
*
وقال أيضا
* تعشقته شيخا كأن مشيبة
* على وجنتيه ياسمين على ورد
*
* أخا الفضل يدري ما يراد من النهى
* أمنت عليه من رقيب ومن ضد
*
* وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى
* لسود اللحى ناس وناس إلى المرد
*
* الا إنني لو كنت أصبو لأمرد
* صبوت إلى هيفاء مائسة القد
*
* وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركا
* فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي
*
وقال في مليح أحدب
* تعشقته أحدبا كيسا
* يحاكي نجيبا حنين البغام
*
* إذا كدت أسقط من فوقه
* تعلقت من ظهره بالسنام
*
وقال أيضا
* عداتي لهم فضل علي ومنة
* فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
*
* هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها
* وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
*
وقال أيضا
* رجاؤك فلسا قد غدا في حبائلي
* قنيصا رجاء للنتاج من العقم
*
* أأتعب في تحصيله وأضيعه
* إذن كنت معتاضا من البرء بالسقم
*
وقال في مليح فحام
* وعلقته مسود عين ووفرة
* وثوب يعاني صنعة الفحم عن قصد
*
* كأن خطوط الفحم في وجناته
* لطاخة مسك في جني من الورد
*
وقال في موشحه
* إن كان ليل داج
* وخاننا الإصباح
*
* فنورها الوهاج
* يغني عن المصباح
*
* سلافة تبدو
* كالكوكب الأزهر
*

464
* مزاجها شهد
* وعرفها عنبر
*
* يا حبذا الورد
* منها وإن أسكر
*
* قلبي بها قد هاج
* فما تراني صاح
*
* عن ذلك المنهاج
* وعن هوى يا صاح
*
* وبي رشا أهيف
* قد لج في بعدي
*
* بدر فلا يخسف
* منه سنا الخد
*
* بلحظه المرهف
* يسطو على الأسد
*
* كسطوة الحجاج
* في الناس والسفاح
*
* فما ترى من ناج
* من لحظه السفاح
*
* علل بالمسك
* قلبي رشا أحور
*
* منعم المسك
* ذو مبسم أعطر
*
* رياه كالمسك
* وريقه سكر
*
* غصن على رجراج
* طاعت له الأرواح
*
* فحبذا الآراج
* إن هبت الأرواح
*
* مهلا أبا القاسم
* على أبي حيان
*
* ما إن له عاصم
* من لحظك الفتان
*
* وهجرك الدائم
* قد طال بالهيمان
*
* فدمعه أمواج
* وسره قد لاح
*
* لكنه ما عاج
* ولا أطاع اللاح
*
* يا رب ذي بهتان
* يعذل في الراح
*
* وفي هوى الغزلان
* دافعت بالراح
*
* وقلت لا سلوان
* عن ذاك يا لاحي
*
* سبع الوجوه والتاج
* هي منية الأفراح
*
* فاختر لي يا زجاج
* قمصال وزوج أقداح
*
وقال يعارض موشخ ابن العفيف التلمساني رحمهما الله تعالى

465
* عاذلي في الأهيف الأنس
* لو رآه كان قد عذرا
*
* رشأ قد زانه الحور
* غصن من فوقه قمر
*
* قمر من سحبه الشعر
* ثغر في فيه أم درر
*
* جال بين الدر واللعس
* خمرة من ذاقها سكرا
*
* رجه بالردف أم كسل
* ريقه بالثغر أم عسل
*
* وردة بالخد أم خجل
* كحل بالعين أم كحل
*
* يا لها من أعين نعس
* جلبت للناظر السهرا
*
* مذ نأى عن مقلتي سنى
* ما أذيقا لذة الوسن
*
* طال ما ألقاه من شجني
* عجبا ضدان في بدني
*
* بفؤادي جذوة القبس
* وبعيني الماء منفجرا
*
* قد أتاني الله بالفرج
* إذ دنا مني أبو الفرج
*
* قمر قد حل بالمهج
* كيف لا يخشى من الوهج
*
* غيره لو صابه نفسي
* ظنه من حره شررا
*
* نصب العينين لي شركا
* فانثنى والقلب قد ملكا
*
* قمر أضحى له فلكا
* قال لي يوما وقد ضحكا
*
* أنت جيت من أرض اندلس
* نحو مصر تعشق القمرا
*
والموشجة التي لشمس الدين محمد بن العفيف التلمساني في هذا الوزن وهي
* قمر يجلو دجى الغلس
* بهر الأبصار مذ ظهرا
*
* آمن من شبهة الكلف
* ذبت في خيبه بالكلف
*
* لم يزل يسعى إلى تلف
* بركاب الدل والصلف
*
* آه لولا أعين الحرس
* نلت منه الوصل مقتدرا
*
* يا أميرا جار مذ وليا
* كيف لا ترثي لمن بليا
*
* فبثعر منك قد جليا
* قد حلا طعما وقد حليا
*
* وبما أوتيت من كيس
* جد فما أبقيت مصطبرا
* @ 467 @
* بدر تم في الجمال سنى
* ويهذا لقبوه سنى
*
* قد سباني لذة الوسن
* بمحيا باهر حسن
*
* هو خشفي وهو مفترسي
* فارو عن اعجوبتي خبرا
*
* لك خد يا أبا الفرج
* زين بالتوريد والضرج
*
* وحديث عاطر الأرج
* كم سبى قلبا بلا حرج
*
* لو رآك الغصن لم يمس
* أو رآك البدر لاستترا
*
* يا مذيبا مهجتي كمدا
* فت في الحسن البدور مدى
*
* يا كحيلا كحله اعتمدا
* عجبا ان تبرئ الرمدا
*
* وبسقم الناظرين كسى
* جفنك السحار فانكسرا
*
ومدحه محيي الدين بن عبد الظاهر بقوله من الكامل
* قد قيل لما ان سمعت مباحثا
* في الذات قررها أجل مفيد
*
* هذا أبو حيان قلت صدقتم
* وبررتم هذا هو التوحيدي
*
وأما ما صنفه فهو البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم
إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب
كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار
شرح سيبويه
كتاب التجريد لأحكام سيبويه
كتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل
كتاب التنخيل من شرح التسهيل
كتاب التذكرة
كتاب المبدع في التصريف كتاب الموفور
كتاب التقريب
كتاب التدريب
كتاب غاية الإحسان
كتاب النكت الحسان
كتاب الشذا في مسألة كذا
كتاب الفصل في أحكام الفصل
كتاب اللمحة
كتاب الشذرة
كتاب الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء
كتاب عقد اللآلي
كتاب نكت الأمالي
كتاب النافع في قراءة نافع
الأثير في قراءة ابن كثير
المورد الغمر في قراءة أبي عمرو
الروض الباسم في قراءة عاصم
المزن الغامر في قراءة ابم عامر
الرمزة في قراءة حمزة
النائي في قراءة الكسائي
النير الجلي في قراءة زيد بن علي
الوهاج في اختصار المنهاج
النور الأجلي في اختصار المحلي
الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية @ 468 @
الأعلام بأركان الإسلام
نثر الدرر ونظم الزهر
قطر الحبى في جواب أسئلة الذهبي
نوافث السحر في دمائث الشعر
تحفة الندس في نحاة الأندلس
الأبيات الوافية في علم القافية
مشيخة ابن أبي المنصور
الإدراك للسان الأتراك
زهو الملك في نحو الترك
نفحة المسك في سيرة الترك
الأفعال في لسان الأتراك
منطق الخرس في لسان الفرس
ومما لم يكمل تصنيفه كتاب مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد
منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك ' نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب رجز
مجاني الهصر في شعراء العصر
المخبور في لسان اليحمور
رحمه الله تعالى
((507 محمود الوراق))
محمود بن الحسن الوراق
أكثر شعره في المواعظ والحكم روى عنه ابن أبي الدنيا
وتوفي في خلافة المعتصم في حدود الثلاثين والمائتين
ومن شعره
* ما إن بكيت زمانا
* إلا بكيت عليه
*
* ولا ذممت صديقا
* إلا رجعت إليه
*
وقال
* وما صاحب السبعين والعشر بعدها
* بأقرب ممن حنكته القوابل
*
* ولكن آمالا يؤملها الفتى
* وفيهن للراجين حق وباطل
*
وقال أيضا
* يا ناظرا يرنو بعيني راقد
* ومشاهد للأمر غير مشاهد
*
* تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي
* درك الجنان بها وفوز العابد
*
* ونسبت أن الله أخرج آدما
* منها إلى الدنيا بذنب واحد
*

466
وقال أيضا
* أليس عجيبا بأن الفتى
* يصاب بنقص الذي في يديه
*
* فمن بين باك له موجع
* وبين معز معز إليه
*
* ويسلبه الشيب شرخ الشباب
* فليس يعزيه خلق عليه
*
وقال أيضا
* سقيا لأيام خلت
* وكأن أوجهها رياض
*
* أيام يحيينا الهوى
* وتميتنا الحدق المراض
*
وقال أيضا
* أي جهل يكون أبين من جهل
* ألااني أضحي عليه وأمسي
*
* أبغض الناس إن ظننت على الظنن
* وأنسى اليقين من علم نفسي
*
وقال أيضا
* إذا أعطاك قتر حين يعطي
* وإن لم يعط قال أبي القضاء
*
* يبخل ربه سفها وظلما
* ويعذر نفسه فيما يشاء
*
وقال أيضا
* ألدهر لا يبقى على حاله
* لكنه يقبل أو يدبر
*
* فإن تلقاك بمكروهه
* فاصبر فإن الدهر لا يصبر
*
وقال أيضا
* تعصى الإله وأنت تظهر حبه
* هذا محال في القياس بديع
*
* لو كان حبك صادقا لأطعته
* إن المحب لمن يحب مطيع
*
وقال أيضا
* دار الصديق إذا استشاط تغضبا
* فالغيظ يخرج كامن الأحقاد
*
* ولربما كان التغضب باحثا
* لمثالب الآباء والأجدادا
*
وقال أيضا
* تعز بحسن الصبر عن كل هالك
* ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
*
* إذا أنت لم تسل اصطبارا وحسبة
* سلوت على الأيام مثل البهائم
*
وقال أيضا
* لبست صروف الدهر كهلا وناشئا
* وجربت حاليه على العسر واليسر
*

469
* فلم أر بعد الدين خيرا من الغنى
* ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر
*
وقال أيضا
* أيا رب قد أحسنت عودا وبدأة
* إلى فلم ينهض بإحسانك الشكر
*
* فمن كان ذا عذر لديك وحجة
* فعذري إقراري بأن ليس لي عذر
*
((508 - شهاب الدين محمود))
محمود بن سلمان بن فهد الإمام العلامة البارع البليغ الكاتب الحافظ شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبي الدمشقي الحنبلي
ولد بدمشق سنة أربع وأربعين وستمائة
وتوفي في شهور سنة خمس وعشرين وسبعمائة
كتب المنسوب ونسخ الكثير وتفقه على ابن المنجا وغيره وتأدب على ابن مالك ولازم الشيخ مجد الدين بن الظهير وسلك طريقته في النظم وأربى عليه وحذا حذوه في الكتابة
ونقله الوزير شمس الدين بن السلعوس إلى مصر وتقدم ببلاغته وبديع كتابته وإنشائه وسكونه وتواضعه وأقام بالديار المصرية إلى أن توفي القاضي شرف الدين بن فضل الله فجهز إلى دمشق صاحب ديوان إنشائها فأقام على المنصب ثمانية أعوام وتوفي رحمه الله تعالى وصلى عليه الأمير سيف الدين تنكر ودفن في تربته بسفح قاسيون
وله من التصانيف مقامة العشاق وكتاب منازل الأحباب وحسن التوسل في صناعة الترسل وأسنى المنائح في أسنى المدائح
وكان ممن أتقن الفنين المنظوم والمنثور
كتب إليه السراج الوراق ملغزا في سجادة
* يا إماما ألفاظه الغر في الأسماع
* تزرى بالدر في الأسماط
*
* وشهابا يجاوز الشهب قدرا
* فغدت عن علاه ذات انحطاط
*
* أي أنثى وطئت منها حلالا
* مستبيحا ما لا يباح لواطي
*
* لم أحاول تقبيلها غير خمس
* حال زهدي فيها وحال اغتباطي
*

470
* وهي مملوكة وعند أناس
* هي ست على اختلاف التعاطي
*
* وهي في صورة خماسية ما
* فهقت لا ولا دنت للبواطي
*
* وتصيب الإيمان يسعى إليها
* طالب الله وهو عبد خاطي
*
* وأرى أن تحلها بيمين
* ويسار فقد غدت في رباط
*
فكتب إليه الجواب
* يا سراجا لما سمت باسمه الشمس
* غدا البدر دونها في انحطاط
*
* أنت بحر نداك موج وألفاظك
* در وصنع يمناك شاطي
*
* لا تلمني إذا نظمت إذا نظمت معانيك
* فمن در فيك كان التقاطي
*
* أنت ألغزت في اسم ذات وقاع
* لم تجاهد وكم غدت في رباط
*
* خمساها عشر وللعشر فيها
* خطوات براحة وانبساط
*
* حازها تابع المجلى فحاز السبق
* من دونه بغير اشتراط
*
* مذ علاها في أول الصف أضحى
* كسليمان فوق متن البساط
*
ومن شعره
* أسروا إلى ليلى رسراهم فما انجلى
* وبات كطرفي نجمه وهو حيران
*
* كلانا غريق في المدامع والدجى
* كأن دموع العين والليل طوفان
*
وقال
* عريب سبوا نومي ولم تدر مقلتي
* كما سلبوا قلبي ولم تشعر الأعضا
*
* وطلقت نومي والجفون حوامل
* فمن أجل ذا في الخد أبقت لها فرضا
*
وقال
* تثني وأغصان الأراك نواضر
* ونحت وأسراب من الطير عكف
*
* فعلم بانات اللوى كيف تنثني
* وعلمت ورقاء الحمى كيف تهتف
*
وقال
* رأتني وقد نال مني النحول
* وفاضت دموعي على الخد فيضا
*
* فقالت بعيني هذا السقام
* فقلت صدقت وبالخصر أيضا
*

471
يشبه هذا قول الأرجاني
* غالطتني إذ كست جسمي الضنى
* كسوة عرت من اللحم العظاما
*
* ثم قالت أنت عندي في الهوى
* مثل عيني صدقت لكن سقاما
*
ومن هذه المادة قول جمال الدين بن نباتة
* وملولة في الحب لما ان رأت
* أثر السقام بعظمي المنهاض
*
* قالت تغيرنا فقلت لها نعم
* أنا بالسقام وأنت بالإعراض
*
وقال أيضا
* رق العذول لما ألقى بكم ورثي
* لما رأى صدكم عن صبكم عبثا
*
* نكتثم حبل ودي بعد قوته
* وطالما قلتم لا كان من نكثا
*
* أين الوفاء الذي كنا نظن وما
* هذا الجفاء الذي من بعده حدثا
*
* فآه نفثة مصدور بهجركم
* ومن يذق هجر من يشتاقه نفثا
*
* رجوت يم نواه لو تلبثت لي
* لأشتكي بعض ما ألقى فما لبثا
*
* وكم شكوت الذي ألقاه منه فما
* آوى لذلي ولا ألوي ولا أكترثا
*
* وكم حلفت بأني لا أعاتبه
* ولست أول صب في الهوى حنثا
*
* ويح المحب متى صدت حبائبه
* يوما قضى وإذا ما واصلوا بعثا
*
* قضى فناحت عليه الورق من حزن
* فسجعها بين أثناء النشيد رثا
*
وقال أيضا
* أفدى الذي بالأمس ودعني
* فقضى اصطباري بعده نحبا
*
* وسرت به في البحر جارية
* سوداء يسبق سيرها الشهبا
*
* لو أن حكم البحر طوع يدي
* لأخذت كل سفينة غصبا
*
وقال مضمنا
* قل لي عن الحمام كيف دخلتها
* يا صاحبي لتسر خلا مشفقا
*
* أدخلتها وأولئك الأقوام قد
* شدوا المآزر فوق كثبان النقا
*
وقال أيضا
* رأيت في بستان خل لنا
* بدر دجى يغرس أشجارا
*
* فقلت إن أنجب هذا الهوى
* يغرسه أثمر أقمارا
*

472
وقال أيضا
* ورأيته في الماء يسبح مرة
* والشعر قد رفت عليه ظلاله
*
* فظننت أن البدر قابل وجهه
* وجه الغدير فلاح فيه خياله
*
وقال وكتب بها إلى فتح الدين ابن عبد الظاهر
* هل البدر إلا ما حواه لثامها
* أو الصبح إلا ما جلاه ابتسامها
*
* أو النار إلا ما بدل فوق خدها
* سناها وفي قلب المحب ضرامها
*
* أقامت بقلبي إذ أقام بحيها
* فدراتها قلبي وداري خيامها
*
* مهاة نقا لو يستطاع اقتناصها
* وكعبة حسن لو يطاق استلامها
*
* إذا ما نضت عنها اللثام وأسفرت
* تقشع من شمس النهار غمامها
*
* نهاية حظي أن أقبل تربها
* وأيسر حظ للثام التثامها
*
* تريك محيا الشمس في ليل شعرها
* على قيد رمح وجهها وقوامها
*
* وتزهى على البدر المنير فإنها
* مدى الدهر لا يخشى السرار تمامها
*
* تغنى على أعطافها ورق حليها
* إذا ناح في هيف الغصون حمامها
*
* تردد بين الخمر والسحر لحظها
* وحازهما والدر أيضا كلامها
*
* كلانا نشاوى غير أن جفونها
* مدام المعنى والدلال مدامها
*
* وليلة زارت والثريا كأنها
* نظاما وحسنا عقدها وابتسامها
*
* وحيت فأحيت ما أمات صدودها
* وردت فرد الروح في سلامها
*
* وقالت بعيني ذا السقام الذي أرى
* فقلت وهل بلواي إلا سقامها
*
* فأبدت ثناياها فقل في خميلة
* بدا نورها وانشق عنها كمامها
*
* وأبعدت لا بل سمط در تصونه
* بأصداف ياقوت لماها ختامها
*
* وقالت ما للعين عهد بطيفها
* ولا النوم مذ صدت وعز مرامها
*
* لقد أتعبت عيني جفونك في الدجى
* فقلت سلي جفنيك أين منامها
*
* وما علمت أن الرقاد وقد جفت
* كمثل حياتي في يديها زمامها
*
* وكم ليلة سامرت فيها نجومها
* كأني راع ضل عنه سوامها
*
* كأن الثريا والهلال ودارة
* حوته وقد زان الثريا التئامها
*

473
* حباب طفا من حول رفرف فضة
* بكف فتلة طاف بالراح جامها
*
* كأن نجوما في المحرة خرد
* سواق رماها في غدير زحامها
*
* كأن رياضا قد تسلس ماؤها
* فشقت أقاحيها وشاق خزامها
*
* كأن سنا الجوزاء إكليل جوهر
* أضاءت لآلية فراق انتظامها
*
* كأن لدى النسرين في الجو غلمه
* رماة رمى ذا دون هذا سهامها
*
* كأن سهيلا والنجوم وراءه
* صفوف صلاة قام فيها إمامها
*
* كأن الدجى هيجاء جرت نجومه
* أسنتها والبرق فيها حسامها
*
* كأن الرجوم الهاديات فوارس
* تساقط ما بين الأسنة هامها
*
* كأن سنا المريخ شعلة قابس
* تلوح على بعد ويخفى ضرامها
*
* كأن السها صب سها نحو إلفه
* يراعي الليالي جفنه لا ينامها
*
* كأن خفوق القلب قلب متيم
* رأى بلدة الأحباب أقوى مقامها
*
* كأن ثريا أفقه في انبساطها
* يمين كريم لا يخاف انضمامها
*
* كأن بفتح الدين في جوده اقتدت
* فروى الروابي والأكام انركامها
*
وقال من أبيات
* والطل في أعين النوار تحسبه
* دمعا تحير لم يرقأ ولم يكف
*
* كلؤلؤ ظل عطف الغصن متشحا
* بعقده وتبدى منه في شنف
*
* يضم من سندس الأوراق في صور
* خضر ويجني من الأزهار في صدف
*
* والشمس في طفل الإمساء تنظر من
* طرف غدا وهو من خوف الفراق خفى
*
* كعاشق سار عن أحبابه وهفا
* به الهوى فتراءاهم على شرف
*
وقال يرثي شابا جميلا فقد
* إن من تهواه قد ظعنا
* فاندب الأطلال والدمنا
*
* واخدع القلب الذي صحبوا
* وخداع النافرين عنا
*
* واسل عن طيب الحياة فقد
* صرت لا قلبا ولا سكنا
*
* لا تقل أرجو الإياب فكم
* نازح بعد البعاد دنا
*
* فهو دهر كان ملتهيا
* عنكم والان قد فطنا
*
* جيرة والله بعدهم
* لم أجد حسنا ولا حسنا
*
* سلبوا روحي فليتهم
* عوضوني عودهم ثمنا
*

474
* ودروا أني أموت بهم
* فكسوني بالضنا كفنا
*
* ما على الحادي العجول بهم
* حرج لو يحبس البدنا
*
* فعسى روح معلقة
* بهم أن تذكر الوطنا
*
* قلت للبدر المنير وقد
* غاب من أربي عليه سنا
*
* غب أو اطلع إن أردت فما
* فيك لي عمن فقد غنى
*
* انبأتني الشمس عنه وعن
* بدارها إذ غاب واقترنا
*
* نحن كنا إخوة شرفا
* فأصاب الدهر أحسننا
*
* وسألت الدوح بعدهم
* هل أمالت نسمة غصنا
*
* أو تمشت في خمائله
* ذات طوق تبعث الشجنا
*
* أو سقاه الطل مضطجعا
* فلوى أعطافه وثنى
*
* قال لي ذاك النسيم نأى
* مذ تناءوا والغمام ونى
*
* وعيون النور قد رمدت
* وغناء الورق عاد عنا
*
* فإذا ملنا فلا طرب
* بل لأن الورق نحن لنا
*
* سادتي هل بعد بعدكم
* ترجع الأيام تجمعنا
*
* أرتجي واليأس يهزأ بي
* أن يضم الدهر ألفتنا
*
* وضلال الحب غادر لي
* فيكم بعد المنون مني
*
* إن قضى صب يهيم على
* فقد أحباب نأوا فأنا
*
* فسقاكم كل سارية
* من دموعي تخجل المزنا
*
وقال أيضا
* يا من أضاف إلى الجمال جميلا
* لا كنت إن طاوعت فيك عذولا
*
* عوضتني من نار هجرك جنة
* فسكنت ظلا من رضاك ظليلا
*
* وحللت من أحشاي ربعا دارسا
* فغدا بقربك عامرا مأهولا
*
* ومننت حين منحتني سقما به
* أشبهت خصرك رقة ونحولا
*
* وكففت لحظك بالفتور تلطفا
* كي لا أبيت بحده مقتولا
*
* وسلكت بي في الحب أحسن مسلك
* لم يبق لي نحو السلو سبيلا
*
* ولرب ليل مثل وجهك بدره
* ودجاه مثل مديد شعرك طولا
*
* أرسلت لي فيه الخيال فكان لي
* دون الأنيس مؤانسا وخليلا
*

475
* إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي
* لا نال قلبي من وصالك سولا
*
وقال أيضا
* تقضي زماني في انتظار وصاله
* ومات اصطباري والغرام بحاله
*
* قضيب نقا قد كنت أرجو انعطافه
* فرحت لحيني آيسا من خياله
*
* اعرض من وجد بعسال قده
* ومعسول فيه بالعذيب وضاله
*
* أليس من التبريح أن مزاره
* قريب ونيل الشهب دون مناله
*
* لئن عمه بالحسن ياقوت خده
* فقد خصه بالصون عنبر خاله
*
* إذا ما شكوت الوجد قال أخو الهوى
* صبابته تغنيه عن شرح حاله
*
* وإن رمت وصلا قال لي أنت مدع
* فأعرض عنه خيفة من جداله
*
* وما ذاك عيا غير أن دليله
* علي عليه شاهد من دلاله
*
وقال أيضا
* نم بأسرار الحمى نسيمه
* فذاع من سر الهوى مكتومه
*
* روى حديثا عن أهيل رامه
* جدد ما أبلى الهوى قديمه
*
* إلى كئيب دنف عذابه
* في حب جيران النقا نعيمه
*
* يروم أن يعطف من ذاك الحمى
* عليه من بعد الصدود ريمه
*
* يا صنما مقلته صاد له
* والحاجب النون وفوه ميمه
*
* طوبى لمن في راحتيك راحه
* وأنت يا كل المنى نديمه
*
* عن تاه في معوج صدغيك فقد
* هداه فرقك مستقيمه
*
* آنس قلبي نار طور خده
* فهو كما شاء الهوى كليمه
*
وقال يعاتب محبوبا
* غدرتم ولولا الغدر ما كان لي عذر
* فجاء على قصدي وقصدكم الأمر
*
* وجدتم مجالا للقلي وكذا أنا
* فما ضاق لي يوما ولا لكم صدر
*
* فلا أشتكي منكم ملالا لأنكم
* هجرتم بحمد الله إذ طاب لي الهجر
*
* فإن تدعوا عنا اصطبارا فهكذا
* أتانا بلا دعوى كما نشتهي الصبر
*
* وإن تشكروا حكم البعاد فللنوى
* علينا أياد لا يقوم بها الشكر
*
* وكنت أظن الصبر مرا مذاقه
* فمد ذقته أيقنت أن الهوى المر
*
* فكونوا كما شئتم فإنا كما نشا
* صحونا جميعا وانجلى ذلك السكر
*

476
* فكم تهت من قد هناك وطلعه
* بغصن ولا غصن وبدر ولا بدر
*
* وإن كان زيد صدكم عن وصالنا
* فلم تخطئوا شيئا كذا صدنا عمرو
*
* وإن كنتم أنسيتم العهد فاسألوا
* فيخبركم هل مر يوما له ذكر
*
* تقضى الهوى منا ومنكم فكلنا
* سواء ولكن منكم بدأ الشر
*
* ولا شر في أمر عرفنا به الذي
* لنا عندكم حتى استوى السر والجهر
*
* فلا مقلة عبرى بأجفانها قذى
* ولا كبد حرى بأثنائها جمر
*
* ولا زادنا حب جوى كل ليلة
* ولا سلوة الأيام موعدها الحشر
*
* وكنا كما شاء الغرام كأننا
* لفرط امتزاج بيننا الماء والخمر
*
* فكم ليلة ما شاب إظلامها دجى
* وكم ليلة بالهجر ما شابها فجر
*
* فأعقبكم ذاك الوفاء ملالة
* فلا بأس هذا الغدر شيمته) الغدر
*
* وإني وإن ألفيت في ذاك راحة
* وباتت يدي منكم وراحتها صفر
*
* لمثن ولكن لا يقابل هجركم
* سوى الهجر لا عتب يمض ولا هجر
*
وقال أيضا
* ما ضر من شفع الصدود ببعده
* لو علل الكلف المشوق بوعده
*
* أو لو شفاه بزورة بعد النوى
* ليرى الذي فعل البعاد بعبده
*
* ظبي من الأتراك خال باله
* من حال ملآن الفؤاد بوجده
*
* ريان من ماء الشباب إذا مشى
* تثنى الغصون على تثني قده
*
* ما كنت أشكو من قساوة قلبه
* لو أنه أغدته رقة خده
*
* أبكي ويضحكه التدلل عن نقا
* برد شفاء محبه في برده
*
* وأمير حسن ناظري والقلب من
* أعوانه أبدا على وجنده
*
* علما بأن اللحظ منه صارم
* عضب وما حذرا مواقع حده
*
* لو زارني لفضضت ختم رضابه
* ما بغيتي في ورده أو ورده
*
* وأجلت كفي في مجال نطاقه
* في غوره وكففتها عن نجده
*
* قالوا به سقم فقلت لعله
* في جفنه أو خصره أو عهده
*
* يا سالبي طيب الراقد وإنما
* أسفى على فقد الخيال كفقده
*
* لولا انتظار الطيف يطرق في الكرى
* ما راح دمعي سائلا في رده
*

477
وقال أيضا
* أيا رشأ بت من حبه
* فقيد الكرى قلق المضجع
*
* ومن أصبحت نار وجدي به
* تؤججها في الحشا أدمعي
*
* ومن إن تدم مقلتي لحظها
* إلى وجهه تدم أو تدمع
*
* ومن غير ذكراه لم يحل في
* لساني ولا حل في مسمعي
*
* ومن حاز قلبي طوعا لديه
* متى يدعه لحظه يتبع
*
* دمي لك فارفع شبا السيف من
* لحاظك عن مهجتي أو ضع
*
* وحكم حياتي في راحتيك
* فخذها إن اخترتها أو دع
*
* فصن ذا المحيا الذي في سناه
* دليل على قدره المبدع
*
* فما ربه الخدر إن أسفرت
* بأحوج منك إلى البرقع
*
* ولاح يعنفني في الغرام
* وهل يسمع اللوم من لا يعي
*
* وأنكر ما يدعي من هواه (وسقمي يثبت ما يدعي
*
* رآك فساعدني في الحنين
* وأضحى على من لحاني معي
*
وقال أيضا
* خليلي هذا البرق أسيافه تنصى
* فهيا عسى حتف الظلام به يقضى
*
* فليس لنا بالصبح عهد لأننا
* عهدناه من قبل التفرق مبيضا
*
* ولا بالكرى علم وهل كان لامرئ
* نأى عنه من يهواه ان يعرف الغمضا
*
* هم هجروا برد الظلال وإنما
* حشاي وحاشاهم أقامت على الرمضا
*
* مضوا فاسترد الدهر أنسي الذي مضى
* كان له عندي بقربهم قرضا
*
* وبانوا فآلي البان لا بان بعدهم
* ولا عانقت أغضانه بعضها بعضا
*
* عريب سبوا نومي ولم تدر مقلتي
* كما سلبوا قلبي ولم تشعر الأعضا
*
* فليتهم عادوا وقلبي فداهم
* وأرضى بأن تضحى خدودي لهم أرضا
*
وقال أيضا
* أعلى في حب الديار ملام
* أم هل تذكرها على حرام
*
* أم هل أذم إذا ذكرت منازلا
* فارقتها ولها علي ذمام
*
* دار الأحبة والهوى وشبيبة
* ذهبت وجيران على كرام
*
* فارقتها فأرقت من وجدي بهم
* أفهل لهم أو للكرى إلمام
*

478
* كانوا حياتي وابتليت بفقدهم
* فعليهم وعلى الحياة سلام
*
* أشتاقها شوق الغريب مزاره
* سفها وإلا أين مني الشام
*
* وتروقني خدع المنى منها وقد
* بعد المدى وتمادت الأيام
*
* وتلذ لي سنة الكرى لا رغبة
* في النوم بل لتعبدها الأحلام
*
* وتمثل الأوهام لي أني بها
* ثاو ولذات الهوى أوهام
*
* فكان ربع تشوقي وخيالها
* دمن ألم بها فقال سلام
*
* لبث الغرام بها لأن نسيمها
* وان وثغر رياضها بسام
*
* بل للديار إذ الشباب مطاوع
* فيها وأيام الزمان وسام
*
* إذ لا نخاف بها الوشاة وحولنا
* فيها العيون وعندنا النمام
*
* الورد خد والبنفسج عارض
* والنور ثغر والقضيب قوام
*
* والراح ريق أو حديث رائق
* والنقل لثم والقيان حمام
*
* ولقد نقلت إلى الأجل وإنما
* عصر الصبا أيامه الأيام
*
* لو عاد لي عصر الشباب رأيتها
* بعيون صب ماؤهن غرام
*
وقال أيضا
* يا ليلة بات ثغر الكأس معتنقي
* فيها فداك سواد القلب والحدق
*
* إن كنت أنشرت صبا ميتا فلقد
* أمات فقدك ما أبقيت من رمقي
*
* سمحت لي برشا أدري الوشاة به
* جبينه والشذا من نشره العبق
*
* في روضة كلما ماست معاطفه
* فيها تسترت الأغصان بالورق
*
* وبات يطفئ بالعذب المبرد من
* لماه ما أضرمت خداه من حرقي
*
* وبت حاوي بدر التم إذ بيدي
* طوقت أسود ذاك الشعر في عنقي
*
* وجاء يسعى بها حمراء قابلها
* بوجهه فبدت شمسين في أفق
*
* بكر حبتها ثناياه الحباب كما
* خداه ألقت عليها حمرة الشفق
*
* وقال دونكما إن شئت من قدحي
* أو من لمى شفتي اللعساء أو حدقي
*
* كل مدام وإن شككت ها شفتي
* وهذه الكأس فاختر ما تشا وذق
*
* فيا لها ليلة قضيتها عجبا
* الشمس مغتبقي والبدر معتنقي
*
وكتب إليه علاء الدين بن غانم من حصن صهيون
* إليك شهاب الدين نشكو متاعبا
* فأنت الذي ما زلت ترثى لمن شكا
*

479
* إلى الله نشكو حصن صهيون إننا
* إلى الرفق فيها لم نجد قط مسلكا
*
* لتغييره وجه الوجود مقطب
* عليه وعين الشمس زالت من البكا
*
* أصم صراخ الرعد فيه مسامع ال
* برايا وستر البرق وجدا تهتكا
*
فأجابه شهاب الدين رحمها الله تعالى
* ألم يكفني شوق إليه وأدمع
* عليه إذا ما جادت الغيث أمسكا
*
* وأني مذ فارقت لا ذقت بعده
* محياه لم أصحب حميما سوى البكا
*
* إلى أن شكا حالا غدوت لحملها
* أكابد من همي به فوق ما شكا
*
* وحرك أشجاني على أن في الحشا
* لها باعثا من نفسها ومحركا
*
* فيا نازجا أودى بقلبي ولم يزل
* بإخلاصه في حبه متمسكا
*
* وحقك لو عاينت ما في جوانحي
* لساءك أو ما في ضميري لسركا
*
* جوى لو غدا في حصن صهيون بعضه
* تزلزل أو أخنى عليه تدكدكا
*
* وتوحيد وجد لو تقسم لم تجد
* على الأرض في دين المودة مشركا
*
* فصبرا على أني وقد غبت رمته
* فلم ألق نحو الصبر بعدك مسلكا
*
* فهل هو إلا البرق أومض موهنا
* لديك ليحكي نار وجدي فما حكى
*
* أو القطر يهمي وهو مذ شطت النوى
* رأى عبرتي تجري فمثلها لكا
*
* أو الشمس أخفت وجهها عنك كي ترى
* وقد غبت عني وحشة الأفق بعدكما
*
* عساك ترى الرأي الموفق بعدها
* فإن الذي أغراك من قبل غركا
*
وكتب إلى الشيخ علاء الدين بن غانم
* سيدي قربك عندي
* منتهى سولى وقصدي
*
* أنت أحلى في فؤادي
* من دنو بعد بعد
*
* فلم اخترت فراقي
* وانا الليلة وحدي
*
* كن جوابي تغنم الوا
* فر من شكري وحمدي
*
* وتكن أكرم مولى
* قد تمشي نحو عبد
* فأجابه علاء الدين بن غانم
* لم أغب عنك بودي
* يا أعز الناس عندي
*
* لكن الحرمان يقصي
* ني ويدنيني سعدي
*
* أنا للخدمة
* كل وقت متصدي
*

480
* لا على رجلي أسعى
* بل على رأسي وخذي
*
وقال رحمه الله تعالى
* أيها المنزل الذي كان فيه
* لتجلى شموسهم إشراق
*
* والذي كان فيه بدر المسرا
* ت تماما لا يعتريه محاق
*
* أوحشوني مذ فارقوني فها أصب
* حت مثلي إليهم تشتاق
*
* فابك لي مسعدا عليهم فلا يأ
* س إذا ما تساعد العشاق
*
وقال أيضا
* وبمهجتي من سل صارم لحظة
* فحمى رياض خدوده أن تجتني
*
* لو أن رقة خده أو لفظه
* أو ريقه في قلبه نلت المنى
*
وقال أيضا
* قبلت وجه حبيبي
* فازور واحمر خدا
*
* وقال تلثم رجلي
* لقد تنازيت جدا
*
* فقلت لم آت ذنبا
* ولا تعديت حدا
*
* رجل سعت بك نحوي
* حقوقها لا تودي
*
وقال في مليح حراث
* عشقت حراثا مليحا غدا
* في يده المساس ما أجمله
*
* كأنه الزهرة قدمه الث
* ثور يراعي مطلع السنبلة
*
وكتب إليه علاء الدين بن غانم لغزا في أحمد
* نصف اسم من اهواه في قلبه
* أمر لغير الفائت الفاني
*
* ونصفه الأول معكوسه
* في العكس حرف وهو حرفان
*
فأجابه رحمهما الله تعالى
* كتم اسم من همت غراما به
* أحمد من كشف وإعلان
*
* فإن نأى فابك على فقده
* بالعكس من نصف اسمه الثاني
*
* وإن تصحف عكس نصف اسمه
* أمنت من صد وهجران
*
وقال
* يا حياتي من حياتي بعدما
* بنت عنهم والنوى أقتل شيء
*
* ليتهم لو عاينوني ليروا
* ميتا من بعدهم في زي حي
*

481
((509 - غازان المغلى))
محمود بن أرغون المغلى الجنكزخاني صاحب العراقين وخراسان وفارس وأذربيجان والروم
كان شابا عاقلا شجاعا مهيبا مليح الشكل ملك سنة ثلاث وتسعين وستمائة فحسن له نائبه توزون الإسلام فأسلم سنة أربع وتسعين وفشا الإسلام في التتار وطرق الشام وغلب عليه بعد أن قل العساكر الإسلامية وكان يعف عن الدماء لا عن المال ومات بقرب همذان سنة ثلاث وسبعمائة في شوال ولم يتكهل ونقل إلى تبريز ودفن بتربته واشتهر أنه سم في منديل تمسح به بعد الجماع فتعلل ومات وقام بعده أخوه خربندا
وكان له خبرة بسياسة الأمور وتدبير الملك وكان قد التحق في أفعاله بجده الأكبر هولاكو ولم يكن فيه ما يشينه غير أنه كان بخيلا لكن كانت هيبته قوية ورعيته في زمانه آمنة ولما توفي كتب نائب البيرة مطالعة إلى السلطان الملك الناصر يخبره فيها بوفاته بخط علاء الدين الوداعي وكانت الأخبار قد اختلفت بوفاته كثيرا
* قد مات قازان بلا مرية
* ولم يمت في الحجج الماضية
*
* بل شنعوا عن موته فانثنى
* حيا ولكن هذه القاضية
*
فكتب جواب المطالعة الشيخ شهاب الدين محمود بخطه إلى الأمير سيف الدين طوغان نائب البيرة ووقفنا على البيتين اللذين نظما في وصف حال قازان وتحقق موته بعد اختلاف الأخبار فيه والجواب عنهما
* مات من الرعب وإن لم تكن
* بموته أسيافنا راضية
*
* وإن يفتها فأخوه إذا
* رأى ظباها كانت القاضية
*
((510 - صفي الدين القرافي))
محمود بن محمد بن حامد بن أبي بكر الشيخ الإمام العلامة المحدث

482
المتقن المفيد صفي الدين القرافي الصوفي أخو الشيخ المعمر شهاب الدين الصوفي
ولد سنة سبع وأربعين وستمائة وتوفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
قرأ مسند الإمام أحمد علي أبي الغنائم بن علان وكتب العالي والنازل وكان فصيح العبارة عذب القراءة دينا صينا
حصل له لما تكهل يبس وسوداء فاستوحش ولازم الوحدة وبقي يحدث نفسه ولكنه جمع ونسخ وتعب وخلط صحاح الجوهري والأزهري والمحكم في ديوان واحد ووقف كتبه بالخانقاة الشميصاتية وبها توفي رحمه الله تعالى
((511 - كشاجم))
محمود بن الحسين أبو الفتح الكاتب المعروف بكشاجم
هو من أهل الرملة من نواحي فلسطين هو لقب نفسه كشاجم فسئل عن ذلك فقال الكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من جواد والميم من منجم
وقال بعضهم كشاجم طخ وزاد الطاء من طباخ والخاء من خراء
وكان من شعراء أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان والد سيف الدولة
وله من التصانيف كتاب أدب النديم كتاب المصايد والمطارد كتاب الطبيخ وكانت وفاته في حدود الخمسين وثلاثمائة
ومن شعره
* بأبي وأمي زائر منتقب
* لم يخف ضوء الشمس تحت قناعه
*
* لم أستتم عناقه لقدومه
* حتى ابتدأت عناقه لوداعه
*
وهو من قول العكوك
* راقب الخلوة حتى أمكنت
* ورعى السامر حتى هجعا
*
* كابد الأهوال في زورته
* ثم ما سلم حتى ودعا
*

483
ومن شعر كشاجم يصف النار
* كأنما الجمر والرماد وقد
* كاد يواري من نورها نورا
*
* ورد جني القطاف أحمر قد
* ذرت عليه الأكف كافورا
*
وقال أيضا
* جاءت بوجه كأنه قمر
* على قوام كأنه غصن
*
* غنت فلم يبق في جارحة
* إلا تمنت بأنها أذن
*
وقال أيضا
* أرى وصالك لا يصفو لآمله
* والهجر يتبعه ركضا على الأثر
*
* كالقوس أقرب سهميها إذا عطفت
* عليه أبعدها من منزع الوتر
*
((512 - ابن قادوس))
محمود بن إسماعيل بن قادوس القاضي أبو الفتح المصري الكاتب صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية
أصله من دمياط قبل أن القاضي الفاضل كان ممن اشتغل عليه وكان يعظمه ويسميه ذا البلاغتين وكان لا يتمكن من اقتباس فوائده غالبا إلا في ركوبه من القصر إلى منزله ومن منزله إلى القصر فيسايره ويجاريه في فنون الإنشاء والأدب
توفي سنة إحدى وخمسين ومن شعره
* وفاتر النية عنينها
* يواصل الرعدة والهزة
*
* مكبرا سبعين في مرة
* كأنما صلى على حمزه
*
يشير إلى أن رسول الله
لما قتل عمه حمزة رضي الله عنه كان يقدمه كلما صلى على قتيل قتل يوم أحد
ومن شعره
* ديباج خديه بسن
* دس عارضيه مفروز
*
* وبخده خال لدا
* ثرة الملاحة مركز
*

484
ومن أيضا
* من عاذري من عاذل
* يلوم في حب رشا
*
* إذا جحدت حبه
* قال كفى بالدمع شا
*
يعني كفى بالدمع شاهدا
وقال أيضا
* مداده في الطرس لما بدا
* قبله الصب ومن يزهد
*
* كأنما قد حل فيه اللمى
* أو أذاب فيه الحجر الأسود
*
((513 - شمس الدين الكوفي))
محمود بن أحمد بن عبد الله بن داود بن محمد بن علي الهاشمي الحنفي شمس الدين الكوفي
كان أديبا فاضلا عالما شاعرا ظريفا كيسا دمث الأخلاق
ولي التدريس بالمدرسة التشيشية وخطب في جامع السلطان ووعظ في باب بدر
توفي في شهور سنة خمس وسبعين وستمائة ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة
فمن شعره
* ملابس الصبر نبليها وتبلينا
* ومدة الهجر نفنيها وتفنينا
*
* شوقا إلى أوجه متنا بفرقتها
* حزنا وكانت تحيينا فتحيينا
*
* أحزاننا بهم لا تنقضي ولنا
* شوق إلى ساكني يبرين يبرينا
*
* يا دهر قد مسنا من بعدهم حرق
* من الفراق إلى التكفين تقينا
*
* وعدتنا بالتلاقي ثم تخلفنا
* فكم نرى منك تلوينا وتلوينا
*
* ديارهم درست من بعدها درست
* نفسي بها من تلاقينا تلاقينا
*
* متعت فيها إلى حين فوا أسفا
* إذ عشت حتى رأيت الحين والحينا
*
* كنا جميعا وكان الدهر يسعدنا
* والكائنات بكأس الأمن تسقسنا
*
* فالآن قرت عيون الحاسدين بنا
* بما جرى واشتفت منا أعادينا
*
* فصار يرحمنا من كان يأملنا
* وعاد يبعدنا من كان يدنينا
*
* وبات يخذلنا من كان ينصرنا
* وصار يرخصنا من كان يغلينا
*

485
* واليوم ألطف كل العالمين بنا
* من عن أحبتنا أضحى يعزينا
*
* ليت العذول يرى من فيه يعذلنا
* لعله إذ يرى عينا يراعينا
*
* إلى متى نحمل البلوى وعاذلنا
* بغير ما هو يغنينا يعنينا
*
* ما ضر عذالنا لو أنهم رفقوا
* فعذلهم ليس يسلينا ويسلينا
*
* حمائم الدوح في الأغصان نائحة
* كما ننوح فنحكيها وتحكينا
*
* تشجو وتندب من شوق لمن فقدت
* ومن فقدنا فنشجيها وتشجينا
*
* قد نسرت يا أحبانا جرائحنا
* وما لنا غير لقياكم يداوينا
*
* أمراضنا من كلام الشامتين بنا
* فهل زمان يشفينا ويشفينا
*
* إنا عطاش إلى أخباركم فمتى
* يأتي رسول يروينا ويروينا
*
* بنا إلى عزكم فقر ومسكنة
* فهل بشير يغنينا فيغنينا
*
وقال رحمه الله تعالى
* ارفق بصب لا يريد سواكا
* قد صار من فرط السقام شواكا
*
* أسكنته ربع الغرام فيا له
* من ساكن لا يستطيع حراكا
*
* بالله من أفتاك في سفك الدما
* حتى تسلط طرفك الفتاكا
*
* كم لي بأكناف الأجيرع وقفه
* على على وادي الأراك أراكا
*
* كم صامت بالوجد ينطق حاله
* هذا وكم شاك فؤادي شاكا
*
* ضرب الغرام على النفوس سرادقا
* والحسن مد على العقول شباكا
*
* كيف الخلاص من الحمى وبربعه ال
* غزلان تنصب للأسود شراكا
*
* وارحمنا لذوي الهوى من جاهل
* متعقل ومغفل يتذاكى
*
* قالوا هلكت بحبه فرحمت من
* من جهله عد النجاة هلاكا
*
* كفوا فما أحلى عذابي في الهوى
* عندي إذا كان المعذب ذاكا
*
* يا صاحبي عرج بعرجاء الحمى
* فهناك رؤية من تراه هناكا
*
* عرب يعز المحتمي بجنابهم
* والعرب ما زالت تعز كذاكا
*
وقال أيضا
* ما للقلوب سوى الحبيب أنيس
* هو للفؤاد منادم وجليس
*
* جبذ القلوب إلى هواه جماله
* فكأنه للخلق مغناطيس
*
* لا يدرك المعقول لطف جمال من
* أهوى فكيف يناله المحسوس
*

486
* كم قد كتبت إليه قصة غصتي
* بمداد دمعي والخدود طروس
*
* لم يبق دمعي وجنتي إلا عسى
* يوما لها قدم الحبيب تدوس
*
* دمعي بذكر مطلق ومسلسل
* وصبابتي وقف عليك حبيس
*
* الناس عشاق وأنت حبيبهم
* والكون ماشطة وأنت عروس
*
* وحماك كم نحرت نحور دونه
* وتطايرت عند الدنو رؤوس
*
* أيقال لي أتلفت نفسك في الهوى
* عجبي وهل للعاشقين نفوس
*
* جردت نفسي إذ علمت بأنه
* لا يستقيم الكيس لي والكيس
*
* وعكست حالي في العيون كأنه
* نقش الفصوص صوابه المعكوس
*
* كم قال قوم والحديث تعله
* وادي العروس وما هناك عروس
*
* قد غرهم آل التوهم مثلما
* غرت بصرح قبلهم بلقيس
*
* يا من دعا أرواحنا فتبادرت
* سبقا وحن إلى النفيس نفيس
*
* سارت إليك بنا أيانقنا فلا الت
* تقبيل يعجبها ولا التعريس
*
* ومتى وصلن إليك يا كل المنى
* ذهب العنا عنا وزال البوس
*
* العيس تشتاق العقيق لساكن
* لولاه ما حنت إليه العيس
*
وقال أيضا
* جلا الدجى إذ جلا فينا محياه
* فكم أمات به صبا وأحياه
*
* ممنع تعشق الأكوان بهجته
* بدر بلى ما لبدر التم معناه
*
* أشتاقه وسواد القلب منزله
* والبدر ما زال برج القلب مأواه
*
* أكنى بليلي ولبني حين أذكره
* صونا له وبحالي يعلم الله
*
* بالحب يعرفنا حقا ونعرفه
* مكمل الظرف يهوانا ونهواه
*
* أدير عيني في الدنيا وزهرتها
* فما يروق لها في الخلق إلا هو
*
* يسوغ لي العذل إذ يشدوا العذول به
* لولاه ما ساغ عندي العذل لولاه
*
* لو شاهد القوم ما شاهدت من قمري
* بالعذل ما نطقوا فيه ولا فاهوا
*
* قالوا تسل عن المحبوب قلت لهم
* حاشا لمثلي أن يسلو وحاشاه
*
* أما رأى حسنه من فيه يعذلني
* يا قوم ما أجهل اللاحي وأغباه
*
* يا عز من أنت يا مولاي سيده
* يا ذل من لست يا مولاي مولاه
*
* أهيم إن رمز الحادي بذكر حبي
* ب القلب أو هو سماه وكناه
*

487
* هيجت وجدي بذكري من كلفت به
* كرر على مسمعي بالله ذكراه
*
* أعد فإن حديث الحب في أذني
* والله أطيب مسموع وأحلاه
*
وقال أيضا رحمه الله
* شهود غرامي في هواك عدول
* سهاد ودمع سائل ونحول
*
* وشوقي إلى لقياك شوق مبرح
* ولي شرح حال في الغرام يطول
*
* لقد فضح الصب الحمول ركائب
* سرين وأقمار السماء حمول
*
* سرت وفؤادي موبق موثق بها
* تميل به الأشواق حيث تميل
*
* وهمت ولكن ما وهمت بحب من
* محاسنه ما إن لهن مثيل
*
* حبيب تجنى ظالما فاحتملته
* وكل محب للحبيب حمول
*
* تجنى بلا ذنب على وملني
* وعن له عما عهدت يحول
*
* ومال على ضعفي ومال إلى العدا
* وأقبل يصغي والعذول يقول
*
* ولم لم ينزه سمعه عن مقالة
* بها كم أتاني كاشح وعذول
*
* ترى هل لنا بعد الفراق تآلف
* وهل لي إلى طيب الوصال وصول
*
* لأشكو إليه ما لقيت وما الذي
* جرى لي ودمعي شاهد ودليل
*
* فوالله ما يشفى المشوق رسالة
* ولا يشتكي شكوى المحب رسول
*
وقال موشحا
* قد صفا الوقت وقد رق النسيم
* قم بنا نربح
*
* قد خلا السمت ومن نهوى نديم
* حقنا نفرح
*
* في طوى قد شمت جنات النعيم
* أبدا تفتح
*
* فاختلس من صرف دهر ورقيب
* ساعة الإمكان
*
* فالتواني بعد أن يدنو الحبيب
* غاية الخسران
*
* في الصبا قد جاء في حال الهبوب
* خبر لي راق
*
* وارد أظهر لي ما في الغيوب
* هيج الأشواق
*
* قد تجلى الآن معشوق القلوب
* معشر العشاق
*
* ها حبيب القلب قد أمسى قريب
* أيها الندمان
*
* من له من قربه أدنى نصيب
* لا يكن ندمان
*
* تسكر الألباب كاسات الصبا
* عند وقت السحر
*

488
حين تهوى نشر رايات الربا
* وأريج الزهر
* وترانا نتثنى طربا
* لبلوغ الوطر
*
* إحسدينا في التثني إذ نطيب
* يا غصون البان
*
* أبدا لا يستوي غصن رطيب
* وفتى نشوان
*
* قد تعرضت بسكان اللوى
* وحمى الأجرع
*
* أين من يعرف قانون الهوى
* قم ولا تجزع
*
* وائتمر لي واتبعني في الجوى
* وانطبع واسمع
*
* هذه النيران عن يمنى الكثيب
* تضرم النيران
*
* ما ينال الفوز منها ويطيب
* أبدا كسلان
*
* يا عذولي ليس ذا وقت العتاب
* فأنا مشغول
*
* أنا أبغى الآن مع كشف الحجاب
* أبلغ المأمول
*
* إن تقل أنت قتيل فالجواب
* رضا المقتول
*
* خلني يا عاذل الصب الكئيب
* كان ما قد كان
*
* فحبيبي نصب عيني لا يغيب
* من ضميري دان
*
وقال أيضا
* تعالوا نعيد الوصل لا كان من وشى
* فحر اشتياقي بعدكم قد حشا الحشا
*
* وبى رشأ ما في البرية لائم
* نهى روحه والمال زال الرشا رشا
*
* علي سخا بالوصل من بعد شحه
* ومن بعد ما كان قد كان نعش أنعشا
*
* وشى باسمك الواشي إلي فسرني
* وسمعي يا مولاي لما وشى وشا
*
* حديثك سحر يملأ القلب نشوة
* وعبدك يا بدر الدجى إن تشا انتشا
*
وقال في خطلوشاه مملوك علاء الدين الجويني
* آه ولا أعذل إن قلت آه
* قد قتلتني مقلتا خطلشاه
*
* فعارضاه واشرحا قصتي
* له وما قد فعلا عارضاه
*
* لم يفتتن من لا رأى حسنه
* ولا سبي يا قوم من لا سباه
*
* خاطرت بالروح لذكري له
* غاية ما في الباب دقوا قفاه
*
بلغت هذه الأبيات علاء الدين الجنوبي فكتب إليه حرمة الشيب والآداب تمنعنا عن غاية ما في الباب وقد رسمنا لمملوكنا خطلوشاه يأتي إليك كل نهار كرتين

489
((514 - ابن الملحي الواعظ))
محمود بن القاسم بن أبي البدر الملحي هو الشيخ العالم الفاضل الكامل شمس الدين بن الملحي الواعظ الواسطي
توفي آخر جمعة في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة رحمه الله تعالى وقد ناهز السبعين
فمن شعره
* رعى الله ربعا كنتم فيه جيرتي
* وعيشا تقضى معكم يا أحبتي
*
* وحيا زمانا كان يجمع بيننا
* ونحن جميعا في سرور ولذة
*
* ولا غيرت أيدي الزمان منازلا
* نزلتم رباها يا أهيل مودتي
*
* ولا أقفرت تلك الديار التي بها
* تقضت ليالي أنسنا وتولت
*
* إذا ما جرى تذكاركم في مسامعي
* جرى دمع عيني فوق صفحة وجنتي
*
* فلله ما أحلى قديم حديثكم
* وأطيبه عندي عشاي وغدوتي
*
* أحبه قلبي أين أنسى بقربكم
* لقد هدني من بعدكم طول وحشتي
*
* تعجلتم بالبعد لما عرفتكم
* فما وقع التعريف إلا لشقوتي
*
* احن إليكم كلما هبت الصبا
* على أثلاث الرقمتين ورقت
*
* ويطلبكم قلبي على البعد والنوى
* وأين سبيلي بعدكم أين حيلتي
*
* نظرت إلى الأحباب يوم وداعهم
* فكانت من الأحباب آخر نظرتي
*
* وناديتهم هذا الرحيل متى اللقا
* ألا خبروني كم على الصبر مدتي
*
* وقلت لهم قلبي لديكم وديعة
* يسافر معكم فاحفظوا لي وديعتي
*
* عسى تسمح الأيام تجمع بيننا
* وترجع أوطاري ولذاتي التي
*
* ويطرب سمعي من لذيذ حديثكم
* وتنظر عيني أنجمي وأهلتي
*
وقال أيضا
* أنوح إذا الحادي بذكركم غنى
* وأبكى إذا ما البرق من نحوكم عنا
*
* وكيف شكا فليس تداويت باسمكم
* ونعم الدوا أنتم على قلبي المضنى
*

490
* بكم ولهى لا بالعذيب ولا النقا
* وأنتم مرادي لا سعاد ولا لبنى
*
* لقد عاش من أنتم من العمر حظه
* ومات الذي في غيركم عمره يفنى
*
* يلذ لي الليل الطويل بذكركم
* فما أطيب الليل الطويل إذا جنا
*
* أحبتنا أين المواثيق بيننا
* زمان خلونا بالحمى وتعاهدنا
*
* ظنناكم للعمر ذخرا وعدة
* فيا قرب ما خيبتم بكم الظنا
*
* سمعتم من الأعداء قولهم بنا
* ومن أجل ما قالوا تغيرتم عنا
*
* تغيرتم عنا بصحبة غيرنا
* وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا
*
* وأقسمتم ألا تحولوا عن الوفا
* فحلتم عن العهد القديم وما حلنا
*
* أأحبابنا
* ما كان أهنأ عيشنا) ولكنه ولى كطيف بدا وهنا
*
* مررنا على أوطانكم بعد بعدكم
* فمذ نحن شاهدنا أماكنكم نحنا
*
* ولما تخيلنا جمالكم بها
* وقفنا على تلك الديار وسلمنا
*
* سلام على العيش الذي بكم مضى
* فما كان أشهاه لدى وما أهنا
*
* ليالي كان الدهر معنا موافقا
* فلما نأيتم ما رأيت به معنى
*
* لئن عاد ذاك العيش يا سادتي بكم
* وعدنا إلى تلك الديار كما كنا
*
* غفرت لأيامي جميع ذنوبها
* وقلت لك الإنعام عندي والحسنى
*
وقال أيضا
* بدا البرق من حزوى فهاج حنينه
* وهبت صبا نجد فزاد انينه
*
* وغنى له الحادي بأيام حاجر
* ففاضت بأمطار الدموع جفونه
*
* وذكره العيش الذي كان وانقضى
* فكاد جوى يطرا عليه جنونه
*
* غريب بعيد الدار فارق أهله
* كئيب وحيد بان عنه قرينه
*
* مريض إذا هب النسيم من الحمى
* يطيب له خفاقه وسكونه
*
* تحمل أثقال الغرام وما له
* معين على حمل الغرام يعينه
*
* وصان الهوى في قلبه كل جهده
* فلما نأى الأحباب بان مصونه
*
* وظن بأن الدهر يجمع شمله
* بمن يتمناهم فخابت ظنونه
*
* أهيل الحمى بنتم فدمعي مطلق
* وقلبي قد ضاقت عليه شجونه
*
* أهيل الحمى لا أوحش الربع منكم
* لقد كنتم للربع زينا يزينه
*
* مررت على الوادي وكان زمانكم
* بلابله تشدو وتجري عيونه
*

491
* فأبصرته من بعدكم وهو قد عفا
* وأقفر منه سهله وحزونه
*
* فناديته أين الذين عهدتهم
* هنا وغدير العيش صاف معينه
*
* فقال لي الوادي نأوا وترحلوا
* وهذا فؤادي للتنائي حزينه
*
* فقلت فهل يسخو الزمان بعودهم
* فقال لعل الدهر يسخو خئونه
*
* إلى أن يعود الماء في النهر جاريا
* تموت به أطياره وغصونه
*
* وكم مات صب بالتوقع والمنى
* ولم تقض من خصم الزمان ديونه
*
وقال أيضا
* هنيئا لمن أمسى وأنت حبيبه
* ولو أن نيران الغرام تذيبه
*
* وطوبى لقلب أنت ساكن سره
* ولو بان عنه إلفه وقريبه
*
* وواها لمطرود عن الباب مبعد
* لقد ضاق في هذا الوجود رحيبه
*
* وحقك ما من ذاق وصلك ميت
* يحق عليه ندبه ونحيبه
*
* أيا غاية الآمال من أنت أنسه
* فكل بلاء عنده يستطيبه
*
* ومن أنت راض عنه في طي غيبه
* فما ضره والله من يستغيبه
*
* وما ضر صبا أن يبيت وما له
* نصيب من الدنيا وأنت نصيبه
*
* عبيدك في باب التطفل واقف
* إذا لم تجبه أنت من ذا يجيبه
*
* غريب عن الأوطان يبكي لذله
* وهل ذاق طعم الذل إلا غريبة
*
* فقير من الأعمال أنت غناؤه
* مريض من الآثام أنت طبيبه
*
* تقضت لياليه وفات زمانه
* ولم يدر حتى لاح منه مشيبه
*
* غدا خاسرا فالعار يكفيه والعنا
* وقد آن من ضوء النهار مغيبه
*
وقال أيضا
* سلام عليكم هل تراكم علمتم
* بما نال قلبي منذ ساعة بنتم
*
* وهل عندكم ما عند قلبي من الأسى
* وهل مثل وجدي للفراق وجدتم
*
* أيا سادتي والله عهدي بلذتي
* وطيب حياتي منذ كنت وكنتم
*
* ليالي كانت كالنهار منيرة
* سهرت بها من طيبها وسهرتم
*
* فلا كان يوم كان آخر عهدكم
* وقد أسرع الحادي سحيرا وسرتم
*
* ولا كان يوم فيه خلفت بعدكم
* ونحن بوقفات الوداع نسلم
*
* ترحلت عنكم كارها غير طائع
* أؤخر أقداما وأخرى أقدم
*

