الكتاب: موسوعة المصطفى والعترة (ع)
المؤلف: الحاج حسين الشاكري
الجزء: 10
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1417
المطبعة: ستارة
الناشر: نشر الهادي - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: ج 10 : موسوعة المصطفى والعترة ، الإمام جعفر الصادق (ع)
موسوعة
المصطفى والعترة
(10)
الصادق جعفر (عليه السلام)
كتاب، علمي، أدبي، تاريخي
يبحث في حياة النبي (ص) والعترة الطاهرة
القسم الثاني
تأليف
حسين الشاكري
1
جميع حقوق الطبع
محفوظة
للمؤلف
نشر الهادي - قم - خيابان صفائية - مقابل كوچه ورزشگاه
الكتاب: الصادق جعفر (عليه السلام) / ق 2
تأليف: حسين الشاكري
الناشر: نشر الهادي
الطبعة: الأولى - 1417 ه. ق
المطبعة: ستاره
العدد: 1500 نسخة
الفلم والزنك: ليتوغرافي تيزهوش
عنوان المؤلف
الجمهورية الإسلامية الإيرانية / قم المقدسة
زنبيل آباد 30 متري استانه بلاك 76 - كد 37166
هاتف: 26990 - 718771 / كد 0098251
2
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الجزء الثاني
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وله الشكر على ما أنعم.
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
والصلاة والسلام على الخاتم لما سبق، والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك
كله، أبي القاسم محمد المصطفى، وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار، الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
3
وبعد.
أفتتح بسم الله ورعاية سيدي منجي البشرية الإمام المنتظر الحجة بن الحسن
صاحب العصر والزمان أرواحنا لمقدمه الفداء، القسم الثاني من سيرة إمام الأبرار
وسيد الأخيار أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ليتم به البحث الذي سبقه
في المجلد التاسع من " موسوعة المصطفى والعترة ".
وفي هذا المجلد وهو العاشر الذي يضم بين دفتيه:
1 - من مات ولم يعرف إمام زمانه. 2 - مناظراته ومحاججاته.
3 - تصديه لحركة الزندقة. 4 - منهجه السياسي.
5 - مواقفه من المنصور العباسي. 6 - تأريخ تدوين الحديث.
7 - تأريخ الفقه الشيعي. 8 - الثقات من أصحابه.
9 - حكمه ومواعظه. 10 - دعاؤه وتهجده.
11 - مدحه ورثاؤه. 12 - خاتمة المطاف.
مباحث جليلة ومطالب مفيدة لا بد للمتتبع والباحث عن حياته (عليه السلام)
من الرجوع إليها وإرواء ظمئه من غير مناهلها.
الإمام الصادق (عليه السلام) بحر عجاج، متلاطم الأمواج، لا يسبر غوره،
ولا تدرك ضفافه، قد شمر عن ساعد الجد منذ اللحظة التي قام بها بأعباء الإمامة،
بعد رحيل أبيه الإمام الباقر (عليه السلام) لتثبيت أركان مدرسته، وتركيز أصوله، وتنمية
فروعه، ومن ثم خطط لجامعته الكبرى جامعة أهل البيت (عليهم السلام) في تبويب علومها
وتوسيع معارفها في مجالاتها العلمية كافة، مغتنما فرصة انشغال الحكام العباسيين
الجدد في مطاردة خصومهم وتصفية معارضيهم، وتحكيم أركان دولتهم.
تعتبر مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) أكبر وأوسع المدارس الإسلامية كافة
4
في عصرها، بل في العصور التي سبقتها، والتي تلتها، فقد زخرت بالعلماء الأعلام
في جميع العلوم والفنون من أصحاب وتلامذة أبيه (عليه السلام) أو رواة حديثه، بالإضافة
إلى استقبال جمع كبير من أفذاذ العلماء الذين ضربوا آباط الإبل قاصدين إليه
وساعين للتلمذة عليه والانتهال من نمير علمه.
وقد قام هؤلاء الأعلام وبتوجيه منه (عليه السلام) بدور كبير بناء في تدوين الحديث
الذي كان مندرسا منذ الصدر الأول للإسلام.
ولم تقتصر مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على تدوين الحديث والعلوم الخاصة به
كالفقه والأصول فحسب، بل عم العلوم الإنسانية والفلسفة والمنطق وعلم الكلام
والطب والكيمياء والفلك والأخلاق وغيره.
أما تفسيره للقرآن الكريم، والغور في أعماقه، وبيان عامه وخاصه،
ومحكمه ومتشابهه، وظاهره وباطنه، وناسخه ومنسوخه، فقد سبق الأولين
وتوسع في بحثه توسعا جعل المفسرين كافة عيالا عليه، منه أخذوا وبه اقتدوا،
وكانت أقواله واضحة مشهودة، لا سيما في تفسيره العرفاني الذي سبق أن أفردنا له
فصلا كاملا في المجلد التاسع من هذه الموسوعة.
ومن أبرز صفاته في الأخلاق، تجرده عن كل نزعة مادية أو ذاتية،
وكان سلوكه يجسد الإسلام بكل أبعاده، وسيرته تحاكي سيرة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)
بكل مكوناتها وذاتياتها.
ومن نعم الله علي أن وفقني وهداني إلى تأليف هذه الموسوعة الميمونة
المباركة، حتى دخلت مع قرائي الأعزاء في تأليف المجلد العاشر من " موسوعة
المصطفى والعترة "، وهذا هو القسم الثاني من سيرة حياة سيدنا وإمامنا
الصادق (عليه السلام).
5
وقد طويت في تأليف هذا السفر الأيام وسهرت الليالي، أشهرا وسنينا باحثا
بين أكداس السير والصحاح والمسانيد والسنن والمصادر التأريخية المعتبرة،
متتبعا الأحاديث والروايات التي تنيف على عشرات الآلاف.
وإني على يقين مهما تعمقت في البحث واجتهدت، فلن أستطيع الوصول
إلى ما أصبو إليه، لذا أترك الباب مفتوحا لغيري ليستطيع مواصلة البحث والتنقيب
واستخراج الأحاديث والروايات الصحيحة من مظانها.
أسأله تعالى أن يتقبل مني وممن آزرني هذا اليسير، وأن يعفو عنا الكثير،
فإنه سميع بصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه
محمدا وآله الطاهرين.
العبد المنيب
حسين الشاكري
الفاتح من شهر الصيام المبارك
عام 1417 ه - دار الهجرة قم المشرفة
6
الفصل السادس عشر
النصوص الخاصة
" من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية "
من النصوص الخاصة على كل إمام، أن ينص على الإمام الذي يلي من بعده
ويعرفه لشيعته، إتماما للحجة، وكشفا للحقيقة، ولئلا يقع المؤمنون في ظلمة الجهالة
وحيرة الضلالة.
وكيف يمكن إهمال هذا التكليف الشرعي، أو الاستخفاف بهذا الحكم الإلهي
الذي عليه مدار الحق والباطل، والإيمان والكفر، وعليه الثواب والعقاب،
والجنة والنار.
لأن " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " كما ورد في الحديث
النبوي الشريف، وإليك نبذا من مصادر هذا الحديث من كتب العامة.
لقد روى هذا الحديث سبعة من الصحابة في كتب أهل السنة، وفي الصحاح
الستة خاصة، مما يدل على صحة رواياتهم عند أصحاب الصحاح، وهم:
1 - زيد بن أرقم.
2 - عامر بن ربيعة.
3 - عبد الله بن عباس.
4 - عبد الله بن عمر.
7
5 - عويمر بن مالك، المعروف بأبي الدرداء.
6 - معاذ بن جبل.
7 - معاوية بن أبي سفيان.
وقد وردت رواياتهم، وهي كما يلي:
1 - مسند أبي داود، سليمان بن داود الطيالسي، المتوفى سنة (204 ه)،
روى عن عبد الله بن عمر، ولفظه: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " من مات
ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " (1).
2 - ومسند أحمد، عن طريق أبي صالح، عن معاوية، مرفوعا: " من مات
بغير إمام مات ميتة جاهلية " (2).
3 - ورواه مسلم في صحيحه:
- خلاصة نقض كتاب العثماني للجاحظ، تأليف أبي جعفر الإسكافي -:
" من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية " (3).
4 - ورواه التفتازاني في " جامع المقاصد " بقوله: " من مات ولم يعرف إمام
زمانه مات ميتة جاهلية " (4).
5 - وذكره الشيخ علي القاري في " خاتمة الجواهر المضيئة " قوله: في صحيح
مسلم: " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية "، معناه: من لم يعرف
(1) مسند أبي داود: 259.
(2) مسند أحمد 4: 96.
(3) صحيح مسلم: 29.
(4) جامع المقاصد 2: 275.
8
من يجب عليه الاقتداء والاهتداء به في أوانه (1).
هذه خمس روايات مسندة بإسناد أعلام السنة في صحاحهم وأسانيدهم
وسيرهم، وذكر غيرها العلامة الخطيب السيد محمد كاظم القزويني في الجزء الأول
من موسوعته " الإمام الصادق " فراجع.
وقد ورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة في أكثر من سبعين مصدرا من
مصادر أهل السنة، ورواة الحديث من الصحابة المتفق على قبول رواياتهم
عند العامة.
وبعد ثبوت الحديث الشريف وأهميته الاعتقادية بوجوب معرفة كل مسلم
إمام زمانه والاقتداء به، ومن لم يعرف إمام زمانه بأي ميتة وكفر وضلال
يموت؟
أما شيعة أهل البيت فإنهم ثابتون على إمامتهم ومستمرون إلى يومنا
هذا وإلى حين ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، الذي سيظهر
في يوم لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ليملأ الأرض قسطا وعدلا، بعدما ملئت
ظلما وجورا.
ولعل بعض المسلمين لا يعلم بهذه الأحاديث والروايات، ولم يطلع عليها
والتي لا يمكن لأحد تكذيبها وتزييفها إلا المعاند الجاحد للحق، الذي تشمله
هذه الآية: (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) (2).
وليت شعري ما يكون موقف من لا يقتدي بهذا الحديث ولا يعتقد به؟
(1) الجواهر المضيئة 2: 457.
(2) الأعراف: 146.
9
فهل له إمام في زمانه يعرفه ويقتدي به؟ ومن هو؟
وحاشا نبي الرحمة والعظمة (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقصد من كلمة " إمام زمانه "
حكام بني أمية الطواغيت، أو فراعنة حكام بني العباس، أو من جاء بعدهم
من الذين لم يحكموا بما أنزل الله ولا رسوله من ظلم وجور وتعسف وتقتيل
ونهب أموال الناس بالباطل إلى يومنا هذا، وهل هؤلاء الأئمة الفجرة الظلمة
الذين من مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية؟ لا أظن أي مسلم عاقل يعتقد
بهذا!!
وهذا الحديث يعتبره شيعة أهل البيت من الأحاديث الثابتة غير المشكوك
في صحتها، والسائرين عليها.
ولذلك كانوا يبذلون جهودا مضنية في سبيل معرفة إمام زمانهم، خاصة
بعد وفاة كل إمام، حتى لا يموتوا ميتة جاهلية.
فشيعة أهل البيت الاثنا عشرية بعد الغيبة الكبرى يعتقدون ويقتدون
بإمامهم الغائب المهدي عجل الله فرجه، ويعتبرونه إمام زمانهم.
الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام
ابن المثنى، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا جعفر [الباقر] (عليه السلام) يقول:
" إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد، يعرف فيه شبه خلقه وخلقه
وشمائله، وإني لأعرف من ابني هذا شبه خلقي وخلقي وشمائلي "، يعني أبا عبد الله
الصادق (عليه السلام) (1).
الكافي: محمد بن يحيى... عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر
(1) الكافي 1: 306، يعني هذا من باب النص على إمامته.
10
[الباقر] (عليه السلام)، قال: سئل عن القائم (عليه السلام)، فضرب بيده على أبي عبد الله
[الصادق] (عليه السلام)، فقال: " هذا - والله - قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) " (1)، [في زمانه].
الإرشاد: روى هشام بن سالم، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سئل
أبو جعفر [الباقر] (عليه السلام) عن القائم بعده فضرب بيده على أبي عبد الله
[الصادق] (عليه السلام)، وقال: هذا والله قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) [في زمانه].
وروى علي بن الحكم، عن طاهر صاحب أبي جعفر [الباقر] (عليه السلام)، قال:
كنت عنده فأقبل جعفر (عليه السلام)، فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خير البرية (2).
كفاية الأثر: عن علي بن الحسن... عن محمد بن مسلم، قال: كنت عند
أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، إذ دخل ابنه جعفر وعلى رأسه ذؤابة وفي يده
عصا يلعب بها، فأخذه الباقر (عليه السلام) وضمه إليه ضما، ثم قال: بأبي أنت وأمي!
لا تلهو ولا تلعب، ثم قال لي: يا محمد [بن مسلم]، هذا إمامك بعدي، فاقتد به،
واقتبس من علمه، والله إنه لهو الصادق، الذي وصفه لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن شيعته منصورون في الدنيا والآخرة على لسان كل نبي، فقمت وقبلت رأسه (3).
أكتفي بهذه الروايات الثلاث في حديث الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)
التي تنص على إمامة ابنه الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، وهناك أحاديث كثيرة
غيرها سنذكرها في فصل وصاياه من هذا الكتاب.
اعتمدنا هذا البحث موجزا من الجزء الأول من موسوعة الإمام
(1) الكافي 1: 307.
(2) الإرشاد؛ للشيخ المفيد: 271.
(3) كفاية الأثر: 253، منه البحار 47: 15.
11
الصادق (عليه السلام) للسيد محمد كاظم القزويني، مع بعض التصرف في العبارات.
وتفصيل ذلك تجده في موسوعة الغدير (1).
نقول إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نص على الأئمة من بعده بصورة عامة،
وبصورة خاصة.
ولأجل أن يعلم الناس بأن الشيعة لم تنفرد بالاعتقاد بالأئمة الاثني
عشر (عليهم السلام)، وللدلالة نذكر في هذا المقام شيئا مما ذكره فطاحل علماء أهل السنة
في سننهم ومسانيدهم وصحاحهم، وتوضيحا للبحث، ففي بعضها ذكروا:
" اثني عشر إماما "، وبعضهم قال: " خليفة "، أو: " قيما "، أو: " أميرا "،
أو: " رجلا ". وعلى هذا المنوال، والنتيجة واحدة بالرغم من اختلاف الألفاظ.
وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " الأئمة بعدي اثنا عشر، كلهم من قريش "،
أو من " بني هاشم " مشهور ويرويه الفريقان، وقد ذكر الخطيب القزويني في كتابه
" الإمام الصادق (عليه السلام) " ثمانية وأربعين مصدرا من مصادر علماء العامة (2).
العلامة القندوزي في كتابه " ينابيع المودة "، يقول: قال بعض المحققين:
إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) إثنا عشر قد اشتهرت من طرق
كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أن مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
من حديثه هذا الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل
هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن الاثني عشر، ولا يمكن
أن نحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلا عمر
(1) الغدير 10: 359، للعلامة الأميني.
(2) موسوعة الإمام الصادق 1: 147 - 150.
12
ابن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " كلهم من
بني هاشم " في رواية عبد الملك عن جابر: وإخفاء صوته (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا القول
يرجح هذه الرواية، حيث يؤكد على خلافة بني هاشم، ولا يمكن أن يحمله
على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولعدم رعايتهم الآية:
(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وحديث الكساء، فلا بد من أن يحمل
هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنهم كانوا أعلم
أهل زمانهم، وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسبا وأفضلهم حسبا وأكرمهم
عند الله، وقد كسبوا علومهم عن آبائهم متصلة بجدهم (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالوراثة واللدنية،
هكذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتدقيق، ويؤيد هذا المعنى
- أي أن مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته، وإليك هذين الحديثين
للدلالة على ما نقول:
في " ينابيع المودة ": في " المناقب "، عن واثلة بن الأسقع بن قرخاب،
عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي
على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد، أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله،
وعما لا يعلمه الله.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ما ليس لله: فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله:
فليس عنده ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله؟ فذلك قولكم يا معشر اليهود:
إن عزيرا ابن الله، والله لا يعلم أنه له ولد بل يعلم أنه مخلوقه وعبده. فقال:
أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسول الله حقا وصدقا، ثم قال: إني رأيت
البارحة في المنام موسى بن عمران (عليه السلام) فقال: يا جندل، أسلم على يد محمد خاتم
الأنبياء، واستمسك بأوصيائه من بعده. فقلت: فلله الحمد، أسلمت وهداني بك،
13
ثم قال: أخبرني يا رسول الله عن أوصيائك من بعدك لأتمسك بهم؟ قال:
أوصيائي الإثنا عشر، قال جندل: هكذا وجدناهم في التوراة، قال: يا رسول الله،
سمهم لي، فقال: أولهم سيد الأوصياء أبو الأئمة علي، ثم ابناه الحسن والحسين
فاستمسك بهم ولا يغرنك جهل الجاهلين، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين
يقضي الله عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه. فقال جندل:
وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء (عليهم السلام): إيليا وشبرا وشبيرا، فهذه أسماء علي
وحسن وحسين، فمن بعد الحسين وما أسماؤهم؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا انقضت مدة
الحسين فالإمام ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فبعده ابنه محمد يلقب بالباقر،
فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، فبعده ابنه علي
يدعى بالرضا، فبعده ابنه محمد يدعى بالتقي والزكي، فبعده ابنه علي يدعى بالنقي
والهادي، فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري، فبعده ابنه محمد يدعى بالمهدي
والقائم والحجة، فيغيب ثم يخرج فإذا خرج يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت
جورا وظلما، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبتهم أولئك
الذين وصفهم الله في كتابه وقال: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) (1)،
ثم قال تعالى: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) (2)، فقال جندل:
الحمد لله الذي وفقني لمعرفتهم، ثم عاش إلى أن كانت ولادة علي بن الحسين (عليه السلام)
فخرج إلى الطائف ومرض وشرب آخر زاده من الدنيا شربة لبن ومات ودفن
بالطائف بالموضع المعروف بالكوزارة (3).
(1) البقرة: 3.
(2) المجادلة: 22.
(3) ينابيع المودة: 100.
14
وفي كتاب " فرائد السمطين " للجويني، بسنده عن ابن عباس، قال:
قدم يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقال له: نعثل، فقال: يا محمد،
إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت
على يدك، قال: سل يا أبا عمارة؟
... إلى أن قال: فأخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي،
وإن نبينا موسى بن عمران (عليه السلام) أوصى إلى يوشع بن نون.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، إن وصيي والخليفة من بعدي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)،
وبعده سبطاي الحسن والحسين، ويتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمة أبرار.
قال: يا محمد، فسمهم لي.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد،
فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى
فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، ثم ابنه علي، ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الحجة
ابن الحسن، فهذه اثنا عشر أئمة، عدد نقباء بني إسرائيل... إلى آخر الحديث (1).
والأحاديث حول الإمامة، والأئمة الاثني عشر كثيرة وكثيرة جدا ذكرنا
في مجلدات هذه الموسوعة ما يخص في ترجمة كل إمام.
ونود أن نعلق في ختام هذا البحث فنقول:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو أشرف الكائنات، وأفضل المخلوقين،
وأطهر الموجودين، الذي خصه الله سبحانه وتعالى بمدحه حيث قال: (وإنك
لعلى خلق عظيم)، وهو سيد الأنبياء والمرسلين، وأقرب العباد إلى الله أجمعين،
(1) فرائد السمطين 2: 133، طبعة بيروت.
15
ينبغي بل يجب أن يتحلى خلفاؤه وأوصياؤه من بعده بما يمتازون - بمميزاته الخلقية
وعلمه الجم - عن غيرهم من الناس، سواء من ناحية القداسة والنزاهة والتقوى
والعلم والأخلاق وغيرها من الصفات الحميدة والسجايا الكريمة؛ لأنهم امتداد
لخلق الرسالة، وتمثيل لصاحب الشريعة (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقومون مقامه من بعده في تنفيذ
رسالة السماء ومنهاج الدين.
ولا أظن عاقلا يرضى، ويقبل أن يمثل الرسالة المقدسة من هو فاقد
لكل المقومات من العلوم والأخلاق وطيب الأرومة، مثل الشجرة الملعونة
في القرآن، أو متجاهرا بالكفر والفسوق والفجور والعصيان، بالإضافة إلى طغيانه
وجبروته، وسفك دماء المؤمنين الأبرياء، والحكم بما لم ينزل الله به من سلطان،
بالإضافة إلى غصبه الخلافة من أصحابها الشرعيين، وزحزحة قواعد الرسالة
عن أساسها.
وقل ما تجد في تأريخ الحكام الأمويين ومن بعدهم العباسيين من يتورع
عن سفك الدماء ونهب الأموال وإعلان الجور والجهر بالفسق والفجور وشرب
الخمور في أنديتهم التي، وإلى آخر ما لا يمكن وصفه بهذه العجالة، ولو رمنا البسط
لخرجنا عن خط البحث.
وتجد في جانب آخر حياة ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله من الأئمة الطاهرين
الذين نص عليهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإمامة والخلافة خلال قرنين ونصف،
ابتداء من يوم التحاق النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى، إلى يوم شهادة الإمام
الحسن العسكري والغيبة الصغرى ثم الكبرى للإمام المهدي المنتظر في سنة 260
من الهجرة المباركة.
فلا تجد في تراجم حياة أي واحد منهم أي زلة أو خطيئة - وحتى لو كانت
16
صغيرة -، أو هفوة، أو ترك الأولى، أو جهلا في حكم، أو نقصا في علم، أو سوءا
في خلق، أو ضعفا في دين، أو بخلا في مال، أو جبنا في النفس، أو كسلا في عبادة،
أو أي صفة من الصفات الذميمة التي نهى عنها الشارع المقدس، بالرغم من ترصد
الأعداء لهم والمنافسون في سلوكهم، من حركاتهم وسكناتهم، وجميع تصرفاتهم،
طيلة القرنين ونصف، لعلهم يجدون في أفعالهم أو أقوالهم زلة أو نقصا يستطيعون
أن يأخذوهم بها.
أما سماسرة الحديث ووعاظ السلاطين فلم يسلم من لسانهم السليط
وأقلامهم المسمومة المأجورة حتى قدسية ساحة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشريعه
السماوي، والذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فكيف بساحة ذريته،
والأئمة الطاهرين من آله، مع كثرة حسادهم ومنافسيهم وفاقدي الورع والتقوى
والمدسوسين من قبل حكام عصرهم.
(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين).
وخلاصة بحثنا المتقدم أن الإمام أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) هو امتداد لأحد
الثقلين اللذين خلفهما الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتركهما من بعده، وإنه السادس
من الأئمة الاثني عشر الذين نص الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على إمامتهم وخلافتهم
ووصايتهم.
واعتراف مشاهير المحدثين والحفاظ (من العامة) خلال اثني عشر قرنا
بشخصية الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) والاحتجاج برواياتهم عنه.
وبعد هذا كله، نلفت نظر القارئ الفطن إلى الموقف العدائي الذي
سلكه بعض المحدثين والمؤرخين تجاه هذا الإمام العظيم وغيره من أئمة
أهل البيت (عليهم السلام).
17
منهم: البخاري محمد بن إسماعيل، صاحب الصحيح المعروف بصحيح
البخاري، وعند البعض من المسلمين الكتاب المقدس بعد كتاب الله، فإنه
أي البخاري لم يحتج بأحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) والأئمة الذين كانوا قبله والذين
جاؤوا بعده، عدا احتجاجه بأحاديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
بل احتج بأقوال مروان بن الحكم الوزغ بن الوزغ طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وعمران بن حطان الخارجي الذي يقول في قصيدة يثني بها على عبد الرحمن
ابن ملجم المرادي قاتل الإمام أمير المؤمنين بقوله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا
... الخ الأبيات.
وعكرمة البربري، وحريز بن عثمان الرحبي الذي نقل عنه صاحب التهذيب
أنه كان ينتقص عليا وينال منه، وغيرهم من النكرات الذين لفظهم أصحاب السير
والتأريخ.
وفي كتاب " النصائح الكافية " قال: احتج السنة في صحاحهم بجعفر الصادق
إلا البخاري. على أنه احتج بمن قدمنا ذكرهم.
وأمثال هؤلاء الرواة كثيرون، ولكن مروان وعمران وعثمان وعكرمة،
ذكرناهم كمثال لما رواه عنهم البخاري في صحيحه، والذي يعتبر عند أهل السنة
أصح كتب الحديث.
قال: وقد قيل في هذا المعنى الأبيات التالية:
قضية أشبه بالمرزئة * هذا البخاري إمام الفئة
بالصادق الصديق ما احتج في * صحيحه واحتج بالمرجئة
18
بمثل عمران بن حطان أو * مروان، وابن المرأة المخطئة
مشكلة ذات عوار، إلى * حيرة أرباب النهى ملجئة
وحق بيت يممته الورى * مغذة بالسير أو مبطئة
إن الإمام الصادق المجتبى * بفضله الآي أتت منبئة
أجل من في عصره رتبة * لم يقترف في عمره سيئة
قلامة من ظفر إبهامه * تعدل من مثل البخاري مئة
وما أدري هل رضي وجدان العالم الجليل البخاري وأمانته العلمية
بهذا التطرف المكشوف؟
وهل ارتاح ضميره بالرواية عن جماعة من مشاهير الفساق والكذابين
أمثال: المغيرة بن شعبة (أزنى ثقيف)؟ وأبي هريرة الذي ضربه الخليفة عمر
ابن الخطاب بالدرة على كذبه وقاسمه أمواله على ثبوت خيانته، وأمثال سمرة
ابن جندب أو أبو الدرداء أو شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين (عليه السلام) والجالس
على صدره والقاطع رأسه الشريف؟!!
وهذا يحيى بن سعيد شيخ البخاري الذي جعل نفسه من أئمة الجرح
والتعديل، يقول في مجالد: أحب إليه من نفسه، ومن هو مجالد، وما هي مزاياه
حتى يكون أحب إلى يحيى بن سعيد من الإمام جعفر الصادق؟!! وأي حقد
كان في قلب يحيى تجاه الإمام الصادق؟ لعل الجواب هو (في قلوبهم مرض فزادهم
الله مرضا)!!
قال الذهبي في " الكاشف والتهذيب "، والعسقلاني في " تهذيب التهذيب "
2: 102، قالا: سئل يحيى بن سعيد القطان عن جعفر بن محمد؟ فقال: " في نفسي
منه شيء "!!
19
الإمامة عند شيعة أهل البيت
تعتبر الإمامة عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الركن الرابع من أصول الدين
أو المذهب الجعفري، والمقصود من الإمامة هي الولاية العظمى التي تتلو مرتبة
الرسالة.
ومفهوم الإمام عند المسلمين إنه يطلق على الزعيم الديني، وإمام الجماعة
المتبع للصلاة، كما يطلق على أئمة الدين، من الأنبياء والمرسلين وأوصيائهم.
وفي منطوق الآيات القرآنية، حيث قال سبحانه وتعالى: (وكل شيء أحصيناه
في إمام مبين) (1)، وقوله تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) (2).
وفي " تاج العروس ": الإمام - بالكسر -: كل من إئتم به، من رئيس
أو غيره، كانوا على الصراط المستقيم، أو ضالين، ومن قوله تعالى: (فقاتلوا أئمة
الكفر)، والإمام قيم الأمر، المصلح له، والقرآن، والنبي، والخليفة، لأنه إمام
الرعية ورئيسهم.
والإمامة الكبرى التي يعتقدها الشيعة، والتي هي الولاية العظمى، فلا تتحقق
لأحد إلا بتعيين إلهي، فاسمع إلى منطوق هذه الآيات الكريمة، وهي:
(إني جاعلك للناس إماما).
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا).
(1) ياسين: 12.
(2) الأحقاف: 12.
20
(واجعلني للمتقين إماما).
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض).
(واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي).
وغيرها من الآيات المشتملة على كلمة جعلنا، واجعلنا، وجعلناهم، مما يدل
بكل صراحة على أن تعيين الإمام الحق وتنصيبه يكون من عند الله، هذا ما يعتقده
شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في إمامهم.
أما من ادعى الإمامة بغير ما أنزلها الله وزحزحها عن رواسي الرسالة
فهو بمفهوم اليوم انقلابا، ينطبق عليه قصد الآية الشريفة حيث قال تعالى:
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم...).
والإمامة بمفهومها العام، هي مفترق الطرق، ومعترك الآراء، والصراعات
على المراكز، ومن هذا المنطلق حصل الانشقاق والاختلاف بين المسلمين،
وجالت الأقلام، واضطربت الأقوال، وتكونت الفرق والمذاهب، ووصل أمر
المسلمين إلى ما وصل إليه اليوم.
وهذا الاختلاف ليس وليد اليوم حتى يمكن معالجته، بل له جذور في عمق
التأريخ وعروق امتدت منذ أربعة عشر قرنا، وغرست وبذرت بذورها وجذورها
من يوم السقيفة - سقيفة بني ساعدة - يوم لبى الرسول الأعظم نداء ربه والتحق
بالرفيق الأعلى، وآتت أكلها كل حين، كما قالت سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)
حينما خطبت في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قالت:
فدونكموها، فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة
بغضب الله وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة...
21
ومن الواضح أن المنافقين الذين مردوا على النفاق، وساعدهم على ذلك
مردة أهل الكتاب، والأعراب الذين ما آمنوا بالله وما أسلموا إلا بلسانهم ليحقنوا
به دماءهم، وغيرهم من الذين جمعهم القاسم المشترك من الحقد الأعمى والثأر
والضغينة لقلع جذور الإسلام وما جاءت به رسالة السماء من أساسه، المتمثلة
بأهل بيت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب
الذي شارك الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في قتالهم على تنزيله، وأخذ سيفه البتار من جبابرة
المشركين والأحزاب ومردة أهل الكتاب مأخذه يوم بدر وأحد والخندق وخيبر
وحنين وغيرها من المواقف المشهودة له.
وقد جسدت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تلك المواقف الرائعة
لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ومحنته يوم خطبت في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام حشد
المسلمين وكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، فقالت محتجة، مستهلة بالآية
الكريمة: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم) (1)، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي
دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبلغ بالرسالة، صادعا بالنذارة - إلى أن
قالت -: وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة
العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد والورق، أذلة خاسئين
تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا
والتي.
وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا
(1) التوبة: 128.
22
نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين،
قذف أخاه (1) في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه (2)، ويخمد لهيبها
بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا
في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا.
وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر،
وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال.
فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهرت فيكم
حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين،
وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا
بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم
خفافا، وأحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم.
هذا والعهد لقريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر.
ابتدارا زعمتم خوف الفتنة (ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة
بالكافرين).
بهذه اللمع الموجزة أعطت السيدة الزهراء (عليها السلام) صورة واضحة عن الدور
البطولي الذي قام به الإمام علي (عليه السلام)، والمحيط الذي عاشه مع الصحابة المسلمين
فضلا عن المنافقين، والمحن التي عاناها وتحملها بصبر وجلد تنوء عنها الجبال،
بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا
أي منقلب ينقلبون.
(1) الإمام علي (عليه السلام).
(2) ينكفئ: يرجع. صماخها: رأس الفتنة. أخمصه: باطن قدمه.
23
ولله درها، وعلى الله أجرها.
وقد اتسعت شقة الخلاف من ذلك اليوم اتساعا رهيبا، أعقبتها انقسامات
وحروب متطاحنة راح ضحيتها ما لا يعلمه إلا الله طيلة هذه القرون المتمادية،
وأزهقت النفوس وأريقت الدماء بين المسلمين، وبذلت نشاطات واسعة من
بعض الفئات المتطرفة، ومن المرتزقة وأصحاب الأهداف الفاسدة، مما زاد
في التنافر والتباغض بين جميع الفرق.
واقتضت مصالح الحكام الأمويين والعباسيين أن يعمقوا جذور هذه الفتن
والخلافات فسخروا وعاظ السلاطين والمرتزقة وفاقدي الإحساس الإسلامي
والورع والدين من الذين يدورون في فلكهم ويتقربون إليهم.
وانقرضت حكومات، وأعقبتها حكومات وفرق ومذاهب شتى منها
ما لا ترتبط بمبادئ الإسلام لا من قريب ولا من بعيد لكنها اقتحمت الساحة
بتشجيع من بعض الزعامات والحكومات لما وجدت الساحة ملغومة. واختلط
الحابل بالنابل، وظهرت في الساحة الإسلامية أفكار شاذة ومذاهب مبتدعة.
وقد تستروا على فضائح الحكام الذين تربعوا على عرش الخلافة الإسلامية
واقترفوا كل موبقة وجريمة، ويحسبون أنهم أمراء المؤمنين.
فلا مانع عند ابن تيمية أن يكون الخليفة طليقا، أو متجاهرا بالفسق
والفجور، ويجوز الصلاة خلفه حتى لو كان يشرب الخمر ويلعب القمار، أو يزني،
أو يلوط، أو يسفك الدماء المحرمة، أو كاذبا، أو جاهلا بالأحكام، أو مستهترا،
أو مستهزءا بالمقدسات الإسلامية، وحتى لو قتل سبط رسول الله وريحانته،
أو يتجاهر بالكفر فيقول:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل
24
أو يمزق القرآن الكريم، ويجعله غرضا لسهامه، ويقول متبخترا مخاطبا
القرآن الكريم:
تهددني بجبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل: يا رب، مزقني الوليد
أو الذي أراد أن يشرب الخمر مع جاريته وعشيقته المغنية فوق سطح الكعبة
المشرفة، ضاربا بذلك كل الأعراف والآداب، وحتى الجاهلية منها، ومتحديا شعور
المسلمين ونواميسهم ومقدساتهم، ومعلنا محاربته لله تعالى، وهاتكا لحرماته
ومتعديا حدوده.
أو كالذي قدم جاريته في محراب المسجد لتصلي بالمسلمين صلاة الصبح
وهي ثملة مجنبة!! واقتدى بها وهو أيضا ثمل مجنب، وأمر المسلمين أن يقتدوا بها
في صلاتهم!!
أو كالذي صلى بالمسلمين صلاة الصبح في مسجد الكوفة وهو سكران أربع
ركعات، ثم التفت إليهم وقال: هل أزيدكم؟ ثم تقيأ في المحراب الخمرة التي شربها
وما أكل من طعام طيلة ليله وانطرح على الأرض فاقدا لوعيه حتى تقدم منه
بعض المسلمين وسلب خاتم الخلافة من يده.
أو الذي سبح في بركة من الخمر، وشرب منها حتى بان أثر نقص الخمر
في البركة؟!!
كل هؤلاء الذين ذكرناهم كانوا متربعين على عرش الخلافة الإسلامية
ويدعي كل منهم أنه أمير للمؤمنين، وإمام للمسلمين، ويطبل له المرتزقة ووعاظ
السلاطين، السائرين في ركابهم، ويحكموا باسم الإسلام ظلما وجورا وكذبا وبهتانا
وزورا، وتجبى لهم الخرائج من أموال المسلمين باطلا وغصبا.
25
أسألك أيها المسلم الغيور على دينك، فهل هؤلاء النكرات الفساق الفجار
الطغاة، خصهم النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) بحديثه الشريف وعناهم: " من مات
ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية "؟؟ أم غيرهم؟ ومن هم؟ أجيبونا
أيها المسلمون وأنصفوا.
فأين هؤلاء من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الهداة، فهل يوجد تقارب بين الاثنين
أو سنخية في القول والعمل والعلم والورع والاجتهاد، في حين كان أئمة أهل البيت
وشيعتهم يعتبرون العدالة والتقوى شرطا أساسيا في الإمام، وحتى في إمامة صلاة
الجماعة، ولا يجوز عندهم الاقتداء والصلاة خلف إنسان لم تحرز عدالته، فضلا
عن ما هو أهم من الأمور الشرعية.
وتعتقد شيعة أهل البيت العصمة في الإمام من الخطايا والذنوب، والتنزه
عن كل رذيلة أخلاقية أو موبقة، والتجرد عن كل ما ينافي المروءة والابتعاد
عن كل رجس وشين وعيب، وحتى ترك الأولى.
واشتمال الإمام على كل فضيلة أخلاقية، بل يجب أن يكون الإمام أكثر
أهل زمانه علما وعبادة وزهدا، ومكارم أخلاق وتقوى.
فالأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت صرحت بل أوجبت هذه الشروط
في الإمامة، وهي الحالة المتميزة في الإمام.
وحينما نطرح هذه الآيات والأحاديث والسير لا نريد أن نفرض عقائد
الإمامية على المسلمين، ولا نكره أحدا على اعتناق مذهب خاص، وللقارئ
حرية القبول إذا ثبت عنده صدق هذه الأقوال، واقتنع بالحقائق الثابتة، كما في
منطوق الآية الكريمة: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا).
نسأله تعالى أن يسدد خطى الجميع ويهديهم سواء السبيل.
26
الفصل السابع عشر
احتجاجات الإمام (عليه السلام)
ومناظراته
كانت للإمام الصادق (عليه السلام) احتجاجات ومناظرات كثيرة في شتى العلوم
سواء الدينية منها والدنيوية، مع أهل الملل والنحل، والأديان الأخرى.
سنورد بعضا منها لتعسر الإحاطة بجميعها.
1 - مناظرة في التوحيد:
روي عن هشام بن الحكم، أنه قال: سأل أحد الزنادقة الإمام الصادق (عليه السلام)
قائلا: ما الدليل على أن الله صانع؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها،
ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني، علمت أن له بانيا، وإن كنت لم تر الباني
ولم تشاهده.
قال: فما هو؟
قال: هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي شيء إلى إثباته، وإنه شيء
بحقيقته الشيئية، غير إنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك
بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا يغيره الزمان.
27
قال السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو كان ذلك كما تقول، لكان التوحيد منا مرتفعا
لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم، لكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها
تحده الحواس ممثلا، فهو مخلوق، ولا بد من إثبات كون صانع الأشياء خارجا
من الجهتين المذمومتين: إحداهما النفي إذا كان النفي هو الإبطال والعدم،
والجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بد
من إثبات الصانع لوجود المصنوعين، والاضطرار منهم إليه، إنهم مصنوعون،
وإن صانعهم غيرهم وليس مثلهم، إن كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب
والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا، وتنقلهم من صغر
إلى كبر، وسواد إلى بياض، وقوة إلى ضعف، وأحوال موجودة لا حاجة بنا
إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.
قال الزنديق: فأنت قد حددته إذ أثبت وجوده؟
قال أبو عبد الله (عليه السلام): لم أحدده ولكني أثبته، إذ لم يكن بين الإثبات والنفي
منزلة.
قال الزنديق: فقوله (الرحمن على العرش استوى) (1)؟
قال أبو عبد الله (عليه السلام): بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول على العرش
بائن من خلقه، من غير أن يكون العرش محلا له، لكنا نقول: هو حامل وممسك
للعرش، ونقول في ذلك ما قال: (وسع كرسيه السماوات والأرض) (2)، فثبتنا
(1) طه: 5.
(2) البقرة: 255.
28
من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاويا له،
وأن يكون عز وجل محتاجا إلى مكان، أو إلى شيء مما خلق، بل خلقه محتاجون
إليه (1).
قال الزنديق: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها
نحو الأرض؟
قال أبو عبد الله: في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر
أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق،
فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول، حين قال: " إرفعوا أيديكم إلى الله
عز وجل " وهذا تجمع عليه فرق الأمة كلها.
ومن سؤاله أن قال: ألا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟
قال أبو عبد الله: لا يخلو قولك إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين
أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين
فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرد بالربوبية، وإن زعمت أن أحدهما
قوي والآخر ضعيف، ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني،
وإن قلت: إنهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة، أو مفترقين
من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظمة، والفلك جاريا، واختلاف الليل والنهار
والشمس والقمر، دل ذلك على صحة الأمر والتدبير، وائتلاف الأمر، وأن المدبر
واحد (2).
(1) الاحتجاج: 332.
(2) الاحتجاج: 331.
29
وعن هشام بن الحكم، قال: دخل ابن أبي العوجاء على الصادق (عليه السلام)،
فقال له الصادق (عليه السلام):
يا ابن أبي العوجاء! أنت مصنوع أم غير مصنوع؟ قال: لست بمصنوع.
فقال له الصادق: فلو كنت مصنوعا كيف كنت؟ فلم يحر ابن أبي العوجاء
جوابا، وقام وخرج.
وعن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أسماء الله عز ذكره
واشتقاقها، فقلت: الله، مما هو مشتق؟
قال: يا هشام، الله مشتق من إله، وإله يقتضي مألوها، والاسم غير المسمى،
فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى
فقد كفر وعبد الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت
يا هشام؟
قال: فقلت: زدني! فقال: إن لله تسعة وتسعين اسما، فلو كان الاسم
هو المسمى لكان كل اسم منها إلها، ولكن لله معنى يدل عليه، فهذه الأسماء
كلها غيره، يا هشام، الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم
للملبوس، والنار اسم للمحروق، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا
والمتخذين مع الله غيره؟ قلت: نعم.
قال: فقال: نفعك الله به وثبتك!
قال هشام: فوالله ما قهرني أحد في علم التوحيد حتى قمت مقامي هذا.
وروي أن الصادق (عليه السلام) قال لابن أبي العوجاء: إن يكن الأمر كما تقول
- وليس كما تقول - نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول - وهو كما نقول -
نجونا وهلكت.
30
2 - مناظرة في حدوث العالم:
وروي أيضا أن ابن أبي العوجاء سأل الصادق (عليه السلام) عن حدث العالم،
فقال: ما وجدت صغيرا ولا كبيرا إلا إذا ضم إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال
وانتقال عن الحالة الأولى، ولو كان قديما ما زال ولا حال، لأن الذي يزول ويحول
يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه
في الأزل دخول في القدم، ولن يجتمع صفة الحدوث والقدم في شيء واحد.
قال ابن أبي العوجاء: هبك علمك في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت
استدللت على حدوثها، فلو بقيت الأشياء على صغرها، من أين كان لك أن تستدل
على حدوثها؟
فقال (عليه السلام): إنا نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالما آخر
كان لا شيء أدل على الحدث، ومن رفعنا إياه ووضعنا غيره، لكن أجيبك
من حيث قدرت أن تلزمنا، فنقول: إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان
في الوهم أنه متى ضم شيء منه إلى شيء منه كان أكبر، وفي جواز التغير عليه
خروجه من القدم، كما إن في تغيره دخوله في الحدث، وليس لك وراءه شيء
يا عبد الكريم (1).
3 - مناظرة في مسائل شتى:
ومن سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسائل كثيرة، أنه قال:
(1) الاحتجاج: 336.
31
كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟
قال: رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان،
وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها
والكتب ومحكماتها، اقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته.
قال الزنديق: أليس هو قادر أن يظهر لهم حتى يروه فيعرفونه فيعبد
على يقين؟ قال: ليس للمحال جواب.
قال الزنديق: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟
قال (عليه السلام): إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق،
وكان ذلك الصانع حكيما، لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا أن يلامسوه ولا أن
يباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم
على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون
عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرون هم أنبياء الله وصفوته
من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم
على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة
والدلائل والبراهين والشواهد: من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص،
فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب
عدالته.
ثم قال (عليه السلام) بعد ذلك: نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة، ولا تكون
الحجة إلا من عقب الأنبياء، ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء، وذلك
أن الله شرع لبني آدم طريقا منيرا، وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا، أخرج منه
الأنبياء والرسل، هم صفوة الله وخلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، وحفظوا
32
في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية، ولا شاب أنسابهم، لأن الله عز وجل
جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا منه، فمن كان خازن علم الله وأمين
غيبه ومستودع سره وحجته على خلقه وترجمانه ولسانه، لا يكون إلا بهذه الصفة،
فالحجة لا يكون إلا من نسلهم، يقوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخلق بالعلم الذي عنده
وورثه عن الرسول، إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلا
مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي
والقياس وإنهم إن أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه، ظهر العدل، وذهب الاختلاف
والتشاجر، واستوى الأمر، وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد
أن يقر الناس به ولا يطيعوا له أو يحفظوا له بعد فقد الرسول، وما مضى رسول
ولا نبي قط لم تختلف أمته من بعده، وإنما كان علة اختلافهم على الحجة وتركهم إياه.
قال الزنديق: فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة؟
قال (عليه السلام): قد يقتدى به ويخرج عنه الشيء بعد الشيء مكانه منفعة الخلق
وصلاحهم، فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم،
وإن نفذوا منه شيئا أفادهم.
ثم قال الزنديق: من أي شيء خلق الله الأشياء؟
قال (عليه السلام): لا من شيء.
فقال الزنديق: كيف يجيء من لا شيء شيء؟
قال (عليه السلام): إن الأشياء لا تخلو إما أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء،
فإن كان خلقت من شيء كان معه، فإن ذلك الشيء قديم، والقديم لا يكون حديثا
ولا يفنى ولا يتغير، ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا،
فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم
33
من ضروب شتى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياء
حيا؟ ومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا؟ ولا يجوز أن يكون من حي
وميت قديمين لم يزالا، لأن الحي لا يجيء منه ميت وهو لم يزل حيا، ولا يجوز أيضا
أن يكون الميت قديما لم يزل لما هو به من الموت، لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء.
قال الزنديق: فمن أين قالوا إن الأشياء أزلية؟
قال (عليه السلام): هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم،
والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسموا كتبهم أساطير، ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم
واستحسانهم، إن الأشياء تدل على حدوثها، من دوران الفلك بما فيه، وهي سبعة
أفلاك وتحرك الأرض ومن عليها وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت، والحوادث
التي تحدث في العالم، من زيادة ونقصان وموت وبلى، واضطرار النفس إلى الإقرار
بأن لها صانعا ومدبرا، ألا ترى الحلو يصير حامضا، والعذب مرا، والجديد باليا،
وكل إلى تغير وفناء؟
قال الزنديق: فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل
أن يحدثها؟
قال (عليه السلام): فلم يزل يعلم فخلق ما علم.
قال الزنديق: أمختلف هو أم مؤتلف؟
قال (عليه السلام): لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف، وإنما يختلف المتجزي،
ويأتلف المتبعض، فلا يقال له: مؤتلف ولا مختلف.
قال الزنديق: فكيف هو الله الواحد؟
قال (عليه السلام): واحد في ذاته، فلا واحد كواحد، لأن ما سواه من الواحد
متجزي، وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزى، ولا يقع عليه العد.
34
قال الزنديق: فلأي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم، ولا مضطر
إلى خلقهم، ولا يليق به التعبث بنا؟
قال (عليه السلام): خلقهم لإظهار حكمته وإنفاذ علمه وإمضاء تدبيره.
قال الزنديق: وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ومحتبس
عقابه؟
قال (عليه السلام): إن هذه الدار دار ابتلاء، ومتجر الثواب ومكتسب الرحمة،
ملئت آفات، وطبقت شهوات، ليختبر فيها عبيده بالطاعة، فلا يكون دار عمل دار
جزاء.
قال الزنديق: أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا، وقد كان ولا عدو له،
فخلق كما زعمت (إبليس) فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته،
ويأمرهم بمعصيته، وجعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم،
فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم، ويلبس عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته،
حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته، وعبدوا سواه، فلم سلط عدوه على عبيده،
وجعل له السبيل إلى إغوائهم؟
قال (عليه السلام): إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته، ولا تنفعه ولايته،
وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا، وولايته لا تزيد فيه شيئا، وإنما يتقى العدو
إذا كان في قوة يضر وينفع، إن هم بملك أخذه، أو بسلطان قهره، فأما إبليس فعبد،
خلقه ليعبده ويوحده، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه، فلم يزل يعبده
مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم، فامتنع من ذلك حسدا وشقاوة غلبت عليه
فلعنه عند ذلك، وأخرجه عن صفوف الملائكة، وأنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا
فصار عدو آدم وولده بذلك السبب، ما له من السلطة على ولده إلا الوسوسة،
35
والدعاء إلى غير السبيل، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته.
قال الزنديق: أفيصلح السجود لغير الله؟
قال (عليه السلام): لا.
قال الزنديق: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟
قال (عليه السلام): إن من سجد بأمر الله سجد لله إذا كان عن أمر الله.
قال الزنديق: فمن أين أصل الكهانة، ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟
قال (عليه السلام): إن الكهانة كانت في الجاهلية، في كل حين فترة من الرسل،
كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم،
فيخبرهم عن أشياء تحدث، وذلك من وجوه شتى: فراسة العين، وذكاء القلب،
ووسوسة النفس، وفتنة الروح، مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الأرض
من الحوادث الظاهرة، فذلك يعلمه الشيطان ويؤديه إلى الكاهن، ويخبره بما يحدث
في المنازل والأطراف.
وأما أخبار السماء: فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك،
وهي لا تحجب، ولا ترجم بالنجوم، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع
في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض
ما جاءهم عن الله، لإثبات الحجة ونفي الشبهة، وكان الشيطان يسترق الكلمة
الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها
إلى الأرض، فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق
بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به، فهو ما أداه إليه الشيطان
لما سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق
السمع انقطعت الكهانة، واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس
36
بما يتحدثون به، وما يحدثونه، والشياطين تؤدي إلى الشياطين، ما يحدث في البعد
من الحوادث من سارق سرق، ومن قاتل قتل، ومن غائب غاب، وهم بمنزلة
الناس أيضا، صدوق وكذوب.
قال الزنديق: وكيف صعدت الشياطين إلى السماء، وهم أمثال الناس
في الخلقة والكثافة، وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (عليه السلام) من البناء ما يعجز عنه
ولد آدم؟
قال (عليه السلام): غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق، غذاؤهم النسيم،
والدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف
على الارتقاء إليها بسلم أو بسبب.
قال الزنديق: فأخبرني عن السحر ما أصله؟ وكيف يقدر الساحر على
ما يوصف من عجائبه، وما يفعل؟
قال (عليه السلام): إن السحر على وجوه شتى، وجه منها: بمنزلة الطب، كما أن
الأطباء وضعوا لكل داء دواء، فكذلك علم السحر، احتالوا لكل صحة آفة،
ولكل عافية عاهة، ولكل معنى حيلة. ونوع آخر منه: خطفة وسرعة ومخاريق
وخفة. ونوع آخر: ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم.
قال الزنديق: فمن أين علم الشياطين السحر؟
قال (عليه السلام): من حيث عرف الأطباء الطب، بعضه تجربة وبعضه علاج.
قال الزنديق: فما تقول في الملكين هاروت وماروت؟ وما يقول الناس
بأنهما يعلمان الناس السحر؟
قال (عليه السلام): إنهما موضع ابتلاء وموقع فتنة، تسبيحهما: اليوم لو فعل الإنسان
كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولو يعالج بكذا وكذا لكان كذا، أصناف السحر، فيتعلمون
37
منهما ما يخرج عنهما، فيقولان لهم: إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم
ولا ينفعكم.
قال الزنديق: أفيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب
أو الحمار أو غير ذلك؟
قال (عليه السلام): هو أعجز من ذلك، وأضعف من أن يغير خلق الله، إن من أبطل
ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك الله في خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والآفة والأمراض،
ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته، وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها
بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافيين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها
الدور، ويكشف بها الستور، والنمام أشر من وطئ الأرض بقدم، فأقرب أقاويل
السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة
النساء، فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج، فأبرئ.
قال الزنديق: فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع؟
قال (عليه السلام): الشريف المطيع، والوضيع العاصي.
قال الزنديق: أليس فيهم فاضل ومفضول؟
قال (عليه السلام): إنما يتفاضلون بالتقوى.
قال الزنديق: فتقول إن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون
إلا بالتقوى؟
قال (عليه السلام): نعم، إني وجدت أصل الخلق التراب، والأب آدم والأم حواء،
خلقهم إله واحد، وهم عبيده، إن الله عز وجل اختار من ولد آدم أناسا طهر
ميلادهم، وطيب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج
38
منهم الأنبياء والرسل، فهم أزكى فروع آدم، فعل ذلك لأمر استحقوه من الله
عز وجل، ولكن علم الله منهم - حين ذرأهم - أنهم يطيعونه ويعبدونه
ولا يشركون به شيئا، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده،
وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب، وسائر الناس سواء، ألا من اتقى الله
أكرمه، ومن أطاعه أحبه، ومن أحبه لم يعذبه بالنار!!
قال الزنديق: فأخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين
موحدين وكان على ذلك قادرا؟
قال (عليه السلام): لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب، لأن الطاعة إذا ما كانت
فعلهم لم يكن جنة ولا نار، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته
واحتج عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون
ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم إياه العذاب.
قال الزنديق: فالعمل الصالح من العبد هو فعله، والعمل الشر من العبد
هو فعله؟
قال (عليه السلام): العمل الصالح من العبد بفعله والله به أمره، والعمل الشر من العبد
بفعله والله عنه نهاه.
قال الزنديق: أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟
قال (عليه السلام): نعم. ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر على الشر الذي نهاه
عنه.
قال الزنديق: فإلى العبد من الأمر شيء؟
قال (عليه السلام): ما نهاه الله عن شيء إلا وقد علم أنه يطيق تركه، ولا أمره بشيء
إلا وقد علم أنه يستطيع فعله؛ لأنه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف
39
العباد ما لا يطيقون.
قال الزنديق: فمن خلقه الله كافرا، أيستطيع الإيمان، وله عليه بتركه الإيمان
حجة؟
قال (عليه السلام): إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين، أمرهم ونهاهم، والكفر اسم
يلحق الفعل حين يفعله العبد، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا، إنه إنما كفر
من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله، فعرض عليه الحق فجحده، فبإنكاره الحق
صار كافرا (1).
قال الزنديق: أفيجوز أن يقدر على العبد الشر، ويأمره بالخير وهو
لا يستطيع الخير أن يعلمه، ويعذبه عليه؟
قال (عليه السلام): إنه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه،
ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه، والإنزاع عما لا يقدر على تركه، ثم يعذبه
على أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه.
قال الزنديق: بماذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغناء
والسعة، وبماذا استحق الفقير التقتير والتضييق؟
قال (عليه السلام): اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم، والفقراء بما منعهم
لينظر كيف صبرهم.
ووجه آخر: أنه عجل لقوم في حياتهم، ولقوم أخر ليوم حاجتهم إليه.
ووجه آخر: فإنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم،
(1) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه
ويشركانه "، كنز العمال، الجزء الأول، الحديث 1307.
40
ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير، وصار أهلها إلى الفناء
ولكن جعل بعضهم لبعض عونا، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال وأنواع
الصناعات، وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير، ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف
على الفقراء، كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.
قال الزنديق: فما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع والأمراض
بلا ذنب عمله، ولا جرم سلف منه؟
قال (عليه السلام): إن المرض على وجوه شتى: مرض بلوى، ومرض عقوبة،
ومرض جعل علة للفناء، وأنت تزعم أن ذلك عن أغذية ودية، وأشربة وبية (1)،
أو من علة كانت بأمه، وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه، وأجمل النظر في أحوال
نفسه، وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض، وتميل في قولك إلى من يزعم
أنه لا يكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب! قد مات أرسطاطاليس معلم
الأطباء وإفلاطون رئيس الحكماء، وجالينوس شاخ ودق بصره وما دفع الموت
حين نزل بساحته، ولم يألوا حفظ أنفسهم والنظر لما يوافقها، كم مريضا قد زاده
المعالج سقما، وكم من طبيب عالم وبصير بالأدواء (2) والأدوية ماهر مات،
وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا، فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته
وحضور أجله، ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الأجل.
ثم قال (عليه السلام): إن أكثر الأطباء قالوا: إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء،
فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله
(1) الودية: المهلكة، الوبية: الكثيرة الوباء.
(2) الأدواء: الأمراض.
41
على خلقه، وأمناءه في أرضه، وخزان علمه، وورثة حكمته، والادلاء عليه،
والدعاة إلى طاعته؟
ثم إني وجدت أن أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء، ويكذب الكتب
المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى، فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه.
قال الزنديق: فكيف تزهد في قوم وأنت مؤدبهم وكبيرهم؟
قال (عليه السلام): إني رأيت الرجل الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه،
وتأليف بدنه، وتركيب أعضائه، ومجرى الأغذية في جوارحه، ومخرج نفسه،
وحركة لسانه، ومستقر كلامه، ونور بصره، وانتشار ذكره، واختلاف شهواته،
وانسكاب عبراته، ومجمع سمعه، وموضع عقله، ومسكن روحه، ومخرج عطسته،
وهيج غمومه، وأسباب سروره، وعلة ما حدث فيه من بكم وصمم وغير ذلك،
لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها، وعلل فيما بينهم جوزوها.
قال الزنديق: فأخبرني هل يعاب شيء من خلق الله وتدبيره؟
قال (عليه السلام): لا.
قال الزنديق: فإن الله خلق خلقه غرلا (1)، أذلك منه حكمة أم عبث؟
قال (عليه السلام): بل منه حكمة.
قال الزنديق: غيرتم خلق الله، وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة (2) أصوب
مما خلق الله لها، وعبتم الأغلف والله خلقه، ومدحتم الختان وهو فعلكم،
(1) في المصدر: " عزلا "، تصحيف صوابه ما أثبتناه. والغرل: جمع أغرل، وهو ما كان فيه
غرلة، وهي جلدة الصبي التي تقطع في الختان.
(2) الغلفة أو القلفة: الجلدة التي يقطعها الخاتن من ذكر الصبي.
42
أم تقولون إن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة؟!
قال (عليه السلام): ذلك من الله حكمة وصواب، غير أنه سن ذلك وأوجبه على
خلقه، كما أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه،
كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها، وفي تركها فساد بين للمولود والأم،
وكذلك أظفار الإنسان: أمر إذا طالت أن تقلم، وكان قادرا يوم دبر خلق الإنسان
أن يخلقها خلقة لا تطول، وكذلك الشعر في الشارب والرأس يطول فيجز،
وكذلك الثيران خلقها الله فحولة وإخصاؤها أوفق، وليس في ذلك عيب في تقدير
الله عز وجل.
قال الزنديق: ألست تقول: يقول الله تعالى: (ادعوني أستجب لكم) (1)
وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟
قال (عليه السلام): ويحك! ما يدعوه أحد إلا استجاب له، أما الظالم: فدعاؤه مردود
إلى أن يتوب إليه، وأما المحق: فإنه إذا دعاه استجاب له، وصرف عنه البلاء
من حيث لا يعلمه، أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر
الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه، أمسك عنه، والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه
أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ، وقد يسأل العبد ربه هلاك من
لم تنقطع مدته أو يسأل المطر وقتا ولعله أوان لا يصلح فيه المطر، لأنه أعرف بتدبير
ما خلق من خلقه، وأشباه ذلك كثيرة، فافهم هذا.
قال الزنديق: أخبرني أيها الحكيم، ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض
أحد، ولا يصعد من الأرض إليها بشر، ولا طريق إليها ولا مسلك، فلو نظر العباد
(1) غافر: 60.
43
في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل، لكان ذلك أثبت في الربوبية، وأنفى للشك
وأقوى لليقين، وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا إليه يصعد الصاعد، ومن عنده
يهبط الهابط؟!
قال (عليه السلام): إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء،
ومنها يظهر، أما ترى الشمس منها تطلع وهي نور النهار وفيها قوام الدنيا،
ولو حبست حار من عليها وهلك، والقمر منها يطلع وهو نور الليل، وبه يعلم عدد
السنين والحساب والشهور والأيام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير؟
وفي السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ومن السماء ينزل الغيث
الذي فيه حياة كل شيء من الزرع والنبات والأنعام، وكل الخلق لو حبس عنهم
لما عاشوا، والريح لو حبست لفسدت الأشياء جميعا وتغيرت، ثم الغيم والرعد
والبرق والصواعق، كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شيء
ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة
تنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية إن تفهم
وتعقل.
قال الزنديق: فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله
عمن مضى منا، إلى ما صاروا وكيف حالهم، وماذا لقوا بعد الموت، وأي شيء صنع
بهم، لعمل الناس على اليقين، واضمحل الشك وذهب الغل عن القلوب.
قال (عليه السلام): إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم، ولم يصدق بما جاءوا به
من عند الله، إذ أخبروا وقالوا: إن الله أخبر في كتابه عز وجل على لسان أنبيائه
حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن رسله.
وقد رجع إلى الدنيا مما مات خلق كثير، منهم: أصحاب الكهف، أماتهم الله
44
ثلاثمائة عام وتسعة، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم
قدرته وليعلموا أن البعث حق.
وأمات الله (أرميا) النبي (عليه السلام) الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله
حين غزاهم بخت نصر وقال: (أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام)
ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم، وكيف تلبس اللحم، وإلى مفاصله وعروقه
كيف توصل، فلما استوى قاعدا قال: (أعلم أن الله على كل شيء قدير).
وأحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى
عددهم، وأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا
ترابا، بعث الله - في وقت أحب أن يرى خلقه قدرته - نبيا يقال له: " حزقيل "
فدعاهم فاجتمعت أبدانهم، ورجعت فيهم أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ماتوا،
لا يفقدون من أعدادهم رجلا، فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا.
وإن الله أمات قوما خرجوا مع موسى (عليه السلام) حين توجه إلى الله فقالوا:
(أرنا الله جهرة)، فأماتهم الله ثم أحياهم.
قال الزنديق: فأخبرني عمن قال بتناسخ الأرواح، من أي شيء قالوا ذلك،
وبأي حجة قاموا على مذاهبهم؟
قال (عليه السلام): إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين، وزينوا
لأنفسهم الضلالات، وأمرجوا أنفسهم (1) في الشهوات وزعموا أن السماء خاوية
ما فيها شيء مما يوصف، وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين، بحجة من روى
أن الله عز وجل خلق آدم على صورته، وأنه لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور،
(1) أي خلوها وتركوها.
45
والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر، فإن كان محسنا
في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة من الدنيا،
وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في الدواب المتعبة في الدنيا، أو هوام مشوهة
الخلقة وليس عليهم صوم ولا صلاة، ولا شيء من العبادة أكثر من معرفة من تجب
عليهم معرفته، وكل شيء من شهوات الدنيا مباح لهم: من فروج النساء وغير ذلك
من الأخوات والبنات والخالات وذوات البعولة.
وكذلك الميتة والخمر والدم، فاستقبح مقالتهم كل الفرق، ولعنهم كل الأمم،
فلما سئلوا الحجة زاغوا وحادوا، فكذب مقالتهم التوراة، ولعنهم الفرقان،
وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب، وأن الأرواح الأزلية
هي التي كانت في آدم، ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر،
فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه؟!
وقالوا: إن الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلى درجة من دينهم خرج
من منزلة الامتحان والتصفية فهو ملك، فطورا تخالهم نصارى في أشياء، وطورا
دهرية يقولون: إن الأشياء على غير الحقيقة، فقد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا
من اللحمان، لأن الذرات عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم، فلا يجوز
أكل لحوم القربات.
قال الزنديق: ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة مؤذية، فلم يستطع التفصي
منها (1) إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها، فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!
قال (عليه السلام): سبحان الله تعالى!! ما أعجز إلها يوصف بالقدرة، لا يستطيع
(1) التفصي: التخلص، وتفصى عن الشيء: بان عنه.
46
التفصي من الطينة! إن كانت الطينة حية أزلية، فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا
العالم من أنفسهم، فإن كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت والفناء؟ وإن كانت
الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم، والميت لا يجيء منه حي.
وهذه مقالة الديصانية، أشد الزنادقة قولا وأمهنهم مثلا، نظروا في كتب
قد صنفها أوائلهم، وحبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت، ولا حجة
توجب إثبات ما ادعوا، كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله بما جاءوا عن الله.
فأما من زعم أن الأبدان ظلمة، والأرواح نور، وأن النور لا يعمل الشر،
والظلمة لا تعمل الخير، فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية ولا ركوب
حرمة ولا إتيان فاحشة، وإن ذلك عن الظلمة غير مستنكر، لأن ذلك فعلها ولا له
أن يدعو ربا، ولا يتضرع إليه، لأن النور الرب، والرب لا يتضرع إلى نفسه
ولا يستعبد بغيره، ولا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول: أحسنت يا محسن،
أو: أسأت، لأن الإساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها، والإحسان من النور،
ولا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن، وليس هناك ثالث، وكانت الظلمة
على قياس قولهم، أحكم فعلا، وأتقن تدبيرا، وأعز أركانا من النور، لأن الأبدان
محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟
وكل شيء يرى ظاهرا من الزهر والأشجار والثمار والطير والدواب يجب
أن يكون إلها، ثم حبست النور في حبسها والدولة لها، وأما ما ادعوا بأن العاقبة
سوف تكون للنور، فدعوى، وينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل،
لأنه أسير، وليس له سلطان، فلا فعل له ولا تدبير، وإن كان له مع الظلمة تدبير،
فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز، فإن لم يكن كذلك وكان أسير الظلمة، فإنه يظهر
في هذا العالم إحسان وجامع فساد وشر، فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير
47
وتفعله، وكما تحسن الشر وتفعله، فإن قالوا محال ذلك، فلا نور يثبت ولا ظلمة،
وبطلت دعواهم، ورجع الأمر إلى أن الله واحد وما سواه باطل، فهذه مقالة ماني
الزنديق وأصحابه.
وأما من قال: النور والظلمة بينهما حكم، فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة
الحكم، لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم، وهذه مقالة
المانوية، والحكاية عنهم تطول.
قال الزنديق: فما قصة ماني؟
قال (عليه السلام): متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية، فأخطأ
الملتين ولم يصب مذهبا واحدا منهما، وزعم أن العالم دبر من إلهين، نور وظلمة،
وأن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه، فكذبته النصارى، وقبلته
المجوس.
قال الزنديق: فأخبرني عن المجوس أفبعث الله إليهم نبيا؟ فإني أجد لهم كتبا
محكمة ومواعظ بليغة، وأمثالا شافية، يقرون بالثواب والعقاب، ولهم شرائع
يعملون بها.
قال (عليه السلام): ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من
عند الله، فأنكروه وجحدوا كتابه.
قال الزنديق: ومن هو؟ فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان.
قال (عليه السلام): إن خالدا كان عربيا بدويا، ما كان نبيا، وإنما ذلك شيء يقوله
الناس.
قال الزنديق: أفزردشت؟
قال (عليه السلام): إن زردشت أتاهم بزمزمة، وادعى النبوة، فآمن منهم قوم
48
وجحده قوم، فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الأرض.
قال الزنديق: فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم،
أم العرب؟
قال (عليه السلام): العرب في الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس،
وذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء وجحدت كتبهم، وأنكرت براهينهم ولم تأخذ
بشيء من سنتهم وآثارهم، وإن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة
نبي، وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة، والعرب كانت تغتسل، والاغتسال
من خالص شرايع الحنيفية، وكانت المجوس لا تختن وهو من سنن الأنبياء،
وأول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله، وكانت المجوس لا تغسل موتاها ولا تكفنها،
وكانت العرب تفعل ذلك، وكانت المجوس ترمي الموتى في الصحارى والنواويس
والعرب تواريها في قبورها وتلحدها، وكذلك السنة على الرسل، إن أول من حفر له
قبر آدم أبو البشر، وألحد له لحد، وكانت المجوس تأتي الأمهات وتنكح البنات
والأخوات، وحرمت ذلك العرب، وأنكرت المجوس بيت الله الحرام وسمته
بيت الشيطان، والعرب كانت تحجه وتعظمه، وتقول: بيت ربنا، وتقر بالتوراة
والإنجيل، وتسأل أهل الكتب وتأخذ، وكانت العرب في كل الأسباب أقرب
إلى دين الحنيفية من المجوس.
قال الزنديق: فإنهم احتجوا بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم.
قال (عليه السلام): فما حجتهم في إتيان البنات والأمهات وقد حرم ذلك آدم،
وكذلك نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وسائر الأنبياء، وكل ما جاء عن الله
عز وجل.
قال الزنديق: ولم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها؟
49
قال (عليه السلام): حرمها لأنها أم الخبائث، ورأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة
يسلب لبه، ولا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا حرمة إلا انتهكها،
ولا رحم ماسة إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها، والسكران زمامه بيد الشيطان،
إن أمره أن يسجد للشيطان سجد، وينقاد حيث ما قاده.
قال الزنديق: فلم حرم الدم المسفوح؟
قال (عليه السلام): لأنه يورث القساوة، ويسلب الفؤاد رحمته، ويعفن البدن،
ويغير اللون، وأكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.
قال الزنديق: فأكل الغدد؟
قال (عليه السلام): يورث الجذام.
قال الزنديق: فالميتة لم حرمها؟
قال (عليه السلام): فرقا بينها وبين ما يذكى ويذكر اسم الله عليه، والميتة قد جمد فيها
الدم وتراجع إلى بدنها، فلحمها ثقيل غير مريء لأنها يؤكل لحمها بدمها.
قال الزنديق: فالسمك ميتة؟
قال (عليه السلام): إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء، ثم يترك حتى يموت
من ذات نفسه، وذلك أنه ليس له دم، وكذلك الجراد.
قال الزنديق: فلم حرم الزنا؟
قال (عليه السلام): لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب،
لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها، ولا المولود يعلم من أبوه، ولا أرحام موصولة،
ولا قرابة معروفة.
قال الزنديق: فلم حرم اللواط؟
قال (عليه السلام): من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال
50
من النساء، وكان فيه قطع النسل، وتعطيل الفروج، وكان في إجازة ذلك فساد
كثير.
قال الزنديق: فلم حرم إتيان البهيمة؟
قال (عليه السلام): كره أن يضيع الرجل ماءه ويأتي غير شكله، ولو أباح ذلك لربط
كل رجل أتانا (1) يركب ظهرها ويغشى فرجها، وكان يكون في ذلك فساد كثير
فأباح ظهورها وحرم عليهم فروجها، وخلق للرجال النساء ليأنسوا بهن ويسكنوا
إليهن، ويكن مواضع لشهواتهم وأمهات أولادهم.
قال الزنديق: فما علة الغسل من الجنابة، وإن ما أتى حلالا وليس في الحلال
تدنيس؟
قال (عليه السلام): إن الجنابة بمنزلة الحيض، وذلك أن النطفة دم لم يستحكم،
ولا يكون الجماع إلا بحركة شديدة وشهوة عالية، فإذا فرغ تنفس البدن ووجد
الرجل من نفسه رائحة كريهة، فوجب الغسل لذلك، وغسل الجنابة مع ذلك أمانة
ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها.
قال الزنديق: أيها الحكيم، فما تقول في من زعم أن هذا التدبير الذي يظهر
في العالم تدبير النجوم السبعة؟
قال (عليه السلام): يحتاجون إلى دليل، أن هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير
النجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف.
ثم قال: وإن لكل نجم منها موكل مدبر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين،
فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال.
(1) الأتان: الحمارة.
51
قال الزنديق: فمن قال بالطبائع؟
قال (عليه السلام): القدرية، فذلك قول من لم يملك البقاء ولا صرف الحوادث،
وغيرته الأيام والليالي، لا يرد الهرم، ولا يدفع الأجل، ما يدري ما يصنع به.
قال الزنديق: فأخبرني عمن يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون
ويذهب قرن ويجيء قرن وتفنيهم الأمراض والأعراض وصنوف الآفات،
ويخبرك الآخر عن الأول، وينبئك الخلف عن السلف، والقرون عن القرون،
إنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات، في كل دهر يخرج منه
حكيم عليم بمصلحة الناس، بصير بتأليف الكلام، ويصنف كتابا قد حبره بفطنته،
وحسنه بحكمته، قد جعله حاجزا بين الناس، يأمرهم بالخير ويحثهم عليه، وينهاهم
عن السوء والفساد ويزجرهم عنه، لئلا يتهارشوا، ولا يقتل بعضهم بعضا؟
قال (عليه السلام): ويحك! إن من خرج من بطن أمه أمس، ويرحل عن الدنيا غدا،
لا علم له بما كان قبله ولا ما يكون بعده، ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق
نفسه أو خلقه غيره، أو لم يزل موجودا، فما ليس بشيء ليس يقدر أن يخلق شيئا
وهو ليس بشيء، وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا، يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه،
ولو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث، لأن الأزلي لا تغيره الأيام،
ولا يأتي عليه الفناء، مع أنا لم نجد بناء من غير بان، ولا أثرا من غير مؤثر،
ولا تأليفا من غير مؤلف، فمن زعم أن أباه خلقه، قيل: فمن خلق أباه؟ ولو أن
الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته، وصوره على محبته لملك حياته،
ولجاز فيه حكمه، ولكنه إن مرض فلم ينفعه، وإن مات فعجز عن رده، إن من
استطاع أن يخلق خلقا وينفخ فيه روحا حتى يمشي على رجليه سويا، يقدر أن يدفع
عنه الفساد.
52
قال الزنديق: فما تقول في علم النجوم؟
قال (عليه السلام): هو علم قلت منافعه، وكثرت مضراته، لأنه لا يدفع به المقدور،
ولا يتقى به المحذور، إن المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، إن أخبر هو بخير
لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجم يضاد الله في علمه،
بزعمه أن يرد قضاء الله عن خلقه.
قال الزنديق: فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟
قال (عليه السلام): بل الرسول أفضل.
قال الزنديق: فما علة الملائكة الموكلين بعباده، يكتبون عليهم ولهم،
والله عالم السر وما هو أخفى؟
قال (عليه السلام): استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه، ليكون العباد
لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة، وعن معصيته أشد انقباضا، وكم
من عبد يهم بمعصيته فذكر مكانهما فارعوى وكف، فيقول ربي يراني، وحفظتي علي
بذلك تشهد، وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده، يذبون عنهم مردة الشيطان
وهوام الأرض، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله.
قال الزنديق: فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟
قال (عليه السلام): خلقهم للرحمة، وكان في علمه قبل خلقه إياهم أن قوما منهم
يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية وجحدهم به.
قال الزنديق: يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره، فبم يعذب
من وجده وعرفه؟
قال (عليه السلام): يعذب المنكر لإلهيته عذاب الأبد، ويعذب المقر به عذاب عقوبة
لمعصيته إياه فيما فرض عليه، ثم يخرج، ولا يظلم ربك أحدا.
53
قال الزنديق: فبين الكفر والإيمان منزلة؟
قال (عليه السلام): لا.
قال الزنديق: فما الإيمان؟ وما الكفر؟
قال (عليه السلام): الإيمان: أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله، كتصديقه
بما شاهد من ذلك وعاين. والكفر: الجحود.
قال الزنديق: فما الشرك؟ وما الشك؟
قال (عليه السلام): الشرك هو أن يضم إلى الواحد الذي ليس كمثله شيء آخر.
والشك: ما لم يعتقد قلبه شيئا.
قال الزنديق: أفيكون العالم جاهلا؟
قال (عليه السلام): عالم بما يعلم، وجاهل بما يجهل.
قال الزنديق: فما السعادة؟ وما الشقاوة؟
قال (عليه السلام): السعادة: سبب الخير، تمسك به السعيد فيجره إلى النجاة،
والشقاوة: سبب خذلان، تمسك به الشقي فيجره إلى الهلكة، وكل بعلم الله.
قال الزنديق: أخبرني عن السراج إذا انطفأ، أين يذهب نوره؟
قال (عليه السلام): يذهب فلا يعود.
قال الزنديق: فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك، إذا مات وفارق
الروح البدن لم يرجع إليه أبدا، كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفأ؟
قال (عليه السلام): لم تصب القياس، إن النار في الأجسام كامنة، والأجسام قائمة
بأعيانها كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سقطت من بينهما نار،
تقتبس منها سراج له ضوء، فالنار ثابت في أجسامها والضوء ذاهب. والروح:
جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت، إن الذي خلق
54
في الرحم جنينا من ماء صاف، وركب فيه ضروبا مختلفة، من عروق وعصب
وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك، فهو يحييه بعد موته، ويعيده بعد فنائه.
قال الزنديق: فأين الروح؟
قال (عليه السلام): في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.
قال الزنديق: فمن صلب فأين روحه؟
قال (عليه السلام): في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض.
قال الزنديق: فأخبرني عن الروح أغير الدم؟
قال (عليه السلام): نعم، الروح على ما وصفت لك: مادتها من الدم، ومن الدم
رطوبة الجسم وصفاء اللون وحسن الصوت وكثرة الضحك، فإذا جمد الدم فارق
الروح البدن.
قال الزنديق: فهل يوصف بخفة وثقل ووزن؟
قال (عليه السلام): الروح بمنزلة الريح في الزق، إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها،
فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه، ولا ينقصها خروجها منه، كذلك الروح
ليس لها ثقل ولا وزن.
قال الزنديق: فأخبرني ما جوهر الريح؟
قال (عليه السلام): الريح هواء إذا تحرك يسمى ريحا، فإذا سكن يسمى هواء،
وبه قوام الدنيا، ولو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شيء على وجه الأرض ونتن،
وذلك أن الريح بمنزلة المروحة، تذب وتدفع الفساد عن كل شيء وتطيبه، فهي بمنزلة
الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير، وتبارك الله أحسن الخالقين.
قال الزنديق: أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟
قال (عليه السلام): بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء
55
وتفنى، فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة
سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين.
قال الزنديق: وأنى له بالبعث والبدن قد بلي، والأعضاء قد تفرقت،
فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو صار ترابا بني
مع الطين حائط؟!!
قال (عليه السلام): إن الذي أنشأه من غير شيء، وصوره على غير مثال كان سبق
إليه، قادر أن يعيده كما بدأه.
قال الزنديق: أوضح لي ذلك!
قال (عليه السلام): إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة،
وروح المسئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه الخلق، وما تقذف به
السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب، محفوظ
عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء ووزنها،
وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت
الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم تمخضوا مخض السقاء، فيصير تراب البشر
كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع
تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور
بإذن المصور كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
قال الزنديق: فأخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة؟
قال (عليه السلام): بل يحشرون في أكفانهم.
قال الزنديق: أنى لهم بالأكفان وقد بليت؟
قال (عليه السلام): إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم.
56
قال الزنديق: فمن مات بلا كفن؟
قال (عليه السلام): يستر الله عورته بما يشاء من عنده.
قال الزنديق: أفيعرضون صفوفا؟
قال (عليه السلام): نعم، هم يومئذ عشرون ومائة ألف صف في عرض الأرض.
قال الزنديق: أوليس توزن الأعمال؟
قال (عليه السلام): لا، إن الأعمال ليست بأجسام، وإنما هي صفة ما عملوا،
وإنما يحتاج إلى وزن شيء من جهل عدد الأشياء، ولا يعرف ثقلها أو خفتها،
وإن الله لا يخفى عليه شيء.
قال الزنديق: فما معنى الميزان؟
قال (عليه السلام): العدل.
قال الزنديق: فما معناه في كتابه: (فمن ثقلت موازينه) (1)؟
قال (عليه السلام): فمن رجح عمله.
قال الزنديق: فأخبرني أوليس في النار مقتنع أن يعذب خلقه بها دون
الحيات والعقارب؟
قال (عليه السلام): إنما يعذب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه، إنما شريكه
الذي يخلقه، فيسلط الله عليهم العقارب والحيات في النار ليذيقهم بها وبال ما كذبوا
عليه فجحدوا أن يكون صنعه.
قال الزنديق: فمن أين قالوا: " إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة
يتناولها، فإذا أكلها عادت كهيئتها "؟
(1) الأعراف: 8.
57
قال (عليه السلام): نعم، ذلك على قياس السراج، يأتي القابس فيقتبس عنه،
فلا ينقص من ضوئه شيئا، وقد امتلأت الدنيا منه سراجا.
قال الزنديق: أليسوا يأكلون ويشربون، وتزعم أنه لا يكون لهم الحاجة؟
قال (عليه السلام): بلى، لأن غذاءهم رقيق لا ثقل له، بل يخرج من أجسادهم
بالعرق.
قال الزنديق: فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟
قال (عليه السلام): لأنها خلقت من الطيب لا يعتريها عاهة، ولا يخالط جسمها آفة،
ولا يجري في ثقبها شيء، ولا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة ملدم (1)، إذ ليس فيها
لسوى الإحليل مجرى.
قال الزنديق: فهي تلبس سبعين حلة، ويرى زوجها مخ ساقها من وراء
حللها وبدنها؟
قال (عليه السلام): نعم، كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر
رمح.
قال الزنديق: فكيف تنعم أهل الجنة بما فيه من النعيم، وما منهم أحد
إلا وقد فقد ابنه وأباه أو حميمه أو أمه، فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم
إلى النار، فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار ويعذب؟
قال (عليه السلام): إن أهل العلم قالوا: إنهم ينسون ذكرهم. وقال: بعضهم انتظروا
قدومهم، ورجوا أن يكونوا بين الجنة والنار في أصحاب الأعراف (2).
(1) أي كثيرة اللحم.
(2) الاحتجاج: 336.
58
4 - مناظرة اليماني في النجوم:
وعن أبان بن تغلب أنه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل
من أهل اليمن، فسلم عليه فرد عليه أبو عبد الله، فقال له: مرحبا يا سعد!
فقال الرجل: بهذا الاسم سمتني أمي، وما أقل من يعرفني به. فقال له أبو عبد الله:
صدقت يا سعد المولى. فقال الرجل: جعلت فداك، بهذا اللقب كنت ألقب. فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): لا خير في اللقب، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه:
(ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) (1). ما صناعتك يا سعد؟
قال: جعلت فداك! إنا أهل بيت ننظر في النجوم، لا يقال إن باليمن أحدا
أعلم بالنجوم منا.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كم يزيد ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟
قال اليماني: لا أدري.
فقال (عليه السلام): صدقت، فقال: فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري
درجة؟ قال اليماني: لا أدري.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): صدقت. قال: فكم ضوء عطارد يزيد درجة
على ضوء الزهرة؟ قال اليماني: لا أدري.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): صدقت. قال: فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت
الإبل؟ فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): صدقت. قال: فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت
البقر؟ فقال اليماني: لا أدري.
(1) الحجرات: 11.
59
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): صدقت. قال: فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت
الكلاب؟ فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): صدقت في قولك لا أدري، فما زحل عندكم
في النجوم؟ فقال اليماني: نجم نحس.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تقل هذا، فإنه نجم أمير المؤمنين صلوات الله عليه،
وهو نجم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو النجم الثاقب الذي قال الله تعالى في كتابه (1).
فقال اليماني: فما معنى الثاقب؟
فقال (عليه السلام): إن مطلعه في السماء السابعة، فإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء
الدنيا، فمن ثم سماه الله النجم الثاقب. ثم قال: يا أخا العرب، أعندكم عالم؟
فقال اليماني: جعلت فداك، إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وما يبلغ من علم عالمهم؟
فقال اليماني: إن عالمهم ليزجر الطير، ويقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة
شهر للراكب المحث.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فإن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن.
قال اليماني: وما يبلغ علم عالم المدينة؟
قال: إن علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر، ولا يزجر الطير،
ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس، تقطع اثني عشر برجا، واثني عشر
برا، واثني عشر بحرا، واثني عشر عالما.
(1) وذلك قوله تعالى في سورة الطارق / الآية 1 - 3: (والسماء والطارق * وما أدراك
ما الطارق * النجم الثاقب).
60
فقال له اليماني: ما ظننت أن أحدا يعلم هذا، وما يدري ما كنهه!
قال: ثم قام اليماني وخرج (1).
5 - مناظرة ابن أبي ليلى في الفضاء:
وعن سعيد بن أبي الخضيب (2) قال: دخلت أنا وابن أبي ليلى المدينة،
فبينما نحن في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ دخل جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقمنا إليه،
فسألني عن نفسي وأهلي ثم قال: من هذا معك؟ فقلت: ابن أبي ليلى قاضي
المسلمين!
فقال: نعم. ثم قال (عليه السلام) له: أتأخذ مال هذا فتعطيه هذا، وتفرق بين المرء
وزوجه، ولا تخاف في هذا أحدا؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): فبأي شيء تقضي؟ قال: بما بلغني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وعن أبي بكر وعمر.
قال (عليه السلام): فبلغك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أقضاكم علي بعدي "؟
قال: نعم.
قال (عليه السلام): فكيف تقضي بغير قضاء علي (عليه السلام) وقد بلغك هذا؟!
قال: فاصفر وجه ابن أبي ليلى. ثم قال: التمس مثلا لنفسك، فوالله لا أكلمك
من رأسي كلمة أبدا (3).
(1) الاحتجاج: 352.
(2) سعيد بن أبي الخضيب البجلي: عده الشيخ في رجاله: 205 من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(3) الاحتجاج: 353.
61
6 - مناظرة ابن جريج في حديث: " أن الله يغضب لغضب فاطمة... ":
وعن الحسين بن زيد، عن جعفر الصادق (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال
لفاطمة (عليها السلام): " يا فاطمة، إن الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ".
قال: فقال المحدثون بها. قال: فأتاه ابن جريج (1) فقال: يا أبا عبد الله،
حدثنا اليوم حديثا استهزأه الناس. قال (عليه السلام): وما هو؟
قال: حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام): " إن الله ليغضب
لغضبك، ويرضى لرضاك ".
قال: فقال (عليه السلام): إن الله ليغضب فيما تروون لعبده المؤمن ويرضى لرضاه؟
فقال: نعم.
قال (عليه السلام): فما تنكر أن تكون ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمنة، يرضى الله
لرضاها، ويغضب لغضبها. قال: صدقت، الله أعلم حيث يجعل رسالته (2).