492
* ما لأهل النوم في الليل نصيب
* من لقا المحبوب
*
* لا ولا تلقى بعيدا كالقريب
* يدرك المطلوب
*
* وكذا من لا يرى وجه الحبيب
* إنه مكروب
*
* فدع النوم فصبح الشيب لاح
* مسفر الإشراق
*
* وانقضى ليل الصبا الداجي وراح
* مثل ركب ساق
*
* أين أهل الأرض من أيام عاد
* أين أهل الأرض
*
* وقرون ملئوا هذي البلاد
* طولها والعرض
*
* سيعود الكل في يوم المعاد
* إذ يقوم العرض
*
* كلهم يسعى إذا ما الصور صاح
* شاخص الأحداق
*
* فلكم من أوجه ثم صباح
* حظها الإحراق
*
* سيمور الفلك الأعلى المحيط
* من علا الأفلاك
*
* ويضيق الخرق من هذا البسيط
* وترى الأملاك
*
* عندها كل خليل وخليط
* قلبه ينساك
*
* وترى الأعين تجري بانسفاح
* دمعها الدفاق
*
* زائذات فوق أمواه البطاح
* تبلغ الأعناق
*
* أرتجى ربي ويكفيني الرجا
* فهو الغفار
*
* والنبي المصطفى بدر الدجا
* أحمد المختار
*
* من على سنته سار نجا
* من لهيب النار
*
* مرشد الخلق إلى سبل النجاح
* طاهر الأعراق
*
* ذا الندى بحر العطايا والسماح
* طيب الأخلاق
*
وقال أيضا
* ما غردت الورق مع الإشراق
* فوق الورق
*
* إلا وحملت من جوى الأشواق
* ما لم أطق
*
* ما نسمت الصبا صباحا وسرت
* إلا بمسيرها لروحى أسرت
*
* بالله ولا ذكرت أيامكم
* إلا ومدامعي من الشوق جرت
*
* أصبو فإذا ما التهبت بي ناري
* ظلت حدقي
*
* تبكي أسفا لعل دمعي الجاري
* يطفي حرقي
*

494
* أيامكم قضيت عيشا رغدا
* بنتم فبقيت بعدكم منفردا
*
* ما أوحش دنياي إذا لم لم أركم
* لا أوحشني الزمان منكم أبدا
*
* يا مصطبحي الصفو عن الأكدار
* يا مغتبقي
*
* من بعدكم غرقت في تيار
* بحر الغرق
*
* من يوم عدمتكم عدمت الفرحا
* واعتضت بغصة الجوى والبرحا
*
* والقلب سقاه دهره بعدكم
* كأسا وإلى الآن فما عاد صحا
*
* سكران من الغرام والتذكار
* بادي القلق
*
* ظمآن إلى أهليه والجار
* حلف الأرق
*
* ودعتكم وعبرتي تندفق
* والقلب بنار وجده يحترق
*
* ناديت قفوا بالله كي أنظركم
* هيهات نعود بعدها نتفق
*
* قد كان تبقى لي من أوطاري
* بعض الرمق
*
* فاسترجع منى بيد الأقدار
* ما كان بقي
*
* ما أشوقني إلى قدوم الغياب
* ما أتوقني إلى وجوب الأحباب
*
* إن عاد لي الزمان يوما بهم
* لم يبق على الزمان والله عتاب
*
* أو إن أمنت بقربهم أسراري
* بعد الفرق
*
* حدثتهم بكل ضيم طارئ
* القلب لقي
*
وقال أيضا
* كل من يبكي على ألف جفاه
* أو حبيب مات
*
* وأنا أبكي على طيب الحياة
* وزمان فات
*
* أين عمري وعلى عمري وآه
* خلف الحسرات
*
* زار كالطيف وولى بسلام
* حامل الأوزار
*
* لم يكن إلا كطيف
* في المنام) أو كطير طار
*
* كلما أفكر في عمر الشباب
* ونزول الشيب
*
* وفعال لي أحصاها الكتاب
* كم بها من عيب
*
* كدت أن أحثو على رأسي التراب
* وأشق الجيب
*
* وأنادي من يعزى المستهام
* فاقد الأوطار
*
* وقته فات وما نال المرام
* وكفاه العار
*

495
* كلما قلت عسى قلبي الشقي
* يبلغ الآمال
*
* وأنال الخير فيما قد بقي
* وتجود الحال
*
* حطني الدهر فكم ذا أرتقي
* والمدى قد طال
*
* وكأن قد جاءني داعى الحمام
* بلغ الإنذار
*
* فانثنت بعدي أغاريد الحمام
* تندب الآثار
*
* بان من كانوا لقلبي مؤنسين
* من جميع الناس
*
* رحلوا فاليوم لي قلب حزين
* دائم الوسواس
*
* فتراني خاضعا للشامتين
* مطرقا بالرأس
*
* غائصا في بحر فكر وغرام
* موجه زخار
*
* لا أبالي من رحل أو من أقام
* من جوى الأفكار
*
* أين من كانوا لضيمي مشتكى
* ولأسراري
*
* أين من كانوا لظهري متكا
* أين أنصاري
*
* بينما هم مثل بستان زكا
* نهره جاري
*
* هب فيهم عاصف الموت الزؤام
* بهوا الإعصار
*
* فإذا النبت به عصف حطام
* نهره قد غار
*
* جز بأطلال خلت بعد السكن
* واندب الأطلال
*
* أين سكانك يا هذي الدمن
* والعلا والمال
*
* إنها إن لم يكن فيها سكن
* ليقول الحال
*
* ههنا كنا جميعا بانتظام
* في الذي نختار
*
* أصبحت دارهم بعد الزحام
* ما بها ديار
*
* أيها الخاطي بليل الخاطئين
* لاح ضوء الفجر
*
* انتبه قبل لحاق الأولين
* ومضيق الحجر
*
* واصطبر فالله يجزى الصابرين
* بعظيم الأجر
*
* فبيوم وبشهر وبعام تنقضي الأعمار
*
* وجزاء الخلق في يوم القيام
* جنة أو نار
*
* ليس لي غير إلهي ذي الكرم
* غافر الزلات
*
* والنبي المصطفى بذر الظلم
* صاحب الآيات
*

496
* أحمد الهادي الرسول المحتشم
* سيد السادات
*
* بدر حق يخجل البدر التمام
* مشرق الأنوار
*
* الذي كان تغشاه الغمام
* وهو في الأسفار
*
* سلم الله عليه وعلى
* آله الأعيان
*
* وعلى صديقه تاج العلا
* سابق الإيمان
*
* وعلى الفاروق مأمون الملا
* والرضا عثمان
*
* وعلى فارس الجيش الهمام
* الفتى الكرار
*
* وعلى أولاده الزهر الكرام
* خيرة الأخيار
*
وقال كان وكان
* دع عنك شرب الهليلج
* يا من فؤاده به حمى
*
* واترك ذنوبك أي من
* ما يحمل التعذيب
*
* أهوال يوم القيامة
* حدث عن البحر ولا حرج
*
* أقل ما في النوبة
* الطفل فيه يشيب
*
* القبر قال نبيك
* أول منازل الآخرة
*
* من أول الدن دردى
* والله الأخير عجيب
*
* من بالأمل يتمسك
* مثل الذي يقبض الهوا
*
* ومن من الثلج بيتو
* لا يأمن التخريب
*
* من الغراب دليله
* أي المنازل يسكنو
*
* ومن لإبليس يتبع
* يبصر لأيش يصيب
*
* من تاب عن ذنب واحد
* وذنب آخر عاد فعل
*
* كمن هرب من رشقة
* قعد حذا مزريب
*
* على الطبيب النسخة
* وما عليه المزورة
*
* من أهلكه تخليطه
* ما بلتزم بو طبيب
*
* إن كنت فحل ثابت
* نما تميل مع الهوى
*
* الفحل للقلع آمن
* وما يخاف الهيب
*
* خليت أرض الجنة
* ما فيها نخلة واحده
*
* واخترت أرض الدنيا
* جريت خلف جريب
*

497
* فدرب دينار تعبر
* نسيت درب المقبرة
*
* لو جرت في درب صالح
* عرفت درب حبيب
*
* عاملت دنياك مدة
* فعامل الله مثلها
*
* إن ريت أنك تخسر
* فارجع وقل تجريب
*
* إذا خلوت بنفسك
* فعلت ما لا ينبغي
*
* أي من خلا أين تخلو
* والحق منك قريب
*
* ترمى ليوسف قلبك
* في منقلب جب الهوى
*
* أفنيت بندق عمرك
* في رمى عصفور الهوى
*
* وللجليل ما عرفته
* لإيش بقيت تصيب
*
* تدب فوقك نمله
* تمد إيدك ترضها
*
* يا من يرض النملة
* كم في التراب دبيب
*
* تم العمل يا شبيطر
* لا تتبع نسر الأمل
*
* وأي عقاب المظالم
* القوس في التعقيب
*
* تسف في قربانك
* سحت الحرام ولا تسل
*
* هم يوم تصرع وتخرج
* من الجميع سليب
*
* حلوان قولك وسمتك
* لكن مراغه داخله
*
* ما بك إلى الحق موصل
* فكيف تصل للطبيب
*
* قل للفقيه المهذب
* قلبك يكن فيه تبصره
*
* فإن تنبيه قلبك
* تتمة التهذيب
*
* لا بد ذي حركاتك
* بعد التصرف تنحرم
*
* وواو جمعك وحيتك
* تخرج بلا ترتيب
*
* إذخر لنفسك ذخيرة
* عسى تراها في غدا
*
* نمى تعذب وغيرك
* بما جمعت يطيب
*
* لا بد بك أن تفلس
* ولا يغرك ذا الغنى
*
* ولو ورثت الدنيا
* بالفرض والتقصيب
*
* أي من بشوطو واقف
* في منصف العمر انتبه
*

498
* واسرع فشمس حياتك
* بقي القليل وتغيب
*
* شرفك بالنفس ما هو
* بالنقش والنقش والنسب
*
* قد قال سلمان منا
* ولم يكن بنسيب
*
* من خاط ثوب المعالي
* بلا جميل يحمله
*
* أصبح ستره شهره
* وبان وفيه وريب
*
* واسط مقام الفصاحة
* بغداد دار الأذكيا
*
* وأنا فقير حصل لي
* من كل أرض نصيب
*
* فصار معجون قلبي
* يشفى القلوب من المرض
*
* ولا يشوبه مراره
* لأن فيه تركيب
*
وأنشده شخص هذين البيتين
* أيامنا بالحمى حييت أيامنا
* وزادك الله إجلالا وإكراما
*
* بالأمس قد كنت أحلى ما بأنفسنا
* فما أصابك حتى صرت أحلاما
*
وسأله أن يزيد عليها فقال
* يا سادة جرحوا قلبي ببينهم
* وحملوه على الآلام آلاما
*
* لله ليلات أنس كن لي بكم
* عصيت فيهن عذولا ولوما
*
* كانت لنا من عطيات الزمان فما
* دامت علينا ولا المعطى لها داما
*
وقال دوبيت
* لما رأت العين بياض الشعرات
* فاضت أسفا وقرحتها العبرات
*
* ثم التفتت إلى الصبا وهي تقول
* قف صل على العمر صلاة الأموات
*
وقال أيضا
* ما يلمع بارق بذات العلمين
* إلا وبعين كل عين لي عين
*
* تالله ولا أنظر يوما حسنا
* إلا ويقول خاطري أين وأين
*
وقال أيضا
* في أي بطالة وفي أي زمان
* أستبدل في الهوى فلانا بفلان
*
* أرجو بدلا هيهات ولي عمرى
* قد كان من الصبا ومنى ما كان
*

499
((515 - تاج الدين الصرخدي))
محمود بن عابد بن حسين بن محمد الشيخ تاج الدين أبو الثنا التميمي الصرخدي النحوي الشاعر المشهور الحنفي
ولد بصرخد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وتوفي بدمشق سنة أربع وسبعين وستمائة وكان فقيها صالحا نحويا بارعا شاعرا محسنا ماهرا متعففا خيرا متواضعا دمث الأخلاق كبير القدر وافر المحبة
وكان سكنه بالمدرسة النورية
ومن شعره قوله
* عجبا لقدك ما ترنح مائلا
* إلا وقد سلب الغصون شمائلا
*
* ولسقم جفنك كيف صح بكسرة
* فيه وأصبح باللواحظ نابلا
*
* ولناظر حاز الولاية فاغتدى
* من غير عزل للمعاطف عاملا
*
* وإذا علمت بأن ثغرك منهل
* في روضة فعلام تحرم نائلا
*
* في بحر خدك راح صدغك زورقا
* فلحبسه مد العذار سلاسلا
*
* وأظن موج الحسن يقذف عنبرا
* أضحى له نبت السوالف ساحلا
*
* ومن العجائب أن سائل أدمعي
* قد جاء يستجدي عذارك سائلا
*
وقال أيضا
* ما للفؤاد إذا ذكرتك يخفق
* والدمع من عيني يسح ويدفق
*
* وإذا رأيتك فاللسان مهابة
* خرس ودمعي بالصبابة ينطق
*
* ما ذاك إلا أن قلبي موثق
* بالأسر منك وأن دمعي مطلق
*
* لا غرو أن خفق الفؤاد فإنه
* في العطف من غصن القوام معلق
*
* وبمهجتي بدر له من قده
* رمح عليه من الذؤابة سنجق
*
* أضحى بقلبي ساكنا ووشاحه
* أبدا كمسكنه بجول ويقلق
*
* يا قاطعا نومي ولم يسرق له
* حسنا وليس النوم ممن يسرق
*
* عيني التي سرقت نصاب الحسن من
* وجه عليه من الملاحة رونق
*

500
* قالوا انتظر منه زيارة طيفه
* فلسوف يأتيك الخيال ويطرق
*
* فأجبتهم والقلب من أشجانه
* مثر ومن حسن التصبر مملق
*
* ما لي وللطيف الطروق وإنما
* كلفى به وله أحب وأعشق
*
وقال أيضا
* تأنوا ففي طي النسيم رسائل
* وميلوا فإن البان بالسفح مائل
*
* وما مال إلا للسؤال وعنده
* حديث هوى فاستخبروه وسائلوا
*
* روى خبرا عن بان نعمان مرسلا
* وأسند عندما حكته الشمائل
*
* فعلل معتلا وحرك ساكنا
* من الوجد أضحى وهو في الحال عامل
*
* خذوا عن يمين البان قد بلغ الهوى
* أواخر لم تبلغ لهن أوائل
*
* وقصوا غرامي للنسيم فإنه
* غريمي إذا ما هيجتني البلابل
*
* وميلوا إلى رمل الحمى عل سربه
* تلاحظكم غزلانه وتغازل
*
* سقى دمنة الوادي بمنعرج اللوى
* من المزن محلول النطاقين هاطل
*
* ففيها ضفت عند المقبل ظلالها
* ومنها صفت عند الوردة المناهل
*
* وإن سؤالي للنسيم علالة
* كما أن دمعي للمنازل سائل
*
((516 - المختار الثقفي))
المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي
قال ابن عبد البر لم يكن بالمختار كان أبوه من جلة الصحابة
ولد المختار عام الهجرة وليست له صحبة ولا رواية وأخباره غير مرضية حكاها عنه ثقات مثل سويد بن غفلة والشعبي وغيرهما
كان معدودا في أهل الفضل والخير يتراءى بذلك ويكتم الفسق إلى أن فارق ابن الزبير وطلب الإمارة وكان المختار يتستر بطلب دم الحسين رضي الله عنه
يقال إنه كان خارجيا ثم صار زبيريا ثم صار رافضيا
وكان يضمر بغض

501
على ويظهر منه أحيانا لضعف عقله
وقال رسول الله
يكون في ثقيف كذاب ومبير وكان الكذاب المختار كذب على الله تعالى وادعى أن الوحي يأتيه من الله تعالى والمبير الحجاج بن يوسف
وقتل المختار في رمضان سنة سبع وستين قتله مصعب بن الزبير
والفرقة المختارية من الرافضة التي تنتسب كان يقول بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي رضي الله عنه وتبرأ منه محمد بن الحنفية لما بلغه من محارمه لأنه اتخذ كرسيا غشاه بالديباج وزينه بأنواع الزينة وقال هذا من ذخائر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو عندنا بمنزلة التابوت الذي كان في بني إسرائيل فيه السكينة واتخذ حمام أبيض طيرها في الهواء
وقال لأصحابه إن الملائكة تنزل عليكم في صورة حمامات بيض
وألف أسجاعا وادعى النبوة
((517 أبو الفوارس بن منقذ))
مرهف بن أسامة بن منقذ الإمام العالم مقدم الأمراء أبو الفوارس ابن الأمير الكبير الأديب مؤيد الدولة أسامة الكناني الشيزري أحد أمراء مصر
ولد بشيزر وسمع من أبيه وغيره وكان مسنا معمرا شاعرا كوالده وجمع من الكتب شيئا كثيرا وتوفي سنة ثلاث عشرة وستمائة ومن شعره
* رحلتم وقلبي بالولاء مشرق
* لديكم وجسمي للعناء مغرب
*
* وما أدعى شوقا فسحب مدامعي
* تترجم عن شوقي إليكم وتعرب
*
* ووالله ما اخترت التأخر عنكم
* ولكن قضاء الله ما منه مهرب
*
وقال أيضا
* سمحت بروحي في رضاك ولم تكن
* لتعجزني لولا رضاك المذاهب
*

502
* وهانت لجراك العظائم كلها
* على وقد جلت لدى النوائب
*
* فمهلا فلى في الأرض عن منزل القلى
* مسار إذا أحرجتني ومسارب
*
* وإن كنت ترجو طاعتي بإهانتي
* وقسري فإن الرأي عنك لعازب
*
وكان قد أقعد لا يقدر على الحركة إلا أنه صحيح العقل والذهن والبصر غير أن سمعه ثقل وكان السلطان صلاح الدين قد أقطعه ضياعا بمصر وأجراه أخوه العادل على ذلك وكان الكامل بن العادل يحترمه ويعرف بحقه رحمه الله تعالى
((518 - مروان بن الحكم))
مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أبو عبد الله
ولد على عهد رسول الله
توجه إلى الطائف مع أبيه حين نفاه رسول الله
وقدم معه في خلافة عثمان رضي الله عنه واستكتبه واستولى عليه إلى أن قتل عثمان
ونظر إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوما فقال له ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك
وكان مروان يقال له خيط باطل وفيه يقول عبد الرحمن ابن أخيه لما بويع
* فوالله ما أدري وإني لسائل
* حليلة مضروب القفا كيف تصنع
*
* لحى الله قوما حكموا خيط باطل
* على الناس يعطى من يشاء ويمنع
*
ولاه معاوية مكة والمدينة والطائف ثم عزله وولى سعيد بن العاص ثم ولاه ثم عزله بالوليد بن عقبة فلما مات معاوية وتولى يزيد ثم مات يزيد وتولى ابنه معاوية ومات معاوية وثب عليها مروان وقال
* إني أرى فتنة تغلى مراجلها
* والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
*

503
ثم التقى هو والضحاك ين قبس بمرج راهط وقتل الضحاك
وكان مروان قد تزوج أم خالد ين يزيد ليضع منه فوقع بينه وبين خالد كلام فأغلط له مروان في القول وقال له اسكت يا بن الرطبة
فدخل خالد على أمه وقال لها هكذا أردت يقول لي مروان على رؤوس الناس فقالت اسكت فوالله لا ترى بعدها منه شيئا تكره وسأقرب عليك ما بعد فلما نام مروان تلك الليلة قامت إليه مع جواريها وغمته حتى مات
وكنت خلافته تسعة أشهر وكانت وفاته في رمضان سنة خمس وستين للهجرة ومات وله أربع وستون سنة وصلى عليه ابنه عبد الملك وكان مولده ليلة بدر لسنتين من الهجرة رحمه الله
((519 - مروان الحمار))
مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية الملقب الحمار والجعدي نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم
كان لا يجف له لبد في محاربة الخوارج ولد بالجزيرة سنة اثنتين وسبعين وقتل سنة اثنتين وثلاثين ومائة وكان مشهورا بالفروسية والإقدام والدهاء
بويع له في نصف صفر سنة سبع وعشرين مائة
أدخل عليه يزيد بن خالد القسري وكان قد حاربه قبل أن يلي الخلافة فلف منديلا على إصبعه ثم أدخلها في عين يزيد فقلعها واستخرج الحدقة ثم أدار يديه فاستخرج الحدقة الأخرى وما سمع من يزيد كلمة
وسار مروان لحرب بني العباس في مائة وخمسين ألفا حتى نزل قريبا من الموصل فالتقى وعبد الله بن علي عم المنصور في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة فانكسر مروان وتقرب عبد الله من الشام وملك دمشق وهرب مروان ودخل مصر وعبر المصعد فوجه عبد الله أخاه صالحا في طلبه وعلى طلائعه عمرو بن إسماعيل فساق عمرو في أثره فلحقه بقرية بوصير فقتله وله من العمر اثنتان وستون سنة

504
وكان أشقر أزرق فقدم عليه شخص أول ولايته فرآه على هذه الصورة فلوى وجهه وقال ما خلق الله هذه الصورة لأن يضع فيها خيرا أبدا فبلغه كلامه فأحضره وقال أنت القائل كذا والله لأكذبنك ثم أمر له بجملة وافرة وصرفه فانصرف الرجل وهو يقول صورة شر ما نفع الله عندها إلا بالشر
ولما وصل إلى بوصير قطع لسان قائد من قواده اتهمه بمكاتبة بني العباس فاختطفته هرة فأكلته وفي عشية ذلك اليوم وصل عسكر عبد الله بن علي ودخلوا الدار التي فيها مروان فسلوا لسانه من قفاه ورموا به على الأرض فجاءت تلك الهرة بعينها فأكلت لسانه
ومن شهر مروان قوله من قصيدة
* أبلغ نزارا وعرب الشام قاطبة
* وبالجزيرة واخصص قيس عيلانا
*
* من ذا الذي يرتجي بعدي مودتكم
* وأن تكونوا له في الناس أعوانا
*
وكان يلقب بالحمار لثباته في الحرب
((520 أبو الشمقمق))
مروان بن محمد
وهو أبو الشمقمق الشاعر له في الجد والهزل وأشياء
توفي في حدود الثمانين ومائة وكان يهجو الشعراء الكبار مثل بشار بن برد وغيره من أهل عصره وكانوا يصانعونه بالمال وله عليهم رسم في كل سنة
ومن شعره
* شرابك في السحاب إذا عطشنا
* وخبزك عند منقطع التراب
*
* وما روحتنا لتذب عنا
* ولكن خفت مرزئة الذباب
*
وقال
* إذا حججت بمال أصله دنس
* فما حججت ولكن حجت العير
*
* لا يقبل الله إلا كل طيبة
* ما كل حج ببيت الله مبرور
*
وشخص أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلد الموصل فلما مر ببعض الدروب اندق اللواء فاغتم خالد لذلك وتطير منه فقال أبو الشمقمق

505
* ما كان مندق اللواء لطيرة
* تخشى ولا شريكون معجلا
*
* لكن هذا العود أضعف متنه
* صغر الولاية فاستقل الموصلا
*
فسرى عن خالد وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون فزاده ديار ربيعة فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم
((521 - والد أسامة))
مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ والد أسامة قال السمعاني رأيت مصفحا رأيت مصحفا بخطه بماء الذهب ما أظن الرائين رأوا مثله
وتقدم بحسن تدبيره على رهطه وأسن وعمر وله الأولاد الأمجاد النجباء
ولد سنة خمسين وأربعمائة وتوفي بشيراز سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وكتب بخطه سبعين ختمة
ومن شعره
* ظلوم أبت في الظلم إلا تماديا
* وفي الصد والهجران إلا تناهيا
*
* شكت هجرنا والذنب في ذاك ذنبها
* فيا عجبا من ظالم جاء شاكيا
*
* وطاوعت الواشين في وطالما
* عصيت عذولا في هواها وواشيا
*
* ومال بها تيه الجمال إلى القلى
* وهيهات أن أمسى لها الدهر قاليا
*
* ولا ناسيا ما استودعت من عهودها
* وغن هي أبدت جفوة وتناسيا
*
ومنها
* وقلت أخي يرعى بني وأسرتي
* ويحفظ فيهم عهدتي وذماميا
*
* ويجزيهم ما لم أكلفه فعله
* لنفسي فقد أعددته من تراثيا
*
* فأصبحت صفر الكف مما رجوته
* أرى اليأس قد غطى سبيل رجائيا
*
* فما لك لما أن حنى الدهر صعدتي
* وثلم منى صارما كان ماضيا
*
* تنكرن حتى صار برك قسوة
* وقربك منهم جفوة وتنائيا
*
* على أنني ما حلت عما عهدته
* ولا غيرت هذى السنون وداديا
*
* فلا زعزعتك الحادثات فإنني
* أراك يميني والأنام شماليا
*

506
((522 - مزبد المدني))
مزبد بالزاي والباء المشددة المكسورة ودال مهملة أبو إسحاق المدني
كان كثير المجون حلو النادرة له أخبار كثيرة في البخل فإنه كان مبخلا إلى الغاية
قيل أنه صب عليه الماء يوما فسألته امرأته عن ذلك فقال جلدت عميرة ثم إنه رآها بعد أيام تصب عليها الماء فسألها عن ذلك فقالت جاءت عميرة فجلدتني
وأحضره بعض ولاة المدينة وقد اتهمه بشرب الخمر فاستنكهه فلم يجد له رائحة فقال قيئوه فقال ومن يضمن عشائي أصلحك الله
وقيل له هل لك في الخروج إلى قبا والعقيق وأخذ ناحية قبور الشهداء فإن يومنا كما ترى طيبا فقال اليوم الأربعاء ولست أبرح من منزلي قالوا وما تكره من يوم الأربعاء وفيه ولد يونس بن متى فقال بأبي أنتم وأمي فقد التقمه الحوت قالوا فهو اليوم الذي نصر الله فيه النبي
على الأحزاب قال أجل ولكن بعد * (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) * الأجزاب 10
وهبت يوما ريح شديدة فصاح الناس القيامة القيامة فقال مزبد هذه القيامة على الريق بلا دابة الأرض ولا الدجال ولا يأجوج ومأجوج
ومرض مرة فقال له الطبيب احتم قال يا هذا أنا ما أقدر على شيء إلا على الأماني أفأحتمي منها
ورآه إنسان وهو بالرها وعليه جبة خز فقال هب لي هذه الجبة فقال ما أملك غيرها فقال الرجل فإن الله تعالى يقول * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * الحشر 9 فقال الله أرحم بعباده من أن ينزل هذه الآية بالرها في كانون وإنما أنزلت بالحجاز في حزيران وتموز وآب
ونظر يوما إلى امرأته وهي تصعد في سلم فقال لها أنت طالق إن صعدت وأنت طالق إن نزلت وأنت طالق إن وقفت فرمت بنفسها إلى الأرض فقال لها فداك أبي وأمي إن مات مالك احتاج الناس إليك لأحكامهم
واشترى يوما جارية فسئل عنها فقال فيها خلتان من خلال الجنة البرد والعسة

507
وقيل له ما بال حمارك يتبلد إذا رجع إلى منزله قال لأنه يعلم سوء المنقلب
وقيل له أيولد لابن ثمانين ولد قال نعم إذا كان له جار ابن ثلاثين سنة
وسمع رجلا يقول عن ابن عباس أنه قال من نوى حجة فعاقه عنها عائق كتب له فقال مزبد ما خرج كرى أرخص من ذا العام
وطلب منه بعض جيرانه ملعقة فقال ليت ما نأكله بالأصابع
وهبت بالمدينة ريح صفراء أنكرها الناس وفزعوا فجعل مزبد يدق أبواب جيرانه ويقول لا تعجلوا بالتوبة فإنما هي وحياتكم زوبعة والساعة تنكشف
وكان مرة نائما في المسجد فدخل إنسان فصلى وقال يا رب أنا أصلي وهذا نائم فقال يا بارد سل حاجتك ولا تحرشه علينا
وصلى يوما فلما فرغ دعا فقالت امرأته اللهم أشركني في دعائه فسمعها فقال اللهم اصلبني
وغضب يوما عليه بعض الولاة فأمر الحجام بحلق لحيته فقال له الحجام انفخ شدقيك حتى أتمكن من الحلاقة فقال الوالي أمرك بحلق لحيتي أو تعلمني الزمر
وقيل له كيف حبك لأبي بكر وعمر فقال ما ترك الطعام في قلبي حبا لأحد
ودخل يوما على بعض العلويين فجعل يعبث به ويؤذيه فتنفس الصعداء وقال صلوات الله على عيسى بن مريم فإن أمته معه في راحة لم يخلف عليهم من يؤذيهم
وباع جارية على أنها تحسن الطبخ فلم تحسن شيئا فطلب إلى القاضي وطولب بأن يحلف على أنها تحسن الطبيخ فاندفع وحلف أيمانا مغلطة أنه دفع إليها مرة جرادة فعملت
منها خمسة ألوان من الطعام وفضل منها شريحة للقديد سوى الجنب فإنها عملته جوذابة فضحك من حضر ويئس الخصم من الوصول إلى شيء منه فخلى سبيله
وجمع مرة في بيته بين متعاشقين فتعاتبا ساعة ثم إن العشيق مد يده إليها فقالت دع هذا ليس هذا موضعه فسمعها مزبد فقال يا زانية فأين موضعه

508
بين الركن والمقام والله ما بنيت هذه الدار إلا للقحاب والقوادين ولا اشترى خشبها إلا من درهم القمار فأي موضع أحق بالزنا منها
ونوادره كثيرة عفا الله عنا وعنه وسامحنا بمنه كرمه
((523 - ابن قسيم الحموي))
مسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم أبو المجد التنوخي الحموي من شعراء نور الدين الشهيد رحمه الله تعالى
توفي سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
يقال إنه كان له خادم وعبد فدخل بعض الأيام داره فوجد العبد فوق الخادم فضربه وخرج فرأى بعض أصحابه فسأله عن غيظه فقال هذا العبد النحس ناك الخويدم الصغير فقال مولانا المخدوم الكبير
ومن شعر ابن قسيم
* كأن خمرته إذا قام يمزجها
* من خده عصرت أو من ثناياه
*
* النرجس الغض عيناه وطرته
* بنفسج وجنئ الورد خداه
*
وقال يصف المطر على النهر
* ولنا إذا انبجست أهاضت الحيا
* يوم تغاث به البلاد وتمطر
*
* وتظل مفعمة أكف بروقه
* تطوى بها حلل الغمام وتنشر
*
* والغيث منسكب كأن حبابه
* درر تبث على المياه وتنثر
*
* فحسبت أن الروض منه منوروالأرض غرقى والغدير مجدر
*
وقال يصف زهر الباقلا
* لله في زمن الربيع وصائف
* حيث بزهرة باقلاء مبهجه
*
* ولوت بمفرقها عصابة لؤلؤ
* وكأن شمسا بالنجوم متوجه
*
* وكأن أنملها حبتك بدرة
* بيضاء مطبقة على فيروزجه
*
((524 - صريع الغواني))
مسلم بن الوليد أبو الوليد مولى الأنصار المعروف بصريع الغواني أحد فحول الشعراء قيل إنه كان في أول أمره خاملا أجير فران فانقاد له الشعر

509
وجوده وكسب به الأموال العظيمة ثم اتصل بابني سهل الحسن والفضل فولوه جرجان فمات هو واليها
مدح الرشيد وآل برمك وسار شعره
لقبه الرشيد بصريع الغواني لقوله
* وتغدو صريع الكاس والأعين النجل
*
توفي في حدود المائتين
وقصيدته التي قالها في يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني مشهورة جيدة وهي
* أجزرت حبل خليع في الصبا غزل
* وشمرت همم العذال في عذلي
*
* هاج البكاء على العين الطموح هوى
* مفرق بين توديع ومرتحل
*
* كيف السلو لقلب بات مختبلا
* يهذي بصاحب قلب غير مختبل
*
* لولا مراعاة دمع العين لانكشفت
* منى سرائر لم تظهر ولم تخل
*
* أما كفى البين أن أرمي بأسهمه
* حتى رماني بلحظ الأعين النجل
*
* مما جنت لي وإن كانت مني صدق
* صبابة خلس التسليم بالمقل
*
* ماذا على الدهر لو لأنت عريكته
* أو رد في الرأس مني سكرة الغزل
*
* جرم الحوادث عندي أنها اختلست
* مني غذاء بنات الكرم والكلل
*
* ورب يوم من اللذات مختصر
* قصرته بلقاء الراح والحلل
*
* وليلة خلست للعين من سنة
* هتكت فيها الصبا عن بيضة الحجل
*
* عن غادة مثل قرن الشمس ناعمة
* فعم مخلخلها مرتجة الكفل
*
* قد كان دهري وما بي اليوم من كبر
* شرب المدام وعزف القينة الفضل
*
* إذا شكوت إليها الحب خفرها
* شكواي واحمر خداها من الخجل
*
* فكم قطعت وعين الدهر راقدة
* أيامه بالصبا في اللهو والغزل
*
* وطيب الفرع أصفاني مودته
* كافأته بمديح في منتحل
*
* وبلدة لمطايا الركب منضبة
* أنضيتها بوجيف الأينق الذلل
*
* فيم المقام وهذا البحر معترضا
* دنا النجاء وحان السير فارتحل
*
* يا ماثل الرأس إن الليث مفترس
* ميل الجماجم والأعناق فاعتدل
*

510
* حذار من أسد ضرغامة شرس
* لا يولغ السيف إلا هامة البطل
*
* لولا يزيد لأضحى الملك مطرقا
* أو مائل الرأس أو مسترخي الطول
*
* حاط الخلافة سيف من بني مطر
* أقام قائمة من كان ذا ميل
*
* كم صائل في ذرا تمهيد مملكة
* لولا يزيد بنى شيبان لم يصل
*
* ناب الإمام الذي يفتر عنه إذا
* ما افترت الحرب عن أنيابها العصل
*
* كفاكم يا بني العباس أن لكم
* سيفا بكم غير ما نكس ولا وكل
*
* سد الثغور يزيد بعد ما انفرجت
* بقائم السيف لا بالختل والحيل
*
* من كان يختل قرنا عند موقفه
* فإن جار يزيد غير مختتل
*
* كم قد أذاق حمام الموت من بطل
* حامى الحفيظة لا يؤتى من الوهل
*
* أغر أبيض يغشى البيض أبيض لا
* يرضى لمولاه يوم الروع بالفشل
*
* يغشى الوغى وشهاب الموت في يده
* يرمي الفوارس والأبطال بالشعل
*
* يفتر عند افترار الحرب مبتسما
* إذا تغير وجه الفارس البطل
*
* موف على مهج في يوم ذي رهج
* كأنه أجل يسعى إلى أمل
*
* ينال بالرفق ما يعيا الرجال به
* كالموت مستعجلا يأتي على مهل
*
* يغشى المنايا المنايا ثم يفرجها
* حين النفوس مطلات على الهبل
*
* إن شيم بارقه حالت خلائقه
* بين العطية والإمساك والعلل
*
* لا يرحل الناس إلا نحو حجرته
* كالبيت يضحى إليه ملتقى السبل
*
* يقرى المنية أرواح الكماة كما
* يقرى الوحوش شحوم الكوم والبزل
*
* يكسو السيوف نفوس الناكثين به
* ويجعل الهام تيجان القنا الذبل
*
* يغدو فتغدو المنايا في أسنته
* شوراعا تتحدى الناس بالأجل
*
* إذا طغت فئة عن غب طاعتها
* عبا لها الموت بين البيض والأسل
*
* قد عود الطير عادات وثقن بها
* فهن يتبعنه في كل مرتحل
*
* تراه في الأمن في درع مضاعفة
* لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل
*
* جافى الجفون صحيح الطرف همته
* فك العناة وأسر الفاتك الخطل
*
* لا يعبق الطيب عينيه ومفرقه
* ولا يمسح عينيه من الكحل
*
* إذا انتضى سيفه كانت مسالكه
* مسالك الموت في الأبدان والقلل
*
* وإن خلت بحديث النفس فكرته
* حتى الرجاء ومات الخوف من وجل
*

511
* كالليث إن هجته فالموت راحته
* لا يستريح إلى الأيام والدول
*
* إن الحوادث لما رمن هضبته
* أزمعن عن جار شيبان بمنتقل
*
* والدهر يغبط أولاه أواخره
* إذ لم يكن كان في أعصاره الأول
*
* لا تكذبن فإن المجد معدنه
* وراثة في بني شيبان لم يزل
*
* إذا الشريكي لم يفخر على أحد
* تكلم الفخر عنه غير منتحل
*
* الزائديون قوم في رماحهم
* خوف المخيف وأمن الخائف الوجل
*
* سلوا السيوف فأغشوا من يحاربهم
* خبطا بها غير تعذير ولا وكل
*
* كبيرهم لا تقوم الراسيات له
* حلما وطفلهم في هدى مكتهل
*
* إسلم يزيد فما في الدين من أود
* إذا سلمت وما في الملك من خلل
*
* أثبت سوق بني الإسلام في صعد
* يوم الخليج وقد قامت على زلل
*
* لولا دفاعك بأس الروم إذ مكرت
* عن بيضة الدين لم تأمن من الثكل
*
* ويوسف البرم قد صبحت عسكره
* بعسكر يلفظ الأقدار ذي زجل
*
* غافصته يوم عبر النهر مهلته
* وكان محتجزا في الحرب بالمهل
*
* والمارق ابن طريف قد دلفت له
* بعارض للمنايا مسبل هطل
*
* لما رآك مجدا في منيته
* وأن دفعك لا يسطاع بالحيل
*
* سام النزال فأبرزت اللقاء له
* مقدم الخطو فيها غير منتكبل
*
* ماتوا وأنت غليل في صدورهم
* وكان سيفك يستشفى من الغلل
*
* لو أن غير شريكي أطاف بها
* فاز الوليد بقدح الناضل الخصل
*
* وقمت بالدين يوم الرس فاعتدلت
* منه دعائم قد أوفت على خزل
*
* ما كان جمعهم لما لقيتهم
* إلا كمثل نعام ربع منجفل
*
* تابوا ولو لم يتوبوا من ذنوبهم
* لآب جيشك بالأسرى وبالنفل
*
* كم آمن لك نائي الدار ممتنع
* أخرجته من حصون الملك والخول
*
* ومارقين غواة من بيوتهم
* لا ينكلون ولا يؤتون من نكل
*
* خلفت أجسادهم والطير عاكفة
* فيها وأقفلتم هاما مع القفل
*
* يأبى لك الذم في يوميك إن ذكرا
* عضب حسام وعرض غير مبتذل
*
* فافخر فما لك في شيبان من مثل
* كذاك ما لبني شيبان من مثل
*
* كم مشهد لك لا تحصى مآثره
* قسمت فيه كرزق الجن والخبل
*

512
* لله من هاشم في أرضه جبل
* وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
*
* قد اعظموك فما تدعى لهينة
* إلا لمعضلة تستن بالعضل
*
* يا رب مكرمة أصبحت واحدها
* أعيت صناديد راموها فلم تنل
*
* تشاغل الناس بالدنيا وزخرفها
* وأنت من بذلك المعروف في شغل
*
* أقسمت ما ذدت عن جدواك طالبها
* ولا دفعت اعتزام الجد بالعزل
*
* يأبى لسانك منع الجود سائله
* فما يلجلج بين الجود والبخل
*
* صدقت ظني وصدقت الظنون به
* وحط جودك عقد الرحل عن جملي
*
صنع هذه القصيدة لما أشخصه إليه إلى الرقة فأخذه وأدخله على الرشيد فأنشده شعره فيه فأمر له بمائتي ألف درهم ثم إن يزيد الممدوح بعث إليه بمائة وتسعين ألف درهم وقال لا تكون عطيتي لك بمثل عطية أمير المؤمنين
قال مسلم وأقطعني إقطاعات تبلغ مائتي ألف درهم ثم أفضت الأمور بعد ذلك إلى أن أغضبني فهجوته فشكاني إلى الرشيد فدعاني وقال أتبيعني عرض يزيد قلت نعم قال بكم قلت برغيف فغضب حتى خفته على نفسي وقال قد كان رأيي أن أشتريه منك بمال جسيم ولست أفعل ولا كرامة وأنا برئ من أبي ووالله والله إن بلغني أنك هجوته لأنزعن لسانك من بين فكيك قال فأمسكت عنه بعد ذلك ولم أذكره
ومن شعر صريع الغواني
* لا يمنعنك خفض العيش في دعة
* نزوع نفس إلى أهل وأوطان
*
* تلقى بكل بلاد إن حللت بها
* أرضا بأرض وجيرانا بجيران
*
وقال أيضا
* وليلة ناب الهم إلا بقية
* تداركها طيف ألم فسلما
*
* جمعنا معاذير العتاب برقدة
* مشت بيننا نطوى الحديث المكتما
*
وقال أيضا
* وخندريس لها شعاع
* ابنة خمسين ألف عام
*
* كأنها كوكب منير
* والبدر في ليلة التمام
*
* لو قرنت بالظلام يوما
* لانجاب عنا دجى الظلام
* تكسب شرابها سرورا
* فما يراعون باهتمام
*

513
* تضحك عن لؤلؤ شتيت
* ألفه الماء في النظام
*
* ما ذقتها قط غير أني
* أمنحها الود بالكرم
*
* حلت لي الكاس حين دارت
* على في سكرة المنام
*
((525 - مصعب بن الزبير))
مصعب بن الزبير بن العوام
استعمله أخوه عبد الله على البصرة وقتل المختار بن أبي عبيد وحارب بالعراقيين عبد الملك بن مروان إلى أن قتل سنة إحدى وسبعين للهجرة
قال الشعبي ما رأيت أميرا على منبر أحسن من مصعب
وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال اجتمع في الحجر عبد الله ومصعب وعروة بنو الزبير وعبد الله بن عمر فقالوا تمنوا فقال عبد الله الخلافة وقال عروة يؤخذ عني العلم وقال مصعب إمرة العراق وأجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين وقال ابن عمر المغفرة فنالوا ما تمنوا
أتي مصعب يوما بأسارى من أصحاب المختار فأمر بقتلهم بين يديه فقام إليه أسير منهم فقال له أيها الأمير ما أقبح بي يوم القيامة أن أقوم إلى صورتك هذه المليحة الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بك وأقول أي رب سل مصعبا هذا فيم قتلني فاستحيا مصعب وأمر بإطلاقه فقال أيها الأمير اجعل ما وهبت لي في خفض ودعه من العيش قال قد أمرت لك بثلاثين ألف درهم فقال أشهدني أيها الأمير أن شطر هذا المال لعبد الله بن قيس الرقيات قال ولم ذلك قال لقوله فيك
* إنما مصعب شهاب من الل
* ه تجلت عن وجهه الظلماء
*
فضحك مصعب وقال احفظ ما أمرنا لك به ولابن قيس عندانا مثله
فما شعر عبد الله بن قيس الرقيات إلا وقد وافاه المال

514
((526 - أبو العرب الصقلي))
مصعب بن عبد الله بن أبي الفرات أبو العرب القرشي العبدري الصقلي الشاعر المشهور
دخل الأندلس عند تغلب الروم على صقلية وحظي عند المعتمد بن عباد وديوانه بأيدي الناس
روى عن ابن عبد البر أخذ عنه أبو علي بن غريب أدب الكاتب لابن قتيبة وتوفي بميورقة سنة ست وخمسمائة
ومن شعره
* إلام أتباعي للأماني الكواذب
* وهذا طريق المجد بادي المذاهب
*
* أهم ولي عزمان عزم مشرق
* وآخر يثنى همتي في المغارب
*
* ولا بد لي أن أسأل العيس حاجة
* تشق على أخفافها والغوارب
*
* إذا كان أصلي من تراب فكلها
* بلادي وكا العالمين أقاربي
*
* وما ضاق عني في البسيطة جانب
* وإن جل إلا اعتضت عنه بجانب
*
* إذا كنت ذا هم فكن ذا عزيمة
* فما غائب نال النجاح بغائب
*
ومن شعره من أخرى
* كأن فجاج الأرض بمناك إن يسر
* بها خائف تجمع عليها الأناملا
*
* فأين يفر المرء عنك بجرمه
* إذا كان يطوى في يديك المراحلا
*
وهو من قول النابغة
* فإنك كالليل الذي هو مدركي
* وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
*
((527 - مطيع بن إياس))
مطيع بن إياس الكناني أبو سلمى
قيل إنه من الديل
كان شاعرا من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية
كان خليعا ماجنا حلو النادرة متهما في دينه مأبونا ومولده ومنشؤه بالكوفة

515
وكان إذا حضر ملكك وإذا غاب عنك شاقك وإذا عرفت به فضحك
وكان يجتمع هو ويحيى بن زياد الحارثي وحماد الراوية وابن المقفع ووالبة بن الحباب ويتنادمون لا يفترقون ولا يستأثر أحد منهم على صاحبه بمال وكان يرمي الجميع بالزندقة
ولام الناس مطيعا على ما يرمي به من الأبنة وقالوا أنت في أدبك وسؤددك ترى هذه الفاحشة فلو أقصرت عنها فقال جربوه أنتم ثم دعوه إن كنتم صادقين فقالوا قبح الله تعالى فعلك وانصرفوا عنه
وقدم بغداد رجل يقال له الفهمي مغن محسن فدعاه مطيع ودعا جماعة من إخوانه وكتب إلى يحيى بن زياد يدعوه بهذه الأبيات
* عندنا الفهمي مس
* رور وزمار مجيد
*
* ومعاذ وعياذ
* وعمير وسعيد
*
* وندامى يعلمون ال
* قلز والقلز شديد
*
* بعضهم ريحان بعض
* فهم مسك وعود
*
القلز بالقاف واللام والزاي البدال
فأتاهم يحيى وأقام عندهم
وبلغت الأبيات المهدي فضحك منها وقال تنايك القوم ورب الكعبة
وخرج مطيع بن إياس ويحيى بن زياد حاجين فقدما أثقالهما وقال أحدهما للآخر هل لك أن نصير إلى زرارة فتقصف عنده ليلتنا ثم نلحق أثقالنا فقال نعم فما زال ذلك دأبهما حتى انصرف الناس من مكة فركبا بعيرين وحلقا رءوسهما ودخلا مع الحاج فقال مطيع
* ألم ترني ويحيى إذ حججنا
* وكان الحج من خير التجارة
*
* خرجنا طالبي خير وبر
* فمال بنا الطريق إلى زرارة
*
* فعاد الناس قد غنموا وحجوا
* وأبنا موقرين من الخسارة
* ومن شعر مطيع
* ويوم ببغداد نعمنا صباحه
* على وجه حوراء المدامع تطرب
*
* ببيت ترى فيه الزجاج كأنه
* نجوم الدجى بين الندامى تقلب
*
* يصرف ساقينا ويقطب تارة
* فيا طيبها مقطوبة حين تقطب
*
* علينا سحيق الزعفران وفوقنا
* أكاليل فيها الياسمين المذهب
*

516
* فما زلت أسعى بين صنج ومزهر
* من الراح حتى كادت الشمس تغرب
* وسقط لمطيع حائط فقال له بعض أصحابه أحمد الله على السلامة فقال احمده أنت الذي لم ترعك هدته ولم يصل إليك غباره ولم تغرم أجرة بنائه
وهو الذي يقول في نخلتي حلوان
* أسعداني يا نخلتي حلوان
* وابكيا لي من ريب هذا الزمان
*
* واعلما أن ريبة لم يزل يف
* رق بين الألاف والأقران
*
* ولعمري لو ذقتما ألم الفر
* قة أبكاكما الذي أبكاني
*
* أسعداني وأيقنا أن نحسا
* سوف يقاكما فتفترقان
*
فلما خرج هارون الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان فوصف له الحكيم أكل جمار النخل فلم يكن بحلوان إلا تلك النخلتان اللتان في العقبة فقطعوا له رأس أحداهما وأتى به إليه فأكل منه فلما بلغ إلى العقبة نظر إلى القائمة وإذا عليها مكتوب هذه الأبيات فاغتم لذلك وبكى وقال والله لو سمعت بهذا الشعر ما قطعتها ولو قتلني الدم ويعز على أن أكون النحس الذي فرق بينهما
وقال إبراهيم بن القاسم الكاتب المعروف بالرقيم النديم في كتاب قطب السرور إن مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحماد عجرد كانوا يجتمعون عند أبي الإصبغ المقين وكان له عدة جوار قيان وكان فتيان الكوفة يألفون منزله وينفقون عنده وكان هؤلاء الأدباء يغشون منزله لجاريه يقال لها حوذانة مليحة الغناء حسنة الوجه بارعة الظرف والأدب وكان لأبي الأصبغ ابن يقال له الأصبغ ولم يكن بالعراق أحسن منه وكان غالب أهل بغداد يتعشقونه ولا يقدرون عليه وكان يحيى بن زياد كثير الإفضاء على أبي الأصبغ
وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح يوما مع يحيى بن زياد فأهدى إليه يحيى من الليل جداء ودجاجا وفراخا وفاكهة وشرابا وقال أبو الأصبغ لجواريه إن يحيى يزورنا فأصلحن له ما يشبه مثله فلما فرغ من الطعام لم يجد رسولا يرسله إلى يحيى لأنه وجه بغلمانه في حوائجه فوجه ابنه الأصبغ وقال له لا تبرج أو

517
تجئ بيحيى معك فلما جاء الأصبغ قال يحيى للغلام أدخله وتنح أنت وأغلق الباب وإن أراد الخروج فامنعه
فلما دخل إليه أصبغ وأدى الرسالة راوده عن نفسه فامتنع فساوره يحيى فصرعه ورام حل تكته فلم يقدر على ذلك فقطعها وقضى غرضه منه فلما فرغ أعطاه أربعين دينارا فأخذها وقال له يحيى امض وأنا في أثرك فخرج أصبغ من عنده فاغتسل يحيى وجلس يتزين ويتبخر فدخل إليه مطيع بن إياس فرأى ما هو فيه فقال له كيف أصبحت فلم يجبه وشمخ بأنفه وقطب حاجبيه وتعظم فقال له أراك تتبخر وتتزين فإلى أين عزمت فلم يجبه وازداد قطوبا وتعظيما فقال له ويحك نزل عليك الوحي كلمتك الملائكة بويع لك بالخلافة وهو يومئ برأسه لا لا فقال له فما خبرك قد تهت فلا تتكلم كأنك قد نكت الأصبع قال له فإلى أين تمضى قال إلى دعوة أبيه قال مطيع فامرأته طالق ثلاثا إن فارقتك أو أقبل أيرك فأبداه له يحيى حتى قبله ثم قال له كيف قدرت عليه فحدثه حديثه وقام يمضي إلى منزل أبي الأصبغ واتبعه مطيع فقال له ما تصنع معي والرجل لم يدعك وإنما يريد الخلوة قال أشيعك إلى بابه ونتحدث فمضى معه ودخل يحيى ورد الباب في وجهه فصبر مطيع ساعة ثم ذق الباب واستأذن فخرج إليه الرسول وقال يقول أنا عنك مشغول اليوم في شغل لا أتفرغ منه لك فتعذر فقال له مطيع فابعث لي بدواة وقرطاس فبعث له فكتب
* يا أبا الأصبغ لا زلت على
* كل حال ناعما متبعا
*
* لا تصيرني من الود كمن
* قطع التكة قطعا شنعا
*
* واتى ما يشتهي لم يثنه
* خيفة أو خفض حق ضيعا
*
* لو ترى الأصبغ ملقى تحته
* مستكينا خجلا قد خضعا
*
* وله دفع عليه عجل
* شبق ساءك ما قد صنعا
*
* فادع بالأصبغ واعرف حاله
* سترى أمرا قبيحا فظعا
*
قال فقال أبو الأصبغ ليحيى فعلتها يا بن الزانية قال لا والله فضرب بيده إلى تكة ابنه فوجدها مقطوعة فأيقن بالفضيحة فقال يحيى قد كان الذي

518
كان وسعى مطيع ابن الزانية إليك وهذا ابني هو والله أفره من ابنك وأنا عربي ابن عربي وأنت نبطي ابن نبطية فنك ابني عشر مرات مكان المرة الواحدة التي نكت لابنك فتكون قد ربحت الدنانير والواحدة بعشر فضحك أبو الأصبغ وضحك الجواري وقال لابنه هات الدنانير يا بن الفاعلة فرمى بها إليه وقام خجلا فقال يحيى والله لا دخل مطيع مطيع ابن الزانية فقال أبو الأصبغ وجواريه ليدخلن إلينا فقد نصحنا وغشينا فأدخل وجلس يشرب معهم ويحيى يشتمه بكل لسان ومطيع يضحك
ونوادرمطيع كثيرة في كتاب الأغاني وتوفي سنة تسع وستين ومائة
((528 - مظفر الذهبي))
مظفر بن محاسن بن علي
هو تاج الدين الموصلي الأصل الدمشقي المولد الذهبي
مولده في العشر الأول من الحجة سنة سبع وستمائة وتوفي سنة ست وثمانين وستمائة
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان استعرت ديوانه منه وكتبت منه كثيرا مما اخترته وقراته عليه فمن ذلك قوله
* إذا شرفت نفس الفتى وتلطفت
* طفت فتراها بالهوا تتعلق
*
* وتقعد بالفدم الغبي كثافة
* تجاذبه نحو الحضيض فيغرق
*
* وساق لشمس الراح في مغرب
* لأن لها من أفق خديه مشرق
*
* إذا ما سعى بالكاس كان مبشرا
* بكسر جيوش الهم وهو مخلق
*
* تعاهدني أعطافه ثم تنثني
* ويطعن رمح القلد قلبي قيصدق
*
* بحضر يرى مثل السراب ممنطقا
* وردف تخال الموج فيه يصفق
*
وقال
* أمن وصحة جسم
* وكسر بيت وكسره
*
* نهاية العيش فاقتنع
* وشره حيث تشره
*
وقال أيضا
* راحت تداير بمقلتيها الراحا
* فغبقت من أحداقها أقداحا
*
* وجلت لنا من تحت ليل غدائر
* قبل الصباح من الجبين صباحا
*

519
* ناديتها رفقا بصب مدنف
* قد مال من سكر الغرام وطاحا
*
* قد مسه قرح الصدود فبرؤه
* لو كان يرشف من لماك قراحا
*
* فتبسمت دلا وقالت هكذا
* يلفى ملحا من أحب ملاحا
*
* قم فاهصر الغصن الرطيب وكسر الررمان
* فيه وعضض التفاحا
*
وقال أيضا
* سن الظبا من لحظة الوسنان
* وزنا فراش سهامه ورماني
*
* وبدا فذاب البدر من حسد له
* فلذاك ما ينفك في نقصان
*
* ماء النعيم يرف من وجناته
* يسقى رياض شقائق النعمان
*
* قالت عقود نهوده لقوامه
* من أنبت الرمان في المران
*
وقال
* زمرد شاربه الأخضر
* ينم على ثغره الجوهري
*
* وريق اللمى طعمه سكر
* وذاك النبات من السكر
*
وقال
* لقد خاب من يرجو رجوع شبابه
* بصبغة نيل تنتهي وتحول
*
* كأن بقاياها بصفحة خده
* سهام المنايا والنصول نصول
*
وقال
* وأمرد ضاق عن معاملتي
* أودعت فاه خفيف دينار
*
* فقال بهرجت ذا الخفيف لنا
* فقلت والضرب خارج الدار
*
وكان تاج الدين الذهبي يكتب جيدا ويذهب أجود ويصور في نهاية الحسن ودخل السلطان الملك الناصر بن عبد العزيز عليه وهو بقلعة دمشق يذهب في دار رضوان فقال له ما تصنع يا تاج فقال يا خوند أنا بالنهار أذهب البنا وفي الليل أذهب الثنا وقال شعرا
* يا حاتم الجود بل يا يوسف الثاني
* إشفع فديتك إحسانا بإحسان
*
* ماذا أقول وعكس الحال صيرني
* يا مالكي أحرقتني دار رضوان
*

520
وقال
* كلفت بتصوير الدمى في شبيبتي
* وأتقنتها إتقان حبر مهذب
*
* وحاولت عنها رجعة ومدحتكم
* فلم أخل من تزويق زور مكذب
*
ولابن صابر المنجنيقي في هذه المادة
* كلفت بعلم المنجنيق ورميه
* لهدم الصياصي وافتتاح المرابط
*
* وعدت إلى نظم القريض لشقوتي
* فلم أخل في الحالين من قصد حائط
*
وكتب إليه ناصر الدين بن النقيب يعتذر إليه
* منعتني من أن أراك خيول
* ضاق صدري بها وضاق السبيل
*
* هي ما بينننا تحول وما ينكر
* تصحيف من يقول تحول
*
* منظر مثلما رأيت مروع
* وسماع كما علمت مهول
*
* مقنب خلف مقنب متوال
* ورعيل يقفوه ثم رعيل
*
* وجمال محملات وقد قا
* بلها مثلها عليها حمول
*
* وبغال تأتي بزبل فتلقاها
* بغال غشم عليها طبول
*
* ودواب الحلفاء والماء والطين
* وقوم ترمى وقوم تشيل
*
* وروايا مؤثرات من الآثار
* ما لا يمحى وما لا يزول
*
* كاع فيها الغسال من كثرة الغسل
* وضاع الصابون والغاسول
*
* وجباه الأسواق بالقرد والدب
* وسبع من آخرين وفيل
*
* وصراخ وغاغة وصياح
* وبغيض وغائط وثقيل
*
* وشحيح مستنكر ونهاق
* ورغاء مزعزع وصهيل
*
* وكسير على يد متوك
* وعلى الكتف آخر محمول
*
* وثياب تخرقت بالمهاميز
* وباللجم رفوها مستحيل
*
* ومواعين من غضار وفخار
* على أهلها الغضار تسيل
*
* فتراها وقد رجعن شقافا
* ولأصحابها عليها عويل
*
* وسقوط الأطفال من زحمة الخيل
* وللأمهات عنها ذهول
*
* ولكم أزمنت حوافرها خلقا
* كثيرا وكم لهن قتيل
*
* وعليها من لا يخاف علينا
* وإذا قال لا نطيق نقول
*
* وهو من تيهه بلفظه إياك
* وحاشياك أو تنح بخيل
*

521
* ما الذي عنده تدار المنايا
* كالذي عنده تدار الشمول
*
* فلك العذر أيها الخل إن لم
* آت أو أيات من جهاتي رسول
*
فكتب إليه الجواب مظفر بن الذهبي
* سيدي من زيارتي أنت معفى
* وعلينا مزاركم والمثول
*
* أنا أسعى إليك سعي محب
* ومحق بفعله ما يقول
*
* لو غدت داركم بنجد أتينا
* لم ترعنا حزونها والسهول
*
* والصخور الكبار بالعجل العاجل
* والخيل إذ تراها جفول
*
* ورحال يحملن ما سلخ الجززار
* منه الدماء سحا تسيل
*
* مكال ملئن من وسخ المسلخ
* وما للدواب منه حمول
*
* وبقلبي إذا الكلاب من المسلخ
* وافين وانتقضن غليل
*
* ولكم رابني وعيد سرير
* من جريد به النواظر حول
*
* وقميصي من قطع بنتكة الفوا
* ل شلت يمينه مشلول
*
* ثم سقا يرش بالقربة السوق
* سريعا ذيلي به مبلول
*
* وزحام والجرح في كتف المنبل
* يجري ونصله مسلول
*
* وحمير التراس إذ زجروها
* حيث أنا عن صدمهن غفول
*
* ودفوف المزكلشين للناس
* عليهم تزاحم ودخول
*
* وجمال الأجناد إذ تجلب الأحطاب
* والسيروان فدم جهول
*
* وطبالي الشواء مع بطة الزيات
* لم ينطق طبعها الغاسول
*
* وبرجلي معالج صخرة إن
* هي زلت على أني قتيل
*
* ولو أن البليغ يستوعب الأنكاد
* فيها لكان شرحا يطول
*
فأجابه الحكيم شمس الدين بن دانيال
* يا خليلي أنتما المأمول
* ومنائي من الورى والسول
*
* بكما راقت الفضائل وانساغت
* بطيب كما تساغ الشمول
*
* عجبا منكما صديقين صدقا
* لكما عن مزار كل عدول
*
* لا يصد الخليل عن زورة الخلل
* إذا ما أتاه أمر مهمول
*
* لا ولا زحمة الخلائق في الأسواق
* كل عليه جهلا يميل
*
* وحمير البلاط والجبس تجري
* والورى في الزحام عنها غفول
*

522
* وحمار الزبال يعثر بالزبل
* أمامي والريح ريح قبول
*
* وغبار النحات والسبل المنكي
* ودمعي إذ قابلتني همول
*
* ولكم قد وقعت من طعنة القببا
* حيث الوزان فدم جهول
*
* ومنادى السيوف أرهبه حيث
* ينادي وسيفه مسلول
*
* ولقدر الشرائحي سخام
* في ثيابي بالغسل لا يستحيل
*
* وكذاك الزمراق من مطبخ السلطان
* يجري بها الغلام العجول
*
* وزحام المجذمين مع البرص
* بقلبي من لمسهن غليل
*
* ووقوع المياه من دار قوم
* فوق رأسي بالوه أو لم يبولوا
*
* ولكم سلحة من الطاق ترميها
* فتاة إذ طفلها مسهول
*
* وبراسي منها علامة ذميي
* كأني أبو العلا شمويل
*
* وحمار مطرمذ عجل إن
* نال ظهري أني إذن لقتيل
*
* وسراب الحمام يحفر إذ ضاق
* ففيض المياه منه تسيل
*
* وسقوط الأحجار من كل هدم
* وذراعي من وقعها مشلول
*
* ورجال قد زاحموني بأثقال
* لهم عند عتلها ترتيل
*
* والذي يذبح الدجاج ويرمي
* هن والدم سائح مطلول
*
* وارتياعي إذا المجرس وافى
* مقبلا مدبرا به تنكيل
*
* وعصاه الضرير تجرح كعبيري
* وذيلي بطينها مبلول
*
* كل ذا هين على صاحب الشوق
* وإكثاره عليه قليل
*
* فذرا أيها الخليلان عذرا
* هو عندي إن زرتما مقبول
*
* وخذاه نظما حكى البرد وشيا
* ولأهدابه عليه فضول
*
((529 - أبو المظفر الأنباري))
مفلح بن علي بن يحيى بن عباد أبو المظفر الأنباري
أقام ببغداد وكان يؤدب الصبيان ثم اتصل بخدمة الوزير ابن هبيرة واختص به سفرا وحضرا ولما توفي الوزير نقل عنه أنه نظم شعرا يعرض فيه ببعض الصدور فأخذ وحبس في حبس الجرائم وعوقب مرارا ومكث في السجن سنة ثم أخرج منه ميتا سنة إحدى وستين وخمسمائة

523
وكان حافظا لكتاب الله تعالى حسن القراءة عالما بالفقه والأصول أديبا مليح العبارة سمع الكثير بنفسه وقرأ على الشيوخ وحدث باليسير رحمه الله
ومن شعره
* وكنت قنعت في الدنيا بشخص
* يكون لراحتي ولكبت ضدي
*
* تؤانسه مفاكهتي وقربي
* وتؤلمه مفارقتي وبعدي
*
* فما سمحت به الأيام إلا
* يسيرا والمنون إليه تخدى
*
* فما قرت به عيناي حتى
* توخاه الردى وبقيت وحدي
*
وقال
* سقى ربوعا أقوت على حاجز
* واهي العزالى مجلجل ماطر
*
* وجاد ماذان والعقيق إلى
* غمرة دان وسمية باكر
*
* يشير سلكا من الرذاذ على
* بان قرورا وروضها الزاهر
*
* بكت بها شجوها فأضحكها
* بالنور دمع السحائب الماطر
*
* كأنما الطل في ذوائبه
* والشمس صبحا تنسل من كافر
*
* عقد فتاة ألقى جواهره
* سلك خئون لضعفه خائر
*
* إذا تغنى حمامة طربا
* كان له من هديله سامر
*
* كأنه شارب معتقه
* كان لها قس من إيليا عاصر
*
* من عهد كسرى وقيصر ختمت
* ما فضها شارب ولا تاجر
*
* يا خاليا من غرام مكتئب
* ويا رقودا عن ليلة الساهر
*
* وناصحي والنصيح متهم
* إن لم تكن مسعدا فكن عاذر
*
* وعدتني منك وقفة أمما
* أين وفاء الميعاد يا غادر
*
* قف ساعة بي على معاهدهم
* ولا تكن للمطي بالزاجر
*
* اما تراها تحن مرزمة
* ودمعها في جفونها حائر
*
* قد أيقنت أنني أخو كلف
* بأربع لا ترق للذاكر
*
* قد كنت جلدا فخانني جلدي
* اهجر من مل أو غدا هاجر
*
* ومدمعي جامدا فمذ رحلوا
* عن أرض نجد لم يرق لي ناظر
*
* حجر على البكاء في طلل
* وإن شجاني إلا على حاجز
*

524
* ومخطف الخصر أغيد علقت
* بالقلب منه كنفتة الساحر
*
* يعقد أزراره على غصن
* وبدر تم يعشى له الناظر
*
* بمهجتي رمت وصله فأبى
* وعدت منه بصفقة الخاسر
*
* رمى فأصمى عن قوس حاجبه
* فالسهم لا طائش ولا عاثر
*
* ما خامر القلب قط فيه ولا
* جالت بنات السلو في خاطر
*
* له على القلب من جلالته
* رقبة ناه من غيره آمر
*
* يغيب ذهني إذا تذكره
* وهو بقلبي مخيم حاضر
*
* حن فؤادي إلى معذبه
* فيا لهيم حنت إلى الزاجر
*
((530 - مقدار المطاميري))
مقدار بن المختار أبو الجوائز بن المطاميري الشاعر التكريتي
توفي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة
من شعره
* لو أن وقفة ليل ذي الأثل
* رجعت على بذاهب الوصل
*
* أو عاود الإلمام طيفكم
* لقضى ديون الحب ذو مطل
*
* كانت ليالي وصلكم خلسا
* جادت بها مألوفة الخبل
*
* ثتنى اللثام على حصى برد
* تشفى مذاقته من البخل
*
* وتدير نجلاوين زانهما
* كحل لقد أغنى من الكحل
*
* ويهز منها الخطو معتدلا
* نشوان من ترف ومن دل
*
* كقوام خوط البان رنحه
* ولع النسيم بذي نقا سهل
*
* يا صاحبي سرى اللذين هما
* أدنى محافظة من الأهل
*
* بالله هل آنستما أحدا
* شغف الغرام فؤاده مثلي
*
* ليت الحلول سهول كاظمة
* لم يستحلوا في الهوى قتلي
*
* جحدوا دمي وعلى أكفهم
* نضح يقوم بشاهد عدل
*
وقال
* ولما تنادوا بالفراق غديه
* رموا كل قلب مطمئن برائع
*

525
* وقمنا فمبد جنة إثر انه
* تقوم بالأنفاس عوج ا \ لأضالع
*
* مواقف تدمى كل غبراء ثره
* صدوف الكرى إنسانها غير هاجع
*
* امنا بها الواشين أن يلهجوا بنا
* فلم تنهم إلا وشاة المدامع
*
((531 - أبو سعد الآبي))
منصور بن الحسين الأستاذ أبو سعد الآبي
تقلد الوزارة بالري وكان يلقب بالوزير الكبير ذي المعالي زين الكفاة
كان أديبا ماهرا ناظما عالي الهمة شريف النفس ذكره الثعالبي في كتاب اليتيمة وأثنى عليه وله كتاب نثر الدر لم يجمع مثله سبع مجلدات كل مجلد بخطبة وكل مجلد فيه أبواب لم يجمع أحد في المنثور مثله وله كتاب نزهة الأدب وله كتاب الأنس والعرس وكان بتشيع
ولما ورد السلطان إلى الري سنة إحدى وعشرين وأربعمائة ولاه القيام باستيفاء الأموال
ومن شعره
* على التلعات البيض من أبرق اللوى
* تلألأ برق مثلما ابتسمت سعدي
*
* وأتلع إن ماس الأراكة لم يدع
* لها فننا سبطا ولا ورقا جعدا
*
* إذا وردت ماء العذيب ركائبي
* فقد أعشبت مرعى وقد أعذبت وردا
*
* يرف عليها الأقحوان غدية
* وقد عله طل كدمعي أو اندى
*
* هنالك قوم كلما زرت حيهم
* لقيت أبا سعد به الطائرا السعدا
*
* عقائله يفرشن بالورد طرقه
* ليوطئه إن جئته الفرس الوردا
*
وقال
* إذا الليل أسبل أستاره
* وضم أبا حسن والحسن
*
* فإني برئ من المصطفى
* لئن كنت أعلم من ناك من
*
وقال
* أزور بمهجتي العلمين دارا
* يناغى الأقحوان به العرارا
*
* أناشد لامع البرق اليماني
* وأستسقى لكاظمة القطارا
*

526
* وأسأل عن نوار كل دار
* وما تغنى مسائلتي الديارا
*
* سلام إن يكن قولي سلام
* يليح الوصل أو يدني المزارا
*
* سلام فتى يحن إلى هنات
* صحا سكرها إلا ادكارا
*
* ودون المنحنى بالجزع حي
* عزيز أن يزور وأن يزارا
*
* ألا يا صاحبي عرج قليلا
* فقد آنست من وهبين نارا
*
* ألا يا ناذريه دمي رويدا
* أراقته عقليتكم جبار
*
* فربت ليلة سهرت ونمتم
* قطعناها عتابا واعتذارا
*
* وما حدرت لمحظور نقابا
* ولا وضعت لفاحشة خمارا
*
* وليلة زرتها والأفق سود
* حوافيه وأنجمه حيارى
*
((532 - أمير العرب بهاء الدولة))
منصور بن دبيس بن علي بن مزيد أبو كامل بها الدولة الأسدي
كان أديبا فاضلا شاعرا فارسا شجاعا كريما جوادا ذا رأى وحسن تدبير وكان حافظة لأخبار المتقدمين وسير الأوائل وأشعار الجاهلية والإسلام
قرأ الأدب على عبد الواحد بن علي بن برهان وكان حسن السيرة عادلا في رعيته
ولد سنة خمس وعشرين وأربعمائة وتوفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة وكانت أيامه بالعراق أربع سنين وشهورا
ولما دخل على عميد الملك الكندري وزير طغرلبك أسيرا قال له الأمير أين فروسيتكم وشجاعتكم فأشنده
* فإن نهزم فهزامون قدما
* وإن نهزم فغير مهزمينا
*
* وما إن طبعنا جبن ولكن
* منايانا ودولة آخرينا
*
وقال أيضا
* أقول لزياد ولا ستر دونه
* ونحن بشاطي المسرقان جنوح
*
* وقد عاد للدولاب رجع كأنه
* حنين مطايا مسهن طلوح
*
* تبصر خليلي هل ترى ضوء بارق
* على نشز نحو العراق يلوح
*
* فقال وقد طال التشوق ما أرى
* سوى زفرات في الفؤاد تفوح
*

527
* رعى الله سكان العراق فإنني
* عليهم وإن شط المزار شحيح
*
* ولا زال من نوء السماك عليهم
* ونوء الثريا بالعشي دلوح
*
وقال أيضا
* ما لا مني فيك أعدائي وعذالي
* إلا لغفلتهم عني وعن حالي
*
* لا طيب الله لي عيشا أفوز به
* إن دب سكر التسلي عنك في بالي
*
وقال أيضا
* ولما رأيتك ضراعة
* تزين الخداع مقالا جميلا
*
* تسليت عنك بمن لا أريد
* فدب السلو قليلا قليلا
*
وقال من أبيات
* أوئك قومي إن أعد الذي لهم
* أكرم وإن أفخر بهم لا أكذب
*
* هم ملجأ الجاني إذا كان خائفا
* ومأوى الصريخ والفقير المعصب
*
* بطاء عن الفحشاء لا يحضرونها
* سراع إلى داعي الصباح المثوب
*
* مناعيش للمولى مساميح للقرى
* حصاليت تحت العارض المتلهب
*
* وجدت أبي فيهم وخالي كليهما
* يطاع ويؤتى أمره وهو محتبي
*
* فلم أتعمد للسيادة فيهم
* ولكن اتتني زادعا غير متعب
*
((533 - النمري الشاعر
*
منصور بن سلمة ابن الزبرقان بن شريك بن مطعم
كان من شعراء الدولة العباسية وهو تلميذ العتابي والعتابي هو الذي وصفه للفضل بن يحيى بن خالد حتى أقدمه من الجزيرة واستصحبه وأوصله للرشيد ومنصور هو رواية العتابي وعنه أخذ ومن بحره استقى وجرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة فتهاجرا وتناقضا وسعى كل واحد منهما على هلاك صاحبه
وعرف منصور النمري مذهب الرشيد في الشعر ومقصده في نفي الإمامة عن آل أبي طالب والطعن عليهم لما كان يبلغه عن مروان بن أبي حفصة فسلك

528
مذهب مروان ونحا نحوه ولم يصرح بالهجاء كما كان يفعل مروان وكان شديد العداوة للطالبيين
وتوفي النمري في حدود العشر والمائتين ولما دخل على الرشيد أنشد
* أمير المؤمنين إليك خضنا
* غمار الموت من بلد شطير
*
* بخوص كالأهلية خافقات
* يلبن على السرى وعلى الهجير
*
* فقد وقفوا المديح بمنتهاه
* وغايته فصار إلى مصير
*
* إلى من لا تشير إلى سواه
* إذا ذكر الندى كف المشير
*
فقال مروان بن أبي حفصة وددت والله أنه أخذ جائزتي وسكت
وقال في هذه القصيدة
* يد لك في رقاب بني علي
* ومن ليس بالمن الصغير
*
* مننت على ابن عبد الله يحيى
* وكان من الهلاك على شفير
*
* فإن شكروا فقد أنعمت فيهم
* وإلا فالندامة للكفور
*
* ولإن قالوا بنو ابنته فحق
* وبروا والمناسب للذكور
*
* وما لبني بنات من تراث
* مع الأعمام في ورق الزبور
*
ولابن المعتز هذا المعنى حيث يقول
* فأنتم بنو بنته دوننا
* ونحن بنو عمه المسلم
*
وهذا في غاية الفخر والحسن لأن العباس رضي الله عنه مات مسلما وأبا طالب مات كافرا
ودخل يوما على الرشيد وأنشده قوله
* ما تنقضي حسرة منى ولا جزع
* إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
*
* بان الشباب وفاتتني بلذته
* صروف دهر وأيام لها خدع
*
* ما كنت أوفى شبابي كنه غرته
* حت انقضى فإذا الدنيا له تبع
*
فقال الرشيد أحسن والله لا يتهنا أحد بعيش حتى يخطر في رداء الشباب ومن القصيدة في المديح

529
* أي امرئ بات من هارون في سخط
* فليس بالصلوات الخمس ينتفع
*
* إن المكارم والمعروف أودية
* أحلك الله منها حيث تجتمع
*
* إذا رفعت امرءا فالله يرفعه
* ومن وضعت من الأقوام يتضع
*
* نفسي فداؤك والأبطال معلمة
* يوم الوغى والمنايا بينها قرع
*
فأمر الرشيد له بمائة ألف درهم
وكان محمد البيذق ينشد الرشيد أشعار المحدثين وكان إنشاده يطرب أكثر من الغناء فأنشده يوما هذه القصيدة فلما بلغ هذه الأبيات كان بين يديه خوان فرمى به من يديه وقال هذا أطيب من كل طعام ومن كل شيء وبعث إلى منصور النمري بسبعة آلاف دينار
قال البيذق فلم يعطني منها ما يرضيني وشخص إلى رأس عين فأغضبني فأنشدت هارون قوله
* شاء من الناس راتع هامل
* يعللون النفوس بالباطل
*
حتى بلغت قوله
* إلا مساعير يغضبون لها
* بسلة البيض والقنا الذابل
*
فقال هارون أراه يحرض على ابعثوا إليه من يأتيني برأسه فكلمه فيه الفضل بن الربيع فلم يفده
وتوجه إليه الرسول فوافاه في اليوم الثاني الذي مات فيه منصور فأمر بنبشه وإحراقه فشفع فيه الفضل ولم يزل إلى أن كف عنه
ومن مديح قصيدته العينية في الرشيد قوله
* إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله
* أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
*
قيل إن العتابي استقبل منصورا النمري يوما فوجده واجما كئيبا فقال له ما خبرك قال تركت امرأتي تطلق وقد عسرت عليها الولادة وهي يدي ورجلي والقيمة بأمري فقال له العتابي اكتب على فرجها هارون قال ولم ذلك قال لتلد ويتسع المكان قال وكيف ذلك قال لقولك كذا وكذا وأنشده البيت فقال يا كشخان والله لئن تخلصت امرأتي لأذكرن ذلك للرشيد فلما

530
ولدت امرأة منصور أخبر الرشيد الواقعة فغضب وطلب العتابي فاستتر عند الفضل بن الربيع حتى شفع له فأمره بإحضاره فأحضروه فقال له ويلك تقول كذا وكذا للنمري فاعتذر له حتى قبل ذلك فقال العتابي ما حمله على الكذب على إلا وقوفي على ميله إلى العلوية وأنشده قصيدته اللامية التي أولها
* شاء من الناس راتع هامل
*
فغضب وقال للفضل أحضره الساعة فستره الفضل عنده ولم يزل الرشيد يتطلبه إلى أن قال يوما للفضل ويحك يفوتني النمري قال يا أمير المؤمنين قد حصلته وهو عندي قال فجئني به وكان الفضل قد أمره أن يلبس فروة مقلوبة ويباشر الشمس ليشحب ويسوء حاله ففعل فلما أراد إدخاله عليه علمه ما يقول فلما وقعت عين الرشيد عليه قال السيف فقال الفضل يا أمير المؤمنين ومن هو هذا الكلب حتى نأمر بقتله بحضرتك قال أليس هو الذي يقول
* إلا مساعير يغضبون لنا
* بسلة البيض والقنا الذابل
*
فقال منصور لا يا سيدي ما أنا الذي قلت هذا ولقد كذب على ولكني الذي أقول
* يا منزل الحي ذا المغاني
* أنعم صباحا على بلاكا
*
منها
* هارون يا خير من يرجى
* لم يطع الله من عصاكا
*
* في خير دين وخير دنيا
* من اتقى الله واتقاكا
*
فأمر بإطلاقه وتخلية سبيله فقال منصور يمدح الفضل
* رأيت الملك مذ آزرت
* قد قامت محانيه
*
* هو الأوحد في الفضل
* فما يعرف ثانيه
*

531
((534 - الراشد بالله))
منصور بن الفضل بن أحمد بن عبد الله أبو جعفر الإمام الراشد بالله أمير المؤمنين بن المسترشد بالله بن المستظهر
ولد ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رمضان سنة اثنتين وخمسمائة ويقال إنه لما ولد لم يكن له مخرج فأحضر الأطباء وأشاروا بأن يفتح له مخرج بآلة من ذهب ففعل به ذلك واستقام أمره
وخطب له والده بولاية العهد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وبويع له بالخلافة سنة تسع وعشرين وخمسمائة وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة
وكان مليحا أبيض شديد الأيد شجاعا حسن السيرة جيد الطوية ويؤثر العدل ويكره الشر وكان فصيحا أديبا شاعرا سمحا جوادا ولم تطل أيامه خلعه السلطان مسعود وبايع عمه الإمام المتقي وعمره أربعون سنة وخرج الراشد بالله إلى نواحي أصبهان فقتله الفراشون بالسكاكين في خركاته وبنى له هناك تربة
يحكى أنه كان ببستان الخلافة أيل عظيم الخلقة اعترضه في بعض الميادين فهرب الخدم عنه فهجم عليه بنفسه ومسك قرنيه فقلعهما بيده فوقع ميتا
ومن شعره رحمه الله تعالى
* سأقتضي من زمني ديوني
* إن أخرتني ريب المنون
*
* ولست بالراشد إن لم أنتحي
* لهاشم عن حسبي وديني)
*
535 - المستنصر بالله))
منصور بن محمد بن أحمد الإمام المستنصر بالله ابن الإمام الظاهر ابن الإمام الناصر
ولد في ثالث عشر صفر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بويع له

532
بالخلافة يوم الجمعة لعشر خلون من الحجة سنة أربعين وستمائة وبويع بعده لولده الأكبر أبى أحمد المستعصم
ولما استقر الإمام المستنصر نشر العدل وبث المعروف وزاد أبواب الخيرات وقرب أهل العلم والزهاد والصالحين وبنى المدارس والمساجد والربط والمشاهد ودور الضيافة والبيمارستانان وكف الفتن واعتنى بطرق الحاج وإصلاح آبارها وبنى بالمدينة ومكة دورا للمرضى وأرسل إليها ما تحتاج من العقاقير والمركبات من الأدوية وجمع العساكر وقدم بأمر الجهاد وأذعنت لطاعته ملوك الأرض وبيعت كتب العلم في أيامه بأغلى الأثمان لميله إلى اقتنائها ورغبته في تحصيلها وإكبابه على مطالعتها ووقفها على أهل الفضل
وصنف الفضلاء في دولته بدائع المصنفات في فنون العلم تقربوا بإهدائها إليه
وكان أبيض أشقر الشعر ضخما قصيرا وكان جده الإمام الناصر يقربه ويسميه القاضي لعقله وهديه وإنكاره المنكر
قال ابن واصل وبنى على دجلة من الجانب الشرقي فيما يلي دار الخلافة مدرسة ما بنى على وجه الأرض مثلها وهي بأربع مدرسين على المذاهب الأربعة وعمل فيها بيمارستان كبيرا ورتب فيها مطبخا ومزملة لفقراء ورتب لهم حماما وبالحمام قومه واستخدم عساكر عظيمة تزيد على مائة ألف وعشرين ألف فارس وهزم التتار
وكان قد بلغ ارتفاع وقف المستنصرية نيفا وسبعين ألف مثقال
ولما اهتم رضي الله عنه بجمع الجند من أقطار الأرض لدفع التتار اتفق جماعة من التجار وجمعوا مالا خطيرا وسألوا الإنعام عليهم بقبوله وإنفاقه على الغزاة ودفعوا المال إلى الدوادارفأمر بأن يرد عليهم المال وقال جزاكم الله الخير يكفينا منكم الدعاء وفي خزائننا ما يغنى عن ذلك
وكان له جارية يحبها اسمها فضة فمن شعره فيها
* قالوا أمثل أمير المؤمنين له
* عقل يقسم بين الملك والغزل
*
* فقلت ما جئت بدعا في الغرام ولا
* أخذت إلا بحظ من حلى الرسل
*
* وما يضيع الهوى عقلا يكون له
* فضلا إلى الرأي والتدبير للدول
*
وحكى أن محيي الدين بن الجوزي حضر عنده بعض الصالحين وشكا إليه

533
أمر دين لزمه وعجز عن قضائه فهم ابن الجوزي أن يقضي دينه ثم رأى أن يؤثر المستنصر بالله بهذه المثوبة لما يعلم من صلاح الرجل ورغبة المستنصر في الخير فطالعه بذلك فبعث إلى ابن الجوزي من المال مقدار دين الرجل وبعث مع ذلك مائتي دينار وقال هذه نفقته لأنه إذا قضى دينه لم يبق له ما ينفقه وبعث إلى ابن الجوزي خمسمائة دينار وقال هذه عوض إيثارك لنا بهذه المثوبة رحمه الله تعالى
((536 - النيري الواسطي))
منصور بن محمد بن علي أبو نصر الخباز المعروف بالنيري من أهل واسط
كان أميا لا يحسن الكتابة وكان له خاطر جيد في النظم
لو أراد ألا يتكلم في خطابه إلا بالشعر لفعل ذلك ولم يزل يجتمع بالناس ويهذب شعره رحمه الله تعالى
* ولرب يوم بت أخلف شمسه
* والروض قد نثرت محاسن برده
*
* بمدامة صفراء كلل تاجها
* كف المزاج بلؤلؤ من عقده)
* ومليحة تحدو الهموم إذا شدت
* ومهفهف يسبى القضيب بقده
*
* هذاك منتقش العذار كأنما
* غرس البنفسج في منابت ورده
*
* ويد الفتاة خصيبة فكأنما
* غمست أديم وصالها في صده
*
* غنت فأطربت الغزال بشدوها
* فجنى أناملها بخضرة زنده
*
* ودنا يقبلها فمن رقبائها
* سخطت عليه وأسرفت في رده
*
* لطمت عوارضه بغير جناية
* منه فأثر نقشها في خده
*
ومنه
* الكأس بين معصفر ومخلق
* والحب بين مزنر ومقرطق
*
* والماء في زبد الصراة كأنه
* ورد اللجين على قباء فستقى
*
* وترى الهلال لليلتين كأنه الخلخال
* يلمع تحت ذيل أزرق
*
* كأن نجوم الليل أحداق فضة
* بأجفان تبر لم يصغهن صائغ
*

534
وقال أيضا
* حبيبي ما يفارقك الرقيب
* ولا لي منك يا سكنى نصيب
*
* ولا تخلو وأخلو معك يوما
* فأملى من حديثك ما يطيب
*
* أحبك لا أحب سواك خلقا
* وتبغضني وذا شيء عجيب
*
* إذا كان المحب قليل حظ
* فما حسناته إلا ذنوب
*
وقال أيضا
* وتبرية جاءتك في ثوب فضة
* بكف خماسي القوام رشيق
*
* أتت بين طعمي عنبر وسلافة
* بأنفاس مسك في شعاع حريق
*
* كأن حباب المزج في جنباتها
* كواكب درر في سماء عقيق
*
وقال أيضا
* سقاني وقد نام الرقيب مدامة
* على فرق والليل عسكره زنج
*
* وطير عقلي حين تاه بنظرة
* على واضح من تحتها أعين دعج
*
* وفي يده تفاحة شبه خده
* مضرجة كالنار ليس لها وهج
*
* عقيقة الأثواب درية الحشا
* فظاهرها نار وباطنها ثلج
*
وقال أيضا
* الخد بين مطرز ومدبج
* والثغر بين منظم ومفلج
*
* وكأنما وجناته بلورة
* وعذاره والصدغ من فيروزج
*
* وكأننا والكاس تجمع شملنا
* والروض بين مجلل وممزج
*
* من طرفه والخد ثم عذاره
* في نرجس وشقائق وبنفسج
*
((537 - الخليفة الهادي))
موسى بن محمد أمير المؤمنين الهادي بن المهدي بن المنصور
كان أبيض جسيما طويلا مولده بالري سنة سبع وأربعين ومائة وتوفي ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة وله خمس

535
وعشرون سنة وشهور وصلى عليه أخوه الرشيد ودفن بالقصر الأبيض الذي كان عمله
وكانت خلافته سنة وشهرا واحدا وعشرين يوما
وأمه أم ولد يقال لها الخيزران
وكان شجاعا بطلا أديبا جوادا صعب المرام يلهو ويلعب ويركب حمارا فارها ولا يقيم أبهة الخلافة وكان فصيحا قادرا على الكلام تعلوه هيبة وله سطوة
أعطى لإبراهيم الموصلي سبعمائة ألف درهم
يقال إن أمه الخيزران سمته لأنه طالب أخاه الرشيد أن يخلع نفسه من العهد ويقدم ولده وكان موسى قد سماه الناطق بالحق فامتنع فهم بقتله مرارا فكانت أمهما الخيزران تدافع عنه ولعظمها في دولة المهدي كان كبراء الدولة يغشون بابها للحوائج فأغضب الهادي ذلك وقال لها ما هذه المواكب التي تغدو لبابك وتروح إنما للمرأة بيتها ومغزلها وسجادتها وسجتها ثم أنفذ لها أرزا مسموما ففطنت له ولم تأكله وأخذت في الاحتيال عليه وسمته فمات وفي ليلة مات ولد خليفة وولى خليفه توفي الهادي وولي الرشيد وولد المأمون
هو أول من وصل بمائة ألف درهم لأنه اعطى سلما الخاسر مائة ألف درهم وكان أسمح بني العباس بالمال
وحكى أنه كان في بستان له يتفرج وهو راكب حمارا فجيء إليه برجل قد وجب عليه القتل وشرطيان يمسكانه عن يمينه ويساره فأفلت منهما واخترط سيف أحدهما وأقبل به على الهادي فصاح الهادي وقد أيقن بالموت ويلك اضرب عنقه يوهم أن وراءه أحدا فلوى عنقه فوثب من حماره عليه وضرب به الأرض وأخذ السيف من يده وذبحه به وعاد الشرطيان وأصحابه الذين كانوا قد هربوا فلم يعتبهم بحرف واحد
وقتل جاريتين بلغه عنهما ما أوجب ذلك عنده وشاع عنه ما فعل بهما وكثر الكلام في ذلك فقال
* يلومني من جهل الأمرا
* فكيف إن لم يسمع العذرا
*
* يزعم أني آثم والذي
* فعلته أرجو به الأجرا
*

536
* من كان ذا صبر على مثل ذا
* فلست منه أملك الصبرا
*
((538 - الرئيس موسى القرطبي))
موسى بن ميمون الرئيس أبو عمران القرطبي اليهودي الطبيب المفتن في العلوم
كان رئيسا على اليهود بمصر وكان أوحد أهل زمانه في الطب وكان السلطان صلاح الدين يستطبه وكذلك ولده الأفضل
ويقال إنه كان قد أسلم بالمغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه ولما قدم من المغرب صلى بمن في المركب التراويح في شهر رمضان وجاء إلى الديار المصرية وجاء إلى دمشق فاتفق للقاضي محيي الدين بن الزكي مرض خطر فعالجه الرئيس موسى وبالغ في نصحه فرأى له القاضي ذلك وأراد مكافأته على ذلك فحلف أيمانا مغلطة أنه ما يأخذ شيئا أبدا
ثم بعد مدة اشترى دارا وسأل من القاضي تقديم التاريخ إلى خمس سنين متأخرة فما بخل القاضيعليه بمثل ذلك ولم يعلم أن في ذلك مفسدة ثم إنه أثبت ذلك وبعد مدة توجه إلى الديار المصرية وخدم القاضي الفاضل فجاء من كان في المركب وقالوا جاء معنا من الغرب وصلى بنا التراويح في السنة الفلانية فأنكر ذلك واخرج المكتوب وقال أنا كنت في دمشق قبل هذه السنة بمدة واشتريت دارا وهذا خط القاضي بذلك فلما رأى الفاضل خط محيي الدين بن الزكي بالثبوت ما شك فيه واندفعت القضية بخبث هذا الشيطان
وعلى الجملة فكان فاضلا وله كتاب الدلالة في أصول دينهم وهو جيد إلى الغاية على قواعدهم
وكانت له مشاركة في كل فن وفيه يقول ابن سناء الملك
* أرى طب جالينوس للجسم وحده
* وطب أبي عمران للعقل والجسم
*
* فلو كان بدر التم من يستطبه
* لتم له ما يدعيه من التم
*
* وداواه يوم التم من كلف به
* وأبراه في يوم السرار من السقم
*
وله مقالة في معالجة الحدبة صنفها للقاضي الفاضل ومقالة في السموم

537
وتنقيح الفصول وهو من أجل كتب الطب
وتوفي سنة عشر وستمائة
((539 - المؤمل المحاربي))
المؤمل بن أميل المحاربي الكوفي
كان شاعرا محسنا مدح المهدي فأجازه عشرة آلاف دينار وتوفي في حدود التسعين والمائة وهو القاتل في امرأة كان يهواها من أهل الحيرة
* شف المؤمل يوم الحيرة النظر
* ليت المؤمل لم يخلق له بصر
*
فيقال إنه رأى رجلا في المنام قد أدخل إصبعيه في عينيه فأخرجهما وقال هذا ما تمنيت فأصبح أعمى
ومن هذه القصيدة
* يكفي المحبين في الدنيا عذابهم
* والله لا عذبتهم بعدها سقر
*
وامتدح المهدي وهو ولي العهد فأعطاه عشرين ألف درهم فبلغ المنصور ذلك فكتب إليه يلومه ويقول إنما كان ينبغي ان تعطيه أربعة آلاف درهم بعد أن يقيم ببابك سنة
وأجلس قائدا من قواده على جسر النهروان يتصفح وجوه الناس حتى مر به المؤمل فأخذه ودخل به على المنصور فسلم فقال من أنت قال المؤمل بن أميل فقال أتيت إلى غلام غر خدعته فقال نعم أصلح الله أمير المؤمنين أتيت غلاما كريما فخدعته فانخدع فكأن ذلك أعجب المنصور فقال أنشدني ما قلت فيه فأنشده القصيدة ومنها
* هو المهدي إلا أن فيه
* مشابهة من القمر المنير
*
* تشابه ذا وذا فهما إذا ما
* أنارا مشكلان على البصير
*
* فهذا في الظلام سراج ليل
* وهذا في النهار ضياء نور
*
* ولكن فضل الرحمن هذا
* على ذا بالمنابر والسرير
*
* وبالملك العزيز فذا أمير
* وما ذا بالأمير ولا الوزير
*
* وبعض الشهر ينقص ذا وهذا
* منير عند نقصان الشهور
*

538
* فيابن خليفة الله المصفى
* به تعلو مفاخرة الفخور
*
* لئن فت الملوك وقد توافوا
* إليك من السهولة والوعور
*
* لقد سبق الملوك أبوك حتى
* بقو من ما بين كأب أو حسير
*
* وجئت مصليا تجري حثيثا
* وما بك حين تجري من فتور
*
* فقال الناس ما هذان إلا
* كما بين الخليق إلى الجدير
*
* لئن سبق الكبير فأهل سبق
* له فضل الكبير على الصغير
*
* وإن بلغ الصبى مدى كبير
* فقد خلق الصغير من الكبير
*
فقال والله لقد أحسنت ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم فأين المال قال ها هو ذا فقال يا ربيع امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم وخذ الباقي منه ففعل فلما ولى الخلافة المهدي ولى أبا ثوبان المظالم فكان يجلس بالرصافة فإذا ملأ كساه رقاعا دفعها إلى المهدي فرفع المؤمل رقعة ذكر فيها واقعته فلما نظر إليها المهدي ضحك وقال ردوا إليه عشرين ألف درهم فردت عليه
وقال محمد بن حذيفة الطائي حدثني أبي قال رأيت المؤمل شيخا كبيرا أعمى نحيفا فقلت له لقد صدقت في قولك
* وقد زعموا لي أنها نذرت دمي
* وما لي بحمد الله لحم ولا دم
*
* برى حبها لحمي ولم يبق لي دم
* وإن زعموا أني صحيح مسلم
*
* فلم أر مثل الحب صح سقيمه
* ولا مثل من لا يعرف الحب يسقم
*
* ستقتل جلدا باليا فوق أعظم
* وليس يبالي القتل جلد وأعظم
* فقال نعم فديتك ما كنت لأقول إلا حقا

539
((حرف النون))
1
((540 - البديهي الشاعر
* 2
ناشب بن هلال بن ناشب بن نصير الحراني أبو منصور المعروف بالبديهي
كان أديبا فاضلا يقول الشعر بديها ويعظ في التعازي وغيرها وسمع أبا القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين وأبا القاسم إسماعيل بن أحمد ابن عمر السمرقندي وابن كادش وغيرهم وحدث باليسير
ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة وتوفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
ومن شعره رحمه الله تعالى
* لا تحقرني وإن أبصرتني حدثا
* فالشبل يصغر حينا ثم يأتسد
*
* إني وإن صغرت سني فقد فقهت
* خواطري غررا ما نالها أحد
*
ومنه
* يحسدني كل من رآني
* أركب في موكب الأمير
*
* والناس لا يعلمون اني
* تبيت خيلي بلا شعير
*
وقال قصدت ديار بكر مكتسبا بالوعظ فلما نزلت قلعة ماردين دعاني صاحبها ترمتاش بن إيلغازي بن أرتق للإفطار عنده في شهر رمضان فحضرت عنده فلم يرفع مجلسي ولا أكرمني وقال بعد الإفطار لغلام عنده آتنا بكتاب فجاءه به فقال ادفعه إلى الشيخ ليقرأ فيه فازداد غيظي لذلك وفتحت الكتاب وإذا هو ديوان امرئ القيس وإذا في أوله
* ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
* وهل يعمن من كان في العصر الخالي
*
فقلت في نفسي أنا ضيف وغريب وأستفتح ما أقرأه على سلطان كبير وقد مضى هزيع من الليل
* ألا عم صباحا أيها الظلل البالي
*
فقلت
* ألا عم مساء أيها الملك العالي
* ولا زلت في عز يدوم وإقبال
*
ثم أتممت القصيدة فتهلل وجه السلطان ورفع مجلسي وأدناني إليه وكان ذلك سبب حظوظي عنده ورحمهما الله تعالى

540
((541 - المطرزي شارح المقامات))
ناصر بن عبد السيد بن علي أبو الفتح المطرزي الأديب الخوارزمي
من أعيان مشايخ خوارزم في علم الأدب قرأ على والده وبرع في معرفة النحو واللغة وصار أوحد زمانه وصنف كتبا حسانا وكان شديد التعصب داعية إلى الاعتزال
مولده سنة ست وثلاثين وخمسمائة ووفاته سنة عشر وستمائة وصنف شرحا للمقامات الحريرية وكتاب المعرب وتكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء الحنفية وهو لهم مثل الأزهري للشافعية ومقدمة في النحو والإقناع في اللغة ومختصر إصلاح المنطق
ولما مات رثي بثلاثمائة قصيدة بالعربي وبالعجمي وكان يقال هو خليفة الزمخشري وكان سائر الذكر مشهور السمعة وانتفع الناس به وأخذوا عنه
ومن شعره رحمه الله تعالى
* تعامى زماني عن حقوقي وإنه
* قبيح على الزرقاء تبدي تعاميا
*
* فإن تنكروا فضلى فإن دعاءه
* كفى لذوي الأسماع منكم مناديا
*
ومن أبيات
* وإني لأستحيي من الله أن أرى
* حليف غوان أو أليف أغاني
*
قال ياقوت في معجم الأدباء أنشدني المطرزي ببغداد لنفسه
* يا خليلي اسقياني بالزجاج
* حلب الكرمة من غير مزاج
*
* أنا لا ألتذ سمعا باللجاج
* فاسقنيها قبل تغريد الدجاج
*
* قبل أن يؤذن صبحي بانبلاج
*
* إن أردت الراح فاشربها صباحا
* بعد أن تصحب أترابا ملاحا
*
* جمعوا حسنا وأنسا ومزاحا
* وغدوا كالبحر علما وسماحا
*
* فهم مفتاح باب الابتهاج
*

541
((542 ابن صورة الكتبي))
ناصر بن علي بن خلف الوجبة المعروف بابن صورة الكتبي
كان سمسارا في الكتب بمصر وله في ذلك حظ كبير وكان يجلس في دهليز داره لذلك ويجتمع الناس عنده يوم الأحد والأربعاء من أعيان الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق
توفي سنة سبع وستمائة بمصر ودفن بالقرافة وكان له دار مليحة موصوفة بالحسن فاحترقت فقال في ذلك نشو الملك أبو الحسن علي بن المنجم وقد تقدم ذكره
* أقول وقد عانيت دار ابن صورة
* وللنار فيها مارج يتضرم
*
* كذا كل مال أصله من مهاوش
* فعما قليل في نهابر يعدم
*
* وما هو إلا كافر طال عمره
* فجاءته لما استبطأته جهنم
*
وقال ابن المنجم أيضا لما وقعت الأرضة في دار ابن صورة
* قالوا بدار ابن صورة سعت
* الأرضة حتى اتت على الخشب
*
* من أعلم الأرضة المشومة
* أن الدار مسروقة من الكتب
*
وفيه يقول ابن الساعاتي وقد غدر به في الكتاب
* يا خائنا ما كنت احسبه
* يخف إلى الخيانة
*
* أصبحت في سلب القلوب
* وذاك من عدم الديانة
*
* كفتي زبيد في العمارة
* وابن صورة في الأمانة
*
* فامرر عليه وقل له
* في الستر منه والصيانة
*
* يا ريشكون غدرت بي
* إن كنت تحسن بالرطانة
*
((543 - ابن الشقيشقة الصفار))
نصر الله بن مظفر بن أبي طالب بن عقيل بن حمزة نجيب الدين أبو الفتح الشيباني الدمشقي الصفار المعروف بابن الشقيشقة المحدث الشاهد
ولد سنة

542
نيف وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة
سمع وعنى بالحديث وكان يعقد الأنكحة تحت الساعات وفيه يقول البهاء بن الحوط
* جلس الشقيشقة الشقي لتشهدا
* بأبيكما ماذا عدا مما بدا
*
* هل زلزل الزلزال أم هل أخرج الدجال
* أم عدم الرجال ذوو الهدى
*
* عجبا لمحلول العقيدة جاهل
* بالشرع قد أذنوا له أن يعقدا
*
وقف قاعته التي بدرب البانياسي دار حديث وتولى مشيختها الشيخ جمال الدين المزي
قال الشيخ شمس الدين ولم يكن بالعدل في دينه
((544 - ابن حواري الحنفي))
نصر الله بن عبد المنعم بن نصر الله بن أحمد بن جعفر بن حواري الشيخ شرف الدين أبو الفتح التنوخي الدمشقي الحنفي الأديب ويعرف بابن شقير أيضا
ولد في سنة أربع وستمائة وتوفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة
سمع البكري وابن ملاعب وروى عنه الدمياطي وابن الجناز والدواداري وقاضي القضاة ابن صصرى وآخرون
وخطه أسلوب غريب كتب كثيرا وملكت من ذلك عدة مجلدات وكان أديبا فاضلا حسن المحاضرة حافظة للنوادر والأخبار حسن البزة كريما مجملا
عمر في آخر عمره مسجدا عند طواحين الأشنان وتأنق في عمارته ودفن لما مات بمغارة الجوع وصنف كتاب إيقاظ الوسنان في تفضيل دمشق وذكر محاسنها وما مدحت به في ثلاث مجلدات وهو عندي بخطه
وكان مقامه بالعادلية الصغيرة
ولما ولى القاضي شمس الدين بن خلكان وفوض إليه أمر الأوقاف جميعها طلب الحسابات من أربابها ومن شرف الدين هذا عن وقف المدرسة فعمل له الحساب وكتب وريقه فيها
* ولم أعمل لمخلوق حسابا
* وها انا قد عملت لك الحسابا
*

543
فقال له القاضي خذ أوراقك ولا تعمل لنا حسابا ولا نعمل لك وكان له خلق حاد وفيه تسرع وهو أخو تاج الدين المقدم ذكره رحمهما الله
((545 - فخر القضاة بن بصاقة))
نصر الله بن هبة الله بن محمد بن عبد الباقي فخر القضاة أبو الفتح بن بصاقة الغفاري المصري الحنفي الناصري الكاتب
شاعر كاتب ماهر كان خصيصا بالمعظم عيسى ثم بابنه الناصر داود وتوجه معه إلى بغداد
ولد بقوص سنة تسع وسبعين وخمسمائة وتوفي بدمشق سنة خمسين وستمائة
ومن شعره لغزا في المحفة المحمولة على البغال رحمه الله تعالى
* وحاملة محمولة غير أنها
* إذا حملت ألقت سريعا جنينها
*
* وأكثر ما تحويه يوما وليلة
* وتضجر منه أن يدوم قرينها
*
* منعمة لم ترض خدمة نفسها
* فلغلمانها من حولها يخدمونها
*
* لها جسد ما بين روحين يغتدى
* فلولاهما كان الترهيب دينها
*
* وقد شبهت بالعرش في أن تحتها
* ثمانية من فوقهم يحمدونها
*
وقال أيضا لغزا في البيضة
* ومولودة لا روح فيها وإنها
* لتقبل نفخ الروح بعد ولادها
*
* وتسمو على الأقران في حومة الوغى
* ولكن سموا لم يكن بمرادها
*
* إذا جمعت فالنقص يعرو حروفها
* ولكنها نزداد عند انفرادها
*
وقال أيضا في السيف
* وأبيض وضاح الجبين صحبته
* فأحسن حتى ما أقوم بشكره
*
* إذا خذلتني أسرتي وتقاعدت
* أخلاي عن نصري حباني بنصره
*
* يواصلني في شدتي منه قاطع
* يخفف عني في رخائي بهجره
*
* شددت يدي منه على قائم بما
* أكلفه يلقى الأعادي بصدره
*

544
* صبور على الشكوى فلو دست خده
* على رقة فيه وثقت بصبره
*
* إذا نابني خطب جليل ندبته
* فيهتز منه مستقل بأمره
*
* يخف غداة الروع مهما نهرته
* فيغرق في بحر العجاج بنهره
*
* ويمضي إذا أرسلته في مهمة
* فما يتلقاني مقيما لعذره
*
* غدا فاخرا بين الأنام بحده
* وراح أبيا عن أبيه بفخره
*
* فعص خلفه إن كنت تؤثر كشفه
* ولا تدع التقصير عن طول بحره
*
* فها أنا عنه كشفت لأنني
* حلفت له أبوح بسره
*
وقال في الرمح
* ولي صاحب قد كمل الله خلقه
* وليس به نقص يعاب فيذكر
*
* عصى ثقيل إن أطيل عنانه
* مطيع خفيف الكل حين يقصر
*
* يسابقني يوم النزال إلى العدا
* فإن لم أؤخره فما يتأخر
*
* ويؤمن منه الشر ما دام قائما
* ولكن إذا ما نام يخشى ويحذر
*
* أنال به في الروع مهما اعتقلته
* مراما إذا أطلقته يتعذر
*
* تعدى على أعدائه متنصلا
* إليهم وما أبدى اعتذارا فيعذر
*
* ترى منه أميا إلى الخط ينتمي
* ومغرى بغزو الروم وهو مزنر
*
* عجبت له من صامت وهو أجوف
* ومن مستطيل الشكل وهو مدور
*
* ومن طاعن في السن ليس بمنحن
* ومن أرعن مذ عاش وهو موقر
*
* ففكر إذا ما رمت إفشاء سره
* فها أنا قد أظهرته وهو مضمر
* وقال في الخيمة
* ومرفوعة منصوبة قد نصبتها
* ولكنه رفع يؤول إلى خفض
*
* تعين على حر الزمان ويرده
* بلا حسب زاك ولا كرم محض
*
* وتصبح للاجي إليها وقاية
* لبعض الأذى الطاري على الجسم لا العرض
*
* تقوم على رجلين طورا وتارة
* تقوم على رجل بلا عرج منض
*
* إذا حضرت كانت عقيلة خدرها
* وإن تبد لم تلزم مكانا على الأرض
*
* قصدت كريما خيمة ليبينها
* وقصد الكريم الخيم من جملة الفرض
*
يا رافع الأدباء ودافع لأواء الغرباء هذا اللغز مهمد موطأ مكشوف لا

545
مغطى وقد سطر مفردا ومجموعا وذكر مقيسا ومرفوعا إلا أنه قد استخفى وهو مظهر وأسر وهو مجهر وتعامى وهو بصير وتطاول وهو قصير وتصامم وهو سميع وتعاصى وهو مطيع ومثل مولاي من عرف وكره ولم يعمل فكره والأمر له على أمره وأطال للأولياء عمره
وقال أيضا
* ومليح جاءنا يشطح
* في صدر نهار
*
* وهو في مبدأ سكر
* وعقابيل خمار
*
* فسقيناه إلى أن
* أظلم الليل لسار
*
* وجذبنا في لبان
* ودفعنا بمدارى
*
* فصحبناه بكأس
* وعبقناه بعار
*
وقال في جمع سواك
* أيا سيدا ما رام جدواه طالب
* فعاد ولم يظفر بأقصى مطالبه
*
* اين لي عن الجمع الذي عن ذكرته
* تخاطب من خاطبته يمعايبة
*
وكتب إلى ركن الدين قرطاي ببغداد وهو ساكن عند نهر عيسى
* أمولاي أني مذ رأيتك ساكنا
* على نهر عيسى لم أزل دائم الفكر
*
* لأنك بحر بالمكارم زاخر
* ومن عجب أن يسكن البحر في النهر
*
ولما كان ببغداد خرج للشعراء من عند المستنصر ذهب على أيدي الحجاب ولم يخرج إليه شيء فكتب إلى الخليفة المستنصر
* لما مدحت الإمام أرجو
* ما نال غيري من المواهب
*
* أجدت في مدحه ولكن
* عدت بجدي العثور خائب
*
* فقال لي مادحوه لما
* فازوا وما فزت بالرغائب
*
* لم أنت فينا بغير عين
* قلت لأني بغير حاجب
*
وقال
* وعلق نفيس تعلقته
* فزار على خلوة وارتياع
*
* ولم يبق في المرد إلا كما
* يقال على أكله والوداع
*
* فعاجلته عن دخول الكنيف
* بشح مطاع ورأى مضاع
*

546
* ففرقني منه نوء البطين
* ورواه منى نوء الذراع
*
وقال
* على ورد خديه وآس عذاره
* يليق بمن يهواه عذاره
*
* وأبذل جهدي في مداراة قلبه
* ولولا الهوى يقتادني لم أداره
*
* أرى جنة في خده غير أنني
* أرى جل ناري شب من جلناره
*
* كغصن النقا في لينه واعتداله
* وريم الفلا في جيده ونفاره
*
* سكرت بكأس من رحيق رضابه
* ولم أدر أن الموت عقبى خماره
*
وقال
* لو شرحت الذي وجدت من الوجد
* عليكم أمللتكم ومللت
*
* فلهذا خففت عنكم من الكتب
* ولو شيت أن أطيل أطلت
*
* غير أن العبيد تحمل عن قلب
* الموالي وهكذا قد فعلت
*
وقال في مليح نحوي
* بليت بنحوي يخالف رأيه
* أوأنا منجزيني على المدح بالمنع
*
* تعجبت من واو تبدت بصدغه
* ولم يحظني منها بعطف ولا جمع
*
* ومن ألف من قده قد أمالها
* عن الوصل لكن لم يملها عن القطع
*
وقال أبو الحسين الجزار يمدحه
* عفا الله عما قد جنته يد الدهر
* فقد بذل المجهود في طلب العذر
*
* ايحسن أن أشكو الزمان الذي غدت
* صنائعه عندي تجل عن الشكر
*
* لقد كنت في أسر الخمول فلم يزل
* بتدريجه حتى خلصت من الأسر
*
* فشكرا لأيام وفت لي بوعدها
* وأبدت لعيني فوق ما جال في فكري
*
* وكم ليلة قد بتها معسرا ولى
* بزخرف آمالي كنوز من اليسر
*
* أقول لقلبي كلما اشتقت للغنى
* إذا جاء نصر الله تبت يد الفقر
*
منها
* وإن جنته بالمدح يلقاك باللها
* فكم مرة قد قابل النظم بالنثر
*
* ويهتز للجدوى إذا ما مدحته
* كما اهتز حاشا وصفه شارب الخمر
*

547
منها
* ولو أنني وافيت غيرك مادحا
* لتممت نقصي بالحماقة والفشر
*
* وأعطيت نفسي عنده فوق حقها
* من الكبر لكن ليس ذا موضع الكبر
*
* وكل امرئ لا يحسن العوم غارق
* إذا ما رماه الجهل في لجة البحر
*
((546 - أبو صالح الجيلي))
نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر أبو صالح الجيلي الشافعي
تفقه في صباه ثم صحب محمد بن علي النوقاني الفقيه الشافعي وقرأ عليه الخلاف والأصول وبرع في ذلك وتولى التدريس في مدرسة جده بباب الأزج وبالمدرسة الشاطئية عند باب المراتب وبنيت له دار بجامع القصر للمناظرة وعقد مجلس الوعظ في مدرسته وكان له قبول عظيم
وأذن له في الدخول في كل جمعة على الأمير أبي نصر محمد ابن الإمام الناصر لسماع مسند مسلم فحصل له به أنس فلما بويع له بالخلافة ولقب بالإمام الظاهر قلده قضاء القضاة في يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة وخلع عليه السواد وقرئ عهده في جوامع مدينة السلام فسار السيرة المرضية وأقام ناموس الشرع ولم يحاب أحدا في دين الله
وكان يملي الحديث في مجلس حكمه ويكتب الناس عنه ولم تغيره الولاية عن أخلاقه وأقام على القضاء مدة أيام الظاهر وتولى المستنصر بالله فأقره على ذلك أربعة أشهر وأياما وعزله
وكان له رسم في رجب من الصدقة الناصرية يأخذه من البدرية فاتفق تفرقته في بعض السنين في يوم الأربعاء وكان قد توجه لزيارة قبر أحمد بن حنبل فلما عاد من الزيارة وجد الناس قد قبضوا رسومهم وانفصلوا وقيل له إن رسمك قد رفع إلى الحكيم ابن توما النصراني فامض إليه فقال والله لا

548
امضى إليه ولا أطلب رزقي من كافر وعاد إلى منزله متوكلا على الله تعالى وقال
* نفس ما عن ديننا من بدل
* فدعى الدنيا وخلى جدلي
*
* ما تساوى أننا نمضي إلى
* مشرك إذ ذاك عين الزلل
*
* إن يكن دين علينا فلنا
* خالق يقضيه هذا أملي
*
ولم يزل ذلك الذهب عند الحكيم النصراني إلى أن مات وأخذ من تركته وحمل إلى القاضي
ومولده في شهور سنة أربع وستين وخمسمائة ووفاته سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وكانت جنازته عظيمة ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد بن حنبل وقيل بل دفن معه تولى ذلك الرعاع والعوام وقبض على من فعل ذلك وعوقب وحبس ونبش بعد ثلاثة أيام ونقل وعفى قبره ولم يعلم أين دفن
ورثاه الشيخ يحيى الصرصري رحمه الله تعالى بقوله
* أبا صالح ما العيش بعدك صالح
* ونزحت ففيك الحزن للدمع نازح
*
* وما مقل ضنت عليك بمائها
* غداة النوى إلا عيون شحائح
*
* نأيت وصعب الدمع بعدك بالأسى
* ذلول ومطواع التصبر جامح
*
* على مثلك اليوم البكاء لذي الحجا
* مباح وفيك القلب بالحزن نائح
*
* وما عذر عين لا تفيض دموعها
* عليك وآماق المعالي سوافح
*
* على صفحات المكرمات كآبة
* لفقدك لما غيبتك الصفائح
*
* فلله فبر ضم فضلك إنه
* لقبر بعيد قطرة متفاسح
*
* به الروح والريحان والنور عاكف
* وفوق ثراه فأرة المسك فاتح
*
* لئن ذقت كأسا ذاقها أحمد الرضا
* وقد ذاقها من قبل هود وصالح
*
* لما مات ما أحييت من سنن الهدى
* يعلمك فليرغم حسود وكاشح
*
* سقى جدثا أصبحت فيه مخيما
* من السلسبيل العذب غاد ورائح
*
* علوت بقرب من إمامك ذروة
* تسنمتها إذ أنت عنه تنافح
*
* وما كنت إلا سر جدك ميتا
* وحيا فميزان العلا بك راجح
*
* وكنت عماد الدين معنى وصورة
* وغيرك عن ألقابه متنازح
*
* سموت بمجد سابق ثم لاحق
* فقصر في الأوصاف ناع ومادح
*

549
* وكنت لرأس المجد تاجا مكللا
* وخلقت تاجا فوقه الفخر لائح
*
* فلا زال في العلياء بيتك ساميا
* تزول به عنا الخطوب الفوادح
*
((547 - أبو طاهر الحلى الشاعر))
نصر بن الفتح بن أبي المعمر بن أسد بن الحسن ينتهي إلى طاهر بن الحسين أبو طاهر الطاهري الشاعر من الحلة السيفية
كان شيخا فاضلا أديبا شاعرا دخل الشام ومدح الملوك والأعيان
قال محب الدين بن النجار لقيناه بالشام وكتبنا عنه شيئا من شعره وكانت وفاته بعد سنة خمس وعشرين وستمائة ومولده سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
ومن شعره
* ما بين رامة والعقيق ديار
* كانت وكان بها الهوى ونوار
*
* درست على مر الزمان كأنما
* آثارها من ريطه آثار
*
* لم تبق إلا من أوار ما بدت
* إلا بدا فوق القلوب أوار
*
* عهدي بها قبل الشباب وما غدت
* من أهلها للغاديين قفار
*
* والدهر ما صدع الجميع وظلنا
* ضال النقا وضياؤها السمار
*
* والأرض قد حكت السماء بأنجم
* في روضة نجمت بها الأزهار
*
* والطل يستبكي الربيع جفونه
* فإذا بكى يتضاحك النوار
*
* والدوح تهصره الصبا بعليلها
*
* فإذا أمادت ورقه الأوكار
*
* تشدو وتنشدنا القيان مناسبا
* بفم الكران ويصحب المزمار
*
* فتصفق الأغصان ما بين الغنا
* بيد النسيم وترقص الأشجار
*
* وشرابنا كرمية الأعراق بل
* كرمية الأخلاق بل بكر الحيا المدرار
*
* كالتبر قد نثر اللجين فويقه
* الياقوت بل ماء عليه نار
*
* راح بها روح القلوب وبرؤها
* من عقر سيف الهم وهي عقار
*
* يغدو بها عبل الروادف ما انثنى
* إلا ثنى الأكباد وهي حرار
*
* قمر على غصن على دعص وهل
* هذي الصفات تحوزها الأقمار
*
* ليس العذار فطل يخلع دائما
* فيه العذار وتلبس الأعذار
*

550
* يجري غرار السيف منه إذا بدا
* وأسيل خد سال فيه عذار
*
* ورد على طلع وخيط بنفسج
* متنطق بنضيده ومدار
*
* كم شد زنارا لديه مسلم
* ولها ولم يحلل له زنار
*
* فسقى لييلات مضين بهذه
* الأوطان كم قضيت بها أوطار
*
* ديم تديم الإنسكاب كأنها
* نعم يجود بها الغياث غزار
*
((548 - أبو سعد الدينوري))
نصر بن يعقوب أبو سعد الدينوري مصنف كتاب التعبير المعروق بالقادري
ذكره الثعالبي فيمن ورد من نيسابور وقال تعقد عليه الخناصر بخراسان في الكتابة والصناعة والبراعة وله في الأدب تقدم محمود وفي المروة قدم مشهورة وشهادة
الصاحب بن عباد له في الفضل يسجل بها حكام العدل
وله تصانيف منها كتاب روائع التوجيهات في بدائع التشبيهات وكتاب ثمار الأنس في تشبيهات الفرس كتاب الجامع الكبير في التعبير وهو القادري كتاب الأدعية كتاب حقه الجوهر
ومن شعره
* أبى لي أن أبالي بالليالي
* وأخشى صرفها فيمن يبالي
*
* حلولي في ذرا ملك كطود
* رفيع مشرق الأعلام عالي
*
* إلى شمس الشتاء إلا ظلال
* المصيف إلى الغمام إلى الهلال
*
* إذا ما جاءه المذعور يوما
* وحل ببابه عقد الرحال
*
* تبوأ من ذراه خير دار
* فلم يخطر لمكروه ببال
*
ومنها عند ذكر القصيدة
* بودى لو نهضت بها ولكن
* ضعفت عن الحراك لضعف حالي
*
ومنه
* إسقني كأسا كلون الذهب
* وامزج الريق بماء العنب
*