7 - مناظرة ابن أبي العوجاء في بعض آي القرآن الكريم:
وعن حفص بن غياث، قال: شهدت المسجد الحرام وابن أبي العوجاء يسأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها
ليذوقوا العذاب) (3) ما ذنب الغير؟
(1) في المصدر: " ابن جريح "، تصحيف صوابه ما أثبتناه، وهو عبد الملك بن عبد العزيز
ابن جريج القرشي الأموي، مات نحو سنة 150 ه، تهذيب الكمال 18: 338.
(2) الاحتجاج: 354.
(3) النساء: 56.
62
قال (عليه السلام): ويحك هي هي وهي غيرها!
قال الزنديق: فمثل لي ذلك شيئا من أمر الدنيا، قال: نعم، أرأيت لو أن رجلا
أخذ لبنة فكسرها، ثم ردها في ملبنها، فهي هي وهي غيرها.
وروي أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل في قصة إبراهيم (عليه السلام):
(قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) (1)، قال: ما فعله كبيرهم
وما كذب إبراهيم (عليه السلام). قيل: وكيف ذلك؟
فقال (عليه السلام): إنما قال إبراهيم (عليه السلام): فاسألوهم إن كانوا ينطقون، فإن نطقوا
فكبيرهم فعل، وإن لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئا، فما نطقوا، وما كذب
إبراهيم (عليه السلام).
فسأل عن قوله في سورة يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون) (2)؟
قال (عليه السلام): إنهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا ترى أنه قال لهم: (قالوا ماذا
تفقدون قالوا نفقد صواع الملك) (3)؟ ولم يقل سرقتم صواع الملك، إنما سرقوا يوسف
من أبيه.
فسأل عن قول إبراهيم: (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) (4)، قال:
ما كان إبراهيم سقيما، وما كذب، إنما عنى سقيما في دينه، أي مرتادا (5).
(1) الأنبياء: 63.
(2) يوسف: 70.
(3) يوسف: 72.
(4) الصافات: 88.
(5) الاحتجاج: 354.
63
8 - مناظرة في معنى حديث: " اختلاف أمتي رحمة ":
وعن عبد المؤمن الأنصاري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن قوما رووا
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " اختلاف أمتي رحمة "؟ فقال: صدقوا.
قلت: إن كان اختلافهم رحمة، فاجتماعهم عذاب؟
قال: ليس حيث تذهب وذهبوا، إنما أراد الله عز وجل: (فلولا نفر
من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون) (1) أمرهم أن ينفروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويختلفوا إليه ويتعلموا
ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم، إنما أراد اختلافهم في البلدان لا اختلافا في الدين،
إنما الدين واحد.
وروي عنه صلوات الله عليه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " ما وجدتم
في كتاب الله عز وجل فالعمل لكم به ولا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب
الله عز وجل وكانت في سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي، وما لم يكن فيه سنة
مني فما قال أصحابي فقولوا، إنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم، بأيها أخذ
اهتدي، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة ".
قيل: يا رسول الله، من أصحابك؟
قال: أهل بيتي (2).
قال محمد بن الحسين بن بابويه القمي (رضي الله عنه): إن أهل البيت لا يختلفون
(1) التوبة: 122.
(2) الاحتجاج: 355.
64
ولكن يفتون الشيعة بمر الحق، وربما أفتوهم بالتقية فما يختلف من قولهم فهو للتقية،
والتقية رحمة للشيعة، ويؤيد تأويله (رضي الله عنه) أخبار كثيرة.
منها: ما رواه محمد بن سنان، عن نصر الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله
يقول: من عرف من أمرنا: أن لا نقول إلا حقا، فليكتف بما يعلم منا، فإن سمع منا
خلاف ما يعلم، فليعلم أن ذلك منا دفاع واختيار له.
* * *
وعن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا
بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحل ذلك؟
قال (عليه السلام): من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الجبت والطاغوت
المنهي عنه، وما حكم له به فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا له لأنه أخذه بحكم
الطاغوت، ومن أمر الله عز وجل أن يكفر به، قال الله عز وجل: (يريدون
أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به).
قلت: فكيف يصنعان وقد اختلفا؟
قال (عليه السلام): ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا
وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضيا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما،
فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه، فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد، والراد علينا كافر
وراد على الله، وهو على حد من الشرك بالله.
قلت: فإن كان كل واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا، فرضيا أن يكونا
الناظرين في حقهما فيما حكما، فإن الحكمين اختلفا في حديثكم؟
قال (عليه السلام): إن الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث
وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر.
65
قلت: فإنهما عدلان مرضيان، عرفا بذلك لا يفضل أحدهما صاحبه؟
قال (عليه السلام): ينظر الآن إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الحكم الذي حكما،
المجمع عليه بين أصحابك، فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور
عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب به، وإنما الأمور ثلاث: أمر بين رشده فيتبع،
وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد حكمه إلى الله عز وجل وإلى رسوله،
حلال بين، وحرام بين، وشبهات تتردد بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا
من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.
قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقاة عنكم؟
قال (عليه السلام): ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ
به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.
قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة،
ثم وجدنا أحد الخبرين يوافق العامة، والآخر يخالف، بأيهما نأخذ من الخبرين؟
قال (عليه السلام): ينظر إلى ما هم إليه يميلون، فإن ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قلت: جعلت فداك! فإن وافقهم الخبران جميعا؟
قال (عليه السلام): أنظروا إلى ما تميل إليه حكامهم وقضاتهم، فاتركوا جانبا وخذوا
بغيره.
قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟
قال (عليه السلام): إذا كان كذلك فأرجه وقف عنده، حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف
عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات، والله هو المرشد.
جاء هذا الخبر على سبيل التقدير، لأنه قلما يتفق في الأثر أن يرد خبران
مختلفان في حكم من الأحكام، موافقين للكتاب والسنة، وذلك مثل غسل الوجه
66
واليدين في الوضوء لأن الأخبار جاءت بغسلهما مرة مرة، وغسلهما مرتين مرتين
فظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك، بل يحتمل كلتا الروايتين، ومثل ذلك يؤخذ
في أحكام الشرع.
وأما قوله (عليه السلام) - للسائل -: أرجه وقف عنده حتى تلقى إمامك، أمره بذلك
عند تمكنه من الوصول إلى الإمام، فأما إذا كان غائبا ولا يتمكن من الوصول إليه،
والأصحاب كلهم مجمعون على الخبرين، ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما
على الآخر بالكثرة والعدالة، كان الحكم بهما من باب التخيير.
يدل على ما قلنا: ما روي عن الحسن بن الجهم، عن الرضا (عليه السلام)، قال:
قلت للرضا (عليه السلام): تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟
قال (عليه السلام): ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا،
فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يشبههما فليس منا.
قلت: يجيئنا الرجلان، وكلاهما ثقة، بحديثين مختلفين، فلا نعلم أيهما الحق.
فقال (عليه السلام): إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.
ما رواه الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا سمعت من
أصحابك الحديث وكلهم ثقة، فموسع عليك حتى ترى القائم فترده عليه.
وروى سماعة بن مهران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: يرد علينا
حديثان، واحد يأمرنا بالأخذ به، والآخر ينهانا عنه؟
قال (عليه السلام): لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله عنه.
قال: قلت: لا بد من أن نعمل بأحدهما.
قال (عليه السلام): خذ بما فيه خلاف العامة. فقد أمره (عليه السلام) بترك ما وافق العامة،
لأنه يحتمل أن يكون قد ورد مورد التقية، وما خالفهم لا يحتمل ذلك.
67
وروي عنهم (عليهم السلام) أيضا أنهم قالوا: إذا اختلفت أحاديثنا عليكم فخذوا
بما اجتمعت عليه شيعتنا، فإنه لا ريب فيه، وأمثال هذه الأخبار كثيرة لا يحتمل
ذكرها هنا، وما أوردناه عارض ليس هنا موضعه.
9 - مناظرة أبي حنيفة في القياس:
وعن بشير بن يحيى العامري، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت أنا والنعمان
أبو حنيفة على جعفر بن محمد، فرحب بنا فقال (عليه السلام): يا ابن أبي ليلى، من
هذا الرجل؟
فقلت: جعلت فداك، من أهل الكوفة، له رأي وبصيرة ونفاذ.
قال (عليه السلام): فلعله الذي يقيس الأشياء برأيه؟ ثم قال (عليه السلام): يا نعمان،
هل تحسن أن تقيس رأسك؟ قال: لا.
قال (عليه السلام): ما أراك تحسن أن تقيس شيئا، فهل عرفت الملوحة في العينين،
والمرارة في الأذنين، والبرودة في المنخرين، والعذوبة في الفم؟ قال: لا.
قال (عليه السلام): فهل عرفت كلمة أولها كفر وآخرها إيمان؟ قال: لا.
قال ابن أبي ليلى: قلت: جعلت فداك، لا تدعنا في عمياء مما وصفت.
قال (عليه السلام): نعم، حدثني أبي، عن آبائه (عليهم السلام)، أن رسول الله قال: إن الله
خلق عيني ابن آدم من شحمتين فجعل فيهما الملوحة، فلولا ذلك لذابتا ولم يقع فيهما
شيء من القذى إلا أذابه، والملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى، وجعل المرارة
في الأذنين حجابا للدماغ، وليس من دابة تقع في الأذن إلا التمست الخروج،
ولولا ذلك لوصلت إلى الدماغ فأفسدته، وجعل الله البرودة في المنخرين حجابا
للدماغ، ولولا ذلك لسال الدماغ، وجعل العذوبة في الفم منا من الله تعالى
68
على ابن آدم ليجد لذة الطعام والشراب.
وأما كلمة أولها كفر وآخرها إيمان، فقول لا إله إلا الله. ثم قال (عليه السلام):
يا نعمان، إياك والقياس، فإن أبي حدثني عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله قال:
من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه الله تبارك وتعالى مع إبليس، فإنه أول
من قاس حيث قال: خلقتني من نار وخلقته من طين، فدعوا الرأي والقياس،
فإن دين الله لم يوضع على القياس (1).
10 - مناظرة أبي حنيفة في القياس والرأي:
وفي رواية أخرى: أن الصادق (عليه السلام) قال لأبي حنيفة لما دخل عليه:
من أنت؟ قال: أبو حنيفة.
قال (عليه السلام): مفتي أهل العراق؟ قال: نعم.
قال: بما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله.
قال (عليه السلام): وإنك لعالم بكتاب الله، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه؟
قال: نعم.
قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل: (وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي
وأياما آمنين) (2) أي موضع هو؟
قال أبو حنيفة: هو ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) إلى
جلسائه، وقال (عليه السلام): نشدتكم بالله، هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون
(1) الاحتجاج: 358.
(2) سبأ: 17.
69
على دمائكم من القتل، وعلى أموالكم من السرق؟ فقالوا: اللهم نعم.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ويحك يا أبا حنيفة! إن الله لا يقول إلا حقا،
أخبرني عن قول الله عز وجل: (ومن دخله كان آمنا) (1)، أي موضع هو؟
قال: ذلك بيت الله الحرام، فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) إلى جلسائه وقال (عليه السلام):
نشدتكم بالله هل تعلمون: أن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا
القتل؟ قالوا: اللهم نعم.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ويحك يا أبا حنيفة! إن الله لا يقول إلا حقا.
فقال أبو حنيفة: ليس لي علم بكتاب الله، إنما أنا صاحب قياس.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): فانظر في قياسك - إن كنت مقيسا - أيما أعظم عند الله
القتل أم الزنا؟ قال: بل القتل.
قال: فكيف رضى في القتل بشاهدين، ولم يرض في الزنا إلا بأربعة؟!
ثم قال (عليه السلام) له: الصلاة أفضل أم الصيام؟ قال: بل الصلاة أفضل.
قال (عليه السلام): فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة
في حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون
الصلاة.
قال له (عليه السلام): البول أقذر أم المني؟ قال: البول أقذر.
قال (عليه السلام): يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني،
وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.
قال: إنما أنا صاحب رأي.
(1) آل عمران: 97.
70
قال (عليه السلام): فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة،
فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة، ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد،
وولدتا غلامين، فسقط البيت عليهم، فقتل المرأتين وبقي الغلامان، أيهما في رأيك
المالك، وأيهما المملوك؟ وأيهما الوارث، وأيهما الموروث؟
قال: إنما أنا صاحب حدود.
قال (عليه السلام): فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح، وأقطع قطع يد رجل،
كيف يقام عليهما الحد؟
قال: إنما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء.
قال (عليه السلام): فأخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون:
(لعله يتذكر أو يخشى) (1)، و " لعل " منك شك؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): وكذلك من الله شك إذ قال: " لعله "؟ قال أبو حنيفة: لا علم لي.
قال (عليه السلام): تزعم أنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه، وتزعم أنك
صاحب قياس وأول من قاس إبليس لعنه الله ولم يبن دين الإسلام على القياس،
وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صوابا ومن دونه
خطأ؛ لأن الله تعالى قال: (فاحكم بينهم بما أراك الله) (2) ولم يقل ذلك لغيره،
وتزعم أنك صاحب حدود، ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك، وتزعم أنك عالم
بمباعث الأنبياء، ولخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك، ولولا أن يقال: دخل
على ابن رسول الله فلم يسأله عن شيء، ما سألتك عن شيء، فقس إن كنت
مقيسا.
(1) طه: 44.
(2) المائدة: 51.
71
قال أبو حنيفة: لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.
قال الإمام (عليه السلام): كلا، إن حب الرئاسة غير تاركك، كما لم يترك من
كان قبلك... تمام الخبر (1).
* * *
وعن عيسى بن عبد الله القرشي، قال: دخل أبو حنيفة على
أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا أبا حنيفة، قد بلغني أنك تقيس، فقال: نعم.
فقال: لا تقس، فإن أول من قاس إبليس لعنه الله حين قال: (خلقتني
من نار وخلقته من طين)، فقاس بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار
وعرف ما بين النورين، وصفاء أحدهما على الآخر.
* * *
وعن الحسن بن محبوب، عن سماعة، قال: قال أبو حنيفة لأبي عبد الله (عليه السلام):
كم بين المشرق والمغرب؟
قال: قال مسيرة يوم للشمس بل أقل من ذلك، قال: فاستعظمه.
قال: يا عاجز، لم تنكر هذا، إن الشمس تطلع من المشرق، وتغرب
في المغرب في أقل من يوم... تمام الخبر.
11 - مناظرة بعض المعتزلة في الإمامة والعقائد:
عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة إذ دخل
عليه أناس من المعتزلة، فيهم عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وحفص بن سالم
(1) الاحتجاج: 360.
72
وأناس من رؤسائهم، وذلك أنه حين قتل الوليد، واختلف أهل الشام بينهم،
فتكلموا فأكثروا وخطبوا فأطالوا.
فقال لهم أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): إنكم قد أكثرتم علي فأطلتم،
فأسندوا أمركم إلى رجل منكم، فليتكلم بحجتكم وليوجز. فأسندوا أمرهم
إلى عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال، فكان فيما قال أن قال:
قتل أهل الشام خليفتهم، وضرب الله بعضهم ببعض، وتشتت أمرهم،
فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل ومروءة، ومعدن للخلافة، وهو محمد
ابن عبد الله بن الحسن، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثم نظهر أمرنا معه، وندعو
الناس إليه، فمن بايعه كنا معه وكان منا، ومن اعتزلنا كففنا عنه، ومن نصب لنا
جاهدناه ونصبنا له على بغيه ونرده إلى الحق وأهله، وقد أحببنا أن نعرض ذلك
عليك، فإنه لا غنى بنا عن مثلك، لفضلك ولكثرة شيعتك.
فلما فرغ، قال أبو عبد الله (عليه السلام): أكلكم على مثل ما قال عمرو؟ قالوا: نعم،
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال (عليه السلام): إنما نسخط إذا عصي الله،
فإذا أطيع الله رضينا، أخبرني يا عمرو، لو أن الأمة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال
ولا مؤونة، فقيل لك: " ولها من شئت "، من كنت تولي؟
قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين. قال: بين كلهم؟ قال:
نعم.
فقال (عليه السلام): بين فقهائهم وخيارهم؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): قريش وغيرهم؟ قال: العرب والعجم.
قال (عليه السلام): فأخبرني يا عمرو أتتولى أبا بكر وعمر أو تتبرأ منهما؟ قال:
أتولاهما.
73
قال (عليه السلام): يا عمرو، إن كنت رجلا تتبرأ منهما، فإنه يجوز لك الخلاف عليهما،
وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما، قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحدا،
ثم ردها أبو بكر عليه ولم يشاور أحدا، ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فخرج منها
الأنصار غير أولئك الستة من قريش، ثم أوصى الناس فيهم بشيء ما أراك ترضى
أنت ولا أصحابك. قال: وما صنع.
قال: أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام، وأن يتشاور أولئك الستة
ليس فيهم أحد سواهم إلا ابن عمر ويشاورونه وليس له من الأمر شيء، وأوصى
من كان بحضرته من المهاجرين والأنصار - إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغوا
ويبايعوه - أن تضرب أعناق الستة جميعا، وإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة
أيام وخالف اثنان أن تضرب أعناق الاثنين، أفترضون بهذا فيما تجعلون
من الشورى بين المسلمين؟ قالوا: لا.
قال (عليه السلام): يا عمرو، دع ذا، أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إليه،
ثم اجتمعت لكم الأمة ولم يختلف عليكم منها رجلان، فأفضيتم إلى المشركين
الذين لم يسلموا ولم يؤدوا الجزية، كان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون
فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المشركين في الجزية؟ قالوا: نعم.
قال: فتصنعون ماذا؟ قالوا: ندعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا دعوناهم
إلى الجزية.
قال (عليه السلام): فإن كانوا مجوسا وأهل كتاب وعبدة النيران والبهائم وليسوا بأهل
كتاب؟ قالوا: سواء.
قال (عليه السلام): فأخبروني عن القرآن، أتقرؤونه؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): إقرأ (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون
74
ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون) (1)، قال (عليه السلام): فاستثنى الله عز وجل واشترط من الذين
أوتوا الكتاب، فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): عمن أخذت هذا؟ قال: سمعت الناس يقولونه.
قال (عليه السلام): فدع ذا، فإنهم إن أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم، كيف تصنع
بالغنيمة؟ قال: أخرج الخمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليها.
قال (عليه السلام): تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): فقد خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فعله وفي سيرته، وبيني وبينك
فقهاء أهل المدينة ومشيختهم، فسلهم فإنهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن
رسول الله إنما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم وأن لا يهاجروا،
على أنه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم، وليس لهم من الغنيمة
نصيب، وأنت تقول بين جميعهم، فقد خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سيرته
في المشركين. دع ذا، ما تقول في الصدقة؟
قال: فقرأ عليه هذه الآية: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين
عليها...) (2) إلى آخرها. قال (عليه السلام): نعم، فكيف تقسم بينهم؟
قال: أقسمها على ثمانية أجزاء، فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا.
فقال (عليه السلام): إن كان صنف منهم عشرة آلاف، وصنف رجلا واحدا
أو رجلين أو ثلاثة، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم.
(1) التوبة: 29.
(2) التوبة: 60.
75
قال (عليه السلام): وما تصنع بين صدقات أهل الحضر وأهل البوادي، فتجعلهم فيها
سواء؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): فخالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل ما أتى به، كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي، وصدقة الحضر في أهل
الحضر، ولا يقسم بينهم بالسوية، إنما يقسمه قدر ما يحضره منهم، وعلى قدر
ما يحضره، فإن كان في نفسك شيء مما قلت لك فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم،
كلهم لا يختلفون في أن رسول الله كذا كان يصنع، ثم أقبل على عمرو، وقال:
اتق الله يا عمرو، وأنتم أيضا [أيها] الرهط، فاتقوا الله، فإن أبي
حدثني - وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله - أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه، وفي
المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضال متكلف " (1).
12 - أصحاب الصادق (عليه السلام) يناظرون بحضرته:
وروي عن يونس بن يعقوب، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فورد عليه
رجل من أهل الشام، فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض، وقد جئت
لمناظرة أصحابك.
فقال له أبو عبد الله: كلامك هذا من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من عندك؟
فقال: من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعضه ومن عندي بعضه.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فأنت إذن شريك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! قال: لا.
(1) الاحتجاج: 362.
76
قال (عليه السلام): فسمعت الوحي من الله تعالى؟ قال: لا.
قال (عليه السلام): فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: لا.
قال: فالتفت إلي أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: يا يونس، هذا خصم نفسه
قبل أن يتكلم.
ثم قال (عليه السلام): يا يونس، لو كنت تحسن الكلام كلمته. قال يونس: فيا لها
من حسرة. فقلت: جعلت فداك، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب
الكلام يقولون: هذا ينقاد [وهذا لا ينقاد]، وهذا ينساق وهذا لا ينساق،
وهذا نعقله وهذا لا نعقله!
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما قلت ويل لقوم تركوا قولي بالكلام،
وذهبوا إلى ما يريدون. ثم قال: أخرج إلى الباب فمن ترى من المتكلمين
فأدخله.
قال: فخرجت فوجدت حمران بن أعين، وكان يحسن الكلام، ومحمد
ابن نعمان الأحول وكان متكلما، وهشام بن سالم، وقيس الماصر وكانا متكلمين،
وكان قيس عندي أحسنهم كلاما، وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين،
فأدخلتهم، فلما استقربنا المجلس، وكنا في خيمة لأبي عبد الله (عليه السلام) في طرف جبل
في طريق الحرم، وذلك قبل الحج بأيام، فأخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة،
فإذا هو ببعير يخب، قال: هشام ورب الكعبة.
قال: وكنا ظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل، وكان شديد المحبة
لأبي عبد الله، فإذا هشام بن الحكم، وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا
إلا من هو أكبر منه سنا، فوسع له أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: " ناصرنا بقلبه ولسانه
ويده "، ثم قال لحمران: كلم الرجل - يعني: الشامي -.
77
فكلمه حمران وظهر عليه ثم قال: يا طاقي كلمه، فكلمه فظهر عليه
محمد بن نعمان مؤمن الطاق. ثم قال لهشام بن سالم: كلمه. فتعارفا، ثم قال
لقيس الماصر: كلمه، وأقبل أبو عبد الله (عليه السلام) يتبسم من كلامهما، وقد استخذل
الشامي في يده، ثم قال للشامي: كلم هذا الغلام - يعني: هشام بن الحكم -
فقال: نعم.
ثم قال الشامي لهشام: يا غلام، سلني في إمامة هذا - يعني
أبا عبد الله (عليه السلام) -.
فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال له: أخبرني يا هذا أربك أنظر لخلقه،
أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه.
قال: ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟ قال: كلفهم وأقام لهم حجة ودليلا
على ما كلفهم به، وأزاح في ذلك عللهم.
فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟ قال الشامي: هو
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال هشام: فبعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من؟ قال: الكتاب والسنة.
فقال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه، حتى رفع عنا
الاختلاف، ومكننا من الاتفاق؟ فقال الشامي: نعم.
قال هشام: فلم اختلفنا نحن وأنت، جئتنا من الشام تخالفنا، وتزعم
أن الرأي طريق الدين، وأنت مقر بأن الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين؟
فسكت الشامي كالمفكر، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما لك لا تتكلم؟
قال: إن قلت: إنا ما اختلفنا كابرت، وإن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان
عنا الاختلاف أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك.
78
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): سله تجده مليا. فقال الشامي لهشام: من أنظر
للخلق ربهم أم أنفسهم؟ فقال: بل ربهم أنظر لهم.
فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم
حقهم من باطلهم؟ فقال هشام: نعم.
قال الشامي: من هو؟ قال هشام: أما في ابتداء الشريعة
فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعترته.
قال الشامي: من هو عترة النبي القائم مقامه في حجته؟ قال هشام: في وقتنا
هذا أم قبله؟
قال الشامي: بل في وقتنا هذا. قال هشام: هذا الجالس، يعني:
أبا عبد الله (عليه السلام)، الذي تشد إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن جده.
قال الشامي: وكيف لي بعلم ذلك؟ فقال هشام: سله عما بدا لك.
قال الشامي: قطعت عذري، فعلي السؤال. فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
أنا أكفيك المسألة يا شامي، أخبرك عن مسيرك وسفرك، خرجت يوم كذا،
وكان طريقك كذا، ومررت على كذا، ومر بك كذا. فأقبل الشامي كلما وصف له
شيئا من أمره يقول: " صدقت والله "، فقال الشامي: أسلمت لله الساعة.
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): بل آمنت بالله الساعة، إن الإسلام قبل الإيمان
وعليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون. قال: صدقت، فأنا الساعة
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإنك وصي الأنبياء.
قال: فأقبل أبو عبد الله (عليه السلام) على حمران فقال: يا حمران، تجري الكلام
على الأثر فتصيب. فالتفت إلى هشام بن سالم فقال: تريد الأثر ولا تعرف.
ثم التفت إلى الأحول فقال: قياس رواغ، تكسر باطلا بباطل، إلا أن باطلك أظهر.
79
ثم التفت إلى قيس الماصر فقال: تكلم وأقرب ما يكون من الخبر عن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبعد ما تكون منه، تمزج الحق بالباطل، وقليل الحق يكفي من كثير
الباطل، أنت والأحول قفازان حاذقان.
قال يونس بن يعقوب: فظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما،
فقال: يا هشام، لا تكاد تقع تلوي رجليك، إذ هممت بالأرض طرت، مثلك
فليكلم الناس، اتق الزلة، والشفاعة من ورائك (1).
والملاحظ من هذه المناظرة أنه (عليه السلام) يوجه أصحابه إلى انتهاج أسلوب الجدل
بالحق وبالتي هي أحسن، ويحذرهم من الوقوع في الباطل والجدل العقيم
الذي لا يهدي إلى سواء السبيل، ويهديهم (عليه السلام) إلى أسس الكلام مبينا لهم خير
أسوة منهم وهو هشام بن الحكم، ليكون مثالا لهم في سلوك طريق الحق في الكلام،
وقدوة في انتهاج سبيل المناظرة والاحتجاج.
13 - مناظرة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد في الإمامة:
وعن يونس بن يعقوب، قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه
فيهم حمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وجماعة من أصحابه،
فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله: يا هشام. قال: لبيك
يا ابن رسول الله!
قال: ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ قال هشام:
جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أجلك وأستحييك، ولا يعمل لساني بين يديك.
(1) الاحتجاج: 364.
80
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أمرتكم بشيء فافعلوه.
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة،
وعظم ذلك علي، فخرجت إليه، ودخلت البصرة يوم الجمعة، وأتيت مسجد
البصرة، فإذا أنا بحلقة كبيرة، وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها
من صوف وشملة مرتد بها، والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي،
ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي، ثم قلت:
أيها العالم، أنا رجل غريب، أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: اسأل.
قلت له: ألك عين؟ قال: يا بني أي شيء هذا من السؤال، إذن كيف تسأل عنه؟
فقلت: هذه مسألتي. فقال: يا بني سل، وإن كانت مسألتك حمقى. قلت:
أجبني فيها، قال: فقال لي: سل. فقلت: ألك عين؟ قال: نعم.
قال: قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص. قال: قلت:
ألك أنف؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة.
قال: قلت: ألك لسان؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: أتكلم به.
قال: قلت: ألك أذن؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها
الأصوات.
قال: قلت: ألك يدان؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أبطش بهما،
وأعرف بهما اللين من الخشن.
قال: قلت: ألك رجلان؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع بهما؟ قال:
أنتقل بهما من مكان إلى مكان.
قال: قلت: ألك فم؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أعرف به
المطاعم والمشارب على اختلافها.
81
قال: قلت: ألك قلب؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به
كلما ورد على هذه الجوارح.
قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا.
قلت: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟
قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته ردته
إلى القلب، فتيقن بها اليقين وأبطل الشك.
قال: فقلت: فإنما أقام الله عز وجل القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم.
قلت: لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح، قال: نعم.
قلت: يا أبا مروان، إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها
إماما، يصحح لها الصحيح وينفي ما شكت فيه، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم
وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم، ويقيم لك إماما
لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟!
قال: فسكت ولم يقل لي شيئا. قال: ثم التف إلي فقال لي: أنت هشام؟
قال: قلت: لا، فقال لي: أجالسته؟ فقلت: لا. قال: فمن أين أنت؟ قلت:
من أهل الكوفة.
قال: فأنت إذن هو. ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه، وما نطق حتى قمت.
فضحك أبو عبد الله، ثم قال: يا هشام، من علمك هذا؟
قلت: يا ابن رسول الله؟ جرى على لساني. قال: يا هشام، هذا والله
مكتوب في صحف إبراهيم وموسى (1).
(1) الاحتجاج: 367.
82
14 - موافقة الصادق (عليه السلام) لرجل من الشيعة استعمل التورية في المناظرة:
وبالإسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) أنه قال: قال بعض
المخالفين بحضرة الصادق (عليه السلام) لرجل من الشيعة: ما تقول في العشرة من الصحابة؟
قال: أقول فيهم القول الجميل الذي يحط الله به سيئاتي، ويرفع به
درجاتي.
قال السائل: الحمد لله على ما أنقذني من بغضك، كنت أظنك رافضيا تبغض
الصحابة. فقال الرجل: ألا من أبغض واحدا من الصحابة فعليه لعنة الله.
قال: لعلك تتأول ما تقول، فمن أبغض العشرة من الصحابة؟
فقال: من أبغض العشرة من الصحابة فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين. فوثب فقبل رأسه فقال: اجعلني في حل مما قذفتك به من الرفض قبل
اليوم.
قال: أنت في حل وأنت أخي، ثم انصرف السائل، فقال له الصادق (عليه السلام):
جودت، لله درك! لقد عجبت الملائكة من حسن توريتك وتلفظك بما خلصك
ولم تثلم دينك، زاد الله في قلوب مخالفينا غما إلى غم، وحجب عنهم مراد منتحلي
مودتنا في تقيتهم.
فقال أصحاب الصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله، ما عقلنا من كلام هذا
إلا موافقته لهذا المتعنت الناصب.
فقال الصادق (عليه السلام): لئن كنتم لم تفهموا ما عنى فقد فهمنا نحن، فقد شكره الله
له، إن ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا، إذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من مخالفيه،
وفقه لجواب يسلم معه دينه وعرضه، ويعظم الله بالتقية ثوابه، إن صاحبكم هذا
83
قال: من عاب واحدا منهم فعليه لعنة الله. أي: من عاب واحدا منهم، هو:
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وقال في الثانية: من عابهم وشتمهم فعليه لعنة الله، وقد صدق لأن من
عابهم فقد عاب عليا (عليه السلام) لأنه أحدهم، فإذا لم يعب عليا ولم يذمه فلم يعبهم جميعا
وإنما عاب بعضهم، ولقد كان لحزقيل المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا به
إلى فرعون مثل هذه التورية، كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله ونبوة موسى،
وتفضيل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع رسل الله وخلقه، وتفضيل علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) والخيار من الأئمة على سائر أوصياء النبيين، وإلى البراءة
من فرعون، فوشى به واشون إلى فرعون وقالوا: إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك،
ويعين أعداءك على مضادتك.
فقال لهم فرعون: ابن عمي وخليفتي في ملكي وولي عهدي، إن كان قد فعل
ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره نعمتي، وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم
أشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءته، فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه
وقالوا: أنت تجحد ربوبية الملك وتكفر نعماءه.
فقال حزقيل: أيها الملك هل جربت علي كذبا قط. قال: لا.
قال: فسلهم من ربهم؟ قالوا: فرعون. قال: ومن خلقكم؟ قالوا: فرعون
هذا.
قال: ومن رازقكم الكافل لمعايشكم، والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا:
فرعون هذا.
قال حزقيل: أيها الملك فأشهدك وكل من حضرك: أن ربهم هو ربي،
وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي،
84
لا رب لي ولا خالق غير ربهم وخالقهم ورازقهم، وأشهدك ومن حضرك:
أن كل رب وخالق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا بريء منه ومن ربوبيته
وكافر بإلهيته.
يقول حزقيل هذا وهو يعني: أن ربهم هو الله ربي، ولم يقل إن الذي قالوا هم
أنه ربهم هو ربي، وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره، وتوهموا أنه يقول:
فرعون ربي وخالقي ورازقي.
فقال لهم: يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة
بيني وبين ابن عمي وهو عضدي، أنتم المستحقون لعذابي لإرادتكم فساد أمري
وهلاك ابن عمي والفت في عضدي، ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم
وتدا وفي صدره وتدا، وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من
أبدانهم، فذلك ما قال الله تعالى: (فوقاه الله سيئات ما مكروا) (1) لما وشوا به
إلى فرعون ليهلكوه، وحاق بآل فرعون سوء العذاب، وهم الذين وشوا بحزقيل
إليه لما أوتد فيهم الأوتاد، ومشط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط (2).
ومثل هذه التورية قد كانت لأبي عبد الله (عليه السلام) في مواضع كثيرة.
وكان الصادق (عليه السلام) يقول: علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلوب، ونقر
في الأسماع، وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة (عليها السلام)،
وعندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس.
فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: أما الغابر: فالعلم بما يكون، والمزبور:
(1) غافر: 45.
(2) الاحتجاج: 370.
85
فالعلم بما كان، وأما النكت في القلوب: فهو الإمام، والنقر في الأسماع:
فحديث الملائكة، نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم، وأما الجفر الأحمر: فوعاء فيه
توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داوود وكتب الله، وأما مصحف فاطمة: ففيه
ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.
وأما الجامعة: فهو كتاب طوله سبعون ذراعا، إملاء رسول الله من فلق فيه
وخط علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم
القيامة، حتى أن فيه أرش الخدش، والجلدة ونصف الجلدة.
ولقد كان زيد بن علي بن الحسين يطمع أن يوصي إليه أخوه الباقر (عليه السلام)
ويقيمه مقامه في الخلافة بعده، مثل ما كان يطمع في ذلك محمد بن الحنفية بعد وفاة
أخيه الحسين صلوات الله عليه، حتى رأى من ابن أخيه زين العابدين (عليه السلام)
من المعجزة الدالة على إمامته ما رأى، وقد تقدم ذكره في هذا الكتاب، فكذلك زيد
رجا أن يكون القائم مقام أخيه الباقر صلوات الله عليه، حتى سمع ما سمع من أخيه
ورأى ما رأى من ابن أخيه أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
فمن ذلك: ما رواه صدقة بن أبي موسى، عن أبي بصير، قال: لما حضر
أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) الوفاة، دعا بابنه الصادق (عليه السلام) ليعهد إليه عهدا، فقال له
أخوه زيد بن علي:
لما امتثلت في مثال الحسن والحسين (عليه السلام) رجوت أن لا تكون أتيت منكرا.
فقال له الباقر (عليه السلام): يا أبا الحسين، إن الأمانات ليست بالمثال، ولا العهود
بالرسوم، إنما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى، ثم دعا بجابر
ابن عبد الله الأنصاري فقال: يا جابر، حدثنا بما عاينت من الصحيفة؟
فقال له: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
86
لأهنيها بولادة الحسن (عليه السلام)، فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة، فقلت:
يا سيدة النسوان، ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء أئمة
من ولدي.
قلت لها: ناوليني لأنظر فيها! قالت: يا جابر، لولا النهي لكنت أفعل،
ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي، أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك
أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر: فقرأت فإذا فيها: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى
ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمه آمنة.
أبو الحسن علي بن أبي طالب (عليه السلام) المرتضى، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم
ابن عبد مناف.
أبو محمد الحسن بن علي البر التقي. أبو عبد الله الحسين بن علي، أمهما فاطمة
بنت محمد.
أبو محمد علي بن الحسين العدل، أمه شهر بانويه بنت يزدجرد
ابن شهريار.
أبو جعفر محمد بن علي الباقر، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي
ابن أبي طالب.
أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد
ابن أبي بكر.
أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة، أمه جارية اسمها: " حميدة "
المصفاة.
أبو الحسن علي بن موسى الرضا، أمه جارية اسمها: " نجمة ".
87
أبو جعفر محمد بن علي الزكي، أمه جارية اسمها: " خيزران ".
أبو الحسن علي بن محمد الأمين، أمه جارية اسمها: " سوسن ".
أبو محمد الحسن بن علي الرضي، أمه جارية اسمها: " سمانة " تكنى أم الحسن.
أبو القاسم محمد بن الحسن، وهو الحجة القائم، أمه جارية اسمها: " نرجس "
صلوات الله عليهم أجمعين.
* * *
وعن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية: (ثم أورثنا
الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (1)؟ قال: أي شيء تقول؟ قلت: إني أقول
إنها خاصة لولد فاطمة.
فقال (عليه السلام): أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد
فاطمة وغيرهم فليس بداخل في الآية.
قلت: من يدخل فيها؟ قال: الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلى ضلال
ولا هدى، والمقتصد منا أهل البيت: العارف حق الإمام، والسابق بالخيرات:
هو الإمام.
* * *
عن محمد بن أبي عمير الكوفي، عن عبد الله بن الوليد السمان، قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): ما يقول الناس في أولي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
قال: قلت: ما يقدمون على أولي العزم أحدا.
قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى قال لموسى: (وكتبنا له
(1) الأعراف: 145.
88
في الألواح من كل شيء موعظة) (1) ولم يقل كل شيء موعظة، وقال لعيسى:
(وليبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) (2) ولم يقل كل شيء، وقال لصاحبكم
أمير المؤمنين (عليه السلام): (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (3)،
وقال الله عز وجل: (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (4) وعلم هذا الكتاب
عنده.
* * *
وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول:
إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل، قلت له: ولم جعلت
فداك؟
قال: الأمر لا يؤذن لي في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال: وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله
تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه
الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام)
إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل، إن هذا الأمر أمر من الله وسر من سر الله وغيب
من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة،
وإن كان وجهها غير منكشف.
(1) الأعراف: 145.
(2) الزخرف: 63.
(3) الرعد: 43.
(4) الأنعام: 59.
89
15 - مناظرة الزنادقة في إعجاز القرآن:
وعن هشام بن الحكم، قال: اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني
الزنديق وعبد الملك البصري وابن المقفع عند بيت الله الحرام، يستهزءون بالحاج
ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن وميعادنا
من قابل في هذا الموضع، نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإن في نقض القرآن
إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام وإثبات ما نحن فيه. فاتفقوا
على ذلك وافترقوا، فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال
ابن أبي العوجاء:
أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) (1)
فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئا، فشغلتني هذه الآية
عن التفكر في ما سواها.
فقال عبد الملك: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (يا أيها الناس
ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له
وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) (2) ولم أقدر
على الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (لو كان فيهما آلهة
(1) يوسف: 80.
(2) الحج: 73.
90
إلا الله لفسدتا) (1) لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم، إن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا
منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض
الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) (2) لم أبلغ غاية
المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم: فبينما هم في ذلك، إذ مر بهم جعفر بن محمد
الصادق (عليه السلام) فقال: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (3) فنظر القوم بعضهم إلى بعض
وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمد إلا إلى جعفر بن محمد،
والله ما رأيناه قط إلا هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته، ثم تفرقوا مقرين
بالعجز (4).
* * *
وقد جاءت الآثار عن الأئمة الأبرار (عليهم السلام): بفضل من نصب نفسه من علماء
شيعتهم لمنع أهل البدعة والضلال عن التسلط على ضعفاء الشيعة ومساكينهم وقمعهم
بحسب تمكنهم وطاقتهم، فمن ذلك ما روي عن أبي محمد الحسن بن علي
العسكري (عليه السلام) أنه قال:
(1) الأنبياء: 24.
(2) هود: 44.
(3) الإسراء: 88.
(4) الاحتجاج: 377.
91
قال جعفر بن محمد (عليه السلام): علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس
وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس
وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم
والترك والخزر ألف ألف مرة؛ لأنه يدفع عن أديان محبينا، وذلك يدفع عن أبدانهم.
16 - مناظرة سفيان الثوري وبعض المتصوفة في الزهد:
دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله (عليه السلام) فرأى عليه ثيابا بيضا
كأنها غرقىء البيض (1) فقال له: إن هذا ليس من لباسك. فقال (عليه السلام) له: اسمع مني
وع ما أقول لك فإنه خير لك عاجلا وآجلا إن كنت أنت مت على السنة والحق
ولم تمت على بدعة، أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في زمان مقفر جشب (2)
فإذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها، ومؤمنوها لا منافقوها،
ومسلموها لا كفارها. فما أنكرت يا ثوري، فوالله - إني لمع ما ترى - ما أتى علي
مذ عقلت صباح ولا مساء ولله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا
إلا وضعته.
فقال: ثم أتاه قوم ممن يظهر التزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم
على مثل الذي هم عليه من التقشف، فقالوا: إن صاحبنا حصر من كلامك
ولم تحضره حجة.
فقال (عليه السلام) لهم: هاتوا حججكم. فقالوا: إن حججنا من كتاب الله.
(1) غرقئ البيض: القشرة الرقيقة الملتصقة ببياض البيض.
(2) القفر: خلو الأرض من الماء والكلأ.
92
قال (عليه السلام) لهم: فأدلوا بها، فإنها أحق ما اتبع وعمل به. فقالوا: يقول الله
تبارك وتعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ويؤثرون على أنفسهم
ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (1)، فمدح فعلهم،
وقال في موضع آخر: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (2)
فنحن نكتفي بهذا.
فقال رجل من الجلساء: إنا ما رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة،
ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تتمتعوا أنتم بها.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): دعوا عنكم ما لا ينتفع به، أخبروني أيها النفر،
ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه من متشابهه، الذي في مثله ضل
من ضل وهلك من هلك من هذه الأمة؟ فقالوا له: بعضه، فأما كله فلا.
فقال (عليه السلام) لهم: من هاهنا أوتيتم. وكذلك أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وأما ما ذكرتم من إخبار الله إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم ليحسن
فعالهم فقد كان مباحا جائزا، ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على الله،
وذلك أن الله عز وجل وتقدس أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لفعلهم.
وكان نهى تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين ونظرا لكيلا يضروا بأنفسهم
وعيالاتهم، منهم الضعفة الصغار والولدان والشيخ الفان والعجوز الكبيرة الذين
لا يصبرون على الجوع، فإن تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا
جوعا، فمن ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير
(1) سورة الحشر، الآية 9.
(2) سورة الإنسان، الآية 8.
93
أو دراهم يملكها الإنسان وهو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على
والديه، ثم الثانية على نفسه وعياله، ثم الثالثة على القرابة وإخوانه المؤمنين،
ثم الرابعة على جيرانه الفقراء، ثم الخامسة في سبيل الله وهو أخسها أجرا ".
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للأنصاري - حيث أعتق عند موته خمسة أو ستة
من الرقيق، ولم يكن يملك غيرهم وله أولاد صغار -: " لو أعلمتموني أمره
ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين، ترك صبية صغارا يتكففون الناس ".
ثم قال: حدثني أبي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " ابدأ بمن تعول، الأدنى
فالأدنى ".
ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا عنه مفروض من الله العزيز
الحكيم قال: (الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (1)،
أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى غير ما أراكم تدعون إليه والمسرفين، وفي غير آية
من كتاب الله يقول: (إنه لا يحب المسرفين) (2) فنهاهم عن الإسراف ونهاهم
عن التقتير، لكن أمر بين أمرين، لا يعطي جميع ما عنده، ثم يدعو الله أن يرزقه
فلا يستجيب له، للحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن أصنافا من أمتي
لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب
له بمال ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده،
ورجل يقعد في البيت ويقول: يا رب ارزقني، ولا يخرج بطلب الرزق، فيقول الله
جل وعز: عبدي، أو لم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح
(1) سورة الفرقان، الآية 67.
(2) سورة الأنعام، الآية 141، وسورة الأعراف، الآية 31.
94
صحيحة، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري، ولكيلا تكون
كلا على أهلك، فإن شئت رزقتك، وإن شئت قترت عليك وأنت معذور عندي،
ورجل رزقه الله مالا كثيرا فأنفقه ثم أقبل يدعو. يا رب ارزقني، فيقول الله:
ألم أرزقك رزقا واسعا، أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك ولم تسرف وقد نهيتك،
ورجل يدعو في قطيعة رحم ".
ثم علم الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف ينفق، وذلك أنه كانت عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) أوقية
من ذهب فكره أن يبيت عنده شيء فتصدق وأصبح ليس عنده شيء. وجاءه
من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل، واغتم هو (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لم يكن
عنده ما يعطيه وكان رحيما رقيقا، فأدب الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمره إياه فقال:
(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) (1)،
يقول: إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك كنت
قد خسرت من المال. فهذه أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصدقها الكتاب،
والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين.
وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوص، فقال: أوصي بالخمس،
والخمس كثير، فإن الله قد رضي بالخمس، فأوصى بالخمس، وقد جعل الله
عز وجل له الثلث عند موته، ولو علم أن الثلث خير له أوصى به.
ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما،
فأما سلمان (رضي الله عنه) فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضره عطاؤه
من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله، أنت في زهدك تصنع هذا، وإنك لا تدري
(1) سورة الأسرى، الآية 31.
95
لعلك تموت اليوم أو غدا. فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم
علي الفناء، أو ما علمتم يا جهلة أن النفس تلتات (1) على صاحبها إذا لم يكن لها
من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.
فأما أبو ذر (رضي الله عنه) فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى
أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم
الجزور أو من الشياه، على قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم فيقسمه بينهم،
ويأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم. ومن أزهد من هؤلاء؟ وقد قال فيهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال، ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة
كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم.
وأعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه (عليهم السلام) أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوما: " ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن أنه إن قرض
جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له، وإن ملك ما بين مشارق الأرض
ومغاربها كان خيرا له، فكل ما يصنع الله عز وجل به فهو خير له " فليت شعري
هل يحيق فيكم اليوم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم؟
أو ما علمتم أن الله جل اسمه قد فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل
الرجل منهم عشرة من المشركين، ليس له أن يولي وجهه عنهم، ومن ولاهم يومئذ
دبره فقد تبوأ مقعده من النار، ثم حولهم من حالهم رحمة منه فصار الرجل منهم
عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عز وجل عن المؤمنين،
فنسخ الرجلان العشرة.
(1) أي تبطئ وتحتبس عن الطاعات.
96
وأخبروني أيضا عن القضاة أجور منهم حيث يفرضون على الرجل منكم
نفقة امرأته إذا قال: أنا زاهد وإنه لا شيء لي؟ فإن قلتم: جور، ظلمتم أهل الإسلام
وإن قلتم: بل عدل، خصمتم أنفسكم. وحيث تريدون صدقة من تصدق على
المساكين عند الموت بأكثر من الثلث.
أخبروني لو كان الناس كلهم كما تريدون زهدا لا حاجة لهم في متاع
غيرهم، فعلى من كان يتصدق بكفارات الأيمان والنذور والصدقات من فرض
الزكاة من الإبل والغنم والبقر وغير ذلك من الذهب والفضة والنخل والزبيب وسائر
ما قد وجبت فيه الزكاة؟
إذا كان الأمر على ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا
إلا قدمه وإن كان به خصاصة، فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل
بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل،
أوردكم إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ
من المنسوخ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي.
وأخبروني أنتم عن سليمان بن داود (عليه السلام) حيث سأل الله ملكا لا ينبغي
لأحد من بعده فأعطاه الله جل اسمه ذلك، وكان (عليه السلام) يقول الحق ويعمل به
ثم لم تجد الله عاب ذلك عليه ولا أحدا من المؤمنين. وداود (عليه السلام) قبله في ملكه
وشدة سلطانه.
ثم يوسف النبي (عليه السلام) حيث قال لملك مصر: (اجعلني على خزائن الأرض
إني حفيظ عليم) (1) فكان أمره الذي كان، اختار مملكة الملك وما حولها إلى اليمن،
(1) سورة يوسف، الآية 56.
97
فكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم، وكان (عليه السلام) يقول الحق ويعمل به
فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه.
ثم ذو القرنين عبد أحب الله فأحبه، طوى له الأسباب وملكه مشارق
الأرض ومغاربها، وكان يقول بالحق ويعمل به، ثم لم نجد أحدا عاب ذلك عليه.
فتأدبوا أيها النفر بآداب الله عز وجل للمؤمنين واقتصروا على أمر الله
ونهيه، ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به، وردوا العلم إلى أهله
تؤجروا وتعذروا عند الله تبارك وتعالى، وكونوا في طلب علم الناسخ من القرآن
من منسوخه ومحكمه من متشابهه، وما أحل الله فيه مما حرم، فإنه أقرب لكم
من الله وأبعد لكم من الجهل، ودعوا الجهالة لأهلها فإن أهل الجهل كثير،
وأهل العلم قليل، وقد قال الله: (وفوق كل ذي علم عليم) (1).
17 - مناظرة الطبيب الهندي في أسرار خلق الإنسان:
علل الشرائع، والخصال: روى ابن بابويه، عن الربيع صاحب المنصور،
قال:
حضر أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) مجلس المنصور يوما وعنده
رجل من الهند يقرأ كتب الطب، فجعل أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)
ينصت لقراءته، فلما فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد الله أتريد مما معي شيئا؟
قال: لا، فإن ما معي خير مما معك.
قال: وما هو؟ قال: أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب
(1) تحف العقول: 348 - 353، والآية من سورة يوسف: 76.
98
باليابس، واليابس بالرطب، وأرد الأمر كله إلى الله عز وجل، وأستعمل ما قاله
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " واعلم أن المعدة بيت الداء، والحمية هي الدواء " وأعود البدن
ما اعتاد. فقال الهندي: وهل الطب إلا هذا؟ فقال الصادق (عليه السلام): أفتراني عن كتب
الطب أخذت؟ قال: نعم. قال: لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه، فأخبرني
أنا أعلم بالطب أم أنت؟ فقال الهندي: لا بل أنا.
قال الصادق (عليه السلام): فأسألك شيئا. قال: سل. قال: أخبرني يا هندي
كم كان في الرأس شؤون؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعل الشعر عليه من فوقه؟
قال: لا أعلم. قال: فلم خلت الجبهة من الشعر؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان لها
تخطيط وأسارير؟ قال: لا أعلم.
قال: فلم كان الحاجبان من فوق العينين؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعلت
العينان كاللوزتين؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعل الأنف فيما بينهما؟ قال: لا أعلم.
قال: فلم كان ثقب الأنف في أسفله؟ قال: لا أعلم.
قال: فلم جعلت الشفة والشارب من فوق الفم؟ قال: لا أعلم. قال:
فلم احتد السن، وعرض الضرس، وطال الناب؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعلت
اللحية للرجال؟ قال: لا أعلم. قال: فلم خلت الكفان من الشعر؟ قال: لا أعلم.
قال: فلم خلا الظفر والشعر من الحياة؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان القلب
كحب الصنوبر؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كانت الرية قطعتين، وجعل حركتها
في موضعها؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كانت الكبد حدباء؟ قال: لا أعلم.
قال: فلم كانت الكلية كحب اللوبيا؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعل
طي الركبتين إلى خلف؟ قال: لا أعلم. قال: فلم تخصرت القدم؟ قال:
لا أعلم.
99
فقال الصادق (عليه السلام): لكني أعلم. قال: فأجب. قال الصادق (عليه السلام): كان
في الرأس شؤون لأن المجوف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع، فإذا جعل
ذا فصول كان الصداع منه أبعد. وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان
إلى الدماغ، ويخرج بأطرافه البخار منه، ويرد الحر والبرد الواردين عليه.
وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصب النور إلى العينين، وجعل فيها التخطيط
والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه (1) الإنسان
عن نفسه، كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه. وجعل الحاجبان من فوق العينين
ليراد عليهما (2) من النور قدر الكفاف، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده
على عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه.
وجعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء. وكانت العين
كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء، ويخرج منها الداء، ولو كانت مربعة أو مدورة
ما جرى فيها الميل، وما وصل إليها دواء، ولا خرج منها داء. وجعل ثقب الأنف
في أسفله لتنزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ، ويصعد فيه الأراييح (3) إلى
المشام، ولو كان في أعلاه لما أنزل داء، ولا وجد رائحة. وجعل الشارب والشفة
فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلا يتنغص (4) على الإنسان طعامه
وشرابه فيميطه عن نفسه. وجعلت اللحية للرجال ليستغني بها عن الكشف
(1) أي ينحاه ويبعده عن نفسه.
(2) في نسخة: ليرد عليهما. وفي أخرى: ليوردا.
(3) في نسخة: ويصعد فيه الروائح. وفي أخرى وكذا العلل: الأرياح.
(4) أي لئلا يتكدر على الإنسان طعامه وشرابه. وفي نسخة: لكيلا يتنغص.
100
في المنظر ويعلم بها الذكر من الأنثى. وجعل السن حادا لأن به يقع العض،
وجعل الضرس عريضا لأن به يقع الطحن والمضغ، وكان الناب طويلا ليسند (1)
الأضراس والأسنان كالأسطوانة في البناء.
وخلا الكفان من الشعر لأن بهما يقع اللمس، فلو كان فيهما شعر ما درى
الإنسان ما يقابله ويلمسه (2). وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج (3)
وقصهما حسن، فلو كان فيهما حياة لألم الإنسان لقصهما (4). وكان القلب
كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرية فتروح عنه ببردها،
لئلا يشيط الدماغ بحره.
وجعلت الرية قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروح عنه بحركتها. وكانت
الكبد حدباء لتثقل المعدة ويقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار.
وجعلت الكلية كحب اللوبيا لأن عليها مصب المني نقطة بعد نقطة، فلو كانت مربعة
أو مدورة احتبست النقطة الأولى إلى الثانية (5) فلا يلتذ بخروجها الحي، إذ المني
ينزل من فقار الظهر إلى الكلية، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط، ترميه أولا فأولا
إلى المثانة كالبندقة من القوس. وجعل طي الركبة إلى خلف لأن الإنسان يمشي
(1) في نسخة: ليشد الأضراس. وفي العلل: ليشتد الأضراس. وفي الخصال: ليشيد
الأضراس.
(2) في نسخة: ما درى الإنسان ما يعالجه ويلمسه.
(3) في نسخة: لأن طولهما وسخ. وفي العلل: لأن طولهما وسخ يقبح.
(4) في نسخة: لألم الإنسان بقصهما.
(5) في نسخة وفي الخصال: احتبست النطفة الأولى إلى الثانية.
101
إلى ما بين يديه فيعتدل الحركات (1)، ولولا ذلك لسقط في المشي. وجعل القدم
مخصرة لأن الشيء إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى، فإذا كان
على حرفه دفعه الصبي (2) وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل.
فقال له الهندي: من أين لك هذا العلم؟ فقال (عليه السلام): أخذته عن آبائي (عليهم السلام)
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن جبرئيل، عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق
الأجساد والأرواح. فقال الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
رسول الله وعبده، وأنك أعلم أهل زمانك (3).
(1) في نسخة: فيعتدل الحركتان.
(2) في نسخة وفي الخصال: رفعه الصبي.
(3) علل الشرائع: 44. الخصال 2: 97.
102
الفصل الثامن عشر
تصدي الإمام (عليه السلام)
لحركة الزندقة
من التغييرات الفكرية الطارئة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) حركة الزندقة
ونشاطاتها الفكرية، وبروز الأفكار الخطرة التي تسربت إلى منطلقات الفكر
الإسلامي، وأخطر من ذلك تسريبها من قبل الشخصيات التي تحملت مسؤولية
البث لهذه الأفكار الفاسدة وإعطاء قوة الثبت والدفع.
ونحن لا نريد أن نتطرق إلى حركة الزندقة ودوافعها السياسية والتأريخية،
ولكننا سنحاول عرض شيء موجز من ذلك مما يرتبط بالبحث.
ولم تكن الزندقة بمفهومها الإلحادي بموضوع طارئ وغريب عن واقع
الرسالة الإسلامية منذ بدء انطلاقها، ففي الكتاب المجيد آيات كثيرة تطرقت
إلى معالجة الإلحاد ووجود الله سبحانه، ووجوب توحيده مما يشعر بأن قضية
الإلحاد كانت من أهم المشاكل التي تعرضت الرسالة لمعالجتها وحسمها بما يتناسب
وفطرة الإنسان السليمة وبساطة تفكيره، بعيدا عن عقد الشبهات الفلسفية
والالتباسات الفكرية، كما ردهم القرآن الكريم بقوله:
(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه
103
ترجعون) (1).
غير أن فكرة الزندقة والإلحاد في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) اتخذت شكلا
علميا معمقا، وجعلت من عقيدة التوحيد السهلة اليسيرة مشكلة فكرية معقدة
ذات طابع فلسفي غامض.
ولعل من أهم أسباب طروء هذا التغير الفكري هو انتشار البحوث الكلامية
المعمقة، والتوسع في جهاتها المنهجية التحليلية بعيدة عن البساطة الفطرية،
والصفاء الذهني والوجداني للإنسان.
والسبب المهم الآخر هو الانفتاح العلمي المفاجئ على المدارس الفلسفية
اليونانية، والفلسفات الأخرى التي طورت الذهنية العلمية وأعطت للحوار
العقائدي بين العلماء والمفكرين مجالا واسعا وعميقا بما تحمله من نظريات غامضة
وشبهات وتشكيلات قد تبتعد بالإنسان عن معطيات الفطرة السليمة.
وقد ظهرت الانقسامات الفكرية في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) وتنوعت
المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية واختلفت في اتجاهاتها وتباينت عمليات
التركيز العام للأسس العقائدية والتشريعية فيما بينها، وانطلقت حركة الجدل الحاد
بين مختلف الفرق الكلامية، ما بين المعتزلة والقدرية والمرجئة والخوارج وغيرها
من الفرق التي خلفتها عوامل الانحراف الرهيب من سياسية وفكرية وغيرها
من مسببات الانقسام والتمزق التي سببها غياب القيادة الإسلامية الملتزمة
والمسؤولة، وضعف القيادات القائمة رساليا وفكريا، فضلا عن أن بعض القيادات
الحاكمة كانت تشجعها.
(1) البقرة: 28.
104
وفي خضم هذا المعترك المحموم، كان لا بد من أن يكون للإمام دوره القيادي
المسؤول، خصوصا وإنه يمثل القاعدة الفكرية البارزة في المجتمع الإسلامي،
والممثل الأصيل للرسالة في شتى منطلقاتها، فقد واجه الإمام مختلف الصراعات
القائمة في عصره، ووقف منها موقف الرسالي الهادف، في مناظرات علمية رائعة،
دافع فيها بما يملك من قوى إقناع هائلة ومنطق رسالي ثابت، جعلت من الخصوم
الجبابرة أقزاما تتضاءل بين يديه وتذوب كما تذوب دمى الشمع عندما تلامسها
حرارة النار، وأنى لدمى الباطل أن تصمد أمام إشراقة الحق، وكيف لها أن لا تذوي
أمام حرارة الإيمان.
كما أن كثيرا من مناظرات الإمام (عليه السلام) قد أغفلها التأريخ مثل ما أغفل
أخباره، وليس من المعقول أن تقتصر مناظراته على هذا القدر المحدود الذي نقلته
لنا كتب الكلام والسيرة، مع ملاحظة ما كان يتمتع به الإمام (عليه السلام) من مركز علمي
قيادي، والذي كانت حلقته الدراسية تمثل نقطة تحول وانطلاق ولقاء بين جميع
عناصر المذاهب الفقهية والكلامية على اختلاف نزعاتها ومنطلقاتها المتنوعة،
فمنها ما يتعلق بالتوحيد والجهات التي ترجع إلى بدء الخلق ومتفرعاتها،
ومنها ما يتعلق بالإمامة والخلافة، ومنها ما يتعلق بالصراع الدائر بين مختلف
المذاهب الإسلامية وغيرها من الملل والنحل، ومنها ما يتعلق بقضايا التشريع
والفقه مما يمس نقاط الاختلاف القائم بين مختلف المدارس الفقهية في ذلك العصر،
وغيرها من قضايا الساعة والشؤون التي تتعلق بالجوانب المتنوعة لجهات الفكر
والمعرفة.
أما مناظراته (عليه السلام) في مجال التوحيد، فقد نقلت كتب السيرة والكلام
بعض نماذج الحوار مع الزنادقة في عصر الإمام (عليه السلام) وعرض بعض مناظراته
105
في التوحيد مع بعض زنادقة زمانه الذين وجدوا في الإمام عنصر الكفاءة
العلمية في أعمق معطياتها، فكان الإمام الإنسان الوحيد في عصره الذي
انفتحوا عليه بجدية، بما يحملون من أفكار التشكيك والتلبيس، فمنهم من
استسلم عن قناعة وإيمان، حينما كانت الحقيقة رائدهم في البحث والمناظرة،
ومنهم من أصر على عناده على رغم اعترافه بالانهزام أمام منطق الإمام وحجته
الدامغة.
وقد التزم الإمام (عليه السلام) في مناظراته مع خصومه بالمنطق السليم وأسلوبه
السلس ونهجه المتميز في المناظرات، فهو يبسط الفكرة بسهولة فائقة،
ويعرضها ببساطة متناهية يقترب بها حتى من الأذهان الساذجة، رغم العمق
الذي يتسم به مضمونها، مما يكشف عن المقدرة البيانية الرائعة التي يمتلكها
الإمام في التعبير والعرض، وهذا الأسلوب هو الأسلوب الرسالي الذي تميز به
القرآن الكريم في عرضه لدلائل التوحيد، والاحتجاج على المشركين في قضايا
العقيدة والإيمان.
كما أن الإمام الصادق (عليه السلام) اعتمد الحوار الهادئ الموضوعي في تقريب
الفكرة من الخصم والعمق في مضمونها مع مراعاة بعض التأثيرات النفسية في
بعض الحالات التي تبعد الخصم عفويا عن أجواء الشك والعناد والريبة الطارئة،
وتضعه في الجو الفطري البريء المجرد من كل ما هو غريب عن إنسانيته وفطرته.
لقد وجد الزنادقة في الإمام الصادق (عليه السلام) أخطر خصم يواجهونه في حربهم
مع الإسلام، فكانوا يحاولون إثارته بجدلهم المتعنت وتحدياتهم المثيرة، لكنه (عليه السلام)
كان يواجه كل تلكم التحديات بهدوء وبروح العالم المطمئن لموقفه، والواثق بحجته،
ووضوح الرؤيا في مسلكه، وبروح المسؤولية الرسالية التي اعتمدت الكلمة الهادئة
106
الهادفة والبيان، المؤمن في قضيته، الوديع في نقاشه، دون أن يفسح المجال للإثارة
أن تمتلك عليه مواقفه، لتحقق للخصم الانتصار نفسيا عليه ليكون منفذا للتحدي،
ودعما لمواقف الخصم المعادي للإيمان.
وقد أمسك الإمام بهذا الأسلوب الرسالي زمام المبادرة، وأوقف الخصم
عند حده، وألزم الزنادقة الرهبة والتقدير والاحترام في نفوسهم.
ويستوقفنا مشهد الحوار الطريف الذي جرى بين قطبين من أقطاب الزندقة،
هما ابن المقفع وزميله ابن أبي العوجاء، والذي يدلل بصراحة على مدى الشعور
بالخطر لدى هؤلاء وأمثالهم من منازلة الإمام الصادق في أي مجال من مجالات
الجدل والحوار.
فقد اجتمع بعض الزنادقة في حلقة في المسجد الحرام وفيهم ابن المقفع
وابن أبي العوجاء، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق - وأومأ بيده إلى موضع
الطواف -، ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني
الإمام الصادق - وأما الباقون فرعاع وبهائم (1).
ويتساءل عبد الكريم بن أبي العوجاء، وهو كذلك من أقطاب الإلحاد
والزندقة: كيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال ابن المقفع:
لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم!!
ولم يكن يطيب لابن المقفع أن يقر للإمام (عليه السلام) بمثل هذا الواقع، لولا انهزامه
نفسيا وفكريا أمام منطق الإمام الصائب وشخصيته الفذة، على رغم اعتداده بنفسه
وما عرف به من عتو وغرور، والتي تدلل عليه كلمته هذه في التعريف بالإمام (عليه السلام)
(1) الكافي 1: 74.
107
وبالناس.
ومن المؤسف أن التأريخ لم يسجل لنا أيا من المناظرات العلمية التي جرت
بين الإمام وابن المقفع، والذي يكشف عنها حواره هنا مع ابن أبي العوجاء.
وفيما يلي بقية الحوار.
فقال ابن أبي العوجاء: لا بد من اختبار ما قلت فيه منه.
فقال له ابن المقفع: لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك.
فقال: ليس ذا رأيك، ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه
المحل الذي وصفت.
فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت على هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت
من الزلل، ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال، وسمه ما لك
وما عليك.
ويذهب ابن أبي العوجاء ليلتقي بالإمام ثم لا يلبث أن رجع مخاطبا ابن المقفع
قائلا: ويلك يا ابن المقفع ما هذا بشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء
ظاهرا، ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا.
فقال له ابن المقفع: وكيف ذلك؟
قال ابن أبي العوجاء: جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني، فقال:
إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء - مشيرا لمن في المطاف - وهو كما يقولون
- يعني أهل الطواف -، فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر على ما تقولون
وليس كما تقولون فقد استويتم وهم.
فقلت له: يرحمك الله، وأي شيء نقول، وأي شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم
إلا واحد.
108
فقال الإمام: وكيف يكون قولك وقولهم واحدا، وهم يقولون إن لهم معادا
وثوابا وعقابا ويدينون بأن في السماء إلها وإنها عمران، وأنتم تزعمون أن السماء
خراب ليس فيها أحد.
قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه
ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف عليه منهم اثنان؟ ولم احتجب عنهم وأرسل
إليهم الرسل، ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به؟
فقال الإمام: ويلك يا عبد الكريم، كيف احتجب عنك من أراك قدرته
في نفسك، نشوؤك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك
بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك،
وغضبك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد عزمك،
وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك
بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن
في وهمك، وغروب ما أنت معتقده في ذهنك، وما زال يعدد علي قدرته التي
هي في نفسي حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه (1).
وينهزم ابن أبي العوجاء أمام هذا المنطق الفطري الرائع، ويؤخذ لا شعوريا
ببساطة الحجة التي أغلقت على نفسه منافذ الشك والاعتراض، فتعقد الحيرة لسانه،
ويختلط عليه موقف الحوار، وتصور أن الذي يحاوره إنسان ولكن ليس من جنس
البشر.
وقد حاول الإمام في حواره أن يحتكم إلى رؤيا واقع مصيري، تنعكس
(1) الكافي 1: 74 - 75.
109
على مصير الإنسان، فسلوك سبيل الإيمان على أي وجه افترضناه، يبقى الوجه
الأسلم الذي يضمن به الإنسان سلامة مصيره، وهو أمر من مسلمات الفطرة
السليمة وبديهيات العقل.
ولم يكن بيان الإمام بصدد إثبات شيء أو نفيه، وإنما هو تصوير لرؤيا المصير
الذي سينتهي إليه الإنسان المؤمن والكافر، عند انتهاء وجوده في هذه الحياة،
وفي نفس الوقت تهيئة الأرضية الصالحة للحوار الجدي الذي يعتمد القناعة
كهدف فيما يلقي من حجة، وما يعرض من حلول، بعيدا عن العناد والمكابرة
واللجاج، الذي يفتقد الحوار معه دوره في البناء والتقييم.
وحاول ابن أبي العوجاء أن يستثير مشاعر الإمام مرة ثانية بتحدياته،
فتساءل: لماذا لم يظهر الله لخلقه وينهي مشكلة الخلاف بين الكفر والإيمان؟
فكانت إجابة الإمام في بساطتها، كما سبق، بمثابة عملية تطهير لنفسه.
ولم يكن ابن أبي العوجاء مناظرا موضوعيا في بحثه عن الحقيقة وتطلعه
نحو المعرفة، بل كان يتعمد في حواره الجدل العقيم لتغطية انهزامه وفشله.
عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى الإمام ليستأنف الحوار، وقد ذهل
ولم يعرف من أين يبدأ الحديث.
وأدرك الإمام ما كان يتخبط به من موقف حائر، فيبادره قائلا: كأنك جئت
تعيد بعض ما كنا فيه؟
فقال: نعم، أردت ذلك يا ابن رسول الله.
فقال له الإمام مستغربا: ما أعجب هذا! تنكر الله وتشهد أني ابن رسول
الله؟!
فقال: العادة تحملني على ذلك.
110
فقال له الإمام: ما يمنعك من الكلام؟
قال: إجلالا لك ومهابة، ما ينطلق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء
وناظرت المتكلمين، فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك.
قال الإمام: يكون ذلك، ولكن أفتح عليك بسؤال. وأقبل عليه فقال له:
أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟
فقال ابن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع.
فقال له الإمام: فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟ فبقي
ابن أبي العوجاء مليا لا يحير جوابا، وولع بخشبة كانت في يديه وهو يقول: طويل،
عريض، عميق، قصير، متحرك، ساكن، كل ذلك صفة خلقه.
فقال له الإمام: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها، فاجعل نفسك مصنوعا
لما تجد في نفسك يحدث من هذه الأمور.
فقال له: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك
عن مثلها.
فقال له الإمام: يا عبد الكريم (1)، هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى،
فما علمك أنك لا تسأل عنها فيما بعد، على إنك يا عبد الكريم نقضت قولك،
لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت.
ثم أردف الإمام وقال: يا عبد الكريم، أزيدك وضوحا، أرأيت لو كان معك
كيس فيه جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار
في الكيس، فقال لك: صف لي الدينار، وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي
(1) وهو الاسم الأول لابن أبي العوجاء.
111
كون الدينار في الكيس وأنت لا تعلم؟
قال: لا.
قال الإمام: فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة
من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة؟
فانقطع ابن أبي العوجاء وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه وبقي معه
بعض المعاندين (1).
غير أن ابن أبي العوجاء لا يريد أن ينهزم أمام منطق الحق والإيمان ولو
ظاهرا، رغم قناعته بالهزيمة على أرض الواقع، ووقوفه في الحوار أمام باب مغلق
لا يبدو أنه ينفتح عليه بشيء، فيعاود الحوار في اليوم الثالث، ولكنه في هذه
المرة يبدو متماسكا في حديثه، فيفرض مبدأ الحوار ويقف موقف المتسائل
الذي يملك الحجة لنفسه بعد أن وجد من الإمام انبساطا وانفتاحا وسهولة في
الحوار والمناظرة.
قال ابن أبي العوجاء: أقلب السؤال.
فقال الإمام: سل ما شئت.
فقال الزنديق: ما الدليل على حدوث الأجسام؟
فقال الإمام: إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا وإذا ضم إليه مثله
صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى، ولو كان قديما ما زال
ولا حال، لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدم
دخوله في الحدث، وفي كونه في الأزل دخوله في العدم، ولن تجتمع صفة الأزل
(1) الكافي 1: 76 - 78.
112
والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد.
ولكن ابن أبي العوجاء لا يريد التخلي عن جدليته، لأن الفشل والانهزام
منوط بالتخلي عن ذلك.
والواقع أن انتقال ابن أبي العوجاء في حديثه من الواقع إلى الافتراض،
هو تسليم منه بثبوت الحدوث للأجسام مما هو ثابت وواقع، واعترافه بالعجز
عن إثبات خلافه، وقد شعر بالهزيمة تهز كيانه وموقفه، وبالخلط والحيرة يلفان
تصوراته، ويمزقان نفسه كلما اتسع الحوار بينه وبين الإمام، فانقطع عن مواجهة
الإمام حتى التقى به في الحرم الشريف فقيل للإمام إنه أسلم، فقال: هو أعمى
من ذلك ولا يسلم، لما عرف من عناده للحق وإصراره على الكفر والضلال،
ورغم هذا فقد بادره الإمام متسائلا بغرابة: ما جاء بك إلى هذا الموضع؟
فقال: عادة الجسد وسنة البلد، ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي
الحجارة.
فقال له الإمام: أنت بعد على عتوك وضلالك؟
فذهب يتكلم فقال له الإمام: لا جدال في الحج، ونفض ردائه، وقال:
إن يكن الأمر كما تقول، وليس كما تقول، فقد نجونا ونجوت، وإن كان الأمر
كما نقول، وهو كما نقول، فقد نجونا وهلكت.
وكأن الإمام أراد بذلك أن ينهي حواره معه، بعد أن دلل هذا على لجاجته
في العناد وإغراقه في المكابرة، وانتهاء الإمام في حواره بما ابتدأ به سابقا.
وقبل ذلك حاول ابن أبي العوجاء إثارة هدوء الإمام بتحدياته، ولم يكن
على ما يبدو قد التقى به قبل ذلك.
113
فقد حدث عيسى بن يونس (1) قائلا:
كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري، فانحرف عن التوحيد،
فقيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة.
قال: إن صاحبي كان مخلطا، يقول طورا بالقدر، وطورا بالجبر، فما أعلمه
اعتقد مذهبا دام عليه.
فقدم مكة متمردا وإنكارا على من يحجه، وكانت العلماء تكره مجالسته لخبث
لسانه وفساد ضميره، فأتى أبا عبد الله فجلس إليه في جماعة من نظرائه، فقال:
يا أبا عبد الله، إن المجالس بالأمانات ولا بد لكل من به سعال أن يسعل،
أفتأذن لي بالكلام؟
فقال: تكلم.
فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون
هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر،
إن من فكر في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر،
فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أسه ونظامه.
فقال الإمام: إن من أضله الله وأعمى قلبه واستوخم العواقب ولم يستعذبه،
وصار الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به
عباده، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه،
وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب
(1) عيسى بن يونس، ذكره الشيخ في رجاله: 258 في أصحاب الصادق (عليه السلام) وفي أصحاب
الكاظم (عليه السلام): 355 فقال: عيسى بن يونس بزرج له كتاب.
114
على استواء الكمال، مجمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام،
فأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهي عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على الغائب.
فقال الإمام: كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب
من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم؟
فقال الزنديق: فهو في كل مكان، أليس إذا كان في السماء كيف يكون
في الأرض؟ وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟
فقال الإمام: إنما وصفت المخلوق، الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان
وخلا منه مكان، فلا يدري في مكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي
كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان، فلا يخلو منه مكان ولا يشغل به
مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب إلى مكان (1).
فسكت الزنديق ولم يحر جوابا وخرج مرغما مهزوما.
ومن ابن أبي العوجاء وابن المقفع ننتقل بالحديث إلى زنديق آخر،
هو أبو شاكر عبد الله الديصاني، الذي افتتح الحوار مع الإمام الصادق (عليه السلام)
من خلال هشام بن الحكم، فقد التقى به وسأله: ألك رب؟
فقال هشام: بلى.
قال الديصاني: أقادر هو؟
قال هشام: نعم، قادر قاهر.
قال الديصاني: يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة، لا تكبر البيضة
(1) الكافي 1: 125 - 126.
115
ولا تصغر الدنيا؟
قال هشام: النظرة.
قال الديصاني: قد أنظرتك حولا.
وكان هذا السؤال من الديصاني مفاجأة لهشام، وهو المتكلم الجدلي البارع،
إذ لم يكن قد عرض له مثل هذا السؤال فيما سبق، فيتجه إلى الإمام مستفهما،
فيجيبه الإمام بمنطق الجدل الذي ينسجم مع طبيعة السؤال لا بمنطق الحجة القاطعة.
قال الإمام: يا هشام، كم حواسك؟
قال هشام: خمسة.
قال الإمام: أيهما أصغر؟
قال هشام: الناظر.
قال الإمام: وكم قدر الناظر؟
قال هشام: مثل العدسة أو أقل منها.
قال الإمام: يا هشام أنظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى.
قال هشام: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وبراري وجبالا وأنهارا.
قال الإمام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه في العدسة أو أقل منها قادر
أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة.
فأكب هشام عليه يقبل يديه ورأسه وقال: حسبي يا ابن رسول الله،
وانصرف إلى منزله.
وكأن الإمام أراد أن يقطع الحجة على الديصاني بالنقض جدلا بشيء
يدرسه بالحس البديهي، بعد أن لم يكن الديصاني جديا في البحث عن الحل
الواقعي.
116
ويدخل الديصاني بعدها على الإمام ويستأذنه في المناظرة فيأذن له،
فقال له: يا جعفر بن محمد، دلني على معبودي، فتناول الإمام بيضة كانت في يد
غلام له في المجلس يلعب بها وقال: يا ديصاني، هذا حصن له جلد غليظ،
وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة، وفضة ذائبة،
فلا الذهبة المائعة تختلط مع الفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط مع الذهبة
المائعة، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها،
ولا دخل لها داخل مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى،
تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبرا؟
فأطرق الديصاني مليا وأسلم كما قيل (1).
وفي احتجاج الطبرسي: فأطرق مليا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه،
وأنا تائب مما كنت فيه.
لقد كانت وقفة متأملة رائعة من الإمام، أمام الإعجاز المحير في خلق
البيضة وتكوينها، فوجئ بها الديصاني، وفوجئت بها نوازع الشك في نفسه،
وكيف له أن ينكر أن لها مدبرا، وهي بهذه الدقة من التكوين والإبداع، إلا أن
يتناسى في نفسه موازين إنسانيته التي تعتمد الوجدان قاعدة لها في التسليم والفهم.
مناظراته (عليه السلام) مع الديصاني:
روى المفيد: أن أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس
(1) الكافي 1: 80.
117
أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: إنك لأحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر،
وأمهاتك عقيلات عباهر، وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء فعليك تثنى
الخناصر، خبرنا أيها الحبر الزاهر، ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام): من أقرب الدليل على ذلك ما أظهره لك، ثم دعا ببيضة فوضعها
في راحته وقال: هذا حصن ملموم داخله غرقئ رقيق يطيف به كالفضة السائلة
والذهبة المائعة، أتشك في ذلك؟ قال أبو شاكر: لا شك فيه، قال أبو عبد الله (عليه السلام):
ثم إنه ينفلق عن صورة كالطاووس، أدخله شيء غير ما عرفت؟ قال: لا.
قال (عليه السلام): فهذا دليل على حدوث العالم. فقال أبو شاكر الديصاني: دللت
يا أبا عبد الله فأوضحت، وقلت فأحسنت، وذكرت فأوجزت، وقد علمت
أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو ذقناه بأفواهنا، أو شممناه
بأنوفنا، أو لمسناه ببشرتنا، فقال (عليه السلام): ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع
في الاستنباط إلا بدليل كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح، يريد بذلك (عليه السلام) أن
الحواس الخمس بغير عقل لا توصل إلى معرفة الغائبات وأن الذي أراه من حدوث
الصور معقول، بني العلم به على محسوس.
ومن مناظراته في التوحيد مع الزنادقة، ما ورد في حوار طويل مع أحد
الزنادقة يشتمل على متنوعات كثيرة من الأسئلة التعجيزية، فقد سأله زنديق:
كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟
قال الإمام: رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان،
وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب، وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها،
والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء ما رأت من عظمته دون رؤيته.
قال الزنديق: أليس هو القادر أن يظهر حتى يروه فيعرفونه فيعبد على
118
يقين؟
قال الإمام: ليس للمحال جواب.
يقول العلامة المظفر في كتابه الإمام الصادق (عليه السلام)، الصفحة 191:
إنما الرؤية تثبت للأجسام، وإذا لم يكن تعالى جسما استحالت رؤيته،
والمحال غير مقدور، لا من جهة النقص في القدرة بل النقص في المقدور.
وسأله الزنديق: من أي شيء خلق الأشياء؟
قال الإمام: لا من شيء.
قال الزنديق: كيف يجيء من لا شيء شيء؟
قال الإمام: إن الأشياء لا تخلو إما أن تكون خلقت من شيء أو من
غير شيء، فإن كانت خلقت من شيء كان معه، فإن ذلك الشيء قديم، والقدم
يكون حديثا، ولا يتغير... إلى آخر المناظرة المذكورة في الكافي.
والذي أراد الإمام إثباته من خلال عملية الحصر في هذه الموجودات
التي نشاهدها لا بد وأن تكون مسبوقة بالعدم.
وبعد أن جرى الحوار في منوعات من القضايا والمواضيع إلى أن قال
الزنديق: فأخبرني عن الله، أله شريك في ملكه، أو مضاد في تدبيره؟
قال الإمام: لا.
قال الزنديق: فما هذا الفساد في العالم؟ من سباع ضارية وهوام مخوفة
وخلق كثير مشوهة ودود وبعوض وحيات، وزعمت أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة
لأنه لا يعبث؟
قال الإمام: ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة
ومن يبول على الفراش، وأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي، فإن
119
لحومها إذا أكلها المجذوم بشب نفعه، وتزعم أن الدود الأحمر الذي يصاب
تحت الأرض نافع للآكلة؟
قال الزنديق: نعم.
قال الإمام: فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعله بعض أرزاق الطير،
وأهان به جبارا تمرد على الله وتجبر وأنكر ربوبيته، فسلط الله عليه أضعف خلقه،
ليريه قدرته وعظمته وهي البعوض، فدخل في منخره حتى وصلت إلى دماغه
فقتلته، واعلم أنا لو وقفنا على كل شيء خلقه الله تعالى لم خلقه؟ ولأي شيء
أنشأه؟ لكنا قد ساويناه في علمه، وعلمنا كل ما يعلم، واستغنينا عنه وكنا وهو
في العلم سواء.
ومن جملة ما طرحه الزنديق من الأسئلة، قال: أخبرني أيها الحكيم،
ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد ولا يصعد إليها من الأرض بشر،
ولا طريق إليها ولا مسلك، فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل
لكان ذلك أثبت للربوبية، وأنفى للشك وأقوى لليقين، وأجدر أن يعلم العباد
أن هناك مدبرا، إليه يصعد الصاعد ومن عنده يهبط الهابط.
قال الإمام: إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء
ومنها يظهر، أما ترى الشمس منها تطلع وهي نور النهار وفيها قوام الدنيا
ولو حبست حار من عليها وهلك، والقمر منها يطلع وهو نور الليل، وبه يعلم عدد
السنين والحساب والشهور والأيام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير،
وفي النجوم التي تهتدي بها في ظلمات البر والبحر، ومن السماء ينزل الغيث
الذي فيه حياة كل شيء من الزرع والنبات والأنعام وكل الخلق، لو حبس عنهم
لما عاشوا، والريح لو حبست إياه لفسدت الأشياء جميعا وتغيرت، ثم الغيم والرعد
120
والبرق والصواعق كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شيء
ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع عيسى بن مريم، والملائكة
تنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية.
والذي نلاحظه هنا، أن طرح الأسئلة من المناظر كان بدافع التعجيز والجدل
غير المنطقي، وهو نظير أسئلة بني إسرائيل لموسى (عليه السلام).
ويدخل ابن أبي العوجاء مرة على الإمام (عليه السلام)، وفي كلماته سخرية ومكر،
فيسأله: أليس تزعم أن الله خالق كل شيء؟
فقال الإمام: بلى.
قال ابن أبي العوجاء: أنا أخلق.
فقال الإمام: كيف تخلق؟
قال: أحدث في الموضع ثم ألبث عنه فيصير دوابا فكنت أنا الذي خلقتها.
وكان ابن أبي العوجاء أراد أن يثير الإمام بأسلوبه النابي البعيد عن لياقة
التهذيب وآداب السؤال ليثير مشاعر الإمام، ويستفزه من موقعه الجدي،
ولكن الإمام كان في إجابته متماسكا في جديته، بعيدا عن موجبات الانفعال
والتأثير، شأنه شأن أصحاب الرسالات الذين لا يتطلعون إلا إلى الهدف،
غير عابئين باللسعات الطائشة التي تعترضهم من أشواك الطريق، وقد فاجأ الإمام
مناظره بسؤاله: أليس خالق كل شيء يعرف لم خلقه؟
قال ابن أبي العوجاء: بلى.
قال الإمام: فتعرف الذكر من الأنثى وتعرف عمرها؟ فسكت الذي كفر.
وقد ذوى فيه زهو سخريته ومكره، بعد أن عرف ضياع نفسه في متاهات الجهل
والعناد.
121
ولابن أبي العوجاء مع الإمام مناظرات في التوحيد عديدة ذكرنا بعضها
بصورة موجزة روما للاختصار.
وجرى نظير ذلك للإمام (عليه السلام) مع الجعدي بن درهم، فقد قيل: إنه وضع
في قارورة ماء وترابا فاستحال دودا وهواما، فقال لأصحابه: أنا خلقت ذلك
لأني سبب كونه. فبلغ قوله للإمام فقال: ليقل كم هي؟ وكم الذكران منه والأناث
إن كان خلقه؟ وكم وزن كل واحدة منهن؟ وليأمر الذي سعى إلى هذا الوجه
أن يرجع إلى غيره. فبهت الذي كفر، فانقطع وهرب (1).
العدل بين النساء:
سأل أحد الزنادقة أبا جعفر الأحول (مؤمن الطاق)، فقال: أخبرني
عن قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم
ألا تعدلوا فواحدة) (2)، وقال تعالى في آخر السورة: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا
بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) (3) فبين القولين فرق؟ فقال أبو جعفر
الأحول: فلم يكن عندي جواب، فقدمت المدينة فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
فسألته عن الآيتين، فقال: أما قوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء
ولو حرصتم) فإنما عنى في المودة، فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة،
(1) لسان الميزان؛ لابن حجر 2: 105.
(2) النساء: 3.
(3) النساء: 129.
122
فرجع أبو جعفر الأحول إلى الرجل فأخبره، فقال: هذا حملته من الحجاز (1).