551
* فقد ارتجت بنا الأرض ضحى
* كارتجاع الزئبق المنسرب
*
* وكأن الأرض في أرجوحة
* وكأنا فوقها في لولب
*
((549 - نصيب الأكبر))
نصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان
كانت أمه سوداء فوقع عليها أبوه فجاءت بنصيب فوثب إليه عمه بعد وفاة أبيه فباعه وكان شاعرا فحلا مقدما في النسيب والمديح ولم يكن له حظ في الهجاء وكان عفيفا
توفي في حدود العشرين والمائة
قال نصيب كنت أرعى غنما أو قال إبلا فضل منها بعير فخرجت في طلبه حتى قدمت مصر وبها عبد العزيز بن مروان فقلت ما بعد عبد العزيز أحد اعتمده ولم أكن بعد قد مدحت أحدا فحضرت بابه مع الناس فرأيت رجلا على بغلة حسن البزة يؤذن له إذا جاء فلما انصرف إلى منزله اتبعته أماشي بغلته فقال ما شانك فقلت أنا رجل شاعر
من أهل الحجاز
وقد مدحت الأمير وأتيت إليه راجيا معروفه قال فأنشدني فأنشدته فأعجبه وقال ويحك هذا شعرك إياك أن تنتحل فإن الأمير راوية عالم بالشعر وعنده رواة فلا تفضحني وتفضح نفسك فقلت والله ما هو إلا شعري فقال ويحك قل أبياتا تذكر فيها حوف مصر وفضلها على غيرها والقني بها غدا فغدوت عليه فأنشدته
* سرى الهم حتى بيتتني طلائعه
* بمصر وبالحوف اعترتني روائعه
*
* وبات وسادي ساعد قل لحمه
* عن العظم حتى كاد تبدو أشاجعه
*
وذكر الغيث فقال
* وكم دون ذاك العارض البارق الذي
* له اشتقت من وجه أسيل مدامعه
*
* تمشى به أبناء بكر ومذحج
* وأبناء عمرو فهو خصب مراتعه
*

552
* بكل مسيل من تهامة طيب
* دميث الربا تسقى البحار دوافعه
*
* أعنى على برق أريك وميضه
* تضئ دجنات الظلام لوامعه
*
* إذا اكتحلت عينا محب بضوئه
* تجافت به حتى الصباح مضاجعه
*
قال أنت والله شاعر احضر الباب فإني أذكرك قال فجلست على الباب ودخل فدعاني فدخلت فسلمت على عبد العزيز فصعد في بصره وصوب وقال أشاعر ويلك أنت قلت نعم أيها الأمير قال فأنشدني فأنشدته
* لعبد العزيز على قومه
* وغيرهم نعم غامرة
*
* فبابك ألين أبوابهم
* ودارك مأهولة عامرة
*
* وكلبك آنس بالمعتفين
* من الأم بالإبنة الزائرة
*
* وكفك حين ترى السائلين
* أندى من الليلة الماطرة
*
* فمنك العطاء ومنا الثناء
* كل محبرة سائرة
*
فقال اعطوه أعطوه قلت إني مملوك فدعا الحاجب قال اخرج فابلغ قيمته فدعا المقومين فقال قوموا غلاما أسود ليس له عيب فقالوا مائة دينار قال إنه راعي إبل يحسن القيام بها قالوا مائتا دينار قال إنه يبري القسي والنبل ويريشها قالوا أربعمائة دينار قال إنه راوية للشعر قالوا ستمائة دينار قال إنه شاعر لا يلحن قالوا ألف دينار قال عبد العزيز ادفعها إليه فقلت له أصلح الله الأمير ثمن بعيري الذي ضل قال كم ثمنه قلت خمسة وعشرون دينارا قال ادفعوها إليه قلت فجائزتي لنفسي عن مديحي إياك قال اشتر نفسك ثم عد إلينا
ووفد نصيب على الحكم بن المطلب وهو على صدقات المدينة فأنشده
* أبا مروان لست بخارجي
* وليس قديم مجدك بانتحال
*
* أغر إذا الرواق انجاب عنه
* بدا مثل الهلال على المثال
*
* تراءاه العيون كما تراءى
* عشية فطرها وضح الهلال
*
فأعطاه أربعمائة ضائنة ومائة لقحة ومائتي دينار
وقال نصيب علقت جارية حمراء فمكثت زمانا تمنيني الأباطيل فلما

553
ألححت عليها قالت إليك عني فوالله لكأنك من طوارق الليل فقلت والله وأنت لكأنك من طوارق النهار قالت وما أظرفك يا أسود فغاظني قولها فقلت لها أتدرين ما الظرف إنما الظرف العقل ثم قالت لي انصرف حتى أنظر في أمرك فأرسلت إليها بهذه الأبيات
* فإن أك أسودا فالمسك أحوى
* وما لسواد جلدي من دواء
*
* ومثلي في رجالكم قليل
* ومثلك ليس يعدم في النساء
*
* فإن ترضى فردى قول راض
* وإن تأبى فنحن على السواء
*
قال فلما قرأت الشعر تزوجتني
ودخل نصيب على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق فأنشده شعرا لم يرضه وكلح في وجهه وقال لنصيب قم فأنشد مولاك فقام فأنشده
* أقول لركب صادرين لقيتهم
* قفا ذات أوشال ومولاك قارب
*
* قفوا خبروني عن سليمان إنني
* لمعروفه من آل ودان طالب
*
* فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله
* ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
*
* وقالوا عهدناه وكل عشية
* على بابه من طالبي العرف راكب
*
* هو البدر والناس الكواكب حوله
* ولا يشبه البدر المضئ الكواكب
*
فقال أحسنت يا نصيب وأمر له بجائزة ولم يصنع ذلك بالفرزدق فقال الفرزدق
* وخير الشعر أكرمه رجالا
* وشر الشعر ما قال العبيد
*
حدث محمد بن سلام قال دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك فقال له حدثني يا نصيب ببعض ما تم عليك قال نعم يا أمير المؤمنين علقت جارية حمراء فعيرتني بالسواد فكتبت إليها
* فإن يك من لوني السواد فإنني
* لكالمسك لا يروي من المسك ذائقه
*
* وما ضر أثوابي سوادي وتحته
* لباس من العلياء بيض بنائقه
*
فلما شمعت الشعر قالت المال والعقل يأتيان على غيرهما فتزوجتني

554
((550 - نصيب الأصغر))
نصيب الأصغر مولى المهدي
كان قد نشأ باليمامة فاشتراه المهدي فلما سمع شعره قال والله ما هو بدون نصيب مولى بني أمية وأعتقه وزوجه أمة وكناه أبا الحجناء وأقطعه ضيعة بالسواد وعمر بعده ومدح هارون بقوله
* أللبين يا ليلى جمالك ترحل
* ليقطع منا البين ما كان يوصل
*
* تعللنا بالوعد ثمت تلتوي
* بموعدها حتى يموت المعلل
*
* فلا الحبل من ليلى يواتيك و صله
* ولا أنت تنهى القلب عنها فيذهل
*
* خليلي إني ما يزال يشوقني
* قطين الحمى والظاعن المتحمل
*
* فأقسمت لا أنسى ليالي منعج
* ولا مأسل إذ منزل الحي مأسل
*
* أمن أجل أبيات ورسم كأنه
* بقية وحى أو كتاب مفصل
*
* فيأيها الزنجي ما لك والصبا
* أفق عن طلاب البيض إن كنت تقبل
*
* فمثلك من أحبوشة الزنج قطعت
* وسائل أسباب بها يتوصل
*
* قصدنا أمير المؤمنين ودونه
* مهامه موماة من الأرض مجهل
*
* على أرحبيات طوى السير فانطوت
* ثمائلها مما يحل ويرحل
*
* إذا انبلج البابان والستر دونه
* بدا مثلما يبدو الأغر المحجل
*
* شريكان فينا منه عين بصيرة
* كلوء وقلب حافظ ليس يغفل
*
* فما فات عينيه رعاه بقلبه
* فآخر ما يرعى سواء وأول
*
* وما نازعت فينا أمورك هفوة
* ولا خطل في الرأي والرأي يخطل
*
* إذا اشتبهت أعناقه بينت له
* معارف في أعجازه وهو مقبل
*
* على ثقة منا تحن قلوبنا
* إليك كما كنا أباك نؤمل
*
* إذا ما دهتنا من زمان ملمة
* فليس لنا إلا عليك معول
*
ووجه المهدي نصيبا إلى اليمن في شراء إبل مهربة ووجه معه رجلا من الشيعة وكتب معه إلى عامل اليمن بعشرين ألف دينار فمد نصيب يده في

555
الدنانير ينفقها ويشرب بها ويشتري الجواري فكتب الشيعي بخبره إلى المهدي فأمر بحمله موثقا في الحديد فلما دخل على المهدي أنشده
* تأوبني ثقل من الهم موجع
* فأرق عيني والخليون هجع
*
* هموم توالت لو أطاف يسيرها
* بسلمى لظلت صمها تتصدع
*
* ولكنها نيطت فناء بحملها
* جهيز المنايا حائن النفس يجزع
*
* وعادت بلاد الله ظلماء حندسا
* فخلت دجى ظلمائها لا تقشع
*
منها
* إليك يا أمير المؤمنين ولم أجد
* سواك مجيزا منك يدنى ويمنع
*
* تلمست هل من شافع لي فلم أجد
* سوى رحمة أعطاكها الله تشفع
*
* لئن جلت الأجرام منى وأفظعت لعفوك من جرمي أجل وأوسع
*
* لئن لم تسعني بابن عم محمد
* فما عجزت مني وسائل أربع
*
* طبعت عليها صنعة ثم لم تزل
* على صالح الخلاق والدين تطبع
*
* تغايبك عن ذي الذنب ترجو صلاحه
* وأنت ترى ما كان يأتي ويصنع
*
* وعفوك عمن لو تكون جزيته
* لطارت به في الجو نكباء زعزع
*
* وأنك لا تنفك تنعش عاثرا
* ولم تعترضه حين يكبو ويخمع
*
* وحلمك عن ذي الجهل من بعدما جرى
* به عنق من طائش الجهل أسفع
*
* ففيهن لي إما شفعن منافع
* وفي الأربع الأولى إليهن أفزع
*
* مناصحتي بالفعل إن كنت نائبا
* إذا كان دان منك بالقول يخدع
*
* وثانية ظني بك الخير عادة
* وإن قلت عبد ظاهر الغش مسبع
*
* وثالثة أتى على ما هويته
* وإن كثر الأعداء في وشنعوا
*
* ورابعه أنى إليك يسوقني
* ولائي تولاك الذي لا يضيع
*
* وإني لمولاك الذي إن جفوته
* أتى مستكينا خاضعا يتضرع
*
* وإني لمولاك الضعيف فأعفني
* فإني لعفو منك أهل وموضع
*
* وإني لمولاك الضعيف فأعفني
* فإني لعفو منك أهل وموضع
*
فقطع عينه المهدي الإنشاد وقال ومن أعتقك يا بن السوداء فأومأ بيده إلى الهدى وقال الأمير يا أمير المؤمنين فقال المهدي لولده موسى أعتقته يا بني قال نعم يا أمير المؤمنين فأمضى المهدي ذلك وأمر بحديده ففك عنه

556
وخلع عليه عدة من الخلع الخز والوشي والسواد والبياض ووصله بألفي دينار وأمر له بجارية يقال لها جعفرة جميلة فائقة من ورقة الرقيق فقال له سالم قيم دار الرقيق لا ادفعها إليك أو تعطيني ألف دينار فقال قصيدته
* أآذن الحي فانصاعوا بترحال
* فهاج بينهم شوقي وبلبالي
*
وقام بها بين يدي المهدي فلما قال
* ما زلت تبذل لي الأموال مجتهدا
* حتى لأصبحت ذا أهل وذا مال
*
* زوجتني بابن خير الناس جارية
* ما كان أمثالها يهدي لأمثالي
*
* زوجتني بضة بيضاء ناعمة
* كأنها درة في كف لآل
*
* حتى توهمت أن الله عجلها
* يا بن الخلائف لي من خير أعمالي
*
* فسألني سالم ألفا فقلت له
* انى لي الألف يا قبحت من سال
*
* هيهات ألفك إلا أن أجئ بها
* من فضل مولى لطيف المن مفضال
*
فأمر له المهدي بألف دينار ولسالم بألف درهم
ومر نصيب بباب الفضل بن يحيى فقال
* ما لقينا من جود فضل بن يحيى
* جعل الناس كلهم شعراء
*
وكانت وفاته بعد التسعين والمائة رحمه الله
((551 - النصير الحمامي))
النصير بفتح النون ابن أحمد بن علي المناوي الحمامي
قال الحافظ العلامة أثير الدين أبو حيان كان المذكور أديبا بمصر كيس الأخلاق يتحرف باكتراء الحمامات وأسن وضعف عن ذلك وكان يستجدى بالشعر توفي سنة اثنتي عشرة وسبعمائة رحمه الله
من شعره
* لا تفه ما حييت إلا بخير
* ليكون الجواب خيرا لديكما
*
* قد سمعت الصدى وذاك جماد
* كل شيء تقول رد عليكما
*
أخذ هذا المعنى من ابن سناء الملك حيث يقول

557
* بان عليها الذل من بعدهم
* وزاد حتى كاد ألا يبين
*
* فإن تقل أين الذين اغتدوا
* يقل صداها لك أين الذين
*
وأخذه ابن سناء الملك من القاضي ناصح الدين الأرجاني حيث قال
* سأل الصدا عنه وأصغى للصدا
* كيما يقول فقال مثل مقاله
*
* ناداه أين ترى محط رحاله
* فأجاب أين ترى محط رحاله
*
ومن شعر النصير
* أقول والكأس قد تبدت
* في كف أحوى اغن أحور
*
* خربت بيتي وبيت غيري
* وأصل ذا كعبك المدور
*
ومنه أيضا
* إن الغزال الذي هام الفؤاد به
* إستأنس اليوم عندي بعدما نفرا
*
* أظهرتها ظاهريات وقد ربضت
* فيها الأسود رآها الظبي فانكسرا
* وأيضا
* قالوا افتضحت في حبه
* فأجبت لي في ذا اعتذار
*
* من لي بكتمان الهوى
* وبخده نم العذار
*
وقال أيضا
* ما زال يسقيني زلال رضابه
* لما خفيت ضني وذبن توقدا
*
* ويظنني حيا رويت بريقه
* فإذا دعا قلبي يجاوبه الصدا
*
وقال أيضا
* ماذا يضرك لو سمحت بزورة
* وشفعتها بمكارم الأخلاق
*
* وردعت نفسك حين تمنعك اللقا
* وتقول هذا آخر العشاق
*
وقال
* لي منزل معروفة
* ينهل غيثا كالسحب
*
* أقبل ذا العذر به
* وأكرم الجار الجنب
*
أصول الفقه على ابن البرهان وأصول الدين على أبي عبد الله القيرواني وسمع هناك على أشياخ العصر وسمع بالكوفة ومكة بعدما حج ورجع إلى بغداد ثم عاد إلى دمشق وصار معيدا لشيخه علي بن المسلم بالمدرسة الأمينية ثم إنه درس بالغزالية بالجامع الأموي وأفتى وحدث واعتنى بعلوم القرآن والنحو واللغة وحصل النسخ نسخا وتوريقا وشراء وكان فاضلا ظريفا كيسا مطبوعا عشيرا حريصا على طلب العلم وكتبه مبذولة للطلبة والمستفيدين والغرباء ولم يزل يكتب إلى أن مات في سنة ثلاث وستين وخمسمائة رحمه الله تعالى وإيانا
((558 - أبو الحسين الحاجب))
هبة الله بن الحسن أبو الحسين الحاجب ذكره كمال الدين بن الأنباري في كتاب النحويين ومات فجأة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة كان من أفاضل الشعراء
ومن شعره
* يا ليلة سلك الزمان
* بطيبها في كل مسلك
*
* إذا ارتقى ردف المسررة
* مدركا ما ليس يدرك
*
* والبدر قد فضح الظلام
* فستره فيه مهتك
*
* وكأنما زهر النجوم
* بلمعها شعل تحرك
*
* والغيم أحيانا يموج
* كأنه ثوب ممسك
*
* وكأن نشر المسك ينفح
* في النسيم إذا تحرك
*
* وكأنما المنثور مصفر
* الذرا ذهب مشبك
*
* والنور يبسم في الرياض
* فإن نظرت إليه سرك
*
* شارطت نفسي أن أقوم
* بشرطها والشرط أملك
*
* حتى تولى الليل منهزما
* وجاء الصبح يضحك
*

558
وقال
* رأيت فتى يقول بشط مصر
* على درج بدت والبعض غارق
*
* متى غطى لنا الدرج استقمنا
* فقلت نعم وتنصلح الدقائق
*
وقال
* ومذ لزمت الحمام صرت فتى
* خلا يداري من لا يداريه
*
* اعرف حر الأشيا وباردها
* وآخذ الماء من مجاريه
*
قلت لما كتب أبو الحسين الجزار إلى النصير الحمامي
* حسن التأتي مما يعين على
* رزق الفتى والحظوظ تختلف
*
* والعبد مذ كان في جزارته
* يعرف من أين تؤكل الكتف
*
كتب إليه البيتين المذكورين أولا
وقال النصير أيضا
* رأيت شخصا آكلا كرشه
* وهو أخو ذوق وفيه فطن
*
* وقال ما زلت محبا لها
* قلت من الإيمان حب الوطن
*
وقال النصير يوما للسراج الوراق قد عملت قصيدة في الصاحب تاج الدين وأشتهي أنك تزهزه لها وتشكرها وسيرها إلى الصاحب فلما أنشدت بحضرة السراج قال السراج بعد ما فزع منها
* شاقني للنصير شعر بديع
* ولمثلي في الشعر نقد بصير
*
* ثم لما سمعت باسمك فيه
* قلت نعم المولى ونعم النصير
*
فأمر له الصاحب بدراهم وسيرها إليه وقال قل له هذه مائتا درهم صنجة فلما أدى الرسول الرسالة قال النصير قبل الأرض بين يدي مولانا الصاحب وقل له يسأل إحسانك وصدقاتك أن تكون عادة فلما بلغ ذلك الصاحب أعجبه وقال يكون ذلك عادته
وكتب النصير إلى السراج يتشوقه
* وكدرت حمامي بغيبتك التي
* تكدر من لذاتها صفو مشربي
*
* فما كان صدر الحوض منشرحا بها
* ولا كان قلب الماء فيها بطيب
*

559
وكتب أيضا يستدعيه إلى حمامه
* من الرأي عندي أن تواصل خلوة
* لها كبد حرى وفيض عيون
*
* تراعى نجوما فيك من حر قلبها
* وتبكي بدمع قارح وحزين
*
* غدا قلبها صبا إليك وأنت إن
* تأخرت أضحى في حياض منون
*
وكتب ناصر الدين بن النقيب إلى النصير وقد حصل له رمد
* يقولون لي عين النصير تألمت
* ولازمه في جفنه ألحك والأكل
*
* فقلت أعين الرأس أم عين غيره
* فللعلو شيء لا يداوى به السفل
*
* فقالوا بل العين التي تحت صلبه
* فقلت لها التشييف عندي والكحل
*
* وميل بماء الريق يبتل سفله
* فيدخل سهر غير صعب وينسل
*
* وأغسلها بالبيض واللبن الذي
* على بتقطيري له يجب الغسل
*
* فإن شاء وافيت الأديب مداويا
* ولم أشتغل عنه وإن كان لي شغل
*
فأجابه النصير رحمهما الله تعالى
* أيا من له في الطب علم مباشر
* وما كل ذي قول له القول والفعل
*
* أتيت بطب قد جوى البيع والشرا
* تبين لي في ذلك الخرج والدخل
*
* وإن كان ذا سهلا بطبك إنه
* بسقمي صعب ليس هذا به سهل
*
* فلا عدم المملوك منك مداويا
* وما زال للمولى على عبده الفضل
*
وقال النصير دوبيت
* في وجهك للجمال والحسن فنون
* في طرفك للسحر فتور وفتون
*
* إني أسلو هواك يا من بانت
* عيناه تقول للهوى كن فيكون
*
وقال
* إن عجل النوروز قبل الوفا
* عجل للعالم صفع القفا
*
* فقد كفى من دمعهم ما جرى
* وما جرى من نيلهم ما كفى
*
وقال
* إني لأكره في الأنام ثلاثة
* ما إن لها في عدها من زائد
*
* قرب البخيل وجاهلا متعاقلا
* لا يستحي وتوددا من حاسد
*

560
* ومن الرزية والبلية أن ترى
* هذي الثلاثة جمعت في واحد
*
وكتب النصير إلى السراج الوراق من أبيات
* كنت مثل الغزال والله يكفي
* صرت في وجهه إذا جيت كلبا
*
* ولعمري لا ذنب لي غير أني
* تبت لله ظن ذلك ذنبا
*
* وهو لو جاءني وقد تبت حتى
* يبتغي حاجة فلن أتأبى
*
فأجابه السراج الوراق من أبيات
* وأتى الظبي مرسلا منك فاستغربت
* لما دعوت نفسك كلبا
*
* ولكم جيت عاديا خلفه تلهث
* عدوا للصيد بعدا وقربا
*
* غير أني نظرت عين صفي الددين
* كادت أن تشرب الظبي شربا
*
* فاترك التوبة التي قد نراها
* لك وزرا كما زعمت وذنبا
*
* واجتهد في رضاه عنك وقرب
* كل نائي المدى تنل منه قربا
*
* فلكم رضت جامحا في تراضيه
* وذللت بالسفارة صعبا
*
وكتب إلى السراج ملغزا في نون
* ما اسم ثلاثي يرى واحدا
* وقد يعد اثنين مكتوبة
*
* يظهر لي من بعضه كله
* إذ كل حرف منه مقلوبه
*
* أضعف ثمانين إلى ستة
* إن شئت لا يعددك محسوبه
*
* أطلبه في البحر وفي البر لا
* فات حجا مولاي مطلوبه
*
فكتب إليه الوراق الجواب
* يا سالب الألباب من سحره
* بمعجز أعجز أسلوبه
*
* ألغزت في اسم وهو حرف وقد
* يخفى علينا منك محجوبه
*
* وهو اسم أنثى مرضع طفلها
* غير لبان الناس مشروبه
*
* مطرد منعكس شكله
* سيان في العين ومقلوبه
*
وكتب النصير إلى الوراق
* أتى فصل الخريف على جدا
* بأمراض لواعجها شداد
*
* وأعذر عائذي إن لم يعدني
* ورب مريض قوم لا يعاد
*
فأجابه الوراق
* خلائقك الربيع فليس تخشى
* خريفا في الجسوم له اعتياد
*

561
* ولا والله لم أعلمك إلا
* صحيحا والصحيح فما يعاد
*
وكتب النصير إلى الوراق أيضا
* أيها المحسن الذي وهب الله
* تعالى الحسنى له وزيادة
*
* ضاع ما كان من وصولات وصلى
* فتصدق بكتبها لي معاده
*
* أين تلك الطروس نظما ونثرا
* منك تأتي على سبيل الإفادة
*
* كل طرس يجلي عروسا بدر القول
* كم من عقد وكم من قلادة
*
* كان عيسى إذا أتاك رسول
* منك يحيى خلا أمت وداده
*
* شهد الله ليس لي غير ذكراك
* وإلا خرست عند الشهادة
*
فكتب الوراق الجواب
* لم يفارق سواد عيني حبيب
* حل من قلبي المشوق سواده
*
* فكأني ولا أذوق له رزا
* جرير وذاك عندي سواده
*
* ذو بيان أدنى بلاغته تنسيك
* قسا وعصره وإياده
*
* جوهري الألفاظ كم قلد الأجياد
* عقدا من نظمه وقلاده
*
* فعبيد أدنى العبيد لديه
* ولبيد عن نظمه ذو وبلاده
*
* وأزجاله ابن قزمان يعنو
* ولتوشيحه يقر عباده
*
* فات دار الطراز منه خلال
* لو بها للسعيد تمت سعاده
*
* يا صديقي الذي غدا راغبا في
* وللأصدقاء فئ زهاده
*
* هجروني كأنني مصحف أو
* مسجد قد أقيم أو سجاده
*
* دمت نعم النصير لي ما تغنت
* ساجعات على ذرا مياده
*
وكتب النصير إلى السراج ملغزا في النار
* وما اسم ثلاثي له النفع والضرر
* له طلعة تغنى عن الشمس والقمر
*
* وليس له وجه وليس له قفا
* وليس له سمع له بصر
*
* يمد لسانا تختشي الريح بأسه
* ويسخر يوم الضرب بالصارم الذكر
*
* يموت إذا ما قمت تسقيه قاصدا
* وأعجب من ذا أن ذاك من الشجر
*
* أيا سامع الأبيات دونك شرحها
* وإلا فنم عنها ونبه لها عمر
*
فكتب إليه الوراق الجواب
* أراك نصير الدين ألغزت في التي
* تعيد لمسك الليل كافورة السحر
*

562
* رأى معشر أن يعشقوها ديانة
* وتالله لا تبقى عليهم ولا تذر
*
* وكل على قلب لهم وإن اسمها
* فمسكنهم منها ومأواهم سقر
*
* وقد وصفوا الحسناء في بهجة بها
* كما وصفوا الحسناء بالشمس والقمر
*
* ولو لم تكن ما طاب خبز لآكل
* ولا لذ ماء في حماك لمن عبر
*
وكتب النصير إلى الوراق ملغزا في ديك
* أيا من لديه غامض الشعر يكشف
* ومن بدره بادي السنا ليس يكشف
*
* عساك هدى لي إنني اليوم ذاهل
* عن الرشد فيما قد أرى متوقف
*
* أرى اسما له في الخفافقين ترفع
* أخا يقظه ذكرا ولا يتعفف
*
* رأيت به الأشياء تبدو وضدها
* فكاد لهذا الأمر لا يتكيف
*
* فعرفه ذو السمع وهو منكر
* ونكره ذو اللب وهو معرف
*
* فجاوب لأحظى بالجواب فإنه
* إذا جاوب المولى العبيد يشرف
*
فكتب إليه الوراق الجواب عن ذلك
* إليك نصير الدين منى إجابة
* بها أوضح المعنى الخفي وأكشف
*
* رأيتك قد ألغزت لي في متوج
* بتذكاره أسماعنا تتشنف
*
* ينبه قوما للصلاة ومعشرا
* عبادتهم آس وكاس وقرقف
*
* له كرم قد سار عنه وغيره
* وعرف به من غيره ظل يعرف
*
* حظي تراه وادعا في ضرائر
* يزينه تاج وبرد مفوق
*
* وفي قلبه كيد ولكن صدره
* غدا ضيقا مثلي بذلك يوصف
*
وكتب النصير إلى الوراق ملغزا في نعامه
* ومفرد جمعا يرى
* بحذف بعض الأحرف
*
* اسم نعا أكثره
* فقال باقيه اكفف
*
* تراه يغدو مسرعا
* في برده المفوف
*
فكتب الوراق الجواب
* لو قلت فيمن قد نعى
* مات لصدقتك في
*
* فكل باغ كالذي
* تبغى رهين التلف
*
* ألغزت في اسم طائر
* في الأرض عنا ما خفى
*
* يفحص فافحص عنه يا
* رب الفنون تعرف
*

563
* وهو لعمري في السماء
* يقتفي ويقتفي
*
وكتب النصير إلى الوراق وعنده أحمد الموصلي الزجال
* عندنا من غدا بحبك مغرى
* وله فيك لوعة وغرام
*
* موصلي يهوى الملاح إذا ما
* جاء صبح اللحى وولى الظلام
*
* فهو لا ينتهي عن الشين بالشيب
* فماذا تقول يجدي الملام
*
* لو تبدي لعينه ابن ثمانين
* غدا وهو عاشق مستهام
*
* قر عينا وطب فديتك نفسا
* عنده أنت أنت بدر تمام
*
* حبذا من بنات فكرك عذراء
* بها من فتيق مسك ختام
*
* خلت ميم الرؤى فاها وقد
* صاق من ذاق قال فيه مدام
*
* ولها من عقود فضلك حلى
* لم يجز مثل دره النظام
*
* أذكرت بالشباب عيشا خليعا
* نبت فوديه بعد آس ثمام
*
فكتب إليه الوراق الجواب
* كيف لا كيف لا ولم أر صعبا
* قط يأتي إلا وأنت زمام
*
* وبما فيك من تأت ولطف
* أنا شيخ للموصلي غلام
*
* فهو نعم المولى ونعم النصير
* المرتضى أنت صاحبا والسلام
*
وكتب النصير إلى الوراق ملغزا في كنافة
* يا واحدا في عصره بمصره
* ومن له حسن السناء والسنا
*
* تعرف لي اسما فيه ذوق وذكا
* حلو المحيا والجنان والجنى
*
* والحل والعقد له في دسته
* ومجلس الصدر وفي الصدر المنى
*
* إن قيل يوما هل لذاك كنية
* فقل لهم لم يخل يوما من كنا
*
فكتب الوراق الجواب
* لبيك يا نعم النصير والذي
* أذنت به المنية لي كل المنى
*
* عرفتني الاسم الذي عرفته
* وكاد يخفى سره لولا الكنا
*
* له من الحو الحسان طلعة
* تقابل المرآة منها الأحسنا
*
* وخدنه بعض اسمه طيرا غدا
* أصدق شيء إن بلوت الألسنا
*
* هو لسان كله وبعد ذا
* تنظره عند الكلام ألكنا
*
* وفي خوان المجد كان مألفي
* عند الصيام رب فاجمع بيننا
*

564
وكتب النصير إلى الوراق مع ظروف يقطين في فرد
* يا من لدفع الردى غدا جنه
* ومن له في قبولها المنه
*
* هديه في الإناء تتبعها
* خير ثناء وهكذا السنة
*
فكتب الوراق الجواب
* يا من غدا لي من العدا جنه
* ومن بحمامه لنا جنه
*
* جاء بها الفرد وهو ممتلئ
* ملء فؤاد الحماة بالكنه
*
* وكل ظرف منها بنوه على
* الفتح فحقق في حبه ظنه
*
وقال النصير يصف حمامه
* حمام الأديب العارف
* ما تجري وحال واقف
*
* بها أسطول وما فيها سطال
* والماء يتزن بالقسطال
*
* والعمال رأيته بطال
* والاسكندراني ناشف
*
* وما رأيت فيها بلان
*
* يسرح لأحد با حسان
*
* والزبال يعر القوسان
*
* قال والخاتمة يتصالف
*
* ذي دونه وقيمها دون
*
* مبنيه على ميه مجنون
*
* والما في المجاري مخزون
*
* والأنبوب معوج تالف
*
* وتابوت على فسقيه
*
* قلتو مت بالكلية
*
* خذو من نصير الدية
*
* وإلا اثنينا نتناصف
*
وكتب النصير إلى الوراق موشحا
* أهوى رشا في مهجتي مرتعه
* أفديه ربيب
*
* لا بل قمرا في ناظري مطلعه
* لم يدر مغيب
*

565
* حقف وهلال وغزال وغصن
*
* إن قام وإن رنا وإن لاح وإن
*
* والمؤمن كيس كما قيل فطن
*
* قلبي أبدا إلى محياه يحن
*
* ما أبعده وفبي الحشا موضعه ناء وقريب
*
* قد راق به شعري لمن يسمعه
* إذ كان حبيب
*
* يا خجلة غصن البان لما خطرا
*
* يا حيرة بدر التم لما سفرا
*
* يا غيرة ظبي الرمل لما نظرا
*
* يا رخص فتيق المسك لما نثرا
*
* من لؤلؤ نثره لمن يجمعه
* زاه ورطيب
*
* ما أسعد ما أغنى فتى يصنعه
* عقدا لتريب
*
* دعني فحديث العشق إفك ومرا
*
* عندي أبد الزمان والحق أرى
*
* مدحي لسراج الدين نور الشعرا
*
* والكاتب عند الأمرا والوزرا
*
* كم فيه فصيلة له ترفعه
* عن قدر أديب
*
* الله بما قد حازه ينفعه
* والله مجيب
*
* وفاق معنى كرما
*
* تلقاه إذ نحوته في العلما
*
* ألمفرد في زمانه والعلما
*
* كن ممتثلا مرسومه إن رسما
*
* فالفضل إليه كله مرجعه
* والرأي مصيب
*
* لولا عمر الفضل عفت أربعة
* أو كان غريب
*
* بالفرع غدت في شفق الخدين
*
* كالبدر يلوح نوره للعين
*
* لما رميت من هاجري بالشين
*
* غنته وقد فارقها يومين
*

566
* قد غاب ولي يومين ما أقشعه
* خلوه يغيب
*
* لو راح إلى نجد أنا أتبعه
* حتى لو أصيب
*
فأجابه السراج الوراق
* ألبدر على غصن النقا مطلعه
* من فوق كثيب
*
* من طرفي والقلب له موضعه
* يبدو ويغيب
*
* إنسان عيوني ظل في الدمع غريق
*
* والقلب بنار البعد والصد حريق
*
* من يطفئها من مسكر الراح بريق
*
* والدر بثغر راق لمعا وبريق
*
* من يمنحه السؤال لا يمنعه
* ظمآن كئيب
*
* أبلاه بما يخفى به موضعه
* عن مس طبيب
*
* من فترة جفنة أثار الفتنا
*
* واستل بها من الجفون الوسنا
*
* إن ماس وإن أسفر أو عن لنا
*
* كالغصن وكالبدر وكالظبي رنا
*
* ودع وصفى فالحسن له أجمعه
* من غير ضريت
*
* وانظر ملحا أضعاف ما تسمعه
* من كل لبيب
*
* لم أنس وسكري بين كأس ورضاب
*
* من فيه وشكى بين ثغر وحباب
*
* والليل كما شاب على إثر شباب
*
* والجو لنا رق كما رق عتاب
*
* لا بل غزل النصير إذ موقعه
* من كل أديب
*
* كالماء من الظمآن إذ يكرعه
* في قيظ أبيب
*
* شيخ الأدباء شرقتها والغرب
*
* من كل عروض يمتطى أو ضرب
*
* أو وصف مقام لذة أو حرب
*
* كم هز معاطف القنا والقضب
*
* بالجزل من اللفظ الذي ببدعه
* من كل غريب
*

567
* قد سلم في الشعر له أشجعه
* والشيخ حبيب
*
* هذا إذا جدد خلعا لعذار
*
* في وصف رشيق القد أو ذات خمار
*
* أذكى لك منه الشجر الأخضر نار
*
* كم قد فتنت وجدا به ذات سوار
*
* ألفته وقالت أي تراها معه
* تأخذ بنصيب
*
* منى وإذا زوجي أتى يصفعه
* لو كان شبيب
*
552 - النصير الأدفوي))
النصير الأدفوي
قال كمال الدين جعفر لم أجد بأدفو من يعرف اسم أبيه وكان أديبا شاعرا ينظم الشعر والموشح وكان في أوائل المائة السابعة وأظنه مات بعد الخمسين والستمائة
أنشدني له والدي في خولى اسمه كستبان
* أبي كستبان أن يحمل الظرفا
* لقد عدم الحسنى كما عدم الظرفا
*
* يسمونه الخولي وهو مصحف
* إلا إنه الحولى الذي يأكل الحلفا
*
ومن نظمه هذا الموشح
* يا طلعة الهلال
* هلا لي
* في الحب منتظر
*
* يا غاية الآمال
* أما لي
* من الهوى مفر
*
* أما لدائي راقي
* من راقي
* قدرا على الأنام
*
* زها بحسن الساق
* والساقي
* من ريقه المدام
*
* به فؤادي باقي
* والباقي
* في لجة الغرامك
*
* وسست والخلاق
* أخلاقي
* بالصبر إذا هجر
*
* فلذ للمذاق
* مذاقي
* في حبه السهر
*
* هل من فتى يسعى في
* إسعافي
* بالقرب من رشا
*
* إن مال بالأرداف
* أردى في
* قلبي مع الحشا
*
* مكمل الوصاف
* أوصى في
* قتلي وأدهشا
*

568
* عقلي وحكموا لجافي
* الجافي
* ركوبه الغرر
*
* فكم من الإسراف
* أسرى في
* كفيه من خطر
*
* أزرى الجبين الحالي
* بالحال
* ممن قد اعتدى
*
* إذ فاق بالكمال
* كما لي
* أشقى وأنكدا
*
* من ابنه الدوالي
* دوالي
* قلبي من الردى
*
* ومذ بذلت مالي
* أومالي
* باللحظ إذا نظر
*
* وقال إذا ألوا لي
* ألوالي
* يرفع له الخبر
*
* يا غصن بان مائل
* يا مائل
* عنى لشقوتي
*
* وارثى لدمعي السائل
* يا سائل
* عن حال قصتي
*
* ولا تطيع العاذل
* يا عاذل
* وارفق بمهجتي
*
* وإن تزرني قابل
* في قابل
* أفوز بالظفر
*
* كي ينجلي يا فاضل
* الفاضل
* من حالي الغير
*
* يا منتهى آمالي
* أما لي
* في الحب من مجير
*
* إرثي لجسمي البالي
* يا بالي
* وارحم فتى أسير
*
* فقد بذلت الغالي
* يا غالي
* في القدر يا أمير
*
* وفيك قد ألقى لي
* يا قالي
* هجرانك الضرر
*
* وقطعت أوصالي
* يا صالي
* بقتلتي سقر
*
* إن جزرت بين السرب
* سر بي
* عن حيهم قليل
*
* ومل بهم وعج بي
* فعجبي
* قلبي بهم بخيل
*
* وقف بهم يا صحبي
* وصح بي
* إبكو على القتيل
*
* وإن تقضى نحبى
* فنح بي
* في السهل والوعر
*
* وأنزل بهم والطف بي
* وطف بي
* في البدو والحضر
*
* لم أنس إذ غناني
* أغاني
* والليل قد هدا
*
* وقال إذ حياني
* أحياني
* روحي لك الفدا
*
* واهتز بالأردان
* أرادني
* إذ قام منشدا
*
* وطائر الأفنان
* أفناني
* إذ ناح في السحر
*
* وهاتف الأذن
* آذاني
* إذ نبه البشر
*

569
((حرف الهاء))
1
((553 - هارون الرشيد))
2
هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أمير المؤمنين الرشيد ابن المهدي ابن المنصور
كان شجاعا كثير الحج والغزو حج في خلافته ثماني حجج وقيل تسع وغزا ثماني غزوات ولم يحج خليفة بعده وكان في أيامه فتح هرقلة
وكان طويلا جسيما أبيض قد وخطه الشيب مولده سنة سبع وأربعين ومائة في نصف شوال بمدينة الري وبويع له بمدينة السلام في ربيع الأول سنة سبعين ومائة يوم موت الهادي وكان ولي العهد بعده وله يومئذ اثنتان وعشرون سنة ونصف وتوفي بطوس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة وله ست وأربعون سنة وكانت مدة خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وسنة عشر يوما وكان يحج سنة ويغزو سنة ولذلك قال فيه القائل
* فمن يطلب لقاءك أو يرده
* فبالحرمين أو أقصى الثغور
*
* ففي أرض العدو على طمر
* وفي أرض الثنية فوق كور
*
وكان جوادا بالمال واعتمد على البرامكة في دولته فزينوها إلى أن أكثروا الدالة عليه ففتك بهم ولكن ساء تدبيره للملك بعدهم وظهر الاختلال في دولته بعدهم وكان يقول أغرونا بهم حتى إذا هلكوا وجدنا فقدهم ولم يسدوا مسدهم
وكان فصيح المقال قال لإسحاق بن إبراهيم الموصلي وقد أنشده أبياتا منها
* وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى
* ورأى أمير المؤمنين جميل
*

570
لله در أبيات تأتينا بها ما أحكم أصولها وأحسن فصولها وأقل فضولها فقال إسحاق أخذ الجائزة مع هذا الكلام ظلم
وله شعر جيد منه قوله في جارية صالحها
* دعى عد الذنوب إذا التقينا
* تعالى لا نعد ولا تعدى
* منه
* ما لي تطاوعني البرية كلها
* وأطيعهن وهن في عصياني
*
* ما ذاك إلا أن سلطان الهوى
* وبه غلبن أعز من سلطاني
*
ومن شعر الرشيد يرثي جاريته هيلانة
* أف للدنيا وللزينة
* فيها والإناث
*
* إذ حثا الترب على هيلان
* في الحفرة حاثي
*
* فلها تبكي البواكي
* ولها تشجعي المراثي
*
* خلفت سقما طويلا
* جعلت ذاك تراثي
*
وكان من أميز الخلفاء وأجل ملوك الدنيا كان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم وكان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الله تعالى ولما مات ابن المبارك جلس للعزاء وأمر الناس أن يغزوه
واجتمع له ما لم يجتمع لغيره وزراؤه البرامكة وقاضيه أبو يوسف وشاعره مروان بن أبي حفصة ونديمه العباس بن محمد عم أبيه وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأعظمهم ومغنيه إسحاق بن إبراهيم الموصلي وزوجته زبيدة
قال ابن حزم كان يشرب الخمر ولما مات صلى عليه ابنه صالح ودفنه بطوس
وذكر الرواة أن الرشيد صنع قسيما من الشعر وهو
* الملك لله وحده
*

571
ثم أرتج عليه فقال استدعوا من بالباب من الشعراء فدخل عليه جماعة منهم الجماز فقال الرشيد أجيزوا وأنشدهم القسيم فبدر الجماز فقال
* وللخليفة بعده
*
فقال الرشيد زد فقال الجماز
* وللمحب إذا ما
* حبيبه بات عنده
*
فقال الرشيد أحسنت لم تعد ما في نفسي وأجازه بعشرة آلف درهم رحمه الله
((554 - الواثق بالله))
هارون بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أمير المؤمنين الواثق بالله بن المعتصم بالله بن الرشيد بن المهدي بن المنصور أمه أم ولد يقال لها قراطيس
كان أبيض إلى الصفرة حسن الوجه جميل الطلعة جسيما في عينه اليمنى نكتة بياض
مولده يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان سنة تسعين ومائة وبويع له بسامرا يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين وتوفي ب سامرا يوم الثلاثاء لخمس بقين من الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام
وكان كاتبه محمد بن عبد الملك الزيات وحاجبه إيتاخ ومحمد بن حماد بن نقش ثم محمد بن عاصم وكان يقال له المأمون الصغير لشبه أحواله كلها بأحواله وكان أعلم بني العباس بالغناء وله أصوات مشهورة من تلحينه
ومن نادر كلامه لشخص كان عاملا له على عمل نقل عنه أنه قال لمن شفع إليه في قصته لو شفع لك النبي
ما شفعتك لولا أن في خطأ لفظك إشارة إلى صواب معناك في استعظامك ووضعك رسول
في غاية التمثيل لمثلت بك
ثم أمر أن يضرب ثمانين سوطا ويعزل
ورئى الواثق في

572
تلك الحالة وهو يرعد غضبا وقال والله لا وليت لي عملا أبدا
وللواثق شعر حسن منه
* قالت إذا الليل دجا فأتنا
* فجئتها حين دجا الليل
*
* خفى وطء الرجل من حاسد
* ولو درى حل به الويل
*
وله
* تنح عن القبيح ولا ترده
* ومن أوليته حسني فزده
*
* ستكفي من عدوك كل كيد
* إذا كاد العدو ولم تكده
*
وكان يحب خادما أهدى له من مصر فأغضبه الواثق يوما فسمعه يقول لبعض الخدم والله إن الواثق يروم منذ أمس أن أكلمه فلم أفعل فقال
* يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا
* هل أنت إلا مليك جار فاقتدرا
*
* لولا الهوى لتجارينا على قدر
* فإن أفق مرة منه فسوف ترى
*
وقال يحيى بن أكثم ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق ما مات وفيهم فقير
وكان ابن أبي دؤاد قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة بالقول بخلق القرآن
ويقال إن الواثق رجع قبل موته عن القول بخلق القرآن
وقال عبيد الله بن يحيى حدثنا إبراهيم بن ساباط قال حمل فيمن حمل رجل مكبل بالحديد من بلاده فأدخل فقال ابن أبي دؤاد تقول أو أقول قال هذا من أول جوركم أخرجتم الناس من بلادهم ودعوتموهم إلى شيء لا بل أقول قال قل والواثق جالس قال أخبرني عن هذا الرأي الذي دعوتم إليه الناس أعلم رسول الله
به فلم يدع الناس إليه أم شيء لم يعلمه قال علمه قال فكان يسعه ألا يدعو الناس إليه وأنتم لا يسعكم قال فنبهته واستضحك الواثق وقام قابضا على فمه ودخل بيتا ومد رجليه وهو يقول وسع النبي
أن يسكت عنه ولم يسعنا وأمر أن يعطى ثلاثمائة دينار وأن يرد إلى بلده
وقال رزقان بن أبي دؤاد إن الواثق لما احتضر قال
* الموت فيه جميع الخلق مشترك
* لا سوقة منهم تبقى ولا ملك
*

573
الأملاك ما ملكوا
*
ثم أمر بالبسط فطويت من تحته وألصق خده بالأرض وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه
وكان في سنة اثنتين ومائتين قد صادر الدواوين وضرب أحمد بن أبي إسرائيل ألف سوط وأخذ منه ثمانين ألف دينار ومن سليمان بن وهب كاتب الأمير إيتاخ أربعمائة ألف دينار ومن أحمد بن الخصيب وكاتبه ألف ألف دينار
ويقال إنه أخذ من الكتاب في هذه السنة ثلاثة آلاف ألف دينار
((555 - ابن المصلى الأرمنتي))
هارون بن موسى بن محمد الرشيد المعروف بابن المصلى الأرمنتي
قال كمال الدين جعفر الأدفوي اجتمعت به ولم يعلق بذهني منه شيء وله شعر كثير يأتي من جهة الطبع ليس يعرف له اشتغال وكان إنسانا حسنا فيه لطافة
توفي بأرمنت سنة ثلاثين وسبعمائة وأورد له
* حثها الشوق حثيثا من وراها
* فتراها عانقت ترب ثراها
*
* واعتراها الوجد حتى رقصت
* طربا أسكرني طيب شذاها
*
* غنني يا ساقي الراح بها
* ليس يغني فاقتي إلا غناها
*
منها في ذم الحشيش ومدح الخمر
* وأمل لي حتى تراني ميتا
* إن موت السكر للنفس حياها
*
* ليس في الأرض نبات أنبتت
* فيه سر حير العقل سواها
*
* رامت الخضراء تحكى سكرها
* قتلوها بعد تقطيع قفاها
*
وكان قبلي الدمفرات قرية تسمى ببويه وفيها بدوية فقال الرشيد فيها
* بدوية في ببويه ساكنا
* صيرت عندي المحبة ما كنا
*
* اسمها ست العرب
* هيجت عندي الطرب
*
* انا قاعد بين جماعة نستريح
*
* عبرت وحده لها وجه مليح
*

574
* بقوام أعدل من الغصن الرجيح
*
* في الملاحه زايدا
*
* ورواها قايدا
*
* لو تكن لي رايدا
*
* كنت نعطيها ألف دينار وازنا
* وابن في داخل بيوتي ماذنا
*
* وترى منى العجيب
* في تصانيف الأدب
*
* نفرت مني كما نفر الغزال
*
* وأسفرت لي عن جبين يحكي الهلال
*
* ودنت أزمت بعينيها نبال
*
* ثم قالت يا فلان
*
* خذ من إحداقي أمان
*
* معك في طول الزمان
*
* فأنا والله مليحة فاتنا
* ومن الحساد ما أنا آمنا
*
* والملك وأهل الرتب
* يأخذوا منى الحسب
*
* قلت يا ستى أنا هوني نموت
*
* إدفنوني عندكم جوا البيوت
*
* والعذاري حولها يمشوا سكوت
*
* ثم قالوا كلميه
*
* يا عربية وارحميه
*
* ذا غريب لا تهجريه
*
* يشتهر حالك يصير لك كاينا
* يقتلوه أهلك وتبقى ضامنا
*
* ذا الحديث فيه العطب
* ليس ذا وقت الغضب
*
* قالت امضى لا يكون عندك ضجر
*
* واصطبر واعمل على قلبك حجر
*
* ما طريقي سابله من جا عبر
*
* والعذاري يعرفونك
*
* ما تراهم بسعفوك
*
* ظلموني وانصفوك
*

575
* قم وعاهدني فما انا خاينا
* وأنا الليلة لروحي راهنا
*
* مر وعبى لي الذهب
* فترى عقلك ذهب
*
* واعدتني وبقيت في الانتظار
*
* وأورثتني الذل بعد الإنكسار
*
* والدجى قد صار عندي كالنهار
*
* عندما غاب القمر
*
* وأظلم الليل واعتكر
*
* جف قلبي وانكسر
*
* وعريبا في حديثي واهنا
* آمنة في سربها مطامنا
*
* والفؤاد منى اضطرب
* ونشف) ذاك الطرب
*
* صرت نرعى النجم إلى وقت الصباح
*
* إذ بدا ذي الكوكب الدري ولأخ
*
* فإذا هي قد أتت ست الملاح
*
* والعذاري في عتاب
*
* مع عريبة في ضراب
*
* ثم قالت ذا الكلاب
*
* ينجوا تأتي الرجال الظاعنا
* بالسيوف وبالرماح الطاعنا
*
* يدركوني في الطلب
* يجعلوا رأسي ذنب
*
((556 - الجرذ الكاتب))
هبة الله بن الحسين بن محمد بن هبة الله بن محمد بن علي بن الحسن بن المطلب أبو المعالي الملقب بالجرذ
من بيت الوزارة والتقدم
كان أديبا فاضلا شاعرا يكتب خطا حسنا ونسخ بخطه الكثير للناس وكان ظريفا لطيفا وجمع في الهزل مجاميع مطبوعة وأسن وعجز عن الحركة وتوفي سنة تسعين وخمسمائة رحمه الله
ومن شعره
* فديت من في وجهها سنة
* أشهى إلى قلبي من الفرض
*
* تنسى عهودا سلفت بيننا
* كأنما قد أكلت قرضي
*

576
أشار إلى أن أكل الطعام الذي أكل منه الفار يورث النسيان فيما يزعمه أصحاب التجارب وحسن هذا لأن اسمه الجرذ
ومن شعره
* ألا قبح الله هذي الوجوه
* وبدلنا غيرها أوجها
*
* فلا أفقها مؤذن بالندى
* ولا بالعلا مؤذن أوجها
*
وقال في ابن دينار كاتب الوزير وكان أحاله عليه فمطله
* مولاي في بابكم كاتب
* يزيد في ظلمي أفراطا
*
* مضيع للمال لكنه
* أضحى على شؤمي محتاطا
*
* ظن أباه من عطاياك لي
* فليس يعطيني قيراطا
*
وقال في ذم الغيم
* ما أقبح الغيم ولو أنه
* يمطرنا درا وياقوتا
*
* فكيف والآفاق مغبرة
* شوهاء لا ماء ولا قوتا
*
وقال
* نفض التراب عقوق عن مناكبنا
* لأنه نسب الآباء في القدم
*
((557 - الصائن ابن عساكر))
هبة الله بن الحسن بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي ابن عساكر أخو الحافظ ابن عساكر كان الأكبر وكان يعرف بالصائن
حفظ القرآن العظيم في صباه وقرأه بروايات على أبي الوحش سبع بن قيراط وأحمد بن محمد بن خلف بن محرز الأندلسي وسمع من الشريف أبي القاسم علي بن إبراهيم بن العباس العلوي وأبي طاهر بن الحنائي وأبي الفرج غيث بن علي الصوري وغيرهم وقرأ الفقه على أبي الحسن علي بن المسلم ونصر الله بن محمد المصيصي
وقدم بغداد سنة عشر وخمسمائة وقرأ الخلاف على أسعد الميهني وقرأ

577
* واها لنا لو أننا
* في ظل طيب العيش نترك
*
* والمرء يحسب عمره
* فإذا أتاه الشيب فذلك
*
((559 - هشام بن عبد الملك))
هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو الوليد أمير المؤمنين
كان أبيض أحول سمينا طويلا أكلف يخضب بالسواد مولده سنة قتل ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين للهجرة وتوفي بالرصافة من أرض قنسرين ليلة الأربعاء لست خلون من شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة وصلى عليه ابنه مسلمة بن هشام وبويع سنة خمس ومائة وكانت أيامه تسع عشرة سنة وسبعة أشهر
وهو الذي قتل زيد بن علي بالكوفة سنة إحدى وعشرين ومائة وكانت داره عند باب الخواصين التي بعضها الآن المدرسة النورية
قال مصعب بن الزبير الزبيري زعموا أن عبد الملك رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فدس من سأل سعيد بن المسيب وكان يعبر الرؤيا فقال سعيد بن المسيب يملك من ولده لصلبه أربعة فكان آخرهم هشام
وكان يجمع المال ويوصف بالحرص والبخل وكان حازما عاقلا صاحب سياسة حسنة وكان يكره الدماء وما كان أشد عليه ما دخله من قتل زيد بن علي وابنه يحيى فإنه دخله من قبلهم أمر شديد فلما ظهر بنو العباس على بني أمية عمد عبد الله بن علي فنبش هشاما من قبره وصلبه
وكان هشام رجل بني أمية حزما ورأيا ولما أتته الخلافة سجد لله شكرا ورفع رأسه فوجد الأبرش الكلبي واقفا فقال ما لك لم تسجد معي فقال يا أمير المؤمنين رأيتك وقد رفعت إلى السماء وأنا مخلد إلى الأرض فقال أرأيتك إن رفعتك معي أستجد قال الآن طاب السجود وسجد فأمر له بالإحسان الكثير وأن يكون جليسه طول مدته
وعوتب في شأنه وقيل له ما تجالس من هذا الأبرش فقال حظي منه عقله لا وجهه

579
وجمع من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبله فلما مات احتاط الوليد على كل ما تركه فما غسل ولا كفن إلا بالقرض والعارية
والمشهور عنه أنه ليس له من الشعر إلا هذا البيت
* إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى
* إلى كل ما فيه عليك مقال
*
ونسب إليه ابن المعتز أيضا
* أبلغ أبا مروان عنى رسالة
* فماذا من وفاء ومن ضر
*
* ونحن كفيناك الأمور كما كفى
* أبوك أبانا الأمر في سالف الدهر
*
ونسب إليه أيضا
* أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته
* بأنك شر الناس عيبا لصاحب
*
* أتبدي له بشرا إذا ما لقيته
* وتلسعه بالغيب لسع العقارب
*
ومن بخله أنه رأى بعض أولاده وبثوبه خرق فقال أقسمت عليك إلا ما رفوته وتمثل بقول القائل
* قليل المال تصلحه فيبقى
* ولا يبقى الكثير مع الفساد
*
((560 - ملك التتار))
هولاكو بن تولى قان بن جنكز خان ملك التتار ومقدمهم
كان طاغية من أعظم ملوك التتار وكان شجاعا مقداما حازما مدبرا ذا همة عالية وسطوة ومهابة وخبرة بالحروب ومحبة في العلوم العقلية من غير أن يتعقل منها شيئا
اجتمع عنده جماعة من فضلاء العالم وجمع حكماء مملكته وأمرهم أن يرصدوا الكواكب وكان يطلق الكثير من الأموال والبلاد وهو على قاعدة الترك في عدم التقيد بدين لكن زوجته تنصرت
وكان سعيدا في حروبه طوف البلاد واستولى على المماليك في أيسر مدة
وفتح بلاد خراسان وفارس وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والروم وديار بكر وقتل الخليفة المستعصم وأمراء العراق وصاحب الشام

580
وصاحب ميافارقين
قال الظهير الكازروني حكى النجم أحمد بن البواب النقاش نزيل مراغة قال عزم هولاكو على زواج بنت ملك الكرج فأبت حتى يسلم فقال عرفوني ما أقول فعرضوا عليه الشهادتين فأقر بهما وشهد عليه بذلك خواجا نصير الدين الطوسي وفخر الدين المنجم فلما بلغها ذلك أجابت فحضر القاضي فخر الدين الخلاطي وتوكل لها النصير الطوسي ولهولاكو الفخر المنجم وعقدوا العقد باسم ماما خاتون بنت الملك داود إيواني على ثلاثين ألف دينار قال ابن البواب وأنا كتبت الكتاب في ثوب أطلس أبيض
وتوفي هولاكو بعلة الصرع وأخفوا موته وصبروه وجعلوه في تابوت
وقال كان ابنه أبغا غائبا فطلبوه المغل وملكوه وهلك هولاكو وله ستون سنة أو نحوها في سنة أربع وستين وستمائة وخلف من الأولاد سبعة عشر ولدا سوى البنات وهم أبغا وأشموط وتمنين وتكسى وأجاي وتسنتر ومنكوتمر الذي التقى هو والملك المنصور قلاوون على حمص وانهزم جريحا وباكودر وأرغون ونغاي دمر والملك أحمد
وقد جمع صاحب الديوان كتابا في أخبارهم وهو عندي في مجلد
((561 - أبو حية النميري))
الهيثم بن الربيع بن زرارة أبو حية بالحاء المهملة والياء المشددة النميري
كان من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية وكان شاعرا فصيحا من ساكني البصرة وكان اهوج جبانا كذابا
وقيل إنه كان يصرع وكان له سيف يسميه لعاب المنية ليس بينه وبين الخشب فرق
حدث جار له قال دخل إلى بيته كلب في بعض الليالي فظنه لصا فأشرف عليه وقد انتضى سيفه لعاب المنية ووقف في وسط الدار وقال أيها المغتر

581
بنا والمتجرئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك خير قليل وسيف صقيل لعاب المنية الذي سمعته مشهورة وضرباته مذكورة اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك والله إن أدع قيسا إليك لا تقم لها وما قيس تملأ والله الفضاء خيلا ورجلا سبحان الله ما أكثرها فبينما هو كذلك إذا بالكلب قد خرج فقال الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفانا حربا
وقال يوما إني أخرج إلى الصحراء فأدعو بالغربان فتقع حولى فآخذ منها ما أشاء فقيل له يا أبا حية أفرأيت إن خرجنا إلى الصحراء فدعوتها فلم تأتك فماذا تصنع فقال أبعدها الله إذن
وحدث يوما قال عن لي ظبي فرميته فراغ عن سهمي فعارضه السهم ثم راغ فعارضه السهم ثم راغ فعارضه السهم فما زال والله يروغ ويعارضه حتى صرعه
وما أحلى قول ابن قلاقس
* عسكري جماله
* بطل ليس يدفع
*
* قام عن قوس حاجبيه
* بعينيه ينزع
*
* أسهم كيفما انحرفت
* إلى القلب تتبع
*
* هكذا كنت عن أبي
* حية قبل أسمع
*
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى
* وشادن إن وهب عرف الصبا
* شممت منه نشره طيه
*
* أميل عنه خوف عشقي له
* وجفنه يتبعني) غيه
*
* كأنني قدامه ظبية
* وطرفه سهم أبي حية
*
وفد أبو حية على المنصور وامتدحه بقصيد وهجا فيه بنى حسن فوصله بشيء دون أمله فاحتجن لعياله أكثره وصار إلى الحيرة فشرب عند خمارة وأعجب الشرب وكره أن ينفذ ما معه وأحب أن يدوم له ما هو فيه فسأل الخمارة أن تبيعه بنسيئة وأعلمها أنه مدح الخليفة وأرغبها فشرهت وكان لآبي حية أير كعنق الظليم فأبرزه لها فتدلهت وكانت كلما سقته خطت في الحائط خطا فقال أبو حية

582
* إذا سقيتني كوزا بخط
* فخطى ما بدا لك في الجدار
*
* فإن أعطيتني عينا بعين
* فهاتي العين وانتظري ضمارى
*
* خرقت مقدما من حيث يؤتى
* خيال مكان ذاك من الإزار
*
* فصدت بعدما نظرت إليه
* وقد ألمحتها عنق الحوار
*
وكانت وفاته بعد السبعين والمائة

583
((حرف الواو))
1
((562 - والبة الأسدي))
2
والبة بن الحباب أبو أسامة الأسدي
هو أستاذ أبي نواس وكان ظريفا غزلا وصافا للغلمان المرد والخمر
قال المهدي لعمارة بن حمزة من أرق الناس وقال والبة بن الحباب حيث يقول
* ولها لا ذنب لها
* حب كأطراف الرماح
*
* في القلب يقدح والحشا
* فالقلب مجروح النواحي
*
قال صدقت والله قال يا أمير المؤمنين فما منعك من منادمته قال قوله
* قلت لساقينا على خلوة
* إدن كذا رأسك من رأسي
*
* ونم على وجهك لي ساعة
* إني امرؤ أنكح جلاسي
*
أفتريد أن أكون من جلاسه على هذا الشرط
قال الدعلجي غلام أبي نواس أنشدت يوما بين يدي أبي نواس قصيدته
* يا شقيق النفس من حكم
* نمت عن ليلى ولم أنم
*
وكان قد سكر فقال إلا أخبرك بشيء على أن تكتمه قلت نعم قال أتدري من المعنى بيا شقيق النفس من حكم قلت لا قال أنا والله المعنى بذلك والشعر لوالبة بن الحباب وما علم بهذا غيرك
وحكى عن واليه أنه كشف يوما عن عجز أبي نواس وهو أمرد حسن الوجه مليح الجسم فلما رأى والبة بياض عجزه قبله فضرط أبو نواس فقال له والبة لما فعلت هذا ويلك قال كراهية ان يضيع قول القائل ما جراء من قبل الأست إلا ضرطة
وعن ابن سهل الشاعر قال كان والبة صديقي وكان ماجنا رقيق الدين

584
فشربت أنا وهو يوما بغمى فانتبه من سكره وقال اسمع ثم أنشد
* شربت وفاتك مثلي جموح
* بغمى بالكئوس وبالبواطي
*
* يعاطيني الزجاجة أريحي
* رخيم الدل بورك من معاطي
*
* أقول له على طرب ألطني
* ولو بمؤاجر علج نباطي
*
* فما خير الشراب بغير فسق
* يتابع بالزنا وباللواط
*
* جعلت الحج في غمى وبني
* وفي قطربيل أبدا رباطي
*
* فقل للخمس آخر ملتقانا
* إذا ما كان ذاك على الصراط
*
يعني بالخمس الصلوات
وتوفي في حدود المائتين
((563 - أبو حليقة))
أبو الوحش بن أبي الخير بن داود بن أبي المنى الحكيم الرشيد أبو حليقة
سمى أبا حليقة لحلقة كانت في أذنه
كان أوحد زمانه في الطب وكان له حظ من الأدب
ولد بجعبر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وتوفي سنة سبعين وستمائة وخرج من جعبر إلى الرها وربى بها وخدم الكامل وخدم الصالح وخدم الترك إلى دولة الظاهر وقرأ الطب على عمه أبي سعيد بدمشق وعلى مهذب الدين الدخوار وله نوادر في الطب
كان قد أحكم معرفة نبض الكامل حتى إنه أخرج يده يوما إليه من خلف ستارة مع الدور المرضى فقال هذا نبض مولانا السلطان وهو بحمد الله صحيح فعجب منه
ولما طال عليه عمل الدرياق الفاروق لتعذر أدويته عمل ديارقا مختصرا توجد أدويته في كل مكان وقصد بذلك التقرب إلى الله تعالى
وكان يخلص المفلوجين لوقته وينشيء في العصب زيادة في الحرارة الغريزية ويقويه ويذيب البلغم في وقته ويسكن القولنج في وقته
وحصل للسلطان نزلة في أسنانه فآلمه ذلك وداواه الأسعد لاشتغال الرشيد بعمل الدرياق فلم ينجع وزاد الألم فطلب الرشيد فقال له تسؤك من

585
الدرياق الذي عملته لك وترى العجب فلما وصل إلى الباب خرجت ورقة السلطان فيها يا حكيم استعملته وزال الألم لوقته وبعث له خلعا وذهبا
ومر على أبواب القاهرة بمفلوج ملقى على جنبه فأعطاه من درياقة شربة وطلع إلى القلعة وعاد فقام المفلوج يعدو في ركابه ويدعو له
وألف للملك الصالح صلصا يأكل به اليخنى واقترح عليه أن يكون مقويا للمعدة منبها للشهوة ملينا للطبع
فركب من البقدونس جزءا ومن الريحان الترنجاني جزءا ومن قلوب الأترج المنقعة في الماء والملح جزءا ثم يغسل بالماء الحلو من كل واحد نصف جزء ويدق في جرن الفقاعي كل واحد بمفرده ويخلط ويعصر عليه ماء الليمون والملح ويعمل في أواني ويختم بالزيت
فلما استعمله السلطان أثنى عليه ثناء كثيرا
وشفى بدرياقة من به حصاة ففتها من ساعته وأراق الماء
ومن نوادره أن امرأة من الريف أتت إليه ومعها ولد أصفر ناحل فأخذ يده ليعرف نبضه وقال لغلامه هات الفرجية فتغير نبض الصبي في يده فقال لأمه هذا الصبي عاشق في واحدة اسمها فرجية فقالت أمه إي والله يا مولاي وقد عجزت مما أعذله
فعجب الحاضرون منه
وله كتاب المختار في ألف عقار وله مقالة في ضرورة الموت وأن الإنسان تحلله الحرارة التي في داخله وحرارة الهواء وقال متمثلا
* وإحداهما قاتلي
* فكيف إذا استجمعا
*
ومقالة في حفظ الصحة ومقالة في أن الملاذ الروحانية ألذ من الجسمانية رحمه الله تعالى
((564 - ولادة بنت المستكفي))
ولادة بنت محمد وهو المستكفي بن عبد الرحمن كانت واحدة زمانها المشار إليها في آدابها حسنة المحاضرة مشكورة المذاكرة كتبت بالذهب على طرازها الأيمن

586
* أنا والله أصلح للمعالي
* وأمشى مشيتي وأتيه تيها
*
وكتب على الجانب الأيسر
* وأمكن عاشقي من صحن خدى) وأعطي قبلتي من يشتهيها
*
وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف وفيها خلع ابن زيدون عذاره وله فيها القصائد والمقطعات منها القصيدة النونية التي أولها
* بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
* شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
*
وكانت لها جارية سوداء بديعة الغناء ظهر لولادة من ابن زيدون ميل إلى السوداء فكتبت إليه
* لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
* لم تهو جاريتي ولم تتحير
*
* وتركت غصنا مثمرا بجماله
* وجنحت للغصن الذي لم يثمر
*
* ولقد علمت بأنني بدر السما
* لكن ولعت لشقوتي بالمشتري
*
وكان مجلس ودلاة بقرطبة منتدى لأحرار المصر وفناؤها ملعبا لجياد النظم والنثر يتهالك الكتاب والوزراء والشعراء على حلاوة عشرتها وسهولة حجابها
مرت يوما بالوزير أبي عامر بن عبدوس وهو جالس أمام بركة تتولد من مياه المطار ويسيل إليها شيء من الأوساخ فوقفت أمامه وقالت بنت أبي نواس في الخصيب وإلى مصر
* أنت الخصيب وهذه مصر
* فتدفقا فكلاهما بحر
*
فتركه لا يحير جوابا ولا يهتدي صوابا
وطال عمرها وعمر أبي عامر المذكور حتى أربنا على الثمانين ولم يدعا المواصلة ولا المراسلة
وكانت أولا تهوى الوزير ابن زيدون ثم مالت عنه إلى الوزير أبي عامر بن عبدوس وكان يلقب بالفار وفي ذلك يقول ابن زيدون
* أكرم بولادة علقا لمعتلق
* لو فرقت بين بيطار وعطار
*
* قال قالوا أبو عامر أضحى يلم بها
* قلت الفراشة قد تدنومن النار
*
* أكل شهى أصبنا من أطايبه
* بعضا وبعضا صفحنا عنه للفار
*
وقال فيها أيضا
* قد علقنا سواك علقا نفيسا
* وصرفنا إليه عنك النفوسا
*

587
* ولبسنا الجديد من خلع الحبب
* ولم نأل أن خلعنا اللبيسا
*
* ليس منك الهوى ولا أنت منه
* إهبطي مصر أنت من قوم موسى
*
أشار ابن زيدون إلى قول أبي نواس
* أتيت فؤادها أشكو إليه
* فلم أخلص إليه من الزحام
*
* فيا من ليس يكفيها خليل
* ولا ألفا خليل كل عام
*
* أظنك من بقية قوم موسى
* فهم لا يصبرون على طعام
*
وكانت ولادة تلقب ابن زيدون بالمسدس وفيه تقول
* ولقبت بالمسدس وهو نعت
* تفارقك الحياة ولا يفارق
*
* فلوطئ ومأبون وزان
* وديوث وقرنان وسارق
*
وقالت فيه أيضا
* إن ابن زيدون له فقحة
* تعشق قضبان السراويل
*
* لو أبصرت أيرا على نخلة
* صارت من الطير الأبابيل
*
وقالت ترميه بأنه مع فتاة على على حاله
* إن ابن زيدون على جهله
* يعتبني ظلما ولا ذنب لي
*
* يلحظني شزرا إذا جئته
* كأنني جئت لأخصى على
*
وقالت تهجو الأصبحي
* يا أصبحي أهنأ فكم نعمة
* جاءتك من ذي العرش رب المنن
*
* قد نلت باست ابنك ما لم ينل
* بفرج بوران أبوها الحسن
*
وتوفيت ولادة بعد الخمسمائة رحمها الله تعالى
((565 - أمير المرمنين الوليد))
الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين الأموي
كان يلقب النبطي للحنة عاب عليه أبوه لحنه وقال كيف تعلو رؤوس المنابر فدخل

588
إلى بيت وأخذ جماعة عنده يتعلم منهم العربية وطين عليه وعليهم الباب وقال لا أخرج حتى أقيم لساني إعرابا ثم إنه خرج بعد ستة أشهر وأكثر فلما خطب زاد لحنة على ما كان فقال له أبوه لقد أبلغت عذرا
كان أبيض أفطس به أثر جدري وكان جميلا وطويلا بويع له بدمشق يوم الخميس منتصف شوال سنة ست وثمانين بعهد من أبيه وتوفي يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وله تسع وأربعون سنة وصلى عليه أخوه سليمان بدير مروان من دمشق وحمل إلى مقابر باب الصغير ودفن بها
وفي أيامه هلك الحجاج بن يوسف ويقال إن في أيامه نقلت الدواوين من الفارسية إلى العربية
وكان يتبختر في مشيته
وكان يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين ورتب للزمني والأضراء من يقودهم ويخدمهم لأنه أصابه رمد بعينيه فأقام مدة لا يبصر شيئا فقال إن أعادهما الله تعالى على قمت بحقه فيهما فلما برئ رأى أن شكر هذه النعمة الإحسان إلى العميان فأمر ألا يترك أعمى في بلاد الإسلام يسأل بل يرتب له ما يكفيه
ولما حضرته الوفاة قال ما أبالي بفراق الحياة بعدما فتحت السند والأندلس وبنيت جامع دمشق
ويكفيه بنيانه جامع دمشق ومسجد رسول الله
ورزق الفقراء والعميان فإن له في ذلك شرفا خالدا وذكرا باقيا
وكان مطلاقا لا يصبر على المرأة إلا القليل ويطلقها فقيل له في ذلك فقال إنما النساء رياحين فإذا ذبلت باقة استأنفت أخرى
وحديثه مع وضاح اليمن ومع زوجته أم البنين مذكورة في ترجمة وضاح اليمن واسمه عبد الرحمن
ولما مات أبوه عبد الملك تمثل هشام بقول الشاعر
* فما كان قيس هلكه هلك واحد
* ولكنه بنيان قوم تهدما
*
فقال له الوليد اسكت فإنك تتكلم بلسان الشيطان هلا قلت كما قال أوس ابن حجر
* إذا مقرم منا ذرا حد نابه
* تخمط فينا ناب أخر مقرم
*
وعيره خالد بن يزيد باللحن فقال أنا ألحن في القول وأنت تلحن في الفعل

589
((566 - الوليد بن يزيد))
الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين لقب البيطار وخليع بني مروان والفاتك والزنديق
وكان وسيما جسيما أبيض مشربا بحمرة ربعة قد وخطه الشيب
ولد سنة تسعين وبويع له سنة خمس وعشرين وهو مقيم بالرصافة وقتل بالبخراء على أميال من تدمر ثامن وعشرين جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة وله أربعون سنة وقيل إحدى وأربعون وكانت أيامه سنة وشهرين
وكان أبوه عهد إليه بعد هشام
وكان قد جعل ولديه عثمان والحكيم وليي عهده فحبسا ولم يزالا في الحبس إلى أن ولى مروان الجعدي فقتلهما
وكان الوليد قد انتهك محارم الله تعالى فرماه الناس بالحجارة فدخل القصر وأغلقه فأحاطوا به وقالوا لم ننقم عليك في أنفسنا شيئا لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله تعالى
وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله تعالى فقال حسبكم قد أكثرتم ودخل الدار وأخذ المصحف وقال يوم كيوم عثمان وفتح المصحف يقرأ فتسوروا عليه وضربه عبد السلام اللخمي على رأسه وضربه آخر على وجهه فتلف وجرزه وحزوا رأسه وأتى يزيد الناقص بالرأس فسجد وكان قد جعل لمن يأتيه بالرأس مائة ألف درهم فنصبه على رمح بعد صلاة الجمعة فلما رآه أخوه سليمان قال بعدا له أشهد أنه كان شروبا للخمر ماجنا فاسقا ولقد راودني عن نفسي
قال الشيخ شمس الدين ولم يصح عنه كفر لكنه اشتغل بالخمر واللياطة فخرجوا عليه لذلك
قال صاحب الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار كان ربما صلى سكرانا
وكان في أيام هشام ينتظر الخلافة يوما فيوما ففتح يوما المصحف فطلع * (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) * إبراهيم 15 فجعل المصحف هدفا

590
للسهام وجعل يرمي نحو تلك الآية ويقول
* تهدد كل جبار عنيد
* فهأنذاك جبار عنيد
*
* إذا ما جئت ربك يوم حشر
* فقل يا رب مزقني الوليد
*
واستقبل شهر الصوم في خلافته بالمجون والشرب فوعظ في ذلك فقال
* ألا من مبلغ الرحمن عنى
* بأني تارك شهر الصيام
*
* فقل لله يمنعني شرابي
* وقل لله يمنعني طعامي
*
ولما بلغه أن الناس يعيبون عليه ترك الصلاة والصيام قال ما للناس وعيب ما نحن فيه لنا منهم الدعاء والطاعة ولهم منا العدل والإحسان
ثم قال عجبت لمن يعلم أن الفرح لا يكون إلا بنقصان العقل ولا يجعل درجا هذه الأقداح
وأباح المحارم فأصبح دمه وهو مباح
ومن شعره
* لا أسأل اله الله تغييرا لما صنعت
* نامت وقد أسهرت عيني عيناها
*
* فالليل أطول شيء حين أفقدها
* والليل أقصر شيء حين ألقاها
*
وقال صاحب الأغاني لما أتى نعى هشام إلى الوليد قال والله لألتيقن هذه النعمة بسكرة قبل الظهر ثم قال
* طاب يومي ولذ شرب السلافة
* إذ اتانا نعي من بالرصافة
*
* وأتانا الوليد ينعى هشاما
* وأتانا بخاتم للخلافة
*
* فاصطبحنا من خمر عانة صرفا
* ولهونا بقينة عزافه
*
ثم حلف لا يبرح من موضعه حتى يغني في هذا الشعر فغنى له وشرب حتى سكر ثم دخل فبويع له
وسمع صياحا فقال ما هذا فقيل له هذا من دار هشام تبكيه بناته فقال
* إني سمعت بليلي
* ورا المصلى رنه
*
* إذا بنات هشام
* يندبن والدهنه
*
* يندبن قرما جليلا
* قد كان يعضدهنه
*
* أنا المخنث حقا
* إن لم أنيكنهنه
*
وقال لعمر الوادي غنني فيه فغناه فشرب أرطالا ثم قال له والله إن سمعه منك أحد لأقتلنك فما سمع منه حتى مات

591
((حرف الياء))
((567 - ياقوت المستعصمي))
ياقوت بن عبد الله جمال الدين المستعصمي الكاتب
كان أديبا عالما فاضلا شاعرا بلغ من الخط غاية ما بلغها ابن البواب
كان قد اشتراه الخليفة المستعصم صغيرا وربى بدار الخلافة
واعتنى بتعليمه الخط صفى الدين عبد المؤمن ثم كتب على ابن حبيب وكتب عليه أبناء الأكابر ب بغداد وحظي عند علاء الدين بن الجنوبي صاحب الديوان وكتب عليه أولاده وأولاد أخيه
وكان ينظم شعرا رقيقا فمنه قوله
* يا خليلي والمنى كاذبة
* والليالي شأنها أن تسلبا
*
* قم بنا ما قعدت حادثة
* نقض من حق الصبا ما وجبا
*
* نعص من لام على دين الهوى
* هذه سنة أيام الصبا
* ومنه أيضا
* جاء بوجه مخجل
* شمس النهار المشرفة
*
* في أذنه لؤلؤة
* كأنها والحلقه
*
* قداحة في وردة
* بالياسمين ملحقه
*
وقال
* صدقتم في الوشاة وقد مضى
* في حبكم زمني وفي تكذيبها
*
* وزعمتم أني مللت حديثكم
* من ذا يمل من الحياة وطيبها
*
وقال
* رعى الله أياما نقضت بقربكم
* فصارا وحياها الحيا وسقاها
*
* فما قلت إيه بعدها لمسامر
* من الناس إلا قال قلبي آها
*

592
ومن شعر ياقوت
* عجبت لدهري إذ جاد لي
* بخط يفوق بأجزائه
*
* وأعوزني فيه من نقطه
* تكون على الطاء من خائه
*
ومن شعر ياقوت
* وعدت أن تزور ليلا فألوت
* وأتت بالنهار تسحب ذيلا
*
* قلت هلا صدقت في الوعد قالت
* هل توهمت أن ترى الشمس ليلا
*
وكانت وفاته في شهور سنة ثمان وتسعين رحمه الله تعالى
((568 - أبو زكريا النواوي الحافظ))
يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين مفتي الأمة شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا النواوي الحافظ الفقيه الشافعي الزاهد أحد الأعلام
ولد في العشر الأوسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة ب نوى وتوفي رابع عشرين شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة رحمه الله تعالى
قال الشيخ محيي الدين زعم بعض أجدادي أن نسبه إلى حزام والد حكيم رضي الله عنه
ولما كان له تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق فسكن المدرسة الرواحية وبقي نحو سنتين لا يضع جنبه إلى الأرض
وكان قوته جراية المدرسة
وحفظ التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف وبقي قريب شهرين لما قرأ يجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج وهو يعتقد أنه قرقرة البطن ويستحم بالماء البارد كلما قرقر
بطنه
وحفظ ربع المهذب في باقي السنة وصحح وشرح على شيخه كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي
ثم حج هو ووالده وكانت وقفة الجمعة وأقاموا بالمدينة نحوا من شهر ونصف
ولما رحل من نوى كانت الحمى أخذته فلم تفارقه إلى يوم عرفة

593
وكان يقرأ فيما بعد على المشايخ شرحا وتصحيحا كل يوم اثني عشر درسا ودرسين في الوسيط ودرسا في المهذب ودرسا في الجمع بين الصحيحين ودرسا في صحيح مسلم ودرسا في اللمع لابن حني ودرسا في إصلاح المنطق ودرسا في التصريف ودرسا في أصول الفقه تارة في اللمع لأبي إسحاق وتارة في المنتخب للإمام فخر الدين ودرسا في أسماء الرجال ودرسا في أصول الدين
وكان يعلق كل ما يتعلق بذلك من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبط لغة
وخطر له الاشتغال في علم الطب فاشترى القانون وعزم على الاشتغال فيه قال فأظلم علي قلبي وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء
ففكرت في أمري ومن أين دخل على الداخل فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب فبعت القانون واستنار قلبي
وسمع صحيح مسلم من الرضى بن البرهاني وسمع البخاري ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجة وجامع الترمذي ومسند الشافعي وسنن الدارقطني وشرح السنة وأشياء عديدة
وسمع من ابن عبد الدايم والزين خالد وشيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز القاضي عماد الدين بن الحرستاني وابن أبي اليسر ويحيى الصيرفي والصدر البكري والشيخ شمس الدين بن أبي عمر وطائفة سواهم
وأخذ علم الحديث عن جماعة من الحفاظ فقرأ كتاب الكمال لعبد الغني على أبي البقا خالد النابلسي وشرح مسلم وشرح مسلم ومعظم البخاري على المرادي
وأخذ الفقه عن القاضي أبى علي الفتح التفليسي وتفقه على الإمام كمال الدين إسحاق المغربي والإمام شمس الدين عبد الرحمن بن نوح وعز الدين عمر بن أسعد الإربلي
وأخذ عنه القاضي صدر الدين سليمان الجعبري خطيب داريا والشيخ شهاب الدين بن جعوان والشيخ علاء الدين بن العطار وأمين الدين سالم والقاضي شهاب الدين الإربدي
وروى عنه ابن العطار والمزي وابن أبي الفتح وجماعة
وقد نفع الله المسلمين بتصانيفه واشتهرت وجلبت إلا الأمصار فمنها

594
المنهاج وشرح مسلم والأذكار ورياض الصالحين والأربعين حديثا والإرشاد في علوم الحديث والتقريب والتيسير والمبهمات وتحرير ألفاظ التنبيه والعمدة في تصحيح التنبيه والإيضاح في المناسك والإيجاز في المناسك وله أربع مناسك أخر والتبيان في آداب حمله القرآن والفتاوى والروضة والمجموع في شرح المهذب بلغ فيه إلى باب الربا في خمس مجلدات كبار
وشرح قطعة من البخاري وقطعة من شرح الوسيط إلى باب صلاة المسافر وقطعة كبيرة في تهذيب الأسماء واللغات وقطعة في طبقات الفقهاء
قال علاء الدين بن العطار وله مسودات كثيرة ولقد أمرني مرة ببيع كراريس نحو ألف كراس بخطه وأمرني أن أقف على غسلها في الوراقة فلم أخالف أمره وفي قلبي منها حسرات
وأخباره في الزهد والورع والكرامات مشهورة
وقد عمل له الشيخ علاء الدين بن العطار سيرة ذكر فيها من رثاه من شعراء عصره فمن جملتهم الشيخ مجد الدين بن الظهير رحمه الله تعالى قال فيه
* عز العزاء وعم الحادث الجلل
* وخاب بالموت في تعميرك الأمل
*
* واستوحشت بعد ما كنت الأنيس لها
* وساءها فقدك الأسحار والأصل
*
* وكنت تتلو كتاب الله معتبرا
* لا يعتريك على تكراره مل
*
* قد كنت للدين نورا يستضاء له
* مسددا فيه منك القول والعمل
*
* وكنت في سنة المختار مجتهدا
* وأنت باليمن والتوفيق مشتمل
*
* وكنت زينا لأهل العلم مفتخرا
* على جديد كساهم ثوبك السمل
*
* وكنت أسبقهم ظلا إذا استعرت
* هواجر الجهل والإضلال ينتقل
*
* كساك ربك أثوابا مجملة
* يضيق عن حصرها التفصيل والجمل
*
* أسلى كمالك عن قوم مضوا بدلا
* وعن كمالك لا مسلى ولا بدل
*
* فمثل فقدك ترتاع القلوب له
* وفقد مثلك جرح ليس يندمل
*
* زهدت في هذه الدنيا وزخرفها
* عزما وحزما فمضروبا بك المثل
*
* أعرضت عنها احتقارا غير محتفل
* وأنت بالسعي في أخراك محتفل
*
* أسهرت في العلم عينا لم تذق سنة
* إلا وأنت بها في العلم مشتغل
*
* يا لهف حفل عظيم كنت بهجته
* وحليه فعراه بعدك العطل
*

595
* وطالبو العلم من دان ومغترب
* نالوا بيمنك فيه فوق ما أملوا
*
* حاروا لهيبة هاديهم وضاق بهم
* لفرط حزن عليه السهل والجبل
*
* ترى درى تربة من غيبوه به
* أو نعشه من على أعواده حملوا
*
* يا محيي الدين كم غادرت من كبد
* حرى عليك وعين دمعها هطل
*
* وكم مقام كحد السيف لا جلد
* يقوى على هوله فيه ولا جدل)
* أمرت فيه بأمر الله منتصبا
* سيفا من العزم لم تصنع له خلل
*
* وكم تواضعت عن فضل وعن شرف
* وهمة هامة الجوزاء تنتعل
*
* عالجت نفسك والأدواء شاملة
* حتى استقامت وحتى زالت العلل
*
* بلغت بالتعب الفاني رضا ملك
* ثوابه في جنان الخلد متصل
*
* ضيف الكريم جدير أن يضاف له
* إلى الكرامة من ألطافه النزل
*
* فجعت بالأنس ليلا كنت ساهره
* لله والنوم قد خيطت به المقل
*
* وحال نور نهارا كنت صائمه
* ذا الهجير بنار الشمس مشتعل
*
* لا زال مثواك مثوى كل عارفة
* وروضة النضر من سحب الرضا خضل
*
* إلى متى بغرور نطمئن ولا ال
* ملوك رد الردى عنهم ولا الرسل
*
* ولا حمى من حمام جحفل لجب
* ولا حصون منيات ولا قلل
*
* يا لاهيا لاهيا عن هول مصرعه
* وضاحك السن منه يضحك الأمل
*
* لا تخل نفسك من زاد فإنك من
* وقت الولاد مع الأنفاس مرتحل
*
* وما بقاء مديم السير يتبعه
* إلى محل بلاه سائق عجل
*
) 569 - ابن أبي طي))
يحيى بن حميد بن ظافر بن النجار بن علي بن عبد الله الحلبي المعروف ب ابن أبي طي
أحد من تعاطى الأدب والفقه على مذهب الإمامية وأصولهم وصنف في أنواع من العلوم
قال ياقوت وقد جعل التصنيف حانوته ومنه مكسبه وقوته وأكثر تصانيفه قطع فيها الطريق وأخاف السبيل يأخذ كتابا قد أتعب العلماء فيه خواطرهم

596
فيقدم فيه أو يؤخر أو يزيد قليلا أو يختصر ويخلق له اسما غريبا وينتحله انتحالا
وقد طول ياقوت ترجمته في معجم الأدباء
ومولده ب حلب سنة خمس وسبعين وخمسمائة وتوفي حدود الثلاثين والستمائة وذكر عنه ياقوت أن والده كان لا يعيش له ولد وأنه لما رزقه حملته جارية وصعدت به السطح ليلة الميلاد وكانت شديدة البرد فأخذه اضطرم وإفحام وابيضت عيناه جميعا ولازمه الرمد إلى أن احتلم فتجلت مما كان فيها من البياض
وكان والده نجارا مقدما على كل نجار ب حلب
وقرأ يحيى القرآن على والده واشتغل بفقه الإمامية على رشيد الدين المازنداني
ومن تصانيفه كتاب البستان في مجلس الغلمان كتاب معادن الذهب في تاريخ حلب كتاب ملح البرهان في تفسير القرآن كتاب قبسة العجلان في تفسير القرآن كتاب البيان في أسباب نزول القرآن كتاب غريب القرآن تفسير الفاتحة المجالس الأربعين في مناقب الأئمة الطاهرين كتاب خلاصة الخلاص في آداب الخواص عشر مجلدات كتاب حوادث الزمان على حروف المعجم خمس مجلدات كتاب تاريخ العلماء مجلد شفاء الغليل في ذم الصاحب والخليل مجلد شرح نهج البلاغة ست مجلدات تحفة الطائفة الفقهائية في شرح كلماتهم اللغوية التنبيهات في تعبير المنامات التنبيهات على صنع النبات الكشف والتبيان في محاسن التضمين العروس في أدب السائس والمسوس مودعة السفيه وموزعة النبيه في المأخذ على راجح الحلى وسرقاته
التحقيق في أوصاف الرقيق الروضات البهجات في محاسن الفتيان اللباب في أسماء الأحباب نسيم الأرواح في ما جاء في التفاح الإيجاز في الألغاز أخبار شعراء الشيعة الاقتصاد في الفرق بين الظاء والضاد كتاب الأضداد كتاب النكت الشاردة والنادرة والفائدة المنتخب في شرح لامية العرب تضوع اللطائم في شرح خطبة فاطمة الزهراء شرح كلام أم سلمة لعائشة رضي الله عنهما نهج البيان في عمل شهر رمضان المشكاة في عويص مسائل النحاة إفراد قراءة أبي عمرو بن

597
العلاء مختصر في اللغة أفراد مسائل بين زوائد الصحاح وزوائد المجمل ذخر البشر في معرفة القضاء والقدر كتاب في حكمي كلام الأئمة الاثني عشر الحاوي في المعمول عليه من الفتاوى كتاب سر السرائر فقه أحكام النساء في الفقه ذخر البشر في معرفة الأئمة الاثني عشر مجموع مسائل فقه وأصول شرح غريب ألفاظ المقامات شرح الحماسة وأخلاق الصوفية عقود الجواهر في سيرة الملك الظاهر كنو الموحدين في سيرة صلاح الدين ذيل التاريخ الكبير الذي سماه معادن الذهب سلك النظام في تاريخ الشام أربع مجلدات مختار تاريخ المغرب كتاب تاريخ مصر تهذيب الإستيعاب لابن عبد البر سيرة النبي
وأصحابه ثلاث مجلدات اشتقاق أسماء ملوك حلب كتاب التصحيف والأحاجي
ومن شعره رحمه الله
* يا أبا جعفر تجاف قليلا
* كم تسامى بمفخر منحوس
*
* أنت من معشر كرام ولكن
* أنت فيهم قوائم الطاوس
*
وقال في مديح آل البيت رضي الله عنهم
* أنا في إسار غدائر ونواظر
* من كل أبيض ذي قوام ناضر
*
* ريان من مرح الصبا فكأنما
* رويت معاطفه بغيث باكر
*
* خمري ريق لؤلؤي لواحظ
* مسكي صدغ صارمي محاجر
*
* لله ليلتنا بكاظمة وقد
* سمحت به الأيام بعد تهاجر
*
* وقد اضطجعنا والنجوم كأنها
* في الأفق لؤلؤ ثغره في ناظري
*
* والبدر سار في السماء كأنه
* من وجهه باد بنور باهر
*
* والشعريان كأنما أحداقها
* أحداق عاذل حبه المتكاسر
*
* وسهيل الوقاد يخفق دائبا
* خفقان أحشائي عليه وخاطري
*
* والليل يرفل في فضول غلائل
* رقت كشوقي أو كدمعي القاطر
*
* والريح ينشر عرفها بنسيمها
* نشرى مديح أخي النبي الطاهر
*
* خير الأنام ومن يذل مهابة
* من بأسه قلب الهزبر الخادر
*

598
* صنو النبي وصهره ووزيره
* وظهيره في كل يوم تشاجر
*
((570 - ابن أبي حصينة رضي الله عنه))
يحيى بن سالم القاضي رضي الدين بن أبي حصينة
من شعراء الديار المصرية كان أحدب وفيه يقول وجيه الدين من الذروي وهو في غاية التهكم بأحدب
* يا أخي كيف غيرتنا الليالي
* وأحالت ما بيننا بالمحال
*
* حاش لله أن أصافي خلا
* فيراني في وده ذا اختلال
*
* زعموا انني نظمت هجاء
* معربا فيك عن شنيع مقال
*
* كذبوا إنما وصفت الذي حزت
* من الفضل والنهى والكمال
*
* لا تظنن حدبة الظهر عيبا
* هي في الحسن من صفات الهلال
*
* وكذاك القسي محدودبات
* وهي أنكى من الظبا والعوالي
*
* ودناني القضاة وهي كما تعلم
* كانت موصوفة بالجلال
*
* وإذا ما علا السنام ففيه
* لقروم الجمال أي جمال
*
* وأرى الإنحناء في منسر البازي
* ولم يعد مخلب الرئبال
*
* كون الله حدبة فيك إن شئت
* من الفضل أو من الإفضال
*
* فأتت ربوة على طود حلم
* وغدت موجة لبحر نوال
*
* ما رأتها النساء إلا تمنت
* لو غدت حلية لكل الرجال
*
* وأبو الغصن أنت لا شك فيه
* وهو رب القوام والاعتدال
*
* عد إلى ودنا القديم ولا تصغ
* لقيل من الوشاة وقال
*
* وتذكر لياليا حين ولت
* أودعت حسنها عقود لآلي
*
* أترى بالدعاء يرجع شملي
* أم دعائي مضيع وابتهالي
*
* وإذا لم يكن من الهجر بد
* فعسى أن تزورنا في الخيال
*
ومن شعر ابن أبي حصينة
* تملك قلبي غادر غير عاذر
* فوجدي لديه أول مثل آخر
*

599
* وجاء بقد عادل فمن الذي
* رأى عادلا أزرى على كل جائر
*
* نصيري دمعي وهو أول خاذل
* فمن منقذي من ساحر الطرف ساخر
*
* فبت أسير القلب والدمع مطلق
* أردد طرفي بين ساه وساهر
*
* يواصلني دمعي ونومي مهاجري
* فمن واصلي ثبت النحول وهاجري
*
* ويكثر لوم الجفن في نوم جفنه
* ولا ذنب للمهجور بل للمهاجر
*
* ولو زارني طيف قنعت بقربه
* وإن كان من أهواه ليس بزائري
*
* فيا عاذلي دعني فلو أن عاذلي
* حوى بعض ما بي كان للوقت عاذري
*
* رعى الله ليلا زارني بدر تمه
* ولم يلف قبل اليوم في زي زائر
*
* وخاف من الواشين أن يظفروا به
* فأرخى عليه حلقة من ضفائر
*
* وظن سواد الليل سترا يجنه
* وما الليل للبدر المنير بساتر
*
وقال أيضا
* أودعوا إذ ودعوني الحرقا
* فنعيم العيش لي عاد شقا
*
* بذلوا الهجر وصانوا وصلهم
* فاصطباري قال لي أن لا بقا
*
* أخذوا نومي وأعطوا مقلتي
* عندما رقوا عليها الأرقا
*
* آه من ألحاظ قوم كلما
* فوقوا سهما لقلبي رشقا
*
* رمقوا جسمي فما أبقوا به
* بعد هجرانهم لي رمقا
*
* وأبوا إلا انتقاما في الهوى
* فقضى الحب على من عشقا
*
* يا عذولا لم تذق أفكاره
* من أليم الوجدي ما ذوقا
*
* قل لأحباب نأت دارهم
* مات صبري فلكم طول البقا
*
* أظلم الأفق علينا فاطلعوا
* بسماء الود منكم شفقا
*
* فالكرى فارق جفني بعدكم
* بعدما قبلكم مافترقا
*
وقال أيضا
* كف الملام فليس شأنك شاني
* إن الشجى إلى الخلي لشاني
*
* لو كان يخلص بالملامة مغرم
* ما سلطت مي على غيلان
*
* ولما عدت أسد الرجال وصيدها
* عند اللقاء لواحظ الغزلان
*
* بانت أمامة والغرام مخيم
* عندي وبان لبينها سلواني
*
* وإذا سطا جيش الغرام على امرئ
* نقل الذي في السر للإعلان
*

600
* أسكنتها قلبي فبان خرابه
* والقلب يخربه أذى السكان
*
* تسطو بجفن كل منبت شعره
* من هدبة محسوبة بسنان
*
* وكأنما أجفانها إن حكمت
* في القلب أجفان لكل يماني
*
* حسنت فهلا أحسنت بوصالها
* والحسن منتسب إلا الإحسان
*
وكانت وفاته بعد الثمانين والخمسمائة رحمه الله تعالى
((571 - ابن مجبر الإشبيلي))
يحيى بن عبد الجليل بن مجبر أبو بكر الفهري المرسي ثم الإشبيلي شاعر الأندلس في وقته توفي ب مراكش ليلة عيد النحر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة رحمه الله تعالى
ومن شعره
* أتراه يترك الغزلا
* وعليه شب واكتهلا
*
* كلف بالغيد ما علقت
* نفسه السلوان مذ عقلا
*
* غير راض عن سيجة من
* ذاق طعم الحب ثم سلا
*
* أيها اللوام ويحكم
* إن لي عن لومكم شغلا
*
* ثقلت عن لومكم أذن
* لم يجد فيها الهوى ثقلا
*
* تسمع النجوى وإن خفيت
* وهل ليست تسمع العذلا
*
* نظرت عيني لشقوتها
* نظرات وافقت أجلا
*
* غادة لما مثلت لها
* تركتني في الهوى مثلا
*
* هي بزتني لزتني الشباب فقد
* صار في أجفانها كحلا
*
* أبطل الحق الذي بيدي
* سحر عينيها وما بطلا
*
* أعرضت دلا فإن فطنت
* بولوعي أعرضت خجلا
*
* وبدا لي أنها وجلت
* من هنات تبعث الوجلا
*
* حسبت أني سأحزنها
* إذ رأت رأسي قد استعلا
*
* يا سراة الحي مثلكم
* يتلافى الحادث الجللا
*

601
* قد نزلنا في جواركم
* فشكرنا ذلك النزلا
*
* ثم واجهنا ظباءكم
* فلقينا الهول والوهلا
*
* أضمنتم أمن جيرتكم
* ثم ما أمنتم السبلا
*
* وأردتم غصب أنفسهم
* فبثثتم بينها المقلا
*
* ليتنا خضنا السيوف ولم
* نلق تلك الأعين النجلا
*
* عارضتنا منكم فئة
* أحدثت في عهدنا دخلا
*
* ثعليات جفونكم
* وهم لم يعرفوا ثعلا
*
* أشرعوا الأعطاف ناعمة
* حي أشرعنا القنا اذبلا
*
* واستفزتنا عيونهم
* فخلعنا البيض والأسلا
*
* ورمتنا بالسهام فلم
* نر إلا الحلى والحللا
*
* نصروا بالحسن فانتهبوا
* كل قلب بالهوى خذلا
*
* عطلتني الغيد من جلدي
* وأنا حليتها الغزلا
*
* حملت نفسي على فتن
* سمتها صبرا فما احتملا
*
* ثم قالت سوف نتركها
* سلبا للحب أو نفلا
*
* قلت أما وهي قد علقت
* بأمير المؤمنين فلا
*
((572 - أبو الحسين الجزار))
يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي الشيخ جمال الدين أبو الحسين الجزار الأديب المصري
ولد سنة ثلاث وستمائة تقريبا وتوفي ثامن عشر شوال سنة تسع وسبعين وستمائة بالفالج وكان بديع المعاني جيد التورية عذب التركيب فصيح الألفاظ حلو النادرة صاحب مجون وزوايد يمدح الملوك والكبار وكان يتزيا بذي الكتاب عاش مرتزقا بالشعر وما هجىء أحد من شعراء زمانه ما هجئ هو ولا ثلب كما ثلب وكان يسمى تعاشير وفيه يقول مجاهد الخياط

602
* ما لتعاشير غلا قيمة
* على قامت في مواعينه
*
* فلا يلمني وليلم نفسه
* إذ هو مذبوح بسكينة
*
* والله ما اغضبها فعله
* إلا لتقطيع مصارينه
*
وكان قليل الهجاء متحملا متوددا إلى الناس حسن التعريض واحتاج في آخر عمره إلى الاستجداء بغير شعر
وكان كثير التبذير لا تكاد خلته تستد أبدا ولا يغفل طلبه واكن بأحسن الصور وكان مسرفا على نفسه
ولم يكن ي عصره من سيقاربه في جودة النظم غير اسراج الوراق وهو كان فارس تلك الحلبة ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا
وبينه وبين شعراء عصره مجاراة ومباراة أذكر منها شيئا
وقيل إنه لما كان صغيرا نظم أبياتا قلائل وكان أديب ذلك الزمان ابن أبي الإصبع فأخذه والده وتوجه به إليه وقال يا سيدي قد عمل هذا الولد شعرا وأشتهى أن يعرضه عليك فقال قل فلما أنشده قال له أحسنت والله إنك عوام مليح
فراح هو ووالده
وبعد أيام عمل والده طعاما وحمله إلى ابن أبي الإصبع فقال لأي شيء فعلت هذا قال لشكرك لولدي فقال أنا ما شكرته قال ألم تقل له أحسنت إنك عوام مليح فقال ما أردت بذلك إلا أنه خرج من بحر ودخل في بحر فاستحيا هو ووالده
ثم لم يزل يتهذب حتى فاق أهل عصره وصار من فحول المتأخرين
وقيل إنه اجتمع هو وأصحابه وأرادوا النزهة فأخرجوا من بينهم دراهم وأخذوا منها عشرة دراهم وجاءوا إلى جزار في باب زويلة فوقفوا عليه وقالوا له أتدري من هذا الواقف عليك قال لا قالوا هذا الشيخ جمال الدين أبو الحسين الجزار أديب الديار المصرية وإمامها فباس الجزار السكين وقدمها لأبي الحسين وقال يا سيدي والله ما يدخل يقطع هذا اللحم إلا أنت فلما دخل أبو الحسين شرع فقطع لهم الرقبة والعرقوب والمراق والعظام والمطاميط وأصحابه ساكتون لا يكلمونه حتى فرغ وأخذوا اللحم وقالوا له أما الرجل فإنه قد خلاه الذم وعداه اللوم لأنه مكنك من اللحم وأنت فعلت

603
بنا هذا الفعل فقال بالله اعذروني فإني لما رأيت نفسي وأنا خلف القلرمية والساطور وبيدي السكين جاءتني لأمه الجزارين وما قدرت أفعل غير ما رأيتم فضحكوا منه
ومما هجى به رحمه الله تعالى
* ماذا أقول في فتى
* نشء التيوس والبقر
*
* فعاله ذميمه
* وبيته بيت الزفر
*
ومنه
* تعصب للأديب على قوم
* وما كانوا أولئك ي حسابي
*
* كلاب وهو جزار ولكن
* به قطعت أذناب الكلاب
*
ومنه
* قل لوزير الملك لا تطرح
* امر امرئ أعيا بك العتب
*
* وازجر عن الجزار نفسا فقد
* تجنى به ذنبا ولا ذنب
*
* لا تأمنن ثلب الورى إن يكن
* قربه من بابك الثلب
*
* ولا تجالس طرفا نازلا
* قد طالما
* جالسه الكلب
*
وفيه يقول قطب الدين عمر الواعظ
* الشاعر الجزار مات
* فبئس ما ضم التراب
*
* قد وافق العقلاء ربهم
* عليه فهم غضاب
*
* ولبخله بالعظم ما
* حزنت لموتته الكلاب
*
وقال فيه مجاهد الخياط
* مر بنا ينصب أحبولة
* للرزق أو يدفن أفخاخا
*
* وهو إذا سافر مع نحسه
* يحتاج فراشا وطباخا
*
* وواحد أعمى إلى جانبي
* ما زال للتاريخ نساخا
*
* يقول لي ويحك من ذا الفتى
* أراه صياحا وصراخا
*
* فقلت قالوا أنه شاعر
* يأكلها بالشعر أوساخا
*
* هذا هو الجزار قال الذي
* قد كان قبل ايوم مراحا
*
* فقلت هذا في الصبا قال لي
* وهو بتلك الحال لو شاخا
*

604
وقال مجاهد أيضا فيه بليقة
* قد كنت عند الناس بعين
*
* يا أبو الحسين وجبتين
*
* قالوا غلامك يا حزين
*
* ناكك على زعمي يقين
*
* قلت المكين
*
* قالوا الأمين
*
* فقلت قولا لي الخبر
*
* قال زب في شاعر عبر
*
* قلت البغا جاه في الكبر
*
* قال مرتين
*
* طفيت حماقة وامتليت
*
* تمشي بمنور ما استحيت
*
* عليك ظلام ولو مشيت
*
* بالنيرين
*
* ربيت صغير في المجزرا
*
* وفي الكبر جيت مسخرا
*
* فما نقول إنك خرا
*
* في الحالتين
*
* على قذار ما أحمقوا
*
* وما أفشروا وما أنزقوا
*
* ويلاه على من غرقوا
*
* بحرتين
*
وفيه أشياء كثيرة من هذا النمط رحمه الله تعالى وعفا عنه
ولو مات رثاه السراج الوراق
* أغايتنا لهذا يا فلان
* تأمل ليس كالخبر العيان
*
* أمانئ النفوس لها خداع
* وليس من المخوف لها أمان
*
* ومن بعد الحراك لها سكون
* وصمت بعدما مزح اللسان
*

605
* أيا من جد للآمال ركضا
* تأن ففي يد الأجل العنان)
* تروقك زهرة الدنيا ومنها
* جنى ثمر الردى أنس وجان
*
* وتخدع لامسا منها بلين
* أيؤمن إذ يميس الأفعوان
*
* بلغت أبا الحسين مدى إليه
* لمستبق ومسبوق رهان
*
* وكنت طالما قد كنت أيضا
* تقول عن الألي سبقوك كانوا
*
* أقول لمن نعاك ولا امتناع
* لأحزاني عليم ولا امتنان
*
* ألا عز القوافي اليوم عمن
* بكته البكر منها والعوان
*
* لها إيطاء حزن بعد حزن
* وإكفاء لدمع لا يصان
*
* وإقواء برفع فوق نعش
* وخفض في اللحود له مكان
*
* وناح النحو بعدك والمعاني
* لها مع كل نائحة جنان
*
* فلا بدل لخل عنك يرجى
* ولا عطف لمن عدروا وخانوا
*
* ولو نزفت بحور الشعر دمعا
* وكان على الخليل لها ضمان
*
* لما وفته لا وأبيه حقا
* ولو بسلوكها نظم الجمان
*
* كفاها ذوقه التقطيع فيما
* يجوزه وبأباه الوزان
*
* ولجج سالكا في كل بحر
* غنائمه جواهره الحسان
*
* فنالت منه فاصلة الرزايا
* ودائرة الحمام ولا اعتنان
*
* فيا أسف البديع على بديع
* لكل فنونه منه افتنان
*
* إذا التفت استطال على جرير
* وأخرس من فرزدقه اللسان
*
* فلا تقسا به سحبان يوما
* ولا قسا إذا ذكر البيان
*
* ولو هرم رآه سلا زهيرا
* وكان له عليه ثم شان
*
* جمال الدين أنت جميل ظن
* بربك جل ديانا يدان
*
* وعفو الله أكثر من ذنوب
* لنا وعلى الشفيع لنا الضمان
*
وكتب أبو الحسين إلى السراج الوراق في يوم نوروز
* استعمل العفص بعد الدبغ مقلوبا
* لتغتدي طالبا طورا ومطلوبا
*
* واسكر من الراح وافهم ما أشرت له
* فليس يحتاج لا كأسا ولا كوبا
*
* واحمل على القوم واحلم إن هم حملوا
* فأنت ما زلت غلابا ومغلوبا
*
* لك الجوادان فاركب ما تشاء ودع
* ما لا تشاء مع الغلمان مجنونا
*

606
* قد أدبتك نواريز مفرقة
* حتى لقد صرت لا تحتاج تأديبا
*
* وطالا استصلح الجزار نحرك في
* يوم الأضاحي ولم يستصلح النيبا
*
* أذكرتنا أزدشيرا إذا ركبت وإذ
* أصبحت بالتاج تاج الخوص معصوبا
*
* فاستوف غير ضجور بالإمارة ما
* على جبينك ما قد كان مكتوبا
*
* والق الأيادي وأقبل من هديتها
* ما كان من قوص أو إخميم مجلوبا
*
* يا شاعرا لم يفته اليوم راوية
* يروي المجون إذا لم يرو تشبيبا
*
* لو أنه أدرك الشيخ الصريع فتى ال
* فصار لم يرو إلا عنك أسلوبا
*
فاجابه الوراق
* قتلت يا شيخنا الأشياء تجريبا
* بأكلك العفص بعد القلب تدريبا
*
* وصار جلدك مدبوغا به عجبا
* وما طهرت ومن يحصى الأعاجيبا
*
* يا مستلذا بأكل الراح هاك يدي
* وخل من يستلذ الراح مشروبا
*
* ويا صفيا بعين عندنا أبدا
* لولا تكون بعيني كنت محجوبا
*
* ركبت أنثى ولم تعتد سوى ذكر
* ما لي أراك على المركوب مقلوبا
*
* مخالفا قد تبدلت العنان بذييال
* يظل فويق الأرض مسحوبا
*
* وثم ميم وصاد إن قرأتهما
* قرأت مص وكم فسرت مكتوبا
*
* فاجعل لسانك في هذا وذا سببا
* والحش يكفيك إن حاولت مطلوبا
*
* واركب بغرة توت ناشرا علما
* يأتي من الطائف النجدي مجلوبا
*
* فطالما رفعت أيد إليك به
* حتى نزلت عن المركوب مكروبا
*
* أبا الحصين محال أن تروغ وقد
* صوبت ثعلب رمحي اليوم تصويبا
*
* ولست ذئبا فأخشى أن تخاتلني
* لكنما أنت شيء يشبه الذيبا
*
وكان الوراق يوما يسرح ذقته فقال الجزار
* لا تعجبوا من لباسي
* فكل أمري لبس
*
* والله ما ثم مال
* وإنما ثم تفسو
*
فأجابه الوراق
* صدقت ما ثم مال
* وإنما ثم نحس
*
* وثم أخرى وأخرى
* فيها وعندك حدس
*

607
وكتب الجزار إلى الوراق
* أيها الفاضل الذي قد حباه
* ذهنه من علومه بكنوز
*
* فقت أهل الآداب جدا وهزلا
* فتميز عنهم بذا التمييز
*
* كم وكم من رسالة لك قد بر
* زرن فيها سبقا على التبريزي
*
* أنا والله من رعاياك ما زلت
* وأنت الأمير في النوروز
*
فأجابه الوراق
* كم إلى كم يطيل مادح مثلي
* بكنى قد خبأتها ورموز
*
* مانحا مثلها المطرز هيها
* ت له ما لديك من تطريز
*
* رب يوم ركبت فيه أميرا
* وتركت المخيط للمدروز
*
* دخلت منك هيبة لك في قلبي
* ولكن دخولها من طيزي
*
وقال أيضا
* قطعت شبيبتي وأضعت عمري
* وقد اتبعت في الهذيان فكري
*
* وما لي أجرة فيه ولا لي
* إذا ما تبت يوما بعض أجر
*
* قرأت النحو تبيانا وفهما
* إلى أن كعت منه وضاق صدري
*
* فما استنبطت منه سوى محال
* يحال به على زيد وعمرو
*
* فكان النصب فيه على نصبا
* وكان الرفع فيه لغير قدري
*
* وكان الخفض فيه جل حظى
* وكان الجزم فيه لقطع ذكرى
*
* وفي علم العروض دخلت جهلا
* وعمت لخفتي في كل بحر
*
* فأذكرني به التفصيل بيتا
* تضمن نصفه الشيخ المعرى
*
* مفاعلتن مفاعلتن فعولن
* حديث خرافة يا أم عمرو
*
* وكم يوم ببيع اللحم عندي
* يعد من البوار بألف شهر
*
* ولما أن غدا لا بيع فيه
* مع الميزان أشبه يوم حشر
*
* ودكاني جهنم إذ زبوني
* زبانية بهم تعذيب سرى
*
* وفيها زفرة من غير لحم
* وقد وضعت سلاسلها بنحري
*
* وقد طال العذاب على فيها
* لما قدمت من نحس ووزر
*
* فإن لام العذول أقول دعني
* أنا في ضيعة في وسط عمري
*

608
* منها في المديح
* وإن الشعر دون علاه قدرا
* ولا سيما إذا ما كان شعري
*
* كلاما ما قرأت له صحاحا
* ولا نحوا على الشيخ ابن بري
*
* وعيشك لست أدري ما طحاها
* وقد أقررت أني لست أدري
*
* وذا خبري ولو كشفت عني
* لصغره بعظم الجهل خبري
*
* كأني مثل بعض الناس لما
* تعلم آيتين فصار يقرى
*
وقال أيضا
* ما زلت في الدنيا من الهم
* طول زماني وافر القسم
*
* فالحمد لله الذي حكمه
* قد خر في أفق السما نجمي
*
* أصبحت لحاما وفي البيت لا
* أعرف ما رائحة اللحم
*
* جهلته فقرا فكنت الذي
* أضله الله على علم
* وقال أيضا
* حسبي حرافا بحرفتي حسبي
* أصبحت فيها معذب القلب
*
* موسخ الثوب والصحيفة من
* طول اكتسابي ذنبا بلا ذنب
*
* خلا ؤادي ولي فم وسخ
* كأنني في جزارتي كلبي
* وقال أيضا
* لي من الشمس خلعه صفراء
* لا أبالي إذ أتاني الشتاء
*
* ومن الزمهرير إن حدث الغيم
* ثيابي وطيلساني الهواء
*
* بيتي الأرض والفضاء به سو
* رمدار وسقف بيتي السماء
*
* لو تراني في الشمس والبرد قد أنسل
* جسمي لقلت إني هباء
*
* شنع الناس أنني جاهلي
* مانوي وما لهم أهواء
*
* أخذوني بظاهري إذ رأوني
* عبد شمس تسوءني الظلماء
*
* آه واحسرتي لقد ذهب العمر
* وحظي تأسف وعناء
*
* كلما قلت في غد أدرك السول
* أتاني غد بما لا أشاء
*
* لست ممن يخص يوما بشكواه
* لأن الأيام عندي سواء
*
وقال من أبيات
* فاغنني عن سؤال كل لئيم
* قد علا قدره وإن كان سفله
*

609
* معشر ما ظفرت منهم عقيب ال
* قصد عند السؤال لا بخجله
*
* ومتى غبت عنهم عتبوني
* ومتى جئتهم رأوا ذاك ثقله
*
* انا فيهم عار وماش وغيري
* وهو دوني له ثياب وبغله
*
* لي نصفيه تعد من العمر
* سنينا غسلتها ألف غسله
*
* لا تسلني عن مشتراها ففيها
* منذ فصلتها نشاء بجملة
*
* كل يوم يحوطها العصر والدق
* مرارا وما تقر بعمله
*
* فهي تعتل كلما غسلوها
* ويزيل النشاء تلك العلة
*
* أين عيشي بها القديم وذاك الر
* رفق فيها وخطرتي والشملة
*
* حيث لا في أجنابها رقعة قط
* طولا في أكمامها قط وصله
*
* قال لي الناس حين أطنبت فيها
* بس أكثرت خلها وهي بقله
* وقال وقد بعث له بعض الرؤساء نصفية
* أشكر مولانا ونصفيتي
* تشكره أكثر من شكري
*
* أراحها جدواه من كل ما
* تشكوه من دق ومن عصر
*
* كم مرة كادت مع الماء إذ
* يغسلها غسالها تجري
*
* تموت في الماجور لولا النشا
* يبعثها في ساعة النشر
*
* أراحها الدهر وطوبى لمن يريحه في آخر العمر
* وقال وقد منعه البواب من دخوله على بعض الأمراء
* أمولاي ما من طباعي الخروج
* ولكن تعلمته من خموي
*
* وصرت أروم لديك الغنى
* فيخرجني الضرب عند الدخول
*
وقال أيضا
* أدركوني فبى من البرد هم
* ليس ينسى وفي حشاي التهاب
*
* ألبستني الأطماع وهما فها جس
* مي عار ولي فرا وثياب
*
* كلما ازرق لون جسمي من البر
* د تحيلت أنه سنجاب
*
وقال أيضا
* إني لمن معشر سفك الدماء لهم
* دأب وسل عنهم إن رمت تصديقي
*
* تزداد بالدم إشراا عراصهم
* فكل أيامهم أيام تشريق
*

610
وقال أيضا
* قلت لما سكب السا
* قي على الأرض الشرابا
*
* غيره منى عليه
* ليتني كنت ترابا
*
وقال
* ولم ألق في بيتي دثارا أعده
* لبرد ولا شيء يرد هجيرا
*
* فأنفخ شدقي إن أردت وسادة
* وأفرش ظلي إن أردت حصيرا
*
وقال من أبيات
* يلين إلى أن يخرج الوهم خده
* وتغرق في ماء النعيم غلائله
*
* إذا ما بدا من شعره في ذوائب
* رأيت غزالا لم ترعه حبائله
*
وقال
* كذبت في نظم مديحي لكم
* والكذب لا ينكر من شاعر
*
* واحتجت أن أذكركم خيفة
* بالخير للوارد والصادر
*
* فأنتم ألجأتموني إلى
* كذبي في الأول والآخر
* لئن قطع الغيث الطرييق فبلغتى
* وحاشاك قبقابي وجوختى الدار
*
وقال
* إن قطع لي لا تخش فهي عبورة
* خشيت على علمي بأني جزار
*
وقال من أبيات
* إسقينها حتى أقوم ولا اعرف
* سكرا عمامتي من مداسي
*
* فزت بالجهل مثلما فاز بالحلم
* وفعل الصنائع البانياسي
*
* وغدائي المسلوق في كل يوم
* لا من اللحم بل من القلقاس
*
وقال أيضا
* أحبابنا ما لليلى بعد فرقتكم
* كأنما هو مخلوق بلا سحر
*
* أنفقت أيام عمري ي محبتكم
* وقد نأيم فلا أنتم ولا عمري
*
وقال أيضا
* وكم وكم قد دق أبوابه
* عليه في الليل نسيم الصبا
*
* فقال من قال رسول الشتا
* فقال لا أهلا ولا مرحبا
*

611
وقال من قصيدة
* وكم قابلت تركيا بمدحي
* فكاد لما أحاول منه يحنق
*
* ويلطمني إذا ما قلت ألطن
* ويرمقني إذا ما قلت برمق
*
* وتسقط حرمتي أبدا لديه
* فلو أني عطشت لقال بشمق
*
وقال أيضا
* زمن الغضا في القلب بعدك لوعة
* تذكى بنار الشوق لا نار الغضا
*
* ما كانت اللذات فيك ولا الهوى
* إ كبرق في الدجنة أومضا
*
* وإذا صبوت لدراسات رسومه
* قال المعيد لدرسها هذا مضى
*
وقال يمدح فخر القضاة نصر الله بن بصاقة من أبيات
* وكم ليلة قد بتها معسرا ولى
* بزخرف آمالي كنوز من اليسر
*
* أقول لقلبي كلما اشتقت للغنى
* إذا جاء نصر الله تبت يد الفقر
*
* وإن جئته بالمدح يلقاك بالندى
* فكم مرة قابل النظم بالنثر
*
* ويعتز للجدوى إذا ما مدحته
* كما اهتز حاشا وصفه شارب الخمر
*
وكتب إلى رجل اصطنعه وهو يؤذيه من أبيات
* طالما كنت قبلها تحفظ الخبز
* ولكن بالبخل في الصندوق
*
* ليت شعري ماذا تقول إذا ما
* رمت شتمي قل لي بأي طريق
*
* علم الله ما مضيت رسولا
* قط من عند ابنتي لعشيق
*
* لا ولا بت في مكان طفيليأ
* كغيري في طاعته وفسوق
*
* لا ولا جئت بالرجال إلى بيتي
* وكاسرت عنهم في السوق
*
وقال أيضا
* ما بال قوادي وعلقي
* قد غلقا أبواب رزقي
*
* وتعاهدا وتعاقدا
* وتحالفا ايمان صدقي
*
* أن يتركاني تائبا
* من فاقتي عن كل فسق
*
* ويخلياني مثله
* للناس في غرب وشرق
*
* قد صرت صوفيا لفق
* ري منهما والجلد دلقى
*
* وعمامتي رأسي وجم
* جمتي الثرى والكبر خلقي
*
* فأنا النذير لمن غدا
* متعرضا يوما لعشق
*