تفضيل النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على سائر الأنبياء:
عن أبي خنيس الكوفي قال: حضرت مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) وعنده
جماعة من النصارى، فقالوا: فضل موسى وعيسى ومحمد سواء؛ لأنهم (عليهم السلام)
أصحاب الشرائع والكتب، فقال الإمام (عليه السلام): محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل منهما (عليهما السلام)
وأعلم، ولقد أعطاه الله تبارك وتعالى من العلم ما لم يعط غيره، فقالوا: آية
من كتاب الله نزلت في هذا؟ قال (عليه السلام): نعم، قوله تعالى: (وكتبنا له في الألواح
من كل شيء) (2)، وقوله تعالى لعيسى: (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) (3)،
وقوله تعالى للنبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): (جئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب
تبيانا لكل شيء) (4)، وقوله تعالى: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم
وأحصى كل شيء عددا) (5)، فهو والله أعلم منهم، ولو حضر موسى وعيسى
بحضرتي وسألاني لأجبتهما، وسألتهما ما أجابا (6).
ويعلق العلامة المظفر بقوله: إذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) باب مدينة علم
(1) بحار الأنوار 10: 202، الحديث 6.
(2) الأعراف: 145.
(3) الزخرف: 63.
(4) النحل: 89.
(5) الجن: 28.
(6) بحار الأنوار 10: 215، الحديث 15.
123
الرسول، وأولاده ورثة علمه، فهم إذن أعلم الناس كلهم، الأنبياء وغيرهم.
أحد الزنادقة يصير مؤمنا:
وروى هشام بن الحكم، قال: كان بمصر زنديق يبلغه عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أشياء، فخرج إلى المدينة ليناظر الإمام (عليه السلام) فلم يصادفه بها، وقيل: إنه خارج
بمكة، فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبد الله (عليه السلام) فانتهى إليه وهو في الطواف،
وكان اسمه عبد الملك وكنيته أبو عبد الله، فدنا من الإمام وسلم، فقال له
الإمام (عليه السلام): ما اسمك؟ قال: عبد الملك، قال: فما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله،
فقال الإمام (عليه السلام): فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم ملوك
السماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ قل ما شئت تخصم،
فسكت، فلم يحر جوابا.
ثم قال له الإمام: إذا فرغت من الطواف فأتنا، فلما فرغ الإمام (عليه السلام) أتاه
الزنديق فقعد بين يديه، ونحن مجتمعون عنده، فقال الإمام للزنديق: أتعلم
أن للأرض تحتا وفوقا؟ قال: نعم، قال: فدخلت تحتها؟ قال: لا، قال: فما يدريك
ما تحتها؟ قال: لا أدري، إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء، فقال الإمام (عليه السلام):
فالظن عجز فلم لا تستيقن، ثم أردف قائلا: أفصعدت إلى السماء؟ قال: لا، قال:
أفتدري ما فيها؟ قال: لا، قال: عجبا لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل
إلى الأرض ولم تصعد إلى السماء، ولم تجز هناك فتعرف ما خلقهن، وأنت
جاحد بما فيهن، فهل يجحد العاقل ما لا يعرفه؟ قال الزنديق: ما كلمني بها أحد
غيرك.
فقال الإمام (عليه السلام): فأنت من ذلك في شك، فلعله هو، ولعله ليس هو،
124
فقال الزنديق: ولعل ذلك، فقال الإمام (عليه السلام): أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة
على من يعلم، ولا حجة للجاهل، يا أخا أهل مصر تفهم عني فإنا لا نشك في الله
أبدا، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان،
قد اضطرا ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم
يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ اضطرا
والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما، والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر.
فقال الزنديق: صدقت.
ثم قال الإمام (عليه السلام): يا أخا أهل مصر، إن الذي تذهبون إليه وتظنون
من الدهر، إن كان الدهر يذهب بهم فلم لا يردهم؟ وإن كان يردهم لم لا يذهب
بهم؟ القوم مضطرون يا أخا أهل مصر، ألم ترى السماء مرفوعة والأرض
موضوعة؟ لم لا تسقط السماء على الأرض؟ لم لا تنحدر الأرض فوق ما تحتها؟
أمسكها والله خالقها ومدبرها، قال الزنديق: أمسكهما الله ربهما، سيدهما،
خالقهما، مدبرهما.
قال: فآمن الزنديق على يدي الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال حمران
ابن أعين (1): جعلت فداك، إن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفار على يد
أبيك.
فقال المؤمن الذي كان زنديقا للإمام: اجعلني من تلامذتك، فقال الإمام:
يا هشام بن الحكم، خذه إليك. فعلمه هشام، وأصبح المؤمن الجديد، معلم
أهل الشام وأهل مصر الإيمان، وهكذا الهداية حلت بقلبه، وحسنت طهارته
(1) وهو أخ زرارة بن أعين الشيباني ومن خاصة أصحاب الإمامين الصادقين (عليهما السلام).
125
حتى رضي بها الإمام أبو عبد الله (عليه السلام).
وهناك حوار ومناظرات عديدة جرت بين الإمام (عليه السلام) والزنادقة في
التوحيد، وكذلك مع بعض الفرق من الملل والنحل المنحرفة عن جادة الصواب
والحق كما أسلفنا الإشارة إليها.
نكتفي بهذا القدر روما للاختصار، وستأتي بعض المناظرات مع الزنادقة
في الفصل اللاحق بإذن الله، والله نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل، ومنه نستمد
التوفيق والتسديد.
126
الفصل التاسع عشر
منهجه السياسي
من الواضح أن مبدأ العدالة - من أعظم مبادئ الشريعة الإسلامية -
أصبح في عهد حكام الجور لا يعمل به، فالولاة الجبابرة ظلمة لا يصلحون
لمركز الولاية على المسلمين، وفاقدو القدرة والكفاءة على التحلي بصفات الخلافة
التي تسنموها ظلما وعدوانا، ولا قدرة لهم على تنفيذ أحكام الإسلام، وفاقد
الشيء لا يعطيه، ولا تجب طاعتهم بأي حال، وإن في مؤازرتهم ومعاونتهم خروجا
على أمر الله، ومخالفة لكتابه.
فسياسة أهل البيت (عليهم السلام) تقضي بحرمة التعاون مع الظالمين، وعدم الركون
إليهم.
وقد صح عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لأصحابه: " ما أحب أن أعقد لهم
- أي الظلمة - عقدة، أو وكيت لهم وكاء، ولا مدة بقلم، وإن الظلمة وأعوان الظلمة
يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد ".
وكان ينهى عن المرافعة إلى حكامهم، ولا يرى لزوم ما يقضون به،
لأن حكمهم باطل وغير نافذ، كما كان يشدد على العلماء الذين يسيرون في ركاب
الدولة، ويأمر بالابتعاد عنهم، حيث يقول: " الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم
127
الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم " (1).
لقد عرف المسلمون مقام أهل البيت (عليهم السلام) وحقهم على هذه الأمة وموقعهم
السياسي الذي ينبغي أن يشغلوه، وهو موقع القيادة والإمامة، لذا كان
أهل البيت (عليهم السلام) على امتداد تأريخ الإسلام السياسي على قمة الهرم السياسي،
وفي طليعة المعارضة المستهدفة للإصلاح وتطبيق أحكام الإسلام وإقامة العدل.
وواضح لدى الدارسين لتأريخ الإسلام السياسي أن الخلافة ورعاية شؤون
الأمة بعد انقراض الخلافة الراشدة تحولت إلى ملك عائلي، وسلطة وتسلط،
واستئثار بالأموال والمناصب، وتعطيل لأحكام الشريعة وتلاعب بها، فسبب
هذا التلاعب بالشريعة ومصالح الأمة قيام الثورات والانتفاضات والصراع المرير
الدامي، فسفكت الدماء، وانتشرت الفرقة والفتن، ونشأت الأفكار والنظريات
المنحرفة على طرفي نقيض، فبعضها يبرر للحكام ظلمهم وسيطرتهم على الأمة
ويدعو للخنوع والاستسلام وتحريم المعارضة وعدم نقض بيعة الظالم والرضا به
على كل حال، وبعضها استغل الفرصة للقضاء على الإسلام وأهله، فدعا بدعوات
ضالة جاهلية، دعا إلى إباحة المحرمات والأموال والنساء وترك الواجبات،
كالقرامطة والمزدكية والخرمية وأمثالهم، وبعضهم دعا إلى الفوضى والتخريب
وإباحة الدماء وتكفير الجميع كالخوارج ومن تأثر بتيارهم.
وهكذا تبلبل الفكر السياسي ونشأت الاضطرابات والحروب الداخلية،
وفي كل مشكلة فكرية وعقائدية تعايشها الأمة يكون أهل البيت (عليهم السلام) هم الفئة
الرائدة والمركزية الرسالية الموجهة للتيار السليم، والمثبتة لمنهج الحق، فيتبع رأيهم،
(1) حلية الأولياء 3: 194.
128
ويأخذ بموقفهم المسلمون، العلماء والعامة، عدا من يرتبط بالسلطة، ويبرر لها
تصرفها، ويدافع عن مصالحه المرتبطة بمصالحها.
وفي بحثنا هذا سنتحدث باختصار عن منهج أهل البيت (عليهم السلام) في العمل
السياسي.
إن من يستقرئ سياسة أهل البيت (عليهم السلام) وكفاحهم وعملهم السياسي
- الظاهر منه والخفي - خلال قرنين ونصف تقريبا من الزمان، يستطيع أن يكتشف
أن عملهم كان يرتكز على المبادئ الآتية:
1 - تربية الأمة على كراهية الظلم، وتركيز مفهوم العدل، وشرح فكرة
الإمامة والسياسة، وتوضيح أسس الحكم والسياسة في الإسلام، لتنمية الوعي
السياسي في الأمة، وتعميق حسها وزيادة نقمتها على الظالمين، وتحريك ركودها،
ومن يستقرئ ما صدر عن أهل البيت (عليهم السلام) وما رووا ونشروا في هذا الشأن
من روايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكتشف أهمية هذه الخطوة في إيقاظ الحس
السياسي وتعميق الوعي الإسلامي. نذكر نماذج من الروايات والأحاديث
التي تتحدث عن السلطة ومسؤولية الحاكم المسلم، ورفض الإسلام للظلم ودعوته
للعدل، لنقف على جانب من فكر أهل البيت (عليهم السلام) ومنهجهم في مقاومة الظلم
وتحريك الركود السياسي ودفع الأمة للإصلاح والتغيير.
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن شيخا من النخع قال:
" قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني لم أزل واليا منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا،
فهل لي من توبة؟ قال: فسكت، ثم أعدت عليه، فقال: لا؛ حتى تؤدي إلى
129
كل ذي حق حقه " (1).
وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال:
" لما حضرت علي بن الحسين (عليه السلام) الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني،
أوصيك بما أوصاني به أبي (عليه السلام) حين حضرته الوفاة، وبما ذكر بأن أباه أوصاه به،
قال: يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله " (2).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:
" ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلا الله
عز وجل " (3).
وروى الصادق (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة " (4).
وعن الصادق (عليه السلام):
" إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين
أن ائت هذا الجبار فقل له: إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال،
وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين، فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا
كفارا " (5).
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " العالم بالظلم، والمعين له، والراضي به،
شركاء ثلاثتهم " (6).
وقال (عليه السلام): " من عذر ظالما بظلمه، سلط الله عليه من يظلمه، فإن دعا
لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته " (7).
(1 - 7) الكليني؛ الأصول من الكافي، الجزء الثاني، باب الظلم.
130
وروى أبو بصير قال:
" دخل رجلان على الإمام الصادق (عليه السلام) في مداراة بينهما ومعاملة،
فلما أن سمع كلامهما قال: أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم
يأخذ من دين الظالم، أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم. ثم قال: من يفعل الشر
بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس يحصد
أحد من المر حلوا، ولا من الحلو مرا، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما " (1).
وورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من مشى مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج عن الإسلام " (2).
ورووا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها، وجور
ساعة في حكم أشد وأعظم عند الله من المعاصي ستين سنة " (3).
وورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من أرضى سلطانا بسخط الله خرج من دين الله " (4).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من ولي عشرة فلم يعدل بينهم، جاء يوم
القيامة ويداه ورجلاه ورأسه في ثقب فأس " (5).
(1) الكليني؛ الكافي، الجزء الثاني، باب الظلم.
(2) الطبرسي؛ مشكاة الأنوار، فصل الظلم: 315.
(3) الطبرسي؛ مشكاة الأنوار، فصل الظلم: 316.
(4) الطبرسي؛ مشكاة الأنوار، فصل الظلم: 318.
(5) الطبرسي؛ مشكاة الأنوار: 316.
131
وجاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): " أيما رجل ولي
شيئا من أمور المسلمين فأغلق بابه دونهم وأرخى ستره، فهو في مقت من
الله عز وجل، ولعنه حتى يفتح بابه فيدخل إليه ذو الحاجة ومن كانت له
مظلمة " (1).
وهكذا كان منهجهم في تربية أصحابهم وتوجيه الرأي العام الإسلامي
نحو التغيير والإصلاح، والدخول في ميدان العمل السياسي من بابه الطبيعي.
2 - المقاطعة:
أما الأسلوب الثاني من أساليب العمل السياسي الذي لجأ إليه
أهل البيت (عليهم السلام) كلما تغشى الظلم والانحراف في الفهم والتطبيق، فقد اتخذوا
بالإضافة إلى التوجيه وتعميق الوعي والحس السياسي، اتخذوا أسلوب المقاطعة،
وقد قرأنا الحديث الشريف.
وهكذا تأتي الدعوة صريحة إلى مقاطعة الظالمين وعدم معاونتهم، فقد ورد
في حديث آخر:
" إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة وأعوانهم، من لاق لهم دواة،
أو ربط لهم كيسا، أو مد لهم مدة قلم، فاحشروهم معهم " (2).
نذكر نموذجا لهذه المقاطعة، هو موقف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من الحكام
الأمويين والعباسيين في عهد الإمام علي بن الحسين السجاد ثم الإمام محمد الباقر
(1) الطبرسي؛ مشكاة الأنوار: 316.
(2) المجلسي؛ بحار الأنوار 75: 372، عن كتاب ثواب الأعمال.
132
وجعفر الصادق وموسى بن جعفر وعلي بن موسى (1) ومحمد الجواد (2) والإمام
الهادي والإمام الحسن العسكري (عليهم السلام).
وهكذا كانت هذه الفترة فترة مقاطعة وعدم استجابة للحكام أو أي تعاون
معهم... وقد عانى أهل البيت (عليهم السلام) من الحكام الأذى والمطاردة والمراقبة والسجن
والتشريد والضغط والإرهاب، سنعرض جانبا منها.
ولنضرب مثلا لتلك المقاطعة، موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من الخليفة
العباسي أبي جعفر المنصور الذي عرف بقسوته وسفكه للدماء وظلمه لذرية الإمام
علي (عليه السلام). فقد ذكر المؤرخون أن المنصور كتب إلى الإمام الصادق (عليه السلام) كتابا يطلب
منه مصاحبته ويحاول جعله من علماء السلطة، فرفض الإمام (عليه السلام) رغم الإرهاب
وقساوة الظروف، ورد على المنصور ردا حاسما.
جاء في كتاب المنصور:
" ولم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فكتب إليه الصادق (عليه السلام): ليس لنا
ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة
فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزيك. فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فأجاب
(1) قاطع الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الحكام في عصره، إلا أنه لظروف خاصة قبل ولاية
عهد المأمون وبشروط وتحفظات تحفظ للإمام بعده عن سوء التصرف وسوء استعمال السلطة
والتسلط الظالم.
(2) أما الإمام الجواد (عليه السلام) فلم تطل فترة حياته، وزوجه الخليفة المأمون ابنته، وحاول تكوين
علاقة معه لاستمالة الرأي العام الموالي لأهل البيت (عليهم السلام)، ومع ذلك فإن الإمام الجواد لم يساهم
في شيء، ولم يعن المأمون أو يتعاون معه.
133
الصادق (عليه السلام): من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك " (1).
وهكذا كان رد الإمام وموقفه من الحاكم الذي لا يطبق أحكام الشريعة
ولا يلتزم بمبادئها.
وعلى هذا النهج، نهج مقاطعة الحكام الذين يمارسون الظلم ولا يطبقون
أحكام الشريعة، سار فقهاء أهل البيت (عليهم السلام)، فأفتوا بحرمة معونة الظالم، أو تولي
الوظائف له، فقد ثبت الفقهاء جميعهم ذلك في كتب الفقه - باب المكاسب المحرمة -
نذكر منها قول الشهيد السعيد محمد بن جمال مكي العاملي (رحمه الله)، المعروف ب (الشهيد
الأول) (2)، قال (رحمه الله) - في معرض تعداده للمكاسب المحرمة -:
" ومعونة الظالمين بالظلم. وعلق الشارح عليها بقوله: كالكتابة لهم وإحضار
المظلوم ونحوه " (3).
وحرم الفقهاء قبول الوظائف للظالم أو الانضمام إلى أي مجال من مجالات
السلطة، إلا إذا كان الهدف خدمة الإسلام من خلال الموقع ودفع الظلم عن
الآخرين، وعدم معونة الظالم بشكل يفوق ما يحققه من يتولى منصبا من إصلاح
ومنفعة.
3 - الثورة وإسناد الثوار واستعمال القوة:
مبدأ الثورة ضد الظالم وعدم إقرار الظلم، مبدأ إسلامي يقرره وجوب الأمر
(1) محمود أبو زهرة؛ الإمام الصادق (عليه السلام): 139.
(2) من عظماء فقهاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، عاش في الفترة ما بين 734 - 786 ه.
(3) الشهيد الثاني؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الأول 3: 213، الطبعة
الثانية.
134
بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلزم المسلمين به.
ومن يتابع سيرة أهل البيت (عليهم السلام) السياسية وكفاحهم ومعارضتهم، يجدهم
خط معارضة ودعاة إصلاح وكفاح وقادة مسيرة السياسة، فقد رفض
أهل البيت (عليهم السلام) مبدأ الوراثة في الحكم الذي فرض على الأمة الإسلامية أيام
معاوية بن أبي سفيان، وتسلط ابنه يزيد على رقاب المسلمين، والذي لم يكن مؤهلا
للخلافة، وفاقد لكل شرط من شروطها، فجرها إلى الفساد والانحراف، مما جعل
الإمام الحسين السبط بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعلن الثورة، ويتوجه من المدينة
إلى العراق بعد أن استقر في مكة نحو أربعة أشهر، وهناك في كربلاء في أرض العراق
كانت المعركة وانطلاقة الثورة وشلال الدم المقدس وشهادة الحسين السبط (عليه السلام)،
فهز ضمير الأمة وحرك ركودها بدمه الطاهر ودم أهل بيته وصحبه الأبرار،
الذين نيف عددهم على السبعين شهيدا. لقد كانت هذه الثورة أول ثورة في الإسلام
ضد الحاكم الظالم وخلع البيعة المزيفة والإعلان عن إسقاط الحكم الفاسد المخالف
لمبادئ الإسلام، مقابل دعوات الخنوع والاستسلام وتخدير الرأي العام من قبل
علماء البلاط الذين كانوا يرفعون شعار الالتزام بالبيعة للظالم والوفاء بالعهد له
مهما يفعل، متناسين قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ليس لمستعص يمين ".
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
ومتغافلين عن قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (1).
أما السبط الشهيد الحسين بن علي (عليه السلام) فقد رفع شعار الثورة واستشهد
في العاشر من محرم عام 61 ه في كربلاء العراق، ومزق كل تلكم الشعارات.
(1) هود: 113.
135
موقفه (عليه السلام) من الحكم الأموي
ولد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في عهد عبد الملك بن مروان
سنة 83 للهجرة (1) وعاصر عشرة من حكام بني أمية، وهم:
عبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر
ابن عبد العزيز، الذي وجد الناس في عهده بعض العدل الذي فقدوه زمانا،
واستراحوا في أيامه القليلة، ويزيد بن عبد الملك الذي فكر أن يسير بسيرة سلفه
عمر بن عبد العزيز غير أنه لم يوفق، ومن بعده جاء هشام بن عبد الملك، هذا الجبار
الحاقد على أهل البيت، والوليد الفاجر بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد الثالث
الملقب بالناقص (2)، وإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، وآخرهم مروان بن محمد
المعروف بالحمار (3).
وكشفا لأعمال حكام بني أمية وفضح جرائمهم وما عاناه الإمام الصادق (عليه السلام)
نوضح بعض سلوكهم.
1 - عبد الملك بن مروان:
ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة
(1) الكليني؛ أصول الكافي 1: 306.
(2) ابن الأثير؛ الكامل في التأريخ 4: 499.
(3) المسعودي؛ مروج الذهب 3: 240.
136
ابن أبي العاص، فهو أموي بين أمويين. وكان جده المغيرة من أشد الناس عداء
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فظفر به (صلى الله عليه وآله وسلم) في خروجه لغزوة (حمراء الأسد) فأمر بضرب
عنقه.
قال ابن كثير: المغيرة جد عبد الملك لأمه، وهو الذي جدع أنف حمزة
يوم أحد.
تولى عبد الملك الحكم بعهد من أبيه مروان سنة 65 ه. وبقي في الملك إلى
سنة 86 ه. وهي سنة هلاكه، ومدة حكمه 21 سنة وأشهر.
وكان قبل ولايته يجالس العلماء، ويحفظ الحديث ويتعبد في المسجد
وكان متقشفا، وقد أنكر على يزيد بن معاوية حربه لعبد الله بن الزبير، وقال
- لبعض من سار في ذلك الجيش -: ثكلتك أمك أتدري إلى من تسير؟ إلى أول
مولود ولد في الإسلام، ومن حنكه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن حواريه، وابن
ذات النطاقين. أما والله إن جئته نهارا وجدته صائما، وإن جئته ليلا وجدته قائما،
فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعا في النار. متناسيا أفعال يزيد
واقترافه جرائم عظيمة بحق أهل البيت (عليهم السلام) وقتل سيد الشهداء الحسين بن
علي (عليه السلام) وأهله وأصحابه وسبي ذراريه.
قال ذلك الرجل - الذي خاطبه عبد الملك بهذا -: فلما صارت الخلافة
إلى عبد الملك وجهنا عبد الملك مع الحجاج حتى قتلناه، أي ابن الزبير.
وذلك أن عبد الملك بن مروان - عندما ولي الخلافة - أرسل الحجاج
ابن يوسف لحرب ابن الزبير في جيش من أهل الشام، وحوصر ابن الزبير ستة
أشهر وسبع عشرة ليلة في بيت الله الحرام، وكان الحجاج يرمي الكعبة بالمنجنيق
من جبل أبي قبيس.
137
روى ابن عساكر: أن الحجاج لما رمى الكعبة بالمنجنيق أخذ قومه يرمون
من أبي قبيس ويرتجزون:
خطارة مثل الفنيق المزبد * أرمي بها أعواد هذا المسجد
فجاءت صاعقة فأحرقتهم، فامتنع الناس من الرمي، وخطب بهم الحجاج
فقال: ألم تعلموا أن بني إسرائيل كانوا إذا قربوا قربانا فجاءت نار فأكلته، علموا
أنه قد تقبل منهم، وإن لم تأكله النار علموا أن القربان لم يقبل!!
ولم يزل يخدعهم حتى عادوا فرموا الكعبة مجددا. ودام الحصار والرمي
للكعبة حتى قتل عبد الله بن الزبير في جمادى الآخرة سنة 83 ه وصلبه الحجاج
منكوسا بعد قتله وبعث رأسه إلى عبد الملك بن مروان فطيف به في البلاد.
ولما أفضى الأمر إليه [عبد الملك] كان المصحف بيده فأطبقه وقال: هذا آخر
العهد بك، أو هذا فراق بيني وبينك.
قال ابن كثير: حج عبد الملك في سنة 75 ه وخطب الناس بخطبة قال فيها:
إنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون ويؤكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة
إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف - يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن
- يعني معاوية - ولا الخليفة المأفون - يعني يزيد بن معاوية -.
أيها الناس، إنا نحتمل منكم ما لم يكن عقد راية، أو وثوب على منبر،
هذا عمرو بن سعيد حقه حقه قرابته وابنه قال برأسه هكذا قلنا بسيفنا هكذا.
وإن الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهدا أن لا أضعها
في رأس أحد إلا أخرجها الصعداء فليبلغ الشاهد الغائب.
وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق، قتله عبد الملك بيده سنة 69 ه
وقال - بعد أن فرغ من قتله -: كان أبو أمية أحب إلي من زهر النواظر، ولكن والله
138
ما اجتمع فحلان في شول قط إلا أخرج أحدهما صاحبه.
وكان قتله لعمرو بن سعيد غدرا لأنه آمنه وحلف له وجعله ولي عهده
من بعده.
وكان عبد الملك له إقدام على سفك الدماء، ولما قالت له أم الدرداء:
بلغني أنك شربت الطلى بعد العبادة والنسك!!
فقال: أي والله، والدماء أيضا شربتها.
وكانت أول بادرة صدرت منه وتعتبر منهاجا لسيرته أنه نهى عن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال: لا يأمرني أحد بتقوى الله إلا ضربت عنقه.
وهو الذي حمل الحجاج بن يوسف على رقاب المسلمين عندما ولاه
على الحجاز والعراق.
وسئل الحسن البصري عن عبد الملك بن مروان فقال: ما أقول في رجل،
الحجاج سيئة من سيئاته.
ولما حضرته الوفاة أوصى ولده الوليد في أخذ البيعة له بالسيف، وقال
وهو في آخر ساعة من الدنيا: يا وليد، حضر الوداع وذهب الخداع وحل القضاء،
فبكى الوليد.
فقال له عبد الملك: لا تعصر عينيك كما تعصر الأمة الوكاء، إذا أنا مت
فغسلني وكفني وصل علي وأسلمني إلى عمر بن عبد العزيز يدليني في حفرتي،
واخرج أنت إلى الناس والبس لهم جلد نمر، واقعد على المنبر، وادع الناس
إلى بيعتك، فمن مال بوجهه كذا فقل له بالسيف كذا، وتنكر للصديق والقريب،
واسمع للبعيد، وأوصيك بالحجاج خيرا.
وبهذا نأخذ صورة عن كيفية أخذ البيعة من الناس لخليفة جديد، يتولى
139
إدارة شؤون الأمة الإسلامية، فهل للأمة اختيار في الانتخاب أم إنها مرغمة ليس
لها أي رأي؟! ولا يحق لها الاعتراض على شيء من ذلك، والمعارض يقتل!!
فهل تصح مثل هذه البيعة التي سن نظامها العهد الأموي؟ وهل يصح
أن يسمى من يفوز بمثل هذا التعيين الإجباري بأمير المؤمنين ويكتب ذلك
بحروف بارزة؟!!
أنا لا أدري، ولعل هناك من يدري، وإلى القارئ النبيه الحكم.
وكان عبد الملك يبتعد عن دماء بني هاشم لا تدينا ولكنه رأى عاقبة
آل أبي سفيان السيئة من وراء ذلك، كما يشير بكتابه للحجاج بن يوسف في
عدم التعرض لهم، ومع هذا فقد حمل الإمام زين العابدين (عليه السلام) مقيدا من المدينة
إلى الشام، كما حدث الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء (1). ولا يسعنا التوسع
في البحث عن عبد الملك وأعماله وسوء سيرة عماله في الرعية (2).
2 - الوليد بن عبد الملك:
ولي الأمر بعد أبيه يوم الخميس في النصف من شوال سنة 86 ه وهو اليوم
الذي مات فيه عبد الملك. وكان الوليد ولي عهده. وبقي واليا إلى أن مات
يوم السبت في النصف من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين. وكانت مدة ولايته
تسع سنين وسبعة أشهر وله ست وأربعون سنة. وأمه ولادة بنت العباس بن جزء
ابن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي. وكان الوليد له سطوة شديدة لا يتوقف
(1) حلية الأولياء 3: 135.
(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 109 - 113.
140
إذا غضب. وكان كثير النكاح والطلاق، يقال إنه تزوج ثلاثا وستين امرأة
غير الإماء، وكان لجوجا، كثير الأكل، وكان يغلب عليه اللحن.
وهو الذي بنى جامع دمشق، والذي عرف بالجامع الأموي، وأنفق على ذلك
أربعمائة صندوق من الذهب، وفي كل صندوق أربعة عشر ألف دينار، وقيل:
كان في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار. وقد لامه الناس على ذلك وإنه أنفق
مال بيت المسلمين فخطبهم وقال: إنما هذا كله من مالي!!
لأن الأمويين يعدون الأموال التي تجبى لهم هي ملكهم يتصرفون بها
كيف شاءوا. كما إنه زاد في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزخرفه ونمقه ورصعه بالفسيفساء
وهي الفص المذهب، وأدخل فيه حجر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المنازل
التي حوله، فقال له خبيب بن عبد الله بن الزبير: أنشدك الله أن تهدم آية من
كتاب الله: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) (1)، فأمر الوليد بضربه،
فضرب حتى مات!!
وفي أيامه قضى الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) مسموما وذلك
في الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 95 ه، وكان الوليد هو الذي دس
إليه السم، ويقال: إن هشام بن عبد الملك هو الذي دس إليه السم بأمر
من الوليد (2).
وقد مات الوليد في السنة الثانية 96 ه في النصف من جمادى الآخرة
أو الأولى.
(1) سورة الحجرات (49)، الآية 4.
(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 113 - 115.
141
وكان يدعي نزول الوحي عليه وإنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى،
وبهذا ينطبق عليه الحديث الشريف: " إن في ثقيف مبير وكذاب "، وقد حققنا ذلك
في غير هذا المكان (1).
وبعد هلاك الوليد خطط بعض المخالفين من أجل الوصول إلى السلطة،
ولما رأوا في الإمام الصادق (عليه السلام) الشخصية الدينية المرموقة، قرروا أن يتخذوا
من شخصيته وسيلة لتحقيق هدفهم المنشود، ولهذا اجتمعوا بالإمام (عليه السلام) وطلبوا
منه التعاون معهم، فرفض الإمام ذلك، ورد عليهم... فخرجوا صاغرين.
والآن... إليك هذا الحديث الذي يروي جانبا من القصة:
345 - الكافي - التهذيب:... عن زرارة، عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي،
قال: كنت قاعدا عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة
فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة وناس
من رؤسائهم وذلك حدثان قتل الوليد واختلاف أهل الشام بينهم، فتكلموا
وأكثروا، وخطبوا فأطالوا، فقال لهم أبو عبد الله (عليه السلام): إنكم قد أكثرتم علي،
فأسندوا أمركم إلى رجل منكم وليتكلم بحججكم [ويوجز].
فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد، فتكلم فأبلغ وأطال، فكان فيما قال
[أن قال:] قد قتل أهل الشام خليفتهم وضرب الله عز وجل بعضهم ببعض
وشتت الله أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل ومروة وموضع ومعدن
للخلافة وهو محمد بن عبد الله بن الحسن فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ثم نظهر معه
فمن كان بايعنا فهو منا وكنا منه، ومن اعتزلنا كففنا عنه، ومن نصب لنا جاهدناه
(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 113 - 115.
142
ونصبنا له على بغيه ورده إلى الحق وأهله.
وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخل معنا [فيه] فإنه لا غنى بنا
عن مثلك لموضعك وكثرة شيعتك.
فلما فرغ قال أبو عبد الله (عليه السلام): أكلكم على مثل ما قال عمرو [بن عبيد]؟
قالوا: نعم.
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: إنما نسخط إذا عصي
الله، فأما إذا أطيع رضينا، أخبرني يا عمرو لو أن الأمة قلدتك أمرها وولتك
بغير قتال ولا مؤونة وقيل لك: ولها من شئت، من كنت موليها؟
قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين.
قال (عليه السلام): بين المسلمين كلهم؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): بين فقهائهم وخيارهم؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): قريش وغيرهم؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): والعرب والعجم؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): أخبرني يا عمرو، أتتولى أبا بكر وعمر أو تتبرأ منهما؟ قال:
أتولاهما.
فقال (عليه السلام): فقد خالفتهما. ما تقولون أنتم، تتولونهما أو تتبرؤون منهما؟
قالوا: نتولاهما.
قال (عليه السلام): يا عمرو إن كنت رجلا تتبرأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف عليهما،
وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما، قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور
[فيه أحدا ثم ردها أبو بكر عليه ولم يشاور فيه] أحدا ثم جعلها عمر شورى
بين ستة وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار غير أولئك الستة من قريش
143
وأوصى فيهم شيئا لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك إذ جعلتها شورى بين جميع
المسلمين.
قال: وما صنع؟
قال (عليه السلام): أمر صهيبا (1) أن يصلي بالناس ثلاثة أيام وأن يشاور أولئك الستة
ليس معهم أحد إلا ابن عمر [يشاورونه] وليس له من الأمر شيء، وأوصى
من بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا أو يبايعوا
[رجلا] أن يضربوا أعناق أولئك الستة جميعا، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي
ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضربوا أعناق [أولئك] الاثنين، أفترضون بهذا أنتم
فيما تجعلون من الشورى في جماعة من المسلمين؟
قالوا: لا.
ثم قال (عليه السلام): يا عمرو! دع ذا، أرأيت لو بايعت صاحبك الذي تدعوني
إلى بيعته ثم اجتمعت لكم الأمة فلم يختلف عليكم رجلان فيها فأفضتم إلى
المشركين الذين لا يسلمون ولا يؤدون الجزية أكان عندكم وعند صاحبكم
من العلم ما تسيرون [فيه] بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المشركين في حروبه؟
قال: نعم.
قال (عليه السلام): فتصنع ماذا؟ قال: ندعوهم إلى الإسلام فإن أبوا دعوناهم
إلى الجزية.
قال (عليه السلام): وإن كانوا مجوسا ليسوا بأهل الكتاب؟ قال: سواء.
[قال (عليه السلام): وإن كانوا مشركي العرب وعبدة الأوثان؟ قال: سواء].
(1) صهيب بن سنان الرومي: صحابي توفي سنة ثمان وثلاثين، ودفن بالبقيع. الاستيعاب.
144
قال: أخبرني عن القرآن تقرؤه؟ قال: نعم.
قال: اقرأ (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم
الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون) (1) فاستثناء الله عز وجل واشتراطه من الذين أوتوا الكتاب فيهم
والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): عمن أخذت ذا؟ قال: سمعت الناس يقولون.
قال (عليه السلام): فدع ذا، فإن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع
بالغنيمة؟
قال: أخرج الخمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه.
قال (عليه السلام): أخبرني عن الخمس من تعطيه؟
قال: قال: حيثما سمى الله، قال: فقرأ (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله
خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (2).
قال (عليه السلام): الذي للرسول من تعطيه؟ ومن ذوي القربى؟
قال: قد اختلف فيه الفقهاء، فقال بعضهم: قرابة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته،
وقال بعضهم: الخليفة، وقال بعضهم: قرابة الذين قاتلوا عليه من المسلمين.
قال (عليه السلام): فأي ذلك تقول أنت؟ قال: لا أدري.
قال (عليه السلام): فأراك لا تدري فدع ذا.
ثم قال (عليه السلام): أرأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟
(1) سورة التوبة (9)، الآية 29.
(2) سورة الأنفال (8): الآية 41.
145
قال: نعم.
قال: فقد خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سيرته، بيني وبينك فقهاء أهل المدينة
ومشيختهم فاسألهم فإنهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إنما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا، على إن دهمه من عدوه
دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب، وأنت تقول: بين
جميعهم. فقد خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل ما قلت في سيرته في المشركين،
ومع هذا ما تقول في الصدقة؟ فقرأ عليه الآية: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها...) إلى آخر الآية (1).
قال (عليه السلام): نعم، فكيف تقسمها؟
قال: أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا.
قال (عليه السلام): وإن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف [منهم] رجلا واحدا
أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم.
قال (عليه السلام): وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟
قال: نعم.
قال (عليه السلام): فقد خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل ما قلت في سيرته، كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر
في أهل الحضر، ولا يقسمه بينهم بالسوية وإنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم،
وما يرى، وليس عليه في ذلك شيء موقت موظف وإنما يصنع ذلك بما يرى
على قدر من يحضره منهم.
(1) سورة التوبة (9)، الآية 60.
146
فإن كان في نفسك مما قلت شيء فالق فقهاء [أهل] المدينة فإنهم لا يختلفون
في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا كان يصنع.
ثم أقبل على عمرو بن عبيد فقال له: اتق الله، وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله
فإن أبي حدثني - وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله عز وجل وسنة
نبيه (صلى الله عليه وآله) - أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه
وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف (1).
الاحتجاج: عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)
بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة... وذكر نحوه (2).
3 - سليمان بن عبد الملك:
ولي الأمر بعد أخيه الوليد يوم السبت في النصف من جمادى الآخرة
سنة 96 ه بعهد من أبيه عبد الملك، وبقي واليا إلى أن مات يوم الجمعة لعشر خلون
من صفر سنة 99 ه، وكانت ولايته عامين وتسعة أشهر وأيام، وهو شقيق الوليد،
وأراد الوليد أن يعزل سليمان عن ولاية العهد ويبايع لولده عبد العزيز فأبى سليمان،
فكتب الوليد إلى عماله، ودعا الناس إلى ذلك، فلم يجبه إلا الحجاج وقتيبة
ابن مسلم. ولهذا غضب سليمان على آل الحجاج ونكبهم، وقتل قتيبة بن مسلم
سنة 96 ه وعزل عمال الحجاج، وعذب أهله، وأطلق في يوم واحد من المسجونين
في سجن الحجاج واحدا وثمانين ألفا من الأسراء وأمرهم أن يلحقوا بأهاليهم،
(1) الكافي 5: 23، الحديث الأول. التهذيب 6: 138، الحديث 261.
(2) الاحتجاج: 362 - 364.
147
ووجد في سجن الحجاج ثلاثين ألفا ممن لا ذنب لهم، وثلاثين ألف امرأة،
وسجن يزيد بن مسلم كاتب الحجاج، وأدخل عليه وهو مكبل في الحديد فلما رآه
سليمان ازدراه فقال: ما رأيت كاليوم قط، لعن الله رجلا أجرك رسنه وحكمك
في أمره.
فقال له يزيد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنك رأيتني والأمر عني مدبر
وعليك مقبل.
ثم قال سليمان: عزمت عليك لتخبرني عن الحجاج ما ظنك به؟ أتراه يهوي
بعد في جهنم أم قد استقر؟
قال: لا تقل هذا في الحجاج، فقد بذل لكم نصحه، وأحقن دونكم دمه،
وآمن وليكم، وأخاف عدوكم، وإنه يوم القيامة لعن يمين أبيك عبد الملك،
ويسار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت.
فقال سليمان: أخرج عني إلى لعنة الله.
وكان سليمان يأخذ برأي عمر بن عبد العزيز في بعض أموره يستشيره فيها.
وقال له: إنه قد ولينا ما ترى، وليس لنا علم بتدبيره، فما رأيت من مصلحة العامة
فمر به فليكتب.
فكان رد الصلاة إلى ميقاتها، بعد أن كانوا يؤخرونها إلى آخر وقتها.
وقد أجمع المؤرخون على شدة نهم سليمان وإنه يأكل كثيرا يجوز المقدار.
وقال بعضهم: كان يأكل مائة رطل، وغير ذلك مما ذكروه.
وكان يلبس الثياب الرقاق، وثياب الوشي، ولبس الناس جميعا الوشي
جبابا وأردية وسراويل وعمائم وقلانس، وألبس جميع أهله وحاشيته الوشي،
حتى الطباخين، وأمر أن يكفن فيه، وكان مجحفا في جباية الأموال.
148
فمن ذلك أنه كتب إلى عامله على خراج مصر - وهو أسامة بن زيد
التنوخي -: إحلب الدر حتى ينقطع، واحلب الدم حتى ينصرم.
قال الكندي: فذلك أول شدة دخلت على أهل مصر.
وقد أعجب سليمان بفعل أسامة وقال: هذا أسامة لا يرتشي دينارا
ولا درهما.
فقال له عمر بن عبد العزيز: أنا أدلك على من هو شر من أسامة ولا يرتشي
دينارا ولا درهما.
فقال سليمان: ومن هو؟
قال: هو عدو الله إبليس. فغضب سليمان وقام من مجلسه.
وقدم أسامة على سليمان بما اجتمع عنده من الخراج وقال: يا أمير المؤمنين،
إني ما جئتك حتى نهكت الرعية وجهدت، فإن رأيت أن ترفق بها وترفه عليها
وتخفف من خراجها ما تقوى به على عمارة بلادها فافعل، فإنه يستدرك ذلك
في العام المقبل.
فقال له سليمان: هبلتك أمك، إحلب الدر فإذا انقطع فاحلب الدم.
وغضب سليمان على أعظم قائد فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب
وهو موسى بن نصير، وكان من رجالات الكوفة العسكريين، وزهادها المؤمنين!
ممن عرف بولائه لأهل البيت (عليهم السلام) واستقامته، ولعل من هذا كان سخط سليمان
عليه بعد تلك الأعمال الجليلة والفتوحات العظيمة كما هو مشهور.
وقد أهمل كثير من المؤرخين عظيم بلائه وجهاده في نشر الإسلام واتساع
رقعته، وأشادوا بذكر مولاه طارق بن زياد الذي كان تحت إمرته ويسير على
مخططاته العسكرية.
149
كانت لموسى هذا مواقف مشهورة، ففتح بلاد المغرب، وغنم أموالا طائلة
وكان يوجه ولده عبد العزيز، ومولاه طارق بن زياد لافتتاح المدن، ولكن سليمان
وجد على موسى فقتل ولده عبد العزيز الذي افتتح في إمارته مدائن كثيرة.
وكان عبد العزيز متصفا بالزهد والصلاح، ولكن بعض المؤرخين حاكوا
حوله تهمة لا تتفق مع ما يتصف به من الاستقامة وحسن السيرة، وكان قتله
سنة 98 ه.
قال ابن الأثير: ويعدون ذلك من زلات سليمان.
وكان والده موسى قد سخط عليه سليمان وعذبه أنواع العذاب، وضمنه أربعة
آلاف دينار وثلاثين ألف درهم.
ولما قتل عرض رأسه عليه فتجلد للمصيبة وقال: هنيئا له بالشهادة،
وقد قتلتموه والله صواما قواما.
وكان موسى ممن عرف هو وأبوه نصير بولائه لآل محمد (عليهم السلام)، ولقد غضب
معاوية عليه إذ لم يخرج معه لصفين (1).
4 - عمر بن عبد العزيز:
أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وأمه أم عاصم ليلى
بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
ولي بعهد من سليمان بن عبد الملك يوم الجمعة لعشر خلون من صفر
سنة 99 ه. وبقي واليا إلى أن مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة 101 ه.
(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 115 - 117.
150
ومدة خلافته سنتان وخمسة أشهر وخمسة أيام. وكان أبوه عبد العزيز المتوفى
سنة 86 ه ولي عهد مروان بعد أخيه عبد الملك، ولكنه مات قبله.
وكان عمر بن عبد العزيز يعيش في ترف وبذخ ويبذل الأموال الطائلة
في سبيل مأكله وملبسه، حتى ذكر أنه كان يلبس الثوب الذي اشتراه بأربعمائة
دينار ويقول: ما أخشنه (1)؟!
وكان قد تقنع بقناع الدين والصلاح، مقدمة تمهيدية لوصوله إلى الحكم
والسلطة.
ولما تسلم زمام الحكم، كانت الحكومة الأموية مهددة بالسقوط والانهيار،
فالأوضاع الاقتصادية متردية جدا، والضرائب الباهظة قد أثقلت كاهل الأمة،
والحالة الأمنية مفقودة، والقتل والإرهاب قد ساد العباد والبلاد، والاستياء العام
من الحكومة قد بلغ أشده.
فأسرع إلى تبديل سياسة أسلافه، محاولة منه للمحافظة على حكومته
المذبذبة... فأمر بتخفيف الضرائب والخراج عن الناس، كما رد فدك إلى ولد
فاطمة (عليها السلام)، ومنع الناس من سب خليفة رسول الله الإمام أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) والذي كان قد ساد على المنبر والمجامع سبعين سنة!!
كما منح بعض الحريات للناس، امتصاصا للنقمة العارمة على بني أمية.
هذه الخطوات غطت على شخصيته المنحرفة، فاغتر الناس بأعماله ومدحه
المؤرخون وأثنوا عليه.
إلا أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يدركون حقائق الأمور بصورة جيدة،
(1) طبقات الصحابة 5: 246.
151
بل كانوا يخبرون عنها قبل وقوعها، وذلك لما ورثوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
من المواريث والعلوم، ولما منحهم الله سبحانه من التوسم (إن في ذلك لآيات
للمتوسمين) ولذا ورد ذمه - على لسانهم - وأنه ملعون.
وفي هذا المجال نذكر هذين الحديثين:
1 - روي أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال لعبد الله بن عطاء: أترى
هذا المترف؟؟ - وأشار إلى عمر بن عبد العزيز - إنه لن يموت حتى يلي الناس،
فلا يلبث إلا يسيرا حتى يموت، فإذا مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل
الأرض (1).
2 - وعن أبي بصير، قال: كنت مع الباقر (عليه السلام) في المسجد إذ دخل عمر
ابن عبد العزيز، وعليه ثوبان ممصران، متكئا على مولى له، فقال (عليه السلام): ليلين
هذا الغلام [أي: سوف يتولى السلطة] فيظهر العدل... ثم يموت، فيبكي عليه
أهل الأرض ويلعنه أهل السماء.
قال (عليه السلام): يجلس في مجلس لا حق له - أي الخلافة (2) -.
5 - يزيد بن عبد الملك:
يزيد بن عبد الملك بن مروان، أمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية. تولى الحكم
بعد عمر بن عبد العزيز سنة 101 ه. وبقي إلى أن مات ليلة الجمعة لأربع بقين
من شعبان سنة 105 ه فكانت ولايته أربعة أعوام وشهرا واحدا ويومين. وكان
(1) البحار 46: 23.
(2) سفينة البحار 1: 272.
152
يزيد صاحب لهو ولذة، وهو صاحب حبابة وسلامة وهما جاريتان وكان مشغوفا
بهما، وماتت حبابة فمات بعدها بيسير أسفا عليها، وكان قد تركها أياما لم يدفنها،
لعدم استطاعته فراقها، فعوتب على ذلك فدفنها، ويقال إنه نبشها بعد الدفن
حتى شاهدها (1).
6 - هشام بن عبد الملك:
هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، ولي الأمر بعهد من أخيه يزيد
ابن عبد الملك سنة 105 ه لخمس بقين من شعبان وبقي إلى سنة 125 ه وهي سنة
وفاته. وكانت مدة ملكه تسع عشرة سنة وسبعة أشهر غير أيام. وأمه بنت هشام
ابن إسماعيل المخزومي.
كان هشام يعد من دهاة بني أمية، وقرنوه بمعاوية وعبد الملك وقد عرف
بالغلظة وخشونة الطبع وشدة البخل وسوء المجالسة، وكان أحول، وهو الرابع
من أولاد عبد الملك الذين تولوا الحكم.
وكان شديد البغض للعلويين، حاول الانتقام منهم والانتقاص لهم كلما
أمكنته الفرصة.
حج هشام قبل أن يلي الخلافة فطاف في البيت ولم يتمكن من استلام الحجر
من شدة الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وأهل الشام حوله، وبينما هو كذلك
إذ أقبل علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) فانفرج الناس له وصاروا سماطين،
إجلالا وهيبة واحتراما، فعظم على هشام وغاضه ذلك. وقال: من هذا؟!
(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 121 - 122.
153
استنقاصا له. وكان الفرزدق حاضرا فقال: أنا أعرفه.
فقال هشام: من هو؟
فأنشأ الفرزدق قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها:
يا سائلي أين حل الجود والكرم * عندي جواب إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
إلى آخر القصيدة.
فغضب هشام وأمر بسجن الفرزدق، وقد ذكرنا ذلك مفصلا في ترجمة الإمام
السجاد (عليه السلام)، الجزء السابع من هذه الموسوعة.
7 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك:
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وأمه أم الحجاج بنت محمد
ابن يوسف أخي الحجاج الثقفي.
ولي الأمر بعد هشام بعهد من يزيد بن عبد الملك، وتربع على سدة الحكم يوم
الأربعاء لست خلون من شهر ربيع الأول سنة 125 ه، وقيل لعشر خلون من ربيع.
بقي في الحكم إلى أن قتل يوم الخميس لليلتين بقيتا من شهر جمادى الآخرة
سنة 126 ه، فكانت ولايته سنة واحدة وشهرين.
قال ابن حزم: وكان الوليد فاسقا خليعا ماجنا.
وقال ابن فضل الله في (المسالك): الوليد بن يزيد فرعون ذلك العصر
الذاهب، يأتي يوم القيامة فيورد قومه النار ويرد بهم العار، وبئس الورد المورود،
رشق المصحف بالسهام، ولم يخش الآثام.
154
حين استفتح بالمصحف وخرجت الآية (واستفتحوا وخاب كل جبار
عنيد) (1) فغضب وقال:
تهددني بجبار عنيد * وها أنذا جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل: يا رب، مزقني الوليد
وقال القلقشندي: وكان مصروف الهمة إلى اللهو والأكل والشرب وسماع
الغناء.
وقال ابن كثير: كان هذا الرجل مجاهرا بالفواحش، مصرا عليها منتهكا
محارم الله عز وجل، لا يتحاشى من معصية، وربما اتهمه بعضهم بالزندقة
والانحلال.
واشتدت النقمة على الوليد، وثار الناس عليه بقيادة ابن عمه يزيد
ابن الوليد، وقال له يزيد بن عنبسة: ما ننقم عليك في أنفسنا، لكن ننقم عليك
انتهاك حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله.
وقتل يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة 126 ه وحمل رأسه
إلى يزيد بن الوليد فأمر أن يطاف به في البلد.
وفي أيامه قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام)، وذلك أنه خرج
من الكوفة بعد مقتل أبيه زيد وتوجه إلى خراسان (2).
8 - يزيد الناقص:
يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، ولي الأمر بعد قتل الوليد سنة 126 ه
(1) سورة إبراهيم: الآية 15.
(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 127 - 130.
155
وبقي إلى أن مات من نفس السنة، ومدة حكمه خمسة أشهر وليلتان!!
وإنما سمي بالناقص لأنه نقص الزيادة التي كان الوليد زادها في عطيات
الناس، وهي عشرة عشرة، ورد العطاء إلى ما كان أيام هشام.
وفي أيامه اضطرب حبل الدولة أشد مما كان عليه من قبل، ووقع خلاف
بين ولاة الأمصار، وثار أهل حمص، ووثب أهل فلسطين، ووقعت الحرب بين
أهل اليمامة وعاملهم، إلى غير ذلك من الأمور.
ومات يزيد ولم يعهد لأحد من بعده.
وكان مولاه قطن (وهو الموكل بخاتم الخلافة) قد افتعل عهدا على لسان يزيد
ابن الوليد لإبراهيم بن الوليد، ودعا أناسا فشهدوا عليه زورا (1).
9 - إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك:
هو إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، وأمه أم ولد اسمها نعمة.
ولي الأمر بعد أخيه يزيد بعهد منه زوره الموكل بالخاتم وهو مولاهم قطن، وذلك
في ذي الحجة سنة 126 ه، ولم يتم له الأمر لكثرة الثورات واختلاف الكلمة
وسقوط هيبة الدولة، وكان أتباعه يسلمون عليه تارة بالخلافة وتارة بالإمارة،
وكانت مدة ولايته ثلاثة أشهر، وقيل شهرين ويوم. وقد خلع نفسه وسلم الأمر
لمروان، وذلك في صفر سنة 127 ه. وقيل: إن مروان قتله بعد أن ظفر به وصلبه
وقتل جميع أصحابه، وقيل: غرق في الزاب، أو أنه قتل فيه (2).
(1) العقد الفريد 3: 194.
(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 131.
156
10 - مروان الحمار:
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم - المعروف بالحمار -، وأمه أم ولد
من الأكراد اسمها لبابة، ولي الحكم في صفر سنة 127 ه إلى أن قتل ببوصير
من أرض مصر لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع سنة 132 ه. وبه انتهى الحكم
الأموي وانتقل الأمر إلى بني العباس. وتفرق الأمويون في البلاد، وكانوا طعمة
للسيف وزالت دولتهم بعد أن حكمت البلاد إحدى وتسعين سنة وتسعة أشهر.
وأول من ولي الحكم من بني العباس هو: أبو العباس السفاح عبد الله
ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، بويع في ربيع الآخر سنة 132 ه،
ومات في ذي الحجة سنة 136 ه (1).
أيها القارئ الكريم: كانت هذه نظرة سريعة عن تأريخ الحكام الأمويين
(المروانيين)، وقد عرفت أن استيلاءهم على منصة القيادة الإسلامية لم يكن
بانتخاب المسلمين، ولا بالشورى ولا بالمؤهلات التي أهلتهم للخلافة، بل يكفي
أن يوصي السابق إلى اللاحق، وعلى المسلمين أن يطيعوا ولا يبدوا أي اعتراض،
وإلا فيعتبرون خارجين على الحكم، مفسدين، يشقون عصا المسلمين، ويثيرون
الفتنة ويلصقون كل تهمة بمن لا يخضع لحكمهم.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وعاصر الإمام الصادق (عليه السلام) من حكام العباسيين: عبد الله بن محمد
(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 131 - 132.
157
المعروف بأبي العباس السفاح (1)، وأخاه عبد الله بن محمد المعروف بأبي جعفر
المنصور (2).
موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من تعسف حكام زمانه
عاش الإمام الصادق (عليه السلام) محنة جده وأبيه، والمعاناة التي تحملها أسلافه
من جور وتعسف طواغيت زمانهم وفراعنة عصرهم حكام بني أمية الذين
جرعوهم غصص العيش ونكد الحياة.
ومن الواضح أن الإمام الصادق (عليه السلام) ولد في عهد جده؛ الإمام زين العابدين
علي بن الحسين (عليه السلام).
ذلك الإمام المهضوم الذي شاهد فجائع كربلاء ومصائبها بأم عينه، وتحمل
من العناء والمصائب ما لم يتحمله نبي أو وصي، وانصبت عليه النوائب من
كل صوب، وأحدقت به من كل جانب، لا سيما بعد فاجعة الطف.
لقد فجع الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) برجالات أسرته، وعلى رأسهم أبوه:
الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة، وسبط الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي استشهد بأفجع
صورة، وأفظع كيفية.
ثم توالت عليه المآسي من نهب وسلب وسبي وأسر وأنواع الإهانة،
ومحاولات عديدة لقتله سواء في كربلاء أو الكوفة أو الشام، وتسيير
آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكيفية يندى لها جبين الإنسانية حياء وخجلا.
(1) الدينوري؛ الأخبار الطوال: 368.
(2) الذهبي؛ دول الإسلام: 84.
158
والكل يعلم أن تلك الجنايات والجرائم قام بها أغصان الشجرة الملعونة،
من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، والدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد، إلى عمر
ابن سعد بن أبي وقاص المطعون في نسبه، إلى نظرائهم وأشباههم في الخزي والعار.
لقد حدثت كل تلكم الحوادث المزعجة المؤلمة في كربلاء والكوفة والشام
بمرأى ومسمع من الإمام زين العابدين (عليه السلام).
والإمام الصادق حفيد الإمام زين العابدين كما هو المعلوم، ويعلم الله تعالى
كم حدث الجد حفيده عما جرى عليه في تلك الرحلة المؤلمة.
ولعل الكثير من الأخبار المروية عن الإمام الصادق حول فاجعة كربلاء
هو من مسموعاته عن جده الإمام زين العابدين وأبيه الإمام الباقر (عليهما السلام).
وباعتبار أن الحكومة الأموية كانت غير شرعية، لهذا كان الإمام
الصادق (عليه السلام) يقف منها موقف العداء والكراهية ويحذر الشيعة من التعاون معها
والانضواء تحت قيادتها الفاسدة.
وبهذه الأحاديث يتضح لنا موقف الإمام من الحكومة الأموية.
340 - الكافي:...، عن علي بن أبي حمزة، قال: كان لي صديق من كتاب
بني أمية، فقال لي: استأذن لي على أبي عبد الله (عليه السلام).
فاستأذنت له عليه، فأذن له، فلما أن دخل سلم وجلس، ثم قال:
" جعلت فداك! إني كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت من دنياهم مالا
كثيرا، وأغمضت في مطالبه " (1).
(1) أغمضت في مطالبه: لم أبال من أين جاءت تلك الأموال.
159
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم، ويجبي لهم
الفيء (1)، ويقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم، لما سلبونا حقنا، ولو تركهم الناس
وما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم ".
قال: فقال الفتى: جعلت فداك! فهل لي مخرج منه؟
قال: إن قلت لك تفعل؟
قال: أفعل.
قال له: فأخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت
عليه ماله، ومن لم تعرف تصدقت به، وأنا أضمن لك على الله عز وجل الجنة.
قال: فأطرق الفتى رأسه طويلا، ثم قال: قد فعلت، جعلت فداك!
قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة، فما ترك شيئا على وجه
الأرض إلا خرج منه، حتى ثيابه التي كانت على بدنه.
قال: فقسمت (2) له قسمة، واشترينا له ثيابا، وبعثنا إليه بنفقة.
قال: فما أتى عليه إلا أشهر قليلة حتى مرض، فكنا نعوده. قال: فدخلت
عليه يوما وهو في السوق (3) قال: ففتح عينيه ثم قال لي: يا علي! وفى - لي -
والله صاحبك.
قال: ثم مات، فتولينا أمره، فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)،
فلما نظر إلي قال: يا علي! وفينا - والله - لصاحبك.
(1) أي يجمع لهم الخراج.
(2) فقسمت: أي أخذت من كل رجل من أصدقائي له شيئا.
(3) السوق - بفتح السين -: حالة النزع والاحتضار.
160
قال: فقلت: صدقت، جعلت فداك، هكذا - والله - قال لي عند موته (1).
341 - الكافي:...، عن أبي بصير، قال:
كان لي جار يتبع السلطان، فأصاب مالا، فأعد قيانا (2)، وكان يجمع الجميع
إليه، ويشرب المسكر، ويؤذيني، فشكوته إلى نفسه غير مرة (3) فلم ينته.
فلما ألححت عليه قال لي: يا هذا! أنا رجل مبتلى، وأنت رجل معافى،
فلو عرضتني لصاحبك (4) رجوت أن ينقذني الله بك.
فوقع ذلك له في قلبي، فلما صرت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ذكرت له حاله؛
فقال لي: إذا رجعت إلى الكوفة سيأتيك فقل له: يقول لك جعفر بن محمد:
دع ما أنت عليه، وأضمن لك على الله الجنة.
فلما رجعت إلى الكوفة أتاني فيمن أتى، فاحتبسته عندي حتى خلا منزلي،
ثم قلت له:
يا هذا، إني ذكرتك لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فقال لي:
" إذا رجعت إلى الكوفة سيأتيك، فقل له: يقول لك جعفر بن محمد:
دع ما أنت عليه، وأضمن لك على الله الجنة ".
قال: فبكى، ثم قال لي: الله (5)، لقد قال لك أبو عبد الله هذا؟
(1) الكافي 5: 106، الحديث 4.
(2) القيان - جمع قينة -: الإماء المغنيات.
(3) أي أكثر من مرة.
(4) أي ذكرت مشكلتي عند الإمام الصادق (عليه السلام).
(5) أي بالله عليك.
161
قال: فحلفت له أنه قد قال لي ما قلت، فقال لي: حسبك، ومضى.
فلما كان بعد أيام بعث إلي فدعاني، وإذا هو خلف داره عريان، فقال لي:
يا أبا بصير! لا والله ما بقي في منزلي شيء إلا وقد أخرجته، وأنا كما ترى!
قال: فمضيت إلى إخواننا فجمعت له ما كسوته به، ثم لم تأت عليه أيام يسيرة
حتى بعث إلي: إني عليل، فأتني.
فجعلت أختلف إليه، وأعالجه حتى نزل به الموت، فكنت عنده جالسا
وهو يجود بنفسه فغشي عليه غشية، ثم أفاق فقال لي: يا أبا بصير! قد وفى صاحبك
لنا.
ثم قبض - رحمة الله عليه -، فلما حججت، أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فاستأذنت
عليه، فلما دخلت قال لي - ابتداء من داخل البيت، وإحدى رجلي في الصحن،
والأخرى في دهليز داره - يا أبا بصير! قد وفينا لصاحبك (1).
كشف الغمة: قال أبو بصير... وذكر نحوه (2).
342 - الكافي:...، عن داود بن زربي، قال: أخبرني مولى لعلي بن
الحسين (عليه السلام) قال:
كنت بالكوفة، فقدم أبو عبد الله (عليه السلام) الحيرة، فأتيته فقلت له: جعلت فداك!
لو كلمت داود بن علي، أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات [الوظائف
الحكومية].
(1) الكافي 1: 474، الحديث 5.
(2) كشف الغمة 2: 194.
162
فقال: ما كنت لأفعل.
قال: فانصرفت إلى منزلي، فتفكرت فقلت: ما أحسبه منعني إلا مخافة
أن أظلم أو أجور، والله لآتينه ولأعطينه الطلاق والعتاق والأيمان المغلظة
أن لا أظلم أحدا ولا أجور، ولأعدلن.
قال: فأتيته فقلت: جعلت فداك! إني فكرت في إبائك [امتناعك] علي
فظننت أنك إنما منعتني وكرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم؛ وإن كل امرأة لي
طالق، وكل مملوك لي حر، علي وعلي إن ظلمت أحدا، أو جرت عليه، وإن
لم أعدل.
فقال: كيف قلت؟
قال: فأعدت عليه الأيمان، فرفع رأسه إلى السماء فقال: تناول السماء
أيسر عليك من ذلك (1)!!
343 - الكافي:...، عن محمد بن عذافر، عن أبيه، قال: قال لي
أبو عبد الله (عليه السلام): يا عذافر، إنك تعامل أبا أيوب والربيع، فما حالك إذا نودي بك
في أعوان الظلمة؟
قال: فوجم أبي (2).
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) لما رأى ما أصابه: أي عذافر، إنما خوفتك
(1) الكافي 5: 107 / 9، وقوله: أي لا يمكنك الوفاء بتلك الأيمان، والدخول في أعمال هؤلاء
- بغير ارتكاب الظلم - محال، فتناول السماء أيسر مما عزمت عليه (مرآة العقول).
(2) وجم: اشتد عليه الحزن حتى أمسك عن الكلام.
163
بما خوفني الله عز وجل به.
قال محمد: فقدم أبي فلم يزل مغموما مكروبا حتى مات (1).
344 - الكافي:...، عن جهم بن حميد، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام):
أما تغشى سلطان هؤلاء؟ قال: قلت: لا.
قال: ولم؟ قلت: فرارا بديني.
قال: فعزمت على ذلك؟ قلت: نعم.
فقال لي (عليه السلام): الآن سلم لك دينك (2).
موقفه من الثورات العلوية
عاصر الإمام (عليه السلام) ثورة زيد بن علي (عليه السلام)، التي قامت بالعراق في عهد هشام
ابن عبد الملك، وكانت بيعته التي بايع الناس عليها: الدعوة إلى كتاب الله وسنة
نبيه، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم الفيء
بين أهله بالسواء، ورد الظالمين، ونصرة أهل البيت على من نصب لهم وجهل
حقهم (3)، وإلى البدع أن تطفأ، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطلب بثارات
الحسين (عليه السلام) (4)، كما ذكرنا ذلك مفصلا في الجزء الثامن من هذه الموسوعة
- حياة الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، في ترجمة الشهيد زيد بن علي -.
(1) الكافي 5: 105، الحديث الأول.
(2) الكافي 5: 108، الحديث 10.
(3) تأريخ الطبري 7: 172.
(4) المفيد؛ الإرشاد: 268.
164
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يحث الناس ويدفعهم لنصرة زيد والوقوف معه في
ثورته ضد الحكم الأموي (1). ولما استشاره بالخروج قال: " ويل لمن سمع واعيته (2)
فلم يجب ". وكان يقول بعد استشهاده: " رحم الله عمي زيدا، إنه دعا إلى الرضا
من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه " (3). وعندما بلغه مقتل زيد بكى عليه
حتى أبكى النساء من خلف الستور (4)، وفرق من ماله على عيال من أصيب مع زيد
من أصحابه ألف دينار (5)، بينما لم يحصل زعماء الكيسانية ولا عبد الله بن معاوية
ابن عبد الله بن جعفر الطيار على مساندة من الإمام الصادق (عليه السلام) لما قام بالثورة.
ومما يقوي الرأي، قول سليمان بن خالد الذي خرج مع زيد بن علي لما سئل:
" ما تقول في زيد هو خير أم جعفر؟ "، فقال سليمان: " والله ليوم من جعفر خير
من زيد أيام الدنيا " واعتراف زيد بإمامة جعفر الصادق (عليه السلام)، عندما سمع
بهذه القصة فقال: " جعفر إمامنا في الحلال والحرام " (6).
وبعد ثلاث سنوات من استشهاد زيد بن علي سنة 122 ه خرج ولده يحيى
ابن زيد (98 - 120 ه) على الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ورمي بسهم أصاب
جبهته فسقط قتيلا، وحمل رأسه إلى الوليد، وصلب جسده بالجوزجان، وبقي
(1) تأريخ الطبري 7: 181.
(2) الواعية: الصراخ، والصوت.
(3) الصدوق؛ عيون أخبار الرضا 2: 225 - 226.
(4) ابن شهرآشوب؛ مناقب آل أبي طالب 4: 236، وفي البحار للمجلسي 11: 137.
(5) الشيخ المفيد؛ الإرشاد: 269، وبحار الأنوار 11: 137.
(6) رجال الكشي 2: 652.
165
مصلوبا إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني، فأنزل جثته وصلى عليها ودفنها (1).
وفي أيامه قتل عبد الله بن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أخو الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام) على يد رجل من بني أمية (2).
وشاهد الإمام الصادق (عليه السلام) في أيام يزيد بن الوليد اضطراب أمر بني مروان
وهياج الفتنة في دولتهم (3).
وبالرغم من كل هذه المحن والحوادث التي ابتلي بها الإمام الصادق (عليه السلام)
فإنه لم يغفل عن مراقبة تحرك الدعوة العباسية التي بدأت سنة 100 ه والتي
كانت تعمل بالسر والخفاء في الحميمة (4) في خلافة عمر بن عبد العزيز. ومن جهة
أخرى، أصبح أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية إماما للكيسانية بعد أبيه،
وقد بدأ نشاطا واسعا أثار القلق والخوف عند سليمان بن عبد الملك فدس إليه السم،
فمات به بالحميمة.
وقد عاصر الإمام الصادق (عليه السلام) أحداثا سياسية خطيرة قلبت موازين
الحياة الاجتماعية العامة، وبدلت هيكل الحكم عندما قام العباسيون بانقلابهم
الثوري على الحكم الأموي.
(1) تأريخ الطبري 7: 227 و 230. البلاذري؛ أنساب الأشراف 3: 260 و 265. ابن الأثير؛
الكامل في التأريخ 40: 472.
(2) أبو الفرج الاصفهاني؛ مقاتل الطالبيين: 151.
(3) ابن الأثير؛ الكامل في التأريخ 4: 487 - 499.
(4) الحميمة: بلد من أرض الشراة من أعمال عمان في أطراف الشام كان منزل بني العباس،
ياقوت الحموي؛ معجم البلدان 2: 307.
166
أما الأحداث السياسية في تلك الفترة فقد كانت منطلقاتها الثورية التي
كانت تتزعم إثارتها في سبيل السيطرة على الحكم، ولم يكن هناك سوى منطلقين
رئيسيين للثورة.
1 - المنطلق العلوي: الذي كان يتزعمه مبدئيا عبد الله بن الحسن،
ومن خلفه القوى العلوية الثائرة كافة.
2 - المنطلق العباسي: الذي كان يتزعمه محمد بن علي بن عبد الله
ابن العباس، ولم تكن له أية خلفية ثورية تساند تحركه مبدئيا، بل كان يعتمد
على قوة الشعار الذي رفعه كمنطلق للعمل الثوري الشعبي، وهو الدعوة (للرضا
من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)).
وقد كان بين هذين المنطلقين تنافس صامت، وتناقض في الاتجاه عميق،
ولكن الاتجاه السياسي العام لم يكن في صالح المنطلق العباسي، مما اضطر العباسيين
إلى إبقاء دعوتهم في الظل، والتظاهر بوحدة الموقف مع العلويين.
ولم يكن في بادىء الأمر أي أمل جدي في الحكم، لولا بعض التصريحات
المثيرة التي صدرت من الإمام الباقر (عليه السلام) ومن ثم في تخصيص أبي جعفر المنصور
بالحكم، صاحب (القباء الأصفر) - الذي ذكرناه مفصلا في الجزء الثامن من
هذه الموسوعة - للإمام الصادق (عليه السلام) بعدم نجاح العلويين، ورجوع الأمر بعد ذلك
للعباسيين.
قال أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين)، في معرض حديثه عن
محمد بن عبد الله بن الحسن: وبايعه - أي محمد بن عبد الله - رجال من بني هاشم
جميعا من آل أبي طالب وآل العباس، وسائر بني هاشم، ثم ظهر من جعفر بن محمد
الصادق قول أنه لا يملك، وأن الملك يكون في بني العباس، فانتبهوا (بنو العباس)
167
من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه (1).
ويمكن أن نفهم ذلك من خلال نتائج المؤتمر الذي عقده الهاشميون في الأبواء،
كما ذكره الاصفهاني في مقاتله:
إن نفرا من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء من طريق مكة، فيهم إبراهيم الإمام
والسفاح، والمنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسين، وابناه محمد وإبراهيم،
ومحمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان، فقال لهم صالح بن علي: إنكم القوم الذين تمتد
أعين الناس إليهم، فقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاجتمعوا على بيعة أحدكم،
فتفرقوا في الآفاق، وادعوا الله لعل الله يفتح عليكم وينصركم.
فقال أبو جعفر (المنصور): لأي شيء تخدعون أنفسكم، والله ما علمتم
من الناس إلى أحد أميل أعناقا ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى، يعني: محمد
ابن عبد الله بن الحسن (عليه السلام).
قالوا: قد والله صدقت... إنا لنعلم هذا...
فبايعوا جميعا محمدا، وبايعه إبراهيم الإمام، والسفاح، والمنصور، وسائر
من حضر المؤتمر، فذلك أغرى القوم بمحمد للبيعة التي كانت في أعناقهم.
ولكن العباسيين رغم هذا كله كانوا يعملون في الظل بهدوء، لكسب النتائج
الإيجابية التي تسفر عنها الثورة لصالح قضيتهم، وقد استغلوا وجود العنصر الشيعي
الذي يدين بولائه العميق لأهل البيت (عليهم السلام) في منطقة خراسان، والذين بدأوا
بدعوتهم هناك من خلال بعض أتباعهم المخلصين، دون أن يحددوا بصراحة هوية
الإنسان الذي تتبناه الدعوة، بل " للرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) " وهكذا خدعوا
عامة الناس.
(1) أبو الفرج الاصفهاني؛ مقاتل الطالبيين: 158.
168
" إن أصل الدعوة كان لآل علي، لأن أهل خراسان كان هواهم في آل علي،
لا لآل العباس، لذلك كان السفاح ومن جاء بعده، مفتحة عيونهم لأهل خراسان،
حتى لا يتفشى فيهم التشيع لآل علي " (1).
ومن الظواهر المؤيدة لذلك أن ممارسة العباسيين لدعوتهم في خراسان،
كانت سابقة على بيعتهم لمحمد بن عبد الله بن الحسن في الأبواء، وهم في غضون ذلك
كانوا يتظاهرون بمساندة العلويين، بحضور مؤتمراتهم واجتماعاتهم التي كانت تعد
للانقلاب والثورة، حتى إذا استقر الوضع وخلص لهم أهل خراسان أعلنوا فصل
موقفهم عن موقف العلويين.
وقد أدرك العباسيون خطورة حركة علوية أخرى، بعد حركة أبي هاشم
إمام الكيسانية التي قامت بقيادة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار،
الذي دعا إلى نفسه وعلى بيعته، على الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد امتدت دعوة عبد الله بن معاوية إلى معظم مدن العراق، وإلى المدائن
والمياهين وهمدان وقومس وأصفهان والري وفارس (2)، فأسرع العباسيون
إلى مهادنة عبد الله بن معاوية، وقدم عليه السفاح والمنصور وعمهما عيسى
ابن علي، فمن أراد منهم عملا قلدوه، ومن أراد صلة وصلوه، وهذا يدل على مدى
حنكتهم السياسية في تعاملهم مع المواقف الحرجة التي تؤثر على سير دعوتهم،
ولهذا لما أدرك أبو مسلم الخراساني خطورة حركة عبد الله بن معاوية، قبض عليه
وسجنه ثم قتله، عندما لجأ إليه طالبا منه النصرة والمعاونة (3).
(1) محمد أحمد براق؛ أبو العباس السفاح: 48.
(2) تأريخ الطبري: 303.
(3) الاصفهاني؛ مقاتل الطالبيين: 157 - 158.
169
موقف الإمام (عليه السلام) السياسي من الحكم العباسي
آلت الخلافة وانتهت إلى بني العباس سنة 132 ه بعد صراع مرير دار
بين حكام بني أمية الذين عاثوا في الأرض فسادا وأبادوا الحرث والنسل،
وبين الهاشميين ودعاتهم في بادىء نهضتهم، رافعين جميعا شعارا (للرضا
من آل محمد (صلى الله عليه وآله)). واستغل العباسيون هذا الشعار بكل معانيه زورا وبهتانا
وكذبا، مستغلين نفوس الموالين والمحبين لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.
وأول من تربع على سدة الحكم من العباسيين، أبو العباس السفاح،
ثم خلفه أخوه أبو جعفر المنصور الدوانيقي، وبقي في الحكم اثنين وعشرين
سنة (136 - 158 ه) وقد وطد أركان الدولة العباسية، وثبت دعائم الحكم لها،
فأخضعت الخارجين عليها في كل أرجاء العالم الإسلامي بالحديد والنار،
وكشرت عن أنيابها، وكشفت القناع عن وجهها الحقيقي، ولم تعد دولة دينية،
كما رفعت شعارها الأول مدعية " الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله) " في بدء نهضتها
مع الهاشميين كافة، وفي صراعها مع الحكم الأموي البغيض. وبعد انتصارها تغلبت
على الحكم وغصبت حق العلويين وتنكرت لهم وهي التي قامت باسمهم،
رافعين شعارهم التليد " الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله) "، وكان الإمام الصادق أحق بها
منهم، غير أن الإمام (عليه السلام) كان عازفا عنها لمعرفته بحقيقة الأمر وخبث نوايا
بني العباس وزيف دعواهم واستكلابهم في السيطرة على الحكم بأي ثمن كان،
وعدم استعداد الإمام أن يخوض في صراع لا جدوى منه. لذلك كرس حياته
كوالده (عليهما السلام) لبث علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهاج السماء الذي ورثه عن آبائه كابرا
170
عن كابر، وتعليم الناس وتثبيت أركان المدرسة التي أسسها جده وأبوه (عليهما السلام)
وتوسعتها.
جرت الأمور مجراها الطبيعي للغالبين على الحكم، يطوون أضالعهم
على الخوف والحقد والحذر من الذين رفعوا شعارهم، وشرعوا أسلحتهم
في كل مكان على الشبهة والظنة للمحافظة على دولتهم وبنائها، وكان
ذوو القربى في طليعة أولئك الذين رفعوا شعارهم، واتخذوا الحذر منهم،
وجعلوهم هدفا لسهامهم، لأنهم يدركون أحقيتهم بالخلافة وإذعان رقاب
المسلمين لهم، وشعور الود تجاههم، فأسعر الحكام العباسيون الشحناء عليهم
دون هوادة، وتتبعوهم تحت كل حجر ومدر، وسالت الدماء بينهم حتى قال
الشاعر:
يا ليت جور بني مروان دام لنا * وليت عدل بني العباس في النار
وقال البسامي:
تا الله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما
وسبب عزوف الإمام الصادق (عليه السلام) عن الصراع على الخلافة عدة أمور منها:
علمه المسبق بنفسية الغاصبين، ولمعرفته بحقيقة الأمر، وزيف دعوة بني العباس
وتصميمهم على السيطرة والبقاء في الحكم مهما كانت النتائج، وترفع الإمام وعزوفه
واستعلاؤه عن هذا الصراع المرير جنبه تلك المذابح.
والسبب الثاني رفضه فكرة التعاون الإيجابي بصراحة مع بني العباس،
كما رفض التعاون مع القوى المعارضة للحكم الأموي من قبل، واكتفى بالوقوف
171
قريبا من الأحداث، والتطلع بحذر إلى ما يجري في الساحة وما ستنكشف عنه
الوقائع.
وهذا لا يعني عدم استجابة الإمام (عليه السلام) لنداء الأمة الصامت بالتخلص
من مآسي الحكم وتجاوزاته التي أغفلت دور الرسالة في صنع الحياة الكريمة المعطاء
للإنسان المسلم.
ولم تكن دوافع الإمام (عليه السلام) في اعتزاله وعزوفه عن العمل السياسي الثائر
بدوافع زهدية محضة، أو لأن ذلك لا يعنيه البتة، بل باعتبار أن تقلبات
الأحداث فرضت وضعا سياسيا معينا، ومركز الإمامة وثقلها يحتم عليه اتخاذ
وضع معين، ولعدم ثقته بالقوى الثائرة التي يفترض فيها أن تكسب الجولة الأخيرة
في الصراع، أدى ذلك إلى أن يفقد الإمام (عليه السلام) دوره الطليعي الطبيعي في وسط
الصراع.
فهو حين لا يمتلك مبررات التحرك الثوري ونتائجه الإيجابية لنفسه،
فمن البديهي أن لا يملك المبرر لتحمل مسؤولية التغيير، الذي لا يتحرك من
منطلقات رسالية مخلصة، بل من منطلقات غريزية وذاتية، ظهرت آثارها
على تصرفات الحكام وسلوكهم فيما بعد.
ولكن بعده عنها لا يقيه بطش الحاكم الجبار الحذر المتنمر، الذي تدعوه نفسه
الشريرة إلى المواجهة الشرسة، وما توسوس له هواجسه الخبيثة، مخافة ثورة
أهل البيت وشيعتهم على حكمه الجائر.
وكان توفيق السماء حليف الإمام الصادق (عليه السلام) في مواجهاته مع الجبار
الشرس (المنصور العباسي)، وإن بقيت الدولة على حذرها وما يفتأ بين حين وآخر
أن تنزل بأهل البيت وشيعتهم العذاب والاسترهاب من القتل والتمثيل وجعلهم
172
في أسطوانات البناء وهم أحياء لإبادتهم والتخلص منهم، والسعي فيهم بشتى
الوسائل الممكنة حتى تقطع دابرهم، ومن جهة أخرى تضاهرهم بالعدل فيهم
وحسن سلوكهم معهم.
وبعد إخفاق الحركات العلوية، رأى العباسيون الذين كان لهم الدور الأكبر
في العمل على إضعافها وإخفاقها أن الأمور تسير في صالح دعوتهم بعد أن تدارسوا
الموقف في الحميمة مع وفود من خراسان، وبأن الوقت قد أصبح ملائما لإعلان
الثورة واختيار قائد لها. فاختير أبو مسلم الخراساني لقيادتها، وقد نجح في إعداد
وتهيئة جيش ضخم ما لبث أن هزم جيش الخليفة الأموي مروان الحمار عند
نهر الزاب، وانتهى الأمر بقتل مروان سنة (132 ه). وفي العاشر من المحرم
سنة (132 ه)، ظهر السواد شعارا للعباسيين في الكوفة، فكان هذا إعلانا
عن سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية (1).
إن غاية سياسة العباسيين في إعلان السواد شعارا لهم وفي اليوم العاشر
من المحرم بالذات عند قيام دولتهم تتجسد في أمرين:
الأول: كسب الجانب العلوي الذي يتمتع برصيد شعبي هائل.
الثاني: إظهار حسن نية العباسيين تجاه العلويين وخلق هذه الفكرة في أذهان
الناس في حالة عجزهم عن كسب ولاء القيادات العلوية - وخاصة الإمام
الصادق (عليه السلام) - الذين كانوا على علم تام بنوايا العباسيين وأهدافهم.
لقد كان للعباسيين شيعة وموالون في الكوفة، منهم أبو سلمة حفص بن سليمان
(1) الدينوري؛ الأخبار الطوال: 635، وتأريخ اليعقوبي 2: 345، والذهبي؛ دول الإسلام:
88.
173
الخلال (1)، وكان من كبار الشيعة فيها (2)، وقد استوزره السفاح ولقبه وزير
آل محمد (3)، وبعد القبض على إبراهيم الإمام وقتله في سجن مروان الحمار
سنة (132 ه)، أجمع المؤرخون على ميل أبي سلمة إلى تحويل الخلافة من
البيت العباسي إلى البيت العلوي (4). فكتب كتابين على نسخة واحدة إلى الإمام
الصادق (عليه السلام)، وإلى عبد الله بن الحسن يدعو كلا منهما للشخوص إليه ليصرف
الدعوة إليه ويجتهد في بيعة أهل خراسان له (5). ودفع الرسالتين إلى رسوله محمد
ابن عبد الرحمن (6)، فوفد المدينة على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فلقيه ليلا،
وأعلمه أنه رسول أبي سلمة وأعطاه كتابه. فقال له الامام الصادق (عليه السلام): " وما أنا
وأبو سلمة؟ وأبو سلمة شيعة لغيري ". قال: إني رسول، فتقرأ كتابه وتجيبه بما رأيت،
فدعا الإمام الصادق (عليه السلام) بسراج ثم أخذ كتاب أبي سلمة فوضعه على السراج
(1) حفص بن سليمان الهمداني الخلال، أول من لقب بالوزارة في الإسلام، أنفق أموالا كثيرة
في سبيل الدعوة العباسية، ولما استقام الأمر للسفاح استوزره، فكان أول وزير لأ ول خليفة
عباسي، وكان على علم بالسياسة والتدبير، ويعرف بالخلال لسكناه بدرب الخلالين بالكوفة.
(راجع: ابن خلكان، وفيات الأعيان 2: 195 - 197).
(2) الدينوري؛ الأخبار الطوال: 336.
(3) تأريخ الطبري 7: 450. والدينوري؛ الأخبار الطوال: 368. وابن خلكان؛ وفيات
الأعيان 2: 196).
(4) تأريخ اليعقوبي 2: 349. والمسعودي؛ مروج الذهب 3: 253.
(5) المسعودي؛ مروج الذهب 3: 254. والمقدسي؛ البدء والتاريخ 6: 67.
(6) هو محمد بن عبد الرحمن بن أسلم. وكان أسلم مولى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). (راجع:
المسعودي، مروج الذهب 3: 254).
174
حتى احترق، وقال للرسول: " عرف صاحبك بما رأيت "، ثم تمثل بشعر للكميت
ابن زيد:
أيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها * ويا حاطبا في غير حبلك تحطب (1)
وبهذه المناسبة أنشد أبو هريرة الأبار العجلي صاحب الإمام الصادق (عليه السلام)
هذه الأبيات قائلا:
ولما دعى الداعون مولاي لم يكن * ليثني إليه عزمه بصواب
ولما دعوه بالكتاب أجابهم * بحرق الكتاب دون رد جواب
وما كان مولاي بمشتري ضلالة * ولا ملبسا منها الردى بثواب
ولكنه والله في الأرض حجة * دليل إلى خير وحسن مآب (2)
وخرج الرسول بالكتاب الثاني إلى عبد الله بن الحسن، فقبل الدعوة
وخرج على الفور ليطلع الإمام الصادق (عليه السلام) على الكتاب، فلما دخل عليه
في داره قال له: هذا كتاب أبي سلمة يدعوني إلى ما أقبله، وقد قدمت عليه
شيعتنا من أهل خراسان. فأنذر الإمام الصادق (عليه السلام) عبد الله بن الحسن من
أبي سلمة وقال له: " يا أبا محمد، ومتى كان أهل خراسان شيعة لك؟ "، ثم قال له:
" أنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان وأنت أمرته بلبس السواد. وهؤلاء الذين قدموا
العراق، أنت كنت سبب قدومهم، أو وجهت فيهم، وهل تعرف منهم أحدا؟ " (3)،
فلم يأبه عبد الله بن الحسن بمقالة الإمام الصادق (عليه السلام) وقال: إنما يريد القوم
(1) المسعودي؛ مروج الذهب 3: 254 - 255.
(2) الدمعة الساكبة: 402.
(3) المسعودي، مروج الذهب 3: 254. والدينوري؛ الأخبار الطوال: 340.
175
ابني محمدا لأنه مهدي هذه الأمة (1). وترشيح محمد ذي النفس الزكية لمنصب المهدي
لم يقتصر تأييده على أهله وأقاربه فقط، بل أيده المغيرة بن سعيد العجلي (2).
فقال الإمام الصادق (عليه السلام): " والله ما هو مهدي هذه الأمة، ولئن شهر سيفه ليقتلن ".
وغضب عبد الله بن الحسن وقال للإمام الصادق (عليه السلام): والله ما يمنعك من ذلك
إلا الحسد، فقال الإمام: " والله ما هذا إلا نصح مني لك، ولقد كتب إلي أبو سلمة
بمثل ما كتب به إليك، فلم يجد رسوله عندي ما وجد عندك، ولقد أحرقت كتابه من قبل
أن أقرأه (3).
إن موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من دعوة أبي سلمة، وإحراق كتابه،
وتمثله ببيت شعر الكميت، تدل على أن القوة وكثرة الأنصار قد أصبحت إلى جانب
العباسيين، وإن أي محاولة للقيام بتحرك عسكري ستصاب بالإخفاق. ولذلك ركن
الشيعة إلى الهدوء في أيام أبي العباس السفاح، فلم يقتل منهم أحدا ولا أجرى
إلى جليس له مكروها (4).