612
* كم ليلة ضيعت في
* ها حرمتي وأضعت ورقي
*
* وصفعت حين سكرت من
* كأس بها المحبوب يسقى
*
* وإذا سكرت فإنني
* مستهلك مالي وعتقي
*
وقال
* يا مالك القلب رفقا إن نارك في
* أضالع الصب لا تبقى ولا تذر
*
* فضحت غصن النقا لينا فراح إذا
* ما ماس قدك بالوراق يستتر
*
* ما أنكر الطرف ان الشعر منك دجا
* وإنما غره من وجهك القمر
*
* إني لأعجب من جفن تدير به
* على نداماك خمرا وهو منكسر
*
وقال أيضا
* لبست بيتي وقد زرت أبوابي
* على حتى غسلت اليوم أثوابي
*
* وقد أزال الشتا ما كان من حمقي
* دعني فمستوقد الحمام أولى بي
*
* أنام في الزبل كي يدفا به جسدي
* ما بين جمر به ما بين أصحابي
*
* أو فوق قدر هريس بت أحرسها
* مع الكلاب على دكان غلاب
*
* ما كنت أعرف ما ضرب المقارع أو
* قاسيت وقع الندى من فوق أجنابي
*
* وما تراقصت الأعضاء في جسدي
* إلا وقد صفقت بالبرد أنيابي
*
وقال في زوجة أبيه وكان طرشاء
* تزوج الشيخ أبي شيخة
* ليس لها عقل ولا ذهن
*
* لو برزت صورتها في الدجى
* ما جسرت تبصرها الجن
*
* كأنها في فرشها رمة
* وشعرها من حولها قطن
*
* وقائل قال لي ما سنها
* فقلت ما في فمها سن
*
وقال فيها وقد مات أبوه
* أذابت كلى الشيخ تلك العجوز
* وأردته أنفاسها المردية
*
* وقد كان أوصى لها بالصداق
* فما في مصيبته تعزيه
*
* لأني ما خلت أن القتيل
* يوصي لقاتله بالدية
*
وأهدى إلى الصاحب كمال الدين ابن العديم سجادة خضراء وكتب معها المملوكة سجادة أبي الحسين الجزار
* أيها الصاحب الأجل كمال الد
* ين لا زلت ملجأ للغريب
*

613
* كن مجيري لأنني قد تغرب
* ت لكوني وقعت عند الأديب
*
* أنا سجادة سئمت من الطيء
* فهب لي نشرا فنشرك طيبي
*
* طال شوقي إلى السجود وكم لي
* من شروق في بيته وغروب
*
* وإذا ما أتاه ضيف أراني
* منه عند الصلاة وجه مريب
*
* لم يرقه اخضرار لونى وهيها
* ت وما راعه اسوداد الذنوب
*
* فأقل عثرتي ووفر بإحسا
* نك من وجهك الكريم نصيبي
*
* واجبر اليوم كسر قلبي فلا زل
* ت مدى الدهر جابرا للقلوب
*
إن حسن في الآراء العالية الصاحبية الكمالية أسعدها الله تعالى أن ينصب محرابي إلى القبلة بعد رفعه ويخفض عيشى بالتسبيح والتقديس بعد جزمه وقطعه ويجعلني مؤهلة بين يديه لصالح الأعمال ويؤمنني العث الذي يعترى الصوف لعدم الاستعمال فعل جاريا على عوائد اصطناعه سالكا سبل أخلاقه وطباعه والسلام
وقال أيضا
* إذا كنت تعلم ما في الصدور
* وتعلم خائنة الأعين
*
* وتعلم صحة فقري إليك
* فإني عن شرح حالي غنى
*
* اسيء فتحسن لي دائما
* وهل للمسيء سوى المحسن
*
* وحقك ما لي من قدرة
* على كشف ضر إذا مسني
*
* فلا تلزمني بغير الدعاء
* فذلك ما ليس بالممكن
*
((573 - أبو زكريا يحيى صاحب إفريقية))
يحيى بن عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص عمر الهنتاني الأمير أبو زكريا صاحب إفريقية وتونس
كان أبوه نائبا لآل عبد المؤمن على إفريقية فلما توفي والده تغلب على إفريقية وتونس وامتدت أيامه واشتغل عنه بنو عبد المؤمن بأنفسهم
وتوفي سنة سبع وأربعين وستمائة وأصله من برابر مصمودة

614
وكان يباشر الأمور بنفسه ولا يركن إلى أحد وكان كثيرا ما يستتر بالليل ويخرج الأموال ويقصد مواضع الفقراء والأيتام وعم جميع المستحقين بالعطاء وكان الفقراء يدعون له بكل مكان وفي كل يوم يجلس فس مجلس مخصوص وتحضر الأمراء والجند والوافدون ولا يأنف أن يتكلم في جليل الأمور وحقيرها ثم يطعم الناس فإذا حضر وزير الأموال انقلب إلى مكان آخر مع من يشرفه بالحضور من الفضلاء من فقيه وأديب ومنجم وطبيب فإذا فرغ من هؤلاء دخل إلى داره واستراح إلى أذان العصر فيخرج إلى موضع آخر غير الموضعين الأولين يتفقد فيه الأمور الخاصة بقصره فإذا أذن المغرب دخل إلى ما هنأه به الله من اللذات
ولم يقطع صلاة الجمعة في الجامع ولا يخل بها ويجلس يوم السبت في القبة العظمى وحوله أقاربه وشيوخ دولته على مراتبهم وتقرأ عليه المظالم بحضرة القاضي وغيره ويجزم الحكم ويفصله وله في ذلك أخبار ظريفة
ورفع إليه طائفة من الشعراء قصائد فوقع عليها بما رآه وكان منهم شاعر يعرف ب ابن المخظية وكان في قصيدته خطأ فوقع يعطي أن قصيدته كذا وكذا فاستحسن البلغاء هذا منه
وكان مرة أصابه ألم في عينيه فدخل إليه خواصه وفيهم شخص يلقب بالخرا فقال له وقد كلمه يا مولانا أبصرتني فقال لا بل شممتك
ومات بالرعاف وهو نازل بعسكره على بونة آخر مدن إفريقية رحمه الله
ومن شعره في الجوز
* تفضل بطعم له ملبس
* صلابة وجه لئيم حكى
*
* إذا بز عن جسمه ثوبه
* أتاك كما يمضغ المصطكي
*
وقال يصف الرمح من قصيدة وهو معنى غريب
* وأسمر غر شيب النقع رأسه
* إلا أنما بعد القشيب مشيب
*
* مددت به كفى إليهم كأنه
* رشاء ومن قلب الكمي قليب
*
وقال
* أمالكتى قلب الكئيب تعطفا
* بساكنتي ربع الضلوع ترحما
*
* على هائم أعياه حمل غرامه
* وأعقبه فرط الغرام تألما
*

615
* قلم يبق فيه البين إلا تنفسا
* ولم يبق فيه الشوق إلا توهما
*
((574 - رشيد الدين العطار))
يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج بن أبي الفتوح الإمام الحافظ المحدث رشيد الدين أبو الحسن القرشي الأموي النابلسي المصري المالكي العطار
ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة
وروى الكثير وأفاد وانتخب وكان ثقة ثبتا عارفا بفن الحديث مليح الخط حسن التحريج انتهت إليه رياسة الحديث بالديار المصرية ووقف جملة كتبه
روى عنه الدمياطي واليونيني وقاضي القضاة نجم الدين بن صصرى وخلق كثير
وقال السراج الوراق يرثيه
* دمعي على الشيخ الرشيد مرسل
* وحزن قلبي أبدا مسلسل
*
* بكى دما جفني القريح بعده
* لو بالجريح يفتدى المعلل
*
* أين إمام في الحديث مثله
* تضرب آباطا إليه الإبل
*
* ذاد عن السنة كل مفتر
* به جلى الداجي وحل المشكل
*
* وكان في علم الرجال أوحدا
* بحيث قال العلم: هذا الرجل
*
* أتقنهم معرفة بقول ذا
* مستعمل وقول ذاك مهمل
*
* ومن سوى العطار يدري سرهم
* والناس منهم حطب ومندل
*
* يا جامع ابن العاص قد اوحشت من
* جارك واستوحش صف أول
*
* عهدي بصدر لك منه حاليا
* قد عاد وهو بعده معطل
*
* لله ما ضم التراب من حجا
* يطيش رضوى عنده ويذبل
*
* ومن عفاف وتقى وكيف لا
* والعلم أس لهما والعمل
*
* إن ضجيعي لحده لسنة ال
* هادي الشفيع والكتاب المنزل
*
* لمثل ذا فليعمل القوم إذا
* راموا العلا لمثل ذا فليعملوا
*
* سقاك يا يحيى حيا مرتجز
* تحدوا قطاريه صبا وشمأل
*

616
((575 - أبو جعفر العلوي))
يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي أبو جعفر العلوي البصري
كان يتولى النقابة على الطالبيين بها
كان أعرف أهل زمانه بأنساب العباسيين والقرشيين وأنساب العرب وأيامها وأشعارها قدم بغداد مرات وأقام بها طويلا ومدح الإمام الناصر وقرأ الناس عليه شعره ومن كتب الأدب والأنساب
وكان مليح المجالسة حسن الأخلاق متواضعا شريف النفس دينا ولم يرو شيئا من الحديث وكانت به زمانة لا يستطيع أن يقوم على رجليه
توفي ببغداد في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وستمائة ومولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بالبصرة
ومن شعره
* يا ليت أني لا أطيع عذولي
* وإن اشتملت على جوى وغليل
*
* وأرى السلو عن الحبيب وإن جفا
* وأطال في الإعراض غير جميل
*
* شرع الهوى دارست فيه عصابة
* أخذوا برأي كثير وجميل
*
* يا برق حي على العقيق محله
* وبكت بدمع لا يجف همول
*
* وكأنما وجدت بها لما عفت
* وجدي فأعولت الرعود عويلي
*
* لم يبق منها غير أشعث دارس
* مثلي على طول الزمان نحيل
*
* ورماد أعشار إذا شبهته
* فلقد أصبت بإثمد منخول
*
* فوددت من ولهي به وصبابتي
* لو بث منه بناظر مكحول
*
* لا عهدها عندي وإن بعد المدى
* عاف ولا شكري لها بقليل
*
* فكأنها نعم الخليفة أحمد ال
* أسد المخوف العارض المأمول
*
وقال أيضا
* تشرين أقبل جامعا أزهاره
* في نصر شوال ليطلب ثاره
*
* من شهر نسك لا يزال يميتنا
* جوعا ويمنعنا التقي إفطاره
*

617
* اهدى لنا تشرين زهر رياضة
* كرما وفتح وسطها أزهاره
*
* وأباحنا والله يجعل عمره
* عمر الزمان شميمه وثماره
*
* وسرى على أيلول وهو مصمم
* والجو ملتهب فأطفأ ناره
*
* فصل تشابه فجره وعشاؤه
* وحكت صدور نهاره أسحاره
*
* وعلى السماء قباء غيم أدكن
* سرت الشمال فحللت أزراره
*
* وتراه ينثر من ذيول قبائه
* درا أطال على الرياض نثاره
*
* فاستجلها حمراء من يد أبيض
* بالمسك خط له الشباب عذاره
*
* ممن يرى دين المسيح مهفهف
* كالغصن يشبه خصره زناره
*
* فالراح أخت الروح إن مزجت بها
* وقضى الكريم فقد قضى أمطاره
*
((576 - الصرصرى))
يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام جمال الدين الشيخ العلامة الزاهد الضرير أبو زكريا الصرصرى البغدادي الحنبلي اللغوي الأديب الناظم صاحب المدائح النبوية السائرة في الآفاق لا اعلم شاعرا أكثر من مدائح النبي
أشعر منه وشعره طبقة عالية
وكان فصيحا بليغا شعره يدخل في ثماني مجلدات وكله جيد وله قصائد التزم في كل حرف منها طاء وأخرى في كل كلمة منها ضاد وأخرى في كل كلمة زاي وأخرى في كل بيت حروف المعجم وهذا دليل القدرة والاطلاع والتمكن
ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وتوفي شهيدا في واقعة بغداد سنة ست وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى
قال الشيخ شمس الدين الذهبي حكى لنا شيخنا ابن الدباهي وكان خال أمه قال دخل عليه التتار وكان ضريرا فطعن بعكازه بطن واحد فقتله ثم قتل شهيدا

618
فمن شعره يمدح سيدنا رسول الله
* أوجهك أم ضوء الصباح تبلجا
* أم البدر في برج الكمال جلا الدجى
*
* أم الشمس يوم الصحو في برج سعدها
* وفرعك أم ليل المحب إذا سجا
*
* وبرق سرى أم نور ثغرك باسما
* ونشرك أم مسك ذكي تأرجا
*
* أتتك جنود الحسن طوعا بأسرها
* فصرت مليكا في الجمال متوجا
*
* فأضحت أبيات القلوب أسيرة
* لديك فلم يملكن عنك معرجا
*
* فطوبى لعبد أنت سيده لقد
* سما بين الهم أرباب البصائر والحجا
*
* فهل تجلب الأحلام لي منك نظرة
* فتكشف بعض الهم عنى وتفرجا
*
* فقد نال مني منع طيفك مثلما
* شجاني من البين المطوح ما شجا
*
* حثثنا إليك العيس حتى تبوأت
* لديك مقيلا ناضر الروض مبهجا
*
* فما كان أدنى قربنا من بعادنا
* وأقرب أفراح الفؤاد من الشجى
*
* فلله قلبي يوم زمت ركابنا
* وفارقت ظلا من جنابك سجسجا
*
* رجوت بقرب الدار أن أطفئ الأسى
* فما زاد وقد الشوق إلا تأججا
*
* فهل للركاب القود نحوك مرجع
* يجبن بنا وعرا ويطوين مدرجا
*
* يحثحثها الحادي العجول مهجرا
* إليك ويطوي شقة البيد مدلجا
*
* يخوض بها آل الضحى فكأنما
* يخوض بها البحر الخضم ملججا
*
* إذا ما تعالت في الهواجر في السرى
* تخال نعاما في السباسب هدجا
*
* عليها رجال تشتكي ألم الجوى
* كما تشتكي في سيرها ألم الوجى
*
* لهم جنة عند الصباح وحنة
* إليك إذا الليل غيهبه دجا
*
* يؤمون ربعا أفيح الجو زاهرا
* أضاء بوجه منك أزهر أبلجا
*
* حمى بك عنا كل مظلمة محا
* وكل رجا منه ثمال لمن رجا
*
* رحيب الذرا غض القطاف لمن جنى
* إذا ما نحاه من جنى عائذا نجا
*
* إذا لجأ العافي إليه مؤملا
* جلا ضر معتر إلى بابه لجا
*
* إليك رسول الله أهدى مدائحي
* فتكسب من رياك نشرا مؤرجا
*
* وتلبسها أوصافك الزهر حلة ال
* بهاء وروضا من حلاك مدبجا
*
* أسوت بما بينت داء قلوبنا
* كما كنت تأسو قبل أوسا وخزرجا
*
* وكنت نبيا قبل آدم مرتجى
* لتفتح بابا للهداية مرتجا
*

619
* فجئت ورسم الرشد بالغي منهج
* فاوضحت فيه للبرية منهجا
*
* وشيدت أعلام الرشاد مجددا
* وكنت كميا في الجهاد مدججا
*
* وثقفت سهم الدين حتى أقمته
* وقد كان ملوى المغامز اعوجا
*
* فأصبح وجه الحق أبلج ظاهرا
* بنورك والبطلان أزور مخدجا
*
* وأدخلك الرحمن بالصدق مدخلا
* خرجنا به من دارة الشرك مخرجا
*
* فيا خير من زم النياق لحجة
* وألجم خيلا للجهاد وأسرجا
*
* ومن إن أحاط الكرب بالناس كلهم
* فعاذوا به ألفوه عنهم مفرجا
*
* ومن إن صلى النار العصاة غدا غدا
* لأمته من هوة النار مخرجا
*
* أجرني فقد أصبحت في زمن له
* عرام لأهل الحلم أصبح مزعجا
*
* وقد أبلت السبعون برد شبيبتي
* فأضحى بتكرار الأهلة منهجا
*
* وعندي حاجات بها الله عالم
* أبيت بها من كارث الهم محرجا
*
* ولست أرى خلا معينا أبثه
* شجوني فما ازداد إلا توهجا
*
* وما لي في يومي غيرك مسعد
* إذا القلب للخطب الفظيع تلجلجا
*
* لأنك عند الله أنجح شافع
* لدفع الملمات الشدائد ترتجى
*
* عليك سلام الله ما اظلم الدجى
* وما فلق الصبح المنير تبلجا
*
* وعم به أصحابك الزهر ما سرى
* إلى ربعك السامي مشوق وأدلجا
*
وقال أيضا يمدح سيدنا رسول الله
* ذكر العقيق فهاجه تذكاره
* صب عن الأحباب شط مزاره
*
* وهفت إلى سلع نوازع قلبه
* فتضرمت بين الجوانح ناره
*
* كلف برامة ما تألق بارق
* من نحوها إلا بدا إضماره
*
* يشتاق واديها ولولا حبها
* لم يصبه واد زهت أزهاره
*
* شغفا بمن ملك الفؤاد بأسره
* وبوده إلا يفك إساره
*
* لولا هواه لما ثنى أعطافه
* بان الحجاز ورنده وعراره
*
* يا من ثوى بين الجوانح والحشا
* منى وإن بعدت على دياره
*
* عطفا على قلب بحبك هائم
* إن لم تصله تصدعت أعشاره
*
* وارحم كئيبا فيك يقضى نحبه
* أسفا عليك وما انقضت أوطاره
*
* لا يستفيق من الغرام وكلما
* حجبوك عنه تهتكت استاره
*

620
* ما اعتاض عن سمر الحمى ظلا ولا
* طابت بغير حديكم أسماره
*
* هل عائذ زمن تضوع نشره
* أرجا ورقت بالرضا أسحاره
*
* في مربع بقباب سلع مونق
* بالأنس تهتف بالمنى أطياره
*
* فاق البسيطة عزة ومهابة
* فسما وعز من البرية جاره
*
* يحمى النزيل وكيف لا يحمى وقد
* حفت بجاه المصطفى أقطاره
*
* أضحى ثرى عرصاته إذ حلها
* يشفى من الداء العضال غباره
*
* سبحان من جمع المحاسن كلها
* فيه فتم بهاؤه) وفخاره
*
* جبلت على التشريف طينته فما
* نشأت على غير العلا أطواره
*
* وصفت خلائقه وطهر صدره
* فزكا وطاب أديمه ونجاره
*
* حملته آمنة الحصان فلم تجد
* ثقلا إلى أن حان منه بداره
*
* ورأت قصور الشام حين تشعشعت
* أنواره وتباشرت حضاره
*
* وضعته مختونا واهوى ساجدا
* وكساه حسنا باهرا مختاره
*
* لا بالطويل ولا القصير وإن مشى
* بين الطوال سمتهم أنواره
*
* وإذا تكلل بالجمان جبينه
* عرقا لأمر عظمت أسراره
*
* فلريحه أذكى وأطيب مخبرا
* من ريح مسك فضة عطاره
*
* وإذا بدا في حلة يمنيه
* قد زان دائر طوقها أزراره
*
* فالشمس بعد الصحو مشرقة السنا
* والبدر في فلك الكمال مداره
*
* متقلدا بالسيف ليس مباليا
* بمن التقى عزت به أنصاره
*
* حلل السكينة والثبات لباسه
* والبر والإخلاص فيه شعاره
*
* وضميره التقوى وأوتي حكمة
* فازداد منها عقله ووقاره
*
* والصدق منه والوفاء طبيعة
* والعفو والصفح الجميل دثاره
*
* وشريعة الإسلام ملته وبال
* حق المبين إلى الورى إظهاره
*
* ختم النبوة فهو درة تاجها
* وطراز حلتها الثمين عبارة
*
* أبقى بسنته طريقا واضحا
* رحبا سواء ليله ونهاره
*
* فخرت به خير القبائل هاشم
* وحوى به المجد الأثيل نزاره
*
* زهرت نجوم السعد في بدر به
* وتبلجت يوم الرضا أقماره
*
* وشموسه في فتح مكة أشرقت
* فانجاب عن وجه العلاء قتاره
*

621
* سعدت به أولاده ونساؤه
* وصحابه وزكت به أصهاره
*
* وسمت به غلمانه وإماؤه
* وجواده وبعيره وحماره
*
* وحوى الفخار سريره وفراشه
* وخيامه وقبابه وجداره
*
* وتضوعت اردان بردته به
* طيبا وطاب رداؤه وإزاره
*
* شهد الكتاب الموسوي بفضله
* وتحققته وأيقنت أخباره
*
* هو شاهد متوكل ومبشر
* هو منذر متيقن إنذاره
*
* أضحى لأميين حرزا مانعا
* وضعت به عن وقته آصاره
*
* بالشام دولته ومكة ربة ال
* حرمات مولده وطيبة داره
*
* عجبا لذي لب رآه وكيف لم
* ينبت عنه لوقته زناره
*
* يا من جلا قتر الضلال ومن إذا
* ما أمه العافي انجلى إقتاره
*
* يا من تساوى في المكارم والندى
* كلتا يديه يمينه ويساره
*
* أنت الملئ بكشف ضر مخلف
* ذي عسرة بندى يديك يساره
*
* جعل الثناء على علاك شعاره
* فحلت به وتعطرت أشعاره
*
* يرجو النجاة بفضل جاهك في غد
* في موقف يخشى التوى أبراره
*
وقال يمدح النبي
أيضا
* بين العقيق وبين سلع مربع
* للقلب فيه وللنواظر مرتع
*
* عطر الثرى أرج كأن لطيمة
* من مسك دارين به تتضوع
*
* بدر السعادة كامل بسمائه
* وببرجه شمس الحقائق تطلع
*
* حلو الجنى عذب الموارد عنده
* من كل شرب معنوي منبع
*
* يا منزلا فيه لأرباب الهوى
* مرأى يروق من الجمال ومسمع
*
* ما بال وردك ماؤه يشفى الصدى
* وانا المحب وغلتي لا تنقع
*
* لي فيك عهد هوى قديم ليس لل
* عذال في الإقلاع عنه مطمع
*
* لك أن تزيد على المدى يا جنتي
* عزا ولى أني أذل وأخضع
*
* لولا أذكارك لم يهز معاطفي
* برق على شعب الأبارق يلمع
*
* ولما أرقت وهاج شوقي في الضحى
* ورقاء في فنن الأراكة تسجع
*
* وكذاك لولا سر قصدك لم أكن
* ألتاع إن ذكر الغوير ولعلع
*
* ويعرض الحادي بجرعاء الحمى
* والسفح من وادي الأراك فأجزع
*

622
* كلفي ببانات العقيق وإنما
* وجه اشتياقي بالحجاز مبرقع
*
* عجبا لجسم بالعراق مخلف
* وفؤادي المغرى بطيبة مولع
*
* ولكيف لا تجف الأضالع نحوها
* شوقا وتذرف في هواها الأدمع
*
* وبها رسول الله خير مؤمل
* تخدى الركاب إلى حماه وتوضع
*
* أزكى البرية عنصرا وأعزهم
* بيتا وأولى بالفخار وأجمع
*
* وأمد كفا بالندى وأتمهم
* حلما وأصدق في المقال وأسرع
*
* وأشدهم بأسا إذا التظت الوغى
* والسمهرية بالأسنة تشرع
*
* جمعت له غر المناقب فهي كال
* عقد النظيم لديه لا تتوزع
*
* هو صفوة الرحمن وهو حبيبه
* وله المقامات التي لا تدفع
*
* حلاه من أنواره وكساه من
* أسنى المواهب حلة لا تنزع
*
* حلاه في ملكوته وأباحه
* ما كان يطلبه سواه فيمنع
*
* يا خير من برأ المهيمن وارتضى
* لبلاغ حجته التي لا تقطع
*
* أشكو إليك وأنت تعلم فتنة
* كادت لها الصم الصلاب تصدع
*
* فبمن أعزك واصطفاك فأجزل الن
* نعمي عليك فحوض فضلك مترع
*
* سل جبر أمتك الكسيرة إنه
* لم يبق في قوس التجلد منزع
*
* محقت طغاة الترك أطراف القرى
* فالمال نهب والمنازل بلقع
*
* واشفع إلى الرحمن في غفران ما
* هذى عقوبته فأنت مشفع
*
وقال من قصيدة
* والمستهام عن المودة لم يحل
* حاشا لذكراه من النسيان
*
* لو قيل ما تهوى لقال مبادرا
* أهوى زيارتكم على أجفاني
*
* ويهزه طرب إذا ذكر الحمى
* هز الشمول شمائل النشوان
*
* تالله إن سمح الزمان بقربكم
* وحللت منكم بالمحل الداني
*
* لأقبلن لأجلكم ذاك الثرى
* وأعفر الخدين بالصوان
*
* يا خير من وخدت إليه نجيبه
* من كل مرمى نازح الأحضان
*
* يطوى إليك بها السباسب ساهم
* بيد السمائم منهج الدرسان
*
* يهفو إذا ذكر العقيق فؤاده
* ويبيت من سلع على أشجان
*
* شوقا إلى عرصات حضرتك التي
* نسمت بنشرك أطيب النسمان
* @ 624 @
* فيها لحزن سلوة ولخائف
* امن وللطلاب نيل أماني
*
* أشكو إليك تخلفي عن رفقة
* كانوا على الطاعات من أعواني
*
* رحلوا وصدتني الموانع عنهم
* فنكرت قلبي بعدهم وزماني
*
* أصبحت في وقت كثير هرجه
* متدارك الآفات والإفتان
*
* يمسى الفتى فيه يروم زيادة
* ترضى فيصبح وهو في نقصان
*
* فبمن كسا عطفيك أحسن حلة
* ليست على ملك ولا إنسان
*
* سل في ربك أن يوفق باطني
* لرضاه في سري وفي إعلاتي
*
* قل رب صل يحيى بن يوسف ال
* مقطوع عنك أضيعف العبدان
*
* فلأنت أكرم شافع علقت به
* لمروع يوم النجاة يدان
*
وقال أيضا
* أقل عثراتي واعف يا حسن العفو
* عن العمد من مسطور ذنبي والهفو
*
* وصف من الأكدار قلبي واهدني
* من البر والتقوى إلى المورد الصفو
*
* فكم لي من سوء اجتراح نسيته
* وأحصاه محروس الحفاظ من السهو
*
* شقيت به أيام أمرح في الصبا
* وأسحب أذيال البطالة والزهو
*
* فيا ملكا زان السماء بأنجم
* على الفلك الأعلى طفت أحسن الطفو
*
* وسخر ما بين السماء وأرضه
* سحائب يخفو برقها أحسن الخفو
*
* وأبقى على شمس النهار ضياءها
* وخص بنقص آية الليل بالمحو
*
* ولما دحا الأرض اقتدارا وحكمة
* على الماء أرسى الشم في أثر الدحو
*
* وأحيا بفضل ميت الأرض بالحيا
* وزينها من بعد ذلك بالصحو
*
* أغثني بتوفيق ينور باطني
* وينحو إلى الخيرات بي أحسن النحو
*
* فإني مقر أنك الله ربنا
* تعاليت عن شرك الطغاة أولى العدو
*
* برأت جميع الكائنات بقدرة
* على غير أمثال تضاهي ولا حذو
*
* تميت وتحيى والمقادير كلها
* بأمرك في مر الصروف وفي الحلو
*
* وأعددت جنات النعيم لأهلها
* لترحمهم والنار أعددت للسطو
*
* وأرسلت بالحق المبين محمدا
* أجل الورى من حاضرين ومن بدو
*
* وشرفت فضلا آله وصحابه
* فبعدا لقلب من محبتهم خلو
*
* فلا تخزني يوم الحساب ونجني
* بفضلك من نار تلظى بلا خبو
*

623
وقال أيضا
* يوم أراك به فلست أصومه
* فالعيد عندي ثابت تحريمه
*
* ودجى أماط لنا ثياب ظلامه
* بصباح وصل منك كيف أقومه
*
* ودجى أماط لنا ثياب ظلامه
* بصباح وصل منك كيف أقومه
*
* لكن أرى فضلا على معينا
* نظري إليك مع الزمان أديمه
*
* حتى أروى من جمالك غلتي
* وتزول أثقال الهوى وهمومه
*
* فبنور وجهك ينجلي عني صدا
* قلبي ويحيا باللقاء رميمه
*
* من لي بوصلك إن وصلك جنتي
* ودوام هجرك للفؤاد جحيمة
*
* عالجت فيك من الغرام أمره
* وصبرت حتى قيل ليس يرومه
*
* وكتمت حتى غال حبك مهجتي
* واشتد شيئا في الهوى مكتومه
*
* وسترت حتى نم دمعي بالهوى
* وأبر دمع العاشقين نمومه
*
* فاعطف على قلب ملكت زمامه
* أنت الشقاء له وأنت نعيمه
*
* لولاك لم يطل العقيق تلفتي
* ولما شجاني بالغوير نسيمه
*
* ولرب خل قال لي وبدا له
* ما ليس يجهل في الهوى معلومه
*
* ما لي أراك إلى الأبارق طامحا
* أبدا سنا برق فأنت تشيمه
*
* وأرى شمائلك اعتراها نشوة
* أسباك من نفس العرار شميمه
*
* فأجبته إني لصب شيق
* بخفى وجد والغرام غريمه
*
* وله قديم لا دواء لدائه
* وأرى الهوى يعيى الرجال قديمه
*
* ومبكر يطوى جلابيب الفلا
* عجلا غدا لا يستقر رسيمه
*
* يهوى به في كل خرق مهمة
* فكأنه في جانبيه ظليمه
*
* يمسى ومعتل النسيم مدامه
* والنجم في أفق السماء نديمه
*
* ناديته إن رمت نورا مشرقا
* تهديك إن حار الدليل نجومه
*
* ومقيل أمن واسعا رحبا فلذ
* بجناب من نفت الضلال علومه
*
* ماحى الضلال الشاهد المتوكل الض
* حاك أسنا من تغث كلومه
*
* كنز الفضائل منزل التقوى الذي
* هو في المعاد إمامه وزعيمه
*
* جمعت له غرر النهى وتجددت
* بهداه للدين الحنيف رسومه
*
* وثوى بتربة أرضه لما ثوى
* فيها الفخار خصوصه وعمومه
*
* باب الهدى حصن النجاة محمد
* طابت مناسبه وطاب أديمه
*

625
* يا من لآدم بان سابق فضله
* وسما به في الحشر إبراهيمة
*
* يا من له الحوض الروي وشفاعة
* ينجو بها دنس الإهاب أثيمه
*
* وصلتك من رب السماء صلاته
* وأتاك منه على المدى تسليمه
*
* من يستجير بفضل جاهك لائذا
* فمن الذي في العالمين يضيمه
*
* فأجر مروعا من خطوب كيدها
* يعيا به في ذا الزمان حليمة
*
وقال أيضا رحمه الله تعالى
* لي بين سلع والعقيق عهود
* يبلى الزمان وذكرهن جديد
*
* أيام أرفل في جلابيب الصبا
* وعلى من خلع الوصال برود
*
* في مربع رحب الجوانب للرضا
* والروح فيه طائرا غريد
*
* حرم به روض المعاني ناضر
* لذوي القلوب وظله ممدود
*
* كل الليالي للمحب بجوه
* ليل التمام وكل يوم عيد
*
* إن امرءا يمسى ويصبح عاكفا
* بجنابه العطر الثرى لسعيد
*
* لولاه لم يعذب بخرق مسامعي
* ذكر العذيب ولم رتقه زرود
*
* تدنيه بالآمال أحلام الكرى
* منى وإن مزاره لبعيد
*
* وأظل بالأشواق أطوى نحوه
* ما ليس تقطعه الركاب القود
*
* واها لأوقات صفت فكأنها
* في جيد أيام الزمان عقود
*
* سلفت لنا بين القباب فهل لها
* كزماننا الماضي على معيد
*
* شوقي إلى من حلها شوق إذا
* نقص الوداد على البعاد يزيد
*
* إن مت من شغفي بها وصبابتي
* فقتيل أسياف الغرام شهيد
*
* كيف اللقاء ودون من أحببته
* وعر الحجاز ومن تهامة بيد
*
* سقيا لربع نازح دان حوى
* شرفا على الآباد ليس يبيد
*
* اقمار أفلاك الكمال منيرة
* بسمائه ونجومهن سعود
*
* برباه روض المجد ليس مصوحا
* لمن اغتدى لمكرمات يرود
*
* غيث المواهب والندى يهمى على
* أفنان غض نباته ويجود
*
* جمعت له بمحمد غرر النهى
* وبه استقر النصر والتأييد
*
* طود الفضائل فيه رأس راسخ ال
* أركان والشم الرعان تميد
*
* فيه الجلالة والمهابة والهدى
* والبر والتقوى وفيه الجود
*

626
* وعليه ألوية السنا معقودة
* حتى يلوح لواؤه المعقود
*
* وحياض سنته هنئ وردها
* حتى يهيا حوضه المورود
*
* نعم الرسول بنوره الشرك انجلى
* عنا وصح لنا به التوحيد
*
* هو شاهد متوكل ولوصفه
* بين الكرام أولي النهى مشهود
*
* يا خير من وخد العذافر نحوه
* وسعت إليه من الفخاخ وفود
*
* يا من به أضحت قبائل هاشم
* لسود أبطال الرجال تسود
*
* لا زلت مخصوصا بكل تحية
* منا عليها للقبول شهود
*
* يأتي بها ملك كريم مبلغ
* ما لا يطيق له البلاغ بريد
*
وقال أيضا
* رعى الله بالبطحاء أيامنا التي
* بدت كوميض البرق ثم تولت
*
* وحيا قبابا بين سلع إلى قبا
* لعزتها يحلو خضوعي وذلتي
*
* نعمت بها لكن كأحلام نائم
* كأن لم تزرها العيس حتى استقلت
*
* فلا ما مضى فيها من العيش عائد
* ولا النفس عنها بالعباد تسلت
*
* فهل لي إلى تلك المعاهد عودة
* ولو دونها بيض الصوارم سلت
*
* فألثم إجلالا ثراها وأجتلي
* شموسي في أرجائها وأهلتي
*
* سقى الله ذات الظل من داره الحمى
* حيا نهلت منه ثراه وعلت
*
* وسحت على أعلام سلع مرنة
* غمائم بالنوء الروى استهلت
*
* فتلك لعمر الله دار أحبتي
* وسكانها نحو الرشاد أدلتي
*
* ألا ليت شعري هل أزور قبابها
* فتحمد فيها العيس شدى ورحلتي
*
* وأنشد في أكنافها متعرضا
* لمن نظم مدحي فيه تاجي وحليتي
*
* ألا يا رسول الله أنت وسيلتي
* إلى الله إن ضاقت بما رمت حيلتي
*
* وأنت إذا ما حرت نوري وحجتي
* وأنت إلى التقوى إمامي وقبلتي
*
* وأنت نبيي باتباعك اهتدى
* وملتك الزهراء ديني وملتي
*
* وأنت نصيري في خطوب تتابعت
* على وذخري عند فقري وعيلتى
*
* وأنت الذي أرجوه يوم نشورنا
* يروي الصدى منى وينقع غلتي
*
* فلا تخلني من حسن عطفك واسأل ال
* مهيمن رب العرش في سد خلتي
*
* وكن لي في ذا اليوم ثمت في غد
* شفيعا إلى الرحمن في محو زلتي
*

627
* لئن نور الرحمن قلبي بذكره
* غنيت بذاك النور عن نور مقلتي
*
وقال رحمه الله تعالى
* خط الربيع بأقلام التباشير
* رسالة كتبت بالنور والنور
*
* حيا البقاع الحيا فاهتز هامدها
* لما أتتها يد البشرى بمنشور
*
* وانشقت الأرض عن مكنون ما خبأت
* كأنما باكرتها نفخة الصور
*
* وزينت بحلى النبت وإدرعت
* ملابس الفخر من وشى الأزاهير
*
* والطل في عبقري الروض منتشر
* كلؤلؤ من عقود الغيد منثور
*
* والبان قد ماس من نفح الصبا طربا
* كأن أغصانه أعطاف مخمور
*
* والورق تهتف في الأوراق شاكرة
* إحسان مبتدئ بالفضل مشكور
*
* وقد فهمنا لهذا الفصل ترجمة
* إن المهيمن يحيى كل مقبور
*
* يا طيب فصل الربيع المؤنق العطر ال
* أرجاء لو كان لا يدهى بتغيير
*
* يبيت فينا قليلا ثم يتركنا
* كزورة الطيف وافت ربع مهجور
*
* أو عيشنا بالحمى في حسن رونقه
* ووشك بين على الأحباب مقدور
*
* هل الركاب إلى البطحاء عائدة
* يحثها كل رحب الباع شمير
*
* تمسى وتصبح في البيداء هاجرة
* طيب الكرى عند إسحار وتبكير
*
* حتى تحل على علاتها بحمى
* دانى الظلال بروح الأمن معمور
*
* فتجتلى البشر من ذات الستور به
* وتجتني تمر حجر غير محجور
*
* هناك لا حجر في تقبيلنا حجرا
* يربى على المسك في لون وتعطير
*
منها
* يا سيدي يا رسول الله يا أملي
* في موبقات تصاريف المقادير
*
* جمعت ما في الكرام الزهر مفترق
* وزدت فضلا عظيما غير محصور
*
* فأنت سيد أهل الفضل أجمع في
* أصل وفرع وتقديم وتأخير
*
* بلغت من شرف المعراج مرتبة
* توفر القرب فيها أي توفير
*
* ويوم حشر الورى أنت الشفيع به
* تنجى من النار نفس الهالك البور
*
* والفضل بعدك لم يدركه ذو طلب
* في صحبك النجب الشوس المغاوير
*
وقال أيضا
* شواهد قلب الصب لا تقبل الرشا
* فكيف قبول النصح من كاشح وشى
*

628
* أيأمر خلو بالتبصر مغرما
* وآنس ربع الحب أصبح موحشا
*
* أما في الهوى العذري عذر لشيق
* إذا لاح برق من تهامة أجهشا
*
* ويهتز من وجد إذا نفس الصبا
* سحيرا بأعطاف الخزامى تحرشا
*
* متى يرد الماء النمير محلأ
* فينقع من ورد الصفا غلة الحشا
*
* وينهل من ماء بطيبة حائم
* يروي فؤادا نحوها متعطشا
*
* سقى حرمي أرض الحجاز حيا روى
* ليحيى ميت الحرتين وينعشا
*
* أتى ونبات الأرض بالجدب خامل
* فدر له كأس الغمائم فانتشا
*
* فأضحت أزاهير الرياض كأنها
* مطارف وشى زانها صنع من وشى
*
* إذا هينمت فيها النسيم تظنها
* تحبر في الغدران خطا مرقشا
*
* فثم لعمر الله أشرف دارة
* إلى نارها طرف لمستوقد عشا
*
* إذا أمها ركب وددت بأنني
* جعلت له خدي على الأرض مفرشا
*
* أعظم أخفافا كرائم ترتمي
* إلى الفاتح الختام أكرم من مشى
*
* محمد المبعوث بالحق والذي
* لموسى وعيسى في الكتابين أدهشا
*
* وحاز من الرهبان سلمان وصفه
* فطاف عليه في البلاد وفتشا
*
* وفاز بما أبدى بحيرا وخاب من
* بظلم على كتمان أوصافه ارتشى
*
* فبورك حملا واستوى الخير مرضعا
* وباء بأنواع الكرامة مذ نشا
*
* ولاحت أمارات النبوة عنده
* لذي نظر ما شاب أوصافه العشا
*
* تبشبش وجه الأرض مذ حلها كما
* بطلعته وجه السماء تبشبشا
*
* حباه بما يعلو من الوصف ربه
* وعلمه من أشرف العلم ما يشا
*
* وجاء بحق مستبين نفى به
* زخارف إفك كان في الناس قد فشا
*
* وجاهد حتى شاد بالسيف رافعا
* من الدين ما أوهى الضلال وشوقا
*
* حوى الحسن والإحسان والحلم والتقى
* فلم يك صخابا ولا متفحشا
*
* ولا ابسا فظا غليظا فلم يلم
* حبوشا على زفن ولا عاب انجشا
*
* حيى جواد زاهد متوكل
* فما اعتد فضلا من غداء إلى عشا
*
* شجاع إذا ما الحرب مدت رواقها
* وأسبل فيها النقع ليلا فأغطشا
*
* جلا كربها حتى تبين انه
* لدى البأس منهم كان أقوى وأبطشا
*
* له القمر انشق امتثالا لأمره
* وحيته جهرا ظبية فارقت رشا
*

629
* شفاعته للناس على طول حبسهم
* كما من لظى ينجى بها من تمحشا
*
* وفي الحشر يسقى الناس من حوضه الروى
* إذا كان كرب الحشر للناس معطشا
*
* وإني لأرجوه إذا اغتالنى الردى
* وبوئت في البيداء قبرا منبشا
*
* وفي الموقف الصعب الشديد الذي به
* تخال الجبال الصم عهنا منفشا
*
* يعطر شعري ذكره فكأنما
* لشعري بالكافور والمسك قد حشا
* وقال أيضا وهي من المجانسات الأواخر
* سقى الله أرض الحمى وأبلا
* إذا حل في جوها أمرعا
*
* فثم لنا بين أكنافه
* حبيب أأهملنا أم رعى
*
* وحيا بساحة وادي العقيق
* جنابا خصيب الربا أوسعا
*
* نعمنا به زمنا لم نبل
* بمن هم كيدا بنا أو سعى
*
* فلله سر به مودع
* كساه الجلالة من أودعا
*
* هناك المآرب مقضية
* لمن رامها صامتا أو دعا
*
* فهل لي إلى ربعه عودة
* أجوب الفلا أجرعا أجرعا
*
* فأجرع من مائة نهلة
* رواء ومن لي أن أجرعا
*
* مواطن تجبر قلب الكسير
* وترفع ذا خفية أوضعا
*
* فطوبى لمن نص في قصدها
* الركائب أو نحوها أو ضعا
* وقال أيضا
* فيا رب قد عودت وجهي صيانة
* وأهلي غنى والقلب منك تعففا
*
* فزدني وأهلي من صنيعك نعمة
* تدوم وصنى واكف يا خير من كفى
*
* وصلني ولا تقطع بلطف ورحمة
* فلست أبالي إن وصلت بمن جفا
* وقال رحمه الله تعالى يذكر سيرة نفسه
* سلكت طريق الفقر ظنا بأنني
* أضاهي جنيدا أو اناسب معروفا
*
* وكنت أديبا قبل ذلك شاعرا
* أروق الورى نظما ونثرا وتأليفا
*
* فهمت أعاريض الخليل بن أحمد
* وبرزت من نحوى قياسا وتصريفا
*
* وباحثت في الفقه الأئمة برهة
* وأتقنت في القرآن همزا وتخفيفا
*
* وطارحت في علم الحساب فنلته
* وبينت في الألفاظ همزا وتصحيفا
*
* فصرت نديما لا تمل مجالسي
* حبيبا إلى أعيان عصري مألوفا
*

630
* إلى أن ألمت بي من الفضل نفحة
* فأصبحت عن كل الشواغل مصروفا
*
* وفارقت إخوان الصفا متجنبا
* وثقفت نفسي في الرياضة تثقيفا
*
* ودمت على حسن العبادة عاكفا
* وأصبح حسن الظن حولي معكوفا
*
* فأورثني عزا لدى الناس عفتي
* فصرت بأفواه المحبة مرشوفا
*
* فلما أبت إلا النكاح خواطري
* تجشمت أمرا غادر الدمع مذروفا
*
* ولم أر بدا من معاشرة الورى
* فعاشرت قوما لا يغيثون ملهوفا
*
* فأبغضني من كان منهم يحبني
* وأوسعني لوما شديدا وتعنيفا
*
* وأعرض من ودي حميم وصاحب
* وأرجف في الحاسدون الأراجيفا
*
* كأني قد أظهرت للناس بدعة
* وأحدثت للدين الحنيفي تحريفا
*
* على أنني لم أبد للناس صفحتي
* وما زلت في ثوب الصيانة ملفوفا
*
* فما صح لي فقر وما صح لي غنى
* بل ازددت في علم التقلب تعريفا
*
* وعدت أجيل الفكر فيمن أعده
* يكون به ما بي من الضيم مكشوفا
*
* فلم أر لي كالصالحين وسيلة
* ألذ الورى عرفا وأطيب معروفا
*
* رجال إذا ما طبق الأرض حادث
* رموه بصدق العزم فانجاب مكسوفا
*
* أتتهم عليات الأمور مطيعة
* وأضحى بهم قلب المكارم مشغوفا
*
* هم القوم لا يشقى الجليس لديهم
* ولم يعدموا العافين بشرا وتضييفا
*
* هم العروة الوثقى وهم أنجم الهدى
* بهم يحفظ الله المهامه والسيفا
*
* أعزاء محروس الجناب فناؤهم
* تخطف من ناواهم الذل تخطيفا
*
* إذا ظهروا للدهر أورق عوده
* وأصبح مجنى المحاسن مقطوفا
*
* وإن هجروا المأنوس أصبح مقفرا
* وإن نزلوا بالقفر تحسبه ريفا
*
* إذا وجدوا في الوقت كانوا طرازه
* وقد طرزا من قبل ذاك التصانيفا
*
* صفاتهم أسنى من الشمس في الضحى
* وأحسن من در المراسيل مصفوفا
*
وقال رحمه الله تعالى يعاتب نفسه
* يا قسوة القلب ما لي حيلة فيك
* ملكت قلبي فأضحى شر مملوك
*
* حجبت عني إفادات الخشوع فلا
* يشفيك ذكر ولا وعظ يداويك
*
* وما تماديك من كسب الذنوب
* ولكن الذنوب أراها من تماديك
*
* لكن تماديك من كسب نشأت به
* طعام سوء على ضعفي يقويك
*

631
* وأنت يا نفس مأوى كل معضلة
* وكل داء بقلبي من عواديك
*
* أنت الطليعة للشيطان في جسدي
* فليس يدخل إلا من نواحيك
*
* لما فسحت بتوفير الحظوظ له
* أضحى مع الدم يجري في مجاريك
*
* واليته بقبول الزور منك فلن
* يوالي الله إلا من يعاديك
*
* ما زلت في أسره تهوين موثقة
* حتى تلفت فأعياني تلافيك
*
* يا نفس توبي إلى الرحمن مخلصة
* ثم استقيمي على عزم ينجيك
*
* واستدركي فارط الأوقات واجتهدي
* عساك بالصدق أن تحمي مساويك
*
* واسعى إلى البر والتقوى مسارعة
* فربما شكرت يوما مساعيك
*
* حب التكاثر في الدنيا وزينتها
* هي التي عن طلاب الخير تلهيك
*
* لا تكثرى الحرص في تطلابها فلكم
* دم لها بسيوف الحرص مسفوك
*
* بل اقنعي بكفاف الرزق راضية
* فكل من جاز ما يكفيك يطغيك
*
* ثم اذكري غصص الموت الفظيع يهن
* عليك أكدار دنيا لا تصافيك
*
* وظلمة القبر لا تنسى ووحشته
* عند انفرادك عن خل يوازيك
*
* والصالحات ليوم الفاقة ادخري
* في موقف ليس فيه من يواسيك
*
* وأحسني الظن بالرحمن مخلصة
* فحسن ظنك بالرحمن يكفيك
*
وقال رحمه الله تعالى وقد عاتبه بعض إخوانه على انقطاعه عن زيارته
* سكوني في بيتي لفلبي راحة
* وستر من الله العظيم لحالي
*
* أكف عن الإخوان شرة عثرتي
* واسلم من قيل وكثرة قال
*
* وأحيا عزيزا لا أرى متعرضا
* ورزقي يأتيني بغير سؤال
*
* وإن أنا زرت الناس فالناس فيهم
* نصيح ومذاق وآخر قالى
*
* وإن أنا أكثرت المقام فربما
* رماني إخوان الصفا بملال
*
* وقلبي كالمرآة إن صنته انجلى
* وإلا فبالأنفاس محو صقالي
*
وقال رحمه الله تعالى
* أنا المدنف الجاني وجهلي ألجاني
* إليكم فألفاني مكبا على الفاني
*
* فهل يا عظيم الشان لي منك عطفة
* فتصلح لي شأني وإن رغم الشاني
*
وقال أيضا
* ما بين بعدك والتداني
* يا منيتي يفنى زماني
*

632
* أحيا بقربك تارة
* ويميتني بعد المغاني
*
* ما دام لي منك النعيم
* ولا الضنى منى بفاني
*
* أطعمتني حتى إذا
* ملك الهوى طوعا عناني
*
* أبديت لي منك القلى
* أنى وقد غلقت رهاني
*
* بجمال طلعتك التي
* أنوارها تحيي جناني
*
* ومجال أمواه الحياة
* على جنبيك كالجمان
*
* وبلؤلؤ الثغر الذي
* يفتر عن برق يماني
*
* أنعم على بنظرة
* فيها الشفاء لما أعاني
*
* ما لي بأثقال الهوى
* إن غبت عن عيني يدان
*
وقال رحمه الله وهي من المجانسات الأواخر
* أئمة أهل الحب ما القول في فتى
* يرى حكم من يهواه من حكمه أولى
*
* ويرضى بما يقضيه سرا وجهرة
* فهل واجب في شرعكم هجره أو لا
*
* فيا من عم المحبوب ليس بصابر
* نهارا فهل تقوى على بعده حولا
*
* فهل شافع بالوصل منه فلا قوي
* لقلبي بطول الصد منه ولا حولا
*
* أعبر عن أنوار طلعة وجهه
* ببرق سرى من نحو كاظمة ليلا
*
* وأكنى بهند عن هواه ولم أشم
* وميضا ولا أحببت هندا ولا ليلى
*
وقال رحمه الله تعالى
* ذهب الشباب وخانني جلدي
* وتمشت الأسقام في جسدي
*
* ورمتني الستون من عمري
* فأصاب رشق سهامها كبدي
*
* أودى الحمام بمن أحب من
* الغر الحسان قفت في عضدي
*
* وبقيت مسلوب القرين بلا
* عدد أسر به ولا عدد
*
* لله ما وارى الثرى وحوى
* من والد بر ومن ولد
*
* ومن ابن أم مشفق حدب
* وخليل صدق غير ذي فند
*
* كم عاينت عيناي من رجل
* علم لمرتفد ومرتشد
*
* شمس إذا ما المشكلات دجت
* غيث ووجه العام غير ندى
*
* كانوا الهداة لأهل وقتهم
* سلكوا بهم في أوضح الجدد
*
* ومضوا وقد خلفت بعدهم
* فردا أعالج لوعة الكمد
*

633
* يا رب فاختم لي بخاتمة
* الحسنى وخذ في شدتي بيدي
*
وقال في بحر الدوبيت
* يا سامري الدجى بذات السمر
* هل عندكما لناشد من خبر
*
* كم يسأل بالحمى ومن يخبره
* عن سر هوى يخفى على ذي نظر
*
* من علم ذا الحمام شدو الشجن
* من هز من الغرام عطف الغصن
*
* من أي صبابة حنين البدن
* ما ذلك إلا لهوى مستتر
*
* يا طالب برء الدنف المشتاق
* هل عندك للديغ من درياق
*
* تالله لقد أعجز رقى الراقي
* من يسحر لبه نسيم السحر
*
* لله فتى مزق ثوب السلوى
* ثم ادرع الصبر لحمل البلوى
*
* ما أظهر من شدة وجد شكوى
* قد باع لذاذة الكرى بالسهر
*
* ما هز البرق سيفه أو ضحكا
* إلا وتذكر الحمى ثم بكى
*
* يقفو أثر الغرام أنى سلكا
* إما المأمول أو ذهاب العمر
*
* قد لجج في بحر الهوى واقتحما
* واختار على الصحة فيه السقما
*
* يرضى بقضاء الحب فيما حكما
* إن جار عليه الحب أو لم يجر
*
* يا أعظم منيتي وأقصى أملي
* يا أشهر أدوائي وأخفى عللي
*
* فيك اتسع الخرق وضاقت حيلي
* فاجبر بالوصل ما وهي من عمري
*
* لا فزت مع الجمع بوادي جمع
* بالقصد وخانني وفي الدمع
*
* إن لذ سوى حديثكم في مسعي
* أو راق جمال غيركم في بصري
*
* قد كف هواكم لساني ويدي
* كم أخضع للعدا وأنتم عددي
*
* أنتم أصل القرح الذي في كبدي
* والبرء بأيديكم وكشف الضرر
*
* أنتم لغزي في كل ما أكنيه
* أنتم سر في باطني أخفيه
*
* أنتم معنى المعنى الذي أبديه
* أنتم قصدي أشرت أو لم أشر
*
* لم آت إلى الموسم كي أذكركم
* كالغائب بل أردت أن أنظركم
*
* ما أصنع بالحج إذا لم أركم
* أنتم حجي وأنتم معتمري
*
* ما قصدي في منى وفي دوحتها
* إلا أرج يفوح في ساحتها
*
* تالله لقد شممت من نفحتها
* من نشركم ريا نسيم عطر
*
* لولا معنى يلوح بين الخيم
* ما عجت ولا وقفت عند العلم
*

634
* لولا أنتم وحبكم في القدم
* ما سرت على الهول للثم الحجر
*
* أخفيت إشاراتي عن العذال
* بالرند وبانة الحمى والضال
*
* لما قامت شواهد الأحوال
* أخفيت عباراتي عن المعتبر
*
* دق المعنى فحار لب الفهم
* في متضح عن الورى منعجم
*
* كم قصر عنه من بعيد الهمم
* لا يدرك بالحس ووهم الفكر
*
((577 - ابن أبي خالد الكاتب الإشبيلي))
يزيد بن عبد الله بن أبي خالد اللخمي الإشبيلي
قال ابن الأبار في تحفة القادم هو صدر من نبهاء إشبيلية وأدبائها وممن له قدر في منجبيها ونجبائها وإلى سلفه ينسب المعقل المعروف بحجر أبي خالد وتوفي بها سنة اثنتي عشرة وستمائة رحمه الله
أورد له في فتح المهدية
* كم غادر الشعراء من متردم
* ذخرت عظائمه لخير معظم
*
* تبعا لمذخور الفتوح فإنها جاءت له بخوارق لم تعلم
*
* من كل سامية المنال إذا انتمت
* رفعت إلى اليرموك صوت المنتمي
*
* وتوسطت في النهروان بنسبة
* كرمت ففازت بالمحل الأكرم
*
وأورد له أيضا قوله
* ويا للجواري المنشآت وحسنها
* طوائر بين الماء والجو عوما
*
* إذا انتشرت في الجو أجنحة لها
* رأيت به روضا ونورا مكمما
*
* وإن لم تهجه الريح جاء مصافحا
* فمدت له كفا خضيبا ومعصما
*
* مجاذف كالحيات مدت رءوسها
* على وجل في الماء كي تروى الظما
*
* كما أسرعت عدا انامل حاسب
* بقبض وبسط يسبق العين والفما
*
* هي الهدب في أجفان أكحل اوطف
* فهل صبغت من عندم أو بكت دما
*
قال ابن الأبار أجاد ما أراد في هذا الوصف وإن نظر إلى قول أبي عبد الله ابن الحداد يصف أصطول المعتصم بن صمادح

635
* من كل أدهم لا يلفى به جرب
* فما لراكبه بالقار يهنؤه
*
* يدعى غرابا وللفتخاء سرعته
* وهو ابن ماء وللشاهين جؤجؤه
*
((578 - يزيد بن عبد الملك))
يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين أبو خالد الأموي الدمشقي
ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز لست بقين من رجب سنة إحدى ومائة وله سبع وثلاثون سنة
وتوفي بأرض البلقاء وقيل بعمان لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة وله إحدى وأربعون سنة وكانت أيامه أربع سنين وشهرا
وكان طويلا جسيما مدور الوجه لم يشب وكان شديد الكبر عاجزا وهو صاحب حبابة وسلامة وهما جاريتان شغف بهما وماتت حبابة فمات بعدها بيسير أسفا عليها ولما ماتت تركها أياما لم يدفنها وعوتب في ذلك فدفنها وقيل إنه دفنها ثم نبشها بعد الدفن وكان يسمى يزيد الماجن
ولما تولى الخلافة أقبل على الشرب والانهماك وكان يضع حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره ثم يشرب إلى أن يسكر وتغنيانه فيطرب ويشق ما عليه ويقول أطير أطير فيقولان إلا من تترك الخلافة فيقول إليكما
ولما ولى الخلافة قالت له زوجته هل بقي لك أمل بعد الخلافة قال نعم أن تحصل في ملكي حبابة وفيها يقول
* أبلغ حبابة سقى ربعها المطر
* ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر
*
* إن سار صبحي لم أملك تذكركم
* أو عرسوا بي فأنت الهم والفكر
*
فسكتت عنه وأنفذت تاجرا اشتراها بمال عظيم وأحضرتها له خلف ستارة وأمرتها بالغناء فلما سمعها اهتز وطرب وقال هذا غناء أجد له في قلبي وقعا فما الخبر فكشفت الستر وقالت هذه حبابة وهذا غناؤها فدونك وإياها

637
فغلبت على قلبه من ذلك ولم ينتفع به في الخلافة
وقال في بعض أيام خلواته الناس يقولون إنه لم يصف لأحد يوم كامل وأنا أريد أن أكذبهم في ذلك ثم أقبل على لذاته وأمر أن يحجب عن سمعه وبصره كل ما يكره فبينما هو في صفو عشيه إذ تناولت حبابة حبة رمانة فشرقت بها فماتت فاختل عقله وتركها ثلاثة أبام لم يدفنها ثم دفنها ثم نبشها من قبرها وتحدث الناس في خلعه من الخلافة ولم يعش بعدها إلا خمسة عشر يوما
وفيها يقول رحمهما الله تعالى وعفا عنهما
* فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى
* فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد
*
((579 - ابن صقلاب))
يزيد بن محمد بن صقلاب أبو بكر الكاتب من أهل المرية
قال ابن الأبار كان غزلا صاحب إبداع في قوله وأسجاع مع سراوة وسخاوة وكانت وفاته سنة تسع عشرة وستمائة
وأورد له
* من الناس من يبقى من اللؤم عرضه
* وإن زانه ثوب عليه جديد
*
* ومنهم جواد النفس لو سيل نفسه
* لكان بها طلق الجبين يجود
*
* فذاك الذي تبقى مآثر مجده
* وآثارها في العالمين شهود
*
* فإن عاش فالآمال خالدة به
* وإن مات فالأمداح فيه خلود
*
وقال أيضا
* أما ورياض من ضميرك ما درت
* غزارة بحر لا ولا بنت راقم
*
* ولا رقمت كف الغمامة بردها
* وقد خلعت فيها جلود أراقم
*
* فللخاطر السيال فيها سحابة
* وللقلم الجاري بها كف راقم
*
* لقد أنعمتني إذ تنسمت عرفها
* على رمق لا يستلين لناقم
*
* وإن جاد يوما بالرضا فهو مازج
* على إثره شهد الرضا بالعلاقم
*

638
* مسحت بها حر الجوى عن جوانح
* حوت ضعف ما تحويه حرة وأقم
*
وقال أيضا
* انا صب وابن صب
* بالعوالي والمعالي
*
* وبناني وجناني
* بهما قد المعالي
*
* فهما إن فسح الله
* مدى العمر معا لي
*
((580 - الراضي بن عباد))
يزيد بن محمد بن عباد الراضي بن المعتمد بن عباد
كان قد ولاه أبوه المعتمد الجزيرة الخضراء ومعقل رندة إلى أن غلبه الملثمون على الجزيرة ثم حصروه برندة فلم يقدرواعليها لحصانتها إلى أن حصل أبوه في أسرهم فحملوه على أن خاطبه بالنزول إليهم اتباعا لرضاه فنزل برأي أبيه وأخذ منهم عهدا وموثقا فلما نزل إليهم ذبحوه
وكان ناظما ناثرا كتب إليه ابن عمار لما كان في حبس أبيه يسأله الشفاعة عند أبيه فأجاب ألان الله لك قلبا صيره غليظا عليك وعطف عليك من غالبت فيه قوة الله وحوله بقوتك وحولك فجاذبته رداء ملكه وجهدت جهدك في نثر سلكه
تعلم أن سيدي ومولاي المعتمد أيد الله سلطانه إذا أصرم في شيء فلا يعارض
* ومن يسد طريق العارض الهطل
*
وطلبت مني الشفاعة إليه فيك وأنا عنده دون أن أشفع وذنبك عنده فوق ان يشفع فيه وبعد فمن بره الذي أوجب الله على ألا أوالى له عدوا ولا أعادي له وليا
* ولا تبغ من فرع زكي مخالفا
* لأصل فإن الأصل يتبعه الفرع
*
* أغض جفوني عنك ما غض جفنه
* وإن كنت أطويها فينشرها الدمع
*
* وأمنع صدري أن يلم بفكرة
* وفيه لما تشكوه من ألم لذع
*
ومع هذا فأني أبلغ النفس عذرها في استلطافه لك

639
* ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
*
ومن شعره
* مروا بنا أصلا من غير ميعاد
* فأوقدوا نار قلبي أي إيقاد
*
* لا غرو أن زاد في شوقي مرورهم
* فرؤية الماء تذكى غلة الصادي
*
وقال يخاطب أباه وقد نوه بغيره من إخوته
* حنانك إن يكن جرمي قبيحا
* فإن الصفح عن جرمي جميل
*
* وإن عثرت بنا قدم سفاها
* فإني من عثارى مستقيل
*
* ألست بفرعك الزاكي وماذا
* يرجى الفرع خانته الأصول
*
ووصل أبوه إلى لورقة لمحاربة العدو وجهز إليه عسكرا وأمر ابنه الراضي أن يتقدم عليه فاعتذر وأظهر المرض فتقدم عليه المعتمد بنفسه ولاقى العدو فكانت الدائرة على المعتمد فحجب عنه وجه رضاه وكتب إليه بشعر منه
* الملك في طيء الدفاتر
* فتخل عن قود العساكر
*
* طف بالسرير مسلما
* وارجع لتوديع المنابر
*
* وازحف إلى جيش المعارف
* تقهر الحبر المناظر
*
* واضرب بشكين الدواة
* مكان ماضي الحد باتر
*
* واقعد فإنك طاعم
* كأس وقل هل من مفاخر
*
فأجابه الراضي بشعر منه
* مولاي قد أصبحت كافر
* بجميع ما تحوي الدفاتر
*
* وفللت سكين الدواة
* وظلت للأقلام كاسر
*
* وعلمت أن الملك ما
* بين الأسنة والبواتر
*
* هبني أسات كما ذكرت
* أما لهذا العتب آخر
*
* هب زلتي لبنوتي
* واغفر فإن الله غافر
*
فقربه وصفح عنه

640
((581 - يزيد بن معاوية))
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أمير المؤمنين أبو خالد
ولد سنة خمس أو سنة ست وعشرين للهجرة بويع له بدمشق في شهر رجب سنة ستين للهجرة وتوفي بدمشق لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين وكانت مدة ملكه ثلاث سنين وثمانية أشهر واثنين وعشرين يوما وصلى عليه ابنه معاوية وسنة ثمان وثلاثون سنة
وكان ضخما آدم سمينا مجدورا وله ديوان لا يصح عنه منه إلا القليل وقد جمع ديوانه الصاحب جمال الدين علي بن يوسف القفطي وأضاف إليه كل من اسمه يزيد
وقال الشيخ شمس الدين الذهبي لما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل وقتل الحسين رضي الله عنه وإخوته وأكثر من شرب الخمر وارتكب أشياء منكرة أبغضه الناس وخرج عليه غير واحد ولم يبارك الله تعالى في عمره
سئل أليكا الهراسي عن يزيد بن معاوية فقال إنه لم يكم من الصحابة لأنه ولد في زمن عمر بن الخطاب وأما قول السلف ففيه قولان تلويح وتصريح ولنا قول واحد التصريح دون التلويح وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالشطرنج والنرد والمتصيد بالفهود ومدمن الخمر
قيل إن معاوية في بعض الليالي أنهى إليه أن يزيد ولده يشرب فأتى إليه ليوقع به فوجده يقول
* إلا إن أهنا العيش ما سمحت به
* صروف الليالي والحوادث نوم
*
فقال معاوية والله لا كنت عليه في هذه الليلة من الحوادث ثم رجع من حيث أتلا
رجعنا إلى الأصل

641
وكتب أليكا فصلا طويلا ثم قلب الورقة وكتب: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل، وكتب فلان لن فلان. وقد أفتى الغزالي رحمه الله تعالى بخلاف ذلك، فإنه سئل عمن صرح بلعيين يزيد: هل يحكم بفسقه؟ فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلا، ومن لعن مسلما فهو المعلون، وقد قال رسول الله
/: المسلم ليس بلعان '، وكيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم، وقد ورد النهي عن ذلك، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي
، ويزيد صح إسلامه، وما صح قتلة الحسين رضي الله عنه ولا أمره ولا رضاه بذلك، ومهما لم يصح ذلك منه لا يجوز أن يظن ذلك به، فإن إساءة الظن بالمسلم حرام، وقد قال الله تعالى: * (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) * [الحجرات: 12] وقال النبي

642
: ' أن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء '. ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به فينبغي أن يعلم غاية حمقه؛ فإن من كان في عصره من الأكابر والوزراء والسلاطين لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله أو رضي به أو كرهه لم يقدر على ذلك، وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف لو كان في بلد بعيد وزمن بعيد وقد انقضى؟! فكيف نعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد؟! وقد تطرق التعصب في الواقعة؛ فكثرت فيها الأحاديث، فهذا أمر لا تعرف حقيقته أصلا، وإذا لم تعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم. ومع هذا، فلو ثبت على مسلم، أنه قتل مسلما، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر، بل هو معصية، فإذا مات القاتل ربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم تجز لعنته، فكيف بمن تاب عن قتل؟! وكيف نعرف أن قاتل الحسين رضي الله عنه مات قبل التوبة، * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * [الشورى: 25] فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقا عاصيا لله عز وجل ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالإجماع، بل لو لم يعلن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة: لم لم تلعن إبليس، ويقال للاعن: لم لعنت؟ ومن أين عرفت أنه ملعون مطرود؟ والملعون هو المبعد من الله عز وجل، وذلك غيب ولا يعرف فيمن من مات كافرا، فإن ذلك علم بالشرع، وأما الترحم عليه فهو جائز، بل هو مستحب، بل هو داخل في قولنا كل صلاة: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه كان مؤمنا، والله أعلم. كتبه الغزالي. وحكى ابن القفطي أن يزيد كان له قرد يجعله بين يديه ويكنيه: أبا قيس، ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ، وكان يسقيه النبيذ

643
ويضحك منه، وكان يحمله على أتان، فحمله يوما وجعل يقول:
* تمسك أبا قيس بفضل عنانها
* فليس عليها إن هلكت ضمان
*
* فقد سبقت خيل الجماعة كلها
* وخيل أمير المؤمنين أتان
* وجاء أبا قيس في ذلك اليوم ريح فمال ميتا والأتان، فحزن عليه، وأمر بدفنه بعد أن كفنه، وأمر أهل الشام أن يعزوه فيه، وأنشأ يقول:
* لم يبق قرم كريم ذو محافظة
* إلا أتانا يعزى في أبى قيس
*
* شيخ العشيرة أمضاها وأحملها
* له المساعي مع القربوس والديس
*
* لا يبعد الله قبرا أنت ساكنة
* فيه الجمال وفيه لحية التيس
* ومن شعره:
* شربت على الجوزاء كأسا روية
* وأخرى إذا الشعرى العبور استهلت
*
* معتقة كانت قريش تعافها
* فلما استحلوا دم عثمان حلت
* ومنه:
* أقول لصحب ضمت الكاس شملهم
* وداعي صبابات الهوى يترنم
*
* خذوا بنصيب من نعيم ولذة
* فكل وإن طال المدى يتصرم
*
* ولا تتركوا يوم السرور إلى غد
* فرب غد يأتي بما ليس يعلم
*
* ألا إن أهنا العيش ما سمحت به
* صروف الليالي والحوادث نوم
*
* لقد كادت الدنيا تقول لأهلها
* خذوا لذة، لو أنها تتكلم
*
* وسيارة ضلوا عن القصد بعدما
* تداركهم جنح من الليل مظلم
*
* أناخوا على قوم ونحن عصابة
* وفينا فتى من سكره يترنم
*
* أضاءت لهم منا على البعد قهوة
* كأن سناها ضوء نار تضرم
*
* إذا ما حسوناها أناخوا مطيهم
* وإن مزجت حثوا الركاب ويمموا
* وقال أيضا:
* ولقد طعنت الليل في أعجازه
* بالكاس بين غطارف كالأنجم
*
* يتمايلون على النعيم كأنهم
* قضب من الهندي لم تتثلم
*
* ولقد شربناها بخاتم ربها
* بكرا وليس البكر مثل الأيم
*

644
* ولها سكون في الإناء ودونه
* شغب يطوح بالكمى المعلم
* وقال أيضا:
* ولى ولها إذا الكاسات دارت
* رقى سحر يحل عرى الهموم
*
* محادثة ألذ من الأماني
* و بث جوى أرق من النسيم
* وقال أيضا:
* وساق أتاني والثريا كأنها
* قلائص قد أعنقن خلف فينق
*
* وناولني كأسا كأن بنانه
* مخلقة من نورها بخلوق
*
* وقال اغتنم من دهرنا غفلاته
* فعقد وداد الدهر غير وثيق
*
* وإني من لذات دهري لقانع
* بحلو حديث أم بمر عتيق
*
* هما ما هما لم يبق شيء سواهما
* حديث صديق أم عتيق رحيق
*
* إذا شجها الساقي حسبت حبابها
* نجوما تبدت في سماء عقيق
* ويقال: إنه لما أتي برأس الحسين رضي الله عنه صاح بنات معاوية وعيالهم، وسمعهم يزيد، فذرفت عيناه، وقال:
* يا صيحة تحمد من صوائح
* ما أهون الموت على النوائح
* ثم قال: إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، كنا نرضى من أهل ' العراق ' بدون قتل الحسين. وعرض عليه فيمن عرض علي بن الحسين رضي الله عنهما فأراد قتله والأمن من غائلته، ثم كف وارعوى، وقال:
* هممت بنفسي همة لو فعلتها
* لكان قليلا بعدها ما ألومها
*
* ولكنني من عصبة أموية
* إذا هي زلت أدركتها حلومها
* ولما تحقق معاوية أن يزيد يشرب الخمر عز عليه ذلك، وأنكر عليه، وقال: إن رسول الله
قال: ' من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر '، وإنك تقدر على بلوغ لذتك في ستر؛ فتماسك عن الشرب، ثم دعته نفسه لما أعتاده، فجلس على شرابه، فلما استخفه الخمر وداخله الطرب، قال يشير إلى أبيه:
* أمن شربة من ماء كرم شربتها
* غضبت على؟! الآن طاب لي السكر
*
* سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما
* حبيب إلى قلبي: عوقك والخمر
*

645
582 يزيد بن الوليد أمير المؤمنين))
يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان
لقب الناقص لأنه نقص الناس من عطائهم وقيل لقرب مدته وقيل غير ذلك ويقال له المعتزلي والضال وكان أسمر حسن الوجه نحيف الجسم معتدل القد أعرج وقال المدائني ناقص الوركين ولذلك قيل له الناقص
ولد في الكعبة سنة إحدى وتسعين للهجرة في حياة جده عبد الملك وبويع له ب دمشق يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة وله خمس وثلاثون سنة وكانت خلافته خمسة أشهر ويومين وتوفي في ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة ونبشه مروان بن محمد وصلبه
وكان أبلغ بني أمية بلغه عن مروان بن محمد أمر فكتب إليه أما بعد فإني رأيتك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فاعتمد على أيهما شئت فقال له مروان أنا على لقاء العساكر أقوى مني على لقاء هؤلاء الكلمات ثم أذعن ودخل فيما دخل فيه الجماعة
ويزيد هذا هو أول من خرج بالسلاح في العيد يقال إنه مات بالطاعون ودفن بين باب الجابية والباب الصغير وصلى عليه أخوه إبراهيم رحمه الله تعالى
583 يعقوب النيسابوري
يعقوب بن أحمد بن محمد النيسابوري اللغوي الأديب الكردي
توفي في شهر رمضان سنة أربع وسبعين وأربعمائة
قرأ الأصول على الحاكم أبي سعد بن دوست وصحب الأمير أبا الفضل الميكالي ورأى العميد القهستاني

646
وقرأ الحديث الكثير على المشايخ ونسخ الكتب بخطه الحسن وكان متواضعا يخالط الأدباء وله نظم ونثر وتصانيف وفرائد ونكت وطرف
وذكره العماد الكاتب في الخريدة وقال إن له من الكتب كتاب البلغة وكتاب جونة الند وأورد له من الشعر
* كم من كتاب قد تصفحته
* وقلت في ذهني صححته
*
* ثم إذا طالعته ثانيا
* رأيت تصحيفا فأصلحته
*
ومن شعره
* حلاوة أيام الوصال شهية
* ولكن ليالي الهجر أمررن طعمها
*
* ولي كبد حرى ونفس عليلة
* كليم تولى كلمها البيض كالمها
*
وقال
* وقالوا لي أبو حسن كريم
* فقلت الميم هاء في العبارة
*
* وما لجلاله أرجوه لكن
* رأيت الكلب يرمي بالحجارة
*
وقال
* يرى الناس منه كالمسيح بن مريم
* وفي ثوبه التمساح أو هو أغدر
*
* أغركم منه تقلص ثوبه
* وذلك حب دونه الفخ فاحذروا
*
584 الخازن الشافعي
يعقوب بن سليمان بن داود أبو يوسف الخازن الإسفراييني
سافر إلى العراق والشام وسكن بغداد وتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري وكان خازن الكتب بالنظامية وهو فقيه فاضل حسن المعرفة بالأصول على مذهب الأشعري وله معرفة بالأدب وكان يكتب خطا جيدا وصنف كتاب: ' المستظهري ' في الإمامة وشرائط الخلافة والسير العادلة وكتاب: ' سير الخلفاء ' و ' محاسن الآداب ' و ' بدائع الأخبار وروائع الأشعار ' وتوفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة رحمه الله

647
ومن شعره:
* إن الذي قسم المعيشة بيننا
* قد خصني بالسعي في الآفاق
*
* متشتتا لا أستقر ببلدة
* في كل يوم أبتلى بفراق
*
ومنه:
* ألم بنا وهنا فقال سلام
* خيال لسلمى والرفاق نيام
*
* ألم وفى أجفان عيني وصارمى
* غراران نوم غالب وحسام
*
* أجيراننا بالخيف سقاكم الحيا
* مراضع در ما لهن فطام
*
* ظعنتم فسلتم إلى الوجد مهجتي
* كأن قلوب الظاعنين سلام
*
585 - أبو البشر البندنيجي
اليمان بن أبي اليمان أبو البشر البندنيجي
أصله من الأعاجم من الدهاقين ولد أكمه لا يرى الدنيا في سنة مائتين وتوفى سنة أربع وثمانين ومائتين
نشأ ب ' البندنيجين ' وحفظ هناك أدبا كثيرا وأشعارا كثيرة قال: حفظت في مجلس واحد مائة وخمسين بيتا من الشعر بغربيه وخرج إلى ' بغداد ' و ' سر من رأى ' ولقى العلماء وقرأ على محمد بن زياد الأعرابي وسمع منه ولقى أبا نصر صاحب الأصمعي وهو ابن أخته
وكان لأبى بشر ضياع كثيرة وبساتين خلفها أبوه فباعها وأنفقها في طلب العلم ولقى يعقوب بن السكيت والزيادى والرياشى وقرأ عليهما من حفظه كتبا كثيرة
ومن تصانيفه كتاب: ' معاني الشعر ' كتاب: ' العروض '
ومن شعره:
* أنا اليمان بن أبي اليمان
* أشعر من أبصرت في العميان
*
* إن تلقنى تلق عظيم الشان
* تلاقنى أفصح من سحبان
*

648
* في العلم والحكمة والبيان
*
ومر يوما ب ' باب الطاق ' فسمع صوت قمرية من حانوت خباز فبكى شديدا وقال لقائده: مل بي إليه فأقامه عليه فقال: يا خباز أتبيع هذه؟ نعم قال: بكم؟ قال: بعشرة دراهم ففتح منديله قعد له الدراهم ثم الحمامة فأطلقها وأنشأ يقول:
* ناحت مطوقة ب ' باب الطاق '
* فجرت سوابق دمعي المهراق
*
* حنت إلى أرض ' الحجاز ' بحرقة
* تسبى فؤاد الهائم المشتاق
*
* تعس الفراق وجذ حبل وتينه
* وسقاه من سم الأساود ساق
*
* يا ويحه ما باله قمرية
* لم تدر ما ' بغداد ' في الآفاق
*
* كانت تفرخ في الأراك وربما
* كانت تفرخ في فروع الساق
*
* فأتى الفراق بها ' العراق ' فأصبحت
* بعد الأراك تنوح في الأسواق
*
* إني سمعت حنينها فابتعتها
* وعلى الحمامة جدت بالإطلاق
*
* بي مثل ما بك يا حمامة فاسألى
* من فك أسرك أن يفك وثاقي
*
ومن شعره:
* فديوان الضياع بفتح ضاد
* وديوان الخراج بغير جيم
*
* إذا ولى ابن عباس وموسى
* فما أمر الإمام بمستقيم
*
586 - الحافظ اليغمورى
يوسف بن أحمد بن محمود بن أحمد الحافظ جمال الدين اليغمورى أبو المحاسن الأسدي الدمشقي ولد في حدود الستمائة وتوفى رحمه الله تعالى سنة ثلاث وسبعين وستمائة
سمع الكثير ب ' دمشق ' و ' الموصل ' و ' مصر ' و ' الإسكندرية ' وعنى بالحديث وتعب وحصل وكتب الكثير من الحديث والأدب وكان له فهم ومعرفة وإتقان ومشاركة في الآداب والتواريخ وله مجاميع حسنة وتوفى عند شهاب الدين بن يغمور وكان يصحب والده

649
كتب شهاب الدين بن الخيمي إلى الحافظ اليغموري وكانا أرمدين
* أبثك يا خليلي أن عيني
* غدت رمداء تجري مثل عين
*
* حديث أن تعرفه يقينا
* لأنك قد رمدت وأنت عيني
*
فأجاب الحافظ
* كفاك الله ما تشكو وحيا
* محاسن مقلتيك بكل زين
*
* فإني من شفائك ذو يقين
* لأنك قد شفيت وأنت عيني
*
ومن شعر الحافظ
* رجع الود على رغم الأعادي
* وأتى الوصل على وفق المراد
*
* ما على الأيام ذم بعدها
* كفر القرب إساءات البعاد
*
وقال
* أنا مرآة فإن أبصرتم
* حسنا أنتم بها ذاك الحسن
*
* أو تروا ما ليس يرضيكم فقد
* صدئت أن لم تروها من زمن
*
587 علم الدين القناوي
يوسف بن أحمد بن إبراهيم علم الدين الخطيب القناوي الشافعي الأديب كان من الرؤساء الأعيان الكرماء الأجواد الذكياء وكانت له معرفة جيدة بحل الألغاز ونظم منها أشياء كثيرة وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة رحمه الله
وله لغز في لابس البيت الثاني منه
* يبين إن صحف مع قول لا
* وهو إذا صحفته لا يبين
*
وله لغز في مغن
* ما اسم إذا عكسته
* يطرب إن سمعته
*
* ينعم بالوصل متى
* صحف ما عكسته
*
وله لغز في زغل
* وما لغز إذا فتشت شعري
* تراه مسطرا فيه مسمى
*
* وإن تعكسه كان من التحري
* إذا حققته في البير يرمي
*

650
* وفاعله إذا نموا عليه
* فيخشى أن تزل يداه حتما
*
588 الحافظ ابن بكار
يوسف بن الحسن بن بدر بن الحسين بن مفرج بن بكار الحافظ المفيد الإمام السيد شرف الدين النابلسي الأصل الدمشقي الشافعي
ولد سنة ثلاثة وستمائة وتوفي سنة إحدى وسبعين وستمائة
سمع من ابن البن وغيره ورحل وعنى بهذا الشأن ونسخ بنفسه وبالأجرة وخطه طريقه مشهورة حلوة وخرج لنفسه في الموافقات في خمسة أجزاء وحدث ب دمشق و الإسكندرية والقاهرة روي عن الدمياطي وابن الخباز وابن العطار والكندي وكان ثقة حافظا متقنا جيد المذاكرة جيد النظم حسن الديانة ذا عقل ووقار ولى مشيخة دار الحديث النورية ب دمشق
ومن شعره رحمه الله تعالى
* بحق خضوعي في الهوى وتملقي
* وفيض دموعي والضنى وتقلقي
*
* وشدة وجدي والغرام ولوعتي
* وفرط هيامي فيكم وتمزقي
*
* بعزكم يا سادتي بتذللي
* بعظم حنيني نحوكم وتشوقي
*
* بوقفتنا يوم اجتمعنا ب رامة
* على يمنة الوادي بعهدي بموثقي
*
* أجيروا فؤادي من جفاكم وأسعفوا
* بقرب ولا تصغوا لزور منمق
*
* أتاكم به الواشي وما خلت أنه
* غداة سعى بي عندكم بمصدق
*
* تعلقكم قلبي قديما من الصبا
* وما حال عن ذاك الهوى والتعليق
*
* وها هو يرجو أن يراكم لعله
* يبثكم ماذا لقي حين نلتقي
*
وقال
* سلوا عذبات الرند أو نسمة الصبا
* إلى غيركم هل مال قلبي أو صبا
*
* فعندهما أخبار على كل متيم
* محب لكم ما حال من زمن الصبا
*
* يحن إليكم كلما لاح بارق
* ويشتاقكم يا ساكني ذلك الخبا
*
* ويرتاح نحو المنحنى وطويلع
* ويهفو إلى تلك المعالم والربا
*

651
وقال أيضا
* رأى البرق نجديا فجن بمن يهوى
* ولاحت له نار فحن إلى حزوى
*
* وهبت له من جانب الغور نفحة
* أتته بريا ساكني السفح من رضوى
*
* محب له معزى بهم كلف جو
* إلى اللوم فيهم ما أصاخ ولا ألوى
*
* يناجي نسيم الصبح عند هبوبه
* بأخبار ذاك الحي يا طيبها نجوى
*
* ويشكو إليه ما يلاقي من الهوى
* كذا كل صب يستريح إلى الشكوى
*
* فيا راحة الروح التي شغفت بهم
* ويا منتهى المطلوب والغاية القصوى
*
* رويتم حديث الصد عال مسلسل
* فلم ذا أحاديث التواصل لا تروى
*
* مرابع ذكراكم بقلبي أواهل
* ومغنى التسلي عن محبتكم أقوى
*
* أرى كل خلق يدعيكم وينتمي
* إليكم ولكن من تصح له الدعوى
*
* سلام على أهل الغرام جميعهم
* وخفف عنهم ما يلاقوا من البلوى
*
* عذاب الهوى مستعذب عند أهله
* وغلتهم فيه مدى الدهر لا تروى
*
* سكارى وما دارت على القوم خمرة
* سوى أن خمر الحب طرحهم نشوى
*
وقال أيضا
* أهيل الحمى والنازلين ب دارمة
* ومن حل تلك الدار بالأجرع الفرد
*
* أحن إليكم كل حين ولحظة
* وتطلبكم عيني وإن كنتم عندي
*
* وفي القلب ما فيه من الشوق والجوى
* سلام على نجد ومن حل في نجد
*
* وأذكركم والدار قد نزحت بنا
* فأسبل دمعي كالجمان على خدي
*
* فيا أهل ذياك الحمى وحياتكم
* يمين وفي لا يحول على العهد
*
* هواي الهوى المعهود ليس بزائل
* وإن بعدت داري ووجدي بكم وجدي
*
* مقيم على رعي العهود وحفظها
* فيا ليت علمي كيف حالكم بعدي
*
* ترى بعد هذا البعد يرجى لقاؤنا
* ويجمعنا ظل لدى البان والرند
*
* وأشرح ما قاسيته ولقيته
* فيا نيل آمالي بذاك ويا سعدي
*
وقال أيضا
* شفيعي إليكم ذلتي وخضوعي
* وفرط غرامي فيكم وولوعي
*
* وشدة أشواقي إليكم وحرقتي
* عليكم وأنفاسي وفيض دموعي
*
* جنابكم لي موطن وحماكم
* ملاذ وأنتم مفزعي ونزوعي
*

652
* تقضى زماني في هواكم فلا أرى
* سواكم إليه موئلي ورجوعي
*
وقال أيضا
* سلام عليكم شطت الدار بيننا
* على أن ذكراكم قريب إلى قلبي
*
* إذا العين لم تلقاكم وتراكم
* ففكري يلقاكم على البعد والقرب
*
589 جمال الدين الشاعر
يوسف بن سليمان بن أبي الحسين بن إبراهيم الفقيه الأديب الشاعر الخطيب الصوفي الشافعي جمال الدين سألته عن مولده فقال لي سنة ثلاث وتسعين وستمائة ب نابلس ونشأ ب دمشق وقرأ بها الأدب على الشيخ تاج الدين اليمني والنحو على الشيخ نجم الدين القحفازي وغيره وحج سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ثم حج في سنة سبع وأربعين وسبعمائة عقيب موت ولده سليمان فإنه حصل له عليه وجد عظيم وألم كثير فما رأى نفسه لنفسه دواء غير الحج
وهو شاعر مجيد في المقاطيع يجيد نظمها ومعناها وله بديهة مطاوعة وارتجال مسرع لذيذ المفاكهة جميل الود حسن الملقى توفي رحمه الله تعالى في ثامن عشر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة ولم ينقطع غير يوم واحد
أنشدني لنفسه
* أسر الفؤاد ودمع عيني أطلقا
* والوجد جدده وصبري مزقا
*
* حلو الشمائل ما أمر صدوده
* متنعم قد لذ لي فيه الشقا
*
* كملت محاسنه فلو أهدى السنا
* للبدر عند كماله ما أشرقا
*
* يا عاذلي أقصر وتب عما مضى
* ما أنت في عذل المحب موفقا
*
* يا فاتر الأجفان أحرقت الحشا
* منى فمت صبابة وتشوقا
*
* يمضي الزمان وما أزور دياركم
* من خشية الرقباء عند الملتقى
*
* وأريد أسبح في الدموع عليكم
* فأخاف من ضعف القوى أن أغرقا
*

653
* هام صرف الردى بهام الأعادي
* أن سمت نحوهم لها أجياد
*
* وتراءت بشركها لعيون
* دأبها ملء جانبيها سهاد
*
* ذات هدب من المجاذيف حاك
* هدب باك لدمعه إسعاد
*
* حمم فوقها من البيض نار
* كل من أرسلت عليه رماد
*
* ومن الخط في يدي كل ذمر
* ألف خطها على البحر صاد
*
قال وما أحسن قول شيخنا أبي الحسن بن حريق في هذا المعنى من قصيدة
* وكأنما سكن الأراقم جوفها
* من عهد نوح خشبة الطوفان
*
* فإذا رأين الماء يطفح نضنضت
* من كل خرت حية بلسان
*
قال ولم يسبقهم إلى الإحسان وإن سبقهم بالزمان علي بن محمد الإيادي التونسي في قوله
* شرعوا جوانبها مجاذف أتعبت
* شاو الرياح لها ولما تتعب
*
* تنضاع من كثب كما نفر القطا
* طورا وتجتمع اجتماع الربرب
*
* والبحر يجمع بينها فكأنه
* ليل يقرب عقربا من عقرب
*
ومن هذه القصيدة الفريدة في ذكر الشراع
* ولها جناح يستعار يطيرها
* طوع الرياح وراحة المتطرب
*
* يعلو بها حدب العباب مطاره
* في كل لج زاخر معلولب
*
* يتنزل الملاح منه ذؤابة
* لو رام يركبها القطا لم يركب
*
* وكأنما رام استراقة مقعد
* للسمع إلا أنه لم يشهب
*
وقال أبو عمر القسطلي
* وحال الموج بين بني سبيل
* يطير بهم إلى الغول ابن ماء
*
* أغر له جناح من صباح
* يرفرف فوق جنح من سماء
*
أخذه ابن خفاجة فقال
* وجارية ركبت بها ظلاما
* يطير من الصباح بها جناح
*
قال ابن الأبار وقد عملت أنا في ذلك
* يا حبذا من بنات الماء سابحة
* تطفو لما شب أهل النار تطفئه
*
* تطيرها الريح غربانا بأجنحة
* الحمائم البيض للأشراك ترزؤه
*
* أما غرامي في هواك فإنه
* حي ولكن في السلو لك البقا
*
وله رحمه الله تعالى موشح
* زائر بالخيال
* زائل عن قربي
*
* باهر بالجمال
* ناهر بالعجب
*
* أي غصن نضير
* نزهة للنظر
*
* لحظ عيني خفير
* منه ورد الخفر
*
* يا له من غرير
* في هواه غرر
*
* ساحر بالدلال
* ساخر بالصب
*
* فائق في الكمال
* لائق بالحب
*
* بشذا المسك فاح
* ثغر هذا الغزال
*
* باسم عن أقاح
* أو فريد اللآل
*
* رد نور الصباح
* كظلام الليال
*
* ريقه حين جال
* في لماه العذب
*
* صرت بين الزلال
* والهوى في كرب
*
* ذو قوام رطيب
* منه تجنى الحرق
*
* رام ظلم القضيب
* فاشتكى بالورق
*
* فتثنى الحبيب
* ورنا بالحدق
*
* سل بيض النصال
* من سواد الهدب
*
* والعوالي أمال
* بالقوام الرطب
*
* لو رأته القسوس
* حسبته المسيح
*
* وهو يحيي النفوس
* بالكلام الفصيح
*
* ما تبين الشموس
* عند هذا المليح
*
* خل عنك الغزال
* يرتعي في الكثب
*
* ثم قل للهلال
* يحتجب بالغرب
*
* ثغره في بريق
* إذا جلاه بريق
*

654
* كل حر رقيق
* للماه الرقيق
*
* خده والشقيق
* ذا لهذا شقيق
*
* قد بدا فيه خال
* كسواد القلب
*
* إذ غدا في اشتعال
* فوق نار الحب
*
* ما لصب صبا
* في هواه نصيب
*
* منه قبل الصبا
* قد علاني المشيب
*
* يا نسيم الصبا
* جز بأرض الحبيب
*
* واجتهد أن تنال
* منه طيب القرب
*
* ثم عد بالنوال
* من هدايا حبي
*
* جائر قد ظهر
* عدله في القوام
*
* في الوجود اشتهر
* مثل بدر التمام
*
* فيه يحلو السهر
* ويمر المنام
*
* صد تيها وقال
* وهو يبغي حربي
*
* لحظ عيني نبال
* قلت آه وا قلبي
*
وقال في صفة فرس أدهم
* وأدهم اللون فات البرق وانتظره
* فغارت الريح حتى غيبت أثره
*
* فواضع رجله حيث انتهت يده
* وواضع يده أنى رمى بصره
*
* سهم تراه يحاكي السهم منطلقا
* وما له غرض مستوقف خبره
*
* إذا توقل قطب الدين صهوته
* أبصرت ليلا بهيما حاملا قمره
*
وقال أيضا
* قد مضت ليلة الوصال بحال
* قصرت عن محصل الأزمان
*
* أخبرتنا أن الزمان جميعا
* قد تقضى في ليلة الهجران
*
وقال
* يعيبون من أهوى بكسرة جفنه
* وعندي بهذا العيب قد تم حسنه
*
* فقلت وما قصدي سوى سيف لحظه
* إذا دام فتك السيف يكسر جفنه
*
وقال في دولاب الصاحب شمس الدين
* ودولاب يحن بحبس عود
* على وتر يساس بغير حس
*

655
* فلما إن بدت منه نجوم
* حكى فلكا يدور بسعد شمس
*
وقال أيضا في زهر الخشخاش
* ونوار خشخاش بكرنا نزوره
* وقد دهش الرائي بحسن صنوفه
*
* تغنى به الشحرور من فرط شجوه
* فنقط بالياقوت ملء دفوفه
*
وقال
* كأن السحاب الغر لما تجمعت
* وقد فرقت عنها الهموم بجمعها
*
* نياق ووجه الأرض قعب وثلجها
* حليب ومر الريح حالب ضرعها
*
وقال
* كأن ضوء البدر لما بدا
* ونوره بين غضون الغصون
*
* وجه حبيب زار عشاقه
* فاعترضت من دونه الكاشحون
*
فقال زين الدين الصفدي رحمه الله تعالى
* نظرت في الشهب وقد أحدقت
* بالبدر منها في الدياجي عيون
*
* والروض يستحلي سنا نوره
* فتحسد الأرض عليه الغصون
*
* وكلما صانته أوراقها
* نازعها الريح فلاح المصون
*
* فقلت حتى البدر لم يخله
* ريب الليالي في السما من عيون
*
ونظم الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى
* كأنما الأغصان لما انثنت
* أمام بدر التم في غيهبه
*
* بنت مليح خلف شباكها
* تفرجت منه على موكبه
*
ونظم أيضا
* وكأنما الأغصان يثنيها الصبا
* والبدر من خلل يلوح ويحجب
*
* حسناء قد عامت وأرخت شعرها
* في لجة والموج فيها يلعب
*
وكتب الشيخ صلاح الدين الصفدي إلى جمال الدين المذكور ملغزا في مكوك الحائك
* أيا من فاق في الآداب حتى
* أقر بفضله الجم الغفير
*

656
* وأحرز في المنى قصبات سبق
* فدون محله الفلك الأثير
*
* وأطلع في سماء النظم زهرا
* يلوح فمن زهير أو جرير
*
* قطعت أولى النهى والفضل بحثا
* فما لك في مناظرة نظير
*
* إذا أعربت في الإعراب وجها
* فكم ثلجت بما تبدي صدور
*
* وإن قيل المعمي والموري
* فذهنك ناقد فيه بصير
*
* وها أنا قد دعوتك للتحاجي
* لأنك في الحجا طب خبير
*
* فما ساع يرى في غير أرض
* ولا هو في السما مما يطير
*
* تراه مرددا ما بين طرد
* وعكس قصرت عنه الطيور
*
* ويلطم كلما وافى مداه
* ويسحب وهو مغلول أسير
*
* وتنزع كل آونة حشاه
* ويلقي وهو للبلوى صبور
*
* ويرشف بعد ذلك منه ثغر
* ولا عذب هناك ولا نمير
*
* إذا ما سار أثر في خطاه
* طرائق دونها الروض النضير
*
* يجر إذا سعى ذنبا طويلا
* ويفتر حين يعلوه قصور
*
* ويسمع منه عند الجرى صوت
* له في صدره منه خرير
*
* قليل المكث كم قد بات تطوى
* له من شقة لما يسير
*
* ويفترس الحرير ويرتديه
* غطاء وهو مع هذا فقير
*
* وتظهر في جوانبه نجوم
* وفي أحشائه فلك يدور
*
* فأوضح ما ذكرت فغير خاف
* على مجموع فضلك ما أشير
*
* ودم في نعمة وسعود جد
* وعز ما سقى روضا غدير
*
فكتب جمال الدين الجواب
* أوجهك لاح أم قمر منير
* وذكرك فاح أم نفح العبير
*
* طلعت طلوع شمس الصحو صبحا
* على فرس حكى فلكا يسير
*
* ويا لله روض ضمن طرس
* زهير في جوانبه جرير
*
* رميت به إلي فقلت هذا
* شعاع الشمس مأخذه عسير
*
* أراني رمزه الوضاح حسنا
* ينبهني على أني حقير
*
* وأني ملحق بأقل صنف
* إذا ما حقق الجم الغفير
*
* فمذ صحفته فكرى مكوك
* ومذ نشرته باعي قصير
*

657
* هو المأسور بالماسور لكن
* له في أسره مرح كثير
*
* نشيط أيد ويعاد طوعا
* بخيط متنه واه طرير
*
* يراع لأن مهجته يراع
* له في الجوف من خوف صفير
*
* يحور إلى يمين من شمال
* وما يعيى بذا لكن يخور
*
* غدا يسعى بأربعة سراع
* وليس لمشيه بهم نظير
*
* يخالف بين رجليه فيجري
* وترفعه يداه فيستطير
*
* له نول يسير لكل حي
* وميت منه إحساس كثير
*
* إذا أسدى إليه الخير مسد
* جزاه عليه وهو بذا قدير
*
* كذاك صفاتك الحسنى ولكن
* بدأت تطولا وبنا قصور
*
* فغفرا ثم سترا ثم قصرا
* فأين الثمد والبحر الغزير
*
توفي جمال الدين المذكور رحمه الله تعالى
590 مهمندار العرب
يوسف بن سيف الدولة بن زماخ بالزاي والميم المشددة والخاء المعجمة بعد الألف - الحمداني المهمندار شيخ متجند قال الشيخ أثير الدين: أنشدني بدر الدين المهمندار المذكور لنفسه:
* وليلة مثل عين الظبي وهى معي
* قطعتها آمنا من يقظة الرقبا
*
* أردفته فوق دهم الليل مختفيا
* والصبح يركض خلفي خيلة الشهبا
*
* حتى دهانى وعين الشمس فاترة
* وقد جذبت بذيل اليل ما انجذبا
*
* ما هي بأول عادات الصباح معي
* ليل الشباب بصبح الشيب كم هربا
*
وقال: أنشدني لنفسه:
* فلا تعجب لحسن المدح منى
* صفاتك أظهرت حكم البوادي
*
* وقد تبدى للك المرآة شخصا
* ويسمعك الصدا ما قد تنادى
*

658
وقال: أنشدني لنفسه:
* ما شيمة العرب العرباء شيمتكم
* ولا بهذا عرفن الخرد الغيد
*
* كانت سليمى ولبنى والرباب إذا
* أزمعن هجرا أتتهن الأناشيد
*
* ودار بينهما فحوى معاتبة
* أرق مما أراقته العناقيد
*
* وآفة الصب مثلي أن يبث جوى
* لمن يحب ولا يثنى له جيد
*
وقال لما خاض الملك الظاهر الفرات يمدحه ويصف الوقعة:
* لو عاينت عيناك يوم نزالنا
* والخيل تطفح في العجاج الأكدر
*
* وسنا الأسنة والضياء من الظبا
* كشفا لأعيننا قتام العثير
*
* وقد اطلخم الأمر واحتدم الوغى
* ووهى الجبان وساء ظن المجترى
*
* لرأيت سدا من حديد ما يرى
* فوق الفرات وفوقه نار ترى
*
* ورأيت سيل الخيل قد بلغ الزبى
* ومن الفوارس أبحرا في أبحر
*
* طفرت وقد منع الفوارس مدها
* تجرى ولولا خيلنا لم تطفر
*
* حتى سبقنا أسهما طاشت لنا
* منهم إلينا بالخيول الضمر
*
* لم يفتحوا للرمى منهم أعينا
* حتى كحلن بكل لدن أسمر
*
* فتسابقوا هربا ولكن ردهم
* دون الهزيمة رمح كل غضنفر
*
* ملئوا الفضاء فعن قليل لم ندع
* فوق البسيطة منهم من مخبر
*
* سدت علينا طرقنا قتلاهم
* حتى جنحنا للمكان الأوعر
*
* ما كان أجرى خيلنا في إثرهم
* لو أنها برءوسهم لم تعثر
*
* من كل أشهب خاض في بحر الدما
* حتى بدا لعيوننا كالأشقر
*
* كم قد فلقنا صخرة من صرخة
* ولكم ملأنا محجرا من محجر
*
* وجرت دماؤهم على وجه الثرى
* حتى جرت منها مجارى الأنهر
*
* والظاهر السلطان في آثارهم
* يذرى الرؤوس بكل عضب أبتر
*
* ذهب العجاج مع النجيع بصقله
* فكأنه في غمده لم يشهر
*
* إن شئت تمدحه فقف بإزائه
* مثلي غداة الروع وانظم وانثر
*
وكتب إليه ناصر الدين بن النقيب:
* أيوسف بدر الدين والحسن كله
* ليوسف يعزى إذ إلى البدر ينسب
*
* أتيت أخيرا غير أنك أول
* تعد من الآحاد شعرا وتحسب
*

659
* وأحسن ما في شعرك الحر أنه
* به ليس يستجدى ولا يتكسب
*
توفى المذكور بعد الثمانين والستمائة رحمه الله تعالى
591 - محيي الدين بن الجوزي
يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن الجوزي هو الصاحب العلامة محيي الدين ابن الإمام جمال الدين ابن الجوزي الواعظ البغدادي الحنبلي أستاذ دار أمير المؤمنين المستعصم بالله
ولد سنة ثمانين وخمسمائة وتوفى مقتولا سنة ست وخمسين وستمائة
تفقه وسمع الكثير وكان إماما كبيرا وصدرا معظما عارفا بالمذهب كثير المحفوظ حسن المشاركة في العلوم مليح الوعظ حلو العبارة ذا سمت ووقار وجلالة وحرمة وافرة درس وأفتى وصنف وروسل به إلى الملوك ورأى من العز والإكرام والاحترام من الملوك شيئا كثيرا وكان محببا إلى الناس ولى ' الأستاذدارية ' بضع عشرة سنة
قال الدمياطي: أجازنى جميع مصنفات أبيه وأجازنى بجائزة جليلة من الذهب
قال الشيخ شمس الدين: ضربت عنقه بمخيم التتار هو وأولاده تاج الدين عبد الكريم وجمال الدين المحب وشرف الدين عبد الله شهر صفر سنة ست وخمسين
وكان محتسب ' بغداد ' ومدرس المستنصرية للحنابلة وكان إذا سافر استناب ولده في التدريس والحسبة توفى والده وله سبع عشرة سنة فأذن له بالجلوس للوعظ على قاعدة والده وخلع عليه الخليفة القميص والعمامة وجعل على رأسه طرحة وحضر يوم الجمعة في حلقة والده بجامع القصر وعنده الفقهاء للمناظرة ونودى له في الجامع بالجلوس فحضر الخلائق وتكلم فأجاد ثم أذن له في الجلوس بباب بدر الشريف في بكرة كل يوم ثلاثاء فبقى على ذلك مدة

660
ولما أقام عسكر ' الشام ' في أيام الناصر بن عبد العزيز على ' تل العجول ' قبالة عسكر ' مصر ' وتجاوزت مدة إقامتهم السنة وأشاعوا الناس أن الباذرائى رسول الخليفة واصل يصلح بين الفريقين فأبطأ وكثرت الأقاويل في ذلك فقال شهاب الدين غازي بن إياز المعروف ب ' ابن المعمارى ' أحد الأجناد المقاردة وكان حاجب ابن يغمور:
* يذكرنا زمان الزهد ذكرى
* زمان اللهو في ' تل العجول '
*
* ونطلب مسلما يروى حديثا
* صحيحا من أحاديث الرسول
*
واختلفت الأقاويل أن محيي الدين بن الجوزي يصل رسولا من الخليفة وأبطأ حضوره فقال صلاح الدين الإربلي:
* قالوا الرسول أتى وقالوا إنه
* ما رام يوما عن ' دمشق ' نزوحا
*
* ذهب الزمان وما ظفرت بمسلم
* يروى الحديث عن الرسول صحيحا
*
592 - الشيخ جمال الدين المزي
يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن أبي الزهر الشيخ الإمام العالم العلامة حافظ العصر ومحدث ' الشام ' و ' مصر ' جمال الدين أبو الحجاج القضاعي الكلبي المزي الحلبي المولد خاتمة الحفاظ نافذ الأسانيد والألفاظ
مولده بظاهر ' حلب ' في عاشر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة وطلب الحديث في أول سنة خمس وسبعين وهلم جرا وإلى آخر وقت لا يفتر ولا يقصر من الطلب والاجتهاد والرواية
توفى في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ودفن بقابر الصوفية
سمع أصحاب ابن طبرزد والكندي وابن الحرستاني وحنبل وسمع الكتب

661
الأمهات الستة و ' المعجم الكبير ' و ' تاريخ الخطيب ' و ' النسب ' لابن الزبير و ' السيرة ' و ' الموطأ ' من طرق، و ' الزهد ' و ' المستخرج على مسلم ' و ' الحلية ' و ' السنن ' للبيهقي، و ' دلائل النبوة '، وأشياء يطول ذكرها
ومن الأجزاء ألوفا، ومشيخته نحو الألف
حفظ القرآن الكريم وعنى باللغة وبرع فيها وأتقن النحو والتصريف
ولما ولى دار الحديث الأشرفية تمذهب للشافعي، وأشهد عليه بذلك. وكان فيه حياء وسكينة، وحلم واحتمال، وقناعة واطراح تكلف، وترك التجمل والتودد والانجماع عن الناس وقلة الكلام، إلا أنه يسأل فيجيب ويجيد، وكلما طالت مجالسة الطالب له ظهر له فضله. وكان لا يتكثر بفضائله، كثير السكوت لا يغتاب أحدا. وكان معتدل القامة مشربا بحمرة، قوى التركيب متع بحواسه وذهنه. وكان قنوعا غير متأنق في ملبس أو مأكل، يصعد إلى ' الصالحية ' وغيرها ماشيا وهو في عشر التسعين. وكان يستحم بالماء البارد في الشتاء. كان قد امتحن بالمطالب وتتبعها، فيعثر به من الشياطين جماعة، فيأكلون ما معه، ولا يزال في فقر لأجل ذلك. وأما معرفة الرجال فإليه تشد الرحال، فإنه كان الغاية وحامل الراية. ولما ولى دار الحديث قال الشيخ تقى الدين: لم يل هذه المدرسة من حين بنائها وإلى الآن أحق منه بشرط الواقف، وقد وليها جماعة كبار مثل ابن صلاح ومحيى الدين النواوي وابن الزبيدي؛ لأن الواقف قال: فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدارية قدم من فيه الدراية. قال الشيخ شمس الدين: لم أر أحفظ منه، ولم ير هو مثل نفسه. قال الشيخ شمس الدين: لم يسألني ابن دقيق العيد إلا عنه. وكان قد اغتر في شبيبته وصحب عفيف الدين التلمساني، فلما تبين له مذهبه هجره وتبرأ منه. صنف كتاب: ' تهذيب الكمال ' في أربعة عشر مجلدا، كشف به الكتب القديمة في هذا الشأن، وسارت به الركبان، واشتهر في حياته، وألف كتاب: ' أطراف الكتب الستة ' في تسعة أسفار. قال الشيخ شمس الدين: قرأت بخط الحافظ فتح الدين بن سيد الناس:

662
ووجدت ب ' دمشق ' الحافظ المقدم، والإمام الذي فاق من تأخر وتقدم، أبا الحجاج المزي: بحر هذا العلم الزاخر، القائل من رآه: كم ترك الأوائل للأواخر؟! أحفظ الناس للتراجم، وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم، لا يخص بمعرفته مصرا دون مصر، ولا ينفرد علمه بأهل عصر دون عصر، معتمدا آثار السلف الصالح، مجتهدا فيما نيط به في حفظ السنة من المصالح، معرضا عن الدنيا وأشباهها، مقبلا على طريقته التي أربى بها على أربابها، لا يبالي ما نال من الأزل، ولا يخلط جده بشيء من الهزل، وكان بما يضعه بصيرا، وبتحقيق ما يأتيه جديرا، وهو في اللغة إمام، وله بالقريض إلمام. وكنت أحرص على فوائده؛ لأحرز منا ما أحرز، وأستفيد من حديثه الذي إن طال لم يملل، وإن أوجز وودت أنه لم يوجز، رحمه الله تعالى.
592 - سبط ابن الجوزي
يوسف بن قزغلى بالقاف والزاي والغين المعجمة واللام الإمام المؤرخ الواعظ شمس الدين، أبو المظفر التركي البغدادي سبط الشيخ الإمام جمال الدين، نزيل ' دمشق '. ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وخمسين وستمائة. سمع من جده، وسمع ب ' الموصل ' و ' دمشق ' من جماعة، وكان إماما فقيها واعظا وحيدا في الوعظ، علامة في التاريخ والسير، وافر الحرمة، محببا إلى الناس حلو الوعظ. قدم ' دمشق ' وهو ابن نيف وعشرين سنة، ونفق على أهلها،
وأقبل عليه أولاد الملك العادل، وصنف في الوعظ والتاريخ. وكان والده قزغلى من مماليك الوزير عون الدين بن هبيرة، وهو صاحب ' مرآة الزمان '. قال الشيخ شمس الدين: وقد اختصره قطب الدين اليونينى وذيل

663
عليه إلى وقتنا هذا. ولما مات حضر جنازته السلطان ومن دونه. ودرس بالشبلية مدة وبالمدرسة البدرية. وقرأ الأدب على أبى البقاء، والفقه على الحصيرى، ولبس الخرقة من عبد الوهاب بن سكينة. وكان حنبليا فانتقل وصار حنيفا لأجل الدنيا، وصنف في مناقب أبي حنيفة جزءا. وله ' معادن الإبريز في التفسير ' تسعة وعشرون مجلدا، و ' شرح الجامع الكبير ' في مجلدين
594 - ابن طملوس المغربي
يوسف بن محمد بن طملوس، من أهل جزيرة ' شقر ' من عمل ' بلنسية '. كان أحد علمائها الأماثل، وآخر المتحققين بعلوم الأوائل. توفي سنة عشرين وستمائة، وأورد له ابن الأبار من شعره:
* بسمت به الأيام بعد عبوسها
* وتهللت بشرا عيون الناس
*
* وتمهدت أرجاؤهم لما رسا
* ما بينها جبل الملوك الراسى
*
* هيهات أين الصبح من لألائه
* أيقاس نور الشمس بالنبراس
*
* ملك أبت هماته وهباته
* من أن تجارى في الندى والباس
* وقال أيضا:
* جاد على الجزع بوادي الحمى
* صوب الحيا سكبا على سكب
*
* حيث الصبا يهدى نسيم الربا
* طيبة المسرى إلى الغرب
*
* تمر بالركب سحيرا فيا
* موقع رياها من الركب
*
* أفلت منى واغتدى قانصا
* قلبي فيا ويحى من قلبي
*
* فسرت أشتد على إثره
* أنشده في ذلك الشعب
*
* يا هل رأت عيناك من ناشد
* يسعى بلا قلب ولا لب
*
* أحبب به من ملك جائر
* أحكامه تجرى على الصب
*

664
* يثنيه من خمر الصبا نشوة
* لعب الصبا بالغصن الرطب
*
* يا جائر اللحظ على صبه
* سلطت عيناك على قلبي
*
595 - المستنجد بالله
يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن جعفر، أمير المؤمنين المستنجد بالله بن المقتفى لأمر الله بن المستظهر بن المعتمد بن القائم بن القادر بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور العباسي. خطب له والده بولاية العهد من بعده مستهل الحجة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وبويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه ثاني شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة. مولدة سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وتوفي ثامن شهر ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة وعمره ثمان وأربعون سنة وولايته إحدى عشرة سنة، وكانت أمراضه قولنجية. وكان طويل القامة جسيما، أسمر اللون كثيف اللحية، وكانت أيامه أيام خصب ورخاء وأمن عام، ودولته زاهرة، وسياسته قاهرة، وهيبته رائعة، وسطوته قامعة، ذلت له رقاب الجبابرة في الآفاق، وخضعت له منهم الأعناق، وأشحن بالظلمة الحبوس، وأزال الظلم والمكوس، وتمكن تمكن الخلفاء المتقدمين، قلما انتهت إليه حالة مكروهة إلا أزالها، وعثرة إلا أقالها، ويقال: إنه رأى في منامه مكتوبا في كفه أربع خاءات فعبرها أنه يلي الخلافة سنة خمس وخمسين وخمسمائة. وكتب إليه كمال الدين الشهرزوري قصة لما قدم إلى ' بغداد ' رسولا من قبل نور الدين بن زنكي مترجمة: ' محمد بن عبد الله الرسول '، فوقع عند اسمه
. يقال: إن ليلته حانت من ابنة عمه فلما توجه إلأيها وجد في طريقه بعض حجرات جواريه مفتوح الباب، فدخل إليها، فقالت له الجارية: امض إلى ابنة عمك؛ فإني أخاف أن تعلم بنا فلا آمن شرها، فقال: في ساقها خلخال إذا

665
جاءت عرفت بها فمضت إليها جارية ووشت بالحال فرفعت خلخالها إلى أعالي ساقها وقصدت المقصورة ففاحت روائح الطيب فنم ذلك عليها فخرج من المقصورة من الباب الآخر وقال:
* استكتمت خلخالها ومشت
* تحت الظلام به فما نطقا
*
* حتى إذا هبت نسيم صبا
* ملأ العبير بنشرها الطرقا
*
وللشيخ صلاح الدين الصفدي في هذا المعنى:
* إذا شئت حليك ألا يشى
* وقد زرت في الحندس
* المظلم
* فردى السوار مكان الوشاح
* وخلى وشاحك في المعصم
*
وله - أيضا -:
* قالوا وشى الحلى بها إذ مشت
* إليك من قبل ابتسام الصباح
*
* فقلت ألا خلخالها صامت
* ثم تذكرت فضول الوشاح
*
ومن شعر المستنجد:
* إذا مرضنا نوينا كل صالحة
* وإن شفينا فمنا الزيغ والزلل
*
* نرضى الإله إذا خفنا ونغضبه
* إذا أمنا فما يزكو لنا عمل
*
ومنه - أيضا -:
* عيرتني بالشيب وهو وقار
* ليتها عيرت بما هو عار
*
* إن تكن شابت الذوائب منى
* فالليالي تنيرها الأقمار
*
وقال - أيضا -:
* يا هذه إن الخيال يزورني
* لو كان يسعف أو يرد سلاما
*
* ما إن رأيت كزائر يعتادنى
* يغضى العيون ويوقظ النواما
*
وقال - أيضا _:
* وباخل أشعل في بيته
* طرمذة منه لنا شمعة
*
* فما جرت من عينها دمعة
* حتى جرت من عينه دمعة
*
وقال - أيضا -:
* وصفراء مثلي في القياس ودمعها
* سجام على الخدين مثل دموعي
*
* تذوب كما في الحب ذبت صبابة
* وتحوى حشاها ما حوته ضلوعى
*

666
596 - الملك الناصر صاحب ' الشام '
يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي، السلطان الملك الناصر صلاح الدين ابن الملك العزيز ابن الملك الظاهر بن الناصر صلاح الدين. هو صاحب '
حلب ' ثم صاحب ' الشام '. ولد بقلعة ' حلب ' في رمضان سنة سبع وعشرين وستمائة، وقتل سنة تسع وخمسين. تولى الملك عند موت والده العزيز سنة أربع وثلاثين وستمائة، وقام بتدبير دولته الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني، والأكرم بن القفطي، وعز الدين بن المجلي، والطواشي جمال الدولة إقبال الخاتوني، والأمر كله لجدته الصاحبة صفية خاتون بنت العادل. ولما توجه القاضي بهاء الدين إلى الكامل بوصية العزيز وكان قد مات وعمره أربع وعشرون سنة فلما رآها الكامل بكى، وحلف للناصر لأجل أخته صفية خاتون، فلما توفيت سنة أربعين اشتد الناصر وأمر ونهى، فلما كانت سنة ست وأربعين، سار من جهته نائبه شمس الدين لؤلؤ، وحاصر ' حمص '، وطلب النجدة من الصالح نجم الدين أيوب فلم ينجده، وغضب، واستمرت ' حمص ' في ملك الناصر، فلما كان شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين، قدم إلى ' دمشق ' وأخذها بلا كلفة. وفي أثناء السنة قصد الديار المصرية، فما تم له ذلك. وفي سنة اثنتين وخمسين دخل على بيت السلطان علاء الدين صاحب الروم. وكان الناصر سمحا جوادا حليما حسن الأخلاق محببا إلى الرعية، فيه عدل وصفح ومحبة للفضلاء والأدباء، وكان سوق الشعر نافقة في أيامه، وكان يذبح في مطبخه كل يوم أربعمائة رأس غنم سوى الدجاج والطيور والأجدية. وكان يبيع الغلمان من سماطة شيئا كثيرا عند باب القلعة ب ' دمشق ' بأرخص الأثمان من المآكل الفاخرة. حكى علاء الدين بن نصر الله أن الناصر جاء إلى داره بغتة. قال: فمددت له

667
شيئا كثيرا في الوقت بالدجاج المحشي بالسكر والفستق وغيره، فقال: كيف تهيا لك هذا؟ فقلت: هو من نعمتك، اشتريته من باب القلعة. وكانت نفقته في كل يوم أكثر من عشرين ألف درهم. وكان يحاضر الأدباء والفضلاء، وعلى ذهنه كثير من الشعر والأدب، وله نوادر ونظم، وحسن ظن بالصالحين. وبنى ب ' دمشق ' مدرسة جوا ' باب الفراديس '، وبالجبل رباطا، وبنى الخان عند المدرسة الزنجيلية. وبلغه عن بعض الفقراء من الأجناد أنه تسمح في حقه فأحضره ليؤدبه؛ فلما رأى وجله رق له وأمر له بذهب؛ وصرفه ولم يؤاخذه. وكانت تمر له الأيام الكثيرة يجلس فيها من أول النهار إلى نصف الليل يوقع على الأوراق ويصل الأرزاق، وقيل: أنه خلع في أقل من سنة أكثر من عشرين ألف خلعة. وكانوا الفرنج قد ضمنوا له أخذ الديار المصرية على أن يسلم إليهم ' القدس ' وبلادا أخر، ودار الأمر على أن تعطى لهم أو للمصريين، فبذل ذلك للمصريين اتباعا لرضا الله عز وجل، وقال: والله لا لقيت الله تعالى وفي صحيفتي إخراج ' القدس ' عن المسلمين. ولما بعد عن خزائنه احتاج إلى قرض؛ أرهن أملاكه وضرب أواني الذهب والفضة، وقيل له في أخذ القابض من الأوقاف، فما مد يده إلى شيء منها ب ' دمشق ' ولا ب ' حلب '. قال ابن العديم: حضر بعض المدرسين إلى العسكر، ورفع على يدي قصة بين يديه تتضمن التضور من قلة معلومه، ويذكر أن عياله وصلوا من ' مصر: وأنه لا يطلب التثقيل على السلطان في مثل هذا الوقت الذي يحتاج فيه إلى الكلف، بل يطلب زيادة في المدرسة التي هو بها، فسأل عن شرط الواقف، فقيل: شرطه ما يتناوله الآن، لكن ذكر أنه في كتاب الوقف ما يدل على أن السلطان يزيده إذا رأى في ذلك مصلحة، فأطرق كما هي عادته إذا لم ير قضاء ما طلب، ولم يرد في ذلك جوابا، ولم يهن عليه رده خائبا، وتورع عن مخالفة الواقف، فقرر له ما طلبه على ديوانه دون الوقف.