لقد نشط العباسيون في دعوتهم، لا سيما عندما سمعوا مقالة الإمام
الصادق (عليه السلام) حين بايع رجال من بني هاشم ومن آل أبي طالب وآل العباس محمد
ابن عبد الله بن الحسن، بأنه لا يملك وأن الملك يكون في بني العباس (5).
(1) الاصفهاني؛ مقاتل الطالبيين: 210.
(2) النوبختي؛ فرق الشيعة: 75.
(3) المسعودي؛ مروج الذهب 3: 255. وتأريخ اليعقوبي 2: 349.
(4) الأصفهاني، مقاتل الطالبيين: 162.
(5) الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 207.
176
وذلك في المؤتمر الذي عقده الهاشميون بالأبواء (1)، والذي ضم إبراهيم بن محمد
ابن علي، والسفاح، وأبا جعفر المنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسن
وابنيه - محمد وإبراهيم - ومحمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان، وتمت فيه البيعة
لمحمد بن عبد الله بن الحسن.
كما إن موقف الإمام غير المؤيد لأي حركة عسكرية في تلك الفترة بالذات
يدل على أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان على يقين باستقرار الوضع للعباسيين
في خراسان بعد أن اتخذوها مركزا لدعوتهم، وأخذ البيعة فيها لإبراهيم الإمام،
واجتماع الجيوش لهم بعيدا عن الكوفة لميل أهلها إلى العلويين، وعن المدينة
لأنها مركز الإمام الصادق (عليه السلام). وأن الخراسانيين لم تكن الفرق المتشعبة
عن أهل البيت تهمهم كثيرا بقدر ما كان يهمهم الانضمام تحت قيادة أي رجل
من أهل البيت يخرج على بني أمية. وإن بيعة العباسيين لمحمد بن عبد الله
ابن الحسن كانت تخطيطا سياسيا من أجل المحافظة على دعوتهم.
وعلى هذا الأساس عندما التفت عبد الله بن الحسن إلى خطورة الموقف
من قبل العباسيين كتب إلى مروان بن محمد بأنه بريء من إبراهيم الإمام
وما أحدث (2).
وإن مسارعة أبي جعفر المنصور إلى أخذ البيعة لمحمد ذي النفس الزكية
مع أنه كان في عي (3)، ولم يكن أكفأ بني هاشم، وإقبال داود بن علي على عبد الله
(1) الأبواء: قرية بين مكة والمدينة.
(2) الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 227.
(3) المصدر: 214. والذهبي؛ دول الإسلام: 87.
177
ابن الحسن يدعوه لإظهار ابنه محمد (1) إنما هو اختيار يمكن العباسيين من انتزاع
الأمر إذا آل إلى الهاشميين، ولعل المنصور هو الذي وجه نظر عبد الله إلى ولده محمد.
ولقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) حذرا ومتيقظا لكل العروض التي كانت
تعرض عليه، ولذلك كتب إلى أبي مسلم الخراساني، بعدما أنفذ إليه بأنه قد أظهر
الكلمة ودعا الناس إلى موالاة أهل البيت وإلى الدعوة إليه: " ما أنت من رجالي
ولا الزمان زماني " (2).
إن رفض الإمام الصادق (عليه السلام) لدعوتي أبي مسلم الخراساني وأبي سلمة
الخلال يكشف عن عمق نظره للتحركات السياسية التي كانت تجري في فلكها
شخصيات ذلك المجتمع، وبعد في الرؤية لعواقب الأمور. ولأن أبا مسلم وأبا سلمة
كانا داعيتين للعباسيين، بل هما من أقطاب دعوتهم (3).
فالظاهر أن دعوة أبي سلمة للإمام الصادق (عليه السلام) ولعبد الله بن الحسن
كانت عملية جس نبض لموقف العلويين، ليعرف الدعاة العباسيون كيف يتحركون
بدقة (4) لاحتواء عملهم وإجهاض حركتهم (5).
وعند قيام الدولة العباسية لم ينشغل أبو العباس السفاح عن الإمام
(1) محمد أبو زهرة، الإمام الصادق: 51.
(2) الشهرستاني؛ الملل والنحل 1: 154.
(3) تأريخ الطبري 7: 484. والدينوري؛ الأخبار الطوال: 343 و 378. والمقدسي؛ البدء
والتأريخ 6: 69 - 76.
(4) محمد جواد فضل الله، الإمام الصادق: 165.
(5) عادل الأديب، الأئمة الاثنا عشر: 181.
178
الصادق (عليه السلام) رغم انشغاله في بناء سلطته وترسيخ دعائمها. فما فرغ من توطيد ملكه
حتى أرسل على الإمام الصادق (عليه السلام) من المدينة إلى الحيرة ليفتك به. وما كان يدفعه
إلى ذلك إلا الحذر من أن يتجه الناس إلى الإمام الصادق لأنهم كانوا يرون
أن الخلافة تجمع السلطتين الروحية والزمنية، ولا يرونها سلطانا خالصا لا علاقة له
بالدين (1).
وقد ابتدأ السفاح في اللحظة الأولى من خلافته بتبرير حقوق آل العباس
بالخلافة ليدفع آل علي عن المطالبة بأحقيتهم في الخلافة، فادعى أن العباسيين
هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس. وهم القربى والعشيرة
لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن الله أوجب على الناس حقهم ومودتهم، ووصف نفسه
بالسفاح المبيح والثائر المبير (2). أما داود بن علي فقد اعتبر أن العباسيين ورثوا
الخلافة شرعا، وأنها ستبقى في أيديهم حتى يسلموها إلى عيسى بن مريم (3).
موقف الإمام (عليه السلام) من ثورة محمد ذي النفس الزكية
كانت ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن إحدى الأحداث الخطيرة
التي عاصرها الإمام الصادق (عليه السلام)، والتي قامت في وجه المنصور بعد أخيه
أبي العباس السفاح (4). ولقد جهد المنصور في القبض على محمد بن عبد الله
(1) محمد حسين المظفر، الإمام الصادق 1: 95.
(2) تأريخ الطبري 7: 426.
(3) المصدر: 428.
(4) تأريخ الطبري: 471.
179
وعلى أخيه إبراهيم، فلما أعيته الحيلة أخذ ينكل بالعلويين، وحملهم إلى الكوفة
وحبسهم في سراديب تحت الأرض حتى مات أكثرهم (1).
وأعلن محمد ثورته في المدينة سنة 145 ه فاستقطبت أكبر عدد من رجالات
العلويين، وحظيت بتأييد واسع من فقهاء المسلمين، حتى أن الإمام مالك بن أنس
أفتى لأهل المدينة بالخروج معه وخلع بيعة المنصور لأنها بيعة إكراه، وليس
على مكره يمين (2).
أما الإمام الصادق (عليه السلام) فقد رفض أن يعطي البيعة لمحمد بن عبد الله،
لأنه قام بثورته على أساس أنه صاحب الحق، ودعا الناس إلى نفسه (3). مع أن
بني الحسن كانوا يعرفون أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان صاحب الحق (4). فمبايعة
الإمام له تصطدم مع أحقيته في الخلافة دون غيره من سائر الناس، ولقد حاول
عبد الله أن يستميل الإمام الصادق (عليه السلام) إلى ولده لما للإمام من مركز علمي
واجتماعي، ولتقدمه بالفضل على غيره فقال له: قد علمت - جعلت فداك - أن السن
لي عليك، وأن في قومك من هو أسن منك، ولكن الله قد قدم لك فضلا ليس هو
لأحد من قومك، وقد جئتك معتمدا لما أعلم من برك، وأعلم أنك إن أجبتني
(1) تأريخ الطبري 7: 517 - 549. وابن الأثير؛ الكامل في التأريخ 5: 142 - 146.
(2) تأريخ الطبري 7: 560. والأصفهاني؛ مقاتل الطالبيين: 249. والدينوري؛ الأخبار
الطوال: 381. والمقدسي؛ البدء والتأريخ 6: 85.
(3) تأريخ الطبري 7: 558. والكليني؛ أصول الكافي 1: 362. والذهبي؛ دول الإسلام: 87.
والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 283.
(4) الكليني؛ أصول الكافي 1: 305 - 306.
180
لم يتخلف عني أحد من أصحابك، ولم يختلف علي اثنان من قريش ولا غيرهم.
فقال له الإمام: " إنك تجد غيري أطوع لك مني، ولا حاجة لك في، فوالله إنك لتعلم
أني أريد البادية أو أهم بها فأثقل عنها، وأريد الحج فما أدركه إلا بعد كد وتعب ومشقة
على نفسي، فاطلب غيري وسله ذلك، ولا تعلمهم أنك جئتني ". فقال عبد الله:
إن الناس مادون أعناقهم إليك، وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد، ولك أن لا تكلف
قتالا ولا مكروها (1).
وتذهب جهود عبد الله بن الحسن سدى في محاولة إقناع الإمام الصادق (عليه السلام)
بأخذ البيعة لولده محمد. فلقد نصحه الإمام بعدم التعرض لهذا الأمر، وحذره مغبته،
بل وأكثر من ذلك أظهر له حبه وعطفه وصدق نيته تجاهه " يا ابن عم: إني أعيذك
بالله من التعرض لهذا الأمر الذي أمسيت فيه، وإني خائف عليك أن يكسبك شرا ".
فيقول له عبد الله: بل يغني الله عنك، ولتعودن أو ليفي الله بك وبغيرك، وما أردت
بهذا إلا امتناع غيرك، وأن تكون ذريعتهم إلى ذلك. فقال الإمام: " الله يعلم ما أريد
إلا نصحك ورشدك وما علي إلا الجهد " (2).
وهناك من يذهب إلى القول بأن امتناع الإمام الصادق عن تأييد محمد
لأن ثورته فتنة، والإمام لا يؤيد الفتن، مستندا إلى قول الإمام الصادق (عليه السلام):
" إنها فتنة يقتل فيها محمد عند بيت رومي، ويقتل أخوه بالعراق وحوافر فرسه في الماء " (3).
ولما لم يفلح محمد بن عبد الله في إحراز تأييد الإمام وبيعته، تعرض الإمام
(1) الكليني؛ أصول الكافي 1: 359. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 280.
(2) الكليني؛ أصول الكافي 1: 359 و 360. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 280 - 282.
(3) تأريخ الطبري 7: 600 و 601. ومحمد أبو زهرة؛ الإمام الصادق: 25.
181
الصادق (عليه السلام) لأقسى مواجهة من بني عمه حتى جيء به وأوقف بين يدي محمد،
فقال له عيسى بن زيد: أسلم تسلم. فقال الإمام: " أحدثت نبوة بعد محمد (صلى الله عليه وآله)؟ "
فقال له محمد: لا، ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك، ولا تكلفن حربا.
فكان جواب الإمام له الرفض وعدم التأييد. فقال له: والله لتبايعني طائعا
أو مكرها ولا تحمد في بيعتك. فلما أبى عليه ورفض مبايعته أمر به إلى السجن (1).
مع أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان يشفق عليه ويرق له لأنه يدعي أمرا ليس له (2).
إن موقف الإمام الصادق (عليه السلام) إزاء الثورات العلوية كان يختلف باختلاف
المضمون الذي تتحرك على أساسه، وحين لا يصطدم ذلك المضمون مع مبدأ انحصار
الإمامة والخلافة بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، والذي يمثل وجهة نظر الإمام
باعتباره أحدهم، لا يكون أي تناقض في المواقف. كما هو الحال بالنسبة لثورة عمه
زيد بن علي. أما حين يصطدم مضمون الثورة مع المبدأ المذكور، فلا مناص
من تناقض المواقف واصطدامها، كما هو الحال بالنسبة لثورة محمد وأخيه
إبراهيم (3).
ورغم تناقض الموقف تجاه الثورة ما بين الإمام الصادق وبني الحسن،
إلا أن الكارثة التي ألمت ببني الحسن أخذت من الإمام مأخذا عظيما، فامتلأ قلبه
بالحزن والأسى وفاضت عيناه وجرت دموعه على لحيته وهو ينظر إلى بني الحسن
بعد أن قبض عليهم المنصور وسيرهم من المدينة قال: "... والله لا تحفظ لله حرمة
(1) الكليني؛ أصول الكافي 1: 363.
(2) الكليني؛ روضة الكافي: 323. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 272.
(3) محمد جواد فضل الله؛ الإمام الصادق: 231.
182
بعد هذا (1)، والله ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله بما أعطوه من البيعة
على العقبة " (2).
ومما يدل على أن الجماعة المحمولين كانوا معذورين ومظلومين عند
الإمام الصادق (عليه السلام) هو بكاؤه عليهم حتى علا صوته عندما اتصل به خبر
مصارعهم (3).
وبالرغم من عدم رضا الإمام الصادق (عليه السلام) عن ثورة محمد وأخيه،
إلا أنه سمح لابنيه موسى وعبد الله بالانضمام للثورة، وأرجعهما بعد أن أعفاهما
محمد بن عبد الله وقال لهما: " ارجعا فما كنت أبخل بنفسي وبكما عنه " (4).
إن هذه المواقف تدل على أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يمتنع عن نصرة محمد
لرفضه الثورة، بل لأنه يراه غير كفء، أو على الأقل يوجد من هو أكفأ منه.
موقف العباسيين من الإمام (عليه السلام)
ولئن استطاع العباسيون تقويض ملك بني مروان والوصول إلى السلطة
باستغلالهم للحركات الشيعية والركوب على موجات مدها الثوري، والحيلولة
دون نجاح الحسنيين، فإنهم لم يفلحوا في سياسة الإرهاق والإرهاب مع الإمام
(1) تأريخ الطبري 7: 540. والمسعودي؛ مروج الذهب 3: 299.
(2) الاصفهاني؛ مقاتل الطالبيين: 196. والصدوق؛ عيون أخبار الرضا 1: 111. والمجلسي؛
بحار الأنوار 11: 305.
(3) المجلسي؛ بحار الأنوار 11: 299 - 302.
(4) الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 223.
183
الصادق (عليه السلام)، ولم يثنه حملهم إياه إلى العراق عدة مرات (1). بل خدموا بذلك
إمامته، وأظهروا أمر أهل البيت أكثر مما لو تركوه في مكانه (2). وما كان حتى الشيعة
يعرفون شأن الإمام الصادق وقدره وعلمه وكرامته مثلما عرفوها عنه بعد مجيئه.
لأن التقية وعداء السلطة كانت حواجز دون نشر فضائله. وكان أكثرهم لا يعلمون
موضعه على اليقين (3).
وقد وردت عبارات عن الذين التقوا به تدل على مقدار تأثرهم بلقائه.
فقد قال عمرو بن أبي المقدام: " كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت
أنه من سلالة النبيين " (4). وقال آخر: " رؤيته تذكر بالآخرة، واستماع حديثه
يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنة، ونور قسماته شاهد على أنه
من سلالة النبوة " (5).
ولم يخف أبو جعفر المنصور من شي خوفه من الإمام الصادق (عليه السلام) لذيوع
اسمه في أرجاء الدولة الإسلامية، وعلو مكانته العلمية، وموقعه في نفوس الأمة،
لا سيما بين فقهائها وأهل العلم منهم. الأمر الذي دعا المنصور إلى استدعاء الإمام
(1) يرى محمد أبو زهرة بأن أول زيارة للإمام الصادق (عليه السلام) في عهد أبي العباس السفاح
كانت تكريما وإجلالا للإمام، وذلك لأن الخلاف بين العلويين والعباسيين لم يكن قد ثار
واستفحل. (محمد أبو زهرة، الإمام الصادق: 61).
(2) محمد حسين المظفر، الإمام الصادق 1: 126.
(3) محمد الحسين المظفر، الإمام الصادق 1: 126.
(4) ابن الجوزي؛ صفوة الصفوة 1: 94. (5) محمد أبو زهرة، الإمام الصادق: 61.
184
الصادق (عليه السلام) إلى العراق عدة مرات ليتأكد من عدم قيادته للحركات السرية
المناهضة للحكم.
ولما كان الإمام الصادق (عليه السلام) يفرض سياسة المقاطعة على الحكم العباسي،
أدرك المنصور أن ذلك سيؤدي إلى إضعاف مركزه، وسلب الصفة الشرعية التي
كان يضفيها على نفسه، مما قد يؤدي إلى التخلص منه، ولذلك عمد إلى استمالة
الإمام الصادق (عليه السلام) فكتب إليه: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فكتب الإمام
الصادق إليه: " ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة
ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك، ولا تراها نقمة فنعزيك ".
فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا.
فأجابه الإمام (عليه السلام): " من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة
لا يصحبك ".
فقال المنصور: والله لقد ميز عندي منازل الناس من يريد الدنيا ممن يريد
الآخرة، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا (1).
وقد بين له الإمام أنه لا يمكن أن يكون له ناصرا ومعينا إلا إذا أطاع الله،
وأمر بالعدل والمعروف والإحسان، وأمضى أحكام القرآن (2). ولم يخف على الإمام
قصد المنصور عندما أراد أن يصطفيه ويجعله من أتباعه ليعلم الناس أنه الخليفة
غير مدافع، فتنقطع بذلك الشيعة عن مراجعة الإمام، ويظهر لهم أنه تبع
للمنصور (3).
(1) الإربلي؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة 2: 427. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 185.
(2) الصدوق؛ أمالي الصدوق: 490.
(3) محمد الحسين المظفر؛ الإمام الصادق 1: 118.
185
وكذلك عجز المنصور عن اصطفاء خواص الإمام الصادق (عليه السلام). كما جرى له
مع سفيان الثوري عندما لقيه في الطواف وسفيان لا يعرفه، فضرب بيده على عاتقه
وقال: أتعرفني؟ قال سفيان: لا، ولكنك قبضت علي قبضة جبار، قال: عظني
يا أبا عبد الله. قال: وما علمت فيما عملت فأعظك فيما جهلت؟ قال: فما يمنعك
أن تأتينا؟ قال: إن الله نهى عنكم فقال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار)، فمسح أبو جعفر يده به، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ألقينا الحب
إلى العلماء فلقطوا، إلا ما كان من سفيان فإنه أعيانا فرارا (1).
ومع أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان حريصا على أن لا يكون منه ما يثير حفيظة
المنصور، إلا أن المنصور كان يصفه بالشجا المعترض في حلوق الخلفاء (2).
وحاول قتله رغم اعترافه بأنه لا يجوز نفيه ولا يحل قتله (3).
ولما عمد إلى التخلص منه حاول محمد بن عبيد الله الإسكندري صرفه
عن رأيه بقوله: إنه رجل أنحلته العبادة، واشتغل بالله عن طلب الملك والخلافة.
فأجابه المنصور: يا محمد وقد علمت أنك تقول به وبإمامته، ولكن الملك عقيم (4).
ولقد كان أمر الإمام الصادق (عليه السلام) على المنصور أعظم من أمر عبد الله
ابن الحسن. يظهر ذلك من خلال الحوار الذي جرى بين الإمام والمنصور
حين استقدمه الأخير وهو غضبان، فعرض عليه ما يقوله أهل الحجاز والناس فيه
(1) ابن عبد ربه؛ العقد الفريد 3: 109.
(2) أمالي الصدوق: 490. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 167.
(3) المجلسي؛ بحار الأنوار 11: 102.
(4) ابن طاووس، مهج الدعوات: 201. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 202.
186
من أنه " حبر الدهر وناموسه، وحجة المعبود وترجمانه، وعيبة علمه، وميزان
قسطه، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى النور، وأن الله لا يقبل
من عامل جهل حده في الدنيا عملا، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا ".
ثم قال له: فنسبوك إلى غير حدك، وقالوا فيك ما ليس فيك.
فقال الإمام الصادق (عليه السلام): " أنا فرع من فروع الزيتونة، وقنديل من قناديل
بيت النبوة، وأديب السفرة، وربيب الكرام البررة، ومصباح من مصابيح المشكاة
التي فيها نور النور، وصفو الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر ".
فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال: " هذا قد أحالني على بحر مواج لا يدرك
طرفه ولا يبلغ عمقه، يحار فيه العلماء، ويغرق فيه السبحاء، ويضيق بالسابح عرض
الفضاء، هذا الشجا المعترض في حلوق الخلفاء، الذي لا يجوز نفيه، ولا يحل قتله،
ولولا ما يجمعني وإياه شجرة طاب أصلها، وبسق فرعها، وعذب ثمرها،
وبوركت في الذر وقدست في الزبر، لكان مني إليه ما لا يحمد في العواقب، لما يبلغني
من شدة عيبه لنا وسوء القول فينا... " (1).
ويستنبط من هذا الموقف عدة أمور منها:
1 - أن المنصور يريد أن لا يظهر الإمام الصادق (عليه السلام) بمظهر الإمامة،
لأن العباسيين وصلوا إلى الحكم باسم الإمامة والخلافة، وإظهار دعوة أهل
البيت (2). وهو يعلم أن الإمام الصادق لن يجابهه بالرد حذر سطوته.
(1) أمالي الصدوق: 490 و 491. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 167 و 168.
(2) تأريخ الطبري 7: 425 - 431. والدينوري؛ الأخبار الطوال: 378. والمقدسي؛ البدء
والتأريخ 6: 59. والشهرستاني؛ الملل والنحل 1: 51.
187
2 - وقع الإمام الصادق (عليه السلام) بين موقفين حرجين، فإن جارى المنصور
في قوله فقد أبطل إمامته، وهو الإمام بالنص. وإن عارضه لا يأمن بطشه،
ولذلك أجابه الإمام بكلمات مجملة لا تصرح بإمامته، ولا تبطل قول الناس فيه.
3 - إن سكوت الإمام الصادق (عليه السلام) وعدم إبطاله قول الناس فيه برهان
على إمامته على عهد المنصور، ولو كان قول الناس باطلا لأنكره الإمام (عليه السلام).
إن القول بإمامة الإمام الصادق (عليه السلام)، وخشية المنصور من اتساع نفوذه دفعه
لاستدعاء الإمام (عليه السلام) عدة مرات. وقد استدعاه مرة إلى العراق ليمثل بين يديه،
فرفض الإمام دعوته، فأمر المنصور والي المدينة أن يحرق دار الإمام (عليه السلام)،
ولكن الإمام استطاع أن ينجو من النار ويتخطاها وهو يقول: " أنا ابن أعراق
الثرى (1)، أنا ابن إبراهيم الخليل " (2).
وبعد مقتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بباخمرى (3). أمر المنصور بإحضار
العلويين إلى الكوفة، فمكثوا فيها أشهرا يتوقعون القتل ثم أدخلوا على المنصور.
وقد أدخل عليه الإمام الصادق (عليه السلام) والحسين بن زيد، فتوجه المنصور للإمام
يسأله عن معلومات قدمها له عيونه من أن الإمام يعلم الغيب ويجبى إليه الخراج،
متهددا العلويين بتلك التقارير.
فقال له الإمام (عليه السلام): " إن سليمان أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر،
(1) أعراق الثرى: كناية عن إسماعيل (عليه السلام)، ولعله كني بذلك لأن أولاده انتشروا في البراري.
(راجع المجلسي؛ بحار الأنوار 11: 136).
(2) ابن شهرآشوب؛ مناقب آل أبي طالب 4: 236. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 136.
(3) باخمرى: موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب.
188
وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت من ذلك النسل "، فتبسم المنصور وقال له: مثلك فليكن
زعيم قومه، وقد عفوت عنكم، ووهبت لكم جرم أهل البصرة (1).
وقد وضع المنصور العيون والجواسيس على شيعة الإمام، وعندما دخل عليه
سفيان الثوري قال له الإمام (عليه السلام): " أنت رجل مطلوب، وللسلطان علينا عيون،
فأخرج عنا غير مطرود " (2). وكان الإمام يشكو من شدة الرقابة التي منعت أتباعه
من زيارته فيقول: " أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تقدموا وأراكم
وأسر بكم " (3).
إن شدة الرقابة على الإمام الصادق (عليه السلام) إنما هي محاولة لضرب القاعدة
التي بناها في أوساط الأمة، وضرب الجماعة التي كانت ترتبط به، والتي أشرف
على تعليمها، وخطط لسلوكها وحماية وجودها وتنمية وعيها، وإمدادها بكل
الأساليب التي تساعدها على الصمود، والارتفاع بها إلى مستوى الحاجة
الإسلامية (4). وإشعار الآخرين بالضرورة الأمنية في الابتعاد عن مثل أجواء
الإمام التي تخضع للرقابة الصارمة من أجهزة السلطة الحاكمة. فلذلك كان يوصي
أصحابه وقواعده بالحذر والمحافظة التامة على طابع العمل السري (التقية)
في كل عمل ينفذونه حذرا من تربص القوى المناهضة (5). وكان يؤكد على العمل
(1) الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 301.
(2) ابن شهر آشوب؛ مناقب آل أبي طالب 4: 248.
(3) رجال الكشي 2: 653.
(4) السيد محمد باقر الصدر، مقال: دور الأئمة، دائرة المعارف الإسلامية 2: 94.
(5) عادل الأديب، الأئمة الإثنا عشر: 177. ومحمد جواد فضل الله، الإمام الصادق: 283.
189
بخفاء، حتى أن الأمر كاد أن يستتب له لولا إخلال بعض أصحابه بالسرية
وإفشاؤهم عنه ما لا يريد إفشاءه. فقال لابن النعمان: " فلا تعجلوا، فوالله لقد قرب
هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه، فأخره الله، والله ما لكم سر إلا وعدوكم أعلم به
منكم " (1).
ولقد عاب الإمام (عليه السلام) بعض أصحابه دفاعا عنهم وحفظا لدمائهم، فقد عبر
في رسالته إلى زرارة بن أعين التي بعثها إليه عن تلك الدوافع بقوله: " إني إنما أعيبك
دفاعا مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال
الأذى في من نحبه ونقربه، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون إدخال الأذى عليه
وقتله، ويحمدون كل من عبناه نحن وإن كنا نحمد أمره... فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك
في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك. يقول الله جل وعز:
(أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ
كل سفينة غصبا) " (2).
وزاد من غضب المنصور إيواء الإمام الصادق (عليه السلام) الحسين بن زيد بن علي
إليه لأنه شهد الثورة مع محمد وإبراهيم. ولقد كان الإمام (عليه السلام) على غاية من الحكمة
والدراية في معاملته مع المنصور، وكان يعرف كيف يؤثر عليه وعلى سياسته
التي كان ينتهجها. وقد أنذره يوما بزوال ملكه إن هو قتل أو أهرق دم أحد من
أهل البيت. فقال له: " لم ينل منا أهل البيت دما إلا سلبه الله ملكه " فغضب لذلك
واستشاط، فقال له الإمام: " على رسلك، إن هذا الملك كان في آل أبي سفيان، فلما قتل
(1) البحراني؛ تحف العقول: 229.
(2) رجال الكشي 1: 348. و 2: 566 - 600.
190
يزيد حسينا (عليه السلام) سلبه الله ملكه، فورثه آل مروان، فلما قتل هشام زيدا سلبه الله ملكه،
فورثه مروان بن محمد، فلما قتل مروان إبراهيم الإمام سلبه الله ملكه فأعطاكموه "،
فقال المنصور: صدقت (1).
وقال المنصور يوما للإمام الصادق (عليه السلام) وقد وقع على المنصور ذباب فذبه
عنه، ثم وقع عليه فذبه عنه، ثم وقع عليه فذبه عنه، فقال: يا أبا عبد الله، لأي شيء
خلق الله الذباب؟ فقال: " ليذل به الجبارين " (2).
كما أن مواقف الإمام الصادق (عليه السلام) مع ولاة المنصور لم تكن أقل شدة
من مواقفه مع المنصور نفسه. فلما ولي المدينة شعبة بن عضال من قبل المنصور،
رقي المنبر في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم الجمعة فسب أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) ونال منه، فلم يجسر أحد من الناس أن ينطق بحرف، فقام إليه
رجل فحمد الله وصلى على النبي وآله ثم قال: أما ما قلت من خير فنحن أهله،
وأما ما قلت من سوء فأنت وصاحبك به أولى، فاختبر يا من ركب غير راحلته،
وأكل غير زاده، إرجع مأزورا، ثم أقبل على الناس فقال: ألا أنبؤكم بأخلى الناس
ميزانا يوم القيامة وأبينهم خسرانا، من باع آخرته بدنيا غيره وهو هذا الفاسق.
فأسكت الناس، وخرج الوالي من المسجد ولم ينطق بحرف، يقول عبد الله
ابن سليمان التميمي: فسألت عن الرجل فقيل لي: هذا جعفر بن محمد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (3).
(1) الكليني؛ أصول الكافي 2: 563.
(2) الصدوق؛ علل الشرائع: 496. وابن شهرآشوب؛ مناقب آل أبي طالب 4: 251.
(3) المجلسي؛ بحار الأنوار 11: 165.
191
موقف الإمام (عليه السلام) من الحكم الجائر
لقد حدد الإمام الصادق (عليه السلام) موقفه من الحكمين الأموي والعباسي،
فاعتبر أن الحكام الأمويين والعباسيين ظلمة لا يجوز التعامل معهم، ولذلك ابتعد
عن كل عمل يتصل بشؤون الدولة، وأمر أصحابه بتجنب هؤلاء الحكام وعدم
الاتصال بهم. يقول: " ما أحب أني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء... إن أعوان
الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار، حتى يحكم الله بين العباد " (1). وقد كان نهيه ذلك
لأصحابه لكي لا يتأثروا وينحرفوا عن جادة الحق فيمقتهم الله وينزع البركة
منهم. قال: " اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع، وقووه بالتقية والاستغناء بالله عز وجل.
إنه من خضع لصاحب سلطان ولم يخالفه على دينه طلبا لما في يده من دنياه أخمله الله
عز وجل ومقته ووكله إليه، فإن هو غلب على شيء من دنياه فصار إليه منه شيء نزع الله
عز وجل البركة منه ولم يأجره على شيء ينفقه في حج ولا عتق ولا بر " (2). فالرعية
التي تتولى الإمام الجائر تخرج بولايتها من نور الإسلام.
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يرى أن من سلامة الدين عدم التقرب إلى الحكام
الظلمة والابتعاد عنهم. ولكنه رغم مواقفه هذه من السلطان، كان يشترط في
بعض الحالات الاستثنائية على من يريد العمل مع السلطان أن لا يدع للسلطان
مجالا للتأثير عليه في حكمه أو قضائه أو عمله، لأن الغاية من العمل هي رضا الله
(1) الكليني؛ الفروع من الكافي 5: 107.
(2) الكليني؛ الفروع من الكافي 5: 105 و 106.
192
سبحانه، والعدل في الرعية، والرفق بهم وقضاء حوائجهم (1).
وقد ورد عنه (عليه السلام) في تفسير الآية (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم
النار)، قال: " هو الرجل الذي يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده
إلى كيسه فيعطيه. ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى الله، وقد حمد الله
نفسه على هلاك الظالمين فقال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله
رب العالمين) (2).
كما حذر أصحابه من الترافع إلى حكام الجور، ولو فعلوا ذلك لكانوا
ممن تحاكموا إلى الطاغوت (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا
به). وذلك لأنهم يحكمون بخلاف الحق، وإذا قدم مؤمن مؤمنا في خصومة
إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله عز وجل فقد شركه
في الإثم (3).
ولكي لا يرجع أصحابه في خصوماتهم إلى الطواغيت، نصب لهم قضاة
من بينهم، وأمرهم بالرجوع إليهم، وتقبل ما يأمرون ويقضون به. قال: " انظروا
إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا
إليه " (4). وكان يؤكد لهم على حقه في الحكم بقوله: " اتقوا الحكومة، فإن الحكومة
(1) الكليني؛ الفروع من الكافي 5: 109.
(2) الكليني؛ الفروع من الكافي: 108.
(3) المصدر 7: 411. والصدوق؛ من لا يحضره الفقيه 3: 3. والطوسي؛ التهذيب 6: 219.
(4) الكليني؛ الفروع من الكافي 7: 413. والصدوق؛ من لا يحضره الفقيه 3: 2. والطوسي؛
التهذيب 6: 219.
193
إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي " (1).
إن الخط السياسي للإمام الصادق (عليه السلام) كان يقوم على أساس مقاطعة الحكم
الجائر، المقاطعة الهادفة إلى التغيير الجذري للحكومة القائمة. إلا أنه لم يكن يرى
أن الظهور بالسيف، والانتصار المسلح الآني يكفي لإقامة حكم الإسلام. لأن ذلك
يتوقف على إعداد جيش عقائدي يؤمن بالإمام وعصمته إيمانا قاطعا، ويعي
أهدافه، ويدعم نهجه في هذا المجال، ويحرس ما يحققه للأمة من مكاسب.
ولهذا عندما دخل سدير الصيرفي على الإمام الصادق (عليه السلام) وقال له: والله
ما يسعك القعود. قال الإمام: " ولما يا سدير؟ "، فقال: لكثرة مواليك وشيعتك
وأنصارك. فسكت الإمام عنه، وذهب سدير معه إلى ينبع، فقال له الإمام وهو ينظر
إلى قطيع من الجداء: " والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني
القعود " (2).
إن منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في التغيير لم يكن منهجا تحكمه المغامرات
العفوية والارتجال، بل كان منهجا تحكمه خطط محكمة قائمة على أسس فكرية
وعقائدية موضوعية وواضحة (3).
ومن خلال الاستقصاء العام لحياة الإمام الصادق (عليه السلام) السياسية،
يستخلص: أنه مارس ضد الحكم الجائر أنماطا فريدة في المجالات السياسية
(1) الكليني؛ الفروع من الكافي 7: 406. والصدوق؛ من لا يحضره الفقيه 3: 4. والطوسي؛
التهذيب 6: 217.
(2) الكليني؛ أصول الكافي 2: 242. والمجلسي؛ بحار الأنوار 11: 372.
(3) عادل الأديب؛ الأئمة الإثنا عشر: 181.
194
والاجتماعية والفكرية والسلوكية والتربوية. فهو ثورة صامتة في سياسته ومركزه
الاجتماعي، ودوره الواسع الخطير في ترسيخ الفكر الرسالي، والأسلوب التربوي.
وفي فرضه المقارنة على المجتمع الإسلامي بين عطاء الرسالة وعطاء الحاكمين،
وبين سلوكه الرسالي وسلوك الحكام.
وإن امتناعه عن القيام المسلح ضد الحكم إنما كان بسبب نفاذ بصيرته
ومعرفته الدقيقة بالأمور ونتائجها. ولو كان يعلم أن الإقدام هو المجدي لأقدم
لا يهمه ما يعتوره من السيوف، وما يحيط به من أسباب الموت.
موقف الإمام (عليه السلام) من الخلافة والخلفاء
وقد تفرغ الإمام الصادق (عليه السلام) لأداء الرسالة العلمية، واستغنى عن طلب
الرئاسة والسلطة السياسية (1)، في حين إنه كان يحمل على عاتقه عبء الحفاظ على
مكانة بني هاشم وعلى دمائهم، لأن الإمام (عليه السلام) كان أكبرهم منزلة. وفي سنة 121 ه
- 741 م) قتل عمه زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) في حرب بني أمية، وكان لها وقع
شديد في نفس الإمام (عليه السلام)، وزاد موقفه حرجا. وزاد ثقل العبء على كاهله، غير
أنه استطاع بمقدرته ولباقته اجتناب غضب بني أمية بزهده في دنياهم واعتزاله في
بيته ومدرسته، حينا في المدينة وحينا في الكوفة، منصرفا إلى إفادة طلاب العلم
والعبادة.
(1) يقول الشهرستاني: إنه (عليه السلام) ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحدا الخلافة، ومن غرق
في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حظ.
195
ثم جاءت الدولة العباسية، فظن البعض أن الغمة قد انجابت، فإذا ببني
العباس أشد إلحاحا في تعقب آل علي (عليه السلام) من بني أمية، فاستمر الإمام (عليه السلام) في
عزلته وانصرافه إلى التعليم والإفادة.
وكانت أيام السفاح (أول الخلفاء العباسيين) أربع سنين، وهي مدة غير
كافية للقضاء على بني أمية قضاء مبرما، ولا لبناء أسس الملك وترسيخ دعائمه.
ولكنه مع ذلك لم يدع الصادق (عليه السلام) وشأنه، بل بعث إليه من يتعقبه من المدينة
المنورة إلى الحيرة ليفتك به، وكان دافعه في الإقدام على هذا العمل الشائن ضد رجل
اشتغل بالعبادة والتعليم والإرشاد، فضلا عن كونه من أبناء عمومته، خوفه من أن
يتجه القوم إلى الصادق (عليه السلام) ويعرفوا منزلته. وكانت الناس إلى ذلك العهد، ترى أن
الخلافة جمع للسلطتين الروحية والزمنية، ولا تراها سلطانا خالصا مبتوت الصلة
بالدين.
وبسبب هذه الخشية ترصد المنصور للصادق (عليه السلام)، فرأى الإمام (عليه السلام) منه
ضروبا من الآلام والمكاره. قال ابن طاووس: إن المنصور دعا الصادق (عليه السلام) سبع
مرات كان بعضها في المدينة والربذة حين حج المنصور، وبعضها يرسل إليه إلى
الكوفة، وبعضها إلى بغداد، وما كان يرسل عليه مرة إلا ويريد فيها قتله (1).
وقال ابن حمدون: كتب المنصور إلى جعفر بن محمد (عليه السلام): " لم لا تغشانا كما
يغشانا الناس؟ فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما
نرجوك له. ولا أنت في نعمة فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع عندك؟
قال: فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا.
(1) بحار الأنوار 47: 185.
196
فأجابه: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك.
فقال المنصور: والله لقد ميز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممن يريد
الآخرة، وإنه ممن يريد الآخرة " (1).
نعم، إن الإمام الصادق، بزهده في دنياهم، وبحذره ولباقته ومقدرته استطاع
أداء تلك الرسالة العلمية الخالدة، وقدر للشيعة أن ينتسبوا من بين الأئمة الاثني
عشر إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وأن يشتهروا بالجعفرية؛ بفضل ما ترك
الصادق (عليه السلام) من التراث العلمي.
أكتفي بهذا القدر عن حياة الإمام الصادق (عليه السلام) السياسية في عهدي الحكم
الأموي والحكم العباسي، وموقفه من الثورات العلوية. وقد اعتمدت في هذا البحث
على المصادر التالية:
1 - مقاتل الطالبيين - لأبي الفرج الإصفهاني.
2 - الإمام الصادق (عليه السلام) - للمستشار عبد الحكيم الجندي.
3 - الدور السياسي للإمام الصادق (عليه السلام) - للدكتور أحمد حمود.
4 - الإمام الصادق (عليه السلام) - للسيد محمد جواد فضل الله.
5 - الإمام الصادق (عليه السلام) - لمحمد أبو زهرة.
6 - الإمام الصادق (عليه السلام) - للشيخ محمد حسن المظفر.
7 - بحار الأنوار - للشيخ المجلسي.
8 - المناقب - لابن شهرآشوب.
(1) بحار الأنوار 47: 184.
197
9 - الأئمة الاثنا عشر - لعادل الأديب.
10 - العقد الفريد - لابن عبد ربه.
11 - أصول الكافي - للشيخ الكليني.
12 - التهذيب - للشيخ الطوسي.
وغيرها من المصادر الموثوقة المعتبرة.
198
الفصل العشرون
مواقف الإمام الصادق (عليه السلام)
من المنصور العباسي
ابتلي الإمام الصادق (عليه السلام) بطاغية زمانه وجباره المنصور الدوانيقي.
كان المنصور في زمن بني أمية معتدا بنفسه ومتعاليا على غيره، ولم يكن عنده
وعند من سبقه أي أمل في الحكم والخلافة لولا بعض التصريحات التي صدرت
من الإمام الباقر (عليه السلام) في التنبؤ بوصول بني العباس وبالأخص أبو جعفر المنصور
إلى سدة الحكم، وتأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على صاحب القباء الأصفر،
وبعدم نجاح ثورة العلويين في قصة مفصلة ذكرناها (1)، ورجوع الأمر لبني العباس،
وعلى رغم جبروته كان يتردد على الإمام الصادق، ويتودد إليه بشتى الصور
لعله يظفر بشيء من علمه، وكان يعلم علم اليقين أن الإمام (عليه السلام) لا يرغب
في الخوض في تلك الصراعات السياسية، لعلمه المسبق بعدم جدوى ذلك في سيطرة
العلويين على الحكم.
كان المنصور يجلس إلى الإمام الصادق (عليه السلام) ويستمع إلى أحاديثه، عسى
أن يظفر منه على تصريح آخر يؤكد تصريحاته وتصريحات أبيه الباقر (عليه السلام).
(1) ذكرنا ذلك مفصلا في المجلد الثامن من هذه الموسوعة عن حياة الإمام الباقر (عليه السلام).
199
وبعد أن زال عهد الأمويين وانتقلت السلطة إلى أخيه السفاح ثم إليه،
استدعى الإمام (عليه السلام) وأحضر ولده المهدي، وقال له: يا أبا عبد الله، حديث
كنت حدثتنيه في صلة الرحم، أعده علي ليسمعه ولدي المهدي. قال الإمام (عليه السلام):
حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله عز وجل
ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنه فيصيرها الله ثلاث سنين،
ثم تلا قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب). فقال المنصور:
هذا حسن يا أبا عبد الله، وليس إياه أردت.
فقال أبو عبد الله: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده علي (عليه السلام)، أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار وإن كان أهلها
غير أخيار، فقال المنصور: هذا حسن ولكني أردت غيره.
فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن
علي (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: صلة الرحم تهون الحساب،
فقال المنصور: هذا هو الذي أردت.
تقرب المنصور من الإمام (عليه السلام) كان بهدف مصانعة العلويين لحين القضاء
على خصومه من بني أمية.
من هذه الرواية وغيرها يظهر أن المنصور كان على صلة بالإمام ويستمع
إلى أحاديثه، ولم يكن لديه ما يوجب قطيعته وجفاؤه، وبعد أن أصبحت الدنيا
طوع إرادته وانقرض عهد أعدائه الأمويين لم يعد يخشى غير العلويين الذين
كان يطالب بحقهم بالأمس ويدعو الناس لمقاومة الأمويين بإظهار مظلوميتهم،
وبعد أن استتب له الأمر أصبح لا يخشى سواهم وتصور أن وجود الإمام جعفر
200
ابن محمد يشكل خطرا على عرشه وعلى أسرته بكاملها فحاول أكثر من مرة
أن يفتك به - قائف هذا الشجى المعترض في حلقي، يعني الإمام الصادق (عليه السلام):
ولكن مشيئة الله كانت تحول بينه وبين ما يريد.
وجاء في بعض المرويات عن الربيع حاجب المنصور أنه قال: لما استقرت
الخلافة لأبي جعفر المنصور واستتبت له الأمور قال لي: يا ربيع ابعث إلى جعفر
ابن محمد وائتني به، فذهبت إليه وقلت: يا أبا عبد الله، أجب أمير المؤمنين.
فقام معي، فلما دنونا من الباب جعل الإمام الصادق يحرك شفتيه ويتكلم بكلام
لم أفهمه، ثم دخل على المنصور وسلم عليه فلم يرد السلام ورفع رأسه إلى الإمام
وقال: يا جعفر، أنت الذي تؤلب علي الناس وتحرضهم على الثورة، فأنكر عليه
الإمام وتنصل من القيام بأي عمل ضده، فسكن غضبه وقال: إجلس
يا أبا عبد الله، ودعا بمسك وجعل يدهن الإمام بيده والمسك يقطر من بين أنامله،
ثم اعتذر إليه وقال: انصرف يا أبا عبد الله إن شئت، وأمرني أن أضاعف له
الجائزة. ومضى الربيع يقول: فخرجت مع أبي عبد الله وقلت له: شهدت
ما لم تشهد يا ابن رسول الله وسمعت ما لم تسمع وقد دخلت عليه وهو حاقد
عليك، ورأيتك تحرك شفتيك عند دخولك عليه، فما أسرع ما تغير موقفه منك!
فقال الإمام (عليه السلام): حدثني أبي، عن أبيه، عن جده: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا حزنه
أمر دعا بدعاء الفرج فيكشف الله ما به من هم وسوء، وأنا حينما استدعاني
علمت بأنه يريد بي السوء، وقد كفاني الله شره ببركة هذا الدعاء.
وفي رواية أخرى عن الربيع أيضا: أن المنصور أرسل إلى الإمام
الصادق (عليه السلام) من يأتيه به لشيء بلغه عنه، فلما دنا الصادق من باب المنصور
خرج إليه الحاجب وقال: أعيذك بالله من سطوة هذا الجبار يا أبا عبد الله،
201
فإني رأيت ضرره عليك شديدا. فقال الإمام: علي من الله واقية تعينني عليه
إن شاء الله، استأذن لي عليه، فلما أذن له ودخل الإمام، قال له المنصور: يا جعفر،
قد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأبيك علي بن أبي طالب: لولا أن تقول فيك
طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس
إلا وأخذوا التراب من تحت قدميك. وقال علي: يهلك في اثنان ولا ذنب لي:
محب غال ومبغض مفرط (1)، وإنما قال ذلك اعتذارا لأنه لا يرضى بما يقوله فيه
المحب والعدو، وأنت تعلم ما يقال فيك، وقد زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس
أنه حبر الدهر وحجة المعبود وترجمانه وعيبة علمه، فقل فإن أول من قال الحق
جدك وأول من صدقه عليه أبوك، وأنت حري أن تقتفي آثارهما وتسلك سبيلهما.
فقال الإمام الصادق (عليه السلام): أنا فرع من تلك الزيتونة. فقال المنصور:
لقد أحالني على بحر لا يدرك طرفه ولا يبلغ عمقه، هذا هو الشجى المعترض
في حلوق الخلفاء الذي لا يجوز نفيه ولا يحل قتله، ولولا ما يجمعني وإياه من شجرة
طاب أصلها وبسق فرعها وعذب ثمرها لكان مني إليه ما لا تحمد عقباه لما يبلغني
عنه من شدة عيبه لنا وسوء القول فينا، فأنكر عليه الإمام ذلك بأسلوب يوحي
بالاعتذار.
ثم التفت إليه المنصور وقال: لقد صفحت عنك يا أبا عبد الله لصدقك،
فحدثني بحديث أنتفع به ويكون لي زاجرا من الموبقات.
فقال الإمام (عليه السلام): عليك بالحلم فإنه ركن العلم، واملك نفسك عند أسباب
القدرة فإنك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا وتداوى حقدا ويحب
(1) في بعض الروايات: " مبغض قال ".
202
أن يذكر بالصولة، واعلم بأنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به
إلا العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر.
فقال المنصور: لقد وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت.
وجاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي أن المنصور وفد على المدينة سنة 144
في طريقه لأداء فريضة الحج فقال للفضل بن الربيع: ابعث إلى جعفر بن محمد
من يأتيني به متعبا، قتلني الله إن لم أقتله. قال الفضل: فتغافلت عن ذلك طمعا
في أن ينسى المنصور وتهدأ نفسه، فأعاد علي طلبه ثانيا وثالثا، فلم أر بدا
من أن أستدعيه، فأرسلت إليه، فلما حضر قلت له: يا أبا عبد الله لقد أرسل إليك
لأمر عظيم وما أظنك بناج منه، فقال الإمام (عليه السلام): لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، ثم دخل على المنصور وسلم عليه فلم يرد السلام وقال له: لقد اتخذك
أهل العراق إماما يجبون لك الأموال من الزكاة وغيرها وتلحد في سلطاني وتبغيه
الغوائل، قتلني الله إن لم أقتلك. فقال الإمام (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، إن سليمان النبي
أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف بن يعقوب ظلم فغفر، فاقتد
بأيهم شئت.
لم يجد الإمام (عليه السلام) بدا من مقابلته وهو بتلك الحالة من الحقد والغضب عليه
إلا بهذا الأسلوب الهادئ اللين الذي هو من أبلغ ما يمكن أن يكون في مثل
هذه الحالات.
لقد أراد الإمام (عليه السلام) أن يضع حدا لغضبه فقال له ما مضمونه: إن الله إذا أنعم
على عباده استحق شكرهم كما شكره سليمان على نعمه، وأنت محاط بنعم الله
من جميع جوانبك، والتنكيل بالأبرياء على الظنة والتهمة كفر وجحود لنعم الله،
وإذا كنت تراني بلاء عليك فلو صبرت على هذا البلاء كما صبر أيوب على أسوأ
203
أنواع البلاء تنال أجر الصابرين، وإذا كنت تراني ظالما لك فلو اقتديت بيوسف
وعفوت كما عفا عمن ظلمه كان ذلك أقرب للتقوى والله يحب المحسنين.
وكان لجواب الإمام أثر في نفس المنصور وأطرق برأسه قليلا ثم رفعه واتجه
إلى الإمام بغير الوجه الذي قابله فيه من قبل فأدناه إليه ومسح على لحيته الكريمة
بالغالية واعتذر منه، ثم قال للفضل بن الربيع كما جاء في الرواية: هيىء
لأبي عبد الله جائزة حسنة وودعه إلى خارج قصره فعاد الإمام إلى بيته تحرسه
عناية الله سبحانه من أولئك الجبابرة الذين كان وجود الإمام ثقيلا عليهم
كما كان وجود آبائه ثقيلا على طغاة الأمويين لا لشيء إلا لأن أهل البيت
كانوا يجسدون الحق والخير والعدالة والإحسان في جميع أعمالهم، وأولئك يجسدون
الباطل والظلم والطغيان في سلوكهم وتصرفاتهم.
ومرة أخرى أرسل إليه محمد بن الربيع وأمره أن يأتي به على الحالة التي يجده
عليها، قال محمد بن الربيع: لقد دخلت عليه الدار فوجدته يصلي ولما فرغ
من صلاته قلت له: أجب أمير المؤمنين. فقال: دعني ألبس ثيابي، فقلت:
ليس إلى تركك من سبيل، لأني مأمور أن أحملك على الحالة التي تكون عليها.
فجئت به على حالته وأدخلته على المنصور وهو حاقد عليه فلما نظر إليه قال:
يا جعفر، أما تدع حسدك وبغيك على أهل هذا البيت من بني العباس؟ وما يزيدك
ذلك إلا شدة الحسد ولست ببالغ ما تقدره. فقال الإمام (عليه السلام): والله يا أمير المؤمنين
ما فعلت شيئا من هذا، ولقد كنت في ولاية بني أمية وأنت تعلم بأنهم أعدى الخلق
لنا ولكم وإنهم لا حق لهم في هذا الأمر، فوالله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عني سوء،
فكيف أصنع هذا وأنت ابن عمي وأمس الخلق بي رحما. فأطرق المنصور ساعة
ثم رفع وسادة كانت إلى جنبه وأخرج من تحتها إضبارة كتب ورمى بها إليه،
204
وقال: هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي وأن يبايعوك دوني.
فقال الإمام (عليه السلام): والله ما فعلت، ولقد بلغت ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته،
ثم أطرق المنصور وضرب يده إلى السيف فسل منه مقدار شبر، ثم رده وقال:
يا جعفر، أما تستحي مع هذه الشيبة وهذا السن أن تنطق بالباطل وتشق عصا
المسلمين، أتريد أن تريق الدماء وتثير الفتنة بين الرعية؟! ومضى يخاطبه
بهذا الأسلوب المشحون بالحقد والبغضاء والإمام (عليه السلام) يقول: والله ما فعلت
ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي، وما زال يحلف له ويتبرأ مما نسب إليه
حتى سكن المنصور وقال: أظنك صادقا، كما روى ذلك المجلسي في البحار.
محمد بن يعقوب، بإسناده عن المفضل بن عمر قال، وجه أبو جعفر المنصور
إلى الحسن بن زيد، وهو واليه على الحرمين: أن أحرق على جعفر بن محمد داره،
فألقى النار في دار أبي عبد الله (عليه السلام) فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج
أبو عبد الله (عليه السلام) يتخطى النار ويمشي فيها ويقول: أنا ابن أعراق الثرى،
أنا ابن إبراهيم الخليل (عليه السلام) (1).
وحدث عبد الله بن الفضل بن الربيع، قال: حج المنصور في سنة سبع
وأربعين ومائة، قدم المدينة، قال للربيع ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به سعيا،
قتلني الله إن لم أقتله. فتغافل الربيع عنه وناساه، فأعاد عليه في اليوم الثاني وأغلظ
له في القول، فأرسل إليه الربيع. فلما حضر قال له الربيع: يا أبا عبد الله، اذكر الله
تعالى فإنه قد أرسل إليك ما لا دافع له غير الله، وإني أتخوف عليك. فقال جعفر:
(1) الكافي 1: 473، الحديث 2. وحلية الأبرار 4: 71، الحديث الأول. الثاقب في المناقب:
127. مناقب ابن شهرآشوب 40: 236. كما أخرجه البحار 47: 136، الحديث 186.
205
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم إن الربيع دخل به على المنصور، فلما رآه
المنصور أغلظ له بالقول، فقال: يا عدو الله، اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك
زكاة أموالهم، وتلحد في [سلطاني وتبغيه] الغوائل، قتلني الله إن لم أقتلك.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، إن سليمان أعطي فشكر وإن أيوب ابتلي فصبر
وإن يوسف ظلم فغفر، فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك ولك فيهم أسوة
حسنة. فقال المنصور: أجل، لقد صدقت يا أبا عبد الله، ارتفع إلى هاهنا عندي،
ثم قال: يا أبا عبد الله إن فلان الفلاني أخبرني عنك بما قلت لك. فقال: أحضره
يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك. فأحضر الرجل الذي سعى به إلى المنصور،
فقال له المنصور: أحقا ما حكيت لي عن جعفر، فقال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال جعفر: فاستحلفه على ذلك، فبدر الرجل وقال: والله العظيم الذي لا إله إلا هو
عالم الغيب والشهادة الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد، وأخذ يعدد في صفات الله. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، يحلف
بما أستحلفه ويترك يمينه هذا، فقال المنصور: حلفه بما تختار، فقال جعفر (عليه السلام):
قل برأت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي، لقد فعل كذا وكذا.
فامتنع الرجل، فنظر إليه المنصور منكرا، فحلف بها فما كان بأسرع من أن ضرب
برجله الأرض وقضى ميتا مكانه في المجلس، فقال المنصور جروا برجله وأخرجوه
لعنه الله. ثم قال: لا عليك يا أبا عبد الله، أنت البريء الساحة، السليم الناحية،
المأمون الغائلة، علي بالطيب والغالية، فأتوا بالغالية، فجعل يغلف بها لحيته
إلى أن تركها تقطر، وقال في حفظ الله وكلائته، وألحقه الربيع بجوائز حسنة
وكسوة سنية. قال الربيع: فلحقته بذلك، ثم قلت له: يا أبا عبد الله، إني رأيت
قبلك ما لم تره أنت، ورأيت بعد ذلك ما رأيت، ورأيتك تحرك شفتيك،
206
وكلما حركتهما سكن الغضب، بأي شيء كنت تحركهما جعلت فداك؟ قال:
بدعاء جدي الحسين (عليه السلام)، قلت: وما هو يا سيدي؟ قال: قلت:
(اللهم يا عدتي عند شدتي، يا غوثي عند كربتي، احرسني بعينك التي لا تنام،
واكفني بركنك الذي لا يرام، وارحمني بقدرتك على فلان، اللهم لا أهلك وأنت
رجائي، اللهم إنك أكبر وأجل وأقدر مما أخاف وأحذر، اللهم بك أدرأ في نحره
وأستعيذ بك من شره، إنك على كل شيء قدير).
قال الربيع: فما نزلت بي شدة قط ودعوت به إلا فرج الله عني، قال الربيع:
وقلت لأبي عبد الله منعت الساعي بك إلى المنصور من أن يحلف يمينه وأحلفته أنت
تلك اليمين، فما كان إلا أخذ لوقته فتعجبت من ذلك ما فيه؟ قال: لأن في يمينه
التي أراد أن يحلف بها توحيد الله وتمجيده وتنزيهه، فقلت: يحلم الله عليه ويؤخر
عنه العقوبة، وأحببت تعجيلها فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله لوقته.
ويدعي الرواة أنه استدعاه نحوا من ثماني مرات وهو حاقد عليه يريد قتله
ثم يتراجع بعد الاجتماع به ويجد نفسه من حيث لا يريد مضطرا لإكرامه وتعظيمه.
يقول السيد هاشم معروف: وإن كنت أشك في أكثر ما يرويه بعض الرواة
حول تلك المواقف المزعومة، ذلك لأن المنصور يعلم بأن الصادق كان منصرفا
عن الخلافة وعن الثورة على نظام حكمه، ولم يكن على وفاق مع بني أعمامه
الذين كانوا يخرجون بين الحين والآخر وقد أخبرهم بفشل جميع محاولاتهم الرامية
إلى الاستيلاء على السلطة وانتزاعها من أيدي العباسيين، ولعلمه بما وصل إليه
من آبائه وأجداده قد أخبر بقيام دولة بني العباس واستتباب الأمر لهم، وقد تلقى
المنصور نفسه منه هذا النبأ بارتياح وغبطة كما ذكرنا من قبل وكان المنصور يجله
ويعظمه ولا يرى لأحد فضلا عليه، ولا أظنه قد حاول قتله أو فكر بذلك لعلمه
207
بأن عملا من هذا النوع يكلفه ما لا يطيق.
هذا بالإضافة إلى أن تلك المرويات تصور الإمام الصادق في موقف الذليل
الذي يستجدي عفو المنصور ورضاه مع أن أكثر الروايات تنص على أنه لم يهادن
أحدا على حساب دينه وكان ينقض عليه وعلى غيره من الظلمة كالصاعقة أحيانا.
فقد جاء في رواية أبي نعيم في حلية الأولياء أن المنصور استدعى الإمام
الصادق يوما وأجلسه إلى جانبه يحادثه بكل إجلال واحترام، فوقع الذباب
على وجه المنصور ولم يزل يقع على وجهه وأنفه حتى ضجر منه المنصور، فقال:
لم خلق الله الذباب يا أبا عبد الله؟ فقال الصادق: ليذل به أنف الجبابرة،
فوجم المنصور وتغير لونه ولم يتكلم معه بما يسيء إليه كلمة واحدة.
كما يروي الرواة أنه استدعاه إليه يعاتبه على قطيعته له وكان قد زار المدينة
ولم يدخل عليه الإمام الصادق فيمن زاره من الوجوه والأشراف، فقال له:
لم لم تغشنا كما يغشانا الناس؟ فأجابه الإمام (عليه السلام): ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك
عليه، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوه منك، ولا أنت في نعمة نهنئك بها،
ولا في نقمة فنعزيك. فقال له المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فرد عليه الإمام بقوله:
إن من يريد الدنيا لا ينصحك، ومن يريد الآخرة لا يصحبك. وما أكثر مواقفه
التي كان يندد فيها بالحكام والجبابرة ويصفهم بأقبح الصفات ويحذرهم من سخط
الله وعقابه والتمادي في الظلم والطغيان.
كما أن مواقفه مع ولاة المنصور كانت تتسم بالشدة عندما تدعو الحاجة
لذلك، فقد جاء في بعض المرويات أن أحد ولاة المنصور في المدينة خطب يوم
الجمعة بحضور الإمام ونال من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقام الإمام بعد أن فرغ الوالي
من خطابه وقال - بعد أن حمد الله وصلى على رسوله -: أما ما قلت من خير
208
فنحن أهله، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك أولى به، ثم التفت إلى الناس وقال:
ألا أنبئكم بأخف الناس ميزانا وأبينهم خسرانا يوم القيامة، ألا وإن من أخف
الناس ميزانا وأسوأهم حالا من باع آخرته بدنيا غيره، وهو هذا الفاسق،
فسكت الوالي وخرج من المسجد مذموما مدحورا.
ولما كان داود بن علي واليا على المدينة بالغ في إيذاء العلويين وتتبع أنصارهم
وطلب من المعلى بن خنيس أن يخبره بحالهم فامتنع المعلى فهدده بالقتل وأصر
على امتناعه، فأمر داود بن علي السيرافي قائد شرطته بقتله، ولما بلغ الإمام
الصادق ما جرى على المعلى تأسف عليه واشتد به الغضب ومضى بنفسه إلى مقر
الوالي ولم يكن ذلك من عادته فقال له: لقد قتلت مولاي وأخذت مالي، أما علمت
أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الضيم؟ ودار بين الإمام والوالي جدال
عنيف حول هذا الأمر كان الوالي يحاول أن يتنصل من مسؤولية ما جرى ويحملها
السيرافي، وترك لأولياء الدم أن يقتصوا من القاتل، ولما أخذ ليقتل صرخ بأعلى
صوته: يأمرونني بقتل الناس فأقتلهم لهم، ثم يتهربون من مسؤولية ذلك ويأمرون
بقتلي.
وفي رواية: أنه (عليه السلام) حينما بلغه قتل المعلى بن خنيس، دخل إلى داره،
ولم يزل ليله كله قائما إلى الصباح، ولما كان وقت السحر سمع منه وهو يقول
في مناجاته: " يا ذا القوة القوية، ويا ذا المحال الشديد، ويا ذا العزة التي كل خلقك
لها ذليل، اكفنا هذا الطاغية، وانتقم لنا منه " فما كان إلا أن ارتفعت الأصوات
بالصراخ والعويل. وقيل: مات داود بن علي فجأة.
ابن شهرآشوب، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر: أن المنصور
الدوانيقي قد كان هم بقتل أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) غير مرة، فكان إذا بعث إليه
209
دعاه لقتله - ليقتله - فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله، غير أنه منع الناس عنه، ومنعه
من القعود للناس، واستقصى [عليه] أشد الاستقصاء حتى [إنه] كان يقع لأحدهم
مسألة في دينه [من شيعته] في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون علم ذلك
عندهم، ولا يصلون إليه فيعتزل الرجل أهله، فشق ذلك على شيعته وصعب عليهم،
حتى ألقى الله عز وجل في روع المنصور أن سأل الإمام الصادق (عليه السلام) ليتحفه بشيء
من عنده لا يكون لأحد مثله، فبعث إليه بمخصرة كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طولها ذراع،
فرح بها المنصور فرحا شديدا، وأمر أن تشق له أربعة أرباع، وقسمها في أربعة
مواضع، ثم قال له: جزاؤك عندي إلا أن أطلق لك، وتفشي علمك لشيعتك
ولا أتعرض لك ولا لهم، فاقعد غير محتشم وافت الناس ولا تكون في بلدنا تقية،
ففشا العلم عن الصادق (عليه السلام) (1).
وتوسعت مدرسته حتى بلغت أربعة آلاف طالب في الكوفة.
محمد بن يعقوب، بإسناده عن ظريف بن ناصح، قال: لما بعث المنصور
الدوانيقي إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، رفع يده إلى السماء ثم قال: اللهم إنك حفظت
الغلامين بصلاح أبويهما، فاحفظني بصلاح آبائي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي، والحسن،
والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي (عليهم السلام)، اللهم إني أدرأ بك في نحره،
وأعوذ بك من شره.
ثم قال للجمال: سر، فلما استقبله الربيع بباب المنصور الدوانيقي قال له:
يا أبا عبد الله ما أشد باطنه عليك! لقد سمعته يقول: والله ما تركت لهم نخلا
إلا عقرته، ولا مالا إلا نهبته، ولا ذرية إلا سبيتها، قال: فهمس (عليه السلام) بشيء خفي
(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 238. وعنه البحار 7: 180، الحديث 27.
210
وحرك شفتيه، فلما دخل وسلم وقعد فرد عليه السلام، ثم قال: أما والله لقد هممت
أن لا أترك لك نخلا إلا عقرته، ولا مالا إلا أخذته.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل ابتلى أيوب فصبر،
وأعطى داود [سليمان] فشكر، وقدر يوسف فغفر، وأنت من ذلك النسل، ولا يأتي
ذلك النسل إلا ما يشبهه، فقال المنصور: صدقت فقد عفوت عنكم، فقال له:
يا أمير المؤمنين، إنه لم ينل منا أهل البيت أحد دما إلا سلبه الله ملكه، فغضب
[المنصور] لذلك واستشاط، فقال (عليه السلام): على رسلك يا أمير المؤمنين، إن هذا الملك
كان في آل أبي سفيان، فلما قتل يزيد لعنه الله حسينا (عليه السلام)، سلبه الله ملكه،
فورثه الله آل مروان، فلما قتل هشام زيدا سلبه الله ملكه، فورثه مروان بن محمد،
فلما قتل مروان إبراهيم (1) سلبه الله ملكه، فأعطاكموها، فقال المنصور: صدقت،
هات ارفع حوائجك. فقال (عليه السلام): الإذن، فقال: هو في يدك متى شئت، فخرج.
فقال له الربيع: قد أمر لك بعشرة آلاف درهم. قال: لا حاجة لي بها. قال:
إذن يغضب. فقال (عليه السلام): هاتها، فأخذها ثم تصدق بها (2).
ولما بلغ جعفر الصادق (عليه السلام) قول الحكم بن عباس الكلبي:
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب
فرفع جعفر يديه إلى السماء وهما يرتعشان، فقال: اللهم سلط على الحكم
(1) إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، زعيم حركة العباسيين قبل ظهورها
- وكان معروفا بالإمام -.
(2) الكافي 2: 562، الحديث 22. وعنه البحار 47: 208، الحديث 51. حلية الأبرار: 4:
73، الحديث 5.
211
ابن العباس الكلبي كلبا من كلابك، فبعثه بنو أمية إلى الكوفة فافترسه الأسد
في الطريق. واتصل ذلك بالصادق فخر ساجدا. وقال: الحمد لله الذي أنجزنا
ما وعدنا.
وعن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: لما رفعت إلى أبي جعفر المنصور
بعد قتل محمد بن عبد الله الحسن نهرني وكلمني بكلام غليظ، ثم قال لي: يا جعفر،
قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي يسمونه النفس الزكية، وما نزل به وإنما أنتظر
الآن أن يتحرك منكم أحد فألحق الصغير بالكبير. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين،
حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه الحسين، عن الحسن بن علي بن أبي طالب،
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين
فيصله الله تعالى إلى ثلاث وثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره
ثلاث وثلاثون سنة فيصيرها الله تعالى إلى ثلاث سنين، قال: فقال لي: الله عليك
سمعت هذا من أبيك، فقلت: والله لقد سمعتها. فردها علي ثلاثا، ثم قال: انصرف.
وتنص بعض المرويات أنه بعد قتل السيرافي دعا على داود بن علي وقال
في دعائه - كما جاء في رواية الكافي -: اللهم إني أسألك بنورك الذي لا يطفى،
وبعزائمك التي لا تخفى، وبعزك الذي لا ينقضي، وبنعمتك التي لا تحصى،
وبسلطانك الذي كففت به فرعون عن موسى، اكفني داود بن علي الساعة الساعة
إنك قريب سميع الدعاء، فما استتم دعاءه حتى سمعت الصيحة من دار داود بن علي.
ومجمل القول أن الإمام الصادق (عليه السلام) واجه في أيام المنصور من المحن
والشدائد ما لم يواجهه في العهد الأموي، وكان وجوده ثقيلا عليه لأنه أينما ذهب
وحيثما حل يراه حديث الجماهير، ويرى العلماء وطلاب العلم يتزاحمون
من كل حدب وصوب على بابه في مدينة الرسول وهو يزودهم بتعاليمه، ويلقي
212
عليهم من فيض علمه وحديثه، وكانت الدعوة إلى الحق ومناصرة العدل ومساندة
المظلوم واجتناب الظلمة الذين تسلطوا على الأمة واستبدوا بمقدراتها وكرامتها،
واستهتروا بالقيم والأخلاق، كانت هذه النواحي تحتل المكانة الأولى في تعاليمه
وإرشاداته.
أقول: إن ما ذكره السيد هاشم معروف الحسني معلقا - في كتابه " سيرة الأئمة
الإثنى عشر " - صحيح ووارد، غير أن عتو الجبار المارد منصور الدوانيقي،
وهلعه وخوفه على حكمه، بالإضافة إلى وشاية وعاظ السلاطين، والحاسدين
والحاقدين، ورسائلهم المتكررة المملوءة بالبهت، تجعله يفقد صوابه وسيطرته
على زمام نفسه، ولكن هيبة الإمامة وقوة شخصيته عندما يقابله تجعله يتضاءل
أمام عظمة الإمام ورسالته، حتى آل الأمر إلى أن دس إليه السم الناقع بالطرق
التي ذكرها أرباب السير.
وكان مع ذلك يقول:
إن الإمامة لا تصلح إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم،
وحلم يملك به غضبه، وحسن الخلافة على من ولي حتى يكون بهم كالوالد الرحيم.
هذا، والمنصور يسمع ويرى كل ذلك، ولكنه كان يقدر إن التحرش بالإمام
الصادق والفتك به ستكون له من المضاعفات التي لا يمكن حصر نتائجها
وأخطارها، ولولا ذلك لمثل معه نفس الدور الذي مثله مع العلويين من أسرته،
وكان قد ملأ بهم المعتقلات والسجون المظلمة وسلط عليهم أعوانه يسومونهم
سوء العذاب، حتى إذا مات أحدهم في سجنه من التعذيب تركوه إلى جانب
الأحياء ينظرون إليه ويتململون من رائحته، وبلغ بهم الحال أنهم كانوا لا يعرفون
أوقات الصلاة إلا بتلاوة أجزاء من القرآن يوزعونها على الليل والنهار، وكانت
213
نهاية أمرهم أن أمر المنصور بهدم السجن عليهم فمات من بقي منهم تحت الركام.
وقد روى جميع المؤرخين حديث الخزانة التي أوصى بها للمهدي ودفع
مفتاحها إلى ريطة زوجة المهدي وأوصاها أن لا تدفعها لغيره عندما تتأكد
من موته، وكانت ريطة تظن بأن محتوياتها من المجوهرات والنفائس والأموال.
وحدث الطبري في تأريخه أن المنصور لما عزم على الحج دعا ريطة
بنت أبي العباس زوجة المهدي، وكان زوجها غائبا عندما عزم المنصور على السفر
إلى الحجاز، وأوصاها بما أراد وعهد إليها ثم دفع لها مفاتيح الخزائن وأخذ عليها
العهود والمواثيق أن لا تفتح الخزائن ولا تطلع عليها غير المهدي، كما أكد عليها
أن لا تطلع هي عليها إلا بعد أن تتأكد من موته، فإذا تأكدت تجتمع مع المهدي
ويفتحانها معا، ولما رجع المهدي إلى مدينة السلام - بغداد - دفعت إليه المفاتيح
وأخبرته بما أوصاها به المنصور، فلما انتهى إليه نبأ وفاته وتولى الخلافة فتح الخزائن
بحضور زوجته، فوجد فيها جماعة من قتلى الطالبيين وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم
وفيهم أطفال ورجال شباب وشيوخ وهم عدد كبير، فلما رأى ذلك ارتاع وتغير
وأمر أن تحفر لهم حفيرة كبيرة فحفروا لهم ودفنوهم بها.
وأظن أن المنصور بوصيته الصامتة هذه إلى خليفته المهدي أراد أن يقول له:
إذا أردت الملك فاحذر آل علي وعاملهم بمثل ذلك، ولعله احتفظ بتلك الجثث
الزواكي وأوصى بتسليمها إليه ليشجعه على اختيار أسلوب العنف والقسوة
في سياسته.
وفي كتاب الدلائل للحميري (رحمه الله) عن زرارة بن مسلم (رحمه الله) مولى خالد
ابن عبد الله القسري، قال: إن المنصور قال لحاجبه: إذا دخل علي جعفر بن محمد
فاقتله قبل أن يصل إلي، فدخل أبو عبد الله (عليه السلام) وجلس، فأرسل إلى الحاجب
214
فنظر إليه فوجده قاعدا. قال: ثم قال: عد مكانك. قال: فأقبل يضرب يدا
على يد، فلما قام أبو عبد الله (عليه السلام) وخرج دعا حاجبه وقال: بأي شيء أمرتك؟
فقال: والله ما رأيته حين دخل ولا حين خرج إلا عندك وهو قاعد.
وفي كتاب مشارق الأنوار روي أن المنصور لما أراد قتل الصادق (عليه السلام)
دعا قوما من الأعاجم لا يعرفون الإسلام ولا يفهمون ولا يعقلون، فخلع عليهم
الديباج والوشي وحمل إليهم الأموال ثم استدعاهم وكانوا مائة رجل، فقال
للترجمان: قل لهم: إن للملك عدوا يدخل عليه الليلة فاقتلوه إذا دخل عليه،
قال: فأخذوا أسلحتهم ممتثلين لأمره. فاستدعى جعفرا (عليه السلام) وأمره أن يدخل عليه
وحده، ثم قال للترجمان: قل لهم هذا عدوي فقطعوه، فلما دخل (عليه السلام) ونظروا إليه
تعاووا كعوي الكلاب ورموا أسلحتهم وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم وخروا له سجدا
ومرغوا وجوههم على التراب، فلما رأى المنصور ذلك خاف على نفسه وقال:
ما جاء بك؟ قال (عليه السلام): أرسلت إلي فأجبتك وما جئتك إلا مغتسلا متحنطا.
فقال المنصور: معاذ الله أن يكون ما تزعم ارجع راشدا. فرجع جعفر (عليه السلام) والقوم
على وجوههم سجدا، فقال المنصور للترجمان: قل لهم لم لا قتلتم عدو الملك؟
فقالوا: نقتل ولينا والذي يلقانا كل يوم ويدبر أمورنا كما يدبر الرجل ولده
ولا نعرف لنا وليا سواه، فخاف المنصور من قولهم وسرحهم تحت ظلام الليل
ثم قتله بعد ذلك بالسم.
وقد طلبه مرارا وعزم على قتله سرا وجهارا، وحيث لم يحتم المقدور صرف
الله تعالى عنه ذلك البلاء والشرور. فلما أحب الله تعالى شهادته وحضر وقته
وأحب لقائه أغار عليه المنصور، فدس إليه سما نقيعا في عنب ورمان بواسطة عامله
على المدينة، فأكله سلام الله عليه فجعل يجود بنفسه وقد اخضر لونه وصار يتقيأ
215
كبده قطعا قطعا حتى قضى نحبه ولقي ربه شهيدا مظلوما، فلما مات (عليه السلام) تزعزعت
المدينة بسكانها، وخرجت المخدرات من خدورها وأوطانها، ناشرات للشعور،
هاتكات للستور، شاقات للجيوب، خامشات للوجوه، لاطمات للخدود،
خادشات للنواصي والعيون، كل تنادي: وا إماماه، وا جعفراه، وا سيداه،
وخرج المساكين والأيتام ينادون: وا ضيعتاه، وا محنتاه، وا قلة ناصراه.
وبكاه ابنه موسى الكاظم (عليه السلام) قائلا: يا أبتاه، من [لنا] بعدك، وا طول
حزناه، وا حسرتاه من بعدك يا أبتاه، وا انقطاع ظهراه. وقد نص على ابنه موسى
ابن جعفر وأسر إليه تلك الوصاية وأظهرها وأشهد عليها جملة من الأوصياء
والأعداء، فقام موسى (عليه السلام) في جهاز أبيه (عليه السلام) فغسله وحنطه كما أمره وكفنه
وعيناه تهملان دموعا، وحمل جنازته (عليه السلام) إلى البقيع ودفنه جوار أبيه وعمه (عليهم السلام).
وقد روي أنه لما حملت جنازته ورفع سريره رثاه أبو هريرة الأبار (1)
في تلك الحال فأنشأ يقول:
أقول وقد راحوا به يحملونه * على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون من ذا تحملون على الثرى * ثبير ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثا الحاثون فوق ضريحه * ترابا وأولى كان فوق المرافق
فيا صادق بن الصادقين ألية * بآبائك الأطهار حلفة صادق
(1) عده ابن شهرآشوب من شعراء أهل البيت المتقين، في معالم العلماء: 140، وذكره
المرحوم السماوي في الطليعة، والسيد الأمين في أعيان الشيعة، ووصفه السماوي بالعجلي
أيضا، وقال: كان راوية شاعرا فاسقا، لقي الباقر والصادق (عليهما السلام)، وكان يسكن البصرة.
أنظر بحار الأنوار 47: 332.
216
فحق بكم ذو العرش أقسم في الورى * فقال تعالى الله رب المشارق
نجوم هي اثنا عشر قد كن سبقا * إلى الناس في علم من الناس سابق
ولا عجبا لو أنزلوك إلى الثرى * فلولاك فيها لم تكن في الحقائق
وساخت بأهليها ولم تك ساعة * بسالمة من حل تلك البوائق
سأبكيك ما دامت عيوني في الثرى * إلى يوم حشري عند ربي وخالقي
ألا لعن الله الذين تبوأوا * مقاما منكم لا سيما ابن الدوانق
أتقتل يا شر البرية جعفرا * ومن قال فيه خالقي خير صادق
وتترك هذا الدين من غير واليا * وصامته أضحى به غير ناطق
سألبس أثواب الضنا مدة البقا * وأهجر صفو العيش غير مرافق
وكيف تلذ العين غمضا وقد جرى * على خير خلق الله شمس المشارق
فيا نكبة ما مثلها قط نكبة * لقد عطلت تلك السما بعد طارق
صلاة إله العرش مثل سلامه * وتسليمه ما ذر نور المشارق
كما رثاه الشاعر حيث يقول:
فلله خطب قبل وقع حلوله * بكته السماء دما وغار به البحر
وزلزلت الأرض حزنا وأعولت * ملائكة التسبيح وامتنع القطر
وكيف لا تبكي العيون لوقعة * وقد هدم الدين الحنيفي والأمر
وعطلت الأحكام بعد عميدها * ولم يك للإسلام من بعده نصر
ألا لعن الله الرجيم ومن سعى * لمنصور عباس ومن دأبه الغدر
فنفسي تفديه وأهلي وجيرتي * وما أستطيع الآن والمال والذخر
رزيته أحيت رزية كربلا * وقد شابه اليوم المشوم له العشر
ألا لعن الله المهيمن عصبة * لقد جن في أرواحها الغدر والكفر
217
ولله در من قال:
يا صادق الوعد الذي * صدق الإله بما قضا
فلك المقام العافي * السر المقدر والقضا
قابلت مقدور الإله * على المضاضة والقضا
مما دهتك به أمية * والعبابسة القضا
بل أنت باب للعلوم * وسيف ربي المنتضا
وحجة الباري ومعتكف * التصبر والرضا
ليت النفوس فدتك من * سوء المكاره إذ قضا
وعليك صلى خالقي * ما لاح نجم أو أضا
وقال شاعر آخر:
فيا لك يا منصور لا فزت بالولا * لجعفر قد آبت عليك الفوادح
تسربلت سربالا من النار ضافيا * فويلك قد صاحت عليك الطوائح
وعما قليل تلق ما أنت قادم * عليه وقد قامت عليك النوائح
أتقتل من قد عظم الله قدره * وجلله إذ يممته المدائح
من النص والقرآن نصا منزلا * من الله هاد للبرايا وواضح
فوا لهف نفسي إذ تغيب شخصه * وقد مات مسموما فدته الجرائح
218
الفصل الحادي والعشرون
" تدوين الحديث "
عند شيعة أهل البيت... وأهل السنة
مند أن التحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى وتسنم الشيخان أبو بكر وعمر
سدة الحكم منعا تدوين الحديث وشددا في منعه، حتى أصبح كبار الصحابة
ومن دونهم محذورا عليهم لا تدوين الحديث فحسب بل حتى منع عليهم ذكر
الحديث والاستشهاد به في مناظراتهم وغيرها.
وحرم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بصورة خاصة تدوين الحديث إبان
تسنمه سدة الحكم، بقولة قالها " حسبنا كتاب الله " استدراكا لما فعله الخليفة الأول
أبو بكر ابن أبي قحافة حينما أحرق الأحاديث التي كانت عنده والتي سمعها ودونها
من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تربو على الخمسمائة حديث.
في حين بقيت الأمة حائرة وهي بأمس الحاجة إلى تدوين الحديث لمعرفة
أحكامها الفقهية من الحلال والحرام والحدود في الدماء والفروج والأموال،
ومسائلها العقائدية، وأمورها الحياتية، إلى أن أجاز عمر بن عبد العزيز تدوين
الحديث بعد القرن الأول من الهجرة.
غير أن شيعة أهل البيت رفضت القرار المزبور، ودونت الحديث رغم الحظر
الشديد، وذلك ابتداء من عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرورا بعصر الإمام علي (عليه السلام) فما بعد،
219
واهتمت بحفظ هذه الثروة العظيمة وهذا التراث المجيد الذي أخذته من باب
مدينة علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده أخذت شيعة أهل البيت عن أبنائه الأئمة
الطاهرين (عليهم السلام).
وأول من دون الحديث سلمان المحمدي الفارسي وأبو ذر الغفاري،
ومن بعدهم أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وابنه علي وعبيد الله، وكانا كاتبين
لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، والأصبغ بن نباتة، وسليم بن قيس الهلالي وكثير غيرهم،
وكلهم من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخواصه.
وعلى أي حال، فإن اهتمام شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بحفظ الحديث وتدوينه
كانوا الرواد له والسابقين إلى ضبطه.
ويقول الأستاذ مصطفى عبد الرازق، عند ذكره لأول من دون الحديث،
وعلى أي حال فإن ذلك لا يخلو من دلالة على أن النزوع إلى تدوين الفقه
كان أسرع إلى الشيعة، لأن اعتقادهم العصمة في أئمتهم أو ما يشبه العصمة،
كان حريا أن يسوقهم إلى الحث على تدوين [الحديث] في أقضيتهم وفتاواهم (1).
والواقع التأريخي يقر بأن الحكام الأمويين منعوا الناس عن التحدث بعلم
علي (عليه السلام) خاصة أو نقل فتاويه وأقواله للناس (2).
فقد كان للاضطهاد الأموي لأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم أثره العميق في منع
الناس عن رواية الحديث عنهم، فالتجأ إلى التورية بقولهم: قال أبو زينب،
أو قال الشيخ، بدلا من ذكر الرواة والمحدثين اسم علي.
(1) تمهيد لتأريخ الفلسفة الإسلامية: 252.
(2) ابن عساكر؛ تهذيب التأريخ 3: 407.
220
وكيف يستطيع أحد أن يذكره بخبر أو يسند عنه حديثا ومنابرهم تعج بسبه،
وألسنة مشايخهم تلهج بذمه، وقصاصيهم يختمون أحاديثهم بلعنه (1)، إلى غير ذلك
من الوسائل التي حاول الأمويون القضاء على مآثره (عليه السلام).
ويستدل في كثير من الأعمال الدبلوماسية التي قام بها معاوية في عهده
الطويل الأمد، أنه كان قد قرر التوفر على حملة واسعة النطاق لتحطيم
المبادئ العلوية، أو قل تحطيم جوهرية الإسلام متمثلة في دعوة علي وأولاده
المطهرين (عليهم السلام).
ويظهر أنه كان ثمة أربعة أهداف تكمن وراء هذه الحملة.
1 - شل الكتلة الشيعية - وهي الكتلة الحرة - والقضاء تدريجيا على كل منتم
إلى التشيع وتمزيق جامعتهم.
2 - خلق الاضطرابات المقصودة في المناطق المنتمية لأهل البيت والمعروفة
بتشيعها لهم، ثم التنكيل بهؤلاء الآمنين بحجة تسبيب الشغب.
3 - عزل أهل البيت عن العالم الإسلامي، وفرض نسيانهم على المسلمين
إلا بالذكر السيء، والحؤول - بكل الوسائل - دون تيسر النفوذ لهم، ثم العمل
على إبادتهم من طريق الغيلة.
4 - تشديد حرب الأعصاب.
ولمعاوية في الميدان الأخير جولات ظالمة سيطول حسابها عند الله عز وجل
كما طال حسابها في التأريخ، وسيجرنا البحث إلى عرض نماذج منها عند الكلام
على مخالفاته لشروط الصلح.
(1) ابن عساكر؛ تهذيب التأريخ 3: 407.
221
وكان من أبرز هذه الجولات في سبيل مناوأته لعلي وأولاده ولمبادئهم
وأهدافهم، أنه فرض لعنهم في جميع البلدان الخاضعة لنفوذه، بما ينطوي تحت مفاد
" اللعن " من إنكار حقهم، ومنع رواية الحديث في فضلهم، وأخذ الناس بالبراءة
منهم، فكان - بهذا - أول من فتح باب اللعن في الصحابة، وهي السابقة التي
لا يحسده عليها مسلم يغار على دينه، وتوصل إلى استنزال الرأي العام على إرادته
في هذه الأحدوثة المنكرة، بتدابير محبوكة، تبتعد عن مبادئ الله عز وجل،
بمقدار ما تلتحم بمبادئ معاوية.
وإن من شذوذ أحوال المجتمع، أنه سريع التأثر بالدعاوات الجارفة القوية
- مهما كان لونها - ولا سيما إذا كانت مشفوعة بمطامع المال ومطامع الجاه من جهة،
والإرهاب والتنكيل من جهة أخرى.
وما يدرينا بم رضي الناس من معاوية، فلعنوا معه عليا وحسنا
وحسينا (عليهم السلام)؟ وما يدرينا بماذا نقم الناس على أهل البيت فنالوا منهم كما شاء
معاوية أن ينالوا؟!
ربما يكون قد أقنعهم بأن عليا وأولاده، هم الذين حاربوا النبي (صلى الله عليه وآله)
إبان دعوته، وإنهم هم الذين حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وهم الذين
ألحقوا العهار بالنسب، وهم الذين نقضوا المواثيق وحنثوا بالأيمان، وقتلوا كبار
المسلمين صبرا، ودفنوا الأبرياء أحياء، وصلوا الجمعة يوم الأربعاء (1).
وربما يكون قد أطمعهم دون أن يقنعهم، وربما يكون قد أخافهم دون أن
يطمعهم، فكان ما أراد " وارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن علي سنة
(1) يراجع عن هذا: مروج الذهب 2: 72، وعن غيره مما ذكر قبله.