668
قال ابن العديم: أنشدني لنفسه - رحمه الله -:
* البدر يجنح للغروب ومهجتي
* لفراق مشبهه أسى تتقطع
*
* والشرب قد خاط النعاس جفونهم
* والصبح من جلبابه يتطلع
* ومن شعره - أيضا -:
* سقى ' حلب ' الشهباء كل مرنة
* سحائب غيث نوءها ليس يقلع
*
* فتلك ربوعى لا ' العقيق ' ولا ' الحمى '
* وتلك ديارى لا ' زرود ' و ' لعلع '
* وقال - أيضا - ':
* فوالله لو قطعت قلبي تأسفا
* وجرعتنى كاسات دمعي دما صرفا
*
* لما زادنى إلا هوى ومحبة
* ولا اتخذت روحي سواك لها إلفا
*
وورد الخبر في منتصف صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة بورود التتار إلى ' حلب ' ودخولها بالسيف فهرب السلطان مع الأمراء الموافقين له وزال ملكه ودخل التتار بعده بيوم إلى ' دمشق ' وقرئ فرمان الملك بأمان أهل ' دمشق ' وما حولها حتى وصل السلطان إلى ' قطيا ' وتفرق عنه عسكره فتوجه مع خواصه إلى ' وادى موسى ' ثم جاء إلى ' بركة زيزا ' فكبسه كتبغا فهرب وأتى إلى التتار بالأمان فبقى معهم في ذل وهوان فلما بلغ هولاكو قتل كتبغا قتله قيل: إنه قتله بالسيف عقيب واقعه ' عين جالوت ' وقيل: خص بعذاب دون أصحابه وقيل جعل هدفا للسهام وقيل جمع له نخلتان وربط بينهما وافترقتا فذهبت كل واحدة بشق منه
قال شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن العجمي: أنشدني الناصر لنفسه:
* يا برق أنش من الغمام سحابة
* وطفاء هامية على ' بطياس '
*
* وأدم على تلك الربوع وأهلها
* غيثا يرويها مع الأنفاس
*
* وعلى ليال بالصفاء قطعتها
* مع كل غانية وظبى كناس
* فأنشدته ارتجالا:
* فلتلك أوطاني ومعهد أسرتي
* ومقر أحبابي ومجمع ناسى
*
* ليس الفؤاد وإن تناءت ساليا
* عنها ولا لعهودها بالناسي
*
وكان قتله في الخامس وعشرين من شوال سنة ثمان وخمسين وستمائة

669
وعمل عزاؤه في سادس وعشرين ربيع الآخر سنة تسع وخمسين بقلعة الجبل من الديار المصرية رحمه الله تعالى
ورثاه غير واحد من شعراء دولته وغيرهم فممن رثاه أمين الدين السليماني قال حين توجه الملك الناصر مع التتار وانقطعت أخباره والتبس أمره:
* بكى الملأ الأعلى على الملك الأعلى
* وأصبحت الدنيا لفقدانه ثكلى
*
* تولى صلاح الدين يوسف وانقضت
* محاسنه الحسنى وسيرته المثلى
*
* وفارق ملك ' الشام ' والشرق عنوة
* فريدا كما جردت من غمده نصلا
*
* وأضحى أسيرا في التتار مروعا
* فبكوا عزيزا لم يكن يعرف الذلا
*
* وإني لأرجو أن يكون كصارم
* يجرده قين ليحكمه صقلا
*
* تناقضت الأخبار عنه لبعده
* فيا لحديث ما أمر وما أحلى
*
* فيا ليت عيني عاينت كنه حاله
* لقد شفنى حزنى عليه وقد أبلى
* * أبكيه في الأسرى وأرجو خلاصه
* رجاء بعيد أم أرثيه في القتلى
*
* أبن مخبرا يا يوسف بن محمد
* أحي ترجى أنت أم ميت تسلى
*
* ووالله ما يسلوك قلب ابن حرة
* جعلت له من طولك الفرض والنفلا
*
وقال فيه حين بلغه أن التتار قتلوه:
* رمت الخطوب فأقصدتك نبالها
* والأرض بعدك زلزلت زلزاها
*
* أأبا المظفر يوسف بن محمد
* لا قلت بعدك للحوادث يا لها
*
* خذلتك أسرتك الذين ذخرتهم
* للنائبات وقد وقفت حيالها
*
* تركوك منفردا ب ' قطية ' ذاهلا
* تسفى عليك العاصفات رمالها
*
* تبكيك ولولة الحريم حواسرا
* من كل معولة تضم عيالها
*
* ومصونة في خدرها ما شاهدت
* قبل الرزية ما يورع بالها
*
* كيف الخلاص من المنية لامرئ
* من بعد ما نصبت عليه حبالها
*
* أأبا المظفر يوسف بن محمد
* جرعت نفسي صابها وخبالها
*
* إن الملوك إذا تخاذل بعضها
* عن بعضها ' ففعالها ' ' أفعى لها '
*
* ذكرى مصيبات الملوك تعللا
* إذ كان حالك في المصيبة حالها
*
* إني لأجتنب المراثى طامعا
* ببقاء نفسك بالغا آمالها
*

670
597 - فخر الدين بن الشيخ
يوسف بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حموية، الأمير فخر الدين بن صدر الدين شيخ الشيوخ الحموي الجويني.
كان أميرا كبيرا عالي الهمة فاضلا متأدبا سمحا جوادا محبوبا إلى الخاص والعام، خليقا بالملك؛ لما فيه من الأوصاف الجميلة، تعلوه الهيبة والوقار،. وكانت أمه ابنة المطهر ابن أبي عصرون قد أرضعت الملك الكامل، فكانوا أولادها الأربعة إخوة الملك الكامل من الرضاعة، وكان يحبهم ويعظمهم، ولم يكن عنده أحد في رتبة الأمير فخر الدين، لا يطوى عنه سرا، ويثق به، ويعتمد عليه في سائر أموره، ونال الأمير فخر الدين وإخوته من السعادة ما لا ناله غيرهم. ولما ملك الملك الصالح البلاد، أعرض عن الأمير فخر الدين واطرحه، ثم اعتقله، ثم أفرج عنه، وأمره بلزوم بيته، ثم إنه ألجأته الضرورة إلى ندبه للمهمات لما لم يجد من يقوم مقامه، فجهزه إلى بلاد الملك الناصر داود، فأخذها ولم يترك بيده سوى ' الكرك '، ثم جهزه لحصار ' حمص '، ثم ندبه لقتال الفرنج، فاستشهد.
وكان أول أمره معمما، فألزمه الكامل أن يلبس الشربوش وزى الجند، فأجابه إلى ذلك، وأقطعه ' منية السودان ' بالديار المصرية، ثم طلب منه أن ينادمه، فأجابه إلى ذلك، فأقطعه ' شبرا ' فقال ابن بطريق:
* على ' منية السودان ' صار مشربشا
* وأعطوه ' شبرا ' عندما شرب الخمرا
*
* فلو ملكت ' مصر ' الفرنج وأنعموا
* عليه ببسوس تنصر للأخرى
*
وقال فيه وفي أخيه عماد الدين، وكان يذكر الدرس بالشافعي رحمه الله:
* ولدى الشيخ في العلوم وفي الإمرة
* بالمال وحده والجاه
*
* فأمير ولا قتال عليه
* وفقيه والعلم عند الله
*
وكان لهم مع الإقطاعات المناصب الدينية، منها مدرسة الشافعي والمدرسة التي إلى جانب مشهد الحسين رضي الله عنه، وخانقاه سعيد السعدا، ولم تزل

671
هذه المناصب بأيديهم إلى أن ماتوا.
وكان قد قدم ' دمشق '، ونزل في دار أسامة، فدخل عليه الشيخ عماد الدين ابن النحاس، وقال له: يا فخر الدين، إلى كم؟! يشير إلى تناوله للشراب فقال له: يا عماد الدين والله لأسبقنك إلى الجنة، فاستشهد على ' المنصورة ' في الوقعة سنة سبع وأربعين وستمائة، وتوفي عماد الدين سنة سبع وخمسين؛ فسبقه كما قال إلى الجنة، وحمل إلى ' القاهرة '، وكان دفنه يوما مشهودا، وعمل له عزاء عظيم. وكان مولده سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
ومن شعره:
* صيرت فمي لفيه باللئم لثام
* غصبا ورشفت من ثناياه مدام
*
* فاغتاظ وقال أنت في الفقه إمام
* ريقى خمر وعندك الخمر حرام
*
ومن شعره:
* وتعانقنا فقل ما
* شيت في ماء وخمر
*
* وتعاتبنا فقل ما
* شيت في غنج وسحر
*
* ثم لما أدبر الليل
* وجاء الصبح يجرى
*
* قال إياك رقيبى
* بك يدرى قلت يدرى
*
وقال:
* في حبك هجرت أمي وأبي
* الراحة للغير وحظي تعبى
*
* يا ظالم في الهوى أما تنصفنى
* وحدتك في العشق فلم تشرك بي
*
وقال سيف الدين المشد يرثيه:
* فض فم نعى لنا
* يوم الخميس يوسفا
*
* وا أسفا من بعده
* على العلا وأ أسفا
* 598 - بدر الدين الذهبي
يوسف بن لؤلؤ الذهبي الأديب، بدر الدين الدمشقي الشاعر. كان والده لؤلؤ عتيق ولدرم الياروقى صاحب ' تل باشر '. له نظم يروق الأسماع، ويعقد على

672
فضله الإجماع، مدح الناصر بن العزيز والكبار، وكان له بيت في ' الصادرية ' جوار جامع بني أمية. عاش ثلاثا وسبعين سنة، وتوفى رحمه الله في شعبان سنة ثمانين وستمائة.
فمن شعره:
* رفقا أذبت حشاشة المشتاق
* وأسلتها دمعا من الآماق
*
* وأحلته من بعد تسويف على الصصبر
* الذي لم يبق منه بواقي
*
* وطلبت مني في هواك مواثقا
* والقلب عندك في أشد وثاق
*
* قلب بعين قد أصيب وعارض
* فأعده لي فالدمع ليس براقى
*
* أشقيق بدر التم طال تلهفى
* وأطال فيك العاذلون شقاقى
*
* أنفقت من صبري عليك وإنه
* لرضاك لا لتملق ونفاق
*
* وصبا بعثت بها إليك فلم تعد
* وأظنها حالت عن الميثاق
*
* وبمهجتى المتحملون عشية
* والركب بين تلازم وعناق
*
* وحداتهم أخذت حجازا عندما
* غنت وراء الظعن في عشاق
*
* وتنبهت ذات الجناح بسحرة
* بالواديين فنبهت أشواقى
*
* ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن
* يعقوب والألحان عن إسحاق
*
* قامت على ساق تطارحنى الهوى
* من دون صحبى بالحمى ورفاقى
*
* أنى تبارينى جوى وصبابة
* وكآبة وهوى وفيض مآقى
*
* وأنا الذي أملى الجوى من خاطري
* وهى التي تملى من الأوراق
*
* ولقد صفحت عن الزمان لليلة
* عدل الحبيب بها وجار الساقي)
* بسلافة الأقداح ذا يسعى وذا
* يعطو بسالفتيه والأحداق
*
وقال يتذكر أيام شبابه وملاعب أترابه ويصف طيور الواجب:.
* هل ذاك برق ب ' الغوير أنار
* أم أضرموا ب ' لوى المحصب ' نارا
*
* فكلاهما إن لاح من هضب الحمى
* لي شائق ومهيج تذكارا
*
* فبم التعلل والشباب منكب
* عنى وقد شط الحبيب مزارا
*
* وقد استرد الدهر أثواب الصبا
* وكذلك يرجع ما يكون معارا
*
* فارفق بدمعك في الفراق فما الذي
* يبقى ليسقى أربعا وديارا
*
* ودع النسيم يراوح القلب الذي
* أورى زناد الشوق فيه أوارا
*

673
* مع أنني أصبو إلى بان الغضا
* إن شمت برقا أو شممت عرارا
*
* فاليوم لا دار ب منعرج اللوى
* تدنو بمحبوب لنا فتزارا
*
* كلا ولا قلبي المشوق بصابر
* عنهم فأندب دمنة وديارا
*
* فسقى اللوى لا بل سقى عهد اللوى
* صوب الغمائم هاميا مدرارا
*
* ولقد ذكرت على الصراة مراميا
* تنسى بحسن وجوهها الأقمارا
*
* وعلى الحمى يوما ونحن بلهونا
* نصل النهار ونقطع الأنهارا
*
* في فتية مثل النجوم تطلعوا
* وتخيروا صدق المقال شعارا
*
* من كل نجم في الدياجي قد لوى
* في كفه مثل الهلال فدارا
*
* متعطفا من حزم داود الذي
* فاق الأنام صناعة وفخارا
*
* والان قد حن المشوق إلى الحمى
* وتذكر الأوطان والوطارا
*
* وصبا إلى البرزات قلب كلما
* طارت به خزر اللغالغ طارا
*
* فلأي مرمى أرتميه وليس لي
* قوس رشيق مدمج خطارا
*
* وأغن أحوى كلهلال رشيقا
* بل راشقا بغروضه سحارا
*
* جبل على ضعفي إذا استعطفته
* ألوى على العنق والدستارا
*
* وبوجه المنقوش أول ما بدا
* وبه أقام وأقعد الشطارا
*
* وبدا بتحريمي بلا سبب بدا
* مني وأودعته الرماة مرارا
*
* يا حسنه من مخلف لكنه
* في الجو عال لا يسف مطارا
*
* ويطير خطفا عن مقامي عاضدا
* ولشقوتي لا يدخل المقدادا
*
* لا بندقي مهما خطوت يناله
* أني ينال مراوغا طيارا
*
* وسنان من خزر اللغالغ لم يزل
* يرعى الرياض وليس يرعى الجارا
*
* لا قادم بل راحل عني إلى
* ماء الفرات يخوض منه غمارا
*
* أو ما تراني فاقدا ومنعما
* في الجو ليلا خلفه ونهارا
*
* دعني فقد برد الهواء وقد أتى
* أيلول يطفئ للهجير جمارا
*
* ووراءه تشرين جاء برعده
* عجلان يحدو للسحاب قطارا
*
* والبارق الهامي على طلل الحمى
* سدى هناك خيوطه وأنارا
*
* والفيض طام ماؤه متدفق
* والطير فيه يلاعب التيارا
*
* والنهر جن به فراح مسلسلا
* صب تحير لا يصيب قرارا
*

674
* بهر النواظر حين أنبت شطه
* للناظرين شقائقا وبهارا
*
* والصبح في آفاقه يا سعد قد
* أخفى النجوم وأطلع الغرارا
*
* فانهض إلى المرمى الأنيق بنا فقد
* هب الصباح ونبه الطيارا
*
* وتتابعت جفاتها في أفقها
* مثل النعام قوادما تتبارى
*
* من جو زوراء العراق قوادما
* يا مرحبا بقدومها زوارا
*
* فأصخ إلى رشق القسي إذا ارتمت
* مثل الحريق أطارعنه شرارا
*
* واطرب إلى نغمات أطيار بدت
* في الجو وهى تجاوب الأوتارا
*
* من كل طيار كأن له دما
* عند الرماة فثار يبغي الثارا
*
* هل جاء في طلب القسي لحتفه
* أم جاء يطلب عندها الأوتارا
*
* خاض الظلام وعب فيه فسود الرجلين
* منه وسود المنقارا
*
* وأتى يبشر باللقاء فضمخت
* تلك المغارز عنبرا ونضارا
*
* والكي كالشيخ الرئيس مزمل
* في بردتيه هيبة ووقارا
*
* يسطو على الأسماك يوما كلما
* أذكى له حر المجاعة نارا
*
* والوز كم قد هاجنا بنغيمه
* ليلا وكم قد شاقنا أسحار
*
* فإذا بدا ضوء الصباح ثنى له
* عطفا وصفق بالجناح وطارا
*
* وترى اللغالغ تستبيك بأعين
* خزرية صفر الجفون صغارا
*
* فكأن ورسا ذيب في أجفانها
* فحكى النضار وحير النظارا
*
* وترى الأنيسات الأوانس تنقضي
* بين الرياض كأنهن عذارى
*
* يسلبن أرباب العقول عقولهم
* ويرغن منه حيلة ونفارا
*
* وترى الحبارج كالقطا أرياشها
* أو كالرياض تفتحت أزهارا
*
* هجرت منازلها على برح الظما
* واستبدلته دوية وقفارا
*
* والنسر سلطان لها لكنه
* لم يلقها لدمائها مهدارا
*
* قد شاب منه رأسه من طول ما
* كرت عليه عصوره الأدوارا
*
* أرخى جناحيه عليه كجوشن
* لو كان يمنع دونه الأقدارا
*
* وإذا العقاب سطا وصال بكفه
* عاينت منه كاسرا جبارا
*
* يعطي ويمنع غيرة وتكرما
* ويبيح ممنوعا ويمنع جارا
*
* وترى الكراكي كالرماد وربما
* قرقت فأذكت في القلوب النارا
*

675
* قد سطرت في الجو منها أسطر
* وطوت سجل سخائها أسفارا
*
* فإذا انصرعن فلا تكن ذا غفلة
* عن أن تنقط حليهن مرارا
*
* وبدت غرانيق لهن ذوائب
* لولا البياض لخلتهن عذاراى
*
* حمر العيون تدير من أحداقها
* فينا كئوسا قد ملين عقارا
*
* والصوغ في أفق السماء محلق
* مثل الغمام إذا استقل وسارا
*
* ذو مغرز ذرب فلو يسطو به
* فضح السنان وأخجل البتارا
*
* ومرازم بيض وحمر ريشها
* كاورد بين الياسمين نثارا
*
* خفقت بأجنحة على محمره
* كمراوح أضرمن منه جمارا
*
* وعجبت كيف صبت إلى صلبانها
* تلك الرماة وما هم بنصارى
*
* وشبيطر ما إن يحل له دم
* مهما علا شجرا وحل جدارا
*
* السر فيه إلفه لمنازل
* فاصبر له حتى يفارق دارا
*
* وكأنما العناز لما أن بدا
* لبس السواد على البياض غيارا
*
* وكأنه قد ضاق عنه مزررا
* فوق القميص فحلل الأزرارا
*
* هل عب في صرف العقار بمغرز
* أم كان خاض من الرماء بحارا
*
* خذ مالكي وصف الجليل منقحا
* يا سعد واقض برمها الأوطارا
*
* واستغنم اللذات في زمن الصبا
* لا زال كفك للندى مدرارا
*
وقال أيضا
* لو بلغ الشوق هذا البارق الساري
* أو بعض وجدي الذي أخفى وتذكاري
*
* ما بت أرعى الدجى شوقا إلى قمر
* ولا معنى بطيف طارق طاري
*
* جيراننا كنتم ب الرقمتين فمذ
* بعدتم صار دمعي بعدكم جاري
*
* فكم أواري غراما من جوى وأسى
* زناده تحت أثناء الحشا واري
*
* وكم أداري فؤادا عز مطلبه
* يوم اللوى وأداري الوجد بالدار
*
* أشتاق إن نفحت ب ب الغور ريح صبا
* تهدى شذا شيحه المطول والغار
*
* قد أنحلتنني الغواني غير راحمة
* ومحقتني الليالي بعد إبداري
*
* وأضرمت أضلعي نارا مؤججة
* وحيرت أدمعي في العين يا حار
*
* فصرت كالسيف يغضي الجفن منه على
* ماء ويطوي الحشا منه على نار
*
* ذكرت عيشا على لبنان جدد لي
* من عهد لبني صباباتي وأوطاري
*

676
* فراجع القلب من أطرابه طرب
* وعاود العين طيف منهم سارى
*
* فبث بالدمع كالغدران طافحة
* مني على ناقض للعهد غدار
*
* فيا له من غرير غر بي طمعا
* بموعد من خيال منه غرار
*
* بقامة وعذار حول وجنته
* قامت بها وبه في الحب أعذارى
*
* ألقى إليه القنا الخطار مقتحما
* ولا أبالي بأهوال وأخطار
*
* أغن ألمى رشيق القد معتدل
* رخص البنان كحيل الطرف سحار
*
* قد زنر الخصر منه بالنحول وقد
* أغناه إفراطه عن شد زنار
*
* يسعى بشمسية كالشمس دائرة
* على مزاهر قينات وأزهار
*
* تكللت بلآل من فواقعها
* وزررت طوقها منه بأزرار
*
* صهباء من عهد كسرى حين عتقها
* في دنها وبه كانت بذي قار
*
* قد أمطرت راحة الساقي الكئوس لنا
* فأنبتتها رياضا ذات نوار
*
* تألفت مثل زهر الروض عن حبب
* فنحن ما بين نوار وأنوار
*
* صلى المجوس إليها واصطلوا لهبا
* منها فصلوا لذات النور والنار
*
* وسبح القوم لما أن رأوا عجبا
* في أكؤس الراح نوارا على نار
*
* في فتية هم أباحوا قتلها بيد
* لكاعب معصر أو رجل عصار
*
* على اصطخاب المثاني كان سفكهم
* دماءها بين عيدان وأوتان
*
* فاخلع عذارك والبس من أشعتها
* ولا تكونن من كأس لها عار
*
* ولا تطع أمر لاح في هوى رشأ
* وكاس راح فما اللاحي بأحار
*
وقال رحمه الله تعالى
* تذكر ربعا بالشام ومربعا
* وملهى لأيام الشباب ومرتعا
*
* فعاوده داء من الشوق مؤلم
* أصاب حرارات القلوب فأوجعا
*
* على حين شطت بالفريق ركائب
* وأسرى بها الحادي الطروب فأسرعا
*
* وأتبعهم قلبا مطيعا على الغضا
* وخليت لي جفنا على السفح أطوعا
*
* وساروا يؤمون الكثيب وخلفوا الكئيب
* المعنى في الديار مضيعا
*
* يكابد حر الشوق بعد رحيلهم
* وفرط التشكي والحنين الموجعا
*

677
* وأوجع من هذا وذلك كله
* شباب أراه كل يوم مودعا
*
* تولى وأبقى في الجوانح حرقة
* وأودع قلبي حسرة حين ودعا
*
* وعاجلني صبح من الشيب قبل أن
* أهوم في ليل الشباب وأهجعا
*
* وحجب عني الغانيات كأنه
* بياض على العينين والفود أجمعا
*
* فيا ربة الخلخال والخال خفضي
* على مغرم لولا النوى ما تضعضعا
*
* ولا تذكريني الواديين ولا ترى
* لعيني أطلال الديار فتدمعا
*
* فلولاك ما حن المشوق إلى الحمى
* ولا شام برق الشام من سفح لعلعا
*
* ولا راح يستسقي سقيط دموعه
* لسقط ب نعمان الأراك وأجرعا
*
* ومما شجاني في الصباح حمامة
* تحرك بالشجو الأراك المفرعا
*
* تذكرني أيامنا بسويقة
* وليلاتنا اللاتي مضت بطويلعا
*
* فقلت لها لا تظهري من لواعج
* فنونا بأفنان الأراك تصنعا
*
* فغصنك قد أضحى عليك منعما
* وغصني قد أمسى على ممنعا
*
* بلى طارحيني ما شجاك فكلنا
* على غصن نبدي الأسى والتفجعا
*
* وذي هيف عذب اللمى زارني وقد
* تلفع خوفا بالدجى وتدرعا
*
* فبت أعاطيه الحديث منمقا
* وبات يعاطيني العتيق مشعشعا
*
* إلى أن دعا داعي الفلاح ولم يكن
* سوى أنه داع على شملنا دعا
*
* ولم أدر أن الصبح كان مراقبا
* لنا من وراء الليل حتى تطلعا
*
* فقام كظبي الرمل وسنان خائفا
* يكفكف من خوف التفرق أدمعا
*
* فلما تفرقنا كأني ومالكا
* لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
*
* فسحقا لدهر لم أزل من صروفه
* بنائبة في كل يوم مروعا
*
* إلى غرض الأقصى يسدد سهمه
* وعهدي به لم يبق في القوس منزعا
*
* فحتام لا أنفك أشكو لياليا
* ودهرا بتفريق الأحبة مولعا
*
* وقد زجرتني الأربعون فلم تدع
* لي الآن في وصل الكواكب مطمعا
*
* ومر الشباب الغض مني فمذ نأى
* تتابعه العيش اللذيذ تتبعا
*
* وكانت بأحناء الضلوع حشاشة
* فأسبلتها فوق المحاجر أدمعا
*
وقال أيضا
* بدا صدغ من أهواه في ماء خده
* فحيرني لما التوى وتعقربا
* @ 679 @
* وقالوا يصير الشعر في الماء حية
* فكيف غدا في ذلك الخد عقربا
*
وأنشدني الحاج لاجين الذهبي قال أنشدني بدر الدين لنفسه وقد تواترت الأمطار بدمشق
* إن أقام الغيث شهرا هكذا
* جاء بالطوفان والبحر المحيط
*
* ما هم من قوم نوح يا سما
* أقلعي عنهم فهم من قوم لوط
*
وقال في مليح بوجهه حب الشباب
* تعشقته لدن القوام مهفهفا
* شهي اللمى أحوى المراشف أشنبا
*
* وقالوا بدا حب الشباب بوجهه
* فيا حسنه وجها إلي محببا
*
وقال في النجم العيادي الكحال وقد كحل غلاما غدوة ومات النجم في عشية ذلك النهار
* يا قوم قد غلط الحكيم وما درى
* في كحله الرشأ الغرير بطبه
*
* وأراد أن يمضي نصال جفونه
* ويحدها لتصيبنا فبدت به
*
وقال أيضا
* هلم يا صاح إلى روضة
* يجلو بها العاني صدا همه
*
* نسيمها يعثر في ذيله
* وزهرها يرقص في كمه
*
وقال أيضا
* أدر كئوس الراح في روضة
* قد نمقت أزهارها السحب
*
* الطير فيها مغرم شيق
* وجدول الماء بها صب
*
وقال أيضا
* أرأيت وادي النيربين وماؤه
* يبدي لناظرك العجيب الأعجبا
*
* يتكسر الماء الزلال على الحصى
* فإذا غدا بين الرياض تشعبا
*
وقال في دولاب
* وروضة دولابها
* إلى الغصون قد شكا
*
* من حيث ضاع زهرها
* دار عليه وبكى
*

678
وقال
* رب ناعورة روض
* بات يندي ويفوح
*
* تضحك الأزهار منها
* وهي تبكي وتنوح
*
وقال
* رفقا بصب مغرم
* أبليته صدا وهجرا
*
* وافاك سائل دمعه
* فرددته في الحال نهرا
*
وقال
* يا عاذلي فيه قل لي
* إذا بدا كيف أسلو
*
* يمر بي كل وقت
* وكلما مر يحلو
*
وقال
* باكر إلى الروضة تستجلها
* فثغرها في الصبح بسام
*
* والنرجس الغض اعتراه الحيا
* فغض طرفا فيه أسقام
*
* وبالبل الدوح فصيح على الأيكة
* والشحرور تمتام
*
* ونسمة الريح على ضعفها
* لها بنا مر وإلمام
*
* فعاطني الصهباء مشمولة
* عذراء فالواشون نوام
*
* واكتم أحاديث الهوى بيننا
* ففي خلال الروض نمام
*
وقال أيضا في معذر
* صدوا وقد دب العذار بخده
* ما ضرهم لو أنهم جبروه
*
* هل ذاك غير نبات خد قد حلا
* لكنهم لما حلا هجروه
*
وقال وقد أحيل على ديوان الحشر
* أمولاي محيي الذين طال ترددى
* لجائزة قد عيل من دونها صبري
*
* وقد كنت قبل الحشر أرجو نجازها
* فكيف وقد صيرتموها إلى الحشر
*
وقال في نجم الذين بن إسرائيل وكان النجم قد هوى مليحا يلقب ب الجويرح
* قلبك اليوم طائر
* عنك أم في الجوانح
*
* كيف يرجى خلاصه
* وهو في كف جارح
*

680
ثم بلغه أنه تركه فكتب إليه
* خلصت طائر قلبك العاني ترى
* من جارح يغدو به ويروح
*
* ولقد يسر خلاصه إن كنت قد
* خلصته منه وفيه روح
*
وقال في مليح وراق
* خليلي جد الوجد واتصل الأسى
* وضاقت على المشتاق في قصده السبل
*
* وقد أصبح القلب المعنى كما ترى
* معنى بوراق وما عنده وصل
*
وقال في زهر اللوز
* الزهر أحسن ما رأيت
* إذا تكاثرت الهموم
*
* تحنو علي غصونه
* ويرق لي في النسيم
*
وقال فيه أيضا
* عرج على الزهر يا نديمي
* ومل إلى ظله الظليل
*
* فالزهر يلقاك بابتسام
* والريح تلقاك بالقبول
*
وقال ملغزا في السرطان
* ما اسم إذا ما أنت صحفته
* صار مثنى باعتبارين
*
* في الرأس والعين يرى دائما
* وهو بلا راس ولا عين
*
وقال في واقعة
* ومعذر قد بيتته جماعة
* ولووا بما وعدوه طول الليل
*
* واكتاله كل هناك وما رأى
* منهم سوى حشف وسوء الكيل
*
وقال أيضا
* حلا نبات الخد يا عاذلي
* لما بدا في خده الحمر
*
* فشاقني ذاك العذار الذي
* نباته أحلى من السكر
*
وقال في الشمعة
* وذات قد أهيف
* فؤادها قد التهب
*
* كصعدة من فضة
* لها سنان من ذهب
*
وقال فيها
* وشمعة وقفت تشكو لنا حرقا
* وأدمعا لم تزل تهمي سواكبها
*
* وحيدة في الدجى من طول ما مكثت
* تكابد الليل قد شابت ذوائبها
*

681
وكتب إلى صاحب له
* شوقي إليك مع البعاد تقاصرت
* عنه خطاي وقصرت أقلامي
*
* واعتلت النسمات فيما بيننا
* مما أحملها إليك سلمي
*
وقال في مليح يلقب ب الشقيق
* يا قامة الغصن الرطيب إذا انثنى
* ولوى معاطفه نسيم الريح
*
* أشقيق روض أنت يا بدر الدجى
* بالله قل لي أم شقيق الروح
*
وقال في مليح رفا
* وبمهجتي الرفا الذي
* فضح الزوابل لينه
*
* لم يرف قلب متيم
* قد مزقت جفونه
*
وقال في مليح اسمه داود
* قد كنت جلدا في الخطوب إذا عرت
* لا تزدهيني الغانيات الغيد
*
* وعهدت قلبي من حديد في الحشا
* فألانه بجفونه داود
*
وقال في الذهبيات
* أنظر إلى الأغصان كيف تذهبت
* وأتى الخريف بحمرها وبصفرها
* تحلوا شمائلها إذا ما أدبرت
* وتزيد حسنا في أواخر عمرها
وقال في الكاس المصورة
* أنظر إلى صور الفوارس إذ بدت
* بالخيل في كأس المدامة ترتمي
*
* ما بين طاف في المدام وراسب
* كفوارس الهيجاء تسبح في الدم
*
وقال
* ورياض وقفت أشجارها
* وتمشت نسمة الصبح إليها
*
* طالعت أوراقها شمس الضحى
* بعد أن وقعت الورق عليها
وقال
* وجنان ألفتها إذ تغنت
* فوقها الورق بكرة وأصيلا
*
* نهرها مسرعا جرى وتمشت
* في رباها الصبا قليلا قليلا
*
وقال في مليح يلقب ب الشهاب
* يا قضيب الأراك عند التثني
* هز عطفيه حين ماس الشباب
*
* عجبا كيف ضل فيك المحبون
* بليل الأسى وأنت شهاب
*

682
وقال في مليح أراد تقبيله في فمه فامتنع فجاءت القبلة في خده
* منعت ارتشاف الثغر يا غاية المنى
* وزحزحتني منه إلى خدك القاني
*
* لئن فاتني منه الأقاحي فإنني
* حصلت على ورد جنى وريحان
*
وقال وكان يبات كثيرا بالجامع الأموي
* طال نومي بالجامع الرحب والبرد
* مبيدي وليس منه خلاص
*
* كيف أدفا فيه وتحتي بلاط
* ورخام حولي وفوقي رصاص
*
وقال
* لا تلحني اليوم في ساق وصهباء
* وسقني كاسها صرفا بلا ماء
*
* وانف الهموم بها عني فقد كثرت
* آلامها واشف ما بالقلب من داء
*
* عذراء مشمولة تطفو فواقعها
* كأنها أدمع في خد عذراء
*
* أبدى الحباب لها خطا فأحسن ما
* قد كان حرر من ميم ومن هاء
*
* قديمة ذاتها في روض جنتها
* كانت وكان لها عرش على الماء
*
وقال يذكر بوعد
* أني أذكر مولانا الأمير وما
* أظنه ناسي الوعد الذي ذكرا
*
* والدوح يبدي الجنى لكن أغصنه
* لو لم تهز لما ألقت لك الثمرا
*
وقال في مليح نجار
* بروحي نجار حكى الغصن قده
* رشيق التثني أحور الطرف وسنان
*
* يميل على الأعواد قطعا بما جنت
* وما سرقت من قده وهي أغصان
*
وقال يحذر من صحبه الناس
* لا ترم في الدنيا ودادا من الناس
* وإن كنت عندهم مشكورا
*
* ودهم في الدنو منهم قليل
* فإذا ما بعدت كان كثيرا
*
* وكذا الشمس والهلال اصطحابا
* كلما زاد بعده زاد نورا
*
وقال في مليح يسمى زهر السفرجل
* احن إلى الأزهار ما هبت الصبا
* وما ناح في الأيك الحمام المطوق
*
* وأشتاق زهر اللوز كل عشية
* وإني إلى زهر السفرجل أشوق
*
وكتب إلى شهاب الدين السنبلي يعرض بطلب فحم
* جاء الشتاء الغث يا سيدي
* بل يا شهابي في دجى الهم
*

683
* وفصله البارد قد جاءني
* منه بكانون بلا فحم
*
وقال في قصيدة
* وأرقني خيال من حبيب
* تناءت داره حتى نآني
*
* فمن سهري يلم فما أراه
* ومن سقمي يطوف فما يراني
*
وقال أيضا
* أمولاي أشكو إليك الخمار
* وما فعلت بي كئوس العقار
*
* وجور السقاة التي لم تزل
* تريني الكواكب وسط النهار
*
((599 - محيي الدين بن زيلاق))
يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم الصدر محيي الدين بن زيلاق العباسي الهاشمي الموصلي الكاتب الشاعر
مولده سنة ثلاث وستمائة وقتله التتار حين ملكوا الموصل في سنة ستين وستمائة
قال بهاء الدين بن الفخر عيسى في وصفه الصاحب محيي الدين يضرب به المثل في العدالة وله الرتبة العليا في الشرف والأصالة وكان شاعرا مجيدا فاضلا حسن المعاني رحمه الله
فمن شعره ما كتبه إلى بعض أصحابه وهو بدمشق يصفها
* أدمشق لا زالت تجودك ديمة
* ينمى بها زهر الرياض ويونق
*
* اهوى لك السقيا وإن ضن الحيا
* اغناك عنه ماؤك المتدفق
*
* ويسر قلبي لو تضح لي المنى
* أنى أنال بك المقام وأرزق
*
* وإذا امرؤ كانت ربوعك حظه
* من سائر الأمصار فهو موفق
*
* اني التفت فجدول متسلسل
* أو جنة مرضية أو جوسق
*
* يبدو لطرفك حيث مال حديقة
* غناء نور النور منها يشرق
*
* يشدو الحمام بدوحها فكأنما
* في كل عود منه عود مورق
*
* وإذا رأيت الغصن ترقصه الصبا
* طربا رأيت الماء وهو يصفق
*

684
* لبست جنان النيربين محاسنا
* وقفت عليها كل طرف يرمق
*
* فحمامها غرد ونبت رياضها
* خضل وركب نسيمها مترفق
*
* وسرت لداريا المعطر تربها
* ريا ذكي المسك منها يعبق
*
* وترى من الغزلان في ميدانها
* فرقا أسود الغيل منها تفرق
*
* من كل وسنان الجفون محبه
* سهران من وجد عليه مؤرق
*
* حيث الهوى في جانبيه مخيم
* وخيول فرسان الشبيبة تعنق
*
* والقاصدون إليه إما شائق
* متنزة أو عاشق متشوق
*
* صنفان هذا باسم عن ثغره
* عجبا وهذا بالمدامع يشرق
*
* هذى المنازل لا ' أثيلات الحمى '
* بعدا لهن ولا ' اللوى ' و ' الأبرق '
*
* لا تخدعن فما اللذاذة والهوى
* ومواطن الأفراح إلا ' جلق '
*
هذه الخدمة - حرس الله مجد المجلس العالي وجعل السعادة من صحبه والأيام من حزبه والمكرمات من كسبه واهدى القرة إلى طرفه والمسرة إلى قلبه وأوجب له لباس الإقبال ولا روعه بسلبه وعوض عن الوحشة ببعده الإيناس بقربه - نائبة عن مسطرها في تقبيل يده الكريمة ووصف مسراته النازحة وأحزانه المقيمة وشكاية ما أجداه البعد من تحرقه وتلهفه ووفرته الغيبة من تشوقه إلى الحضرة السامية وتشوفه هذا مع أن الذكرى تمثل شخصه فلا يكاد يغيب ويناجيه الخاطر وهو بعيد كمناجته وهو قريب وبحسب ذلك أورد هذه الخدمة مطولا وأفاض فيها مسترسلا متأنسا بمفاوضته ومتذكرا أوقات محاضرته وراغبا أن يريه ' دمشق ' بعين وصفه ويثبت نعتها لديه فكأنها حيال طرفه وأول ما يبدأ بوصف الرحلة إليها ويقول: إن الزمان صورها للنظر قبل الإشراف عليها فقدمناها والفصل ربيع ومنظر الروض بديع والربا مخضرة أكنافها مائسة أعطافها تبكى بها عيون السحاب فتتبسم وتخلع عليها ملابس الشباب فتتقمص وتتعمم فما أتينا على مكان إلا وجدنا غيره أحق بالثناء وأجدر ولا أفل بدر من الزهر إلا بزغت شمس فقلنا هذا أكبر حتى إذا بلغت النفس أمنيتها وأقبلنا على ' دمشق ' فقبلنا ثنيتها رأينا منظرا يقصر عنه المتوهم ويملأ عين الناظر المتوسم ظل ظليل ونسيم عليل ومغنى بنهاية الحسن كفيل يطوى الحزن بنشره ويقف قدر البلدان دون قدره فيصغر عند صفته

685
شعب بوان ويغمدفى مفاصله سيف غمدان ويبهت لمباهاته ناظر الإيوان فالأغصان مائسة في سندسيها متظاهرة بفاخر حليها قد ألحقتها الأنهار فأثقلتها بحملها ولا عبتها الصبا فتلقت كل واحدة بمثلها:
* لها ثمر تشير إليك منه
* بأشربة وقفن بلا أواني
*
* وأمواه يصل بها حصاها
* صليل الحلى في أيدي الغوانى
*
فسرنا منها بين جنات كظهور البزاة وجداول كبطون الحيات قد هز الشوق أطيارها فصدحت وحرك النسيم رباها فنفحت فحنت عليها أفنانها حنو الوالدات على اليتيم وحجبت عن معارضتنا حاجب الشمس وأذنت للنسيم فإذا أصابت شمسها فرجة لا حظتنا ملاحظة الحياء وألقت فضة الماء شعاعها فصححت صنعة الكيمياء ثم أفضينا إلى فضاء قد أثرى من الروض ثراه وغنى عن منة السحاب ذراه قد تشابه فيه الشقيقان خدا وزهرا واقترن به الياسمين أقاحا وثغرا وتغاير أخضراه آسا وعذارا وأصفراه عاشقا وبهارا فأي هم لا تطرده أنهارها المطردة وفرح لا تجليه أطيارها المغردة ولما وصلنا إلى محلها الذي هو مجتمع الأهواء ومقر السراء ومقتنص الظباء واستوطنا وطنها الذي هو للظامى نهلة وللمستوفز عقلة:
* أجد لنا طيب المكان وحسنه
* منى فتمنينا فكنت الأمانيا
*
هذا - مع إكثاره - لا يبلغ اليسير من نعتها وما نرى آية من الحسن إلا هي أكبر من أختها:
* وإن ' دمشقا ' وهى في الأرض جنة
* محاسنها للبعد عنك معايب
*
والله تعالى يجمع الشمل على الإيثار ويملأ أوطان المولى باليسار
تمت
ومن شعر ابن زيلاق رحمه الله تعالى
* إلى الله أشكو هاجري ومعنفي
* عليه فكل جائر في احتكامه
*
* حبيب نأى عني الكرى بملالة
* وواش دنا مني الأسى بملامة
*
* غريب المعاني قام عذر صبابتي
* بحسن عذاريه ولين قوامه
*
* له هيف الغصن الرطيب ولينه
* ولي من تجنيه بكاء حمامه
*
* تفرد قلبي دونه بهمومه
* وشارك جسمي خضره في سقامه
*
* سقى الله ليلا حين جاد بوصله
* وقد كان لا يسخو برد سلامه
*

686
* فطاف كمثل الظبي عند التفاته
* بحمراء مثل الجمر عند اضطرامه
*
* كسا المزج أعلاها حبابا كأنه
* ثناياه أبداهن حسن ابتسامه
*
* شككنا فلم نعرف أمنظوم عقده
* من الدر أم من ثغره أم كلامه
*
* ولم ندر هذا السكر من سحر طرفه
* ومن خده والريق أم من مدامه
*
وقال أيضا
* يفديك جفن بمائه شرق
* جار عليه البكاء والأرق
*
* ومهجة لم تزل حشاشتها
* منك بنار الجفاء تحترق
*
* يا قمرا أصبحت محاسنه
* تنهب ألبابنا وتسترق
*
* تجمعت فيك للورى فتن
* على تلاف النفوس تتفق
*
* طرف كحيل ووجنة كسيت
* حمرة دمعي ومبسم يقق
*
* جالت على عطفه ذوائبه
* كالغصن زانت فروعه الورق
*
* رأوك لي جنة معجلة
* ما وجدوا مثلها ولا رزقوا
*
* هم حسدوني عليك فاختلفوا
* بكل زور عليك واختلقوا
*
* سعوا بتفريقنا فلا اجتمعوا
* على وصال يوما ولا اتفقوا
*
* فأين كانوا وأدمعي بدد
* تركض في وجنتي وتستبق
*
* ومقلتي حشوها السهاد وأحناء
* ضلوعي تعتادها الحرق
*
* ماذا يضر الوشاة أنهم
* رقوا لقلبي الموجوع أو رفقوا
*
* بمن كسا وجنتيك من حلل الحسن
* رياضا نسيمها عبق
*
* وأطلع البدر من جبينك محفوفا
* بصدغ كأنه الغسق
*
* لا تثن عطفا إلى الوشاة فما
* سلاك قلبي لكنهم عشقوا
*
* أنت بحالي ادرى وحالهم
* قد وضحت في حديثنا الطرق
*
* ما كنت يوما إليك معتذرا
* لو أنهم في مقالهم صدقوا
*
وقال أيضا
* أظهرت حسن معانيه الشمول
* فاختفى اللائم واستحيا العذول
*
* وثنت منه الحميا قامة
* علمت بان الحمى كيف يميل
*
* رشأ يفتك في عشاقه
* صارم من لحظه الساجي صقيل
*
* أصل وجدي فيه فرع مرسل
* مثل ليلى فاحم اللون طويل
*

687
* وفم عذب وثغر أشنب
* خصر من برده يشفى الغليل
*
* انا للجفوة منه قابل
* ولأعباء تجنيه حمول
*
* وأمور الحب من أعجبها
* ان ترى القاتل يهواه القتيل
*
وقال أيضا
* لك السلامة من وجدي ومن حرقي
* وما تعانيه أجفاني من الأرق
*
* أدرت فينا كئوس الشوق مترعة
* وأسكرتنا حمياها فلم نفق
*
* يا مظهرا بمحياه وطرته
* فضيلة الجمع بين الصبح والغسق
*
* حملت مهجتي الأسقام فاحتملت
* وزدتها بعده بعدا فلم تطق
*
* مهما نسيت فلا أنسى زيارته
* في خفيه لابسا ثوبا من الفرق
*
* نشوان تستر عطفيه ذوائبه
* كما اكتسى الغصن الميال بالورق
*
* يسعى إلى براح من مقبله
* يلذ مصطبحي فيها ومغتبقي
*
* لا أسأل الليل عن بدر السماء إذا
* رقدت فيه وبدر الأرض معتنقي
*
وقال أيضا
* ثنى مثل قد السمهري ولينه
* وجرد عصبا مرهفا من جفونه
*
* وبات يرينا كيف يجتمع الدجى
* مع الصبح في أصداغه وجبينه
*
* وكيف قران الشمس والبدر كلما
* غدا يلثم الكاس التي بيمينه
*
* وبت أفديه بنفس بذلتها
* غراما لمحفوظ الجمال مصونه
*
* وأرخص دمع العين وجدا بمبسم
* يقابله من دره بثمينه
*
* سقى ذلك الوادي وإن فتكت بنا
* نحور حواريه وأعين عينه
*
* ولا زال مبيض الأقاحي ضاحكا
* به كل منهل الغمام هتونه
*
وقال أيضا
* بعثت لنا من سحر مقلتك الوسني
* سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا
*
* وأبرزت وجها يخجل البدر طالعا
* ومست بقد علم الهيف الغصنا
*
* وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا
* فحاكاه لكن زاد في دقة المعنى
*
* أسمراء إن أطلقت بالهجر عبرتي
* فإن لقلبي من تباريحه سجنا
*
* وإن تحجبي بالبيض والسمر فالهوى
* يهون عند العاشق الضرب والطعنا
*
* وما الشوق إلا أن أزورك معلنا
* قلا مضمرا خوفا ولا طالبا إذنا
*

688
* وألقاك لا أخشى الغيور وأنثني
* ولو حجبت أسد الثرى ذلك المغنى
*
وقال أيضا
* اريقته في الكأس أم صرف خمره
* وهذا حباب المزج أم سمط ثغره
*
* يضوع بأيدينا وقد قام ساقيا
* بصنفين من نشر المدام ونشره
*
* له جنة من وجنتيه وإنما
* تعارضنا من دونه نار هجره
*
* وصبح جبين نهتدي بضيائه
* إذا ما ضللنا في غياهب شعره
*
* لئن كان دمعي مطلقا بجفائه
* ففي أسره قلبي المعنى بأسره
*
* وليل طويل العمر أحوى كأنه
* غدائر من أهواه أو يوم غدره
*
* إذا خشيت فيه المنى من ضلالها
* هدانا إلى مطلوبها نور بدره
*
وقال أيضا
* بد لنا من جبينه قمر
* تضل في ليل شعره الفكر
*
* ظبي غرير في طرفه سنة
* يلذ فيها للعاشق السهر
*
* جديد برد الشباب حف بريحان
* وورد بخده نضر
*
* ولا رعت مقلة نبات عذاريه
* فيحتاج عنه يعتذر
*
* جوامع الحسن فيه جامعة
* فالقلب وقف عليه والبصر
*
وقال أيضا
* ألم وأعين الرقباء وسني
* كما تم الهلال سنا وسنا
*
* ومال بعطفه مرح التصابي
* كما عطفت نسيم الروض غصنا
*
* وخص رياض خديه شقيق
* يلوح عليه خال عم حسنا
*
* وطاف بقهوة لم تبق فيها
* مصاحبة الليالي غير معنى
*
* فخلنا الشمس طالعة علينا
* وقد برزت من الراووق وهنا
*
* فلا تحفل بأعلام المصلى
* ولا تسأل بها طللا ومغنى
*
* ومل نحو الخلاعة والتصابي
* إذا فن مضى جددت فنا
*
* وعاط الكأس أحور ذا دلال
* أغن يناسب الظبي الأغنا
*
* يظن حمامة تشدو بغصن
* إذا ما مال معتدلا وغنى
*
وقال رحمه الله تعالى موشحا
* يا نديمي بالرياض قفا
* فهي لي مذهب
*

689
* وأديرها سلافا قرقفا
* لونها مذهب
*
* خلت فيها الحباب حين صفا
* أنجما تغرب
*
* حجبت بالبهاء والحسن
* عن عيون البشر
*
* وبدت في الخفاء كالوهم
* تجتني بالفكر
*
* لا تخالف يا منيتي أمري
* وادعني بالرحيق
*
* ما ترى صحبتي من السكر
* ليس فيهم مفيق
*
* نحن قوم من شيعة الخمر
* ونحب العتيق
*
* قد نقضنا غياية الحزن
* بسماع الوتر
*
* وحمانا من ناصب الهم
* وعدك المنتظر
*
* صاح لا تستمع من اللاحي
* واطرح ما يقول
*
* فمن الغبن إن تبت صاحي
* من كئوس الشمول
*
* فاكس راح النديم بالراح
* واعص قول العذول
*
* ما ترى العذل في الصبا يغني
* عن
*
* بنت خدر تشفى من السقم
* فاقض منها وطر
*
* حث شمس الكئوس يا بدر
* فالندامى نجوم
*
* واسقنيها كأنها تبر
* من بنات الكروم
*
* ضحكت في ثغورها الزهر
* ببكاء الغيوم
*
* وتغنت بأطيب اللحن
* صادحات الشجر
*
* ناطقات بألسن عجم
* طاب شرب السحر
*
* حثها بيننا رشا وسنان
* نلت منه الأمان
*
* ناعس الطرف بابلي الأجفان
* باسم عن جمان
*
* قد سكرنا من لحظه الفتان
* قبل خمر الدنان
*
* رب خمر شربت من جفن
* واجتنيت الزهر
*
* من خدود تحمى عن اللثم
* بسيوف الحور
*
وقال أيضا
* امحل صبوتنا تحية مغرم
* يهدي السلام على البعاد برغمه
*
* أثرى ثرى ذاك الجناب من الحيا الغادي
* ومن لي لو ظفرت بلثمه
*

690
* فبسعب ذاك الحي مثل غزاله
* في غنجه وهلاله في تمه
*
* دمعي ومبسمه لكل منهما
* معنى ونيت بنثره وبنظمه
*
* والخضر منه والجفون وعهده
* كل كسا جسمي النحول بسقمه
*
* متلون أصلى بجمرة حربه
* طورا وطورا أستريح بسلمه
*
* ويسئ بي فعلا ويحسن ثغره
* لثما فيشفع ظلمه في ظلمه
*
وقال أيضا
* ما وجه عذرك والكئوس تدار
* ضاقت بمن جهل الصبا أعذار
*
* سفرت لك اللذات واتسعت بها الأوقات
* واجتمعت لك الأوطار
*
* ساق يسوق إلى السرور ومطرب
* حسن الغناء وروضة وعقار
*
* أو ما ترى حسن الربيع وقد غدا
* يختال في حبراته آذار
*
* روض كما يرضى العيون يزينه
* زهر تسر بحسنه الأسرار
*
* وجداول نشأت بهن حدائق
* ضحكت خلال فروعها الأنوار
*
* وكأنما أشجارهن عرائس
* تجلى ومن در السحاب نثار
*
* تشدو حمائمها ويرقص دوحها
* غب الصبا وتصفق الأنهار
*
* فأدم لنا أفراحنا بمدامة
* لم تتصل بصفائها الأكدار
*
* حمراء تبدو في الكئوس كأنها
* ذهب عليه من اللجين إزار
*
* يسعى عليك بها غرير أهيف
* نوم المحب إذا جفاه غرار
*
* وسنان فيه للغزالة وابنها
* وجه وطرف فاتر ونفار
*
* رشأ ولكن في القلوب كناسه
* قمر ولكن أفقه الأزرار
*
* ظهرت عذاراه فزادت وجهه
* نورا وتشرق في الدجى الأقمار
*
* وافاك يحمل مثل ما في خده
* ماء به تروي القلوب ونار
*
* في مجلس تمت لساكنه المنى
* وتكفلت بسعودها الأقدار
*
وقال أيضا
* سل عن فؤاد بنار الهجر تحرقه
* وناظر بتجنيه تؤرقه
*
* ولا ترج سلوا من غريم هوى
* موكل بجديد الصبر يخلقه
*
* اهواه معتدل الأعطاف مائلها
* يجور في إذا ما اهتز مورقه
*
* غصن ولكن بماء الحسن منتبه
* بدر ولكن من الأزرار مشرقة
*

691
* يجلو الظلام محياه ويعذب مجناه
* وتحلو ثناياه ومنطقه
*
* ملاحة تسترق القلب رقتها
* ونظم ثغر يروق العين رونقه
*
* ثلاثة منه أعداني السقام بها
* مجرى الوشاح وجفناه وموثقه
*
* ألقى الرماح بقلب غير مكترث
* وأتقى طرفه الساجي وأفرقه
*
* فالأبيض العضب ما تبديه مقلته
* والأسمر اللدن ما يحويه قرطقه
*
وقال أيضا
* قم لا عدمتك فالرياح تغربل
* والرعد يطحن والغمائم تنخل
*
* والمسك قد عجن الثرى بسحيقه
* والعود يحق والحميا تشعل
*
* والدن تنور توقد جمرة الصصهباء
* باطنه وفار المبزل
*
* هي قوت أرواح عنت بحصادها الأيادي
* كما اكتنف الدياس الأرجل
*
* اللون تبر والحقيقة جوهر
* والريح مسك والمذاقة فوفل
*
* والبرد قد ولى فما لك راقدا
* متدثرا يا أيها المزمل
*
* أو ما ترى فصل الربيع وحسنه
* والروض يضحك والحيا يتهلل
*
* والغيم كالكافور ينثر لؤلؤا
* والجو مسك والغدير مصندل
*
* أبدت بدائع زهرها لك جنة
* قد زخرفت فنعيمها متعجل
*
* نسجت يدا الإبداع وشى رقومها
* فلأجل ذاك النسج عيني تغزل
*
* فمحمر ومصفر ومبيض
* وموطس ومريش ومكلل
*
* ومدبح ومكتب ومذهب
* ومفضض باللازورد مكحل
*
* جل المكون أعينا ما زانها
* كحل ومبدع صبغة لا تنصل
*
* فإذا اجتليت فكل شبر نوهة
* وإذا ظمئت فكل باع منهل
*
* فهزارها شحرورها ورشانها
* سمانها دراجها والبلبل
*
* هذا يجاوب ذا بأحسن منطق
* فإذا شدا الثاني أعاد الأول
*
* وتقيم مأتمها الفواخت سحرة
* فكأنهن مفجعات ثكل
*
* وعلى الغدير شباك تبر حاكها
* شمس الضحى وسنا دروع تصقل
*
* روض ومعشوق وحسن حمائم
* وصفاء ساقية وراح سلسل
*
* وظلال غادية فسيف بروقها
* ماض وطيب هوائها مستقبل
*
* والشمس تجنح للغروب فذويها فثوبها الذهبي
* مصفر البقاع مجلل
*

692
* ما للمسرة عن حمانا مخرج
* كلا ولا لأسى علينا مدخل
*
* ومحاسن الحدباء مشرقة على
* كل البلاد لها الفخار الأفضل
*
* يا حبذا الشرف المطل وديرها العالي
* وطيب فضائه والهيكل
*
* ورواقه وبهاؤه وجواره
* والعيش فيه والهواء الأعدل
*
* وعبيره يهدي بطيب نسميه
* وشموله يبقى فدام الشمأل
*
* يا طيب صحته وصحبته وناقوس
* الصباح على الصبوح يحيعل
*
* مغنى أقام به الرشيد وحله المنصور
* والمأمون والمتوكل
*
* يا ساحة الحدباء تربك إثمد
* للناظرين فما الدخول فحومل
*
* هبني أحاول غيرها أو ابتغي
* عوضا عن الأوطان أو أتبدل
*
* فعن الذين عهدتهم بفنائها
* أهلي وجيراني بمن أستبدل
*
* فالدهر لا يبقى على ا حالاته
* فيجور أحيانا وطورا يعدل
*
* صبرا فكل ملمة من بعدها
* فرج وكل عسير أمر يسهل
*
وقال أيضا
* وإذا شكوت من الزمان ومسني
* ضيم ونكس صعدتي إعسار
*
* وعلمتم أني بكم متعلق
* فعلى علاكم لا على العار
*
((600 - الملك الجواد))
يونس بن مودود بن محمد بن أيوب السلطان الملك الجواد مظفر الدين ابن الأمير مظفر الدين ابن الملك العادل أبي بكر
كان في خدمة عمه الكامل فوقع بينهما فسار إلى عمه المعظم فأقبل عليه ثم عاد إلى مصر واصطلح مع الكامل فلما كات الأشرف جاء مع الكامل إلى دمشق فلما مات الكامل تملك الجواد دمشق
وكان جوادا كلقبه ولكن كان حوله ظلمة وكان يحب الصالحين والفقراء
وتقبلت به الأحوال وعجز عن مملكة دمشق وكاتب الصالح نجم الدين أيوب فقدم وسلم إليه دمشق وعوضه سنجار وعانة وسار إلى الشرق

693
فلم يتم له الأمر وأخذ منه سنجار وبقي بيده عانة فسار إلى بغداد وقدم عليه الخليفة فأكرمه فأباعه عانة بذهب كثير ثم سار إلى مصر وافدا على عمه الصالح فهم بالقبض عليه فتسحب إلى الكرك إلى الملك الناصر داود فقبض عليه ثم انفلت منه وقدم على الصالح إسماعيل صاحب دمشق فلم يهش له فقصد ملك الفرنج الذي بصيدا وبيروت فأكرمه وشهد مع الفرنج وقعة قلنسوة وقتل فيها ألف مسلم ثم بعث إليه الصالح الأمير ناصر الدين بن يغمور ليحتال عليه بخديعة فيقال إن ابن يغمور اتفق معه على مسك الصالح إسماعيل ثم إن الصالح ظفر بهم فسجن الجواد بقلعة غرتا وسجن ابن يغمور بقلعة دمشق فطلب الفرنج الجواد من الصالح وقالوا لا بد منه فأظهر أنه مات ويقال إنه خنقه وأخرج من السجن ميتا ودفن بقاسيون بتربة المعظم سنة إحدى وأربعين وستمائة رحمه الله
ويقال إن أمه كانت إفرنجية والله أعلم
تم المجموع المسمى بفوات الوفيات والذيل عليها في العشر الأول من المحرم سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وحسبنا ونعم الوكيل

694
* وودعتكم والقلب يأبى وداعكم
* وفي كبدي نار الأسى تتضرم
*
* علمت من الأيام كل كريهة
* ولكن هذا البعد ما كنت أعلم
*
* حرمتم جفوني أن ترى غير شخصكم
* كما للذيذ النوم عنها حرمتم
*
* وعيني حرمتم أن تراكم كأنما
* لقاؤكم طيب وجفني محرم
* ربيعي جمادي حيث سمعي لغيركم
* به رجب منكم نومي ومحرم
*
* ولما حدا حادي الفراق بشملنا
* وأنجدت سرا والأحبة أتهموا
*
* وأصبح منكم منزل الأنس خاليا
* تبين عليه وحشة وهو مظلم
*
* وأضمرت توديعا له وهو ساكت
* ولكن لسان الحال منه يكلم
*
* وقالت لي الأوطان هل عودة بكم
* فقلت لها ربي بذلك يعلم
*
وقال موشحا
* نشرت ريح الصبا روح الصباح
* فصبا المشتاق
*
* زبكة عصر الصبا الماضي وناح
* من جوى الإشفاق
*
* قدحت في العود نسمات الربيع
* لهب الأزهار
*
* وانثنت ترقم بالوشى البديع
* جارى الأنهار
*
* فسكت عن برده البرد الخليع
* خلع النوار
*
* وبدت في خضرة الماء القراح
* صفرة الأوراق
*
* كطراز مذهب فوق وشاح
* صنعة الخلاق
*
* مثل الورد على الماء المعين
* مثل الإنسان
*
* زهرة العمر له في الأربعين
* وبدا النقصان
*
* ولقد يعجله بعض السنين
* يكسر الأغصان
*
* فافهم الجد فما المعنى مزاح
* وافتح الآماق
*
* وادخر ما اسطعت من فعل الصلاح
* قبل أن تعتاق
*
* مثل الدنيا كبيت العنكبوت
* امره موهون
*
* من بها أيامه سهوا تفوت
* فهو المحزون
*
* فسعيد من عن الهم استراح
* وابتغى ما راق
*
* وإذا حف من الطير الجناح
* أدرك السباق
*

793