222
ينشأ عليها الصغير ويهلك الكبير " (1). والمرجح أن معاوية هو الذي فضل تسمية
هذه البدعة ب (السنة)، فسماها معه المغرورون بزعامته والمأخوذون بطاعته
كما أحب، وظل الناس بعده على بدعته، إلى أن ألغاها عمر بن عبد العزيز
" وأخذ خطيب جامع (حران) يخطب ثم ختم خطبته ولم يقل شيئا من سب
أبي تراب كعادته، فتصايح الناس من كل جانب: ويحك ويحك السنة السنة،
تركت السنة ".
ثم كانت (سنة معاوية) هي الأصل التأريخي لتكوين هذه الكلمة تكوينا
اصطلاحيا آخر، تناسل مع الأجيال، وتنوسيت معه مناسباته السياسية الأولى.
ولنتذكر هنا، أن عليا (عليه السلام) سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام
حربهم بصفين، فنهاهم، وقال لهم: " إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم
لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر،
وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودمائهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم،
واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان
من لهج به (2).
وظل سب علي (عليه السلام) وشتمه من على المنابر طيلة ألف شهر، وفرض البراءة
منه ومن دينه الذي هو دين الإسلام، واللعن على شيعته ومحبيه، حتى نشأت عليه
أجيال، وغرس جذور العداء بين المسلمين، وحتى هرم الكبير وشاب الصغير،
وكأنهم بذلك يدفعون به إلى عنان السماء ويرفعونه عاليا حتى أصبحت أقدامه
فوق رؤوسهم.
(1) مروج الذهب 2: 72.
(2) النهج 1: 420 - 421.
223
قال الشافعي لما سأله أحد أصحابه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال (1):
ما أقول في رجل أسر أولياءه مناقبه تقية، وكتمها أعداؤه حنقا وعداوة، ومع ذلك
فقد شاع ما بين الكتمانين ما ملأ الخافقين؟!!
وسئل الخليل بن أحمد الفراهيدي (2): لم هجر الناس عليا (عليه السلام) وقرباه
من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قال: ما أقول في امرئ كتمت مناقبه أولياؤه خوفا، وأعداؤه حسدا،
ثم ظهر ما بين الكتمانين ما ملأ الخافقين؟!!
وسئل: ما الدليل على أن عليا (عليه السلام) إمام الكل في الكل؟ قال: احتياج الكل
إليه واستغنائه عن الكل، دليل على أنه إمام الكل.
وعلى رغم تلكم المعارضات والحواجز التي وضعها الأمويون أمام
نشر الرسالة الإسلامية، وإثارة الشكوك في اتهام شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بأمور
ما أنزل الله بها من سلطان، وخلاف المنطق والمعقول، مثل قولهم: مبتدع،
أو زائغ عن الحق، أو سيء المذهب، وغير ذلك من الكلام الذي يلقونه على
عواهنه دون أي دليل أو إثبات، كل ذلك القصد منهم تشويه سمعتهم بإلقاء
الشبهات عليهم من الوجهة الدينية؛ لأنهم أنصار العلويين في مقاومة الحكم
الأموي.
وإذا أردنا أن نسأل عن المصداقية الموجبة لهذه التهم والبهتان، فلا نجد جوابا
شافيا إلا الخضوع لحكم السلطات المعادية لأهل البيت وشيعتهم.
(1) الكنى والألقاب، ترجمة الشافعي.
(2) سفينة البحار، مادة " خلل ".
224
قال علي بن المديني: لو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي - أي التشيع -
خربت الكتب.
وقال الخطيب البغدادي: قوله: خربت الكتب، يعني لذهب الحديث (1).
وروى الخطيب عن محمد بن أحمد، عن محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أبا عبد الله
محمد بن يعقوب - وسئل عن الفضل بن محمد الشعراني؟ - قال: صدوق في الرواية،
إلا أنه من الغالين في التشيع، وقيل له: فقد حدثت عنه في الصحيح؟ فقال:
لأن كتاب أستاذي ملآن من حديث الشيعة، يعني مسلم بن الحجاج (2).
وقد وضعوا على ألسنة أئمة المذاهب أقوالا مؤداها الامتناع عن قبول رواية
الشيعة كذبا وبهتانا.
في حين كان أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس من تلامذة الإمام
الصادق (عليه السلام)، والشافعي تلميذ مالك، وأحمد بن حنبل تلميذ الشافعي، والكل
قد رووا عن رجال الشيعة وخرجوا أحاديثهم، وهؤلاء لم يرد عنهم حول روايات
الشيعة ما يدل على الطعن.
ثم نأتي إلى رواة الحديث وأهل الصحاح فنجد كتبهم ملأى بروايات الشيعة
وأحاديثهم، فهذا البخاري كان شيوخه من الشيعة يربون على العشرين شيخا،
وكذلك مسلم، والترمذي وغيرهم من رواة الحديث.
ومن المؤسف حقا أنك تجد في عصرنا الحاضر كتابا في علوم الحديث
أو التأريخ يتغافلون عن الحقائق الراهنة، ويلبسونها أبرادا من التمويه، ليغذوا عقول
(1) الخطيب البغدادي؛ كفاية الأصول: 129.
(2) نفس المصدر: 131.
225
الناشئة بأباطيل عصور التطاحن، فينالون بأقلامهم المسمومة الحديث عن شيعة
أهل البيت (عليهم السلام) كل ما توحيه إليهم عاطفتهم، فيصفون الشيعة بما يروق لهم
من الأوصاف التي لا يصلح وصفهم بها، ولكن التعصب الأعمى يوجد من لا شيء
أشياء.
ولا بد أن نلفت انتباه القراء الكرام إلى تعبير بعضهم عندما يترجمون
لرجل من ثقات الشيعة، فيقولون مثلا: صدوق ولكن مذهبه مذهب الشيعة،
أو أنه صدوق ولكنما نقموا عليه التشيع، أو أنه سيء المذهب، أو مبتدع،
أو غير ذلك.
وربما يتساءل المنصف فيقول: ما هو الموجب لهذه التهم؟ وهل التشيع
لعلي (عليه السلام) وأهل بيته بدعة في الإسلام؟ ولمصلحة من كل هذه الضجة والنقمة
على من يتشيع لعلي وآله؟ ولا نجد جوابا إلا الاتهامات التي تكمن ورائها أغراض
الخصومة لأهل البيت (عليهم السلام)، وهي من مخلفات العهد الجاهلي، ويرمون أتباع
أهل البيت بكل موبقة وحتى الزندقة وهم براء منها.
وليس من العسير أن يقف المتتبع على بواعث تلك الاتهامات المفتعلة
فهي لا تعدو أن تكون لأغراض سياسية تخدم مصالح الحاكمين الذين أسرفوا
في التنكيل بشيعة أهل البيت (عليهم السلام).
وسيأتي ترجمة بعض الثقاة من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).
أعود من حيث انقطعت، فأقول:
وجاء دور الحكم الأموي بعدهما بأكثر نكيرا وتشديدا بذكر الحديث فضلا
عن تدوينه، حتى انتهى القرن الأول والمنع لا زال قائما. وفي عهد عمر
ابن عبد العزيز أطلق هذا القيد نسبيا، ولكن شبح رعب الحذر والمنع كان كامنا
226
في نفوس البقية الباقية من حملة الحديث، إلا أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يبالوا
بهذا المنع وكانوا مستمرين ببث ما دونوه من الأحاديث. وبعد انقراض الحكم
الأموي واستيلاء بني العباس على الحكم سنة 132 وبعد صراع مرير دار بين حكام
بني أمية الذين عاثوا في الأرض فسادا وأبادوا الحرث والنسل، وبين بني العباس
ودعاتهم في بادىء نهضتهم الذين رفعوا شعار " الرضا من آل محمد " كذبا وبهتانا،
ليستغلوا نفوس الموالين والمحبين لأهل البيت (عليهم السلام).
وكان أبو العباس السفاح أول حكامهم ثم خلفه أبو جعفر المنصور الدوانيقي،
وبقي في الحكم اثنين وعشرين سنة (136 - 158 ه)، وطد فيها أركان الدولة
العباسية وثبت دعائم حكمها، وأخضع الخارجين عليها في كل أرجاء
(الإمبراطورية) بالحديد والنار والنفي والتعذيب وملأ السجون، وقد كشرت
عن أنيابها، وكشفت قناعها الحقيقي، ولم تعد دولة دينية كما دعت إليها في بدء
نهضتها في صراعها مع الحكم الأموي البغيض.
وغصبت هذه الدولة حق أبناء علي (عليه السلام) والتي قامت باسمهم، ورفعت
شعارهم " الرضا من أهل البيت "، وكان أحق بها منهم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)،
وكان الإمام (عليه السلام) عازفا عنها لمعرفته بحقيقة أمر بني العباس وزيف دعواهم،
وعزوفه ورفضه فكرة التعاون الإيجابي بصراحة مع القوى المعارضة للحكم
الأموي، والاكتفاء بالوقوف قريبا من الأحداث، والتطلع بحذر إلى ما يجري
في الساحة وما ستتكشف عنه الوقائع بين الطرفين المتنازعين، لا يعني هذا
عدم استجابة الإمام لنداء الأمة الصامت بالتخلص من مآسي الحكم الأموي
البغيض وتجاوزاته التي أغفلت دور الرسالة في صنع الحياة الكريمة المعطاء
للإنسان المسلم.
227
ولم تكن دوافع الإمام في اعتزاله وعزوفه عن العمل السياسي التأثر بدوافع
زهدية، أو لأن ذلك لا يعنيه، بل باعتبار أن تقلبات الأحداث فرضت وضعا
سياسيا معينا، ولعدم ثقته بالقوى التي يفترض فيها أن تكسب الجولة الأخيرة
في الصراع، أدى إلى أن يفقد الإمام دوره الطليعي الطبيعي في وسط الصراع،
فهو حين لا يملك مبررات التحرك الثوري ونتائجه الإيجابية لنفسه، فمن البديهي
أن لا يملك المبرر لتحمل مسؤولية التغيير، الذي لا يتحرك من منطلقات رسالية
مخلصة، بل من منطلقات غريزية وذاتية، ظهرت آثارها على تصرفات الحكم
وسلوكه فيما بعد، فكرس حياته كوالده (عليهما السلام)، واشتغل في تعليم المسلمين
وبث معارف الدين ومعالم الرسالة المحمدية السمحاء، وبث علوم آل محمد،
ومنهاج السماء الذي ورثه عن آبائه كابرا عن كابر.
جرت الأمور مجراها الطبيعي للغالبين على الحكم، يطوون أضلاعهم
على الخوف، والحقد والحذر من الذين رفعوا شعارهم، ويشهرون أسلحتهم
في كل مكان على الشبهة والظنة للمحافظة على دولتهم وعروشهم المزيفة وبقائها،
وكان ذوو القربى في طليعة أولئك الذين اتخذوا الحذر منهم، وجعلوهم هدفا
لسهامهم، لأنهم يدركون أحقيتهم بالخلافة وشعور المسلمين اتجاههم، فأسعر
العباسيون الشحناء عليهم دون هوادة وسالت الدماء بينهم.
والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لعلمه المسبق بنفسية الغاصبين وتصميمهم
على البقاء في الحكم مهما كانت النتائج، وترفع الإمام وعزوفه واستعلائه
عن هذا الصراع المرير جنبه تلك المذابح، ولكن بعده عنها لا يقيه بطش الحاكم
الجبار الحذر المتنمر الذي تدعوه نفسه الشريرة إلى المواجهة الشرسة، وما توسوس
له هواجسه الخبيثة، مخافة أهل البيت وشيعتهم.
228
وكان توفيق السماء حليف الإمام (عليه السلام) في مواجهاته مع الجبابرة، وإن بقيت
الدولة على حذرها، تنزل بأهل البيت العذاب والتنكيل والقتل والتمثيل وتجعلهم
في أسطوانات البناء وهم أحياء للتخلص منهم وإبادتهم، والسعي فيهم بشتى
الوسائل حتى تقطع أثرهم.
انتهز الإمامان الصادقان أبو جعفر الباقر وابنه أبو عبد الله الصادق (عليهما السلام)
فرصة اضمحلال الحكم الأموي وانشغال بني العباس بتأسيس دولتهم وتثبيت
أركان حكمهم، فشيدا البناء على الأسس التي ركز دعائمها الإمام أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبنائه الكرام، ثم بنى على أساسها الإمام زين العابدين
علي بن الحسين (عليه السلام) وأظهر مدرسته الفقهية " فقه آل محمد " في المدينة المنورة،
وتعاظمت مدرسته يوما بعد يوم وكثر عدد أفرادها على رغم اشتداد الرقابة عليه
من قبل الأمويين بصورة لا مجال لأحد أن يتظاهر بالانتماء لتلك المدرسة،
إلا عن طريق المخاطرة بحياته، ومع هذه الشدة وتلك الرقابة، فقد كانت سيرة
مدرسة أهل البيت محسوسة وكفاحها متواصلا، وقد خرجت عددا كبيرا من
أساطين علماء الأمة الذين أصبحوا مصدرا للحديث ومرجعا للأحكام والفتوى،
ثم جاء دور الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وبنى على أساس ذلك الصرح العظيم
وتوسع، وفي عهد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وصلت النهضة العلمية أوجها،
حيث تتلمذ عليه ما يزيد على الأربعة آلاف طالب، فكانوا المثل الأعلى
في العزوف عن الحكم والسلطان والانصراف إلى بث العلم وتعليم الناس العلم
الصحيح والعمل الصالح والأسوة الحسنة لأخلافهم.
وممن تتلمذ على الإمام الصادق: أبو حنيفة ومالك، وهما من أئمة مذاهب
أهل السنة، وتأثرا كثيرا به، في الفقه أو في الطريقة، ومالك شيخ الشافعي،
229
والشافعي يدلي إلى أبناء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسباب العلم والمحبة، وقد تتلمذ عليه أحمد
ابن حنبل سنوات عشرة، فهؤلاء أئمة أهل السنة الأربعة تلاميذ مباشرون
وغير مباشرين للإمام الصادق (عليه السلام).
والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقف شامخا في فقه أهل البيت، فهو في الفقه إمام،
وفي حياته للمسلمين إمام، والمسلمون ليومنا هذا يلتمسون في كنوزهم الذاتية
المصادر الأصيلة للنهضة العلمية الصحيحة غير مختلطة ولا مستوردة.
والإمام الصادق هو الإمام الوحيد من " أهل البيت " الذي أتيحت له
الفرصة لبث علومه، وإمامته دامت أكثر من ثلث قرن، تمخض فيها للعلم مجلسه
دون منازع، ولم يمد عينه إلى السلطة التي في أيدي الحكام الغاصبين، وبهذا
التخصص والتفرغ علم الأجيال الصاعدة وسلم فطاحل علمائها مفاتيح العلم
النبوي الشريف، ومنه بدأ التأصيل لمنهج علمي واضح المعالم للفكر الإسلامي،
نقلته أمم الغرب بعده فبلغت به مبالغها الحالية.
ومن الذين عملوا بين يديه: تلميذه (جابر بن حيان)، أول كيميائي،
ثم أخذت منه (أوروبا الحديثة) وتبعت منهجه القويم وهو (منهج التجربة
والاستخلاص) وتحكيم العقل مع النزاهة العلمية.
فالإمام الصادق هو فاتح العالم الفكري الجديد، بالمنهج العقلائي
والتجريبي.
والإمام الصادق هو الإمام الوحيد في التأريخ الإسلامي، والعالم الوحيد
في التأريخ العالمي، الذي قامت على أسس مبادئه الدينية والفقهية والاجتماعية
والاقتصادية دول العالم.
ولعلك تذكر أكبر دولة عرفها التأريخ (الدولة الفاطمية) التي قامت في مصر
230
وامتد سلطانها من المحيط الأطلسي إلى برزخ السويس، ولولا هزيمة جيوشها أمام
الغازين لخفقت ألويتها على جبال هملايا في وسط آسيا.
والعالم كله مدين لها، إن المسلمين يدينون لها بالجامع الأزهر، الذي أسسه
(الفاطميون) والذي حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واللغة العربية
وعلومها كافة من الضياع في تلك البلاد، كما يدينون لتعاليم الإمام (عليه السلام) بقيادة
دولة إسلامية كبيرة مثل إيران، ومجمع عظيم بالعراق، ومعاهد علمية عريقة
يتصدرها النجف الأشرف، وشعوب قوية في الهند وباكستان وأفغانستان واليمن
ووسط آسيا وسوريا ولبنان وشعوب كثيرة منتشرة في العالم كافة، يدينون بمذهب
أهل البيت (عليهم السلام) وفي طليعتهم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الذي علم بالمواقف
التي وقفها قدر ما علم بالمبادئ التي أرساها.
المدرسة الكبرى:
أخذ جمع غفير من فطاحل العلماء من مختلف مذاهبهم ونحلهم، لا سيما الثقات
من الشيعة الإمامية، الأصول والفروع عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ورووا ذلك
لطلابهم ومن أخذ منهم على سبيل التواتر القطعي، وروى هؤلاء لمن خلفوهم قرنا
بعد قرن.
فالإمام الصادق (عليه السلام) يروي علم آبائه من قبله، ويروي الأئمة من أبنائه
علمه من بعده، كما يروي تلامذته، فهو الحلقة التي تتوسط السلسلة، أو العروة
الوثقى بين ما كتب آباؤه وبين ما كتب بعده الأئمة الطاهرون من أبنائه، وكتب رواته
الثقات من أصحابه وتلاميذه.
231
المصحف الخاص:
أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على نفسه بعد الفراغ من تجهيز
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يرتدي إلا للصلاة أو يجمع القرآن، فجمعه مرتبا
على حسب نزوله، وأشار إلى عامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، ومحكمه ومتشابهه،
وناسخه ومنسوخه، وعزائمه ورخصه، وسننه وآدابه، ونبه على أسباب النزول فيه،
وكذلك دون الإمام ما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأحاديث والسنن،
ومن جلالة شأن هذا الكتاب، قال فيه محمد بن سيرين: لو أصبت هذا الكتاب
كان فيه العلم كله.
فهو كما يظهر من محتوياته مصحف خاص وكتاب أصولي من إيحاء
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط الإمام علي (عليه السلام).
والجامعة: كتاب طوله سبعون ذراعا من إملاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط الإمام
علي (عليه السلام)، فيه ما يحتاج إليه الناس من الحلال والحرام وغيره حتى ليصل بالتفصيل
إلى أرش الخدش. وقد وصفها الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، وشهدها عندهما
الثقات من أصحابهما، منهم أبو بصير.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): " أما والله عندنا ما لا نحتاج إلى أحد، والناس
يحتاجون إلينا، إن عندنا الكتاب بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط علي بيده،
صحيفة طولها سبعون ذراعا، فيها كل حلال وحرام ".
وقال: " إن الجامعة لم تدع لأحد كلاما، فيها الحلال، وفيها الحرام،
وإن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدهم من الحق إلا بعدا، وإن دين
232
الله لا يصاب بالقياس " (1).
كنز العمال (2): عن علي (عليه السلام)، قال: " والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم
إلا كتاب الله وهذه الصحيفة - معلقة بسيفه - أخذتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فيها فرائض الصدقة.
وسميت الصحيفة، أو كتاب علي، أو الصحيفة العتيقة (3).
مصحف فاطمة:
ومن التراث العلمي عند الشيعة ما يسمى ب " مصحف فاطمة ". سئل
الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن جدته فاطمة الزهراء (عليها السلام) فأجاب قائلا:
" إن جدتي فاطمة مكثت بعد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوما،
وكان قد دخل عليها الحزن على أبيها، وكان جبريل يأتيها فيحسن عزاءها
ويطيب نفسها ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك،
فهذا مصحف فاطمة ".
فليس هذا مصحفا بالمعنى الخاص بكتاب الله تعالى، وإنما هو المدونات.
ونزول جبرئيل الأمين إنما لم يكن بعد رسول الله بعنوان الوحي والتشريع،
لأن برحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انقطع الوحي، أما للحديث مع سيدة النساء فلا ضير فيه،
(1) البحار 26: 17، الحديث 33. الكافي 1: 57، الحديث 14.
(2) كنز العمال 6: 552، الحديث 16906.
(3) والظاهر أن هذه الصحيفة غير الجامعة.
233
كما كلم جبرئيل أم موسى - في قوله سبحانه وتعالى: (وأوحينا إلى أم موسى...) -،
وكذلك كلم السيدة مريم بنت عمران لما جاءها المخاض، وكان جبرئيل يكلم
الخضر وهو ليس بنبي... الخ.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحث على تدوين الحديث، فقد روى الصدوق عليه الرحمة
في " الأمالي ": أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة
عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا بينه وبين النار ".
قال المستشار الجندي في كتابه " الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) " (طبعة مصر،
الصفحة 25)، ما لفظه: " منع عمر بن الخطاب تدوين الحديث الشريف،
مخافة أن يخلط القرآن بشيء، وبهذا أبطأ التدوين عند علماء أهل السنة قرنا
بتمامه، وانفتحت أبواب الجرح والتعديل والوضع والضياع، أما الإمام علي (عليه السلام)
فقد دون أول يوم مات فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سمعه منه من الأحاديث والسنن،
ولعله ما دون صار مرجع الصحابة بما فيهم عمر ". وتبع الإمام علي (عليه السلام) شيعته
في التدوين.
وهذا الاتجاه العلمي للتدوين، يؤازره اتجاه ديني فقهي، وسياسي،
واقتصادي لتوزيع الحقوق.
أخرج الحاكم في تأريخه، بالإسناد إلى أبي بكر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
قال: " من كتب علما أو حديثا لم يزل يكتب له الأجر ما بقي العلم أو
الحديث ".
وعزم أبو بكر أيام خلافته على تدوين الحديث، فجمع خمسمائة حديثا،
فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت عائشة: فغمني تقلبه، فلما أصبح قال لي: " أي بنية،
هاتي التي عندك "، فجئت بها فأحرقها.
234
آثار هذا المنع:
والآن وبعد أن استعرضنا الآراء في توجيه نهي عمر بن الخطاب، لا بأس
أن نستعرض آثار هذا المنع، فقد استعظم الإمام شرف الدين آثار هذا المنع، فقال:
" ولا يخفى ما قد ترتب على هذا من المفاسد التي لا تتلافى أبدا!...
فإن في السنة ما يوضح متشابه القرآن، ويبين مجمله، ويخصص عامه، ويقيد
مطلقه، ويوقف أولي الألباب على كنهه، فبحفظها حفظه، وبضياعها ضاع الكثير
من أحكامه... إذ لو كانت السنن مدونة من ذلك العصر في كتاب تقدسه الأمة لارتج
على الكذابين باب الوضع، وحيث فاتهما ذلك كثرت الكذابة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
ولعبت في الحديث أيدي السياسة وأهوائها، وعاثت به ألسنة الدعاية الكاذبة،
ولا سيما على عهد (معاوية) وفئته الباغية، حيث سادت فوضى الدجالين،
وراج سوق الأباطيل " (1).
فمن جراء هذا النهي عن الحديث، قال الشعبي: " قعدت مع ابن عمر سنتين،
أو سنة ونصف، فما سمعت يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا حديثا واحدا " (2).
وقال السائب بن يزيد: صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته
يحدث بحديث واحد (3).
(1) النص والاجتهاد: 120، شرف الدين الموسوي، طبعة قم - أسوة.
(2) طبقات ابن سعد 4: 106، وسنن ابن ماجة 1: 8، وسنن الدارمي 1: 84، والسنن الكبرى
1: 11.
(3) سنن ابن ماجة 1: 9، وسنن البيهقي 1: 12، وطبقات ابن سعد 3: 102.
235
وفي حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو حياة الإمام علي (عليه السلام) اقتدت بعلي شيعته
في التدوين، أو قل هديت لتنفيذ أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تدوين الحديث والسنن.
يقول ابن شهرآشوب: أول من صنف في الإسلام الإمام علي بن أبي طالب،
ثم سلمان الفارسي، ثم أبو ذر، والاثنان من شيعة علي (عليه السلام) [على الرغم من الحذر
الشديد المفروض على المسلمين في تدوين الحديث من قبل السلطات الحاكمة
آنذاك].
والسيوطي يروي: أن عليا والحسن بن علي ممن أباحوا كتابة العلم
بين الصحابة وفعلوها.
وألف أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحب بيت مال علي (عليه السلام)
في الكوفة السنن والأحكام والقضاء. يقول موسى بن عبد الله بن الحسن: سئل أبي
عن التشهد؟ فقال أبي: هات كتاب أبي رافع، فأخرجه فأملاه علينا.
أما علي بن أبي رافع، فكتب كتابا في فنون الفقه على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
- أي على رأي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) - وكانوا يعظمون شأن هذا الكتاب،
ويحملون شيعته عليه.
ومن الشيعة: زيد الجهضمي (1)، حارب مع الإمام علي وألف كتابا يحوي
خطبه.
ومنهم: ربيعة بن سميع، له كتاب في زكاة النعم.
ومنهم: عبد الله بن الحر الفارسي، له لمعة في الحديث جمعها في عهد
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
(1) وقع تصحيف في الاسم، لعله زيد بن صوحان العبدي.
236
ومنهم: الأصبغ بن نباتة، صاحب الإمام علي (عليه السلام)، روى عنه عهده
إلى مالك الأشتر النخعي، ووصيته إلى ابنه محمد بن الحنفية.
ومنهم: سليم بن قيس الهلالي، صاحب أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، له كتاب
في الإمامة، وله مكانة عليا في المذهب من حيث الأصول.
وذات يوم كان الحكم بن عيينة عند الإمام الباقر (عليه السلام) يسأله، فقال: قم
يا بني فأحضر كتاب علي، فأحضر كتابا مدرجا عظيما ففتحه، وجعل ينظر [فيه]
حتى أخرج المسألة، وقال: هذا خط علي وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأقبل
على الحكم وقال: " إذهب أنت وسلمة حيث شئتم يمينا وشمالا، فوالله لا تجدون
العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبريل ".
وعن الإمام زين العابدين، رويت الصحيفة السجادية والمسماة بالصحيفة
الكاملة، وعنه آلت إلى الشيعة رسائل عديدة، منها: رسالة الحقوق، ورسالة
إلى ابن شهاب الزهري، وغيرهما.
كان أول المستفيدين بالتدوين الباكر أولئك الذين يلوذون بالأئمة من
أهل البيت (عليهم السلام)، فيتعلمون شفاها أو تحريرا، فما تناقلته كتب الشيعة من الحديث
هو التراث النبوي الصحيح في صميمه.
بلغ الشيعة في يسر طوع لعلمهم الازدهار، في حين لم يجمع أهل السنة
هذا التراث إلا بعد أن انكب عليه علماؤهم قرنا ونصف قرن، حتى حصلوا
ما دونوه في المدونات الأولى، وظلوا قرونا أخرى يجوبون الفيافي والقفار
في كل الأمصار، فتطابقت السنة - في مجموعها - عند هؤلاء وأولاء، إلا أمورا
لا تتصل بأصل الدين، وخلافات في الفروع.
وربما كان اختلاف مذاهب أهل السنة فيما بينهم وبين أنفسهم أكثر ظهورا
237
في بعض المسائل من خلافهم فيها مع فقهاء الشيعة.
وإذا لاحظنا سعة المرويات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حيث بلغت عشرات
الآلاف من الأحاديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فضلا عمن سواه من أئمة
أهل البيت (عليهم السلام)، لتجلت لنا حقيقة القول بكفاية التراث الموثوق به عند الشيعة
لحاجات الحياة.
كما أن توثيق الشافعي ومالك وأبي حنيفة ويحيى بن معين وأبي حاتم
والذهبي للإمام الصادق (عليه السلام)، - وهم واضعو شروط المحدثين وقواعد قبول الرواية
وصحة السند - فمن الحق التقرير بأن حسبنا أن نقتصر على التفتيش عن رواة السنة
عن الإمام الصادق (عليه السلام).
والشيعة يكفيهم أن يصلوا بالحديث إلى الإمام، ولا يطلبون إسنادا
فيما بعد الإمام الصادق (عليه السلام)، بل لا يطلبون إسنادا فيما بعد الأئمة عموما، لأن الإمام
إما أن يكون راويا عن الإمام الذي أوصى له، وإما أن يكون قرأ الحديث في كتب
آبائه، إضافة إلى ذلك فإن ما يقوله الإمام سنة عندهم، وهو ممحص من كل وجه،
[فليست روايته للحديث مجرد شهادة به، بل هي إعلان لصحته].
وإذا كان ما رواه الإمام الصادق، رواية عن الإمام الباقر، ورواية عن
الإمام السجاد زين العابدين عن الإمامين الحسن والحسين وعن الإمام علي
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سلسلة أخذها كابرا عن كابر، وهكذا يصح الحديث على كل
منهج، فالثلاثة الأولون من الأئمة ومن الصحابة المقدمين، يروون عن صاحب
الرسالة (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويروي الإمامان الحسن والحسين عن أبيهم الإمام علي (عليه السلام)
وهو يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولا مرية، كان منهج الإمام علي (عليه السلام) ومن تابعه في التدوين من أولاده
238
وشيعته قد جلب خيرا كثيرا للمسلمين، فقد حافظ على الشريعة المقدسة والسنة
النبوية الشريفة من الضياع، وأقفل الباب دون افتراء الزنادقة والوضاعين
وأهل البدع والغلاة.
فالسبق في التدوين فضيلة الشيعة، ولما أجمع العلماء بعد زمان طويل
على الالتجاء إليه، كانوا يسلمون بهذه الفضيلة - بالإجماع - لعلي وبنيه.
والسنة الشريفة، شارحة للكتاب العزيز، وهو مكتوب عندهم بإملاء
صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله وسلم) وبخط الإمام علي (عليه السلام)، والسنة عندهم مدونة كالكتاب،
وأقوالهم وأفعالهم هي مصاديق ناطقة عن السنة النبوية الشريفة.
والمحدثون من أهل السنة في القرون الأولى كانوا مضطرين لسماع لفظ
الحديث من الأشياخ، أو عرضه عليهم، لأن السنن لم تكن مدونة عندهم،
فكانت الرحلة إلى أقطار العالم لأخذ الحديث عن العلماء وسيلتهم الأكيدة.
أما المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) فكثير، منه رسالة في شرائع الدين،
ووصاياه لولده الإمام الكاظم (عليه السلام)، ورسالة في الغنائم ووجوب الخمس،
وكتاب توحيد المفضل، ورسالة إلى أصحابه، ورسالة إلى أصحاب الرأي
والقياس، ورسالة لمحمد بن النعمان، وأخرى لعبد الله بن جندب، ورسالة
في احتجاجه على الصوفية فيما ينهون عنه من طلب الرزق، ورسالة حكم قصيرة،
وكتاب الأهليليجة، وكتاب مصباح الشريعة، ورسالة في وجوه المعايش للعباد،
ورسالة في وجوه إخراج الأموال، والرسالتان الأخيرتان عملان أساسيان في منهج
الاقتصاد والاجتماع، يدلان دلالة قاطعة على منهاج الإمام في صلاح الدنيا بالعمل
والعبادة معا، وثمة رسائل علمية مقترنة بجابر بن حيان وغيره من تلاميذ الإمام
الصادق (عليه السلام) مدونين كبارا، فلقد عاشوا في عصر النهضة العلمية الكبرى أعجب
239
بها العالم، وتبارت فيها يراعات المدونين ودارت عجلات التدوين بشكل لم يسبقه
التأريخ.
وفي عصر الإمام الباقر (عليه السلام) أمر عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة وتابعه
علماء الأمة من أهل السنة.
وفي عصر الإمام الصادق (عليه السلام)، وبعد وفاته عام 148 دون أربعة آلاف
من تلاميذه في كل علومه، ومن جملتها ما يسمى ب " الأصول الأربعمائة "
وهي أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف من فتاوى الإمام الصادق (عليه السلام) وآبائه
وأبنائه الطاهرين، وعليها مدار العلم والعمل من بعده.
وخير ما جمع منها الكتب الأربعة المعتبرة عند الشيعة، وهي مرجع الإمامية
في أصولهم وفروعهم إلى اليوم:
1 - " الكافي ".
2 - " من لا يحضره الفقيه ".
3 - " التهذيب ".
4 - " الاستبصار ".
وكتاب " الكافي " للشيخ الكليني أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني
(ت سنة 329 ه)، أعظمها وأقومها وأحسنها وأتقنها، جميع ما فيه (190 / 16)
حديثا ألفه الكليني في عشرين سنة.
أما كتاب " من لا يحضره الفقيه " فوضعه ابن بابويه القمي، محمد بن علي
ابن موسى بن بابويه القمي، الملقب ب (الشيخ الصدوق)، دخل بغداد سنة
(350 ه)، ومات بالري سنة (381 ه)، جمع فيه (963 / 5) حديثا، وهذا الكتاب
من أهم مؤلفاته التي بلغت أكثر من ثلاثمائة كتاب.
240
أما كتابي " التهذيب " و " الاستبصار "، فوضعهما بعد نحو قرن (الشيخ
الطوسي) محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى في سنة (460 ه)، الملقب
ب (شيخ الطائفة)، وكان فقيها في مذهبي الشيعة وأهل السنة، جمع في كتابه
" التهذيب " (590 / 13) حديثا، وفي كتاب " الاستبصار " (511 / 5) حديثا.
دخل شيخ الطائفة الطوسي بغداد سنة (408 ه) واستقر فيها في حياة
(الشيخ المفيد) محمد بن النعمان المتولد سنة (336) والمتوفى سنة (413 ه)
ألف كتاب شرح عقائد الصدوق وأوائل المقالات، وألف نحوا من مائتي كتاب.
وتتلمذ الشيخ الطوسي بعد موت الشيخ المفيد للشريف المرتضى علم الهدى،
فنجب في (مدرسة الشرف)، وفي (دار العلم) التي أنشأهما الشريف المرتضى،
وكان يجري عليه اثني عشر دينارا في الشهر، طوال مدة ملازمته له حتى وفاته
سنة (436 ه)، وانتفع الشيخ الطوسي بكتب السيد المرتضى، والكتب التي حوتها
مكتبته، فألف في كل علوم الإسلام، واجتهد الاجتهاد المطلق، فكان حجة في
فقه أهل البيت وفقه أهل السنة على حد سواء.
ومن أجل آثار الشيخ الطوسي تدريسه في مجالسه، وأماليه في النجف
الأشرف، في جوار مشهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبهذا افتتح
الطوسي عصر العلم في (النجف الأشرف) حتى صار صنوا للأزهر الأغر،
الذي أقامته دولة من دول الشيعة - الفاطمية - والمعهدان - النجف الأشرف،
والأزهر الشريف - هما اللذان حفظا علوم الإسلام - علوم أهل البيت (عليهم السلام) -.
فالشيخ الطوسي، والسيدان الشريفان - الرضي والمرتضى - والشيوخ
الأجلاء - المفيد والصدوق والكليني - قد وصلوا ما انقطع من التأليف منذ عصر
الإمام الصادق (عليه السلام) حتى منتصف القرن الخامس ليستمر التيار في التدفق.
241
أما الشريفان - الرضي والمرتضى - فأبوهما الشريف السيد أبو أحمد
الموسوي، نسبه إلى جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) بسبعة وسائط.
وفيه قول ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة للشريف الرضي، كان أبوه الشريف
أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بني العباس، وبني بويه، ولقب
ب (الطاهر ذي المناقب) كما لقبه أبو نصر بن بويه ب (الطاهر الأوحد) ولي نقابة
الطالبيين عدة دفعات، كما ولي النظر في المظالم، وحج بالناس مرارا على الموسم،
عاش الشريف أبو أحمد القرن الرابع الهجري (304 - 400) وكان يستخلف
على الحج ولديه - الرضي والمرتضى -.
والشريف الرضي المولود في سنة (359) والمتوفى في سنة (406) هجرية،
هو شاعر العرب الشهير، وجامع " نهج البلاغة " المنتخب من خطب الإمام
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتولى نقابة الطالبيين في حياة أبيه
ومن بعده، وتولى النيابة عن الخليفة العباسي، وما انفرد بها في التأريخ غيره،
فقد جمع بين نقابة الطالبيين الشيعية وبين الخلافة العباسية السنية.
وللشريف الرضي مؤلفات عظيمة في تفسير القرآن الكريم وغيره، منها:
1 - تلخيص البيان في مجازات القرآن.
2 - حقائق التأويل ومتشابه التنزيل.
3 - معاني القرآن.
4 - مجازات الآثار النبوية.
5 - خصائص الأئمة.
وغيرها من تأليفاته العلمية المهمة والمفيدة.
أما الشريف المرتضى علم الهدى المتوفى في سنة (436) هجرية، فيقول عنه
242
الثعالبي في " يتيمة الدهر " وهما متعاصران: انتهت الرياسة اليوم ببغداد إلى
الشريف المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم، وله شعر نهاية
في الحسن، ومؤلفاته كثيرة، منها: أمالي المرتضى، والشافي، وتنزيه الأنبياء،
والمسائل الموصلية الأولى، ومسائل أهل الموصل الثانية، ومسائل أهل الموصل
الثالثة، والمسائل الديلمية، والمسائل الطرابلسية الأخيرة، والمسائل الحلبية
الأولية، والمسائل الجرجانية، والمسائل الصيداوية، وتآليف أخرى كثيرة في الفقه
والقياس.
ومن أعظم آثار الشريف المرتضى إنشاؤه " دار العلم " ببغداد، وقد رصد
الأموال عليها، وإجراؤه العطاء على تلاميذه، وإطعامهم وإسكانهم، وكان يتبع
" دار العلم " هذه مكتبته التي تحوي على أكثر من ثمانين ألف مجلد.
وحسبه شرفا أن يكون (شيخ الطائفة الطوسي) من تلاميذه وفي آثار
هذا السلف العظيم نتابع ركب العلماء والمؤلفين الفحول الذين خلدوا فقه الإسلام
(فقه أهل البيت). انتهى...
أقول: وبانتقال " شيخ الطائفة الطوسي " رضوان الله عليه إلى النجف
الأشرف، وتأسيسه المدرسة الفقهية الكبرى، بعد اجتياح جيوش التتر واحتلال
بغداد وحرق الحرث وإبادة النسل وإتلاف التراث الإسلامي الضخم من كنوز
الكتب العلمية والمؤلفات الخطية الفريدة في العالم وحرقها أو رميها في نهر دجلة
حتى اسود لون مائه ثلاثة أيام، وبعد الفتنة الكبرى التي أثارها الغوغائيون من
أهل السنة بدفع بعض علماء السوء المرتزقة، وبعد انتقال الشيخ الطوسي إلى النجف
الأشرف، فتحت أبواب جديدة لمدرسة " أهل البيت الفقهية "، ومن بعده واصلت
النجف الأشرف مسيرتها بقيادة تلاميذه العلماء الأبدال، كالشيخ ابن إدريس
243
والعلامة الحلي والشيخ ابن فهد والمقدس الأردبيلي وغيرهم ممن جرى بحثهم
في هذا الكتاب في فصل تأريخ الفقه الشيعي، فراجع لتقف على التفاصيل.
والله ولي التوفيق.
من المصادر التي اعتمدها هذا البحث.
1 - الإمام جعفر الصادق - عبد الحكيم الجندي المصري، طبعة القاهرة،
الصفحات 25، 185، 200.
2 - الإمام الصادق - السيد محمد جواد فضل الله، الصفحة 191، طبعة
دار الزهراء - بيروت.
3 - مجلة الفكر الإسلامي - العدد العاشر، السنة 1416، بحث الشيخ محمد
هادي اليوسفي.
4 - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة - للشيخ أسد حيدر.
244
الفصل الثاني والعشرون
تأريخ الفقه الشيعي
وتطور الدراسة الفقهية لدى شيعة أهل البيت (عليهم السلام)
أسس الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مدرسة المدينة المنورة بعد الهجرة إليها وبناء
مسجده الجامع فيها واتخاذه مقرا ومركزا لبث العلوم والمعارف كافة، وحتى تعليم
الفروسية وغيرها من العلوم المطلوبة والمعمولة حينذاك.
وتخرج من هذه المدرسة الرعيل الأول من فطاحل العلماء وخيرة الصحابة،
والذين حفظوا لنا الدين ونشروا العلوم القرآنية والإسلامية في العالم كافة،
وإلى الأجيال الصاعدة، كأمثال: سلمان المحمدي (الفارسي)، وأبي ذر الغفاري،
وعمار بن ياسر، والمقداد بن عمرو (الأسود)، وعبد الله بن عباس، وعبد الله
ابن مسعود، وغيرهم ممن تتلمذوا على يده (صلى الله عليه وآله) ومن بعده على باب علم الرسول
الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكانوا يكتبون الأحاديث ويدونونها
وينشرونها.
وبعد رحيل النبي الأكرم والتحاقه بالرفيق الأعلى وتسنم الخلفاء بعده سدة
الحكم، لا سيما في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، الذي منع تدوين الحديث
وكتابته لحجة يراها، وقال: حسبنا كتاب الله.
وبقدر ما أبعد الرعيل الأول من الصحابة وحملة الحديث ومنعهم، قرب إليه
245
حملة الأفكار الهدامة وأعداء الإسلام أمثال كعب الأحبار وعبد الله بن سلام
وعبد الله بن أبي وغيرهم، وأطلق لهم عنان الحديث لبث الإسرائيليات الضالة
بين المسلمين.
فقد جمد الحديث واقتصر بالحفظ في صدور بعض الصحابة وصاروا يتناقلونه
شفاها، فأصاب المدرسة ركود وجمود، عدا مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)،
فإن الحديث كان مدونا عنده ومحفوظا كما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما كان أتباعه
وحواريوه يدونون الحديث على رغم الحظر الصادر من عمر بن الخطاب والتشديد
عليه.
وبقي هذا الركود والجمود ساريا قرنا كاملا بين الصحابة والتابعين بسبب
الحظر الذي فرضه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إلا في صدور بعض الصحابة
الذين حفظوا الأحاديث التي سمعوها والأحكام التي وعوها من الرسول
الأعظم (صلى الله عليه وآله).
وبمرور الأيام وموت أو استشهاد الكثير من الصحابة في زمان الفتوحات
الإسلامية التي حصلت أيام خلافة عمر بن الخطاب، وتقدم الباقين منهم في السن،
ونسيان الكثير منهم بعضا من الأحاديث والأحكام التي سمعوها، جعل الشريعة
عرضة للنسيان والاضمحلال.
ومن جهة أخرى تسلط بني أمية على سدة الحكم بعد استشهاد الإمام
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فركزوا على إشاعة الانحلال الخلقي بالميوعة
وإظهار التخنث والفساد في صفوف الناس - لا سيما الشباب منهم -، خصوصا
في المدينتين المقدستين - مكة المكرمة والمدينة المنورة - لهدف لا يخفى على الفطن
اللبيب، خاصة أيام حكم معاوية بن أبي سفيان، ومارسوا شتى أنواع الضغوط
246
على مدرسة أهل البيت وأتباعهم، وعلى رأسهم الإمام الحسن بن علي ومن بعده
أخيه الإمام الحسين (عليهما السلام)، وبذلوا الأموال الطائلة إلى الوضاعين المرتزقة لخلق
أحاديث كاذبة ما أنزل الله بها من سلطان، أمثال: سمرة بن جندب، وأبي هريرة،
وبعض وعاظ السلاطين، الذين بدلوا أسماء الأشخاص الذين نزلت الآيات القرآنية
فيهم أو صدرت الأحاديث النبوية بحقهم إلى غيرهم.
واشتدت هذه الحالة على مرور الأيام، حتى أصبحت الشريعة التي جاء بها
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) نسيا منسيا، واستبدل بمكانها الحكم الجاهلي.
ومن أجل هذا ثار الإمام السبط سيد الشهداء الحسين بن علي بوجه الطغاة
الظلمة لتصحيح مسيرة شريعة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإعادة الدين إلى نصابه،
فكانت فاجعة الطف الكبرى في كربلاء يوم عاشوراء التي راح ضحيتها الإمام
الحسين بن علي سيد الشهداء وإخوته وأتباعه وأهل بيته والخلص من
أصحابه (عليهم السلام)، وقدم كل شيء يملكه فداء للإسلام، ومن ثم غزو الجيش الأموي
المدينة المنورة وإباحتها إلى جيش الضلال ثلاثة أيام، فهتكت الأعراض ونهبت
الأموال وقتل الشيوخ والأطفال الأبرياء وشاعت الفوضى والدمار، ولم يكتف
يزيد الطاغية بذلك حتى عدا على مكة المقدسة، حرم الله وحرم خليله
إبراهيم (عليه السلام)، ورمى الكعبة المشرفة بالراجمات وهدمها وحرقها، إلى غير ذلك
من الأعمال الوحشية التي ما قام بها البرابرة والوحوش قبله في العالم.
بعد ذلك صحا المسلمون ووعوا على ما هم عليه، ووجدوا أنفسهم مكبلين،
فلاموا أنفسهم على ما فرطوا بحق الإمام علي (عليه السلام) باتباعهم النفر الذين سارعوا
إلى زحزحة الخلافة عن رواسيها، فخالفوا بذلك ما أمر الله به ورسوله.
وبعد ما أصيب العالم الإسلامي والحركة الفكرية بالتدهور والانتكاسة،
247
لا سيما في المدرسة التي أسسها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وتدهورت الحالة العلمية
والثقافية إلى حد خطير بفعل الممارسات الأموية التي كانت تهدف إلى القضاء
على الفكر الإسلامي الأصيل المتمثل بالخط الرسالي الذي يقوده أئمة الهدى
من أهل البيت (عليهم السلام) بصفتهم الوريث الشرعي للرسول (صلى الله عليه وآله) ولرسالة السماء،
وكونهم الثقل الأصغر الذي حث النبي (صلى الله عليه وآله) على الالتزام به والتمسك بحبله
بعد القرآن الكريم.
وقد رأى الإمام زين العابدين (عليه السلام) ذبول الحياة العلمية والحركة العقلية،
وما منيت به الأمة من الجهل بالمبادئ الصحيحة للإسلام.
ومن خلال هذه الممارسات الخطيرة التي قام بها حكام بني أمية والوسط
القلق المضطرب المشحون بالإرهاب أصبح لزاما على الإمام علي بن الحسين
زين العابدين (عليه السلام) أن يجد طريقا جديدا يواجه به مثل هذه الظروف القاسية،
فانبرى (عليه السلام) إلى تأسيس مدرسته الكبرى التي ضمت جمهرة من كبار العلماء
وأصحاب الفكر.
وخطط الإمام (عليه السلام) في تحريك الضمير الثوري عند الإنسان المسلم أولا،
والتركيز على إيقاظ شعوره بالإثم وضرورة التكفير عنه، وحث الأمة على المقاومة
لرفض الذل والخنوع والهوان.
وحث من جهة أخرى على إحياء شريعة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بث العلوم
والأحكام، وجعل من الدعاء سلاحا يشهره بوجه الطغاة، وجرد كلماته وآراءه
كبديل عن العنف الثوري كي لا يستفز الحكام الظالمين أعداء الدين، وإن كانت
في واقعها وتأثيرها في النفوس أشد من العنف والثورة.
وما " الصحيفة السجادية " زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وما حوته من التراث
248
والثروات الفكرية المتميزة في وضع قواعد الأخلاق وأصول القيم والفضائل وعلوم
التوحيد وكيفية التوجه والتضرع بالدعاء في ذلك الجو المشحون بالرذائل وفقدان
القيم، ولإعادة المسلمين إلى مسارهم الصحيح، ما هي إلا واحدة من ثمرات
تلك المدرسة والآثار القيمة التي تركها لنا الإمام زين العابدين (عليه السلام).
وبالتخطيط الفكري في توعية الروح العقائدية في الأمة، يعتبر الإمام
السجاد (عليه السلام) المؤسس الثاني لمدرسة أهل البيت بعد المؤسس الأول (صلى الله عليه وآله) والمشيد
على ذلك الصرح الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام).
كان منزل الإمام السجاد (عليه السلام) مدرسة، ومسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
مركزا لمدرسته، ومعهدا لتعليم طلابه، ونقطة انطلاق لتدريب تلامذته لبث العلوم
الدينية إلى العالم وإلى الأجيال الصاعدة، فكان يلقي محاضراته وبحوثه على العلماء
والفقهاء، وكانت تلك البحوث تتناول العلوم الإسلامية المهمة والحساسة، منها علم
التفسير، وعلم الفقه، والحديث، والفلسفة، وعلم الكلام، وقواعد السلوك،
والأخلاق.
كما كان يلقي في كل جمعة خطابا عاما جامعا على الناس يعظهم فيه،
ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في الآخرة، وكان الناس يحفظون كلامه ويكتبونه (1)،
وقد التف العلماء والفقهاء والقراء حول الإمام (عليه السلام) لا يفارقونه حتى في سفره
إلى حج بيت الله الحرام، يستمعون إلى حديثه ويسجلون فتاواه، ويدونون ما يمليه
عليهم من علوم ومعارف وحكم وآداب. وقد تخرج في مدرسته مجموعة كبيرة
من فطاحل العلماء والفقهاء الذين اشتهروا بالرواية عنه (عليه السلام). منهم على سبيل
(1) الروضة من الكافي للشيخ الكليني 8: 72، وقد سرد له خطبة طويلة، فراجع.
249
المثال: أبان بن تغلب، والمنهال بن عمرو الأسدي، ومحمد بن مسلم بن شهاب
الزهري، وسعيد بن المسيب، وأبو حمزة الثمالي، وسعيد بن جبير، ويروى أن سفيان
ابن عيينة، ونافع بن جبير، وطاووس بن كيسان، ومحمد بن إسحاق، قد أخذوا
عن الإمام السجاد (عليه السلام) بعض الأحاديث، وغيرهم مما لا يسعني بهذه الوجازة
حصرهم (1).
كما أن رسالة الحقوق، ودعاءه يوم عرفة، ومناجاته الخمسة عشر،
ومناجاته في جوف الكعبة بعد منتصف الليل، وغيرها من الأدعية والمناجاة
في ساعات تهجده وعبادته المشحونة بالحكم والعلوم والتربية والآداب مما جعله
أساسا لمنهج تدريسه وتأديبه للأمة.
وقد أحصى الشيخ الطوسي في رجاله، وغيره من أصحاب التراجم،
أكثر من مائة وستين من التابعين والموالي، كانوا ينهلون من معينه ويروون عنه
في مختلف المواضيع، وعدوا منهم: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومحمد
ابن جبير بن مطعم، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وجابر بن عبد الله الأنصاري،
ويحيى بن أم الطويل، وأمثال هذه الطبقة من أعلام الصحابة والتابعين.
مدرسة التابعين
وأنشئت في عصر الإمام (عليه السلام) مدرسة التابعين، وهي أول مدرسة إسلامية
(1) راجع: باقر القرشي في كتابه " حياة الإمام زين العابدين، دراسة وتحليل " 2: 259
وما بعدها. وراجع تهذيب الكمال للمزي 20: 382، الرقم 4050، وتهذيب التهذيب
لابن حجر العسقلاني 7: 268.
250
افتتحت في يثرب بعد مدرسة أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وقد عنت هذه المدرسة بعلوم الشريعة الإسلامية ولم تتجاوزها، أما
مؤسسوها وأساتذتها فهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد
ابن أبي بكر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار،
وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد.
ومن الجدير بالذكر أن بعض هؤلاء العلماء كانوا ممن تتلمذ على يد الإمام
زين العابدين (عليه السلام) وأخذوا عنه الحديث والفقه.
وعلى أي حال، فلم تعرف الأمة في ذلك العصر عائدة أعظم ولا أنفع
من عائدة الإمام (عليه السلام) عليها، وذلك بما أسس في ربوعها من مدرسته العلمية،
وبما فتح لها من آفاق الفكر والعلم والعرفان.
ومما لا شك فيه أن الإمام السجاد (عليه السلام) ترك لنا تراثا ضخما من الفكر
والأدب والعلوم الإنسانية (1)، التي شيد على أساسها من بعده أئمة أهل البيت (عليهم السلام)،
لا سيما الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، مدرستهم الفقهية والحديثية.
كما أن الإمام السجاد (عليه السلام) حرك الضمير الثوري عند الإنسان المسلم،
وخلصه من حالة الاستسلام والانهيار، وتوعيته بعدم التنازل عن شخصيته
الإسلامية وكرامته للحكم المنحرف.
واستمرت هذه المدرسة تبث إشعاعاتها إلى أواسط القرن الثاني الهجري
تقريبا، وانتقلت بعدها إلى الكوفة في أواخر حياة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)،
إثر انتقاله إليها كما سيأتي الحديث عنه.
(1) راجع كتابنا " السجاد علي " من موسوعة المصطفى والعترة.
251
وكانت المدينة المنورة المنطلق الأول للرسالة الإسلامية، فلا غرو أن تكون
المدرسة الأولى للفقه الإسلامي، والموطن لفقهاء الشيعة من الصحابة والتابعين لهم
بإحسان، فكان من فقهاء الصحابة جمع كبير بعد أمير المؤمنين والزهراء
والحسنين (عليهم السلام)، وهم الذين تولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تربيتهم وتعليمهم، منهم
على سبيل المثال: عبد الله بن عباس، وسلمان المحمدي الفارسي، وأبو ذر الغفاري،
وأبو رافع، إبراهيم (1) مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال النجاشي: أسلم أبو رافع قديما بمكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد مع
النبي (صلى الله عليه وآله) مشاهده، ولزم أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده، وكان من خيار الشيعة،
ولأبي رافع كتاب " السنن والأحكام والقضاء " (2).
وكان من التابعين جمع كثير من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، حفظوا السنة
النبوية وتداولوها فيما بينهم، ونقلوها إلى الأجيال التي تلتهم بأمانة، حتى قال
الذهبي في " ميزان الاعتدال ": فهذا - أي التشيع - كثر في التابعين وتابعيهم
مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء - أي الشيعة - لذهبت جملة
الآثار النبوية (3).
ولأسباب معينة منع عمر بن الخطاب تدوين الحديث والسنة النبوية،
(1) وقيل: إن اسمه: أسلم، ويقال: ثابت، ويقال: هرمز، أصله قبطي، كان عبدا للعباس
ابن عبد المطلب، فوهبه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما بشره بإسلام العباس أعتقه، شارك بعدة غزوات.
راجع تهذيب الكمال للمزي 33: 301، الرقم 7354.
(2) أعيان الشيعة 1: 34 و 35، القسم الثاني.
(3) ميزان الاعتدال 1: 5.
252
فبقيت في صدور الصحابة والتابعين يتناقلونها حتى خلافة عمر بن عبد العزيز
(ت / 101 ه)، حيث أمر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري بتدوينها (1)،
وكتب إلى أهل المدينة يحثهم على جمع الحديث النبوي، كما كتب رسالة إلى أبي بكر
ابن حزم يطلب منه تدوين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا فلم يتفق لمحدثي
غير الشيعة من الصحابة والتابعين تدوين السنة النبوية قبل هذا الوقت، وهو نهاية
القرن الأول أو بداية القرن الثاني.
ولكن فقهاء الشيعة - فيما يحدثنا التأريخ - دونوا عدة مدونات حديثية مهمة،
فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أول من صنف في الفقه ودون في الحديث النبوي،
مخالفا بذلك رأي عمر بن الخطاب، كما كان لسلمان مدونة في الحديث، كما يقول
ابن شهرآشوب.
ومهما يكن من أمر، فقد كان فقهاء الشيعة، وعلى رأسهم أئمة
أهل البيت (عليهم السلام) يقودون الحركة الفكرية في العالم الإسلامي، وتنطلق هذه الحركة
من المدينة المنورة بشكل خاص.
العصر الأول:
هو عصر الصحابة والتابعين، وقد ظهر مع ظهور المجتمع الإسلامي في المدينة
المنورة واستمر إلى أيام الإمام الصادق (عليه السلام)، وبلغ الازدهار الفكري أوجه وغايته
في عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).
(1) تدريب الراوي؛ السيوطي 1: 67. وراجع تدوين السنة الشريفة للسيد الجلالي: 15
وما بعدها.
253
العصر الثاني:
مدرسة الكوفة
انتقلت مدرسة أهل البيت من المدينة المنورة إلى الكوفة في أخريات حياة
الإمام الصادق (عليه السلام) واستمرت في عطائها وبث العلوم من أواسط القرن الثاني
إلى الربع الأول من القرن الرابع، وذلك في بداية الغيبة الكبرى.
ويروى أن مدرسة الكوفة أسسها الإمام السجاد في النصف الثاني من القرن
الأول.
وبذلك بدأت حياة فقهية جديدة في الكوفة، فحينما انتقلت المدرسة الفقهية
الشيعية من المدينة إلى الكوفة، أصبحت الكوفة مركزا للاشعاع الفكري لمدرسة
أهل البيت في البحث والتحقيق الفقهي. وقد تأثر البحث الفقهي كثيرا بهذا المحيط
الجديد المزدحم ب (فقهاء الشيعة) بعدما هاجر إليها وفود من الصحابة والتابعين
والفقهاء وأعيان المسلمين من مختلف الأمصار، وبذلك أصبحت الكوفة (مدرسة
الفقه الشيعي) من أكبر العواصم الإسلامية علما وفكرا بعدما كانت الكوفة مدرسة
لأهل الرأي والقياس.
وقد عد في تأريخ الكوفة (147) صحابيا وتابعيا من الذين هاجروا
إلى الكوفة واستقروا فيها، عدا التابعين والفقهاء الذين انتقلوا إليها من قبل،
والذين بلغ عددهم الآلاف، وسوى الأسر العلمية التي كانت تسكن هذا المصر (1).
(1) تأريخ الكوفة؛ للبراقي: 397 و 423، الطبعة الرابعة 1407 ه / 1987 م، دار الأضواء
- بيروت.
254
وقد أورد ابن سعد في طبقاته ترجمة ل (850) تابعيا ممن سكن الكوفة.
وقد انتقل الإمام الصادق (عليه السلام) في أيام أبي العباس السفاح إلى الكوفة
واستقر بها لمدة سنتين (1). وقد استغل الإمام هذه الفترة بالخصوص في نشر فقه
آل محمد (المذهب الشيعي)، وذلك لعدم وجود معارضة سياسية قوية في حينه،
فقد سقطت في هذه الفترة الحكومة الأموية وظهرت الحكومة العباسية، وبين
ذاك السقوط وهذا الظهور اغتنم الإمام الصادق (عليه السلام) الفرصة للدعوة إلى مذهب
الحق ونشر أصول مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فازدلف إليه الشيعة من كل فج
زرافات ووحدانا لتتلقى منه العلم وترتوي من منهله العذب، وتروي عنه
الأحاديث في مختلف العلوم وشتى المواضيع. وكان منزله (عليه السلام) في بني عبد القيس
من الكوفة (2).
(1) تأريخ الكوفة؛ للسيد حسين بن أحمد البراقي النجفي المتوفى عام 1332 ه.
المروي أن الإمام (عليه السلام) استدعي عدة مرات إلى الكوفة وبغداد أيام السفاح والمنصور
العباسي، ولعله في بعض هذه كانت إقامته الجبرية مدة طويلة.
ولا يبعد أن يكون الإمام (عليه السلام) قد أقام مدة سنتين متواصلتين بالكوفة، الأمر الذي
حدى بالشيعة والمحدثين للازدلاف إليه والسماع من أحاديثه ورواياته، مما كون ذلك
العدد الضخم من الرواة والمحدثين، حتى بلغ عددهم في بعض الروايات إلى الأربعة آلاف راو
بأسمائهم وما رووا عن أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام)، ومن أولئك، برز أربعمائة راو ومحدث
كل يقول: حدثني جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، أو سمعوا ما روي لهم: فكانت حصيلة ذلك
الأصول الأربعمائة التي عليها أصبح مدار الفقه الشيعي الإمامي الاثني عشري فيما بعد.
راجع في ذلك كتاب الإمام الصادق (عليه السلام) للشيخ محمد حسين المظفر 1: 125 - 130.
(2) تأريخ الكوفة للبراقي: 424 - 425.
255
ومن تلامذته (عليه السلام): أبو حنيفة النعمان، وأنس بن مالك، اللذين أصبحا
فيما بعد من أئمة المذاهب.
قال محمد بن معروف الهلالي: مضيت إلى الحيرة، إلى جعفر بن محمد (عليه السلام)،
فما كان لي حيلة من كثرة الناس، فلما كان اليوم الرابع رآني فأدناني، وتفرق الناس
عنه، ومضى يريد قبر جده أمير المؤمنين (عليه السلام)، فتبعته وكنت أسمع كلامه وأنا معه
أمشي.
وكان من بين أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) من فقهاء الكوفة: أبان بن تغلب
ابن رباح الكوفي نزيل كندة، روى عنه ثلاثين ألف حديث، كما أن محمد بن مسلم
الكوفي روى عن الباقرين (عليهما السلام) أربعين ألف حديث.
وقد صنف الحافظ أبو العباس بن عقدة الهمداني الكوفي المتوفى سنة (333)
كتبا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فذكر ترجمة
أربعة آلاف رجل بين عالم وفقيه.
وقد أدى الازدهار الفكري والعلمي نتيجة الالتفاف حول شخصية الإمام
الصادق (عليه السلام) في الكوفة والحضور عنده إلى أن يأخذ الجهاز العباسي الحاكم حذره
منه، إلى الحد الذي خشي المنصور الدوانيقي أن يفتتن به الناس (على حد تعبيره)
لما رأى من إقبال الفقهاء والناس عليه عامة، واحتفائهم به وإكرامهم له، فطلبه
إلى بغداد في قصة طويلة أعرض عنها روما للاختصار، إلا أني وجدت
من المناسب أن أذكر الحوار الذي جرى بين الإمام الصادق (عليه السلام) وبين المنصور،
وهو لا يخلو من فائدة.
فقد جاء في السير أن المنصور الدوانيقي كتب إلى الإمام الصادق (عليه السلام):
لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟
256
فأجابه الإمام (عليه السلام): " ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك
من الآخرة ما نرجوك به، ولا أنت في نعمة فنهنيك، ولا في نقمة فنعزيك، فماذا نصنع
عندك؟! ".
فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا.
فأجابه الإمام (عليه السلام): " من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة
لا يصحبك ".
فقال المنصور: والله ميز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممن يريد
الآخرة، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا.
لقد ازدهرت مدرسة الكوفة على يد الإمام الصادق (عليه السلام) وتلاميذه، وبتأثير
من الحركة العلمية القوية التي أوجدها الإمام (عليه السلام) في هذا الوسط الفكري والعلمي.
وقد صنف قدماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية في الأحاديث المروية
عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ما يزيد على (ستة آلاف وستمائة كتاب)، مذكورة في كتب
الرجال، على ما ضبطه الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي في آخر الفائدة
الرابعة من الوسائل (1).
ومن بين هذا العدد من الكتب التي تعتبر مكتبة ضخمة في الحديث والفقه
والتفسير وغيرها من آفاق الفكر الإسلامي، امتازت أربعمائة كتاب، اشتهرت
بعد ذلك ب (الأصول الأربعمائة)، وكان قسم منها عند الأعلام: الحر العاملي،
والمجلسي، والنوري، وفقد الكثير منها أيضا (2).
(1) وسائل الشيعة 3: 523.
(2) أعيان الشيعة 1: 37.
257
العصر الثالث:
مدرسة قم والري
كانت مدينة قم منذ أيام الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، مدينة كبيرة من أمهات المدن
الشيعية، وكانت حصنا من حصون الشيعة، وعشا لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد مدفن
العلوية الطاهرة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر شقيقة الإمام الرضا (عليه السلام)،
وكانت قم موضع عناية خاصة من لدن أهل البيت (عليهم السلام). فقد جاء في الحديث
أن البلايا مدفوعة عن قم وأهلها، وسيأتي زمان تكون فيه بلدة قم وأهلها حجة
على الخلائق، وذلك في زمان غيبة قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ظهوره عجل الله
فرجه، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها.
وفي القرن الرابع الهجري نشطت مدرستي قم والري وازدهرت حركة
التدريس والكتابة والبحث، وظهر في هذه الفترة شيوخ فطاحل من أساتذة الفقه
الشيعي الإمامي والحديث، أمثال الشيخ الكليني الذي انتقل إلى بغداد فيما بعد
والمتوفى فيها سنة 329 ه، والشيخ ابن بابويه والد الشيخ الصدوق المتوفى سنة 329
أيضا والمدفون في الري، وهي السنة التي بدأت غيبة الإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام)،
وابن قولويه تلميذ الشيخ الكليني، وأستاذ الشيخ المفيد الذي انتقل إلى بغداد أيضا
والمتوفى فيها سنة 369 ه، والشيخ الصدوق المتوفى في الري سنة 381 ه
والمدفون فيها، وكذلك الشيخ ابن الجنيد المتوفى في الري سنة 381 ه والمدفون فيها،
وغيرهم من مشايخ الفقه والحديث.
وفي الفترة الممتدة من انتقال الشيخ الكليني والعلماء الذين سبق ذكرهم
إلى بغداد، إلى احتلالها من قبل السلاجقة والحوادث المؤسفة التي نتجت عنها،
258
إلى هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف سنة 449، كانت الحركة العلمية فيها
نشيطة دراسة وتأليفا وبحثا، كما سيأتي بيان ذلك في مدرسة بغداد مفصلا.
إليك نبذة عن تأسيس مدينة قم، ونبذة عن الحياة الفكرية والعلمية فيها.
كان بدء تمصير (قم) في أيام الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 83 هجرية،
وذلك أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس، عندما كان أمير سجستان
من قبل الحجاج، خرج عليه، فلما أخفق ابن الأشعث رجع إلى كابل منهزما،
وكان في حملته خمسة إخوة يقال لهم: عبد الله، والأحوص، وعبد الرحمن،
وإسحاق، ونعيم، وهم بنو سعد بن عامر الأشعري، وقعوا إلى ناحية قم،
وكان هناك سبع قرى مجاورة استوطنوا فيها، واجتمع إليهم بنو عمهم،
وصارت القرى المجاورة لها مستوطنة لهم، وكان متقدم هؤلاء الإخوة كبيرهم
عبد الله بن سعد، وكان له ولد قد تربى بالكوفة، فانتقل منها إلى قم وكان إماميا،
وهو الذي نقل التشيع إلى أهلها، فلا يوجد بها سني قط (1).
ومن الجدير بالذكر أن أبناء عبد الله بن سعد القمي الأشعري، اثنان
وهم (عيسى وعمران) وقد ترجم لهما الإمام السيد الخوئي (رحمه الله) في معجم رجال
الحديث (2)، فذكر بعض الروايات الدالة على تجليل الإمام الصادق (عليه السلام) لعمران،
وكذلك أخوه عيسى، فقد ذكر له بعض الروايات الصحيحة عن الإمام
الصادق (عليه السلام) تدل على علو قدره وجلالته، وقد ذكرنا ترجمتهما في فصل
الثقات.
(1) معجم البلدان 7: 159.
(2) معجم رجال الحديث 13: 142 و 194.
259
والظاهر أن الذي نقل التشيع إلى قم هو عيسى بن عبد الله بن سعد القمي
الأشعري.
وعلى أي حال: فإن مدينة قم التي دخلها بنو سعد بن مالك بن عامر
الأشعري، والتحق بهم بنو عمهم، كان رئيسهم هو عبد الله بن سعد، وولده عيسى
هو الذي نقل التشيع إلى قم بعد أن تربى في الكوفة وانتقل إلى قم وكان إماميا
من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).
وقد انتشر الأشاعرة في قم فأسهموا في إيجاد حركة فكرية واسعة قوامها
العلوم الشرعية لا سيما الحديث النبوي الشريف الذي اهتموا به رواية ودراية،
وتناولته الصفوة من أجيال هذه المدينة بالدراسة والتحقيق، حتى انتهى إلى عصر
آل بابويه وآل قولويه.
وكان من رواد هذه الحركة الفكرية: أبو جرير زكريا بن إدريس، وزكريا
ابن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد القمي الأشعري وغيرهم.
لذا فقد نوه الإمام الصادق (عليه السلام) عن أهل قم، فذكر الكشي في رجاله
عن محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثني أحمد بن محمد،
عن موسى بن طلحة، عن أبي محمد أخي يونس بن يعقوب، عنه، قال: كنت
بالمدينة فاستقبلني الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) في بعض أزقتها فقال: اذهب
يا يونس، فإن بالباب رجلا منا أهل البيت. قال: فجئت إلى الباب فإذا عيسى
ابن عبد الله القمي الأشعري جالس، قال: فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا رجل
من أهل قم. قال: فلم يكن بأسرع من أن أقبل أبو عبد الله (عليه السلام)، قال: فدخل
على الإمام الدار ثم التفت إلينا فقال: ادخلا، ثم قال: يا يونس بن يعقوب،
أحسبك أنكرت قولي لك أن عيسى بن عبد الله منا أهل البيت؟ قال: قلت:
260
إي والله جعلت فداك؛ لأن عيسى بن عبد الله رجل من أهل قم، فقال: يا يونس،
عيسى بن عبد الله هو منا حيا وهو منا ميتا (1).
وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) مشيرا إلى عيسى بن عبد الله: " سلام الله
على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدل الله
سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء،
أهل الدراية وحسن العبادة " (2).
كما كانت الري في هذا التأريخ بلدة عامرة بالمدارس والمكاتب، وحافلة
بالعلماء والفقهاء والمحدثين (3).
وقد كان أحد أسباب انتقال مدرسة أهل البيت من العراق إلى إيران
هو الضغط الشديد الذي كان يلاقيه فقهاء الشيعة وعلماؤهم من الحكام العباسيين،
فقد كانوا يطاردون من يظهر باسم الشيعة بمختلف ألوان التهم والأذى والاضطهاد،
فالتجأ فقهاء الشيعة وعلماؤها إلى (قم والري)، ووجدوا في هاتين البلدتين
ركنا آمنا يطمئنون إليه لنشر فقه أهل البيت (عليهم السلام) وحديثهم، ويظهر أن قم في أوان
عصر الغيبة وعهد النواب الأربعة كانت حافلة بعلماء الشيعة وفقهائها، ومركزا
كبيرا من مراكز البحث الفقهي بأعلى المستويات في هذه الفترة، فقد خلفت لنا ثروة
فكرية وتراثا ضخما من أهم ما أنتجته مدارس الفقه والحديث الشيعي في تأريخها.
(1) رجال الكشي: 281، الرقم 158، واختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي)
طبع مؤسسة آل البيت 2: 624.
(2) سفينة البحار، الجزء 2، مادة: " قم ".
(3) مجالس المؤمنين: 92 و 93.
261
ولبيان ذلك نذكر بعض أسماء الفقهاء والمحدثين في هذه المدرسة من
الذين عاشوا خلال هذه الفترة.
1 - علي بن إبراهيم القمي، أستاذ الكليني وشيخه في الحديث.
2 - سعيد بن عبد الله القمي، شيخ الكليني.
3 - عبد الله بن جعفر الحميري القمي، شيخ الكليني.
4 - أحمد بن محمد بن الوليد القمي، شيخ الصدوق.
5 - محمد بن يحيى العطار القمي، شيخ الكليني.
6 - محمد بن يعقوب الكليني، وكان معاصرا لعلي بن الحسين بن بابويه القمي
والد الصدوق، وقد توفيا في سنة واحدة.
وأكبر أثر تركه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني من بعده، موسوعته الحديثية
" الكافي " أصولا وفروعا وروضة.
7 - ابن قولويه - الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه -
(280 - 368 ه)، وكان من تلاميذ الشيخ الكليني (رحمه الله) والراوي عنه، كما أنه أستاذ
الشيخ المفيد (رحمه الله) (1)، قال عنه النجاشي: كان من ثقات أصحابنا وأجلائهم
في الحديث والفقه.
8 - آل بابويه من البيوتات البارزة في الفقه والحديث في قم وموضع عناية
خاصة من لدن الإمام الحجة ابن الحسن عجل الله فرجه ونوابه الأربعة، ومن فقهاء
الشيعة ومحدثيهم.
وكان علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق من رؤساء
المذهب وفقهائهم الأجلاء.
(1) الكنى والألقاب 1: 379.
262
يقول العلامة الحلي في " الخلاصة ": إن ابن بابويه القمي شيخ القميين
في عصره وفقيههم وثقتهم.
وذكر ابن النديم في " الفهرست ": أن الصدوق ذكر مائتي كتاب لوالده.
وإن دل هذا الرقم على شيء فإنما يدل على وجود حركة فكرية قوية
في مدرسة قم والري.
وكان ولداه (الصدوق وأخوه) من كبار فقهاء الشيعة ومحدثيهم، وقد وجد
هذان العالمان من ملوك آل بويه - وبصورة خاصة ركن الدولة ووزيره (الصاحب
ابن عباد) - من الرعاية ما كان يبعثهما على الكتابة والتأليف والبحث الفقهي
والتحقيق.
وكان للصدوق ما يقارب ثلاثمائة مؤلف، أشهرها " من لا يحضره الفقيه "،
وهو أحد الكتب الأربعة المعول عليها لدى الشيعة الإمامية في استنباط الأحكام
الشرعية. ومن يراجع فهارس الكتب الشيعية كالذريعة ورجال النجاشي وفهرست
الطوسي ومعالم العلماء لابن شهرآشوب يجد آلاف الرسائل الفقهية من هذا القبيل.
وكانت مدينتا (قم والري) تحت حكومة سلاطين آل بويه، وهم معروفون
بنزعتهم الشيعية وولائهم لأهل البيت (عليهم السلام).
الحياة الفكرية في (الري)
اعتنق أهل الري بعد فتحها العقيدة الإسلامية وتغلغلت هذه العقيدة
في نفوس أبنائها، ونشأت عنهم طبقة جليلة من العلماء والمحدثين والفقهاء، فأسهموا
في إيجاد حركة فكرية واسعة بمدينة (الري) قوامها العلوم الشرعية، لا سيما الحديث
النبوي الشريف، حيث اهتموا به رواية ودراية، وتناولته الصفوة من أجيال هذه
المدينة بالدراسة والتحليل، حتى انتهى إلى عصر الكليني، فبرز فيه وفاق أقرانه.
263
وإليك نماذج من أعلام الحركة الفكرية في (الري) ابتداء من القرن الثاني
الهجري وانتهاء بعصر الكليني، مكتفين بذكر أسماء بعضهم بغض النظر عن الإشارة
إلى ترجمتهم ومصادرها روما للاختصار، ومن هؤلاء الأعلام الإمامية:
1 - يحيى بن أبي العلاء الرازي، له كتاب، وهو ممن عاصر الإمام
الصادق (عليه السلام).
2 - عيسى بن هامان الرازي، وهو من رواة أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام).
3 - بكر بن صالح الرازي الضبي مولى، من أصحاب الإمام أبي الحسن الثاني
الرضا (عليه السلام).
4 - محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي، الثقة المعاصر للإمام الرضا (عليه السلام)
والمتوفى في عهده.
5 - الحسين بن عباس الرازي، من أصحاب الجواد (عليه السلام).
6 - أحمد بن إسحاق الرازي، الثقة من أصحاب الإمام أبي الحسن الثالث
الهادي (عليه السلام).
7 - إبراهيم بن أبي بكر الرازي، أبو محمد، من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام).
8 - صالح بن أبي حماد، من أصحاب الجواد والهادي والعسكري (1).
9 - محمد بن يزداد، من أصحاب الإمام أبي محمد الحسن بن علي
العسكري (عليه السلام).
(1) وتردد فيه النجاشي، وفي الكشي: كان أبو محمد الفضل يرتضيه ويمدحه، وذكره الفاضل
في الحاوي في قسم الحسان.
264
كما اشتهر في الري بتلك الفترة طائفة جليلة من علماء أهل السنة وغيرهم (1)،
وبمختلف علوم الشريعة الإسلامية ممن مهدوا الطريق، مع غيرهم من علماء
الإمامية، أمام أجيال هذه المدينة للاطلاع على ما تركوه من تراث فكري وثروة
علمية أدت إلى انتعاش الفكر في (الري) ونتج عنه بروز طبقة جليلة من العلماء
بمختلف علوم الشريعة.
فلا غرو أن نجد الشيخ الكليني قد عاش هذا النشاط الفكري في بيئته
واستغله فاستلهمه ووعاه وعقله، عقل وعاية ودراية، لا عقل رواية فحسب...،
بل ووقف بآرائه موقف الناقد البصير في مؤلفاته التي اشتهرت منها موسوعته
" الكافي " الذي ضم في موارده بعضا من شيوخ (الري) وأعلام الحركة الفكرية
فيها.
ومن هؤلاء العلماء الذين أخذ ثقة الإسلام الكليني عنهم الفقه والحديث،
على سبيل المثال:
1 - محمد بن عقيل الكليني الرازي.
2 - محمد بن علان الكليني.
3 - علي بن محمد بن إبراهيم الكليني.
4 - محمد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي، ساكن (الري)، المتوفى
سنة 312 هجرية.
(1) أعرضنا عن ذكر سائر الأعلام روما للاختصار، ومن أراد الاطلاع عليها مفصلا فليراجع
رسالة الماجستير الموسومة ب " الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي " للأستاذ ثامر
هاشم العميدي، طبعة قم / مؤسسة الإعلام الإسلامي.
265
وقد كان لهؤلاء وغيرهم ممن سبق ذكرهم من الأعلام الفضل الكبير في دفع
عجلة الحركة الفكرية إلى الأمام بخطوات واسعة في تلك المنطقة.
5 - يضاف إلى هذا وجود بعض الأسر العلمية في (الري) مثل أسرة الشيخ
إبراهيم الكليني المعروف بعلان حيث برز من ولده، أحمد ومحمد ابنا إبراهيم، كما برز
من أحفاده علي بن محمد بن إبراهيم، وهو خال الشيخ الكليني وأستاذه.
6 - ومن الأسر العلمية، أسرة يحيى بن أبي العلاء الرازي، الذي اشتهر
من ولده جعفر بن يحيى الرازي، الراوي عن الإمام الصادق (عليه السلام).
وغيرها من الأسر الأخرى، التي حافظت على التراث الفكري لهذه المدينة
(الري) ونقلته إلى الأبناء والأحفاد فيما بعد.
العصر الرابع:
مدرسة بغداد
مدرسة بغداد قديمة، أول من أسسها وشيد أركانها، هشام بن الحكم،
وهشام بن سالم، ثم يونس بن عبد الرحمن، واستمرت إلى زمن الشيخ الكليني
المتوفى سنة 329 ه (1) حينما انتقل إليها من الري، ومن بعده استلم الزعامة الشيخ
المفيد المتوفى عام 413 ه، ومن بعده السيد الشريف المرتضى علم الهدى المتوفى
عام 436 ه، ومن ثم الشيخ أبي جعفر الطوسي المتوفى 460 ه إلى حين انتقاله
من بغداد سنة 449 ه إلى النجف الأشرف إثر الحركة الغوغائية بعد دخول
طغرل بك السلجوقي واحتلاله بغداد وإحراق مكتبته الضخمة.
حيث وصلت المدرسة في عهده أوج ازدهارها، إذ قدر من كان يحضر بحثه
(1) وهي بداية الغيبة الكبرى للإمام الحجة عجل الله فرجه حيث بدأت سنة 329 ه.
266
بأكثر من أربعمائة طالب وعالم مجتهد، واستمر هذا العطاء إلى أن انتقل الشيخ
إلى النجف الأشرف وأسس مدرسته فيها.
وكان لهذا الازدهار أسباب عديدة منها:
1 - ضعف جهاز الحكم العباسي، حيث ضعفت سيطرة الحكام في هذه الفترة،
ودب الانحلال في كيان الجهاز الحاكم، فلم يجد القوة الكافية لملاحقة الشيعة
والضغط عليهم، فوجد فقهاء الشيعة مجالا لإظهار ونشر (فقه آل محمد) وممارسة
البحث الفقهي بصورة علنية.
2 - ظهور شخصيات فقهية عملاقة، من بيوتات كبيرة في بغداد، كالشيخ
المفيد، والسيد المرتضى (علم الهدى)، وغيرهما، فقد كان هؤلاء يستغلون مكانة
بيوتهم الاجتماعية ومكانتهم السياسية في نشر الفقه الشيعي وتطوير دراسته.
بغداد حاضرة العالم الإسلامي
القرن الرابع الهجري - بإجماع الباحثين والمؤرخين - هو قرن انبعاث
الحضارة الإسلامية، حضارة العلم والفكر، حضارة الكتابة والقلم والمدرسة.
كان لهذا القرن شأن عظيم للذين سادوا المنطقة وحكموا فيها، سواء
على صعيد العلماء أم الحكام.
ففي سنة 333 هجرية كان سيف الدولة الحمداني حاكما على حلب وتوابعها.
وفي سنة 362 هجرية كان المعز لدين الله الفاطمي قد دخل مصر حاكما
بعد أن مهد لدخولها قائده جوهر الصقلي، فأسس مدينة القاهرة، وأنشأ فيها
جامع الأزهر.
وفي سنة 364 كان عضد الدولة البويهي قد دخل بغداد، وكان الداخل إليها
قبله من أسرته معز الدين البويهي سنة 334، كما كان سلاطين آل بويه حكاما
267
على قم والري وغيرها من مدن إيران، فقد نشطت مدرستي قم - والري حينذاك
بعلمائها الأبدال، أمثال الشيخ الكليني، وعلماء آل بابويه القمي - الشيخ الصدوق
ووالده -، وعلماء آل قولويه، ومن قبل علماء الأشعريين وغيرهم، وسيأتي تفصيل
ذلك بإذن الله تعالى.
وهؤلاء السلاطين وحكوماتهم كانوا يدينون بالولاء لآل البيت (عليهم السلام).
ولهذا السبب ترى فقه آل محمد (صلى الله عليه وآله) سائدا ومنتشرا في تلك الربوع.
وقد انتعشت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في بغداد على يد الشيخ المفيد (رحمه الله)
بشكل لم يسبق له مثيل من حيث تنوع العلوم والأساتذة والطلاب والخريجين،
وكان يحضر درس الشيخ المفيد (رحمه الله) ومناظراته الطلاب والعلماء من مختلف المذاهب
والفرق الإسلامية، فساهمت نشاطات الشيخ المفيد (رحمه الله) في إرساء مبادئ ومعالم
مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بأجلى صورها، ولم يكن لأتباع أهل البيت (عليهم السلام)
قبل الشيخ المفيد كيان ومدرسة بهذا المعنى والمحتوى.
والعلماء الذين نبغوا قبل ذلك كانوا بجهودهم الشخصية ومساعيهم الفردية،
لذلك عظمت مشقاتهم، واشتدت متاعبهم، وهم ينتقلون من مكان لآخر ينشدون
الأمان في ظل تحصيل العلم ويسعون وراء المعرفة.
أقول: وإذا كانت بغداد حاضرة العالم الإسلامي مدرسة الشيخ المفيد
التي أرسى قواعدها وكان عميدا لها، يبسط ظله ويحوط طلابه برعايته ويمدهم
بعلمه، وكان منار هداية وإرشاد في العراق، فقد كان في الوقت نفسه يمد العالم
الإسلامي كله بإشعاع نور علمه وأفكاره بالهداية والصلاح.
أصبحت بغداد مركزا ثقافيا كبيرا من مراكز الحركة العقلية في العالم
الإسلامي، يقطنها آلاف من الفقهاء والمحدثين، منتشرين في آلاف المدارس
والكتاتيب والمساجد التي يحتشد فيها العلماء والمدرسين والطلاب كل يوم للدرس
268
والبحث والمناقشة والمطالعة، أمثال الشيخ المفيد والسيد المرتضى، وكان للشيخ
الطوسي الأثر الكبير في الحركة الفكرية القائمة في حينه.
ويمكن القول أن مدرسة الفقه الشيعي قد تكاملت وتأصلت، وظهرت ملامح
الاستقلال عليها في قم والري، وتبلورت أصولها وقواعدها في بغداد.
وعلى رغم كثرة مدارس البحث الفقهي في بغداد في ذلك الحين، غير أن
مدرسة أهل البيت كانت أوسعها انتشارا، وأعمقها جذورا وأصولا، وأكثرها
تأصلا واستعدادا وأقومها في الاستدلال والاحتجاج، مما كان يبعث طلاب الفقه
على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم الفكرية للانضمام إلى حلقات هذه المدرسة
دون غيرها، فقد كان يحضر درس الشيخ الطوسي في بغداد حوالي الأربعمائة مجتهد
من علماء الشيعة ومن علماء أهل السنة وبقية المذاهب، وكانت مدرسة بغداد
قبل الاحتلال المغولي حافلة بالفقهاء والباحثين وحلقات الدراسة الواسعة،
وكان النشاط الفكري قائما على قدم وساق.
وكان لهذه المدرسة الدور البارز والفضل الكبير في إرساء قواعد ومعالم
مدرسة أهل البيت الفقهية وتثبيت دعائمها التي استمرت عامرة إلى عصرنا الحاضر.
العصر الخامس:
مدرسة الحلة
برزت مدرسة الحلة الفقهية بعد احتلال بغداد.
فحينما احتلت بغداد من قبل المغول التتار السفاكين سنة (656 ه - 1258 م)،
أوفد أهل الحلة وفدا إلى قيادة الجيش المغولي يلتمسون الأمان لبلدهم، فاستجاب
لهم (هولاكو) وآمنهم على بلدهم.
وبذلك ظلت (الحلة) مأمونة من النكبة التي حلت بسائر البلاد في محنة
269
الاحتلال المغولي، وأخذت تستقطب الهاربين من بغداد من الطلاب والأساتذة
والفقهاء.
وقد اجتمع في الحلة العدد الكبير منهم، وانتقل معهم النشاط العلمي من بغداد
إلى الحلة واحتفلت هذه البلدة بهم، فأصبحت الحلة من الحواضر الإسلامية الكبرى
ونشطت مدرستها فصارت تنافس مدرسة النجف بعد وفاة الشيخ الطوسي
سنة 460 ه، وظهر في هذا الدور فقهاء كبار كان لهم الأثر الكبير في تطوير مناهج
الفقه والأصول الإمامية وتجديد صياغة عملية الاجتهاد وتنظيم أبواب الفقه،
كابن إدريس سبط الشيخ الطوسي، والمحقق الحلي، والعلامة الحلي، وولده
فخر المحققين، والشهيد الأول، وابن طاووس، وابن نما، وابن أبي الفوارس،
وابن ورام، وغيرهم من فطاحل العلماء ورجال الفكر في ذلك العصر.
وحينما نصنف ونضيف المدرسة الفقهية إلى مصر خاص كالكوفة أو بغداد
أو المدينة لا نعني أن المدارس تمركزت كليا في هذه الأمصار على حساب المركز
أو المراكز التي انتقلت منها، وإنما نعني أن المدرسة الفقهية بلغت في هذه المرحلة
نضجها الخاص وكمالها المرحلي في هذا المصر بالخصوص، وتبقى الحوزات
التي سبقتها والمدارس الفقهية التي انتقلت منها، باقية على ما هي عليه
إلا أن نشاطها خف عما كان عليه، وتسرب إليها بعض الفتور.
هذا، وبعد أن عرضنا لنشوء وتطور المدارس الفقهية في الحواضر الإسلامية،
ننتقل الآن إلى دور مدرسة النجف الأشرف بعد ما هاجر إليها الشيخ
الطوسي (قدس سره) (1).
(1) استقيت هذا البحث ملخصا مع بعض التصرف من مقدمة سماحة الشيخ محمد مهدي
الآصفي لموسوعة اللمعة الدمشقية للشهيد الأول رضوان الله عليه.
270
تأريخ الحياة العلمية للنجف الأشرف
وهجرة الشيخ الطوسي
من هو الطوسي؟
هو الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - نسبة إلى طوس من مدن
إيران بمقاطعة خراسان - المعروف بشيخ الطائفة، من أبرز جهابذة العلماء
ومن المؤسسين لجامعة النجف العلمية.
ولد بطوس في شهر رمضان سنة 385 هجرية، ثم هاجر إلى العراق،
وسكن بغداد وهو شاب لم يبلغ الثالثة والعشرين من عمره الشريف، إذ حط رحله
واستقر في بغداد سنة 408 هجرية، وتتلمذ شيخ الطائفة حينذاك للشيخ محمد
ابن النعمان العكبري (رحمه الله) - المعروف بالشيخ المفيد وبابن المعلم -، وهو أستاذ
السيدين الشريفين، السيد المرتضى علم الهدى والشريف الرضي نقيب الطالبيين
في بغداد.
لازم الشيخ الطوسي أستاذه الشيخ المفيد خمس سنوات من سنة 408
إلى 413 يوم لبى المفيد نداء ربه (رحمه الله) ودفن عند ضريح الإمامين الكاظمين (عليهما السلام).
أصبح الشيخ الطوسي الزعيم المطلق في بغداد للطائفة بعد وفاة شيخه
السيد المرتضى علم الهدى سنة 436 ه الذي لازمه الطوسي وتتلمذ له طيلة
ثلاث وعشرين سنة، وبز أقرانه في العلوم وحسن الإدارة.
النجف الأشرف قبل الشيخ الطوسي
النجف لغة: النجف مفرد، جمعه: نجاف، معناه: التل، المكان الذي لا يعلوه
271
الماء (1)، وهي تشبه المسناة، تصد الماء عما جاورها، وينجفها - أي: يحيطها -،
وبذلك كان سبب تسميتها حسب رأي الدكتور مصطفى جواد.
وللنجف أسماء أخر: الطور، الظهر، الجودي، الربوة، وادي السلام،
والأكثر شهرة: النجف، الغري، والمشهد - من المشاهد المقدسة -.
تقع مدينة النجف على ميلين من غربي الكوفة، على مرتفع منبسط فسيح،
وفي الجنوب الغربي من بغداد على بعد 160 كيلو مترا.
تمصرت النجف منذ أن كشف لأول مرة عن المرقد الطاهر للإمام علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) عام 170 ه = 768 م وكان معروفا قبل هذا لدى أهل البيت
والخواص من أصحابهم.
وقد تشرفت النجف بمرقد الإمام الطاهر، إمام العلم والمعرفة، أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ذلك الإمام الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحديثه
الشريف: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومن أراد المدينة فليأتها من بابها ".
برزت النجف الأشرف على مسرح التأريخ كجامعة علمية دينية لها جذورها
القديمة ولها تراثها التأريخي الأصيل في الفقه والأصول، بالإضافة إلى جوانب
أخرى من الثقافة والمعرفة، وخاصة الأدب العربي، حتى أصبحت بثروتها الأدبية
مصدرا ثريا في عالم الأدب يفرض نفسه على التراث الأدبي بكل فخر
واعتزاز.
وقد حفظت اللغة العربية وجذورها من الضياع أيام احتلال وهيمنة حكام
التتار والسلاجقة والعثمانيين وغيرهم.
(1) الفيروزآبادي؛ القاموس المحيط 3: 402.
272
وكانت النجف مركز علم وثقافة قبل أن يهاجر إليها شيخنا الجليل الشيخ
الطوسي سنة 449 هجرية، وكانت مدرسة النجف امتدادا لمدرسة الكوفة، حيث
تعتبر مدرسة الكوفة ومسجدها الجامع مصدرا ومركز إشعاع لعلوم آل محمد (صلى الله عليه وآله)
منذ أن أسسها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصبحت مع مرور
الأجيال مركز ثقل لبث علوم أهل البيت (عليهم السلام) وفقههم، فتتلمذ على يد الأئمة
الأطهار فطاحل العلماء وجهابذتهم لا سيما في عهد الإمام جعفر بن محمد
الصادق (عليه السلام)، حتى وصلت إلى القمة في العلوم الدينية والثقافة العامة في العالم
الإسلامي، وقد عرفت الكوفة ب (مدرسة أهل البيت).
وقد بلغ تلامذة الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أربعة آلاف طالب وراو
أو يزيدون (1).
يقول الحسن الوشاء، وهو من أصحاب الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام):
إني أدركت في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول:
حدثني جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وكان في طلاب الإمام الصادق (عليه السلام):
النعمان بن ثابت (أبو حنيفة)، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأيوب
السختياني، ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب " المغازي والسير "، كلهم
كانوا أصحاب رأي ومذهب.
ومن أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وحوارييه: أبان بن تغلب، وزرارة
ابن أعين، والمفضل بن عمر، وهشام بن الحكم، وجابر الجعفي، ومحمد بن مسلم،
وغيرهم.
(1) الشيخ محمد حسين المظفر؛ الإمام الصادق: 130 و 179.
273
وقد اتخذ الذين جاؤوا من بعدهم من علماء فقه أهل البيت مرقد الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) مقرا لهم وامتدادا لمدرستهم، خاصة عندما تبدلت ظروف
الكوفة من الهجرة بعد انتقال عاصمة الخلافة العباسية إلى بغداد وتشتت العلماء
وانتقال بعضهم إلى بغداد والبعض الآخر إلى النجف الأشرف لقربها من الكوفة
متخذا من جوار الإمام الطاهر مركزا للعبادة والتحصيل العلمي بصورة مبدئية،
ومستمدا من أنواره وبركاته (عليه السلام).
هجرة الشيخ الطوسي
عندما احتل طغرل بك السلجوقي بغداد وتولى حكمها من قبل القائم العباسي
وقوض دعائم الحكم البويهي، هبت سنة 449 ه عاصفة فتنة طائفية هوجاء
على الشيعة، يقودها أهل السنة بدفع من القائم العباسي وتشجيع من السلجوقيين،
واستفحل الأمر جراء تلك الأحداث الخطيرة فأحرقوا (1) مكتبة الشيخ الطوسي
والتي تعتبر من مكتبات العالم الإسلامي بما تحويه من تراث وكنوز نادرة ثمينة
وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام كما يقول ابن الجوزي (2)،
وكان يجلس تحت منبره أكثر من ثلاثمائة عالم ومجتهد من علماء الشيعة وعدد كبير
من علماء مختلف المذاهب، وشعر الشيخ الطوسي بالخطر المحدق بحياته فقرر الهجرة
من بغداد، واختار مدينة النجف الأشرف مقرا له ومركزا لحركته العلمية.
(1) يبدو أن هذا الحريق لكتب الشيخ الطوسي هو الأخير، إذ أحرقت أو نهبت كتبه عدة
مرات، كما جاء في لسان الميزان 5: 153، الرقم 7237، المنتظم 16: 8 و 16 حوادث
سنة 448 و 449، البداية والنهاية 12: 90، حوادث سنة 449، الأعلام 6: 84.
(2) يروى أن هذا الكرسي كان في المدرسة النظامية ببغداد وليس في بيت الشيخ الطوسي.
274
فالنجف تتمتع بميزات خاصة تختلف بها عن غيرها من المدن المماثلة،
فهي تمتاز باحتضان مرقد إمام العلم والفضيلة أمير المؤمنين (عليه السلام) ووصي رسول
رب العالمين، وفيها قاعدة ثابتة للاشعاع العلمي والفكري، وذلك لوجود الأعلام
الذين سبقوا شيخنا الرائد الطوسي (رحمه الله) واتخاذ النجف مركزا لهم، بالإضافة
إلى أن النجف تتكئ على أمجاد الكوفة وتراثها؛ للقرب الذي بينهما. والكوفة
وإن وقفت ضد آل البيت أياما، إلا أنها علوية في ذاتها وانتمائها، وأصبحت موئلا
للشيعة ومركزا لثورات التوابين ومنطلقا لثورات العلويين ضد الحكام الجائرين.
ولما انتقل الشيخ الطوسي (قدس سره) إلى النجف الأشرف وحط رحله واستقر فيها
سنة 449 هجرية، كان من الطبيعي أن يظهر دور جديد في حياة هذه المدينة العلوية
بعد أن انصرف عن كثير من التزاماته عندما كان في بغداد وبعد تفرغه الكامل
إلى تأسيس مركزه الجديد واهتمامه بالبحث والتدريس وإظهار دور جامعة النجف
العلمية والارتفاع بها إلى أعلى المستويات العلمية العالية، حتى برزت مظاهر الحياة
العلمية الرائدة واضحة للعيان، وأصبحت تضم عددا لا يستهان به من طلاب العلم
والمعرفة، وأخذت تتوسع ويتكاثر روادها يوما بعد يوم، ويتأرجح دورها
بين النشاط والخمول طيلة ألف عام من عمرها المديد.
كان لا بد لهذه الحوزة الفتية أن يمر عليها زمان حتى تصل إلى المستوى اللائق
بها من التقدم العلمي والنضج الفكري لقبول أفكار الشيخ الطوسي وآرائه العلمية
ومواكبة إبداعاته بوعي وتفتح ليسجل لمؤسسها دور القيادة والريادة والزعامة
بكل تقدير وإكبار.
أدوار جامعة النجف
مرت على جامعة النجف الدينية ثلاثة أدوار رئيسية خلال ألف عام
من عمرها المديد:
275
الدور الأول:
يبدأ بانتقال الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى النجف الأشرف في منتصف القرن
الخامس الهجري وتأسيسه هيئة علمية منظمة، ذات حلقات متواصلة، وقد ظهر
أثر ذلك في كتابه " أمالي الشيخ الطوسي " الذي كان يمليه على طلابه وتلامذته (1)،
وكان من أهم ما ركز عليه تنسيقه للدراسة العلمية في أقسامها الثلاثة: الفقه
والأصول والحديث. فقد وضع في هذه العلوم الثلاثة، مؤلفات عديدة كانت موضع
اهتمام الأعلام المبرزين من الفقهاء والأصوليين، وكانت مناهج للدرس والبحث
لفترة طويلة.
بقي الشيخ الطوسي في النجف مدة 12 سنة، من سنة 449 إلى يوم وفاته
سنة 460 هجرية، وقد طور الدراسة والمناهج الدراسية واستخدم القواعد
والأصول بدلا من عرض النصوص الذي كان سائدا في السابق.
بعد الشيخ الطوسي المؤسس:
في عام 460 هجرية لبى الشيخ الطوسي الكبير - باني مجد الجامعة النجفية -
نداء ربه، وقد منيت الجامعة بخسارة كبيرة لا تعوض، ولكن سيرها ونموها لم يقف
بفضل تلميذه الفذ وولده البار الشيخ الحسن بن محمد المعروف ب (أبي علي
الطوسي)، وكان من ألمع طلاب والده، فقد تصدى هذا العالم وخلف والده،
فقام بدور فعال وبناء في إدارة دفة الجامعة وزعامة حوزتها بكل جدارة ومقدرة،
وسار على منهاج شيخه وبنى على ما أسس أستاذه وأبيه، فقد استمرت الجامعة
(1) نقل ذلك الشيخ آغا بزرك الطهراني في " الذريعة " 1: 365، وكان قد أملاه الشيخ لولده
في سنة 457 و 458 ه.
276
النجفية في حركتها العلمية وعطائها حتى أطل عهد ابن إدريس في منتصف القرن
السادس الهجري حوالي سنة 550 هجرية، ونهض بالحركة العلمية في الحلة ودفعها
إلى الأمام.
ومحمد بن إدريس الحلي من الفقهاء والمشايخ المرموقين في الحلة، وهو سبط
الشيخ الطوسي المؤسس (قدس سره)، توفي في الحلة سنة 598 هجرية، وقد أثنى عليه
فطاحل علمائها، منهم ابن داود الذي وصفه بأنه شيخ الفقهاء بالحلة، وكذا أثنى
عليه علماؤنا المتأخرون واعتمدوا على مؤلفاته وكتبه وعلى ما رواه من كتب
المتقدمين وأصولهم.
وقالت بعض المصادر: كان - أي ابن إدريس - فقيها أصوليا بحتا، ومجتهدا
صرفا. وكيفما كان، فإن ابن إدريس فتح باب النقاش على مصراعيه، وحمل
بكل ما أوتي من مقدرة علمية على آراء جده لأمه الشيخ الطوسي الرائد،
وقبل هذا ما كان أحد يجرأ على ذلك.
وقد بدت بوادر النشاط العلمي والتفتح الذهني للتفاعل مع آراء الشيخ
ابن إدريس بأجلى مظاهرها في أوائل القرن السابع الهجري في الحلة بزعامة
المحقق الحلي (1) ثم العلامة الحلي (2).
(1) المحقق الحلي: أبو القاسم نجم الدين جعفر بن سعيد الحلي، قال ابن داود: المحقق المدقق
واحد عصره، كان ألسن أهل زمانه، وأقومهم بالحجة، ولد بالحلة سنة 602، وفي عام 676
هجرية توفي ودفن بالنجف.
(2) العلامة الحلي: جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن المطهر الحلي،
انتهت إليه رئاسة الإمامية في المعقول والمنقول والفروع والأصول، ولد بالحلة سنة 648 ه
وتوفي سنة 726 ه ودفن بالنجف، وكان سببا في تشيع السلطان محمد خدا بنده.
277
وكان عهد ابن إدريس إيذانا بانتقال الحركة العلمية إلى الحلة، ففي عهد المحقق
الحلي انتقل المركز العلمي إلى الحلة تماما كما انتقلت الزعامة إليه، وأصبح مجلس
المحقق الحلي كما تحدده المصادر الموثوقة يضم قرابة أربعمائة عالم مجتهد.
واستمر الإشعاع العلمي ينير آفاق مدينة الحلة طوال قرون ثلاثة، ودام
حتى القرن العاشر الهجري.
ثم عادت الزعامة الدينية والمركزية العلمية إلى النجف الأشرف، وبقيت
في الحلة رواسب تدير الحركة العلمية بصورة بسيطة حتى اضمحلت تدريجيا
رغم وجود بيوتات علمية كبيرة فيها عرف أبناؤها بالفضيلة والاجتهاد، أمثال:
آل إدريس، وآل شيخ ورام، وآل فهد، وآل طاووس، وآل نما، وغيرهم.
الدور الثاني:
في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري استعادت النجف الأشرف
مركزها العلمي بعد أن فازت الحلة بزعامتها مدة ثلاثة قرون.
ولقد حددت بعض المصادر زمن عودة الحياة العلمية إلى النجف الأشرف
بعهد المقدس الأردبيلي (1). يقول السيد حسن الصدر: عادت إلى النجف في زمن
المقدس الأردبيلي، فقوي ذلك واشتد الناس إليه من أطراف البلاد، وصارت
من أعظم مراكز العلم والفقه الشيعي في العالم (2).
ويعود السبب في إعادة الحياة العلمية إلى النجف الأشرف إلى سحب المياه
(1) المقدس الأردبيلي: هو المولى أحمد بن محمد الأردبيلي، كان من أزهد أهل زمانه وأورعهم،
وكان مؤلفا كبيرا ومحققا عظيما، وكان من سكان النجف، توفي سنة 993 هجرية.
(2) مراكز العلم للشيعة؛ للسيد حسن الصدر في آخر تكملة أمل الآمل: 585.
278
العذبة للشرب من الفرات وإيصالها إلى النجف من قبل السلاطين والعلماء وغيرهم.
فأول من قام بحفر نهر التاجية الصاحب عطاء الملك بن محمد الجويني
عام 676 هجرية.
ثم جاء بعده الشاه إسماعيل الأول الصفوي إلى النجف فأمر بحفر نهر الشاه
سنة 914 هجرية، وتلاه الشاه طهماسب الصفوي فأمر بحفر نهر الطهماسبية
سنة 980 هجرية، ومن بعده جاء الشاه عباس الصفوي الكبير، وعند وفوده
إلى النجف أمر بحفر نهر المكرمة سنة 1032 هجرية.
بالإضافة إلى الاحتياطات الأمنية التي اتخذت في حفظ النجف وسكانها
من غارات البدو " كبناء الأسوار لها "، وكان هذا التحول والانتقال في القرن التاسع
والعاشر.
وليس بعيدا أن يكون توفير المياه والأمن في النجف سببا لعودة العلماء
وبعث الحياة العلمية في جامعة النجف.
واستمرت الجامعة النجفية بواجبها في أداء رسالتها حتى أواخر القرن
الحادي عشر للهجرة، فقد قلت الهجرة إليها وتضاءل وفود الطلاب من الخارج
عليها بسبب الصراع السياسي والمذهبي الدامي الدائر بين الدولتين الصفوية
والعثمانية على العراق (1)، مما جعل الناس ينكمشون عن الهجرة إلى العراق،
(1) استولى الصفويون بقيادة الشاه إسماعيل الأول على بغداد في 25 جمادى الثانية سنة 914 ه
/ 1508 م. ودارت الحروب والوقائع بين العثمانيين والصفويين في التنازع على السلطة
في العراق بصورة متوالية. يقول عباس العزاوي في كتابه تأريخ العراق بين احتلالين
(3: 325): وكانت - أي الحروب - مؤلمة جدا، فقد احترق الأهلون بين ر؛؛
؛؛ ط نيران الاثنين المتحاربين. فالمتغلب منهما يحاول القضاء على كل نزعة لمخالفه،
ويسعى لتدميرها واستئصالها، والآخر يراعي عين العملية بلا رحمة ولا شفقة. ولا تسل
عما أصاب من هلاك في النفوس وتدمير في الأموال أو في العلوم والآثار، أو في الثقافة.
فلم يجد العراق من راحة أو هناء، ولا طمأنينة وسكون... يخرجون من حادث ليترقبوا
آخر، فالمصائب تترى، والوضع غامض، ولا يعرف القوم مصيرهم، ولا ماذا سيعمل بهم.
دام هذا الوضع المرتبك والقلق، إلى دخول سليمان القانوني (ت / 974 ه) بغداد في
24 جمادى الأولى سنة 941 ه / 1534 م، فشهد العراق بعض الوقت راحة نسبية من عدم
تجدد الحروب على أراضيه. ويضيف العزاوي في موضع آخر من كتابه (4: 18) فيقول:
والحق أن العراق اكتسب الراحة، وسكن مدة، ولكن بعد قليل دب في الدولة الضعف
من جراء استمرار الحروب - مع مجاوراتها من الدول، خاصة إيران - فاضطرت الدولة
- العثمانية - إلى التضييق على الأهلين.
وجرت حوادث كان آخرها واقعة سنة 1028 ه / 1619 م في بغداد والتي كان من
نتائجها أن استولت إيران مرة أخرى على بغداد ودخلتها في 23 ربيع الأول سنة 1032 ه /
1623 م.
وجر هذا الاحتلال إلى حروب وبيلة وقاسية بين العثمانيين والإيرانيين اكتسبت عنفا
وشدة، فصارت كل واحدة منهما على وشك الهلاك، ولم يبق بين الحياة والموت إلا أنفاس
معدودة، كل هذا والعراق وأهله يدفعون الثمن، فحدثت المعارك الهائلة، والحروب الطاحنة
بين الطرفين، تمكن السلطان مراد الرابع (ت / 1049 ه) في النهاية من استعادة بغداد
سنة 1048 ه / 1639 م، وكان ذلك آخر عهد إيران بالعراق، وإن استمرت الحروب
ولم تنقطع ولم يهدأ لهم أمل بالعود مرة أخرى.
279
ولا سيما المراكز الشيعية فيها، وضغط الدولة العثمانية على علماء شيعة أهل البيت
ورجال الدين ومؤسساتها العلمية أيام استيلائهم على الحكم في العراق،
280
على عكس ما كانت عليه الدولة الصفوية (العلوية).
والسبب الثاني هو الوباء الذي اجتاح النجف بالطاعون وموت المئات
بل الآلاف من سكانها بحيث أصبح من المتعذر دفن الأموات ومواراتهم التراب.
والسبب الثالث: ما أصاب النجف وسكانها من هجوم المشعشعين (1)
واحتلالهم المرقد المطهر ونهب ما فيه من الثروات والتراث وكذلك نهب أموال
(1) آل المشعشع: حكموا الأهواز والحويزة وأكثر بلاد خوزستان بين 845 - 1025 ه،
وأصلهم يرجع إلى محمد بن فلاح بن هبة الله الذي ينتهي نسبه بالسيد إبراهيم المجاب
ابن السيد محمد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام). ومسقط رأسه مدينة واسط،
تخرج على الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الحلي المتوفى عام 841 ه، الذي كان قد تزوج أم محمد
بعد موت أبيه فلاح، ثم لما كبر محمد هذا زوجه الشيخ ابن فهد ابنته، وكان قد حصل
على كتاب للشيخ في العلوم الغريبة، والنيرنجات، والسحر، ولما قرأه وعمل به أخذ يظهر
بعض الأمور الخارقة للعادة على الأعراب الساكنين في حدود خوزستان، فتبعه ناس كثيرون
هناك، ثم انتشر أمره وازداد أتباعه وصاروا ينعتونه بالمهدي، وكان بداية ظهوره عام 827 ه،
وقيل 840 ه، وقيل غير ذلك. وما لبث أن ضم إليه جميع العشائر القاطنة في الجزائر والحويزة
وشوش ودزفول.
وتعاقب أولاد محمد بعد موته على قيادة القبائل والعشائر، لشن غارات على المدن
والحواضر للسلب والنهب والقتل.
ومجمل عقائد المشعشعين أنهم يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى حل في علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) وبذلك يكون هو الإله، تعالى عما يصفون، والله لا يموت، وتحصيل ذلك
أن عليا حي لا يموت، فكيف يكون له قبر، ولذلك عمدوا إلى ضريحه وأضرحة الأئمة الأطهار
في النجف وكربلاء فنهبوها وهدموها واستولوا على ما فيها، وقتلوا الأهالي، وعملوا ما عملوا
من الجرائم والفضائح.
281
الأهالي والاعتداء عليهم، فضلا عن هجمات وغارات البدو الوهابيين المتكررة
على النجف والاعتداء ونهب وسلب الأموال وغيرها.
والسبب الرابع: انتقال زعيم الحوزة والحركة العلمية آنذاك الشيخ أحمد
ابن فهد الحلي من النجف إلى كربلاء مع حاشيته.
هذه العوامل المتعددة، ومنها السياسية - الخارجية والداخلية - أدت
إلى ضمور الحركة العلمية في النجف وشل نشاطها، مما سبب انتقال الحوزة والمركز
العلمي إلى كربلاء. وعلى رغم كل ذلك فإن النجف بقيت محتفظة بقسم من نشاطها
العلمي، وبقيت تواكب التطور والحركة العلمية رغم انتقال الزعامة الدينية العلمية
إلى كربلاء.
وكيفما كانت الأسباب والدوافع في نقل الحركة العلمية إلى كربلاء من
سنة 1150 إلى 1212 هجرية، فقد نضجت الحركة والتعمق العلمي خاصة
في مدرسة العلامة الأستاذ الوحيد البهبهاني (1)، كما برز العلامة الشيخ يوسف
البحراني (2).
وقد عاشت الزعامة الدينية في كربلاء زهاء سبعين عاما فتحت خلالها آفاقا
جديدة في تطوير الكيان العلمي، كان له صدى حافل بالإكبار والتقدير.
وقدر لمدرسة العلامة الوحيد البهبهاني أن تفتتح عصرا جديدا في تأريخ
(1) هو المولى محمد باقر، الاصفهاني مولدا، والبهبهاني منشأ، ولد عام 1118 وتوفي
1205 هجرية.
(2) يوسف بن أحمد بن عصفور البحراني، المتولد في البحرين سنة 1107 هجرية، والمتوفى
في كربلاء سنة 1187 هجرية.
282
العلم، والتي أكسبت الفكر العلمي في العصر الثاني الاستعداد للانتقال إلى عصر
ثالث (1)، غير أن الاتجاه الأخباري في القرن الثاني عشر قدر له أن يتخذ من كربلاء
نقطة ارتكاز له.
إن رد الفعل الذي حصل لهذا الاتجاه، جعل من الرائد المجدد في مدرسة الفقه
والأصول، العلامة الكبير الشيخ محمد باقر البهبهاني (قدس سره) المتوفى سنة 1205 هجرية،
يركز جهده في الوقوف بوجه الحركة الأخبارية، وتأييد علم الأصول، حتى ضعف
وتضاءل الاتجاه الأخباري.
وقامت هذه المدرسة برص الصفوف والتركيز على تنمية الفكر العلمي،
والارتفاع بعلم الأصول إلى مستوى أعلى، وكان ذلك حدا فاصلا بين عصرين
من تأريخ الفكر العلمي في الفقه والأصول.
الدور الثالث:
يمكن أن يطلق على هذا الدور (عصر الكمال العلمي) الذي ظهر على يد
الأستاذ الفذ البارع الوحيد البهبهاني، والذي بدأ يبني قواعد ثابتة للعلم في عصره
الثالث، بما قدم من جهود متظافرة في ميداني الفقه والأصول.
وقد عادت النجف الأشرف إلى ميدانها العلمي ونشاطها الفكري كمركز أول
تحت إشراف مديرها الأستاذ الوحيد البهبهاني (قدس سره) وعلى يد تلميذه العلامة السيد
محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (قدس سره) بعد أن عاشت زمانا وهي تتفاعل بتأثيرات
المدرسة الفكرية في كربلاء، وذلك في بداية القرن الثالث عشر الهجري أي
سنة 1210 ه.
(1) المعالم الجديدة؛ للشهيد الصدر: 84 و 85.
283
ويمكن تسمية هذا العصر، بعصر النهضة العلمية لكثرة من نبغ فيه من فحول
العلماء وأجلائه، ولكثرة تهافت الناس على طلب العلم، وتدفق الطلاب من خارج
القطر وازديادهم، وقد برز في ذلك القرن أقطاب الفقه وأصوله الذين هم في الدرجة
الأولى علما وتأليفا وتقوى وصلاحا، وقد خلفوا لنا آثارا قيمة خالدة تشهد
على مدى التوسع العلمي في ذلك العهد، مثل كتب " كشف الغطاء " و " مفتاح
الكرامة " و " الرياض " و " المكاسب " في الفقه، و " القوانين " و " الفصول "
و " الضوابط " و " حاشية المعالم " للشيخ محمد تقي الاصفهاني و " رسائل "
الشيخ الأنصاري وتعليقاتها في أصول الفقه إلى غير ذلك من الكتب المطولة.
وكان في القمة من تلك الآثار الفقهية كتاب " جواهر الكلام في شرح شرائع
الإسلام " (1)، الموسوعة الفقهية التي فاقت جميع ما سبقها من الموسوعات سعة وجمعا
وإحاطة بأقوال العلماء وأدلتهم، وقد ذكره السيد محسن الأمين في موسوعته
" أعيان الشيعة " فقال عنه: إنه كتاب لم يؤلف مثله في الإسلام.
ولعل أهم الخطوات التي اتخذها الزعيم الجديد لجامعة النجف الأشرف،
السيد محمد مهدي بحر العلوم في تنظيمه الإداري، هي تعيين فطاحل العلماء
كل بمركزه المناسب له بحسب اختصاصه، وتوزيع أدوارهم. فمثلا:
أولا: جعل الشيخ كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228 ه في مركز التقليد
والفتوى، حتى قيل: إنه أجاز لأهله وذويه بالرجوع إلى تقليد الشيخ جعفر الكبير،
(1) للشيخ محمد حسن صاحب " الجواهر " الذي ولد بالنجف سنة 1192 ه، وتوفي فيها
سنة 1266 ه عن عمر ناهز 74 عاما، وكان من فطاحل وجهابذة العلماء في عصره في
النجف الأشرف.
284
تمشيا مع الاختصاص والتنظيم الإداري والتركيز على حصر المسؤولية.
ثانيا: كما عين الشيخ حسين نجف والد الشيخ طه نجف المتوفى سنة 1251 ه
للإمامة والمحراب، فكان يقيم صلاة الجماعة في (جامع الهندي) بالنجف ويؤم الناس
على اختلاف طبقاتهم بإرشاد من السيد بحر العلوم نفسه.
ثالثا: أما القضاء فقد خص به الشيخ شريف محيي الدين، فكان يرشد إليه
في ذلك، علما منه بمهارته في القضاء، وتثبته في الدين، وسعة صدره في تلقي
الدعاوى والمخاصمات.
أما السيد بحر العلوم نفسه فقام بأعباء التدريس والزعامة الكبرى وإدارة
الشؤون العامة والخاصة (1).
وما أن كان عهد المحقق الأنصاري (الشيخ مرتضى) حتى اعتبر رائدا لأرقى
مرحلة من مراحل الدورة الثالثة للنهضة العلمية في النجف الأشرف.
وعندما أشرف القرن الرابع عشر لمع اسم المجدد الشيخ ملا محمد كاظم
الخراساني، الذي فتح آفاقا جديدة للعلم والمعرفة.
وقدر له ولمن خلفه كالميرزا حسين النائيني والشيخ محمد حسين الاصفهاني
(الكمباني) والشيخ آغا ضياء العراقي وغيرهم من أقطاب هذه المدرسة أن يرتفعوا
إلى القمة العلمية التي خلفت تراثا ضخما تستنير به الأجيال الصاعدة.
وقد عاصر المؤلف وعاش حياة مرجعين من أهم المراجع العظام الذين
يعتبرون حجر الزاوية في حياة النجف الحوزوية، ونقطة انطلاق لعالم التشيع
المذهبي، وهما السيد أبو الحسن الاصفهاني (رحمه الله) الذي دان له العالم الشيعي من أدناه
(1) رجال السيد بحر العلوم: 41 و 42.
285
إلى أقصاه، المتوفى سنة 1365 هجرية الموافق لعام 1945 ميلادية.
وخليفته الإمام السيد محسن الحكيم الطباطبائي الذي دامت زعامته أكثر
من ربع قرن، بث فيها معالم فقه أهل البيت، وقابل التيارات الإلحادية في الفترة
الأخيرة من حياته المباركة، توفي (رحمه الله) سنة 1390 ه = 1970 م.
وآخر مرجعية عاشتها النجف الأشرف هي بزعامة المرجع الأعلى السيد
أبي القاسم الخوئي (رحمه الله)، وبوفاته فقدت النجف زعامتها نسبيا وذلك سنة 1413 ه =
1992 م.
ومن أسباب ازدهار الجامعة العلمية النجفية في هذا الدور: كثرة ما أسس من
المدارس الدينية والتي نطلق عليها في عصرنا الحديث - الأقسام الداخلية - لطلاب
العلوم الدينية بالإضافة إلى كونها مقرات وحوزات للتدريس والبحث والتحقيق،
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تزايد الهجرة من البلدان النائية لطلب العلم.
وقبل أن أذكر عدد المدارس في النجف الأشرف وجدولتها، يهمني
في هذا المقام أن أذكر نقطتين تدوران حول المدارس:
أولا: في وصف هندسة المدارس. وثانيا: في شروط السكن في المدارس،
بحسب وقفية الواقف.
أما هندسة بناء المدارس العلمية في النجف الأشرف فقد روعي فيها طبيعة
البلاد وطقسها، وحرارة الجو في أشهر الصيف، فكان من الضروري حفر سراديب
تحت الغرف لتقي سكان المدرسة حر الصيف. أما الهندسة العامة، فكانت الغرف
تشيد على أربع جهات المدرسة ويترك الوسط مكشوفا فارغا ليؤلف صحنا واسعا
في وسطه حوض ماء، ويكون البناء حسب الأرض إما مربعا أو مستطيلا،
والسراديب عادة تشيد تحت الغرف من جانب واحد أو من جانبين أو من كل
286
الجوانب الأربعة، ويزود بشبابيك لإيصال النور والهواء إلى السراديب، ومساحة
الغرفة الواحدة تتراوح بين ستة إلى تسعة أمتار مربعة وأمام كل غرفة إيوان صغير
خاص بها، وكل غرفة عادة يسكنها شخص واحد أو شخصان، وقد يشيد طابق
ثان عليها، والمدرسة مبنية بالآجر المصقول ومزينة بالقاشاني المزخرف ويحفر
لكل مدرسة بئر أو أكثر لسحب الماء منه بواسطة أرشية ودلاء يقوم بدلوه خادم
المدرسة أو بعض الطلاب حسب الحاجة.
هذا وصف موجز لهندسة المدارس في النجف، أما عن الشروط المفروضة
على سكان المدارس للطلاب: فلكل مدرسة شروطها الخاصة بحسب قناعة الواقف
لأجل حفظ الأمن وعدم الاستغلال من قبل الطلاب، وعادة ما تكون الشروط
سهلة وبسيطة، والسكن في المدارس بصورة عامة مجانا بما فيه صرف الماء والإنارة
والخدمة العامة من تهيئة جميع متطلبات الساكنين في المدرسة وتنظيفها من قبل
خادم أو خادمين دائميين مقيمين في المدرسة.
وإليك عدد المدارس التي شيدت في النجف والتي أوقفت لسكن طلاب
العلوم الدينية، وكذلك عدد المكتبات العامة والخاصة المنتشرة في البيوتات العلمية.
المدارس الدينية
1 - مدرسة البغدادي.
2 - مدرسة الشيخ عبد الله.
3 - مدرسة الصحن الشريف الأولى.
4 - مدرسة الصحن الشريف الكبرى.
5 - مدرسة الصدر.
6 - مدرسة المعتمد.
7 - المدرسة المهدية.
8 - مدرسة الإيرواني.
9 - مدرسة الميرزا حسين الشيرازي.
10 - مدرسة الخليلي الكبرى.
287
11 - مدرسة النجاري.
12 - مدرسة القوام.
13 - مدرسة الشربياني.
14 - مدرسة الخراساني.
15 - مدرسة الخليلي الصغرى.
16 - مدرسة القزويني.
17 - مدرسة البادكوبي.
18 - مدرسة الآخوند الوسطى.
19 - مدرسة السيد كاظم اليزدي.
20 - مدرسة الهندي.
21 - مدرسة الآخوند الصغرى.
22 - مدرسة السيد عبد الله
الشيرازي.
23 - مدرسة البروجردي الكبرى.
24 - مدرسة العامليين.
25 - مدرسة الطاهرية.
26 - مدرسة البروجردي الصغرى.
27 - مدرسة الرحباوي.
28 - مدرسة الجوهرجي.
29 - مدرسة جامعة النجف.
30 - مدرسة عبد العزيز البغدادي.
31 - مدرسة الأفغانيين.
32 - مدرسة اليزدي الثانية.
33 - مدرسة آية الله الحكيم.
34 - المدرسة التي أشرف على إنشائها
السيد الخوئي (رحمه الله) وأكاديمية قد
هدمت من قبل الحكومة البعثية.
35 - أكاديمية السيد الخوئي خلف
الصحن الشريف مباشرة، وتقع في
جهة الجنوب الغربي.
المدارس الحديثة
1 - المدرسة الرشادية العثمانية.
2 - المدرسة العلوية الإيرانية.
3 - المدرسة المرتضوية.
4 - مدرسة الغري الأهلية.
5 - مدارس منتدى النشر.
6 - مدرسة جمعية التحرير الثقافي.
اعتمدت هذا الجدول ملخصا من موسوعة العتبات المقدسة الجزء السابع
للمرحوم الأستاذ جعفر الخليلي، ولمزيد التفاصيل يراجع المصدر.
288
مكتبات النجف
القديمة
1 - مكتبة خزائن الكتب القديمة في
الحرم الشريف.
2 - المكتبات الإسلامية القديمة في
العراق.
3 - مكتبة دور الكتب العامة في
العصور العباسية.
4 - مكتبات النجف القديمة.
5 - مكتبة أهم مخطوطات المكتبة
العلوية.
6 - المكتبة العلوية.
المكتبات العامة حديثا وقديما
1 - مكتبة الملالي.
2 - مكتبة الصدر.
3 - مكتبة الإمام كاشف الغطاء.
4 - المكتبة الشوشترية.
5 - مكتبة مدرسة القوام.
6 - مكتبة مدرسة الخليلي.
7 - مكتبة مدرسة الآخوند.
8 - مكتبة مدرسة اليزدي.
9 - المكتبة المرتضوية.
10 - مكتبة الرابطة.
11 - مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
12 - مكتبة منتدى النشر.
13 - المكتبة العامة.
14 - مكتبة جمعية التحرير.
15 - مكتبة حنوش.
16 - مكتبة الشيخ آغا بزرك.
17 - مكتبة الحكيم.
18 - مكتبة البروجردي.
19 - مكتبة جامعة النجف.
وفي القرن الرابع عشر أسست
مكتبتان عامتان، وهما: مكتبة أمير
المؤمنين (عليه السلام) العامة، ومكتبة آية الله
العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)
العامة.
289
مكتبات النجف الخاصة في القرنين
الثالث والرابع عشر الهجريين
1 - مكتبة الرحيم.
2 - مكتبة آل الطريحي.
3 - مكتبة الجزائري.
4 - مكتبة السيد عبد العزيز.
5 - مكتبة آل بحر العلوم.
6 - مكتبة آل القزويني.
7 - مكتبة آل كاشف الغطاء.
8 - مكتبة آل محيي الدين.
9 - مكتبة آل نظام الدولة.
10 - مكتبة الشيخ محمد باقر
الاصفهاني.
11 - مكتبة السيد أحمد هلالة.
12 - مكتبة السيد ميرزا الاصفهاني.
13 - مكتبة ملا علي الخليلي.
14 - مكتبة شيخ الشريعة.
15 - مكتبة الحاج ملا باقر.
16 - مكتبة الخوانساري.
17 - مكتبة النوري.
18 - مكتبة السيد محمد بحر العلوم.
19 - مكتبة الشيخ علي آل الشيخ
محمد رضا.
20 - مكتبة الشيخ هادي [كاشف
الغطاء].
21 - مكتبة الشيخ محمد السماوي.
22 - مكتبة السيد جعفر بحر العلوم.
23 - مكتبة السيد هاشم بحر العلوم.
24 - مكتبة السيد محمد صادق بحر
العلوم.
25 - مكتبة الشيخ محمد رضا فرج
الله.
26 - مكتبة الشيخ محمد علي
اليعقوبي.
27 - مكتبة آل الشيخ البلاغي.
28 - مكتبة الشيخ يوسف شهيب.
29 - مكتبة آل فخر الدين.
30 - مكتبة الخطباء السيد جواد شبر.
وهناك مكتبة خاصة لآل الجواهري قد توارثت وكانت عند الشيخ محمد حسن
صاحب الجواهر، ثم تلفت بعد ذلك تدريجيا من قبل الورثة مع شديد الأسف.
290
إدارة الحوزة والنظام الحاكم
كان نظام الحوزة العلمية في النجف الأشرف والحوزات التي سبقتها مستقلا
عن سياسة الحكومات المتعاقبة ماليا وإداريا، أما الإدارة فالمرجعية هي المسؤولة
عن إدارتها وشؤون طلابها، وتعتمد ماليا على ما يرد إليها من الحقوق الشرعية
على يد المراجع من أنحاء العالم الإسلامي كافة.
وما تجرأت حكومة من الحكومات السابقة أن تتدخل في شؤونها،
ولا سمح لها بذلك، بالرغم من محاولات بعضها.
حتى حلت ثورة عبد الكريم قاسم في العراق عام 1378 هجرية = 1958
ميلادية، وتبعتها انقلابات شيوعية وقومية، وأخيرا انقلاب حزب البعث الملحد
الذي جاء بقطار الاستكبار العالمي الماسوني الصليبي الشيوعي الصهيوني،
واستطاع بقوة السلاح والإرهاب، وبالتنكيل شيئا فشيئا بالمؤمنين بصورة عامة،
وبالعلماء وطلاب الحوزة - لا سيما البارزين منهم بصورة خاصة - والسيطرة
على بعض مرافقها ومدارسها من خلال بعض ضعاف النفوس والتدخل في شؤونها
بالمكر والإرهاب وقوة الحديد والنار، خاصة بعد وفاة المرجع الديني الأعلى
آية الله العظمى السيد محسن الحكيم، والتجرؤ على قدسية الحوزة، واعتقال علمائها
ورجالها البارزين وزجهم في السجون وتعذيبهم وتشريد البعض منهم وتهجير
العلماء والطلاب من أبناء الجاليات غير العراقية، حتى وصل بهم الأمر إلى التجرؤ
على المراجع العليا وفي مقدمتهم سماحة آية الله العظمى والمفكر الإسلامي العالمي
الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية الطاهرة المربية الجليلة
291
بنت الهدى وإبادتهم جسديا بعد تعريضهم لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل،
واستشهاد الشيخ عارف البصري والسيد قاسم شبر والسيد قاسم المبرقع،
وكذلك اعتقال آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري، وغيرهم مما يضيق المجال
على هذه الوجازة، عبر عشرات السنين، وحتى الآن لا ندري هل هم في غياهب
السجون أو في عداد الشهداء.
كل هذا الذي جرى لمصلحة من؟ هل هو نتيجة الحقد الطائفي والمذهبي؟
أم بدافع من الاستكبار العالمي الاستعماري المتمثل بالصليبية والماسونية
والصهيونية؟ في تخطيطهم لإبادة الطليعة الخيرة الإسلامية المتمثلة بقادة الحوزة
العلمية الشيعية في النجف الأشرف!!
وقد أحكم حزب البعث الكافر قبضته على زمام الأمور بعد فشل الثورة
الشعبية العارمة التي اجتاحت محافظات الجنوب بصورة عامة، والتي كان انطلاق
شرارة انفجارها عفويا من البصرة والنجف وكربلاء وسائر مدن العراق في وقت
واحد تقريبا.
وبعد وفاة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي
وآية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري (قدس سرهما) استطاعت الحكومة الظالمة
الملحدة من إحكام سيطرتها وتصفية علماء الحوزة بكاملها، ولو أن بعضا منهم
قد بقي في النجف الأشرف مثل آية الله العظمى السيد علي السيستاني،
كما تصدت طبقة جديدة للمرجعية، أمثال آية الله السيد محمد الصدر وآية الله
السيد محمد سعيد الحكيم وآية الله السيد حسين بحر العلوم وغيرهم، إلا أنهم
لم يستطيعوا أن يعملوا أي شيء بوجود الحكم الجائر، وتحت سيطرة الحكم الملحد
الكافر.
292
فسفر وهجر من النجف الأشرف العلماء والطلاب من أبناء الجاليات
غير العراقية من إيرانيين وهنود وأفغان ولبنانيين وباكستانيين وأفارقة وجاليات
أخرى من جنوب شرق آسيا وغيرهم.
كما أن بعض العلماء العراقيين استطاعوا الافلات من قبضة الحكم البعثي
والهرب من العراق واللجوء إلى إيران الإسلام، وتمركزهم في مدينة قم المقدسة
(عش آل محمد) خاصة، لتستعيد قم مركزها التليد بعد مرور ألف عام، ويعيد
التأريخ نفسه وتصبح مركز الاشعاع الإسلامي ومرجعية الحوزة العلمية.
وقد استقبلهم المراجع العظام في حوزة قم المقدسة حينذاك، أمثال آية الله
العظمى السيد محمد رضا الگلپايگاني وآية الله العظمى السيد شهاب الدين
المرعشي النجفي وآية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي وغيرهم من الآيات
العظام.
ومن المتصدين للتدريس في الحوزة العلمية في قم المقدسة، أمثال آية الله
الشيخ الوحيد الخراساني وآية الله الشيخ ميرزا جواد التبريزي وآية الله الشيخ
محمد فاضل اللنكراني وغيرهم كثير. كل هذا تحت ظل حكومة إسلامية حاملة لواء
الولاء لفقه أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام).
إلى هنا أكتفي وأترك المجال لمن يريد التوسع في البحث، أو الذي يأتي بعدنا
ليواصل تسجيل أحداث الحوزات العلمية للأجيال القادمة، حتى يقيض الله
سبحانه وتعالى لصاحب الحوزة بالظهور ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت
ظلما وجورا.
ومن الله سبحانه أستمد العون والتوفيق، فإنه أرحم الراحمين وأكرم
الأكرمين.
293
اعتمدت في هذا البحث على المصادر التالية:
1 - موسوعة العتبات المقدسة، الجزء السابع، قسم النجف.
2 - ماضي النجف وحاضرها.
3 - المعالم الجديدة؛ للشهيد السيد محمد باقر الصدر.
4 - رجال الطوسي.
5 - رجال السيد بحر العلوم.
6 - الذريعة؛ للشيخ آغا بزرك الطهراني.
7 - مقدمة الشيخ الآصفي لموسوعة اللمعة الدمشقية.
8 - مقدمة الشيخ المظفر لموسوعة جواهر الكلام.
294
الفصل الثالث والعشرون
الثقات
من رواة الإمام الصادق (عليه السلام)
إذا كان الرواة الثقات الذين أحصتهم كتب الرجال أربعة آلاف أو يزيدون،
فليس من المتعارف أن نذكرهم جميعا هنا، وإن كتب الرجال استقصت أكثرهم ذكرا
وترجمة، كما إنه ليس من الصواب إهمالهم كليا، فإن استطراد ذكرهم دخيل
في القصد، فرأينا أن نذكر المشاهير من ثقاتهم خاصة؛ فإن به إيرادا لناحية
من نواحي حياته (عليه السلام)، بعيدا عن السعة المملة، وقد ذكرنا بعضهم في رجال الإمام
الباقر (عليه السلام) من أصحاب الصادقين (عليهما السلام).
ولم نقتصر في هذا المقام على ترجمة الثقات من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)
من رواة علماء الشيعة أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فحسب، بل رمينا إلى أبعد
من ذلك، حيث ذكرنا الثقات بصورة عامة سواء من أعلام أهل السنة، أم من الفرق
المخالفة لمذهب أهل البيت ك " البترية " أو " الأفطحية " وحتى الواقفية منهم
الذين وثقهم أعلام أصحابنا في معاجمهم ورجالهم.
وقد بلغ ما ترجمنا منهم مائة من الثقات، كما ذكرنا مائتين وخمسين
295
من الثقات مع ذكر رجال الإسناد الذين أجمعت العصابة (1) على توثيقهم.
1 - آدم بن الحسين:
النحاس، كوفي. وقال النجاشي (2): ثقة، له أصل. وعده الشيخ (3) في رجاله
في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: آدم أبو الحسين النحاس الكوفي. وذكره العلامة (4)
وابن داود (5) في القسم الأول. وقد وثقه كذلك الحاوي (6) والمجلسي وسائر من تأخر
عنهما.
2 - أبان بن تغلب (7):
أبو سعد أبان بن تغلب البكري الجريري، روى عن السجاد والباقر
والصادق (عليهم السلام)، ومات أيام الصادق (عليه السلام) 141، وقيل عام 140، ولما بلغ نعيه
(1) العصابة: من المصطلحات الواردة على لسان الفقهاء وعلماء الأصول والحديث أنهم
" أصحاب الإجماع " إشارة إلى ما قاله الكشي في رجاله، في قوله: " إذ أجمعت العصابة على
تصديق هؤلاء "، ومجموعهم ثمانية عشر، وقيل تسعة عشر (من أصحاب الأئمة الباقر
والصادق والكاظم (عليهم السلام))، وهناك أقوال أخرى.
(2) رجال النجاشي: 104، الرقم 261.
(3) رجال الطوسي: 143، الرقم 16.
(4) خلاصة الأقوال: 13، الرقم 1.
(5) رجال ابن داود: 29، الرقم 2.
(6) حاوي الأقوال: 9، الرقم 2 (مخطوط).
(7) سبق أن ترجمنا له في أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
296
أبا عبد الله (عليه السلام) قال: " أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان ". وهذا ينبيك عن
كبير مقامه لديه، وعظيم منزلته عنده، يا ترى ما شأن من يوجع موته قلب الإمام
الصادق (عليه السلام)؟
وكان غزير العلم قوي الحجة، ويشهد لذلك قول الباقر (عليه السلام) له:
إجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك.
وقول الصادق (عليه السلام) له: ناظر أهل المدينة فإني أحب أن يكون مثلك
من رجالي.
كان أبان مقدما في كل فن في علم القرآن، والفقه، والحديث، والأدب،
واللغة، والنحو، وله كتب، منها في تفسير غريب القرآن، وكتاب الفضائل،
وله كتاب في حرب صفين، وكتاب من الأصول في الروايات عن مذهب أهل البيت
وكتاب معاني القرآن لطيف، وكتاب القراءات وغيرها من مصنفاته.
فلو لم يكن بتلك الغزارة من الفضل، والقوة في الحجة، لما عرضه الإمامان
الباقر والصادق (عليهما السلام) لتلك المآزق والمخاطر، فإن فشله فشل لهما.
وقد روى عن الصادق فحسب ثلاثين ألف حديث، كما أخبر عن ذلك
الصادق نفسه، وأمر أبان بن عثمان أن يرويها عنه.
وما كان متخصصا بالحديث والكلام فحسب بل كان متضلعا في عدة علوم
جليلة، كالتفسير والأدب واللغة والنحو والقراءة، وسمع من العرب وحكى عنهم
وصنف كتاب الغريب في القرآن، وذكر شواهده من الشعر.
ومن سمو مقامه اتفاق الفريقين على وثاقته، فقد وثقه جهابذة القوم
في الحديث مع اعترافهم بتشيعه، منهم أحمد، ويحيى، وأبو حاتم، والنسائي،
وابن عدي، وابن عجلان، والحاكم، والعقيلي، وابن سعد، وابن حجر، وابن حبان،
297
وابن ميمونة، والذهبي في ميزان الاعتدال، وعدوه في التابعين، وكفى بهذا دلالة
على بلوغه من الوثاقة والفضل حدا لا يسع أحد إنكاره.
روي عن النجاشي (1)، والكشي (2):
عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب، فجاءه شاب
فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أصحاب
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي (عليه السلام) بمن تبعه
من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال الشاب: هو ذاك. فقال: والله ما عرفنا
فضلهم إلا باتباعهم إياه، فقال أبو البلاد كلاما نابيا غير لائق، ذكره السيد الخوئي
في معجمه، فقال أبان له: يا أبا البلاد تدري من الشيعة؟ الشيعة الذين إذا اختلفت
الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذوا بقول علي (عليه السلام)، وإذا اختلفت عن علي (عليه السلام)
أخذوا بقول جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
3 - أبان بن عثمان:
قال النجاشي (3): أبان بن عثمان الأحمر البجلي [أبو عبد الله] مولاهم.
أصله كوفي، كان يسكنها تارة، والبصرة تارة، وقد أخذ عنه أهلها: أبو عبيدة
معمر بن المثنى، وأبو عبد الله محمد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء
والنسب والأيام. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام).
(1) رجال النجاشي (طبعة بيروت) 1: 73. و (طبعة قم): 210.
(2) رجال الكشي: 330.
(3) رجال النجاشي: 13، الرقم 8.
298
قال الشيخ الطوسي (1): وما عرف من مصنفاته إلا كتابه الذي يجمع المبدأ،
والمبعث، والمغازي، والوفاة، والسقيفة، والردة.
وقال العلامة في الخلاصة (2): قال الكشي إن العصابة أجمعت على تصحيح
ما يصح عن أبان بن عثمان والإقرار له بالفقه، فالأقرب عندي قبول روايته
وإن كان فاسد المذهب للإجماع المذكور.
وقال في المختلف في كفارة إفطار شهر رمضان، إن أبان وإن كان ناووسيا (3)
إلا أنه ثقة؛ للإجماع الذي نقله الكشي.
وقد وثقه صاحب المعراج له بقوله: إن قوله عن ابن الحسن أنه ناووسي
لا يوجب جرحه لمثل هذا الثقة الجليل.
ومن جملة القرائن على توثيقه: إن إكثار ابن أبي عمير الذي لا يروي
إلا عن الثقة، واعتماد الأجلاء على روايته، وكون كثير من رواياته معتنى بها.
منها: إجازة الإمام الصادق (عليه السلام) له الرواية عنه بواسطة أبان بن تغلب،
نقل روايته الكشي لذلك مسندا في ترجمة أبان بن تغلب فإنه أقوى دليل
على وثاقته، وإلا لم يكن ليجيز (عليه السلام) له في ذلك.
إن أصل هذه النسبة إليه من ابن فضال وهو فطحي فكيف يعتمد على نسبته
الناووسية إلى " أبان بن عثمان ".
(1) معجم الأدباء 1: 108، الرقم 3.
(2) رجال العلامة: 21، الرقم 3.
(3) الناووسية: هم القائلون بإمامة الإمام جعفر (عليه السلام) ووقفوا عليه، واعتقدوا أنه حي لن يموت
حتى يظهر أمره، وهو القائم المهدي (عج). والظاهر أن هذه النسبة إليه كانت مصحفة
- أو محرفة - من القادسية إلى الناووسية، والله العالم.
299
وقال الميرزا في المنهج (1): لا يخفى أن كونه من الناووسية لا يثبت بمجرد قول
علي بن الحسن الفطحي، سيما وقد عارضه الإجماع المنقول بقول الكشي الثقة العين.
ودليل على بطلان ذلك، أن الناووسي هو القائل بالإمامة إلى الإمام
الصادق (عليه السلام) ووقف عليه واعتقد أنه حي لن يموت حتى يظهر أمره وهو المهدي
القائم (عج) ومن كان هذا حاله لا يقول بإمامة الكاظم (عليه السلام) ولا يروي عنه،
وقد ثبت أن الشيخ والنجاشي قد عداه من رجال الصادق والكاظم (عليهما السلام) جميعا
ورواياته عن الصادق (عليه السلام) كثيرة، وقد روى هو أن الأئمة اثني عشر ولا يمكن
صدور ذلك من الناووسي.
ولقد أجاد الشهيد الثاني (رحمه الله) حيث قال: إن ناووسيته غير ثابتة.
وعده ابن حبان من الثقات (2).
4 - أبان بن عمر:
الأسدي، ختن آل ميثم بن يحيى التمار، وقال النجاشي (3): شيخ من
أصحابنا، ثقة، وعده الشيخ (4) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وذكره
العلامة (5) وابن داود (6) في القسم الأول، وكذلك وثقه جماعة منهم المجلسي
(1) منهج المقال: 17.
(2) ثقات ابن حبان 8: 131. وهو من علماء العامة.
(3) رجال النجاشي: 14، الرقم 10.
(4) رجال الطوسي: 151، الرقم 182.
(5) خلاصة الأقوال: 21، الرقم 2.
(6) رجال ابن داود: 30، الرقم 8.
300
والبحراني وعبد النبي الجزائري (1).
5 - إبراهيم بن أبي البلاد:
واسم أبي البلاد: يحيى بن سليم، وقيل: ابن سليمان، مولى بني عبد الله
ابن غطفان، يكنى أبا يحيى، وقال النجاشي (2): وكان ثقة، قارئا، أديبا، وروى
عن أبي عبد الله والحسن موسى والرضا (عليهم السلام)، وعمر دهرا، وكان للرضا (عليه السلام)
إليه رسالة وأثنى عليه، له كتاب. وعده الشيخ في رجاله تارة في أصحاب
الصادق (عليه السلام) (3)، وأخرى (4) في أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وثالثة (5) في أصحاب
الرضا (عليه السلام)، وفيه: كوفي ثقة. وذكره البرقي (6) في أصحاب الرضا (عليه السلام). وذكره
العلامة (7) في القسم الأول وقال: روى عن الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام)،
ثقة أعمل على روايته، وكذلك ذكره ابن داود (8) في القسم الأول، وذكره الحاوي (9)
في قسم الثقات.
(1) حاوي الأقوال: 32، الرقم 96 (مخطوط).
(2) رجال النجاشي: 22، الرقم 32.
(3) رجال الطوسي: 145، الرقم 60.
(4) رجال الطوسي: 342، الرقم 5.
(5) رجال الطوسي: 368، الرقم 18.
(6) رجال البرقي: 55.
(7) خلاصة الأقوال: 3، الرقم 4.
(8) رجال ابن داود: 30، الرقم 9.
(9) حاوي الأقوال: 9، الرقم 4 (مخطوط).
301
6 - إبراهيم بن عبد الحميد:
قال النجاشي (1): إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي مولاهم كوفي أنماطي،
وهو أخو محمد بن عبد الله بن زرارة لأمه، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأخواه
صباح وإسماعيل ابنا عبد الحميد.
له كتاب نوادر يرويه عنه جماعة.
وذكره الشيخ (2) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليه السلام) قائلا: إبراهيم بن عبد الحميد الواقفي، وأخرى في أصحاب الرضا (عليه السلام)
قائلا: إبراهيم بن عبد الحميد من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) أدرك الرضا (عليه السلام)
ولم يسمع منه، على قول سعد بن عبد الله.
وقال الشيخ في الفهرست (3): ثقة له أصل.
وفي تعليقات الشهيد الثاني (4) على الخلاصة لا منافاة بين حكم الشيخ
[الطوسي] بكونه واقفيا وكونه ثقة، وكذلك قول الفضل بن شاذان أنه صالح،
فحينئذ فلا يعارض القول بكونه واقفيا.
وقال الكشي (5): إبراهيم بن عبد الحميد الصنعاني، قال نصر بن الصباح:
(1) رجال النجاشي: 20، الرقم 23.
(2) رجال الطوسي: 146، الرقم 78. و 344، الرقم 26. و 366، الرقم 1.
(3) فهرست الطوسي: 7، الرقم 12.
(4) منهج المقال: 22.
(5) رجال الكشي: 446، الرقم 839.
302
إبراهيم يروي عن أبي الحسن موسى، وعن الرضا، وعن أبي جعفر محمد بن علي
[الجواد] (عليهم السلام) وهو واقف على أبي الحسن (عليه السلام) وقد كان يذكر في الأحاديث
التي يرويها عن أبي عبد الله (عليه السلام) في مسجد الكوفة.
وذكره العلامة (1) في القسم الثاني قائلا: إبراهيم بن عبد الحميد، وثقه الشيخ
في الفهرست، وذكر شطرا من رجال الشيخ، وقال: فنزلت روايته لذلك.
وذكره ابن داود (2) في القسم الثاني قائلا: إبراهيم بن عبد الحميد من أصحاب
الكاظم عن الفهرست واقفي ثقة، وعندي أن الثقة من رجال الصادق (عليه السلام)
وهو الذي ذكر في الفهرست، والواقفي من رجال الكاظم (عليه السلام) وليس بثقة.
يقول ابن داود: وقال باتحاد إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي مع إبراهيم
ابن عبد الحميد الصناعي كل من الميرزا والزنجاني والكاظمي والطريحي.
7 - إبراهيم بن عثمان (أبو أيوب الخراز):
قال النجاشي (3): إبراهيم بن عيسى أبو أيوب الخراز، وقيل: إبراهيم
ابن عثمان، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكر ذلك أبو العباس في كتابه،
ثقة، كبير المنزلة، له كتاب نوادر كثير الرواة عنه.
وقال الشيخ (4): إبراهيم بن عثمان المكنى بأبي أيوب الخراز، الكوفي، ثقة،
له أصل.
(1) رجال العلامة: 197، الرقم 1.
(2) رجال ابن داود: 226، الرقم 10.
(3) رجال النجاشي: 20، الرقم 25.
(4) فهرست الطوسي: 8، الرقم 13.
303
وقال العلامة (1): إبراهيم بن عيسى أبو أيوب الخراز، كوفي، ثقة كبير المنزلة.
وقيل إبراهيم بن عثمان، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام).
وقال الكشي (2): إبراهيم بن عيسى، ثقة.
وقال الوحيد البهبهاني في التعليقة (3): إنه يظهر من عبارات المفيد أيضا
كون إبراهيم بن عثمان في غاية الوثاقة.
وقال المجلسي (4): إبراهيم بن عيسى أبو أيوب الخراز، ثقة.
وقال غيرهم في وثاقته في مشتركات الطريحي والكاظمي، وفي البلغة،
وابن داود، والمامقاني، والتفريشي، والأردبيلي، والزنجاني، وغيرهم أجمعوا
على وثاقته.
ملاحظة:
ورد في كتب الرجال اختلاف في اسم أب إبراهيم ولقبه، فبعضهم أسماه
إبراهيم بن عثمان والبعض الآخر إبراهيم بن عيسى، وكذلك بين الخراز والخزاز،
ونحن ثبتنا ذلك كما هو مثبت في الأصل. واستظهر الزنجاني (5) أن إبراهيم بن عثمان
اليماني هو أبو أيوب الخزاز، والثلاثة واحد " ابن زياد، وابن عثمان، وابن عيسى "
ومن زعم التعدد فقد أغرب، والرجل ثقة كثير الحديث. والله العالم.
(1) العلامة: 5، الرقم 13.
(2) رجال الكشي: 366، الرقم 679.
(3) تعليقة الوحيد البهبهاني: 24.
(4) الجامع في الرجال 1: 52.
(5) الجامع في الرجال 1: 52.
304
8 - أبو بصير ليث البختري:
قال النجاشي (1): ليث بن البختري المرادي أبو محمد، وقيل أبو بصير
الأصغر، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، له كتاب.
وعده الشيخ (رحمه الله) (2) في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: ليث
ابن البختري المرادي يكنى أبا بصير كوفي.
وأخرى (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام) وكناه إضافة إلى كنيته (أبو بصير)
ب (أبو يحيى) وقال: أسند عنه.
وثالثة (4) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: ليث المرادي يكنى أبا بصير.
وقال الكشي (5): قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): وأبو بصير ليث
ابن البختري المرادي من حواري محمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام).
وقد (6): وعده من الستة الأول من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)
الذين اجتمعت العصابة على تصديقهم وانقادوا لهم بالفقه.
ومقام أبي بصير ليث بن البختري أرفع من أن يطرى، وكان من المقدمين
(1) رجال النجاشي: 321، الرقم 876.
(2) رجال الطوسي: 134، الرقم 1.
(3) رجال الطوسي: 278، الرقم 1.
(4) رجال الطوسي: 358، الرقم 2.
(5) رجال الكشي: 10.
(6) رجال الكشي: 238، الرقم 431.
305
عند الصادقين (عليهما السلام). وللصادق (عليه السلام) فيه كلمات تكشف عن محل لا ينال ودرجة
لا يساوقه فيها إلا قلائل من نخبة رجالهم، وسيأتي البعض منها في بريد العجلي
مثل قوله: أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة، وعد منهم ليثا هذا، وقوله:
أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا، وعد منهم ليثا هذا، وقوله: بشر المخبتين
بالجنة، وعده منهم، إلى كثير سوى هذا، وقد رأى في نفسه كرامات من
الصادق (عليه السلام)، منها مسحه على عينيه حتى أبصر ثم إعادته إلى حاله الأولى،
ومنها نهيه عن دخوله عليه جنبا، وكان قد دخل عليه وهو جنب اختيارا.
وصفوة القول أن الرجل كان من أعاظم المحدثين، وأعيان الفقهاء، ومن نظر
في كتب الحديث عرف كثرة ما له من الحديث، وشأنه أكبر من أن يذكر بوثاقة
وجلالة قدر.
وقد سبق ذكره في أصحاب الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
9 - أبو حمزة الثمالي (1):
أبو حمزة الثمالي، ثابت بن أبي صفية دينار، روى عن السجاد والباقر
والصادق (عليهم السلام)، وبقي إلى زمن الكاظم (عليه السلام)، قيل مات عام 150، فتكون وفاته
بعد مضي سنتين من إمامة الكاظم.
وكان أبو حمزة من جلالة القدر وعظم المنزلة بالمحل الأرفع حتى قال فيه
الرضا (عليه السلام): " أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه، وذلك أنه خدم أربعة منا:
علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وبرهة من عصر موسى
(1) سبق ذكره في أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
306
ابن جعفر (عليهم السلام) "، وفي أخرى: " كسلمان الفارسي في زمانه ".
وأرسل إليه الصادق (عليه السلام) وكان أبو حمزة بالبقيع فقال له بعد أن جاء:
" إني لأستريح إذا رأيتك ". وقال فيه أبو الحسن موسى (عليه السلام): " كذلك يكون المؤمن
إذا نور الله قلبه "، إلى ما سوى هذه من كلمات الأئمة فيه، التي دلت على تقديرهم له
وإعجابهم به، وكان من ثقات أصحابنا ومعتمديهم في الرواية والحديث.
وهو الراوي للدعاء الطويل العظيم الشأن في بلاغته ومقاصده العالية
عن زين العابدين (عليه السلام) الذي يقرأ في سحر شهر رمضان المبارك، المعروف بدعاء
أبي حمزة. وقد وثقه أهل السنة أيضا ورووا عنه.
أولاده نوح، ومنصور، وحمزة، قتلوا مع زيد بن علي لما ثار بالكوفة.
له كتاب تفسير القرآن، وكتاب النوادر، وكتاب الزهد.
عن الكشي، قال أبو حمزة: كانت صبية لي سقطت فانكسرت يدها،
فأتيت بها إلى التيمي " المجبر " فأخذها فنظر يدها، فقال: منكسرة. فدخل يخرج
الجبائر وأنا على الباب فدخلتني الرقة على الصبية فبكيت ودعوت الله فخرج
بالجبائر فتناول يد الصبية فلم ير بها شيئا، ثم نظر إلى الأخرى فقال: ما بها شيء،
قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا أبا حمزة وافق الدعاء الرضا
فاستجيب لك.
عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما فعل أبو حمزة
الثمالي؟ قلت: خلفته عليلا. قال: إذا رجعت إليه فاقرأه مني السلام، وأعلمه
أنه يموت في شهر كذا ويوم كذا. قال أبو بصير: فقلت: جعلت فداك، والله
لقد كان لكم فيه أنس، وكان لكم شيعة، قال: صدقت، ما عندنا خير له. قلت:
شيعتكم معكم؟ قال: نعم، إن هو خاف الله وراقب نبيه وتوقى الذنوب، فإذا
307
هو فعل كان معنا في درجاتنا، قال: فرجعنا تلك السنة فما لبث أبو حمزة يسيرا
حتى توفي (رحمه الله).
10 - إسحاق بن بشر:
قال النجاشي (1): إسحاق بن بشر أبو حذيفة الكاهلي، الخراساني، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، من العامة، ذكروه في رجال أبي عبد الله (عليه السلام)
له كتاب.
وذكره الشيخ (2) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره العلامة (3) في القسم الثاني وذكر شطرا من كلام النجاشي.
وكذلك ذكره ابن داود (4) في القسم الثاني قائلا: إسحاق بن بشير أبو حذيفة
الكاهلي عامي " ثقة ".
وعده الجزائري (5) في قسم الموثقين، ونقل كلام النجاشي والشيخ والعلامة.
وفي الوجيزة (6) والبلغة (7) أنه موثق.
(1) رجال النجاشي: 72، الرقم 171.
(2) رجال الطوسي: 149، الرقم 138.
(3) رجال العلامة: 200، الرقم 4.
(4) رجال ابن داود: 231، الرقم 46.
(5) حاوي الأقوال (مخطوط): 196، الرقم 1039.
(6) الوجيزة: 158، الرقم 167.
(7) بلغة المحدثين: 332.
308
وقال الزنجاني (1) في بعض طرق الصدوق: إسحاق بن بشير.
هذا ما وثقه أصحابنا بالاسم المذكور أعلاه، وقد ضعفه أعلام السنة ومتهم
بالوضع عندهم، متروك الحديث، منهم: ابن حبان، والذهبي، وابن عدي،
والدارقطني.
وهناك خلاف في الاسم بين إسحاق بن بشر أبو حذيفة الكاهلي الخراساني،
وبين إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم، كما ضبطه ابن الجوزي،
وربما يكون خلط بين الإسمين (2).
قال محمد بن عمر الدارابجردي: حدثنا أبو حذيفة البخاري،، ثقة،
مات إسحاق ببخارى " سنة ست ومائتين "، أرخه غنجار.
11 - إسحاق بن عمار:
إسحاق بن عمار بن حيان الصيرفي الكوفي، أبو يعقوب مولى بني تغلب،
كان من الثقات الذين رووا الحديث عن الصادق وابنه الكاظم (عليهما السلام)، وإخوته
يونس ويوسف وإسماعيل، وهو بيت كبير من الشيعة، وابنا أخيه علي وبشير
ابنا إسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث، وكان الصادق إذا رآه ورأى أخاه
إسماعيل قال: " وقد يجمعهما لأقوام "، يعني الدنيا والآخرة؛ لأنهما كانا من
(1) الجامع في الرجال 1: 216.
(2) راجع المجروحين لابن حبان 1: 135، والذهبي؛ ميزان الاعتدال 1: 184، الرقم 732،
وابن عدي؛ الكامل في الضعفاء 1: 337، الرقم 164، والدارقطني؛ في الضعفاء
المتروكين: 61، الرقم 92.
309
ذوي الثروة والمال الوافر ويصلان به أصحابهما وينيلان منه، ورويت فيه مدائح
أخرى.
ذكره الشيخ في رجاله، والبرقي في رجاله، في أصحاب الصادق
والكاظم (عليهما السلام).
وقال العلامة في الخلاصة: إسحاق بن عمار بن حيان مولى بني تغلب
أبو يعقوب الصيرفي، كان شيخا من أصحابنا، ثقة، روى عن الصادق
والكاظم (عليهما السلام)، وكان فطحيا إلا أنه ثقة، وأصله معتمد عليه. وكذا قال النجاشي،
والأولى عندي التوقف فيما ينفرد به.
قال الكشي في رجاله: في " إسحاق وإسماعيل ابني عمار ": عن علي
ابن إسماعيل بن عمار، عن إسحاق، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لنا أموالا
ونحن نعامل الناس وأخاف إن حدث حدث تفرق أموالنا، قال: إجمع أموالكم
في كل شهر ربيع، قال علي بن إسماعيل: فمات [عمي] إسحاق في شهر ربيع.
نصر بن صباح، عن إسحاق بن عمار، قال: كنت عند أبي الحسن
موسى (عليه السلام) جالسا حتى دخل عليه رجل من الشيعة، فقال له: يا فلان، جدد
التوبة وأحدث عبادة فإنه لم يبق من عمرك إلا شهر، قال إسحاق: فقلت في نفسي
وا عجبا كأنه يخبرنا إنه يعلم آجال شيعته، أو قال: آجالنا، فالتفت إلي مغضبا
وقال: يا إسحاق، وما تنكر من ذلك؟ وقد كان الهجري مستضعفا وكان عنده
علم المنايا، والإمام أولى بذلك من رشيد الهجري، يا إسحاق، إنه قد بقي من عمرك
سنتان، أما إنه يتشتت أهل بيتك تشتيتا قبيحا، وتفلس عيالك إفلاسا شديدا،
فقلت: أستغفر الله مما عرض في صدري.
قال الكشي: قال إسحاق بن عمار: لما كثر مالي أجلست على بابي بوابا
310
يردعني فقراء الشيعة، فخرجت إلى مكة تلك السنة، فسلمت على أبي عبد الله (عليه السلام)
فرد علي بوجه قاطب غير مسرور، فقلت: جعلت فداك، وما الذي غير حالي
عندك؟ قال: الذي غيرك للمؤمنين. فقلت: جعلت فداك، والله إني لأعلم
إنهم على دين الله ولكن خشيت الشهرة على نفسي. قال: يا إسحاق، أما علمت
أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا اجتمع بين إبهاميهما مئة رحمة، تسعة وتسعون منها
لأشدهما حبا لصاحبه، فإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة، فإذا التثما لا يريدان إلا وجه الله
قيل لهما: غفر الله لكما، فإذا جلسا يتساءلان قالت الحفظة بعضها لبعض:
اعتزلوا بنا عنهما فإن لهما سرا وقد ستره الله عليهما. قلت: جعلت فداك،
وتسمع الحفظة قولهما ولا تكتبه وقد قال الله عز وجل: (ما يلفظ من قول إلا لديه
رقيب عتيد)؟ فنكس (عليه السلام) رأسه طويلا ثم رفعه وقد فاضت دموعه على لحيته
وهو يقول: يا إسحاق، إن كان الحفظة لا تكتبه ولا تسمعه فقد سمعه وعلمه
الذي يعلم السر وأخفى، يا إسحاق خف الله كأنك تراه، فإن شككت في أنه يراك
فقد كفرت، وإن أيقنت أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته في حد أهون
الناظرين إليك.
عن إسحاق بن عمار، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فخبرته أنه
ولد لي غلام، فقال: ألا سميته محمدا، قلت: قد فعلت، قال: فلا تضربن محمدا
ولا تشتمه، جعله الله قرة عين لك في حياتك، وخلف صدق من بعدك، فقلت:
جعلت فداك، في أي الأعمال أضعه؟ قال: ما عدلت عن خمسة أشياء فضعه
حيث شئت... الخ (1).
(1) كما ذكر مفصلا في قاموس الرجال للعلامة التستري 1: 757. والكشي في الفهرست: 43.
311
12 - إسماعيل السكوني:
إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري، واسم أبيه مسلم، والسكون
حي من عرب اليمن، قيل إنه كان قاضيا في الموصل، وكان ثقة في الرواية وقد أجمع
أصحابنا على العمل بروايته وذكر بعض الرجاليين أنه عامي ولم يثبت، وله حديث
كثير في الفقه، وكله معمول به إذا صحت الرواية إليه.
معجم رجال الحديث، الرقم 1440 يقول باتحاد إسماعيل بن مسلم، إسماعيل
ابن أبي زياد، إسماعيل السكوني، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروى عنه الحسين
ابن يزيد تفسير القمي سورة النمل في تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل
والإحسان وإيتاء ذي القربى).
الرقم 1462: إسماعيل السكوني = إسماعيل بن أبي زياد وإسماعيل بن مسلم،
روى عن الإمام جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) وروى عنه عبد الله بن المغيرة، في
التهذيب، الجزء 6، باب المكاسب، الحديث 1147، والاستبصار، الجزء 2،
باب من سرق مالا فاشترى به جارية، الحديث 223.
13 - إسماعيل بن عمار:
إسماعيل بن عمار بن حيان الصيرفي الكوفي، أخو إسحاق المتقدم الذكر،
وقد سبق في إسحاق قول الصادق (عليه السلام) إذا رآهما: " وقد يجمعهما لأقوام "
والذي يزيد في علو شأنه ما رواه في الكافي في باب البر بالوالدين في الصحيح
عن عمار بن حيان أبي إسماعيل هذا، قال: أخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) ببر إسماعيل
ابني فقال (عليه السلام): " لقد كنت أحبه وازددت له حبا "، وكفاه هذا فضلا وعلوا.
312
وإن آل حيان بيت كبير من الشيعة.
قال العلامة السيد بحر العلوم في رجاله: وهذا شيء قد انفرد به ولم يشاركه
فيه أحد من علماء الرجال، فإنهم بأسرهم ذكروا إسماعيل بن عمار ولم يقل
أحد منهم أنه فطحي، ثقة ولا أن له أصلا، ولا ريب في كون ذلك وهما.
كما مر وما تقدم من قول الصادق (عليه السلام): " وقد يجمعها لأقوام "، إن لم يكن
توثيقا فقريب منه لا سيما إخبار أبيه ببره له وحب الصادق (عليه السلام) إياه فلا ينبغي
التوقف في قبول روايته.
معجم الرجال (1): إسماعيل بن عمار بن حيان الصيرفي أخو إسحاق بن عمار
ابن حيان، ذكره النجاشي في ترجمة إسحاق بن عمار، وعده الشيخ في رجاله،
مع توصيفه بالكوفي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروى عنه ابن مسكان، وروى عن أبي بصير.
وقال المصنف: لا يعقل حب الإمام (عليه السلام) لغير الإمامي العدل.
14 - إسماعيل بن محمد بن يزيد:
ذكره الشيخ (2) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: إسماعيل بن محمد
الحميري، السيد، الشاعر، يكنى أبا عامر.
وفي معالم العلماء (3): السيد أبو هاشم، إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع
ابن مفرغ الحميري.
(1) معجم رجال الحديث 4: 74، الرقم 1402.
(2) رجال الشيخ: 148، الرقم 108.
(3) معالم العلماء: 146.
313
وفي الأغاني: السيد لقبه، واسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد، ويكنى أبا هاشم،
وجده يزيد بن ربيعة الذي هجا زيادا وبنيه، ونفاهم عن آل حرب، وحبسه
عبيد الله بن زياد لذلك.
وقال الكشي (1): روى أن أبا عبد الله (عليه السلام) لقي السيد بن محمد الحميري
فقال: سمتك أمك سيدا ووفقت في ذلك، وأنت سيد الشعراء.
وقال ابن شهرآشوب (2): من أصحاب الصادق، ولقي الكاظم (عليهما السلام)،
وكان في بدء الأمر خارجيا ثم كيسانيا، ثم إماميا.
وفي التحرير الطاووسي (3): إسماعيل بن محمد الحميري، حاله في الجلالة
ظاهر، ومجده باهر.
وفي تكملة الرجال للشيخ عبد النبي الكاظمي نقل عن العلامة في الخلاصة (4)
أنه ثقة جليل القدر عظيم المنزلة.
وقال الدارقطني (5): السيد الحميري الشاعر، اسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد،
كان غاليا، يسب السلف في شعره ويمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وقال ابن ماكولا (6): كان غاليا في التشيع.
(1) رجال الكشي: 285، الرقم 505.
(2) معالم العلماء: 146.
(3) التحرير الطاووسي: 37، الرقم 20.
(4) رجال العلامة 10: 22.
(5) المؤتلف والمختلف 3: 1308.
(6) الاكمال 4: 418.
314
وقال ابن الجوزي (1): السيد، هو إسماعيل بن محمد بن يزيد، أبو هاشم
الحميري الشاعر كان يثلب الصحابة.
وقال الذهبي (2): السيد الحميري، من فحول الشعراء، لكنه رافضي جلد،
له مدائح بديعة في أهل البيت.
وعن حواشي الشيخ البهائي (رحمه الله) على الخلاصة أنه كان كيسانيا، وكان
يشرب الخمر: فمر يوما في طريق من طرق المدينة، ومعه إبريق فيه خمر فلقيه
الصادق (عليه السلام) فقال له: يا حميري، ما في إبريقك؟ فقال: يا بن رسول الله إنه لبن،
فقال له: صب في كفي من اللبن، فصبه في كفه فإذا هو لبن، فقال له الصادق (عليه السلام):
من إمام زمانك؟ فقال: الذي حول الخمر لبنا.
وقال المرزباني في النبذة المختارة من تلخيص أخبار شعراء الشيعة: كان
السيد (رحمه الله) يرى رأي الكيسانية في محمد بن الحنفية، وقال: إنه تاب بعد ذلك، وقال:
تجعفرت باسم الله والله أكبر * وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين ما كنت دائنا * به ونهاني سيد الناس جعفر
وقال الجزائري (3): ثقة.
وقال الزنجاني (4): نعده في الصحيح، والرجل رافضي خبيث عند الناس - أي
عند العامة -.
(1) كشف النقاب عن الأسماء والألقاب 1: 273، الرقم 819.
(2) سير أعلام النبلاء 8: 44، الرقم 8.
(3) حاوي الأقوال (مخطوط): 17، الرقم 40.
(4) الجامع في الرجال 1: 265.
315
وفي إرشاد المفيد: إن السيد إسماعيل بن محمد الحميري رجع عن مذهب
الكيسانية لما بلغه إنكار أبي عبد الله (عليه السلام) قوله، ودعاؤه إلى القول بنظام الإمامة،
وقال يمدحه:
أيا راكب البيت إذا عاينت جعفرا * فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا ولي الله وابن وليه * أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الذنب الذي كنت مبطنا * أجاهد فيه دائبا كل معرب
15 - أصرم بن حوشب:
قال النجاشي (1): أصرم بن حوشب البجلي، عامي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) نسخة رواها عنه محمد بن خالد البرقي، له كتاب.
وذكره الشيخ (2) في الفهرست، وقال: أصرم بن حوشب، له كتاب، أخبرنا به
عدة من أصحابنا.
وذكره العلامة (3) في القسم الثاني قائلا شطرا من كلام النجاشي.
وذكره ابن داود (4) في القسم الأول قائلا: له كتاب، وأخرى في القسم الثاني
(1) رجال النجاشي: 107، الرقم 271.
(2) فهرست الطوسي: 38، الرقم 11.
(3) رجال العلامة: 207، الرقم 9.
(4) رجال ابن داود: 52، الرقم 205. و 232، الرقم 66.
316
قائلا: أصرم بن حوشب البجلي من أصحاب الصادق (عليه السلام)، عامي، ثقة.
وعده الجزائري في قسم الموثقين، ونص المجلسي والبحراني أيضا
بكونه موثقا، وكذلك المامقاني.
وقال الزنجاني (1): وكيف كان فالرجل يعد في الموثقين، والرجل متهم
بالوضع عند العامة، متروك الحديث. ومن يرد الاستقصاء فليراجع.
ونترك ما قالته العامة فيه عن اتهامهم إياه (2).
الظاهر كلما يقترب واحد منهم إلى حديث أهل البيت ويوثق من قبلهم،
بقدر ما يغمز فيه ويتهم، ويضعف من قبلهم.
16 - بريد العجلي:
بريد بن معاوية العجلي، كان ممن روى عن الباقر والصادق (عليهما السلام) معا،
ومات في أيام الصادق (عليه السلام)، وقد بلغ من الجلالة وعظم الشأن عند أهل البيت
حدا فوق الوثاقة، وارتقى مقاما لديهم يعجز القلم عن وصفه، وكيف ترى منزلة
من يقول الصادق (عليه السلام) في حقه: " أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: محمد
(1) الجامع في الرجال 1: 280.
(2) 1 - ابن حبان - المجروحين لابن حبان 1: 181.
2 - الموضوعات لابن الجوزية 2: 187.
3 - الذهبي في ميزان الاعتدال 1: 272، الرقم 1017.
4 - الدارقطني في الضعفاء المتروكين: 66، الرقم 116.
5 - الذهبي في تأريخ الإسلام، وفيات 201 - 210: 68. وفيات 221 - 230: 100.
317
ابن مسلم، وبريد بن معاوية، وليث بن البختري المرادي، وزرارة بن أعين "،
ويقول في حديث: " إن أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا، أعني زرارة
ابن أعين، ومحمد بن مسلم، ومنهم ليث المرادي، وبريد العجلي، هؤلاء القوامون
بالقسط، هؤلاء القوامون بالصدق، هؤلاء السابقون السابقون، أولئك المقربون ".
وقال فيهم في حديث آخر: " أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه "، ويقول
في آخر: " هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون
إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة "، إلى كثير أمثال هذا من التقريظ والمدح،
وهو من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) الذين أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنهم والإقرار لهم بالفقه.
وقال الصادق (عليه السلام): بشر المخبتين بالجنة، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة
واندرست، منهم بريد بن معاوية العجلي، وهم أحب الناس إلي أحياء وأمواتا.
اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وانقادوا لهم بالفقه وقالوا: أفقه الأولين والآخرين ستة،
زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريدة العجلي، وأبي بصير الأسدي، والفضيل
ابن يسار، ومحمد بن مسلم، قالوا: وأفقه الستة زرارة (1).
وقد سبق ذكره في أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من
هذه الموسوعة.
(1) راجع المصادر التالية: رجال الكشي: 125، 126، 130. وفي الفهرست: 53، 54.
والنجاشي (طبعة قم): 112، وفي الجزء الأول (طبعة بيروت): 281. وأعيان الشيعة
3: 558.
318
17 - بكير بن أعين (1):
بكير بن أعين الشيباني أخو زرارة، روى عن الباقر والصادق (عليهما السلام) معا،
ومات في حياة الصادق، ولما بلغه خبر موته قال - كما رواه الكشي: 120 -:
" أما والله لقد أنزله الله بين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما
وعلى آلهما الطاهرين ". وذكره الصادق (عليه السلام) يوما فقال: " رحم الله بكيرا
وقد فعل ". يقول عبيد الله بن زرارة: فنظرت إليه وقد كنت يومئذ حديث السن،
فقال (عليه السلام): إني أقول إن شاء الله، وكفى هذا شهادة له بعلو الدرجة، وسمو المقام،
وهو من ثقات أولاد أعين وصلحائهم وما أكثر الثقات الصلحاء منهم، وقد روى
عنه عدة من الثقات.
عن بكير بن أعين، قال: حججت أول حجة فصرت إلى منى فسألت
عن فسطاط أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فدخلت عليه، فسلمت، فقال: هلم إلي،
ثم قال: يا غلام، أمن بني أعين أنت؟ قلت: نعم، جعلني الله فداك. قال:
أيهم أنت؟ قلت: بكير بن أعين. فقال: ما فعل حمران؟ قلت: لم يحج العام
على شوق شديد منه إليك، وهو يقرأ عليك السلام، فقال: عليك وعليه السلام،
حمران مؤمن من أهل الجنة لا يرتاب أبدا لا والله، لا والله.
وروى الكشي حديثا في عبد الرحمن بن أعين فيه: أن حمران، وزرارة،
وعبد الملك، وبكير أبناء أعين كانوا مستقيمين. وفي الخلاصة: بكير بن أعين
مشكورا مات على الاستقامة، وذكر الرواية التي سبقت.
(1) المراجع: أعيان الشيعة 3: 599. ومعجم رجال الحديث 4: 265. وغيرها كثير، كما سبق
ذكره في أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
319
18 - ثعلبة بن ميمون:
عده الشيخ (رحمه الله) (1) تارة من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: ثعلبة بن ميمون
الأسدي الكوفي، وأخرى من أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: ثعلبة بن ميمون
الكوفي، يكنى أبا إسحاق، له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وقال النجاشي (2): ثعلبة بن ميمون مولى بني أسد مولى بني سلامة منهم،
أبو إسحاق النحوي، كان وجها في أصحابنا، قارئا، فقيها، نحويا، راوية،
وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن
موسى (عليه السلام).
له كتاب تختلف الرواية عنه، وقد رواه جماعات من الناس.
وذكره البرقي (3) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام) وقال: أبو إسحاق بن ميمون
الكوفي، وأخرى في أصحاب الكاظم (عليه السلام) وقال: أبو إسحاق ثعلبة بن ميمون
كوفي.
وذكره الكشي (4) تارة تحت عنوان: أبو إسحاق الفقيه، وأخرى: ذكره
حمدويه، عن محمد بن عيسى، أن ثعلبة بن ميمون مولى محمد بن قيس الأنصاري،
وهو ثقة خير فاضل مقدم معلوم في العلماء والفقهاء الأجلة من هذه العصابة.
(1) رجال الطوسي: 161، الرقم 13.
(2) رجال النجاشي: 117، الرقم 302.
(3) البرقي: 43 و 45.
(4) رجال الكشي: 375، الرقم 705. و 412، الرقم 776.
320
وقال الوحيد (رحمه الله) (1): وهو من أعاظم الثقات والزهاد والعباد والفقهاء
والعلماء الأمجاد.
وقال المجلسي (رحمه الله) (2): ثقة، وكذلك في المشتركات الكاظمي، والطريحي،
والبلغة.
وقد وثقه في جامع الرواة العلامة الأردبيلي.
وقال الزنجاني: فالرجل ثقة عندنا.
19 - جابر الجعفي (3):
جابر بن يزيد الجعفي الكوفي، روى عن الباقر والصادق (عليهما السلام) وقضى نحبه
أيام أبي عبد الله (عليه السلام) عام 128، وقيل عام 132، وقد روى عن الباقر خاصة
سبعين ألف حديث، ومن تتبع أحاديثه عرف أنه كان ممن يحمل أسرارهما،
ويروي الكرامات الباهرة لهما.
أمره الباقر (عليه السلام) بإظهار الجنون فأظهره، فكان يدور في رحبة مسجد الكوفة
والصبيان حوله وهو يقول: أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور، فما مضت
الأيام حتى ورد من هشام بن عبد الملك إلى واليه بالكوفة أن انظر رجلا يقال له
جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه، فالتفت إلى جلسائه
وسألهم عن جابر، فقالوا: كان رجلا له فضل وعلم وحديث وحجة فجن،
(1) تعليقة الوحيد البهبهاني: 76.
(2) الوجيزة للمجلسي: 172، الرقم 317.
(3) سبق ذكره في أصحاب الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
321
وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب
على القصب، فقال: الحمد لله الذي عافاني من قتله، ومن ثم انكشف السر في أمر
الباقر (عليه السلام) له بإظهار الاختلاط، ثم لما اطمأن عاد إلى حالته الأولى، ولم تمض
الأيام حتى كان ما قاله في منصور بن جمهور.
وذكر اليعقوبي في تأريخه (3: 81) حديثا عن جابر وإخباره عما سيقع
من أمر بني العباس والدعوة لهم وشأن قحطبة فيها، وكان قحطبة بالقرب منهم
يستمع فأشار إليه جابر، وقال: لو أشاء أن أقول هو هو لقلت (1).
ومن هذا ومثله تعرف أنه كان مستودع الأسرار، وجاءت فيه مدائح جمة
وترحم عليه الصادق (عليه السلام)، وقيل إنه ممن انتهى إليه علم الأئمة (عليهم السلام)، ولذلك ترى
أرباب الحديث والرجال من العامة بين موثق له وطاعن فيه بأنه رافضي غال
يقول بالرجعة، مع اعتراف الذهبي بأنه من أكبر رجال الشيعة.
عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): يا جابر،
حديثنا صعب مستصعب، أمرد ذكورا، وعر أجر لا يحتمله والله إلا نبي مرسل،
أو ملك مقرب، أو مؤمن ممتحن، فإذا ورد عليك يا جابر شيء من أمرنا فلان له
قلبك فاحمد الله، وإن أنكرته فرده إلينا أهل البيت (عليهم السلام) ولا تقل كيف جاء هذا،
أو كيف كان هو؟ فإن هذا والله الشرك بالله العظيم.
ونقل نصر بن صباح في رواية، أنه جاء قوم إلى جابر الجعفي فسألوه
أن يعينهم في بناء مسجدهم، قال: ما كنت بالذي أعين في بناء شيء ويقع منه
(1) حميد بن قحطبة هو الذي قتل ستين علويا من ذرية علي وفاطمة في ليلة واحدة بأمر هارون
الرشيد العباسي في خراسان - سبق أن ذكرنا القصة مفصلة.
322
رجل مؤمن فيموت، فرجعوا من عنده وهم يبخلونه ويكذبونه، فلما كان الغد
أتموا الدراهم، ووضعوا أيديهم في البناء، فلما صار العصر، زلت قدم البناء
فوقع فمات.
وروى عن سفيان الثوري أنه قال: جابر الجعفي صدوق في الحديث
إلا أنه يتشيع، وحكى عنه قال: ما رأيت أورع بالحديث من جابر الجعفي.
وهناك روايات وأحاديث كثيرة تدل على غزارة علمه، ونبؤاته بما قد
يحدث، فإن المؤمن ينظر بنور الله.
وله كتاب الفضائل، وكتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب النهروان،
وكتاب مقتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وكتاب مقتل الحسين (عليه السلام).
روى هذه الكتب الحسين بن الحصين القمي برواية معنعنة (1).
20 - جابر بن حيان:
قال السيد الخوئي في رجاله (2): جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي،
(1) راجع المصادر التالية:
رجال النجاشي (طبعة بيروت) 1: 313، (طبعة قم): 128.
أعيان الشيعة 4: 51.
قاموس الرجال: 532، الحديث 1346.
معجم رجال الحديث 4: 336، الحديث 2033.
رجال الكشي: 191 - 197، الحديث 335 - 348.
(2) معجم رجال الحديث 4: 328، الرقم 2017.
323
أبو موسى من مشاهير أصحابنا القدماء، كان عالما بالفنون الغريبة، وله مؤلفات
كثيرة أخذها من الإمام الصادق (عليه السلام).
وقد تعجب غير واحد من عدم تعرض الشيخ النجاشي لترجمته، وقد كتب
في أحواله وذكر مؤلفاته كتب عديدة من أراد الاطلاع عليها فليراجعها. وقال
جرجي زيدان في مجلة الهلال على ما حكي عنه: إنه من تلامذة الصادق (عليه السلام)،
وإن أعجب شيء عثرت عليه في أمر الرجل أن الأوروبيين اهتموا بأمره أكثر
من المسلمين والعرب، وكتبوا فيه وفي مصنفاته تفاصيل، وقالوا: إنه أول من وضع
أساس الشيمي " الكيمياء " الجديد وكتبه في مكاتبهم كثيرة، وهو حجة الشرقي
على الغربي إلى أبد الدهر.
وقال السيد الأمين في أعيانه (1): أبو عبد الله ويقال أبو موسى، جابر
ابن حيان بن عبد الله الطرسوسي الكوفي المعروف بالصوفي.
قال الرازي في كتبه المؤلفة في الصنعة: قال أستاذي أبو موسى جابر
ابن حيان.
في فهرست ابن النديم: قيل إن مولده بخراسان، ويرى الدكتور الأهواني
أن " حيان " والد جابر من قبيلة الأزد وإنه كان عطارا في الكوفة، أو عشابا
يبيع الأعشاب النافعة في الدواء، وإنه خلال رحلة له إلى خراسان ولد فيها
ولده جابر، وإن والي خراسان حينذاك قتل والده " حيان " لاتهامه بالتشيع،
ثم إن جابر اليتيم قدر له من أرسله إلى أهله الأزديين في الكوفة، وإنه توفي
سنة 180.
(1) أعيان الشيعة 4: 30.
324
أقوال العلماء فيه:
كان جابر بن حيان حكيما، رياضيا، فيلسوفا، عالما بالنجوم، طبيبا،
منطقيا، رصديا، مؤلفا مكثرا في جميع هذه العلوم وغيرها، وكان صوفيا وزاهدا،
وواعظا.
وكان من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وأحد أبوابه، ومن كبار الشيعة،
وما يأتي من كثرة مؤلفاته يدل على أنه كان من عجائب الدنيا ونوادر الدهر،
وإن عالما يؤلف ما يزيد على ثلاثمائة وتسعين كتابا في علوم جلها عقلية وفلسفية
وفلكية، لهو جدير بالإكبار والإعجاب، وإنه من رواد الحضارة والعمران.
وقال الأستاذ " برتيلو " العالم الفرنسي صاحب كتاب تأريخ الكيمياء
في القرون الوسطى: إن اسم جابر بن حيان نزل في تأريخ الكيمياء منزلة
" أرسطوطاليس " في تأريخ المنطق وإنه أول من وضع لعلم الكيمياء قواعد علمية
تقترن باسمه في تأريخ الدنيا، وقد عرف في عالم اللاتيني باسم جبير " Geber ".
ونقل المستشرق " جيرار لكريموني " كتاب السبعين من مؤلفات جابر بن حيان
إلى اللاتينية، وهي مجموعة تتألف من سبعين كتابا.
ويحكي جابر في رسائله أنه في فترة صباه تعلم القرآن والقراءة والكتابة
والنحو والحساب على يد شخص يسمى " حربي الحميري " وهذا الشخص نسجت
حوله أساطير حتى قيل إنه من المعمرين الذين عاشوا أربعمائة سنة.
أمضى جابر في الكوفة، واتصل بعد ذلك بالإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وتتلمذ
عليه، ثم اتصل بالبرامكة الذين قدموه إلى بلاط الرشيد، ويقول الجلدكي (1)
(1) الجلدكي - أو - الحلدفي: عالم بالكيمياء عاش في القرن الثامن الهجري.
325
في كتابه " نهاية الطلب ": إن جابر كان السبب الذي دعا هارون الرشيد أن يراسل
ملك الروم يطلب منه كتب الحكمة، فأرسل إليه منها أعدادا كثيرة عربها حنين
ابن إسحاق، وابن بختيشوع وغيرهما.
وكان جابر على اتصال وثيق بالبرامكة لأنه وجد عندهم بعض علم
الكيمياء، والبرامكة كانوا حينذاك متمتعين بثقة الرشيد سبعة عشر سنة من
سنة 170 - 188، ولما ساور الرشيد الشكوك في البرامكة وظن أن غرضهم نقل
الخلافة إلى العلويين مستعينين بذلك على ما عندهم من أموال ومركز وجاه،
انقلب عليهم وقتلهم عن آخرهم.
وفي مقال نشرته مجلة " العرفان " البيروتية، للدكتور محمد يحيى الهاشمي،
قال فيها: لدى مطالعتنا للتراث الضخم الذي خلفه لنا جابر بن حيان عن
الكيمياء، نرى اعترافا صريحا بأن المعلم الأول لهذه الصنعة هو الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام) (1)، وقد اطلع على هذه الحقيقة كثير من المستشرقين الغربيين.
ولقد أعجب كل من المستشرق الفرنسي " برتيلو " والمستشرق الإنجليزي
" هولميارد " بالمعلومات الغزيرة التي تسند إلى جابر بن حيان.
وهناك أقوال وتحليلات وافتراضات يتطرق إليها المستشرقون أعرضنا عنها
روما للاختصار.
ثم إن كتب جابر بن حيان الخطية الموجودة في المكتبة التيمورية بالقاهرة،
والمكتبة الأحمدية في حلب، لم يتهيأ للعلماء مطالعتها ولا نشرها، وعدم نشرها
يكون إجحافا بحق العلم.
(1) يذكر ذلك مفصلا الدكتور يوليوس روسكا.
326
ومن أغرب ما يذكره جابر بن حيان تأثير الطلسمات والقصد من ذلك تأثير
الكواكب على المادة، ويمكن تفسير ذلك في الوقت الحاضر من وجهتين:
الأولى الإشعاعات البعيدة، والثانية القرابة بين العالم العلوي والعالم السفلي،
حيث وجد العلماء الذريين القرب والشبه الموجود بين الذرة الغير مرئية،
والعالم الشمسي الكبير.
فالإمام الصادق (عليه السلام) ملهم النظريات العالمية العميقة، ومعلم جابر بن حيان
هذه العلوم، وهو شيخه وإمامه وموجهه وراشده وناصحه.
أكتفي بهذا القدر الموجز ومن أراد التفصيل فليراجع المصادر ذات
الاختصاص، ومقالنا المفصل الذي سينشر في مجلة البذرة الدمشقية، ومجلة الموسم
التي تصدر في بيروت وهولندا، وجريدة صوت الكاظمين في قم.
21 - جعفر بن سليمان الضبعي:
قال ابن داود (1): جعفر بن سليمان الضبعي البصري، من أصحاب
الصادق (عليه السلام)، عليه في رجال الشيخ ثقة.
وقال ابن سعد (2): جعفر بن سليمان الضبعي، وهو مولى لبني الحريش،
ويكنى أبا سليمان، وكان ثقة، وبه ضعف، وكان يتشيع، ومات في رجب سنة
ثمان وسبعين ومائة.
وقال ابن حبان (3): جعفر بن سليمان الضبعي الجريشي من أهل البصرة،
(1) ابن داود: 63، الرقم 308.
(2) طبقات ابن سعد 7: 288.
(3) ثقات ابن حبان 6: 140.
327
كنيته أبو سليمان، كان ينزل في بني ضبعة فنسب إليها، يروي عن ثابت ومالك
ابن دينار، روى عنه ابن المبارك، وأهل العراق، وكان يبغض الشيخين.
قال: جرير بن يزيد بن هارون،، بعد حذف السند قال: بعثني أبي إلى جعفر
ابن سليمان الضبعي، فقلت له: بلغنا أنك تسب أبا بكر وعمر، قال: أما السب فلا،
ولكن البغض ما شئت، قال: وإذا هو رافضي مثل الحمار، قال أبو حاتم وكان جعفر
ابن سليمان من الثقات المتقين في الروايات غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت
ولم يكن داعية إلى مذهبه، وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف، أن الصدوق
المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها إن الاحتجاج بأخباره جائز.
وقال الذهبي (1): ويروى أن جعفرا كان يترفض، فقيل له: أتسب أبا بكر
وعمر؟ قال: لا ولكن بغضا يا لك، فهذا غير صحيح عنه.
وقال الحافظ زكريا الساجي: إنما عنى بقوله: بغضا يالك: جارين له
يؤذيانه، اسمهما: أبو بكر وعمر.
وقال ابن عدي: ولم يعن به الشيخين.
22 - جميل بن دراج:
قال النجاشي: جميل بن دراج بن عبد الله أبو علي (2) النخعي (3) الكوفي،
وقال ابن فضال: يكنى أبو محمد، شيخنا ووجه الطائفة، ثقة، روى عن أبي عبد الله
(1) سير أعلام النبلاء 8: 198.
(2) رجال النجاشي: 126، الرقم 328.
(3) مولى النخع، رجال البرقي: 41.
328
الصادق وأبي الحسن الكاظم (عليهما السلام)، وكف بصره آخر عمره، ومات أيام الإمام
الرضا (عليه السلام).
وهو (1) من الستة أصحاب الصادق (عليه السلام) الذين أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنهم والإقرار لهم بالفقه، وسبق في أبان بن عثمان عدهم وقيل إن جميل
كان أفقههم. وقال أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة بن ميمون -: إن جميلا كان
أفقههم.
وذكره الشيخ في رجاله تارة في أصحاب (2) الصادق (عليه السلام) وأخرى
في أصحاب (3) الكاظم (عليه السلام) وقال: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وقال الكشي (4): دخل الفضل بن شاذان على محمد بن أبي عمير وهو ساجد
فأطال السجود فلما رفع رأسه ذكر له الفضل طول سجوده، فقال: كيف لو رأيت
جميل بن دراج، ثم حدثه أنه دخل على جميل فوجده ساجدا فأطال السجود جدا،
فلما رفع رأسه قال له محمد بن أبي عمير: أطلت السجود فقال: كيف لو رأيت
معروف بن خربوذ.
وعنه (5): روى جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا جميل،
لا تحدث أصحابنا لما لم يجمعوا عليه فيكذبوك.
(1) رجال الكشي: 375، الرقم 705.
(2) رجال الطوسي: 163، الرقم 39.
(3) رجال الطوسي: 346، الرقم 4.
(4) رجال الكشي: 252، الرقم 469.
(5) رجال الكشي: 251، الرقم 468.
329
وعنه (1): قال ابن أبي عمير: قلت لجميل بن دراج: ما أحسن محضرك
وأزين مجلسك! فقال: أي والله ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان
في الكتاب حول المعلم.
وقال المامقاني (2): إن جلالة الرجل وثقته وكونه ممن أجمعت العصابة عليه
من المسلمات بين أهل الفن.
وجاءت فيه مدائح تكشف عن علو في الدرجة، منها أن الصادق (عليه السلام)
تلا هذه الآية: (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) (3)،
ثم أهوى بيده إلى جماعة كانوا عنده وفيهم جميل بن دراج، فقالوا: أجل جعلنا الله
فداك لا نكفر بها، وكان معروفا بالعبادة وطول السجود.
وقال المامقاني (4): نقل ثقة عن خبير ثقة أن قبر جميل بن دراج في الطارمية
على نهر دجلة فيما يحاذي ما يسمى الآن سميكة، في غرب العراق، وقبره يسمى
قبر الشيخ جميل بن الكاظم وهو قبر جميل بن دراج.
وقال النجاشي: جميل بن دراج شيخنا ووجه من وجوه الطائفة، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وأخذ عن زرارة، له كتاب، رواه عنه
جماعة من الناس وطرقه كثيرة.
وله كتاب آخر، اشترك هو ومحمد بن حمران فيه، وله كتاب اشترك
هو ومرازم بن حكيم فيه.
(1) رجال الكشي: 134، الرقم 213.
(2) تنقيح المقال 1: 232.
(3) الأنعام: 89.
(4) تنقيح المقال 1: 232.
330
23 - الحارث بن المغيرة:
قال النجاشي (1): الحارث بن المغيرة، النصري من نصر بن معاوية، بصري،
روى عن أبي جعفر وجعفر وموسى بن جعفر وزيد بن علي (عليهم السلام)، ثقة ثقة.
وذكره الشيخ (2) في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) وكناه بأبي علي،
وأخرى (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: الحارث بن المغيرة النصري أبو علي
أسند عنه بياع الزطي.
وكان من ذوي الدرجات الرفيعة، كما شهدت بذلك عدة أحاديث، منها:
قول الصادق (عليه السلام) لجماعة منهم يونس بن يعقوب: " أما لكم من مستراح
تستريحون إليه، ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري " (4)، على أن يونس
ابن يعقوب كان من ذوي المنازل العالية، ومع علو شأنه أمره الصادق بالرجوع
إلى الحارث، والشواهد على جلالته وعلو منزلته كثيرة.
وفي التحرير الطاوسي (5)، قال: روي أنه من أهل الجنة.
وقال الوحيد البهبهاني (رحمه الله) (6): كونه من العلماء، وهو حسن الحال.
(1) رجال النجاشي: 139، الرقم 361.
(2) رجال الطوسي: 117، الرقم 42.
(3) رجال الطوسي: 179، الرقم 233.
(4) رجال الكشي: 337، الرقم 620.
(5) التحرير الطاوسي: 173، الرقم 134.
(6) تعليقة الوحيد: 91.
331
24 - حبيب بن المعلل:
قال النجاشي (1): حبيب بن المعلل الخثعمي المدائني، روى عن أبي عبد الله،
وأبي الحسن [موسى]، [وأبي الحسن] الرضا (عليه السلام) ثقة، ثقة صحيح.
له كتاب رواه محمد بن عمير.
وقال الشيخ (2): حبيب الخثعمي، له أصل، رويناه بالإسناد الأول عن
ابن بطة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عنه.
وذكره الشيخ (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره العلامة (4) في القسم الأول، فقال: الخثعمي روى عن أبي عبد الله،
وأبي الحسن، والرضا (عليهم السلام).
ونقل الكشي: محمد بن مسعود (5)، أنه قال: حدثني علي بن محمد القمي،
قال: حدثني... حبيب الخثعمي، عن ابن أبي يعفور، قال: كنت عند
أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذن عليه رجل حسن الهيئة، فقال: اتق السفلة، فما تقارت
في الأرض حتى خرجت، فسألت عنه فوجدته غاليا.
وقد عده عبد النبي (6) في الثقات معللا بتوثيق النجاشي إياه، وردا بضعف
(1) رجال النجاشي: 141، الرقم 368.
(2) فهرست الطوسي: 61، الرقم 243.
(3) رجال الطوسي: 172، الرقم 116.
(4) العلامة: 62، الرقم 4.
(5) رجال الكشي: 307، الرقم 553.
(6) حاوي الأقوال (مخطوط): 65، الرقم 238.
332
ابن عقدة وعدم وضوح حال ابن خاقان.
وكيف كان فقد وثق الرجل في الوجيزة، والبلغة، ومشتركات الكاظمي
والطريحي.
وذكر الأردبيلي (1) رواية سعد بن بكر عن حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليه السلام)
في التهذيب، باب كيفية الصلاة في أبواب الزيارات.
وقال الزنجاني (2) باتحاد حبيب الخثعمي مع حبيب بن المعلى الذي ذكره
الصدوق في المشيخة.
25 - حريز بن عبد الله:
قال النجاشي (3): حريز بن عبد الله السجستاني، أبو محمد الأزدي
من أهل الكوفة، أكثر السفر والتجارة إلى سجستان، فعرف بها، وكانت تجارته
في السمن والزيت، وكان من فقهاء الرواة، وله عدة كتب في الفقه وقد روى
عن الصادق مشافهة وبالواسطة أخبار كثيرة. قيل: إنه لم يرو عن أبي عبد الله (عليه السلام)
مشافهة إلا حديثين (4)، ولكن هذا الزعم يخالف ما هو مروي عنه في كتب الفقه
بلا واسطة، ومن سبر كتب الحديث عرف أنه كثير الرواية عنه مشافهة، وكتبه
تعد من الأصول.
(1) جامع الرواة 1: 178، والاستبصار 1: 341، الحديث 3.
(2) الجامع في الرجال 1: 450.
(3) رجال النجاشي: 144، الرقم 375.
(4) رجال الكشي: 382، الرقم 716.
333
وذكره الشيخ (رحمه الله) (1) وقال: ثقة، سكن سجستان، له كتب منها: كتاب
الصلاة والزكاة والصوم والنوادر.
وذكره أيضا (2) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (3): عربي كوفي انتقل إلى سجستان فقتل بها، رحمه الله،
وقال إنه يكنى بأبي عبد الله، وكان يونس بن عبد الرحمن يذكر عنه فقها كثيرا.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) (4): كان سبب قتله أن له أصحابا يقولون بمقالته،
وكان الغالب على أهل سجستان الشراة - الخوارج - وكان أصحاب حريز
يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين (عليه السلام) وسبه، فيخبرون حريزا ويسامرونه في قتل
من يسمعون منه ذلك فيأذن لهم، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل،
فلا يتوهمون على الشيعة لقلة عددهم، ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم، وما زال
الأمر هكذا حتى وقفوا على الأمر فطلبوا الشيعة، فاجتمع أصحاب حريز في
المسجد، فهدموا عليهم حيطان المسجد وقلبوا أرضه عليهم، رحمة الله عليهم، وكان
ممن شهر السيف في قتال..... فنال الخوارج سجستان في حياة أبي عبد الله (عليه السلام).
وقال الوحيد (5): من أجلاء الأصحاب وعد جميع الأصحاب خبره
صحيحا.
(1) فهرست الطوسي: 62، الرقم 239.
(2) رجال الطوسي: 181، الرقم 175.
(3) رجال الكشي: 385، الرقم 719.
(4) الاختصاص: 207.
(5) تعليقة الوحيد البهبهاني: 93.
334
وذكره العلامة (1) في القسم الأول المعد للممدوحين.
وقد وثقه المجلسي (2) والجزائري (3) وصاحب البلغة (4).
26 - الحسن بن زياد العطار:
قال النجاشي (5): الحسن بن زياد العطار مولى بني ضبة، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام). وقيل: الحسن بن زياد الطائي، له كتاب.
وقال الكشي (6): جعفر وفضالة، عن أبان، عن الحسن بن زياد العطار،
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: إني أريد أن أعرض عليك ديني وإن
كنت في حسابي ممن فرغ من هذا. قال (عليه السلام): فآته. قال: قلت: فإني
أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأقر بما جاء من عند الله،
فقال لي مثل ما قلت، وإن عليا إمام فرض الله طاعته، من عرفه كان مؤمنا،
ومن جهله كان ضالا، ومن رد عليه كان كافرا، ثم وصفت الأئمة (عليهم السلام) حتى
انتهيت إليه، فقال: ما الذي تريد؟ أتريد أن أتولاك على هذا؟ فإني أتولاك
على هذا.
(1) رجال العلامة: 63، الرقم 4.
(2) الوجيزة: 184، الرقم 45.
(3) حاوي الأقوال (مخطوط): 64، الرقم 235.
(4) بلغة المحدثين: 344، الرقم 12.
(5) رجال النجاشي: 47، الرقم 96.
(6) رجال الكشي: 424، الحديث 798.
335
وذكره البرقي (1) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقال: حسن بن زياد
العطار، كوفي.
وبالجملة فقد وثق الرجل كل من: عبد النبي الجزائري، والمجلسي،
وفي البلغة، ومشتركات الطريحي والكاظمي.
وقال الزنجاني باتحاد كل من الحسن بن زياد الذي ذكره الشيخ في
الفهرست، والحسن بن زياد البصري الذي عده الشيخ في رجاله من أصحاب
الإمام الباقر (عليه السلام).
27 - الحسن بن عطية الحناط المحاربي الدغشي:
قال النجاشي (2):
الحسن بن عطية الحناط، كوفي، مولى، ثقة، وأخواه أيضا محمد وعلي
وكلهم رووا عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام)، وهو الحسن بن عطية الدغشي
المحاربي " أبو ناب "، ومن ولده علي بن إبراهيم بن الحسن روى عن أبيه
عن جده.
وذكره البرقي (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وكذلك الشيخ (4) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال البرقي: 26 و 46.
(2) رجال النجاشي: 46، الرقم 93.
(3) رجال البرقي: 26.
(4) رجال الطوسي: 167، الرقم 20 والرقم 21، و 170، الرقم 79.
336
وذكره العلامة (1) مثلما ذكره النجاشي باختلاف بسيط.
وذكره الجزائري في قسم الثقات، كما وثق الرجل في الوجيزة (2)، والبلغة،
ومشتركات الطريحي والكاظمي.
وهناك توثيقات كثيرة في كتب الرجال أعرضنا عنها روما للاختصار.
28 - الحسين بن المختار:
قال النجاشي (3): الحسين بن المختار أبو عبد الله القلانسي، كوفي،
مولى أحمس، من بجلة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).
له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى.
وذكره الشيخ (4) في رجاله تارة في أصحاب الصادق وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليهما السلام) قائلا: الحسين بن المختار القلانسي، واقفي له كتاب.
قال الزنجاني (5): عده المفيد في فضل من روى النص على الرضا (عليه السلام)
من خاصة الكاظم (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه، وذهب جمع إلى تبرئته
من القول بالوقف.
روى الرجل عن الصادق (عليه السلام) كثيرا، وروى عن الكاظم (عليه السلام)، وروى
(1) العلامة: 42، الرقم 21.
(2) الوجيزة للمجلسي: 188، الرقم 490.
(3) رجال النجاشي: 54، الرقم 123.
(4) رجال الطوسي: 167، الرقم 22. و 346، الرقم 3.
(5) الجامع من الرجال 1: 63.
337
عن أبي بصير وإسماعيل بن جابر والوليد بن صبيح.
وروى عنه علي بن الحكم ومحمد بن سنان والبزنطي وعبد الله بن محمد
الحجال ويونس بن عبد الرحمن وابن أبي عمير.
وكيف كان فالرجل كثير الرواية ومستقيم جدا ومن أحاديثه: قال:
خرجت إلينا ألواح من أبي إبراهيم موسى (عليه السلام) وهو في الحبس فإذا فيها عهدي
إلى أكبر ولدي [أي علي الرضا] (عليه السلام).
وقال أيضا: لما مر بنا أبو الحسن (عليه السلام) بالبصرة خرجت إلينا منه ألواح فيها
بالعرض عهدي إلى أكبر ولدي. رواهما الصدوق في الباب الرابع من العيون،
والكليني في الكافي (1)، وعده الفاضل المجلسي (2) من الموثقين، وكذلك الطريحي (3)
والكاظمي (4) والجزائري (5).
وفي الكافي: قال الصادق (عليه السلام) له: رحمك الله.
وقال السيد المحقق الداماد في محكي حواشيه على الكشي: وبالجملة
من أعيان الثقات وعيون الآيات.
وسكت الشيخ (رحمه الله) نفسه في الفهرست عن غمز في مذهب الرجل، والشيخ
ينبه على من في مذهبه غمز.
(1) الكافي 1: 312، الحديث 8.
(2) الوجيزة: 198، الرقم 586.
(3) جامع المقال: 63.
(4) هداية المحدثين.
(5) حاوي الأقوال (مخطوط): 250، الرقم 1288.
338
والنجاشي لم يحكم بوقفه مع أن ديدن النجاشي التعرض لانحراف الرجل.
وذكره البرقي (1) في أصحاب الصادق، وأخرى في أصحاب الكاظم (عليهما السلام)
قائلا:
هذا مجمل بعض ما قيل فيه من إثبات ونفي على مذهبه ووثاقته، والله العالم
ببواطن الأمور.
29 - حفص بن البختري البغدادي:
قال النجاشي (2): حفص بن البختري مولى، بغدادي أصله كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن [موسى] (عليهما السلام).
له كتاب يرويه عنه جماعة، منهم محمد بن أبي عمير.
وذكره الشيخ (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقال: حفص
ابن البختري البغدادي أصله كوفي.
وذكره العلامة (4) في القسم الأول، وقال مقالة النجاشي. وكذلك ابن داود (5).
وقد وثقه المجلسي، وعبد النبي الجزائري (6)، والكاظمي، والطريحي،
(1) رجال البرقي: 26.
(2) رجال النجاشي: 134، الرقم 344.
(3) رجال الطوسي: 177، الرقم: 197.
(4) رجال العلامة: 58، الرقم 3.
(5) رجال ابن داود: 82، الرقم 501.
(6) حاوي الأقوال: 61، الرقم 221 (مخطوط).
339
والبحراني في البلغة، إلا أن صاحب البلغة قيد توثيقه بقوله: على المشهور،
وعقبه بقوله: وفي نفسي منه شيء.
وقال الوحيد البهبهاني (1): إعلم أن المتأخرين يحكمون بصحة حديثه
من غير توقف، وقال المحقق الشيخ محمد (2): إن المحقق في المعتبر في مسألة
شك الإمام مع حفظ المأموم، حكم بضعفه ولعله لما ذكر أي احتمال رجوع ضميره،
ذكره إلى التوثيق أيضا، ولعدم معلومية كون أبي العباس ابن نوح أو ابن عقده:
[في ضعفه].
وقال: على هذا الاحتمال لا وجه للحكم بالضعف، وقال: إن التوقف
في وثاقته خلاف الانصاف، والله العالم.
وقال الزنجاني (3): روى عنه محمد بن أبي عمير، والرجل ثقة في كلام الأكثر.
30 - حفص بن سالم:
قال النجاشي (4): حفص بن سالم أبو ولاد الحناط مخزومي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، لا بأس به. وقيل إنه من موالي جعفي، كوفي.
وقال الشيخ (رحمه الله) (5): ثقة، له أصل - رواه عنه عدة من الثقات -. وذكره
(1) تعليقة الوحيد البهبهاني: 119.
(2) هو ابن صاحب المعالم، صاحب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار.
(3) جامع المقال 1: 646.
(4) رجال النجاشي: 135، الرقم 347.
(5) فهرست الطوسي: 62، الرقم 235.
340
كذلك في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) (1) قائلا: مولى جعفي كوفي.
وقال ابن عقدة (2): خرج مع زيد بن علي (عليه السلام) وظهر من الصادق (عليه السلام)
تصويبه لذلك.
وليس تصويبه بمستغرب، وإنما كان (عليه السلام) يدع أمر زيد لئلا ينسب إليه
فيكون هدفا لبلاء بني أمية، وذكره العلامة في القسم الأول.
31 - حفص بن غياث:
قال النجاشي (3): حفص بن غياث بن طلق بن معاوية... أبو عمر القاضي
كوفي، روى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، وولي القضاء ببغداد الشرقية
لهارون، ثم ولاه قضاء الكوفة، ومات بها سنة أربع وتسعين ومائة... له كتاب
وهو سبعون ومائة حديث أو نحوها، وروى حفص عن أبي الحسن موسى (عليه السلام).
وقال الشيخ (رحمه الله) (4): عامي المذهب، له كتاب معتمد.
وهو على الأشهر عامي المذهب ثقة في الرواية، وقد أجمعت الطائفة
على العمل برواية جماعة ليسوا من الشيعة، وحفص أحدهم وليس التشيع
السبب الوحيد لقبول الرواية، وإنما المدار على وثاقة الراوي مهما كان
مذهبه.
(1) رجال الطوسي: 184، الرقم 335.
(2) رجال العلامة: 58، الرقم 1.
(3) رجال النجاشي: 134، الرقم 346.
(4) فهرست الطوسي: 61، الرقم 232.
341
وعده الشيخ (رحمه الله) (1) من أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: عامي.
وأخرى (2) من أصحاب الصادق (عليه السلام) مضيفا: أسند عنه.
وعده ثالثة (3) فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام).
وقال الكشي (4): عامي.
وقال الصدوق (رحمه الله) (5): وكان إذا حدث عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول:
" حدثني خير الجعافرة جعفر بن محمد ". ولا يخفى عليك أن مثل هذا البيان
من الراوي يرشدنا إلى عدم تشيعه؟؟ إلا أن يريد إخفاء تشيعه.
وقال المامقاني (6): ويدل على كونه شيعيا جملة من أخباره ورواياته
مثل ما رواه في روضة الكافي (7) عنه عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: " إن قدرتم
أن لا تعرفوا فافعلوا - إلى أن قال - فوالله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله
عز وجل منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت، ألا ومن عرف حقنا ورجى الثواب بنا
- إلى أن قال - أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل
منهم وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين ولكن خافوا
(1) رجال الطوسي: 118، الرقم 50.
(2) رجال الطوسي: 175، الرقم 176.
(3) رجال الطوسي: 471، الرقم 57.
(4) رجال الكشي: 390، الرقم 733.
(5) بحار الأنوار 7: 29.
(6) تنقيح المقال 1: 355، الرقم 3193.
(7) روضة الكافي 8: 128.
342
أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا - إلى أن قال - إني لأرجو النجاة لمن عرف
حقنا من هذه الأمة إلا لأحد ثلاث: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى،
والفاسق المعلن - إلى أن قال - يا حفص، كن ذنبا ولا تكن رأسا ".
وقال المامقاني (1): نحن متوقفون على كونه عاميا.
وقال المجلسي (2): ضعيف أو موثق.
وقال الذهبي (3): حفص بن غياث بن طلق الإمام أبو عمر النخعي القاضي
أحد الأعلام، مولده سنة سبعة عشر ومائة.
وقال العجلي (4) وغيره: ثقة مأمون، فقيه.
وقال داود بن رشيد (5): حفص كثير الغلط.
وقال ابن عمار: عسر في الحديث جدا.
وعن طلق بن غنام (6)، قال: خرجت مع حفص بن غياث في زقاق فأتت
امرأة حسناء فقالت: أيها القاضي زوجني فإن إخوتي يضرون بي. فالتفت إلي
فقال: يا طلق إذهب فزوجها إن كان الذي يخطبها كفؤا، فإن كان يسكر من النبيذ
أو رافضيا فلا تزوجه فإن الذي يسكر يطلق وهو لا يدري، والرافضي فالطلاق
عنده واحدة.
(1) تنقيح المقال 1: 355، الرقم 3193.
(2) الوجيزة: 200، الرقم 607.
(3) تأريخ الإسلام: وفيات (191 - 200): 152، الرقم 73.
(4) تأريخ العجلي: 125.
(5) تأريخ بغداد 8: 198.
(6) أخبار القضاء لوكيع 3: 185. وتأريخ بغداد 8: 193.
343
وقال أبو جعفر المسندي (1): كان من أسخى العرب، وكان يقول: من لم يأكل
طعامي لا أحدثه.
32 - حماد بن عثمان:
ذكره الشيخ (رحمه الله) (2) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: حماد بن عثمان
ذو الناب مولى غني كوفي.
وأخرى (3) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: له كتاب يرويه عنه عدة
من الثقات.
وثالثة (4) في أصحاب الرضا (عليه السلام).
وقال (رحمه الله) في فهرسته (5): ثقة جليل القدر، له كتاب.
وقال الكشي (6): حماد بن عثمان بن زياد الرواسي يلقب بالناب، فاضل خير
ثقة.
وقال أيضا (7): أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وتصديقه لما يقول،
والإقرار له بالفقه.
(1) تأريخ بغداد 8: 193.
(2) رجال الطوسي: 173، الرقم 139.
(3) رجال الطوسي: 346، الرقم 2.
(4) رجال الطوسي: 371، الرقم 1.
(5) فهرست الطوسي: 60، الرقم 230.
(6) رجال الكشي: 372، الرقم 694.
(7) رجال الكشي: 375، الرقم 705.
344
وذكره العلامة (1) في القسم الأول قائلا: ثقة جليل القدر من أصحاب الرضا
والكاظم (عليهما السلام).
وذكره ابن داود (2) في القسم الأول قائلا: من أصحاب الصادق والكاظم
والرضا والجواد (عليهم السلام)، مات سنة تسعين ومائة بالكوفة.
وقد وثق الرجل المجلسي (3) وعبد النبي الجزائري (4).
وفي التحرير الطاوسي (5): حماد الناب والحسين أخوه ولدا عثمان بن زياد
الرواسي فاضلان خيران ثقتان.
33 - حماد بن عيسى:
قال النجاشي (6): حماد بن عيسى أبو محمد الجهني مولى، وقيل: عربي،
أصله الكوفة وسكن البصرة، وقيل: إنه روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) عشرين
حديثا، وأبي الحسن والرضا (عليهما السلام)، ومات في حياة أبي جعفر الثاني (عليه السلام). ولم يحفظ
عنه رواية عن الرضا وأبي جعفر (عليهما السلام)، وكان ثقة في حديثه صدوقا. قال:
(1) رجال العلامة: 56، الرقم 3.
(2) رجال ابن داود: 84، الرقم 521. أقول: كيف يكون ذلك والإمام الجواد (عليه السلام) ولد
سنة 195 ه.
(3) الوجيزة: 201، الرقم 620.
(4) حاوي الأقوال (مخطوط): 60، الرقم 219.
(5) التحرير الطاوسي: 154، الرقم 116.
(6) رجال النجاشي: 142، الرقم 370.
345
سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام) سبعين حديثا فلم أزل أدخل الشك على نفسي
حتى اقتصرت على هذه العشرين.
وله حديث مع أبي الحسن موسى (عليه السلام) في دعائه بالحج، وله كتاب الزكاة،
وكتاب الصلاة، وله كتاب فيه مواعظ وتنبيهات على منافع الأعضاء من الإنسان
والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد.
ومات حماد بن عيسى غريقا بوادي قناة وهو وادي يسيل من الشجرة
إلى المدينة وهو غريق الجحفة في سنة تسع ومائتين وله نيف وتسعون سنة (رحمه الله).
وذكره الشيخ (رحمه الله) (1) تارة في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) وقال: بقي
إلى زمان الرضا (عليه السلام).
وأخرى (2) من أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: له كتب، ثقة.
وذكره أيضا (3) في الفهرست وقال: ثقة، له كتاب النوادر وكتاب الصلاة
والزكاة.
وذكره العلامة (4) في القسم الأول قائلا: وكان حماد بن عيسى متحرزا
في الحديث، وقال: دعا له أبو عبد الله (عليه السلام) بأن يحج خمسين حجة فحجها،
وغرق بعد ذلك.
وقال الكشي (5): أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه.
(1) رجال الطوسي: 174، الرقم 152.
(2) رجال الطوسي: 346، الرقم 1.
(3) فهرست الطوسي: 61، الرقم 231.
(4) رجال العلامة: 56، الرقم 2.
(5) رجال الكشي: 375، الرقم 705.
346
وقال المزي (1): حماد بن عيسى بن عبيدة بن الطفيل الجهني الواسطي،
وقيل: البصري، المعروف بغريق الجحفة.
روى عن جعفر بن محمد الصادق، وسفيان الثوري وعبد الملك
ابن عبد العزيز.
وقال يحيى بن معين (2): شيخ صالح.
وقال أبو حاتم (3): ضعيف الحديث.
وقال أبو عبيد الآجري (4) عن أبي داود: ضعيف روى أحاديث مناكير.
وقال ابن حبان (5): لا يجوز الاحتجاج به.
وذكره الدارقطني (6) في الضعفاء.
إن حماد بن عيسى سأل الإمام الكاظم (عليه السلام) أن يدعو له بكثرة الحج
وأن يرزقه ضياعا حسنة ودارا حسنة، وزوجة من أهل البيوتات صالحة،
وأولادا أبرارا، فدعا له الإمام الكاظم (عليه السلام) بما طلب، وقيد الحج بخمسين حجة،
فاستجاب الله دعاء الإمام (عليه السلام) له فكان حاله كما طلب، ولما حج في الحادية
والخمسين أيام الإمام الجواد (عليه السلام) ووصل الجحفة وأراد أن يحرم دخل وادي قناة
(1) تهذيب الكمال 7: 281، الرقم 1486.
(2) الجرح والتعديل: 14513، الرقم 636.
(3) المصدر السابق.
(4) سؤالات الآجري: 16.
(5) المجروحين لابن حبان 1: 253.
(6) الضعفاء والمتروكين: 78، الرقم 165.
347
ليغتسل ويحرم، وهو واد يسيل من الشجرة فأخذه السيل ومر به، فتبعه غلمانه
وأخرجوه من الماء ميتا، فمن ثم سمي غريق الجحفة.
وهذه رواية عن أبي جعفر (عليه السلام)، في كشف الغمة، عن أمية بن علي القيسي،
قال: دخلت أنا وحماد بن عيسى على أبي جعفر الجواد (عليه السلام) بالمدينة لنودعه،
فقال (عليه السلام) لنا: لا تحركا اليوم وأقيما إلى غد، فلما خرجنا من عنده قال لي حماد:
أنا أخرج فقد خرج نقلي، فقلت: أما أنا فأقيم، فخرج حماد فجرى الوادي " سيلا "
تلك الليلة " فجرفه " (1).
34 - حمران بن أعين:
حمران بن أعين الشيباني مولاهم، أخو زرارة، روى عن الباقر
والصادق (عليهما السلام)، منزلته عندهم لا يضارعه فيها من رجالهم إلا نادرا.
عده الشيخ (رحمه الله) (2) في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: حمران
ابن أعين الشيباني مولاهم، يكنى أبا الحسن، وقيل: أبو حمزة، تابعي.
وأخرى (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: مولى، كوفي.
وقال الكشي (4): قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): إذا كان يوم القيامة
نادى مناد: أين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم حمران
ابن أعين.
(1) نقلا عن كتاب الإمام الصادق (عليه السلام)، للشيخ المظفر: 140.
(2) رجال الطوسي: 117، الرقم 41.
(3) رجال الطوسي: 181، الرقم 274.
(4) رجال الكشي: 10.
348
وعنه (1): إن أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن حمران كان يقول بمد الحبل (2)،
من جاوزه من علوي وغيره برئنا منه.
وعنه (3): كان حمران يجلس مع أصحابه فلا يزال معهم في الرواية
عن آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن خلطوا في ذلك بغيره ردهم إليه، فإن صنعوا ذلك عدل
ثلاث مرات عنهم وتركهم.
وعنه (4): قال الباقر (عليه السلام) له: " أنت لنا شيعة في الدنيا والآخرة ".
وقال (عليه السلام) (5) لزرارة: " حمران من المؤمنين حقا لا يرجع أبدا، إذا لقيته
فاقرأه مني السلام ".
ويقول (6) فيه الصادق (عليه السلام): " مات والله مؤمنا ".
وقال (عليه السلام) (7) لبكير: " حمران مؤمن من أهل الجنة لا يرتاب أبدا، لا والله،
لا والله ".
وقال (عليه السلام): " ما وجدت أحدا أخذ بقولي، وأطاع أمري، وحذا حذو
أصحاب آبائي غير رجلين (رحمهما الله)، عبد الله بن أبي يعفور وحمران بن أعين،
(1) رجال الكشي: 177، الرقم 306.
(2) أي بامتداد حبل الولاية والإمامة من أبي عبد الله (عليه السلام) إلى أن يصل إلى صاحب الأمر (عليه السلام).
(3) رجال الكشي: 179، الرقم 300.
(4) رجال الكشي: 178، الرقم 307.
(5) رجال الكشي: 178، الرقم 308.
(6) رجال العلامة: 63، الرقم 5.
(7) رجال الكشي: 180، الرقم 312.
349
أما إنهما مؤمنان خالصان من شيعتنا ". ويقول فيه: " نعم الشفيع أنا وآبائي
لحمران بن أعين يوم القيامة نأخذ بيده ولا نزايله (1) حتى ندخل الجنة جميعا ".
إلى نظائر هذه الكلمات الواردة عنهما (عليهما السلام)، وهذه كما ترى تنبئ عن ارتفاع
مقامه عندهم درجة لا يشاركه فيها إلا القليل، وكما دلت هذه الكلمات على ارتفاع
منزلته لديهم دلت على رسوخ إيمانه.
وما كان حمران فقيها فحسب، بل كان من علماء الكلام، وحملة الكتاب،
ويذكر اسمه في أهل القراءات، وكان أيضا من علماء اللغة والنحو، فهو جامع
لجهات الفضل.
وقال العلامة (2): مشكور، وقال علي بن أحمد العقيقي: إنه عارف.
وقال الذهبي (3): حمران بن أعين الكوفي المقرئ، قرأ على أبي الأسود
ظالم الدؤلي، وعلى أبي جعفر محمد بن علي الهاشمي.
وقال أبو حاتم (4): شيخ.
وقال ابن معين (5): ليس بشيء. وقال غيره (6): كان شيعيا جلدا.
وقرأ القرآن على الكبار، وسئل أبو داود (7) فقال: كان رافضيا.
(1) أي: لا نفارقه.
(2) رجال العلامة: 63، الرقم 5.
(3) تأريخ الإسلام (وفيات 121 - 140): 402.
(4) الجرح والتعديل 3: 265.
(5) التأريخ لابن معين 2: 133.
(6) ميزان الاعتدال 1: 604.
(7) تأريخ الإسلام (وفيات 101 - 120): 349.
350
وقال الذهبي: له سنن (1).
وقال ابن حبان: ثقة.
وضعفه ابن عدي.
35 - حمزة بن الطيار:
حمزة بن الطيار، ثقة عظيم الشأن، من رجال الفقه والكلام، مات أيام
الإمام الصادق، وجاءت فيه أحاديث تعرب عن إيمان راسخ وولاء ثابت
لأهل البيت (عليهم السلام).
عده الشيخ (رحمه الله) في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: حمزة
الطيار.
وأخرى (2) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: حمزة بن محمد الطيار الكوفي.
وقال الكشي (3): استأذن رجل من أهل الشام على أبي عبد الله (عليه السلام)
فأذن له، فقال الشامي لأبي عبد الله (عليه السلام): أريد أن أناظرك في الاستطاعة،
فقال (عليه السلام) للطيار: كلمه فيها، فكلمه فما تركه يكشر، فقال أبي عبد الله (عليه السلام)
للشامي: يا أخا الشام، الطيار كان أثناء مناظرته معك كالطير يقع ويقوم،
وأنت كالطير المقصوص لا نهوض لك.
(1) وذكر وفاته في وفيات سنة 101 - 120: 349، وكرر ترجمته في وفيات 121 - 140:
402. وفي أعيان الشيعة 6: 234.
(2) رجال الطوسي: 117، الرقم 45. و 177، الرقم 209.
(3) رجال الكشي: 276 - 277.
351
وعنه (1): ما رواه هشام بن الحكم، " قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام):
ما فعل ابن الطيار؟ قال: قلت: مات، قال: رحمه الله ولقاه نظرة وسرورا،
فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت.
وعنه (2): روى حمزة بن الطيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أخذ
أبو عبد الله (عليه السلام) بيدي ثم عد الأئمة (عليهم السلام) إماما إماما يحسبهم بيده حتى انتهى
إلى أبي جعفر (عليه السلام) فكف، فقلت: جعلني الله فداك لو فلقت رمانة فأحللت بعضها
وحرمت بعضها لشهدت أن ما حرمت حرام وما أحللت حلال، فقال: فحسبك
أن تقول بقوله: وما أنا إلا مثلهم لي ما لهم وعلي ما عليهم، فإن أردت أن تجيء
يوم القيامة مع الذين قال الله تعالى (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) فقل بقوله.
وقال المامقاني (3): لا شبهة في كونه إماميا ورواية ابن أبي عمير عنه بواسطة
جميل بن دراج مشعر بوثاقته، والأخبار الناطقة بترحم الصادق (عليه السلام) عليه ودعائه
له تفيد مدحا معتدا به.
وذكره العلامة في القسم الأول قائلا: الأرجح عندي قبول روايته.
36 - حنان بن سدير:
قال النجاشي (4): حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب أبو الفضل الصيرفي
(1) رجال الكشي: 349، الرقم 651 و 652.
(2) رجال الكشي: 349، الرقم 653.
(3) تنقيح المقال 1: 374، الرقم 3365.
(4) رجال النجاشي: 146، الرقم 378.
352
الكوفي، روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن [موسى] (عليه السلام).
له كتاب في صفة الجنة والنار.
وكان حنان في سدة الجامع على بابه في موضع البزازين، وعمر حنان
عمرا طويلا.
وذكره الشيخ (1) في رجاله في أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وقال: حنان بن سدير
الصيرفي واقفي.
وقال في الفهرست (2): حنان بن سدير له كتاب، وهو ثقة رحمه الله،
روينا كتابه عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن محبوب، عنه.
وقال الكشي (3): حمدويه، قال: حدثنا أيوب بن نوح، عن حنان بن سدير،
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) وميسر عنده،
ونحن في سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقال: ميسرة بياع الزطي: جعلت فداك
عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم.
قال (عليه السلام): ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب وأصحابه، وكان متكئا فجلس فرفع
إصبعه إلى السماء، ثم قال: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،
فاشهد بالله إنه كافر فاسق مشرك، وإنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدوا
وعشيا، ثم قال: أما والله إني لأنفس (4) على أجساد أصيبت معه في النار.
(1) رجال الطوسي: 346، الرقم 5.
(2) فهرست الطوسي: 64، الرقم 244.
(3) رجال الكشي: 296، الرقم 524.
(4) أي: " يؤلمني دخول هؤلاء النار لاتباع أبي الخطاب وقتلهم على نهجه ".
353
وذكره العلامة (1) في القسم الثاني، وقال: حنان بن سدير الصيرفي
من أصحاب الكاظم (عليه السلام) واقفي، قاله الشيخ الطوسي (رحمه الله). وقال في موضع آخر
إنه ثقة، وعندي في روايته توقف.
إلى هنا نكتفي ونترك المجال لمن يريد المزيد في التحقيق مراجعة المعاجم
الرجالية.
37 - خالد بن جرير:
قال النجاشي (2): خالد بن جرير بن عبد الله البجلي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب رواه الحسن بن محبوب.
وذكره الشيخ (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
كما ذكره البرقي (4) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره العلامة (5) في القسم الأول قائلا: خالد بن جرير البجلي، وقال:
رواية الكشي تدل على إيمانه.
وذكره ابن داود (6) في القسم الأول قائلا: خالد بن جرير البجلي.
(1) رجال العلامة: 218، الرقم 2.
(2) رجال النجاشي: 149، الرقم 389.
(3) رجال الطوسي: 189، الرقم 70.
(4) رجال البرقي: 31.
(5) رجال العلامة: 64، الرقم 2.
(6) رجال ابن داود: 87، الرقم 546.
354
وأثبته الشيخ (1) في كتاب الرجال: من أصحاب الصادق (عليه السلام) وأخوه
إسحاق.
وقال الكشي (2): جعفر بن أحمد، عن جعفر بن بشير، عن أبي سلمة الجمال،
قال: دخل خالد البجلي على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده، فقال: جعلت فداك،
إني أريد أن أصف لك ديني الذي أدين الله به، وقد قال له قبل ذلك إني أريد
أن أسألك، فقال له (عليه السلام): سلني فوالله لا تسألني عن شيء إلا حدثتك به على حده
لا أكتمك. قال: إن أول ما أبدأ أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس إله غيره،
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كذلك ربنا ليس معه إله غيره. ثم قال: وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله. قال: فقال أبو عبد الله: كذلك محمدا عبد الله مقر له بالعبودية
ورسوله إلى خلقه. ثم قال: وأشهد أن عليا (عليه السلام) كان له من الطاعة المفروضة
على العباد مثل ما كان لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على الناس، قال: كذلك كان (عليه السلام). وذكر
الأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد حتى وصل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) قال: وأشهد
أنك أورثك الله ذلك كله، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): حسبك اسكت الآن
فقد قلت حقا، فسكت، فحمد الله وأثنى عليه.
وقال المامقاني (3): فالحق أن الرجل من الحسان كما بنى عليه في الوجيزة (4)،
لا من الضعفاء كما بنى عليه الجزائري.
(1) رجال الطوسي: 185، الرقم 2.
(2) رجال الكشي: 422، الرقم 796.
(3) تنقيح المقال 1: 387، الرقم 3542.
(4) الوجيزة للمجلسي: 204، الرقم 651.
355
وقال الكشي (1): محمد بن مسعود، قال: سألت علي بن الحسن عن خالد
ابن جرير الذي يروي عنه الحسن بن محبوب، فقال: كان من بجيلة وكان صالحا.
وقال الزنجاني (2): الأقوى قبول روايته وأدرجناه في الحسن كالصحيح
لرواية ابن محبوب عنه.
وذكرها ابن حبان (3) في الثقات.
38 - خالد بن نجيح:
قال الكشي (4): خالد بن نجيح الجوان، مولى، كوفي، يكنى أبا عبد الله،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام).
وذكره الشيخ (5) في رجاله تارة في أصحاب الصادق، وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليهما السلام) قائلا: خالد بن نجيح روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
كما ذكره البرقي (6) تارة في أصحاب الصادق وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليهما السلام).
(1) رجال الكشي: 346، الرقم 642.
(2) الجامع في الأقوال 1: 707.
(3) ثقات ابن حبان 4: 199. وذكرها ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3: 323، الرقم
1452. والتأريخ الكبير 3: 142، الرقم 480.
(4) رجال الكشي: 150، الرقم 391.
(5) رجال الطوسي: 186، الرقم 7. و 349: الرقم 1.
(6) رجال البرقي: 31 و 48.
356
قال الكشي (1): حدثنا حمدويه، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال:
كان نشيط " بن صالح " وخالد " الجواز " يخدمانه - يعني [يخدمان]
أبا الحسن (عليه السلام) -، قال: فذكر الحسن، عن يحيى بن إبراهيم، عن نشيط،
عن خالد الجواز، قال: لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن [موسى] (عليه السلام)
قلت لخالد: أما ترى ما قد وقعنا فيه من اختلاف الناس؟ [أي قالوا بالوقف]،
فقال لي خالد: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): عهدي إلى ابني علي أكبر ولدي
وخيرهم وأفضلهم.
وذكره ابن داود (2) في القسم الأول قائلا: خالد بن نجيح الجوان، بالجيم
والنون بيان الجون، من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام)، ورأيت في تصنيف بعض
الأصحاب " خالد الحوار " وهو غلط.
وقال الزنجاني (3): وفي الكشي ما يدل على مدحه وعلى ارتفاعه،
والأقوى قبول رواياته، وعدها في الحسن، وطريق الصدوق إليه صحيح
في المشيخة.
وروى عنه ابن أبي عمير وعثمان بن عيسى وأكثروا. وروى عن زرارة
ووهب بن عبد الله.
وروى الرجل في غيبة القائم وسنته (عليه السلام) أحاديث، وهذا يدل على صحة
اعتقاده، واصل الغمز فيه من العامة.
(1) رجال الكشي: 452، الرقم 855.
(2) رجال ابن داود: 87، الرقم 557.
(3) الجامع في الرجال 1: 708.
357
39 - خطاب بن مسلمة:
قال النجاشي (1): خطاب بن مسلمة كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
" ثقة "، له كتاب يرويه عدة منهم محمد بن أبي عمير.
وذكره الشيخ (2) في رجاله في أصحاب الصادق قائلا: خطاب بن سلمة
البجلي الجريري الكوفي.
وأخرى بعنوان خطاب بن مسلمة الكوفي.
وقال الوحيد (3): خطاب بن سلمة يظهر من روايته في كتاب الطلاق
من الكافي (4) أنه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) أيضا وأنه من الشيعة بل ربما يومئ
إلى حسن حاله في الجملة ويحتمل اتحاده مع " ابن مسلمة " الثقة فإن وقوع اشتباه
النساخ في أمثال هذا غير عزيز.
وذكره العلامة في القسم الأول أيضا قائلا: خطاب بن سلمة من أصحاب
الصادق (عليه السلام) كوفي ثقة.
وروى الكليني (5) عن محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله
ابن حماد، عن خطاب بن سلمة، قال: كانت عندي امرأة تصف هذا الأمر
(1) رجال النجاشي: 154، الرقم 407.
(2) رجال الطوسي: 188، الرقم 45 و 49.
(3) تعليقة الوحيد: 132.
(4) الكافي: 6 و 5، الرقم 3.
(5) الكافي 6: 55، الحديث 2.
358
وكان أبوها كذلك وكانت سيئة الخلق وكنت أكره طلاقها لمعرفتي بإيمانها وإيمان أبيها
فلقيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن طلاقها، إلى أن قال:
فابتدأني (عليه السلام) فقال: كان أبي زوجني ابنة عم لي وكانت سيئة الخلق، وكان أبي
ربما يغلق علي وعليها الباب رجاء أن ألقاها، فأتسلق الحائط وأهرب منها،
فلما مات أبي طلقتها، فقلت: الله أكبر أجابني والله عن حاجتي من غير مسألة.
قال المامقاني: هذه الرواية تنص على كونه إماميا.
وذكره البرقي: من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الزنجاني: إنه قد يضبط خطاب بن سلمة، ولكن الأكثر ابن مسلمة.
40 - داود الرقي:
قال العلامة (1): داود بن كثير الرقي مولى بني أسد يكنى أبا سليمان
من أصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام)، وقال: الأقوى قبول روايته.
وعده الشيخ (رحمه الله) (2) في رجاله تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: داود
ابن كثير بن أبي خالد الرقي.
وأخرى (3) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: " ثقة ".
وقال الكشي (4): قال أبو عبد الله (عليه السلام): " أنزلوا داود الرقي مني بمنزلة المقداد
من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
(1) رجال العلامة (القسم الأول): 67، الرقم 1.
(2) رجال الطوسي: 190، الرقم 9.
(3) رجال الطوسي: 349، الرقم 1.
(4) رجال الكشي: 402، الرقم 750.
359
وعنه (1): قال: نظر أبو عبد الله (عليه السلام) إلى داود الرقي وقد ولى، فقال:
" من سره أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم (عليه السلام) فلينظر إلى هذا ". وقال
في موضع آخر: " أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد (رحمه الله) ".
وعاش (2) إلى أيام الرضا (عليه السلام)، وله حديث كثير لا سيما في الكرامات
والفضائل، ولكثرة ما رواه من كراماتهم نسبوه إلى الغلو.
وقد عده الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد من خاصة الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته
وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.
41 - داود بن زربي:
قال النجاشي (3): داود بن زربي أبو إسماعيل الخندقي البندار، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، " ثقة " ذكره ابن عقدة، له كتاب.
وذكره الشيخ (4) في رجاله تارة في أصحاب الصادق وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليهما السلام) قائلا: داود بن زربي روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وقال الكشي (5): كان أخص الناس بالرشيد.
حمدويه وإبراهيم، قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل الرازي، قال: حدثني
(1) رجال الكشي: 402، الرقم 751.
(2) توفي بعد سنة (200) بقليل بعد وفاة الرضا (عليه السلام) وروى عنه. تنقيح المقال 1: 414.
(3) رجال النجاشي: 160، الرقم 424.
(4) رجال الطوسي: 190، الرقم 21. و 349، الرقم 4.
(5) رجال الكشي: 312، الرقم 564.
360
أحمد بن سليمان، قال حدثني داود الرقي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
فقلت له: جعلت فداك، كم عدة الطهارة [الوضوء]؟ فقال: ما أوجبه الله
فواحدة، وأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واحدة لضعف. ومن توضأ [وغسل]
ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له. وأنا معه في ذا، حتى جاء داود بن زربي، فأخذ زاوية
من البيت فسأله عما سألت في عدة الطهارة، فقال له: ثلاثا ثلاثا من نقص عنه
فلا صلاة له. قال داود الرقي: فارتعدت فرائصي، وكاد أن يدخلني الشيطان
فأبصر أبو عبد الله (عليه السلام) إلي وقد تغير لوني، فقال لي: اسكن يا داود هذا هو الكفر،
وضرب الأعناق. قال: فخرجنا من عنده، وكان بيت ابن زربي إلى جوار بستان
أبي جعفر المنصور، وكان قد ألقي إلى أبي جعفر المنصور أمر داود بن زربي
وأنه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد الصادق، فقال أبو جعفر المنصور: إني مطلع
على طهارته فإن هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فإني لأعرف طهارته، حققت
عليه القول وقتلته. فاطلع، وداود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود
ابن زربي الوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبو عبد الله (عليه السلام)، فما تم وضوئه حتى
بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه، قال: فقال داود بن زربي: فلما أن دخلت عليه
رحب بي، وقال: يا داود، قيل فيك شيء باطل وما أنت كذلك، قال: قد اطلعت
على طهارتك وليست طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في حل. فأمر له بمائة ألف
درهم، قال: فقال داود الرقي: التقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد الله (عليه السلام)
فقال له داود بن زربي: جعلني الله فداك حقنت دمائنا في دار الدنيا، ونرجوا
أن ندخل بيمنك وبركتك الجنة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فعل الله ذلك بك وإخوانك
من جميع المؤمنين، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لداود بن زربي: حدث داود الرقي
بما مر عليك حتى تسكن روعته، قال: فحدثني بالأمر كله، قال أبو عبد الله (عليه السلام):
361
لهذا أفتيته لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو، ثم قال: يا داود بن زربي،
توضأ مثنى مثنى، ولا تزيد عليه وإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك.
وروى الكشي (1) بإسناده، عن الضحاك بن الأشعث، قال: أخبرني داود
ابن زربي، قال: حملت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) مالا فأخذ بعضه وترك بعضه،
فقلت: لم لا تأخذ الباقي؟ قال: إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك، فلما مضى:
بعث إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فأخذه مني.
قال الزنجاني (2): في إرشاد المفيد إنه من خاصة الكاظم (عليه السلام) وثقاته
ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته، وممن روى النص على الرضا (عليه السلام)
كما في أكثر النسخ، وفي بعضها " ابن زرين " بدل " زربي ".
انتهى البحث ملخصا.
42 - داود بن فرقد:
قال النجاشي (3): داود بن فرقد مولى آل أبي السمال الأسدي النصري،
كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وقال ابن فضال: داود ثقة
ثقة، له كتاب يرويه عنه عدة من الثقات.
وعده الشيخ (رحمه الله) (4) في رجاله تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال الكشي: 313، الرقم 565.
(2) الجامع في الرجال 1: 742.
(3) رجال النجاشي: 158، الرقم 418.
(4) رجال الطوسي: 189، الرقم 4.
362
وأخرى (1) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: ثقة، له كتاب.
وقال الكشي (2): روى داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: قال (عليه السلام):
ما أحد أجهل منهم - يعني: العجلية (3) -، إن في المرجئة فتيا وعلما، وفي الخوارج
فتيا وعلما، وما أحد أجهل منهم.
وعنه (4): عن داود بن فرقد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
إن أصحابي أولوا النهى والتقى، فمن لم يكن من أهل النهى والتقى فليس
من أصحابي.
روى الكشي (5) عنه، " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن رجلا خلفي
حين صليت المغرب في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (ما لكم في المنافقين فئتين
والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله) (6)، فعلمت أنه يعنيني،
فالتفت إليه وقلت: (إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) (7)، فإذا هو
هارون بن سعد (8)، قال: فضحك الإمام (عليه السلام) ثم قال: أصبت الجواب قبل الكلام
بإذن الله، وقال داود: جعلت فداك، لا جرم والله ما تكلم بكلمة، فقال
(1) رجال الطوسي: 349، الرقم 2.
(2) رجال الكشي: 229، الرقم 412.
(3) العجلية: طائفة من الزيدية، وهم: أصحاب " هارون بن سعد العجلي ".
(4) رجال الكشي: 255، الرقم 473.
(5) رجال الكشي: 221.
(6) النساء: 88.
(7) الأنعام: 121.
(8) الكوفي الزيدي، وقد ذمه الإمام الصادق.
363
أبو عبد الله (عليه السلام): ما أحد أجهل منهم، إن في المرجئة فتيا وعلما، وفي الخوارج
فتيا وعلما، وما أحد أجهل منهم.
وذكره البرقي (1) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وأخرى (2) في أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وقد وثقه المجلسي (3) وعبد النبي الجزائري (4) والكاظمي (5) والطريحي (6).
وذكره العلامة (7) وابن داود (8) كل منهما في القسم الأول.
43 - ذريح المحاربي:
قال النجاشي (9): ذريح بن محمد بن يزيد أبو الوليد المحاربي،
عربي من بني محارب بن خصفة، روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن
[موسى] (عليهما السلام)، ذكره ابن عقدة، وابن نوح، له كتاب يرويه عدة من
أصحابنا.
(1) رجال البرقي: 32.
(2) رجال البرقي: 47.
(3) الوجيزة: 209، الرقم 700.
(4) حاوي الأقوال (مخطوط): 70، الرقم 256.
(5) هداية المحدثين: 59.
(6) جامع المقال: 66.
(7) رجال العلامة: 68، الرقم 2.
(8) رجال ابن داود: 91، الرقم 592.
(9) رجال النجاشي: 163، الرقم 431.
364
وعده الشيخ (1) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: ذريح بن يزيد المحاربي
الكوفي يكنى أبا الوليد.
وقال في الفهرست (2): ذريح المحاربي ثقة له أصل.
وقال الكشي (3): روى أبو سعيد بن سليمان، قال: حدثنا العبيدي، قال:
حدثنا يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى، وجعفر بن بشير جميعا، عن ذريح
المحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ما ترك الله الأرض بغير إمام قط منذ قبض
آدم (عليه السلام) يهتدى به إلى الله تبارك وتعالى، وهو الحجة على العباد، من تركه هلك
ومن لزمه نجا حقا على الله تعالى.
وقال (4): حدثني خلف بن حماد، قال: حدثني أبو سعيد، قال: حدثني
الحسن بن محمد بن أبي طلحة، عن داود الرقي، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام):
جعلت فداك، إنه والله ما يلج في صدري من أمرك شيء إلا حديثا سمعته من ذريح
عن أبي جعفر (عليه السلام). قال لي (عليه السلام): وما هو؟ قال: سمعته يقول: سابعنا قائمنا
إن شاء الله، قال (عليه السلام): صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر (عليه السلام)، فازددت
والله شكا، ثم قال: يا داود بن أبي خالد، أما والله لولا أن موسى قال للعالم:
ستجدني إن شاء الله صابرا ما سأله عن شيء، وكذلك أبو جعفر (عليه السلام) لولا أن قال
إن شاء الله لكان كما قال، فقطعت عليه.
(1) رجال الطوسي: 191، الرقم 1.
(2) فهرست الطوسي: 69، الرقم 279.
(3) رجال الكشي: 372، الرقم 698.
(4) رجال الكشي: 373، الرقم 700.
365
وقال الجزائري (1): إن لذريح منزلة عظيمة عند الإمام (عليه السلام) وعلو الشأن
وحفظ السر [أي عند الإمام الصادق (عليه السلام)].
وقد وثق الرجل الفاضل المجلسي في الوجيزة (2)، والبحراني في البلغة (3)،
والفاضل الجزائري (4) حيث عده في قسم الثقات.
وقال المامقاني (5): شهادة الشيخ (رحمه الله) في وثاقة الرجل حجة بديعة مؤيدة
بالصحيح.
كما ذكره البرقي (6) من أصحاب الصادق (عليه السلام) باسمه كاملا.
هذا ملخص ما ذكره أرباب المعاجم.
44 - الرباب:
ذكرها الشيخ (7) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: الرباب امرأة
داود بن كثير الرقي.
وعن ثواب الأعمال، " بعد حذف السند "، عن داود الرقي، عن الرباب
(1) حاوي الأقوال: 71، الرقم 261.
(2) الوجيزة: 210، الرقم 715.
(3) بلغة المحدثين: 360، الرقم 1.
(4) حاوي الأقوال: 71، الرقم 261.
(5) تنقيح المقال 1: 421، الرقم 3567.
(6) رجال البرقي: 44.
(7) رجال الطوسي: 342، الرقم 11.
366
امرأته، قالت: اتخذت خبيصا فأدخلته على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يأكل،
فوضعت الخبيص بين يديه وكان يلقم أصحابه فسمعته يقول: من لقم مؤمنا لقمة
حلاوة صرف الله عنه بها مرارة يوم القيامة.
وقال المامقاني (1): الظاهر أنها إمامية إلا أني لم أقف على ما يدرجها
في الحسان.
وذكرها البرقي (2) في من روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) من النساء قائلا:
امرأة داود الرقي.
ومن الروايات يستفاد أن الرباب كانت مقربة من الإمام (عليه السلام).
45 - زرارة:
قال النجاشي (3): زرارة بن أعين بن سنسن مولى لبني عبد الله بن عمرو،
أبو الحسن، شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئا فقيها متكلما شاعرا
أديبا، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقا فيما يرويه، له كتاب
في الاستطاعة والجبر، ومات زرارة سنة خمسين ومائة.
وقال الكشي (4): قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): إذا كان يوم القيامة
نادى مناد: أين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم زرارة
ابن أعين.
(1) تنقيح المقال 3: 78.
(2) رجال البرقي: 62.
(3) رجال النجاشي: 175، الرقم 463.
(4) رجال الكشي: 10.
367
وعده الشيخ (1) في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام).
وأخرى (2) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: زرارة بن أعين الشيباني
مولاهم.
وثالثة (3) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) وقال: ثقة.
وما كان زرارة فقيها فحسب بل كان يجمع عدة فضائل حتى قال ابن النديم
في الفهرست (4) في شأنه: زرارة أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام
والتشيع.
وماذا يقول القائل في زرارة؟ وهل يستطيع ذو براعة ويراعة أن يأتي بكلمة
تجمع فضل زرارة؟ وكفى عن بيان مقامه، ورفيع شأنه، ما جاء فيه عن
أئمة الهدى (عليهم السلام)، وكفى منه ما سبق ذكره في بريد العجلي، بيد أننا نذكر ها هنا شيئا
لم يسبق ذكره هناك، فإن الصادق (عليه السلام) قال له مرة: " يا زرارة، إن اسمك في أسامي
أهل الجنة بغير ألف "، قال: " نعم، جعلت فداك، اسمي عبد ربه ولكني لقبت
زرارة ". وقال: " لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب ". وقال للفيض
ابن المختار (5): " فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس - وأومأ بيده إلى زرارة - ".
(1) رجال الطوسي: 123، الرقم 16.
(2) رجال الطوسي: 201، الرقم 90.
(3) رجال الطوسي: 350، الرقم 1.
(4) فهرست ابن النديم: 276.
(5) الجعفي الكوفي، روى عن الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) وهو من ثقات رواتهم.
368
وقال في حديث آخر: " رحم الله زرارة (1)، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست
أحاديث أبي ". وقال الرضا (عليه السلام): " أترى أن أحدا أصدع بحق من زرارة "،
إلى أمثال هذه الأحاديث، وفيها ما يغنيك عن قول كل فصيح يريد أن يترجم
لزرارة معربا عما له من فضل وعلم ومقام لدى أهل البيت (عليهم السلام).
وقال النجاشي: شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئا فقيها متكلما
شاعرا أديبا، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين.
وقال أبو غالب الزراري كما حكي عنه: روي أن زرارة كان وسيما جسيما
أبيضا، فكان يخرج إلى الجمعة وعلى رأسه برنس أسود وبين عينيه سجادة وفي يده
عصا فيقوم الناس سماطين ينظرون إليه لحسن هيئته فربما رجع من طريقه
وكان خصما جدلا لا يقوم أحد بحجته صاحب إلزام وحجة قاطعة إلا أن العبادة
أشغلته عن الكلام، والمتكلمون من الشيعة تلاميذه.
فزرارة قد جمع الفضل كله، ولكن شهرته في الفقه غلبت على فضائله الأخر،
ومن غاص في بحر الفقه عرف ما لهذا الرجل من حديث، حتى لتكاد لا تجد بابا
من أبواب الفقه إلا وله فيه حديث أو أحاديث، وهو أحد الستة الأول أصحاب
أبي جعفر (عليه السلام) الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، والإقرار لهم
بالفقه، ولا غرو لو عد زرارة أفقههم.
وكان زرارة معروفا بالعلم والفضيلة والقرب من أهل البيت، وهذا أكبر
جرم عند أعدائهم، فما زال في خطر من جراء ذلك، فكان الإمام ينال منه أحيانا
ليدفع بذلك عنه الخطر، ومن ثم جاءت أحاديث تطعن فيه، وقد كشف عن سبب
(1) ظاهر هذا الحديث أن زرارة مات أيام الصادق (عليه السلام)، إلا أن يكون الصادق ترحم عليه وهو
حي.
369
ذلك القدح الصادق نفسه، فقال في حديث طويل رواه الكشي (1): " إني إنما أعيبك
دفاعا مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى من قربناه وحمدنا مكانه
لإدخال الأذى في من نحبه ونقربه - إلى أن قال -: فأحببت أن أعيبك ليحمدوا
أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك... الخ.
فمن ها هنا نعرف مكانة زرارة لديهم وشأن تلك الأحاديث القادحة.
46 - زكريا بن سابور:
ذكر النجاشي (2) في ترجمة أخيه " بسطام بن سابور " وقال: بسطام بن سابور
الزيات أبو الحسين الواسطي، مولى، ثقة، وأخوته زكريا، وزياد، وحفص،
ثقات كلهم رووا عن أبي عبد الله، وأبي الحسن (عليهما السلام)، وذكرهم أبو العباس وغيره
في رجاله.
وذكره الشيخ (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقال: زكريا
ابن سابور الأزدي مولاهم الواسطي.
وقال الكشي (4)، بعد حذف السند: عن سعيد بن يسار، أنه حضر أحد
ابني سابور، وكان لهما ورع وإخبات، فمرض أحدهما ولا أحسبه إلا زكريا
ابن سابور، فحضرته عند موته، قال: فبسط يده ثم قال: ابيضت يدي يا علي
(1) رجال الكشي: 138، الرقم 221.
(2) رجال النجاشي: 110، الرقم 280.
(3) رجال الطوسي: 199، الرقم 68.
(4) رجال الكشي: 335، الرقم 614.
370
[المراد هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)]، قال: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
وعنده محمد بن مسلم، فقال (عليه السلام): أخبرني خبر الرجل الذي حضرته عند الموت،
أي شيء يقول؟ قلت: بسط يده فقال: ابيضت يدي يا علي، فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): رآه والله، رآه والله رآه.
وقد ذكره كل من العلامة وابن داود في القسم الأول من كتابيهما.
ونقل الميرزا (1) عن رجال العلامة: زكريا بن سابور ثقة، وعليهما بخط
الشهيد الثاني لم يوثقه من الجماعة غير " العلامة " فينبغي تحقيق الحال فيه.
وقد وثقه المجلسي، والبحراني، وعده الجزائري في قسم الثقات.
47 - زيد الشحام:
قال النجاشي (2): زيد بن يونس، وقيل: ابن موسى أبو أسامة الشحام، مولى
شديد بن عبد الرحمن، كوفي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
وعده الشيخ (3) في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: زيد بن محمد
ابن يونس أبو أسامة الشحام الكوفي.
وأخرى (4) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: زيد بن يونس أبو أسامة
الأزدي مولاهم الشحام الكوفي.
(1) منهج المقال: 150.
(2) رجال النجاشي: 175، الرقم 462.
(3) رجال الطوسي: 122، الرقم 2.
(4) رجال الطوسي: 195، الرقم 2.
371
وذكره (1) أيضا في الفهرست وقال: زيد الشحام يكنى أبا أسامة ثقة،
له كتاب.
وذكره العلامة (2) في القسم الأول وقال: ثقة عين.
ووثقه ابن شهرآشوب في المعالم (3)، والمجلسي في الوجيزة (4).
وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) من فقهاء الصادقين (عليهما السلام) الأعلام الرؤساء المأخوذ
عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا مطعن عليهم ولا طريق إلى ذم
واحد منهم.
وجاءت في أحاديث تشهد له بعلو الدرجة، منها ما رواه الكشي (5) عن زيد
نفسه: " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): اسمي في تلك الأسامي؟ - يعني في كتاب
أصحاب اليمين - قال: نعم ".
وما رواه أيضا عنه (6): " قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي:
يا زيد، جدد التوبة وأحدث عبادة، قال: قلت: نعيت إلي نفسي، قال: فقال:
يا زيد، ما عندنا لك خير وأنت من شيعتنا - إلى أن قال -: يا زيد، كأني أنظر إليك
في درجتك في الجنة.
إلى غير هذا مما يرشدنا إلى علو مقامه ورفيع درجته.
(1) فهرست الطوسي: 71، الرقم 288.
(2) رجال العلامة: 73، الرقم 3.
(3) معالم العلماء: 51، الرقم 337.
(4) الوجيزة: 216، الرقم 787.
(5) رجال الكشي: 337، الرقم 618.
(6) رجال الكشي: 337، الرقم 619.
372
48 - زيد الشهيد:
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، روى عن أبيه الإمام
السجاد (عليه السلام)، وروى عن أخيه الإمام الباقر (عليه السلام)، وكان يرى إمامة الصادق
ويدعو له في السر، وما ادعى الإمامة لنفسه أيام حياته وجهاده قط. وقد استشهد
بالكوفة حين قام بثورته سنة 121، فبكاه الإمام الصادق وترحم عليه.
عده الشيخ (1) في رجاله تارة في أصحاب السجاد (عليه السلام) قائلا: زيد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وأخرى (2) في أصحاب الباقر (عليه السلام) وكناه بأبي الحسين.
وثالثة (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: زيد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب أبو الحسين، مدني، تابعي، قتل سنة إحدى وعشرين ومائة،
وله اثنتان وأربعون سنة.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) (4): كان زيد بن علي عين إخوته بعد أبي جعفر (عليه السلام)
وأفضلهم وكان ورعا عابدا فقيها سخيا شجاعا وظهر بالسيف يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر ويطلب بثارات الحسين (عليه السلام) - إلى أن قال - فقتل وصلب
أربع سنين وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة مائة وعشرين.
(1) رجال الطوسي: 89، الرقم 1.
(2) رجال الطوسي: 122، الرقم 1.
(3) رجال الطوسي: 195، الرقم 1.
(4) إرشاد المفيد: 268.
373
وقال الكشي (1): عن عمرو بن خالد - وكان من رؤساء الزيدية، عن
أبي الجارود - وكان رأس الزيدية -، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) جالسا إذ أقبل
زيد بن علي (عليه السلام) فلما نظر إليه أبو جعفر (عليه السلام) قال: هذا سيد أهل بيتي والطالب
بأوتارهم، وقال ابن فضال: إنه ثقة -.
وعنه (2)، عن سدير، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ومعي سلمة بن سهيل
وأبو المقدام ثابت الحداد وسالم بن أبي حفصة وكثير النواء، وعند أبي جعفر (عليه السلام)
أخوه زيد بن علي (عليه السلام) فقالوا لأبي جعفر (عليه السلام): نتولى عليا وحسنا وحسينا
ونتبرأ من أعدائهم! قال: نعم. قالوا: نتولى أبا بكر وعمر ونتبرأ من أعدائهم!
قال: فالتفت إليهم زيد بن علي وقال لهم: أتتبرؤون من فاطمة؟ بترتم أمرنا
بتركم الله.
وعنه (3)، عن فضيل الرسان، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بعد ما قتل
زيد بن علي (رحمه الله)، فأدخلت بيتا جوف بيت فقال لي: يا فضيل، قتل عمي زيد؟
قلت: نعم، جعلت فداك، قال: رحمه الله، أما إنه كان مؤمنا وكان عارفا وكان
عالما وكان صدوقا، أما إنه لو ظفر لوفى، أما إنه لو ملك لعرف كيف يضعها.
وعنه (4): عن عبد الرحمن بن سيابة، قال: دفع إلي أبو عبد الله (عليه السلام) دنانير
وأمرني أن أقسمها في عيالات من أصيب مع عمه زيد.
(1) رجال الكشي: 231، الرقم 419.
(2) رجال الكشي: 236، الرقم 429.
(3) رجال الكشي: 285، الرقم 505.
(4) رجال الكشي: 338، الرقم 621.
374
وقال المامقاني (1): ملخص المقال أني أعتبر زيدا ثقة وأخباره صحاحا
بعد كون خروجه بإذن الصادق (عليه السلام) لمقصد عقلائي عظيم وهو مطالبة حق الإمامة
إتماما للحجة على الناس.
وروى الصدوق (رحمه الله) في الأمالي، بسنده عن عمرو بن خالد، قال: قال زيد
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): في كل زمان رجل منا أهل البيت
يحتج الله به على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد (عليه السلام) لا يضل من تبعه
ولا يهتدي من خالفه.
وروى عن أبيه السجاد (عليه السلام) وكفى من روايته للصحيفة السجادية التي جمعت
فنونا من العلم والأدب والفصاحة والبلاغة، والتي تعرفك كيف الخضوع للمولى
في دعائه ومسألته والتي هي وحدها دلالة واضحة على إمامة الأئمة من أهل البيت.
وهي زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
49 - سالم بن مكرم:
قال النجاشي (2): سالم بن مكرم بن عبد الله أبو خديجة، ويقال أبو سلمة
الكناسي، ويقال صاحب الغنم، مولى بني أسد الجمال، كنيته كانت أبا خديجة،
وإن أبا عبد الله (عليه السلام) كناه أبا سلمة، ثقة ثقة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام).
له كتاب يرويه عنه عدة من أصحابنا.
(1) تنقيح المقال 1: 469 - 470.
(2) رجال النجاشي: 188، الرقم 501.
375
قال الكشي (1): محمد بن مسعود، قال: سألت أبا الحسن علي بن الحسن،
عن اسم أبي خديجة؟ قال: سالم بن مكرم، فقلت له: ثقة؟ فقال: صالح
وكان من أهل الكوفة وكان جمالا، وذكر أنه حمل أبا عبد الله (عليه السلام) من مكة
إلى المدينة، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة قال:
أبو عبد الله (عليه السلام): لا تكن بأبي خديجة. قلت: فبم اكتنى؟ فقال (عليه السلام): بأبي سلمة.
وكان سالم من أصحاب أبي الخطاب، وكان في المسجد يوم بعث عيسى
ابن موسى العباسي، وكان عامل المنصور على الكوفة، فلما بلغه أن أبا الخطاب
وجماعته قد أظهروا الإباحات، ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب، وإنهم
يجتمعون في المسجد ولزموا الأساطين يورون الناس أنهم قد لزموها للعبادة،
فبعث إليهم عيسى بن موسى العباسي رجلا [أو رجالا] فقتلهم جميعا لم يفلت
منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى فعد منهم، فلما جنه
الليل خرج من بينهم فتخلص، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقب
بأبي خديجة.
فذكر بعد ذلك أنه تاب وكان ممن يروي الحديث.
وذكره العلامة (2) في المختلف في بحث الخمس وحكم بصحة رواية سالم
ابن مكرم.
وذكره ابن داود (3) في القسم الثاني.
(1) رجال الكشي: 352، الرقم 661.
(2) رجال العلامة: 227، الرقم 190.
(3) رجال ابن داود: 247، الرقم 202.
376
وقال السيد الداماد: اختلفت الأقوال " في أبي خديجة سالم بن مكرم "،
والأرجح عندي فيه الصلاح.
وقال الميرزا (1): حيث لا يخفى أن ظاهر ما تقدم من الكشي أن روايته
الحديث بعد هذه الواقعة والتوبة، وهو الذي يقتضيه التوثيق والقول
بالصلاح.
وعده الجزائري (2) في الثقات، وقال: والذي يظهر أن الأرجح عدالته
لتساقط قول الشيخ (رحمه الله)، وتكافؤهما وعبارة الكشي لا تقتضي القدح.
انتهت ترجمة سالم بن مكرم مختصرا، ومن يرد المزيد فليراجع معاجم
الرجال.
50 - سدير الصيرفي:
سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي الكوفي، مولى، روى عن ثلاثة من أئمة
أهل البيت، السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام)، وروى عن كثير من الثقات.
عده الشيخ (رحمه الله) (3) في رجاله تارة في أصحاب السجاد (عليه السلام) قائلا: سدير
ابن حكيم بن صهيب الصيرفي، يكنى أبا الفضل، من الكوفة، مولى.
وأخرى (4) في أصحاب الباقر (عليه السلام).
(1) منهج المقال: 157.
(2) حاوي الأقوال: 85، الرقم 309.
(3) رجال الطوسي: 91، الرقم 4.
(4) رجال الطوسي: 125، الرقم 15.
377
وثالثة (1) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (2): قال زيد الشحام: إني لأطوف حول الكعبة وكفي في كف
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " يا شحام إني طلبت إلى إلهي في سدير وعبد السلام
ابن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما لي وخلى سبيلهما ".
وقوله (عليه السلام): وكان عنده سدير: " إن الله إذا أحب عبدا غثه (3) بالبلاء غثا،
وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي " من الله سبحانه دلالة على كبر منزلته عنده
وتقديره له، وكفى بعلو درجته أنه ممن يحبه الله ويغمره بألطاف بلائه، إلى ما سوى
ذلك من الأحاديث.
وقال المامقاني (4): إن سديرا إمامي ممدوح محبوب لله تعالى، محب
لأهل البيت (عليهم السلام) قلبا وقالبا ومن بطانتهم والعارف منهم كلماتهم وألحانهم.
وقد عد الرجل في الوجيزة (5) ممدوحا.
وذكره العلامة (6) في القسم الأول المعد للثقات والممدوحين.
وقال الذهبي (7): روى عن عكرمة وأبي جعفر الباقر، وعنه السفيانان.
(1) رجال الطوسي: 217، الرقم 232.
(2) رجال الكشي: 210، الرقم 372.
(3) الغث: يأتي لمعان أظهرها في المقام - الغط -.
(4) تنقيح المقال 2: 8 - 9.
(5) الوجيزة للمجلسي: 217، الرقم 800.
(6) رجال العلامة: 85، الرقم 3.
(7) تأريخ الإسلام (وفيات 121 - 140): 436.
378
وقال أبو حاتم (1): صالح الحديث.
وقال الدارقطني (2): له مقاطيع، وذكره في الضعفاء.
وقال العقيلي (3): كان ممن يغلو في الرفض.
وقال الجوزجاني (4): مذموم المذهب.
وقال النسائي (5): سدير الصيرفي، ليس بثقة.
51 - سعيد الأعرج:
قال الكشي (6): جعفر، عن فضالة بن أيوب وغير واحد، عن معاوية
ابن عمار، عن سعيد الأعرج، قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فاستأذن له رجلان،
فأذن لهما، فقال أحدهما: أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال: ما عرف ذلك فينا،
قال: بالكوفة قوم يزعمون أن فيكم إماما مفترض الطاعة، وهم لا يكذبون
أصحاب ورع واجتهاد وتسمير (7) منهم عبد الله بن أبي يعفور، وفلان وفلان،
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أمرتهم بذلك، ولا قلت لهم أن يقولوه، قال: فما ذنبي؟
(1) الجرح والتعديل 4: 323.
(2) الضعفاء والمتروكين: 103، الرقم 280.
(3) الضعفاء الكبير 2: 179، الرقم 700.
(4) ميزان الاعتدال 2: 116، الرقم 3081.
(5) الضعفاء للنسائي: 130، الرقم 303.
(6) رجال الكشي: 427، الرقم 802.
(7) في بعض النسخ: " تشمير " أو " تمييز ".
379
واحمر وجه الإمام وغضب غضبا شديدا، قال: فلما رأيا الغضب في وجهه قاما
فخرجا. قال (عليه السلام): أتعرفون الرجلين؟ قلنا: نعم، هما رجلان من الزيدية،
وهما يزعمان أن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند عبد الله بن الحسن، فقال: كذبوا،
عليهم لعنة الله، ثلاث مرات، [فقال (عليه السلام)]: لا والله ما رآه عبد الله ولا أبوه
الذي ولده بواحدة من عينيه قط. ثم قال: اللهم إلا أن يكون رآه على علي
ابن الحسين وهو متقلده، فإن كانوا صادقين فاسألوهم ما علامته؟ فإن في ميمنته
علامة وفي ميسرته علامة، [ثم] قال: والله إن عندي لسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
والله عندي لألواح موسى (عليه السلام) وعصاه، والله إن عندي لخاتم سليمان بن داود،
والله إن عندي الطست الذي كان موسى يقرب فيها القربان، والله إن عندي
لمثل الذي جاءت به الملائكة تحمله، والله إن عندي للشيء الذي كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضعه بين المسلمين والمشركين فلا يصل إلى المسلمين نشابه،
ثم قال: إن الله عز وجل أوحى إلى طالوت إنه لن يقتل جالوت إلا من لبس
درعك ملأها، فدعى طالوت جنده رجلا رجلا فألبسهم الدرع فلم يملأها أحد
منهم إلا داود (عليه السلام)، فقال: يا داود إنك أنت تقتل جالوت فابرز إليه، فبرز إليه
فقتله، فإن قائمنا إن شاء الله من إذا لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملأها وقد لبسها
أبو جعفر فخطت عليه ولبستها أنا فكانت، وكانت.
وقال النجاشي (1): سعيد بن عبد الرحمن الأعرج، وقيل ابن عبد الله،
الأعرج السمان أبو عبد الله التميمي، مولاهم، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره ابن عقده وابن نوح.
(1) رجال النجاشي: 181، الرقم 477.
380
له كتاب يرويه عنه جماعة.
وذكره الشيخ (1) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره العلامة (2) في القسم الأول، وقال مقالة النجاشي بعينها.
وكذلك ذكره ابن داود (3) في القسم الأول: تارة بعنوان سعيد الأعرج،
وأخرى سعيد بن عبد الرحمن، وقيل: ابن عبد الله الأعرج السمان.
قال الزنجاني (4) باتحاد سعيد السمان، وسعيد الأعرج، وابن عبد الرحمن،
وابن عبد الله، واحتمال التعدد.
قال المامقاني (5): هو " سعيد بن عبد الرحمن الأعرج ".
وقال الشيخ في الفهرست (6): سعيد بن الأعرج، له أصل.
52 - سليمان الأعمش:
أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش الأسدي الكوفي، اتفقت الخاصة والعامة
على وثاقته وفضله وجلالته، وقد أثنى العامة عليه الثناء الجميل، واعترفوا له
بالمزايا الحميدة مع اعترافهم بتشيعه، فهذا الذهبي في ميزان الاعتدال يقول:
(1) رجال الطوسي: 204، الرقم 24.
(2) رجال العلامة: 80، الرقم 6.
(3) رجال ابن داود: 102، الرقم 689، و 103: الرقم 691.
(4) الجامع في الرجال 1: 859.
(5) تنقيح المقال 2: 24، الرقم 4817.
(6) فهرست الطوسي: 77، الرقم 313.
381
" أبو محمد أحد الأئمة الثقات عداده في صغار التابعين ". ويقول: " فالأعمش عدل
صادق ثبت، صاحب سنة وقرآن "، إلى غيره من مؤلفي الرجال والتراجم.
وكان راوية لفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى أن الخاصة والعامة روت
أن المنصور سأله: كم تحفظ من الحديث في فضائل علي (عليه السلام)؟ قال له: عشرة آلاف
حديث، وفي بعض الروايات على بعض النسخ أو ألف حديث، ولعل هذا الترديد
منه كان حذرا من المنصور لعلمه بما يحقده على أولاد علي (عليه السلام)، ولما انتبه المنصور
لقصد الأعمش من الترديد أراد أن يطمئنه عما اختلج في نفسه، فقال له: بل عشرة
آلاف كما قلت أولا.
قيل: إن ولادته كانت سنة قتل الحسين (عليه السلام) وهي سنة 61، ووفاته
في الخامس والعشرين من ربيع الأول عام 148 وهي سنة وفاة الإمام
الصادق (عليه السلام).
عده الشيخ (رحمه الله) (1) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: سليمان بن مهران أبو محمد
الأسدي مولاهم الأعمش الكوفي.
وذكره ابن داود (2) في القسم الأول وقال: مهمل.
وقال سيد الحكماء الداماد (قدس سره): معروف بالفضل والثقة والجلالة والتشيع
والاستقامة.
وقال الشيخ البهائي (رحمه الله) في محكي رسالته الموسومة بتوضيح المقاصد ما لفظه:
في الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة توفي سليمان
(1) رجال الطوسي: 206، الرقم 72.
(2) رجال ابن داود: 106، الرقم 729.
382
ابن مهران الأعمش، وكان من الزهاد والفقهاء، والذي استفدته من تصفح التواريخ
أنه من الشيعة الإمامية.
وقال المجلسي (1): دخل على الأعمش في علته التي قبض فيها ابن شبرمة
وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، فسألوه عن حاله، فذكر ضعفا شديدا وذكر ما يتخوف
من خطيئاته، وأدركته رقة فبكى، فأقبل أبو حنيفة فقال: يا أبا محمد، اتق الله
وانظر لنفسك، فإنك في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة وقد كنت
تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها خيرا لك، قال الأعمش:
مثل ماذا يا نعمان؟ قال: مثل حديث عباية: أنا قسيم النار، قال: أو لمثلي تقول
يا يهودي؟ أقعدوني، سندوني، حدثني - والذي إليه مصيري - موسى بن طريف
- ولم أر أسديا كان خيرا منه - قال: سمعت عباية بن ربعي أمام الحي قال:
سمعت عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أنا قسيم النار، أقول: هذا وليي دعيه
وهذا عدوي خذيه.
وعنه، عن أبي سعيد الخدري (رض)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
إذا كان يوم القيامة يأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلي على الصراط، ويقال لنا:
أدخلا الجنة من آمن بي وأحبكما، وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما، قال
أبو سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما آمن بالله من لم يؤمن بي ومن لم يتول
- أو قال - لم يحب عليا.
وقال الذهبي (2): سليمان بن مهران الأعمش الإمام أبو محمد الأسدي مولاهم
(1) بحار الأنوار 29: 196.
(2) تأريخ الإسلام (وفيات 141 - 160): 161.
383
الكاهلي الكوفي الحافظ المقرئ أحد الأئمة الأعلام.
يقال ولد بقرية من عمل طبرستان، وذلك سنة إحدى وستين.
وقال يحيى القطان: كان الأعمش من النساك، وكان محافظا على الصف
الأول، وهو علامة الإسلام.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان ثقة ثبتا، كان محدث الكوفة في زمانه،
وكان الأعمش عسرا سئ الخلق، قال: وكان فيه تشيع.
وتوفي في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة، وله سبع وثمانون
سنة.
53 - سماعة:
سماعة بن مهران الحضرمي الكوفي، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، مات بالمدينة وله حديث كثير في الفقه، وروى كثيرا
من زيارات الأئمة ودعاء الصادق (عليه السلام).
وقال النجاشي (1): سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي، مولى عبد
ابن وائل، يكنى أبا ناشرة، وقيل: أبا محمد. كان يتجر في القز ويخرج به إلى حران،
نزل الكوفة في كندة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ومات بالمدينة،
ثقة ثقة، وله بالكوفة مسجد وبحضرموت، له كتاب.
وعده الشيخ (2) في رجاله تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال النجاشي: 193، الرقم 517.
(2) رجال الطوسي: 214، الرقم 196.
384
وأخرى (1) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: له كتاب، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، واقفي.
وذكر أحمد بن الحسين أنه وجد في بعض الكتب أنه مات سنة خمس وأربعين
ومائة، في حياة أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، والله أعلم.
وقال المامقاني (2): إنه اثنى عشري، والحق الحقيق بالاتباع وثاقة الرجل
وعدم وقفه الذي لم يثبت.
وروى الديلمي في محكي إرشاده مرسلا، قال " سماعة ": دخلت على
الصادق (عليه السلام) فقال: يا سماعة، من شر الناس؟ قلت: نحن يا بن رسول الله.
فغضب حتى احمرت وجنتاه ثم استوى جالسا وكان متكئا فقال: يا سماعة، من
شر الناس عند الناس؟ فقلت: ما كذبتك يا بن رسول الله، نحن شر الناس
عند الناس، سمونا كفارا ورافضة، فنظر إلي ثم قال: كيف بكم إذا سيق بكم
إلى الجنة وسيق بهم إلى النار فينظرون إليكم فيقولون: ما لنا لا نرى رجالا
كنا نعدهم من الأشرار، يا سماعة بن مهران، إن من أساء منكم إساءة مشينا إلى الله
بأقدامنا فنشفع فيه فنشفع، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، والله لا يدخل
النار منكم خمسة رجال، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل
النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات وأكمدوا أعدائكم بالورع.
(1) رجال الطوسي: 351، الرقم 4.
(2) تنقيح المقال 2: 68.
أقول: كيف يكون واقفيا، وقد ظهرت بدعة الواقفية بعد شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) في
سنة 183 ه.
385
54 - شعيب العقرقوفي:
قال النجاشي (1): شعيب العقرقوفي أبو يعقوب ابن أخت أبي بصير يحيى
ابن القاسم، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)، ثقة، عين، له كتاب
يرويه حماد بن عيسى وغيره.
ذكره الشيخ (2) في رجاله، تارة في أصحاب الصادق وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليهما السلام) قائلا: شعيب العقرقوفي من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام).
وقال الكشي (3): وجدت بخط جبريل بن أحمد، حدثني محمد بن عبد الله
ابن مهران، عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه،
قال: أخبرني شعيب العقرقوفي، قال: قال لي أبو الحسن موسى (عليه السلام) مبتدئا
من غير أن أسأله عن شيء: يا شعيب، يلقاك غدا رجل من أهل المغرب يسألك
عني، فقل هو والله الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله (عليه السلام)، فإذا سألك عن الحلال
والحرام فأجبه مني. فقلت: جعلت فداك، فما علامته؟ فقال: رجل طويل جسيم
يقال له يعقوب، فإذا أتاك، فلا عليك أن تجيبه عن جميع ما سألك فإنه واجد قومه،
وإن أحب أن تدخله إلي فأدخله. قال: فوالله إني لفي طوافي إذ أقبل إلي
رجل طويل من أجسم ما يكون من الرجال، فقال لي: أريد أن أسألك عن
صاحبك، فقلت: عن أي صاحب؟ قال: عن فلان بن فلان، فقلت: ما اسمك؟
فقال: يعقوب. فقلت: ومن أين أنت؟ فقال: رجل من أهل المغرب، قلت:
(1) رجال النجاشي: 195، الرقم 521.
(2) رجال الطوسي: 217، الرقم 7. و 352، الرقم 1.
(3) رجال الكشي: 442، الرقم 831.
386
فمن أين عرفتني؟ قال: أتاني آت في منامي، إلق شعيبا فسله عن جميع ما تحتاج
إليه، فسألت عنك فدللت عليك، فقلت: إجلس في هذا الموضع حتى أفرغ
من طوافي وآتيك إن شاء الله، فطفت ثم أتيته فكلمت رجلا عاقلا، ثم طلب إلي
أن أدخله على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فأذن لي فلما رآه الإمام (عليه السلام) قال له:
يا يعقوب، قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك شر في موضع كذا وكذا، حتى شتم
بعضكم بعضا، وليس هذا ديني ولا دين آبائي، ولا نأمر بهذا أحدا من الناس،
فاتق الله وحده لا شريك له، فإنكما ستفترقان بموت. أما إن أخاك سيموت
في سفره قبل أن يصل إلى أهله وستندم أنت على ما كان منك، وذلك إنكما تقاطعتما
فبتر أعماركما. فقال له الرجل: فأنا جعلت فداك متى أجلي؟ فقال: أما إن أجلك
قد حضر، وصلت عمتك بما وصلتها به في منزل كذا وكذا، فزيد في أجلك عشرون.
قال أبو عمرو: ولم أسمع في شعيب إلا خيرا.
وذكره الشيخ (1) في الفهرست، وقال: شعيب بن يعقوب العقرقوفي ابن أخت
أبي بصير، له أصل.
وذكره العلامة في القسم الأول، وكذلك ابن داود. وقد وثق الرجل الفاضل
المجلسي، والبحراني، والكاظمي، والطريحي، والحاوي. كما ذكره البرقي في أصحاب
الصادق (عليه السلام).
55 - صفوان بن مهران:
قال النجاشي (2): صفوان بن مهران بن المغيرة الأسدي مولاهم، ثم مولى
(1) فهرست الطوسي: 82، الرقم 341.
(2) رجال النجاشي: 198، الرقم 525.
387
بني كاهل، كوفي، ثقة، يكنى أبا محمد، كان يسكن بني حمران بالكوفة، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان صفوان جمالا.
له كتاب يرويه جماعة.
وذكره الشيخ (1) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وفي الفهرست أيضا (2).
قال الكشي (3): جبريل بن أحمد، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن
ابن أبي نجران، عن صفوان بن مهران الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله تعالى أمرني بحب أربعة، قالوا: ومن هم يا رسول
الله؟ قال: علي بن أبي طالب، ثم سكت، ثم قال: إن الله أمرني بحب أربعة، قالوا:
ومن هم يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب، والمقداد بن الأسود، وأبو ذر
الغفاري، وسلمان الفارسي.
وقال الكشي (4): حمدويه، قال: حدثني محمد بن إسماعيل الرازي، قال:
حدثني الحسن بن علي بن فضال، قال: حدثني صفوان بن مهران الجمال، قال:
دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام)، فقال لي: يا صفوان، كل شيء منك حسن
ما خلا شيئا واحدا، قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من
هذا الرجل، يعني هارون، قلت: والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا لصيد أو لهو،
ولكني أكريه لهذا الطريق، يعني طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي ولكن أنصب معه
(1) رجال الطوسي: 220، الرقم 41.
(2) فهرست الطوسي: 84، الرقم 347.
(3) رجال الكشي: 10، الرقم 21.
(4) رجال الكشي: 440، الرقم 828.
388
غلماني، قال لي (عليه السلام): يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك،
قال: فقال لي (عليه السلام): أتحب بقائهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال: فمن أحب
بقائهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار، قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي
عن آخرها. فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان، بلغني أنك بعت
جمالك؟ قلت: نعم، فقال: لم؟ قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال.
فقال: هيهات هيهات، إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى
ابن جعفر، قلت: ما لي ولموسى بن جعفر؟ فقال: دع هذا عنك فوالله لولا
حسن الصحبة لقتلتك.
وذكره العلامة (1) في القسم الأول مع توثيقه له.
وذكره ابن داود (2) في القسم الأول، وذكر شطرا من كلام النجاشي وزاده:
وكان صفوان جمالا فباع جماله امتثالا لأمر الإمام الكاظم (عليه السلام).
كما ذكره البرقي (3)، ووثقه الفاضل المجلسي (4)، والبحراني (5)، والكاظمي (6)،
والطريحي (7)، وعبد النبي الجزائري (8).
(1) رجال العلامة: 89، الرقم 2.
(2) رجال ابن داود: 111، الرقم 781.
(3) رجال البرقي: 45.
(4) الوجيزة: 228، الرقم 925.
(5) بلغة المحدثين: 82.
(6) هداية المحدثين: 82.
(7) جامع المقال: 74.
(8) حاوي الأقوال (مخطوط): 89، الرقم 328.
389
وفي التحرير الطاووسي: صفوان بن مهران الجمال، روى عنه ما يدل
على شدة قبوله من أبي الحسن (عليه السلام) وصلاح دينه.
56 - عبد الرحمن بن الحجاج:
قال النجاشي (1): عبد الرحمن بن الحجاج البجلي مولاهم، الكوفي بياع
السابري، سكن بغداد، ورمي بالكيسانية، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن
موسى (عليهما السلام)، وبقي بعد أبي الحسن (عليه السلام)، ورجع إلى الحق ولقي الرضا (عليه السلام)،
وكان ثقة ثقة، ثبتا، وجها - وكان من العباد -.
له كتب يرويها عنه الثقات الأعلام، وبعضهم من أهل الإجماع،
وكان من رجال الكلام البارزين ذوي الحجة اللازمة، والقوة
في العارضة.
وذكره الشيخ (2) في رجاله تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وأخرى (3) في أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وقال الكشي (4): شهد له أبو الحسن (عليه السلام) بالجنة، وكان أبو عبد الله (عليه السلام)
يقول لعبد الرحمن: يا عبد الرحمن، كلم أهل المدينة فإني أحب أن يرى في رجال
الشيعة مثلك. وكناه الكشي بأبي علي. وكان الصادق (عليه السلام) لا يسمح لأصحابه
(1) رجال النجاشي: 237، الرقم 630.
(2) رجال الطوسي: 130، الرقم 126.
(3) رجال الطوسي: 353، الرقم 2.
(4) رجال الكشي: 442، الرقم 830.
390
بالكلام إلا لقليل منهم أمثال أبان بن تغلب والطيار ونفر سواهما، حذرا من العثار
والخروج من ربقة التقية، فلا يسمح لأحد إلا لمن يعتمد على حجته وحسن أدبه
في المناظرة.
وذكره العلامة (1) في القسم الأول وكناه بأبي عبد الله وقال: مات في عصر
الرضا (عليه السلام) على ولايته.
وقال المفيد (رحمه الله): كان من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته
وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين (رحمهم الله).
وقال الكليني (2): قال عبد الرحمن بن الحجاج: أكلنا مع أبي عبد الله (عليه السلام)
فأتينا بقصعة من أرز فجعلنا نعذر، فقال: ما صنعتم شيئا إن أشدكم حبا لنا
أحسنكم أكلا عندنا. قال عبد الرحمن: فرفعت كشحة المائدة فأكلت، فقال:
نعم الآن.
وقال الشيخ (3) في كتاب الغيبة: كان وكيلا لأبي عبد الله (عليه السلام) ومات في عصر
الرضا (عليه السلام) على ولايته.
وفي الإرشاد للشيخ المفيد (رحمه الله): من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)
وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين (رحمهم الله).
وقد وثقه المجلسي والبحراني والطريحي والكاظمي والجزائري.
(1) رجال العلامة: 113، الرقم 5. وبحار الأنوار 47: 343.
(2) الكافي 6: 278، الرقم 2.
(3) غيبة الطوسي: 7.
391
57 - عبد السلام بن سالم:
قال النجاشي (1): عبد السلام بن سالم البجلي، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، وله كتاب يرويه ثقات الرواة، وكان من فقهاء أصحاب
الصادقين (عليهما السلام).
وذكره العلامة (2) في القسم الأول قائلا: ثقة.
وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) من فقهاء أصحاب الصادقين (عليهما السلام) والرؤساء
الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، والذين لا يطعن عليهم،
ولا طريق إلى ذم أحد منهم.
وقد وثقه المجلسي (3)، وكذلك في البلغة، وغيرهما.
58 - عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي:
عده ابن شهرآشوب (4) في المناقب من خواص الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (5): قال زيد الشحام: إني لأطوف حول الكعبة وكفي في كف
أبي عبد الله (عليه السلام) فقال، ودموعه تجري على خديه، فقال: يا شحام، إني طلبت
(1) رجال النجاشي: 245، الرقم 644.
(2) رجال العلامة: 117، الرقم 3.
(3) الوجيزة: 237، الرقم 1011.
(4) مناقب ابن شهرآشوب 4: 181.
(5) رجال الكشي: 210، الرقم 372.
392
إلى إلهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن، وكانا في السجن فوهبهما لي
وخلى سبيلهما.
وعده الشيخ (رحمه الله) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره العلامة (1) في القسم الأول وذكر أن السند الذي ذكره الكشي معتبر،
والحديث حول عبد السلام بن عبد الرحمن يدل على شرفه.
وقال المامقاني (2): فالحق إنه من الحسان لكونه إماميا صدوقا، والله العالم.
59 - عبد الله الكاهلي:
قال النجاشي (3): عبد الله بن يحيى، أبو محمد الكاهلي، عربي، أخو إسحاق،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (موسى) (عليهما السلام)، وكان وجها عند
أبي الحسن (عليه السلام)، ووصى به علي بن يقطين فقال له: " إضمن لي الكاهلي وعياله
أضمن لك الجنة ".
وقال محمد بن عبده الناسب: هو تميمي النسب، وله كتاب.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (4) في أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وعده البرقي في رجاله (5) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: وهو الكاهل
الكبير الأسدي عربي كوفي.
(1) رجال العلامة: 117، الرقم 1.
(2) تنقيح المقال 2: 152، الرقم 6589.
(3) رجال النجاشي: 221، الرقم 580.
(4) رجال الطوسي: 357، الرقم 51.
(5) رجال البرقي: 22.
393
وقال الكشي (1): قال عبد الله بن يحيى الكاهلي: حججت فدخلت على
أبي الحسن (عليه السلام)، فقال لي: إعمل خيرا في سنتك هذه فإن أجلك قد دنى، قال:
فبكيت، فقال لي: وما يبكيك؟ قلت: جعلت فداك، نعيت إلي نفسي، قال:
أبشر فإنك من شيعتنا وأنت إلى خير.
وذكره العلامة (2) في القسم الأول المعد للممدوحين وقال: ولم أجد ما ينافي
مدحه (رحمه الله).
فمن هذا ومثله نعرف كرامة الكاهلي عند الأئمة (عليهم السلام) وارتفاع محله،
وله كتاب رواه عنه الثقات وبعض أهل الإجماع.
60 - عبد الله بن أبي يعفور:
عبد الله بن أبي يعفور العبدي الكوفي، كان من أصحاب الصادقين (عليهما السلام)،
مات زمن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام)، قال (عليه السلام) كلمة تعبر عن علو مقامه، وتفصح
عن جلالة قدره، وما كان عليه من صلابة الإيمان وقوة اليقين، والاستقامة
في العقيدة، كما تجد ذلك في آخر ترجمته.
قال النجاشي (3): عبد الله بن أبي يعفور العبدي، واسم أبي يعفور: واقد،
يكنى أبا محمد، ثقة ثقة، جليل في أصحابنا، كريم على أبي عبد الله (عليه السلام)، ومات
في أيامه، وكان قارئا يقرئ في مسجد الكوفة، له كتاب.
(1) رجال الكشي: 448، الرقم 842.
(2) رجال العلامة: 108، الرقم 31.
(3) رجال النجاشي: 213، الرقم 556.
394
وعده الشيخ (رحمه الله) (1) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) وقال: كوفي.
وقال الكشي (2): قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): إذا كان يوم القيامة
نادى مناد: أين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد الله
ابن أبي يعفور.
وقال أيضا (3): إن ابن أبي يعفور ثقة مات في حياة أبي عبد الله (عليه السلام) سنة
الطاعون.
وقال ابن المقعد (4) - الذي صنف الفرق صنفا صنفا وفرق حتى قال -:
وفرقة يقال لها اليعفورية.
وقال الكشي (5): قال ابن أبي يعفور: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ دخل
موسى (عليه السلام)، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا بن يعفور، هذا خير ولدي وأحبهم إلي.
وذكره العلامة (6) في القسم الأول وقال: روى ابن عقدة أن الصادق (عليه السلام)
ترحم عليه وقال: إنه كان يصدق علينا.
وكذلك ذكره ابن داود (7) في القسم الأول.
(1) رجال الطوسي: 223، الرقم 15.
(2) رجال الكشي: 10، الرقم 20.
(3) رجال الكشي: 246، الرقم 454.
(4) رجال الكشي: 266.
(5) رجال الكشي: 462، الرقم 881.
(6) رجال العلامة: 107، الرقم 25.
(7) رجال ابن داود: 116، الرقم 829.
395
وقال الكشي (1): إن الصادق (عليه السلام) قال: ما وجدت أحدا يقبل وصيتي
ويطيع أمري إلا عبد الله بن أبي يعفور.
وقد وثقه المجلسي في الوجيزة (2)، وكذلك عبد النبي الجزائري في الحاوي (3).
وقال التفريشي (4): ذكر الكشي روايات كثيرة تدل على علو رتبة وجلالة
قدره (رض).
وقال الكشي (5): كتب الصادق (عليه السلام) إلى المفضل بن عمر الجعفي حين مضى
عبد الله بن أبي يعفور: " يا مفضل، عهدت إليك عهدي، كان إلى عبد الله
ابن أبي يعفور صلوات الله عليه، فمضى موفيا لله عز وجل ولرسوله ولإمامه
بالعهد المعهود لله، وقبض صلوات الله على روحه محمود الأثر مشكور السعي
مغفورا له مرحوما برضا الله ورسوله وإمامه عنه، فولادتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ما كان في عصرنا أحد أطوع لله ولرسوله ولإمامه منه، فما زال كذلك حتى
قبضه الله إليه برحمته وصيره إلى جنته، مساكنا فيها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وأمير المؤمنين (عليه السلام)، أنزله الله بين المسكنين، مسكن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسكن
أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإن كانت المساكن واحدة، والدرجات واحدة فزاده الله
رضى من عنده ومغفرة من فضله برضاي عنه ". انتهى.
(1) رجال الكشي: 180، الرقم 313.
(2) الوجيزة: 240، الرقم 1040.
(3) حاوي الأقوال (مخطوط): 106، الرقم 389.
(4) نقد الرجال: 193.
(5) رجال الكشي: 248، الرقم 461.
396
لولا أن الإمام الصادق (عليه السلام) هو المخبر عن عبد الله بن أبي يعفور عما
كان عليه من تقوى وطاعة لما كنا نعتقد بأن أحدا من البشر يبلغ تلك المرتبة
وذلك الرضا.
وهذا التسليم والتفويض والطاعة هو الذي صيره بتلك الرتبة الرفيعة.
61 - عبد الله بن النجاشي:
قال النجاشي (1): عبد الله بن النجاشي بن عثيم بن سمعان أو بجير الأسدي
النصري، يروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) رسالة منه إليه، وقد ولي الأهواز من
قبل المنصور.
وقال الكشي (2): قال عمار السجستاني: زاملت أبا بجير عبد الله بن النجاشي
من سجستان إلى مكة، وكان يرى رأي الزيدية، فلما صرنا إلى المدينة مضيت أنا
إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ومضى هو إلى عبد الله بن الحسن (3)، فلما انصرف رأيته
منكسرا يتقلب على فراشه ويتأوه، قلت: ما لك أبا بجير؟ فقال: استأذن لي
على صاحبك إذا أصبحت إن شاء الله، فلما أصبحنا دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
أستأذن له، فقال (عليه السلام): إئذن له! فلما دخل عليه قربه أبو عبد الله (عليه السلام)، فقال له
أبو بجير: جعلت فداك، إني لم أزل مقرا بفضلكم أرى الحق فيكم لا في غيركم،
(1) رجال النجاشي: 214، الرقم 555.
(2) رجال الكشي: 342، الرقم 634.
(3) هو: " عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الملقب بالمحض، أبو محمد
الهاشمي ".
397
وإني قتلت ثلاثة عشر رجلا من الخوارج كلهم سمعتهم يتبرأ من علي
ابن أبي طالب (عليه السلام)، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): سألت عن هذه المسألة أحدا
غيري؟ فقال: نعم، سألت عنها عبد الله بن الحسن، فلم يكن عنده فيها جواب
وعظم عليه، وقال لي: أنت مأخوذ في الدنيا والآخرة، فقلت: أصلحك الله
فعلى ماذا عادينا الناس في علي (عليه السلام)؟ فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا بجير،
لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم شيء، ولكنك سبقت الإمام،
فعليك ثلاث عشرة شاة تذبحها بمنى وتتصدق بلحمها لسبقك الإمام، وليس عليك
غير ذلك.
فقال عمار: فلما خرجنا من عنده، قال لي أبو بجير: يا عمار، أشهد
أن هذا عالم آل محمد، وأن الذي كنت عليه باطل، وإن هذا صاحب الأمر.
وذكره العلامة (1) في القسم الأول المعد للذين يعتمد على روايتهم.
وكذلك ابن داود (2).
وقال المامقاني (3): إن الرجل من الحسان المعتمدين.
وعده الشيخ في التهذيب من الزهاد على أنه عامل المنصور على
الأهواز.
وكان واليا على الأهواز من قبل المنصور، وكتب إلى الإمام الصادق (عليه السلام)
يسأله عن السيرة في العمل، وعما يصنعه في أمواله وعن غير ذلك من شؤون
(1) رجال العلامة: 108، الرقم 30.
(2) رجال ابن داود: 124، الرقم 911.
(3) تنقيح المقال 2: 220، الرقم 7089.
398
ولايته، وأجابه الإمام الصادق (عليه السلام) بكتاب طويل، وهي الرسالة المعروفة
برسالة عبد الله النجاشي وقد اقتطفنا منها فقرات، ذكرناها في فصل وصاياه
ورسائله (عليه السلام).
كان محمود السيرة في ولايته مرضيا عند الإمام (عليه السلام)، موثقا عند العلماء
الأعلام، حتى أن شيخ الطائفة الطوسي طاب ثراه في التهذيب - كتاب المكاسب -
منه عده من الزهاد على أنه عامل المنصور في الأهواز (1).
62 - عبد الله بن بكير:
قال النجاشي (2): عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن أبو علي الشيباني،
مولاهم، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب. [روى عن الباقر والصادق (عليهما السلام)]
وذكره الشيخ (رحمه الله) (3) في الفهرست وقال: فطحي المذهب إلا أنه ثقة،
له كتاب.
وعده الشيخ (4) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (5): قال محمد بن مسعود: عبد الله بن بكير وجماعة من الفطحية
هم فقهاء أصحابنا.
(1) الإمام الصادق (عليه السلام)؛ للمظفر: 154.
(2) رجال النجاشي: 222، الرقم 581.
(3) فهرست الطوسي: 106، الرقم 452.
(4) رجال الطوسي: 224، الرقم 27.
(5) رجال الكشي: 345، الرقم 639.
399
وهو (1) من الستة أصحاب الصادق (عليه السلام) الذين أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنهم.
وقال الشيخ (رحمه الله) في العدة: إن الطائفة عملت بما رواه عبد الله
ابن بكير.
وقال المامقاني (2): إن الحق والإنصاف كون حديث الرجل بحكم الصحيح
لتوثيق الشيخ إياه، ورميه بالفطحية فإن صح فلا يضر فساد عقيدته في وثاقته
في روايته. [وعلى أي حال فهو ثقة في الرواية من دون ريب]
63 - عبد الله بن زرارة:
قال النجاشي (3): عبد الله بن زرارة بن أعين الشيباني، مولاهم، ممن أخذ
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وله كتاب رواه عنه أجلة الرواة، وبعض أهل
الإجماع، وهو من عيون الثقات الذين لا لبس فيهم ولا شك، ومن الفقهاء البارزين
والأعلام الرؤساء الذين أخذ عنهم الحلال والحرام، ومن أرباب الأصول المدونة
والمصنفات المشهورة.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (4) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال الكشي: 375، الرقم 705.
(2) تنقيح المقال 2: 171، الرقم 6768.
(3) رجال النجاشي: 223، الرقم 583. رجال العلامة: 111، الرقم 46، وفي الصفحة 127،
الرقم 1؛ لأن زرارة عنده ولدان - عبد الله المترجم له - وعبيد الله ذكرناه ضمن 250 ترجمة.
(4) رجال الطوسي: 264، الرقم 686.
400
وذكره العلامة (1) في القسم الأول المعد للمعتمدين عنده في الرواية.
وقد وثقه الفاضل المجلسي (2) والجزائري (3) والبحراني (4) والكاظمي (5)
والطريحي (6).
وقال المامقاني (7): ولا غمز فيه بوجه.
وذكر الأردبيلي (8) أن له رواية في التهذيب.
64 - عبد الله بن سنان:
عبد الله بن سنان، من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) والفقهاء الصلحاء والثقات
الأجلاء الذين لا يطعن عليهم في شيء، ولقد قال فيه الصادق (عليه السلام): " أما إنه يزيد
في السن خيرا ".
روى النجاشي (9): عبد الله بن سنان بن ظريف، مولى بني هاشم، يقال:
مولى بني أبي طالب، ويقال: مولى بني العباس، كان خازنا للمنصور، والمهدي،
(1) رجال العلامة: 111، الرقم 46.
(2) الوجيزة: 243، الرقم 1062.
(3) حاوي الأقوال (مخطوط): 109، الرقم 398.
(4) بلغة المحدثين: 375.
(5) هداية المحدثين: 101.
(6) جامع المقال: 78.
(7) تنقيح المقال 2: 183، الرقم 6858.
(8) جامع الرواة 1: 484.
(9) رجال النجاشي: 214، الحديث 588.
401
والهادي، والرشيد، كوفي، ثقة، من أصحابنا، جليل، لا يطعن عليه في شيء،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقيل: روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وليس بثبت.
له كتاب الصلاة الذي يعرف بعمل يوم وليلة، وكتاب الصلاة الكبير،
وكتاب في سائر الأبواب من الحلال والحرام.
روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمه في الطائفة، وثقته
وجلالته.
وذكره الشيخ (رحمه الله) (1) تارة في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وأخرى (2) في
أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وذكره أيضا في الفهرست (3) وقال: ثقة.
وذكره البرقي (4) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وأخرى (5) في أصحاب
الكاظم (عليه السلام) قائلا: عبد الله بن سنان، واسطي.
وقال الكشي (6): كان رحمه الله من ثقات رجال أبي عبد الله (عليه السلام).
وعنه (7)، قال: روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) فقال:
(1) رجال الطوسي: 225، الرقم 42.
(2) رجال الطوسي: 354، الرقم 14.
(3) فهرست الطوسي: 101، الرقم 423.
(4) رجال البرقي: 22.
(5) رجال البرقي: 48.
(6) رجال الكشي: 410، الرقم 770.
(7) رجال الكشي: 20، الرقم 47.
402
قال (عليه السلام): خطب سلمان فقال: " أيها الناس اسمعوا من حديثي ثم أعقلوه عني،
قد أتيت العلم كثيرا، ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة: مجنون، وقالت
أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان، ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا، فإن عند علي (عليه السلام)
علم المنايا وعلم الوصايا، وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران، قال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى،
ولكنكم أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سبيلكم. والذي نفس سلمان بيده لتركبن طبقا
عن طبق، سنة بني إسرائيل، القذة بالقذة.
أما والله لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، فأبشروا
بالبلاء وأقنطوا من الرجاء، ونابذتكم على سواء وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم
من الولاء.
ألا إن لبني أمية في بني هاشم نطحات، وإن لبني أمية من آل هاشم نطحات،
ألا إن بني أمية كالناقة الضروس تعض بفيها وتخبط بيدها وتضرب برجلها وتمنع
درها.
ألا إنه حق على الله أن يذل ناديها وأن يظهر عليها عدوها مع قذف من
السماء وخسف ومسخ وسوء الخلق حتى أن الرجل ليخرج من جانب حجلته إلى
صلاة فيمسخه الله قردا، ألا وفئتان تلتقيان بتهامة كلتاهما كافرتان، ألا وخسف
بكلب (1)، والله لولا ما: لأريتكم مصارعهم، ألا وهو البيداء ثم يجيء ما تعرفون.
فإذا رأيتم أيها الناس الفتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها الراكب الموضع
والخطيب المصقع والرأس المتبوع، فعليكم بآل محمد فإنهم القادة إلى الجنة والدعاة
(1) لعل المراد: بنو كلب.
403
إليها يوم القيامة، وعليكم بعلي، فوالله لقد سلمنا عليه بالولاء مع نبينا، فما بال القوم
أحد قد حسد قابيل هابيل، أو كفر فقد ارتد قوم موسى عن الأسباط، والسبعين
الذين اتهموا موسى على قتل هارون فأخذتهم الرجفة.
ويحكم والله ما أدري أتجهلون أم تتجاهلون، أم نسيتم أم تتناسون!
أنزلوا آل محمد منكم منزلة الرأس من الجسد، بل منزلة العينين من الرأس،
والله لترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهد الشاهد على
الناجي بالهلكة ويشهد الناجي على الكافر بالنجاة.
وقد شاهد عبد الله بن سنان من الصادق (عليه السلام) كرامة باهرة دلت على كريم
مقامه عند أبي عبد الله (عليه السلام) وإنه من حملة أسراره.
65 - عبد الله بن شريك:
قال النجاشي (1): عبد الله بن شريك بن عدي، يكنى أبا المحجل، روى
عن علي بن الحسين وأبي جعفر (عليهما السلام) وكان عندهما وجيها مقدما، وهو جد جد
عبيد بن كثير.
وقال الكشي (2): إنه من حواري الصادق والباقر (عليهما السلام).
وعده الشيخ (رحمه الله) (3) في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: عبد الله
ابن شريك العامري.
(1) رجال النجاشي: 234، الرقم 620 (ترجمة عبيد بن كثير ".
(2) رجال الكشي: 10، الرقم 20.
(3) رجال الطوسي: 127، الرقم 4.
404
وأخرى (1) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: روى عنهما (عليهما السلام).
وقال المامقاني (2): فالحق أن الرجل من الثقات وخبره من الصحاح،
وعده الفاضل المجلسي (رحمه الله) (3) ممدوحا.
وروى عن الصادق (عليه السلام) أنه يخرج لنصرة القائم المهدي عجل الله فرجه.
66 - عبد الله بن مسكان:
قال النجاشي (4): عبد الله بن مسكان، أبو محمد، مولى عنزة، ثقة، عين،
روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وقيل: إنه روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وليس
بثبت، له كتب.
مات في أيام أبي الحسن موسى (عليه السلام) قبل الحادثة (5).
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (6) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره البرقي في رجاله (7) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (8): وهو من الستة أصحاب الصادق (عليه السلام) الذين أجمعت
(1) رجال الطوسي: 265، الرقم 704.
(2) تنقيح المقال 2: 189، الرقم 6902.
(3) الوجيزة: 244، الرقم 1070.
(4) رجال النجاشي: 214، الرقم 559.
(5) أراد بالحادثة: حادثة حمله من الحجاز على طريق البصرة وحبسه (عليه السلام).
(6) رجال الطوسي: 264، الرقم 686.
(7) رجال البرقي: 22.
(8) رجال الكشي: 375، الرقم 705.
405
العصابة على تصحيح ما يصح عنهم والإقرار لهم بالفقه.
[ويعد من أجلة الفقهاء والعظماء والرؤساء والأعلام، المأخوذ عنهم الحلال
والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا طريق للطعن عليهم بشيء، وله كتب عديدة
يرويها عنه أجلة الثقات وأعلام الرواة].
وعن تحرير الوسائل (1) إن رواية عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
كثيرة بغير واسطة.
وعنه، زعم أبو النصر محمد بن مسعود، أن ابن مسكان كان لا يدخل
على أبي عبد الله (عليه السلام) شفقة ألا يوفيه حق إجلاله، وكان رجلا موسرا وكان يلتقي
أصحابه إذا قدموا فيأخذ ما عندهم ويسمع منهم، ويأبى أن يدخل عليه إجلالا
وإعظاما له (عليه السلام).
وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) (2) من فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)
والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن
عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.
وذكره ابن داود (3) في القسم الأول وقال: فقيه معظم.
وقال المولى الوحيد (رحمه الله) (4) عن جده المجلسي الأول في شرح الفقيه أن له
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قريبا من ثلاثين حديثا من الكتب الأربعة وغيرها.
(1) حاوي الأقوال 1: 217.
(2) تنقيح المقال 2: 216، الرقم 7073.
(3) رجال ابن داود: 124، الرقم 907.
(4) تعليقة الوحيد البهبهاني: 212.
406
67 - عبد الملك بن أعين:
عده الشيخ في رجاله (1) تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: عبد الملك
ابن أعين أخو زرارة والد ضريس.
وأخرى (2) في أصحاب الصادق (عليه السلام) وقال: الشيباني، كوفي تابعي.
وذكره العلامة (3) في القسم الأول المعد للممدوحين وقال: قال علي بن أحمد
العقيقي: إنه عارف.
وقال الكشي (4): قالت المشايخ: إنه كان مستقيم، ومات في زمان
أبي عبد الله (عليه السلام).
وعنه (5)، قال زرارة: قدم أبو عبد الله مكة، فسأل عن عبد الملك بن أعين؟
فقلت: مات، فقال: فانطلق بنا إلى قبره، حتى نصلي عليه، ورفع (عليه السلام) يده ودعا له
واجتهد في الدعاء وترحم عليه، وقال أيضا: اللهم إن أبا الضريس كنا عنده
خيرتك من خلقك، فصيره في ثقل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة.
وإنه (6) من خلص الشيعة.
(1) رجال الطوسي: 127، الرقم 1. و 128، الرقم 15.
(2) رجال الطوسي: 233، الرقم 164.
(3) رجال العلامة: 115، الرقم 5.
(4) رجال الكشي: 161، الرقم 270.
(5) رجال الكشي: 175، الرقم 300 و 301.
(6) تنقيح المقال 2: 228، الرقم 7490.
407
وهذا يرشدك إلى علو قدره ورفيع محله، كما يرشدك إلى معرفته بأئمته،
وأما ضريس ابنه فكان من رواة الصادق أيضا وثقاتهم، ورى عنه الثقات.
68 - عبيد الله الحلبي:
قال النجاشي (1): عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي مولى
بني تيم اللات بن ثعلبة أبو علي، كوفي، يتجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب،
فغلب عليهم إلى حلب، وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا، وروى
جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين (عليهما السلام)، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعا
إلى ما يقولون.
وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم، وصنف الكتاب المعروف في " الفقه "
المنسوب إليه وعرضه على أبي عبد الله (عليه السلام) " فاستحسنه " (2) وصححه، وقال
عند قرائته له: أترى لهؤلاء مثل هذا؟ " وقد روى هذا الكتاب عدة من أعلام
الرواة وثقاتهم ".
وعده البرقي في رجاله (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: عبيد الله
ابن علي الحلبي، مولى بني عجل، ثقة صحيح، له كتاب، وهو أول كتاب صنفه
الشيعة.
(1) رجال النجاشي: 230، الرقم 612.
(2) قال الشيخ الطوسي في فهرسته: له كتاب مصنف معمول عليه عرض على الصادق (عليه السلام)
فلما رآه استحسنه وقال ليس لهؤلاء - يعني المخالفين - مثله.
(3) رجال البرقي: 23. ورجال الطوسي: 234، الرقم 102.
408
69 - العلاء بن رزين:
قال النجاشي (1): العلاء بن رزين القلاء، ثقفي، مولى، كان يقلي السويق (2)،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وصحب محمد بن مسلم وفقه عليه وكان ثقة وجها،
له كتب.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره أيضا في الفهرست (4) وقال: ثقة جليل القدر، له كتاب، وهو
أربع نسخ [رواه عنه أعيان الثقات من الرواة، وبعضهم من أصحاب
الإجماع].
وذكره العلامة (5) في القسم الأول المعد للمعتمدين.
وذكره أيضا ابن داود (6) في القسم الأول وقال: معظم.
وقال المامقاني (7): لم يرد فيه غمز من أحد، فهو متفق الوثاقة
والجلالة.
(1) رجال النجاشي: 298، الرقم 811.
(2) دقيق من الحنطة والشعير وأمثالهما، وكان غذائهم ويسمى بالقاووت.
(3) رجال الطوسي: 245، الرقم 255.
(4) فهرست الطوسي: 112، الرقم 488.
(5) رجال العلامة: 123، الرقم 2.
(6) رجال ابن داود: 134، الرقم 1002.
(7) تنقيح المقال 2: 256، الرقم 8037.
409
70 - علي بن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام):
قال النجاشي: علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أبو الحسن،
سكن العريض من نواحي المدينة فنسب ولده إليها.
له كتاب في الحلال والحرام.
قال الشيخ (1) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: علي بن جعفر
ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) المدني، وآخر من أصحاب
الكاظم (عليه السلام) وروى عن أبيه (عليه السلام).
وروى الكشي (2): حمدويه بن نصير، قال: حدثنا الحسين بن موسى
الخشاب، عن علي بن أسباط وغيره، عن علي بن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال لي
رجل أحسبه من الواقفية: ما فعل أخوك أبو الحسن؟ قلت: قد مات. قال:
وما يدريك بذاك؟ قلت: اقتسمت أمواله وأنكحت نسائه ونطق الناطق من بعده.
قال: ومن الناطق من بعده؟ قلت: ابنه علي. قال: فما فعل؟ قلت له: مات،
قال: وما يدريك أنه قد مات؟ قلت: قسمت أمواله ونكحت نسائه ونطق الناطق
من بعده، قال: ومن الناطق من بعده؟ قلت: أبو جعفر ابنه. قال: فقال له:
أنت في سنك وقدرك وابن جعفر بن محمد تقول هذا القول من هذا الغلام؟ قال:
قلت: ما أراك إلا شيطانا، قال: ثم أخذ بلحيته فرفعها إلى السماء ثم قال: فما حيلتي
إن كان الله رآه أهلا لهذا ولم ير هذه الشيبة لهذا أهلا.
(1) رجال الطوسي: 241، الرقم 112.
(2) رجال الكشي: 429، الرقم 803.
410
قال الشيخ المفيد (رحمه الله) (1) في الإرشاد: كان علي بن جعفر، راوية للحديث
سديد الطريق، شديد الورع، كثير الفضل، لزم أخاه موسى (عليه السلام) وروى عنه الشيء
الكثير.
وقال الوحيد البهبهاني (رحمه الله) (2): قال جدي (رحمه الله) جلالة قدره [أي علي
ابن جعفر] أجل من أن يذكر، وقبره بقم مشهور، وسمعت أن أهل الكوفة التمسوا
منه مجيئه من المدينة إليهم، وكان في الكوفة مدة وأخذ أهل الكوفة الأخبار عنه،
وأخذ منهم أيضا.
ثم استدعى القميون نزوله إليهم فنزلها وكان بها حتى مات بها رضي الله عنه
وأرضاه.
وروى الكشي عنه ما يشهد بصحة عقيدته وتأدبه مع أبي جعفر الثاني
[الجواد] (عليه السلام) وحاله أجل من ذلك.
وذكره ابن داود (3) في القسم الأول قائلا: علي بن جعفر، أبو الحسن
العريض، ولد الصادق (عليه السلام) من أصحاب [أبيه] الصادق، [وأخيه] الكاظم (عليهما السلام)
سكن العريض من نواحي المدينة فنسب ولده إليها. له كتاب في الحلال والحرام
عن أبيه وأخيه (عليهما السلام).
وقال المامقاني (4): إن الظاهر اتفاق الفقهاء والمحدثين على ثقته وجلالته
(1) الإرشاد: 287.
(2) تعليقة الوحيد: 227.
(3) رجال ابن داود: 136، الرقم 1026.
(4) تنقيح المقال: 2، الرقم 273.
411
والاعتماد على أخباره، وقد وثقه الفاضل المجلسي، والمحقق البحراني،
والشيخان الطريحي، والكاظمي.
علي بن جعفر عند العامة:
ذكره الذهبي (1) في تأريخه قائلا: علي بن جعفر الصادق العلوي الحسيني،
أخو موسى، وإسماعيل، وإسحاق، ومحمد، وعبد الله، وعباس، وفاطمة، وأسماء،
وأم فروة، وفاطمة الصغرى، رحمهم الله، وأمه أم ولد.
روى عن أبيه شيئا يسيرا وعن أخيه موسى الكاظم وغيرهم.
روى له الترمذي (2) حديثا في حب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، توفي سنة عشر
ومائتين.
وقال المزي (3): ذكر علي بن جعفر حديثا عن أخيه موسى عن آبائه
[معنعن] عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال:
من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
أقول: خلاصة القول: إن علي بن جعفر، جليل القدر عظيم المنزلة، ثقة، ثقة،
عاصر أربعة من الأئمة الأطهار وأخذ منهم وروى عنهم، وهم: أبوه الإمام جعفر
الصادق، وأخوه موسى الكاظم، وابن أخيه علي الرضا، وحفيد أخيه محمد
الجواد (عليهم السلام).
مات في قم سنة مائتين وعشر ودفن فيها وله ضريح ومزار عظيم شاهد.
أقول: وقد زرت مرقده الشريف عدة مرات.
(1) تأريخ الإسلام، وفيات " 201 - 210 ": 263، الرقم 278.
(2) المناقب: 3874.
(3) تهذيب الكمال 20: 352، الرقم 4035.
412
71 - علي بن يقطين:
قال النجاشي (1): علي بن يقطين بن موسى البغدادي، سكنها وهو كوفي
الأصل، مولى بني أسد، أبو الحسن، وولد علي بالكوفة سنة أربع وعشرين ومائة،
ومات سنة اثنتين وثمانين ومائة في أيام موسى بن جعفر (عليهما السلام) ببغداد وهو محبوس
في سجن هارون، بقي فيه أربع سنين.
قال أصحابنا: روى علي بن يقطين عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديثا واحدا،
روى عن موسى (عليه السلام) فأكثر، له كتاب.
وذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست (2) قائلا: علي بن يقطين (رضي الله عنه)، ثقة جليل
القدر، له منزلة عظيمة عند أبي الحسن موسى (عليه السلام)، عظيم المكان في الطائفة،
وكان سنه عند موته سبعا وخمسين سنة.
وقال الكشي (3): إن أبا الحسن (عليه السلام) قد ضمن له الجنة.
وعنه (4)، أن أبا الحسن (عليه السلام) قال: ضمنت لعلي بن يقطين الجنة وألا تمسه النار
أبدا.
وعنه (5)، قال أبو الحسن (عليه السلام) إلى أصحابه وقد أقبل علي بن يقطين: من سره
(1) رجال النجاشي: 273، الرقم 715.
(2) فهرست الطوسي: 90، الرقم 378.
(3) رجال الكشي: 430، الرقم 806.
(4) رجال الكشي: 431، الرقم 807.
(5) رجال الكشي: 431، الرقم 810.
413
أن يرى رجلا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلينظر إلى هذا المقبل، فقال له رجل
من القوم: هو إذن من أهل الجنة؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): أما أنا فأشهد أنه
من أهل الجنة.
وعنه (1)، أنه أحصي لعلي بن يقطين بعض السنين ثلاث مائة ملب أو مئتين
وخمسين ملبيا، وكان يعطي بعضهم عشرين ألفا، وبعضهم عشرة آلاف في كل سنة
للحج، مثل الكاهلي وعبد الرحمن بن الحجاج وغيرهما، ويعطي أدناهم ألف درهم.
وعنه (2)، أن أبا الحسن الأول (موسى) (عليه السلام) قال: إني استوهبت علي
ابن يقطين من ربي عز وجل البارحة فوهبه لي، إن علي بن يقطين ربما حمل مائة
ألف إلى ثلاثمائة ألف درهم، وإن أبا الحسن (عليه السلام) زوج ثلاثة بنين أو أربعة،
منهم أبو الحسن الثاني، فكتب له علي بن يقطين: إني قد صيرت مهورهن إليك،
وزاد عليه ثلاثة آلاف دينار للوليمة، فبلغ ثلاثة عشر ألف دينارا دفعة واحدة.
وعنه (3)، لما أقدم أبو إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام) العراق، قال له علي
ابن يقطين: أما ترى حالي وما أنا فيه! فقال: يا علي، إن لله تعالى أولياء مع أولياء
الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه، وأنت منهم يا علي.
وأعماله الصالحة، وخدماته لأهل البيت، وقضاؤه لحوائج أوليائهم لا تحصر
بحساب، منها قيامه بنفقات عبد الله الكاهلي وعياله وقراباته وقيامه بقضاء حوائج
كل من يأتيه من أولئك الأولياء ودفع الغائلة عنهم.
(1) رجال الكشي: 434، الرقم 820.
(2) رجال الكشي: 433، الرقم 819.
(3) رجال الكشي: 433، الرقم 817.
414
وجملة القول: إن علي بن يقطين كان عينا لله وملجأ لأولياء الله بين أعدائه،
يقوم بأداء حقوقهم، ويدفع عادية السوء عنهم، هذا سوى صلاحه في أعماله
الأخر، وروايته لأحكام الدين، وإن مثله ليعجز القلم عن استيفاء محاسنه
وجميل خصاله.
72 - عمار بن خباب الدهني:
قال النجاشي (1): عمار ثقة في العامة، وجها، يكنى أبا معاوية، وأبا القاسم،
وأبا حكيم.
وذكره الشيخ (2) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) كما ذكره في الفهرست.
وذكره العلامة (3) في ترجمة ابنه معاوية بن عمار.
وذكره ابن داود (4) في ترجمة ابنه معاوية بن عمار وزاد، وأبو عمار ثقة.
وقال المامقاني (5): غرضهما من التقيد بقولهما في العامة " النجاشي، والعلامة "
ليس الحكم بكونه عاميا كما زعمه الفاضل المجلسي في الوجيزة (6) فعده موثقا.
والفاضل الجزائري، حيث عده في فصل الموثقين، وكون بيتهم من بيوت الشيعة
(1) رجال النجاشي: 411، ضمن ترجمة ابنه " معاوية بن عمار ".
(2) رجال الطوسي: 250، رقم 434.
(3) رجال العلامة: 116، الرقم 1.
(4) رجال ابن داود: 191، الرقم 1588.
(5) تنقيح المقال 2: 318.
(6) الوجيزة: 267، الرقم 1307.
415
المعروفين بالكوفة وظاهر عبارتي رجال الشيخ والفهرست كونه إماميا، بل
هو صريح ابن النديم، حيث عده من فقهاء الشيعة.
وقال المامقاني (1): فإن اشتهار الرجل بالتشيع كاشتهار الشمس في رابعة
النهار، حتى ردت شهادته لأجل كونه شيعيا.
قيل للإمام الصادق (عليه السلام): إن عمار الدهني شهد اليوم عند ابن أبي ليلى
قاضي الكوفة شهادة فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك
لأنك رافضي، فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه واستغرق في البكاء، فقال له
ابن أبي ليلى: أنت رجل من أهل العلم والحديث إن كان ليسوئك أن يقال لك
رافضي فتبرأ من الرفض وأنت من إخواننا، فقال له عمار: ما ذهبت والله
حيث ذهبت، ولكن بكيت عليك وعلي، أما بكائي على نفسي فتنسبني إلى مرتبة
شريفة لست من أهلها زعمت أني رافضي، ويحك لقد حدثني الصادق (عليه السلام) أن أول
من سمى السحرة الذين شهدوا أنه موسى (عليه السلام)، فبعصاه آمنوا به واتبعوه ورفضوا
أمر فرعون، واستسلموا لكل ما نزل بهم فسماهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه،
فالرفض من رفض كل ما كرهه الله تعالى، فعل كل ما أمر الله، وأين في الزمان
هذا؟ فإنما بكيت خشية أن يطبع على قلبي وقد تقبلت هذا الاسم الشريف
على نفسي فيعاتبني ربي [على تقصيري في حق هذا الاسم]، فيقول: يا عمار،
كنت رافضا للأباطيل، حاملا للطاعات، كما قال لك فيكون ذلك مقصرا لي
في الدرجات أن يسامحني، موجبا لشديد العقاب، على أن ناقشتني، إلا أن يتداركه
المولى بشفاعتهم (عليهم السلام).
(1) تنقيح المقال 2: 318.
416
وأما بكائي عليك، فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي، وشفقتي عليك
عذاب الله تعالى أن صرفت أشرف الأسماء إلى أن جعلتها أرذلها، كيف تصبر بذلك
على عذاب كلمتك هذه؟
فقال الصادق (عليه السلام): " لو أن على عمار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات
والأرضين لمحيت عنه بهذه الكلمات، وإنها لتزيد حسناته عند ربه ".
وقال العلامة المظفر: هذا كما ترى كاشف عن صلابة إيمانه، وثباته في عقيدته
وإن العواصف لم تحل به.
وله كتاب يرويه جماعة من الثقات.
73 - عمار بن موسى الساباطي:
قال النجاشي (1): عمار بن موسى الساباطي، أبو الفضل مولى، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان ثقة في الرواية، له كتاب يرويه
جماعة.
ذكره الشيخ (2) في رجاله تارة في أصحاب الصادق وأخرى في أصحاب
الكاظم.
كما ذكره الشيخ (3) في الفهرست قائلا: عمار بن موسى الساباطي كان فطحيا،
له كتاب جيد معتمد.
(1) رجال النجاشي: 290، الرقم 779.
(2) رجال الطوسي: 250، الرقم 436.
(3) فهرست الطوسي: 117، الرقم 515.
417
وقال الكشي (1): محمد بن الحسن، وعثمان بن حامد، [إلى أن قالا بعد حذف
السند] عن عمار الساباطي، قال: كان سليمان بن خالد خرج مع زيد بن علي
حين خرج قال: فقال له رجل ونحن وقوف في ناحية، وزيد واقف في ناحية:
ما تقول في زيد هو خير أم جعفر؟ قال سليمان: قلت: والله ليوم من جعفر خير
من زيد أيام الدنيا، قال: فحرك دابته وأتى زيدا وقص عليه القصة، قال سليمان:
ومضيت نحوه فانتهيت إلى زيد وهو يقول: جعفر إمامنا في الحلال والحرام.
ذكره العلامة (2) في القسم الثاني، وذكر مختصرا من كلام النجاشي والكشي،
وقال: الوجه عندي أن روايته مرجحة.
وذكره البرقي (3) تارة في أصحاب الصادق وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليهما السلام).
وذكره ابن داود (4) في القسم الثاني قائلا: من أصحاب الباقر
والصادق (عليهما السلام)، كان فطحيا.
وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) من فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)،
والأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن
عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات
المشهورة.
(1) رجال الكشي: 361، الرقم 665.
(2) رجال العلامة: 243، الرقم 6.
(3) رجال البرقي: 36، الرقم 48.
(4) رجال ابن داود: 263، الرقم 260.
418
وقال الشيخ البهائي (رحمه الله) في محكي شرح الفقه: وعمار الساباطي وإن كان
فطحيا إلا أنه ثقة جليل من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وحديثه يجري
مجرى الصحاح.
74 - عمر بن أبي نصر السكوني:
قال النجاشي (1): عمرو بن أبي نصر، " واسم أبي نصر: زيد " مولى
السكوني، ثم مولى يزيد بن فرات الشرعبي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
وهم أهل بيت، له كتاب.
وعده الشيخ (رحمه الله) (2) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره العلامة (3) في القسم الأول المعد للمعتمدين في الرواية.
وقد وثق الرجل في الوجيزة (4) والبلغة.
وقال المامقاني (5): والخلاصة فالرجل لا غمز فيه بوجه.
75 - عمر بن أذينة:
قال ابن داود (6): عمر بن أذينة كوفي، وذكره في القسم الأول المعد
(1) رجال النجاشي: 290، الرقم 778.
(2) رجال الطوسي: 248، الرقم 412.
(3) رجال العلامة: 121، الرقم 10.
(4) الوجيزة للمجلسي: 271، الرقم 1337.
(5) تنقيح المقال 2: 324، الرقم 8646.
(6) رجال ابن داود: 144، الرقم 1111.
419
للممدوحين.
وقال الكشي (1): ابن أذينة، كوفي، وكان هرب من المهدي ومات باليمن
فلذلك لم يرو عنه كثير، ويقال: اسمه محمد بن عمر بن أذينة، غلب عليه اسم أبيه،
وهو كوفي، مولى لعبد القيس.
وقال النجاشي (2): عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن أذينة بن سلمة شيخ
أصحابنا البصريين ووجههم، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) بمكاتبة، وروى
عن الكاظم سماعا.
وقال المامقاني (3): عمر بن أذينة وعمر بن محمد بن عبد الرحمن بن أذينة
واحد، وإسناد عمر إلى أذينة إسناد إلى جد أبيه من حيث أن له شرفا وقدرا
بين الأصحاب، ويؤيد الاتحاد النجاشي.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (4) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: عمر
ابن أذينة. وأخرى (5) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: عمر بن أذينة (6)، ثقة،
له كتاب الفرائض رواه عنه جماعة من الثقات.
(1) رجال الكشي: 334، الرقم 612.
(2) رجال النجاشي: 283، الرقم 752.
(3) تنقيح المقال 2: 340، الرقم 8968.
(4) رجال الطوسي: 253، الرقم 482.
(5) رجال الطوسي: 353، الرقم 8.
(6) فهرست الطوسي: 113، الرقم 492.
420
76 - عمر بن حنظلة:
عده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (1) تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: عمر،
يكنى أبا صخر بن حنظلة، كوفي، عجلي. وأخرى (2) في أصحاب الصادق (عليه السلام)
(مضيفا له نسبا آخر هو): " البكري ".
وفي الكافي (3): قال فيه الصادق (عليه السلام): لا يكذب علينا.
وعن العوالم من أعلام الدين للديلمي من كتاب الحسين بن سعيد: قال:
قال أبو عبد الله (عليه السلام) لعمر بن حنظلة: يا أبا صخر، أنتم والله على ديني ودين
آبائي، وقال: والله لنشفعن، والله لنشفعن، ثلاث مرات حتى يقول عدونا:
" فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ".
وذكره ابن داود (4) في القسم الأول المعد للممدوحين، وذكره بعنوان
" عمرو " وهو تصحيف والصواب " عمر ".
وله عند أهل البيت منزلة رفيعة دلت على علو كعبه في الإيمان والوثاقة،
وأي مقام أرفع من هذا؟
وقد وثقه الشهيد الثاني (رحمه الله) في شرح الدراية.
(1) رجال الطوسي: 131، الرقم 64.
(2) رجال الطوسي: 251، الرقم 451.
(3) الكافي 3: 275.
(4) رجال ابن داود: 145، الرقم 1118.
421
77 - عمر بن علي بن الحسين (عليهما السلام):
عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مات وله 65 سنة
وقيل: 70 سنة.
وعن الباقر (عليه السلام) أنه قال: عمر بصري الذي أبصر به، وهو جد الشريفين
المرتضى والرضي من قبل الأم، ولقبه: الأشرف؛ فإنه كان فخم السيادة، جليل
القدر والمنزلة في الدولتين معا الأموية والعباسية، وكان ذا علم وقدر، روي عنه
الحديث، إلى غير ذلك مما جاء في تقريظه وإطرائه.
عده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (1) تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: عمر بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أبو حفص الأشرف.
وأخرى (2) في الصادق (عليه السلام) قائلا: مدني تابعي، مات وله خمس وستون سنة
وقيل ابن سبعين سنة.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) (3): كان فاضلا جليلا، ولي صدقات النبي (صلى الله عليه وآله)
وصدقات أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان ورعا سخيا.
وقال الزنجاني (4): أعده من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وقال ابن حجر (5): عمر بن علي بن الحسين بن علي الهاشمي المدني،
(1) رجال الطوسي: 127، الرقم 2.
(2) رجال الطوسي: 251، الرقم 449.
(3) إرشاد المفيد: 267.
(4) الجامع في الرجال.
(5) تقريب التهذيب 2: 61، الرقم 489.
422
صدوق فاضل من السابعة.
وقال ابن حبان (1): ثقة يخطئ، روى عن ابن أخيه جعفر بن محمد
ابن علي.
وقال الذهبي (2): هو عمر الأصغر، كان سيدا، كثير العبادة والاجتهاد،
له فضل وعلم.
وقال المزي (3): كان أبو جعفر محمد بن علي يكرمه ويرفع من منزلته،
روى له البخاري في " الأدب "، ومسلم، وأبو داود في " المراسيل "، والترمذي.
78 - عمرو بن أبي المقدام:
قال النجاشي (4): عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز الحداد مولى بني عجل،
روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام)، له كتاب لطيف يرويه
عنه الثقات.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (5) تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: عمرو
ابن ثابت، وأخرى (6) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: كوفي تابعي.
(1) ثقات ابن حبان 7: 180.
(2) تأريخ الإسلام (وفيات 101 - 120): 432.
(3) تهذيب الكمال 21: 460، الرقم 4285.
(4) رجال النجاشي: 290، الرقم 777.
(5) رجال الطوسي: 130، الرقم 43.
(6) رجال الطوسي: 247، الرقم 380.
423
وذكره العلامة (1) في القسم الأول المعد للمعتمدين في الرواية.
روى الكشي (2) بإسناده متصل إلى أبي العرندس عن رجل من قريش قال:
كنا بفناء الكعبة وأبو عبد الله (عليه السلام) قاعد، فقيل له ما أكثر الحاج! فقال (عليه السلام):
ما أقل الحاج! فمر عمرو بن أبي المقدام فقال: هذا من الحاج.
وفي كشف الغمة عنه، قال: كنت إذا نظرت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) علمت
أنه من سلالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد روى الفريقان عنه هذه الكلمة.
وقال المامقاني (3): لا شبهة في كونه شيعيا إماميا كما يظهر من عدم غمز
النجاشي والشيخ (رحمه الله) في مذهبه.
وقال الذهبي (4): وكان شيعيا متغاليا.
وقال ابن معين (5): ليس بثقة.
وقال ابن حبان (6): لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار.
وقال ابن المبارك (7): لا تحدثوا عنه فإنه كان يسب السلف.
وقال أبو حاتم (8) وأبو زرعة: ضعيف.
(1) رجال العلامة: 120، الرقم 2.
(2) رجال الكشي: 392، الرقم 738.
(3) تنقيح المقال 2: 324.
(4) تأريخ الإسلام (وفيات 171 - 180): 279.
(5) تأريخ ابن معين 2: 440.
(6) المجروحين لابن حبان 2: 76.
(7) الضعفاء الكبير للعقيلي 3: 261.
(8) الجرح والتعديل 6: 223.
424
وفي سؤالات الآجري (1): أخبرنا داود عنه، قال: رافضي خبيث.
وقال ابن حبان (2): مات سنة اثنتين وسبعين ومائة.
قال لي أبو عبد الله في أول دخلة دخلت عليه: " تعلموا الصدق قبل
الحديث ".
79 - عيسى بن السري:
قال النجاشي (3): عيسى بن السري أبو اليسع الكرخي بغدادي، مولى، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
وذكره الشيخ (4) في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: عيسى
ابن السري الكرخي مولى أبي اليسع، قمي نزل كرخ بغداد.
وذكره في الفهرست، له كتاب.
وقال الكشي (5): جعفر بن أحمد، عن صفوان، عن أبي اليسع، قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): حدثني عن دعائم الإسلام التي بني عليها، ولا يسع أحدا
من الناس تقصير عن شيء منها، الذي من قصر عن معرفة شيء منها كبت عليه
دينه، ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح دينه، وقبل منه عمله،
(1) ميزان الاعتدال 3: 249.
(2) المجروحين لابن حبان 2: 76.
(3) رجال النجاشي: 296، الرقم 802.
(4) رجال الطوسي: 257، الرقم 559. وفي الفهرست: 117، الرقم 511.
(5) رجال الكشي: 424، الرقم 799.
425
ولم يضق به ما فيه بجهل شيء من الأمور جهله.
قال: فقال (عليه السلام): شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
والإقرار بما جاء به من عند الله، ثم قال: الزكاة والولاية شيء دون شيء،
فضل يعرف لمن أخذ به.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،
وقال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) الآية. وكان علي (عليه السلام) وكان الحسن ثم الحسين، ثم قال: أزيدك؟ قال
بعض القوم: زده جعلت فداك. قال: ثم كان علي بن الحسين، ثم كان أبو جعفر
[محمد بن علي] (عليهم السلام) وكانت الشيعة قبله لا يعرفون ما يحتاجون إليه من حلال
ولا حرام إلا ما تعلموه من الناس، حتى كان أبو جعفر (عليه السلام) ففتح لهم وبين لهم
علمهم، وصاروا يعلمون الناس بعدما كانوا يتعلمون منهم، والأمر هكذا يكون،
والأرض لا تصلح إلا بإمام، وأحوج ما تكون إلى هذا إذا بلغت نفسك هذا
المكان، وأهوى بيده إلى حلقه وانقطعت من الدنيا، تقول: لقد كنت على
رأي حسن.
وذكره العلامة (1) في القسم الأول واختصر كلام النجاشي.
وكذلك ذكره ابن داود (2) في القسم الأول، وقال: مدحه النجاشي والشيخ
والكشي.
(1) رجال العلامة: 123، الرقم 4.
(2) رجال ابن داود: 129، الرقم 1170.
426
ووثقه الفاضل المجلسي (1)، والبحراني (2)، والكاظمي (3)، والطريحي (4)،
وعبد النبي الجزائري (5).
80 - عيسى بن عبد الله بن سعد:
قال النجاشي (6): عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وله مسائل للرضا (عليه السلام).
وقال الشيخ في الفهرست (7): عيسى بن عبد الله القمي، له مسائل.
وقال الكشي (8): حدثني محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن محمد، قال:
حدثني أحمد بن محمد، عن موسى بن طلحة، عن أبي محمد أخي يونس بن يعقوب،
عنه، قال: كنت بالمدينة فاستقبل جعفر بن محمد (عليه السلام) في بعض أزقتها، قال:
فقال (عليه السلام): إذهب يا يونس فإن بالباب رجل منا أهل البيت، قال: فجئت
إلى الباب فإذا عيسى بن عبد الله القمي جالس، قال: فقلت له: من أنت؟
فقال له: أنا رجل من أهل قم، قال: فلم يكن بأسرع من أن أقبل أبو عبد الله (عليه السلام)
(1) الوجيزة: 275، الرقم 1381.
(2) بلغة المحدثين: 391، الرقم 40.
(3) هداية المحدثين: 126.
(4) جامع المقال: 84.
(5) حاوي الأقوال (مخطوط): 121، الرقم 458.
(6) رجال النجاشي: 296، الرقم 805.
(7) فهرست الطوسي: 116، الرقم 506.
(8) رجال الكشي: 332، الرقم 607، و 333، الرقم 610.
427
فدخل [وهو] على الحمار الدار، ثم التفت إلينا فقال: ادخلا، ثم قال: يا يونس
أحسبك أنكرت قولي لك، إن عيسى بن عبد الله منا أهل البيت، قال: قلت:
أي والله جعلت فداك؛ لأن عيسى بن عبد الله رجل من أهل قم، فقال: يا يونس،
عيسى بن عبد الله هو منا حي، وهو منا ميت.
ذكره العلامة (1) في القسم الأول، وذكر شطرا مما قاله الكشي وقال:
وهذا طريق واضح.
وكذلك ذكره ابن داود (2) في القسم الأول، قال: عيسى بن عبد الله
القمي من أصحاب الصادق (عليه السلام)، ثقة، قبل الصادق (عليه السلام) بين عينيه وقال:
أنت منا.
وعده الفاضلين المجلسي (3) والبحراني (4) ممدوحا.
ولقد أجاد الجزائري (5) حيث عده في فصل الثقات، وقال بعد نقل روايتي
الكشي ما لفظه: لا يخفى ما في هذا من الدلالة على شأن عيسى وعظم محله
عند الإمام (عليه السلام).
وذكره البرقي (6) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال العلامة: 122، الرقم 3.
(2) رجال ابن داود: 149، الرقم 1173.
(3) الوجيزة: 275، الرقم 1382.
(4) بلغة المحدثين: 391.
(5) حاوي الأقوال (مخطوط): 121، الرقم 460.
(6) رجال البرقي: 31.
428
كما وذكره الشيخ (1) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال المامقاني (2): وبالجملة فالحق أن الرجل من الثقات، وقد بنى على اتحاد
عيسى بن عبد الله بن سعد، وسعد بن عبد الله القمي.
81 - الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي:
قال النجاشي (3): الفضيل بن عياض، بصري، ثقة، من العامة، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وذكره الشيخ (4) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: الفضيل
ابن عياض بن مسعود التميمي، الزاهد الكوفي.
وذكره ابن داود (5) في القسم الأول قائلا: الفضيل بن عياض من أصحاب
الصادق (عليه السلام)، بصري، ثقة، عظيم المنزلة لكنه عامي.
وفي الوجيزة، والبلغة أنه موثق، وفي مشتركات الكاظمي، والطريحي،
أنه ثقة، ولعله سهو من قلمهما لأنه عامي.
وقال المولى الوحيد البهبهاني (6): إن فضيل بن عياض قال: سألت
(1) رجال الطوسي: 258، الرقم 569.
(2) تنقيح المقال 1: 362، الرقم 9315.
(3) رجال النجاشي: 310، الرقم 847.
(4) رجال الطوسي: 271، الرقم 18.
(5) رجال ابن داود: 266، الرقم 393.
(6) تعليقة الوحيد: 261.
429
أبا عبد الله (عليه السلام) عن أشياء من المكاسب فنهاني عنها، وقال: يا فضيل، والله
لضرر هؤلاء على هذه الأمة أشد من ضرر الترك والديلم.
وسأله عن الورع من الناس، قال: الذي يتورع عن محارم الله، ويتجنب
هؤلاء، وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه، وإذا رأى منكرا
فلم ينكره وهو يقدر عليه فقد أحب أن يعصى الله، ومن أحب أن يعصى الله
فقد بارز الله بالعداوة، ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى الله، إن الله
تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين، فقال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا
والحمد لله رب العالمين) الآية، وفي هذه الآية ربما يكون إشعار بأن فضيلا
ليس عاميا.
قال الذهبي (1): الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشير الإمام القدوة، الثبت،
شيخ الإسلام، أبو علي التميمي اليربوعي الخراساني المجاور بحرم الله، ولد بسمرقند
ونشأ بأبيورد، وارتحل في طلب العلم.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال النسائي: ثقة مأمون، رجل صالح.
وقال الدارقطني: ثقة.
وقال محمد بن سعد: قدم الكوفة وهو كبير السن، ثم تعبد، وانتقل إلى مكة
ونزلها إلى أن مات أول سنة سبع وثمانين ومئة، في خلافة هارون، وكان ثقة نبيلا،
فاضلا، عابدا، ورعا، كثير الحديث.
وقال المزي: روى عن جعفر بن محمد الصادق.
(1) سير أعلام النبلاء 8: 421، الرقم 114.
430
وقال المزي (1): قال عمار بن الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى،
كان الفضيل بن عياض شاطرا [أي سارقا] يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس،
وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدار إليها إذ سمع تاليا
يتلو [القرآن]: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)؛ فلما سمعها قال:
بلى يا رب، قد آن. فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم:
نرتحل. وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال:
ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين ها هنا يخافونني!
وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع.
اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.
82 - الفضيل بن يسار (2):
قال النجاشي (3): الفضيل بن يسار النهدي، أبو القاسم، عربي، بصري،
صميم، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، ومات في أيامه وقال
ابن نوح: يكنى أبا مسور، له كتاب.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (4) تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا:
ثقة.
(1) تهذيب الكمال 23: 285.
(2) أقول: سبق ذكره في أصحاب الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
(3) رجال النجاشي: 309، الرقم 846.
(4) رجال الطوسي: 132، الرقم 1.
431
وأخرى (1) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: النهدي، مولى وأصله كوفي
نزل البصرة.
وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام والرؤساء
المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق
لذم واحد منهم.
وقال الكشي (2): وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم،
والإقرار لهم بالفقه من الستة أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام).
وقال الكشي (3): كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا رأى الفضيل بن يسار قال:
بشر المخبتين من أحب أن يرى رجلا من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.
وعنه (4)، كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول: إن فضيلا من أصحاب أبي، وإني
لأحب الرجل أن يحب أصحاب أبيه.
وعنه (5)، قال أبو عبد الله (عليه السلام) عندما مات الفضيل: رحم الله الفضيل
ابن يسار وهو منا أهل البيت.
ودلت بعض الأحاديث أنه مستودع أسراره (عليه السلام)، وهل بعد هذا من كرامة
وجلالة ووثاقة؟ رضوان الله عليه.
(1) رجال الطوسي: 271، الرقم 15.
(2) رجال الكشي: 238، الرقم 431.
(3) رجال الكشي: 212، الرقم 377.
(4) رجال الكشي: 213، الرقم 380.
(5) رجال الكشي: 213، الرقم 381.
432
وذكره ابن حبان (1) في الثقات.
وقال ابن حجر (2) عن موسى بن إسماعيل: كان فضيل بن يسار رجل سوء.
83 - القاسم بن عروة أبو محمد الخوزي:
قال النجاشي: القاسم بن عروة أبو محمد، مولى أبي أيوب الخوزي، بغدادي،
وبها مات، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان
قال:... الخ.
ذكره الشيخ (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (4): القاسم بن عروة، مولى أبي أيوب الخوزي وزير أبي جعفر
المنصور.
وذكره ابن داود (5) في القسم الأول، وذكر شطرا من النجاشي والكشي،
وقال ممدوح.
وقال المامقاني (6): الإنصاف أن عد حديث الرجل في الصحيح، وإن القول
الفصل هو عد حديثه من الحسن، ومجموع ما ذكر يفيد مدحا معتدا به يدرجه
في الحسان. انتهى.
(1) ثقات ابن حبان 7: 315، من كتب رجال السنة.
(2) لسان الميزان 4: 454، الرقم 398، من كتب رجال السنة.
(3) رجال الطوسي: 276، الرقم 51، وفهرست الطوسي: 127، الرقم 566.
(4) رجال الكشي: 372، الرقم 695.
(5) رجال ابن داود: 153، الرقم 1214.
(6) تنقيح المقال 2: 21، الرقم 9586.
433
84 - محمد بن مسلم:
قال النجاشي (1): محمد بن مسلم بن رباح، أبو جعفر، الأوقص، الطحان،
مولى ثقيف، الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب أبا جعفر
وأبا عبد الله (عليهما السلام) وروى عنهما، وكان من أوثق الناس، له كتاب يسمى الأربعمائة
مسألة في أبواب الحلال والحرام (2).
وكان من الأفذاذ الذين لا يأتي بهم الدهر إلا صدفة، وقد كان المثل الأعلى
في الصلاح والطاعة لأئمته والامتثال لأوامرهم والاقتداء بسيرتهم، والأمين
عند جماعة الناس، فكان فضله وصلاحه معروفين حتى عند من يخالفه في سيرته
وسريرته، غير أنهم طعنوا فيه بالرفض، الذي كان يراه وأهل طريقته سمة جميلة
ومفخرة سامية.
وقد عد فقيه عصره، الذي هو خيرة العصور في الفقه والفقهاء حتى قال فيه
عبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان - وهما من قد علمت -: ما كان أحد
من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم، وإن فقهاء عصره هم الذين حفظوا شرع أحمد
المختار (صلى الله عليه وآله) كما قال ذلك إمامهم الصادق (عليه السلام)، وكيف لا يكون الفقيه الأوحد
وقد سمع من أبي جعفر (عليه السلام) ثلاثين ألف حديث، ومن أبي عبد الله (عليه السلام) ستة عشر
ألف حديث، ومن ألقى نظرة على كتب الحديث عرف كيف بلغت روايته كثرة
ووفرة.
(1) رجال النجاشي: 323، الرقم 882.
(2) سبق ذكره في أصحاب الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
434
وأما ثناء أئمته عليه فهو جم كثير، وقد سبق بعضه في بريد العجلي، ولو أردنا
استيفاء ما جاء فيه لخرجنا عن الصدد، وهو من الستة أصحاب أبي جعفر (عليه السلام)
الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم والإقرار لهم بالفقه.
وكانت وفاته عام 150، وله نحو من سبعين سنة، فيكون قد أدرك من عصر
أبي الحسن (عليه السلام) سنتين، فرضوان الله عليه.
85 - مرازم:
قال النجاشي (1): مرازم بن حكيم الأزدي المدائني، مولى، ثقة، يكنى
أبا محمد، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ومات في أيام الرضا (عليه السلام)،
وهو أحد من بلي باستدعاء الرشيد له، وسلم من الرشيد، له كتاب.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (2) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وأخرى (3) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: ثقة.
وذكره العلامة في القسم الأول المعد للممدوحين والمقبولين الرواية عنده.
وقال المامقاني (4): ويظهر من خبر رواه في الكافي عنه أنه من خدم
أبي عبد الله (عليه السلام) وثقاته، وقد كان ومولاه مصادف معه في الحيرة لما كان معتقلا
فيها عند أبي جعفر المنصور.
(1) رجال النجاشي: 424، الرقم 1138.
(2) رجال الطوسي: 319، الرقم 638.
(3) رجال الطوسي: 359، الرقم 6.
(4) تنقيح المقال 3: 208، الرقم 11622.
435
وكان مرازم هذا مع الصادق هو ومصادف مولى الصادق لما بعث عليه
المنصور إلى الحيرة، ولما سمح له بالعودة سار من الحيرة في أول الليل فعارضه
عاشره وحال بينه وبين المسير فطلب مصادف من الإمام أن يستعين هو ومرازم
هذا على قتله، فأبى عليه الإمام، وما زال الإمام بالعاشر حتى رضي بعد أن ذهب
أكثر الليل، وهذا يدلنا على اختصاصه بالإمام وشدة حبه وولائه له وامتثاله لأمره.
86 - مسمع كردين:
قال النجاشي (1): مسمع بن عبد الملك بن مسمع بن مالك، أبو سيار،
الملقب كردين، شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها وسيد المسامعة، روى
عن أبي جعفر (عليه السلام) رواية يسيرة، وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأكثر واختص به،
وقال له أبو عبد الله (عليه السلام): إني لأعدك لأمر عظيم يا أبا سيار، وروى عن
أبي الحسن موسى (عليه السلام)، له نوادر كثيرة.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (2) تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا: مسمع
كردين، يكنى أبا سيار، كوفي.
وأخرى (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (4): قال محمد بن مسعود: سألت أبا الحسن علي بن الحسن
ابن فضال عن مسمع كردين؟ فقال: هو ابن مالك من أهل البصرة، وكان ثقة.
(1) رجال النجاشي: 420، الرقم 1124.
(2) رجال الطوسي: 136، الرقم 23.
(3) رجال الطوسي: 321، الرقم 657.
(4) رجال الكشي: 310، الرقم 560.
436
وقال المامقاني (1): وثاقة الرجل لا ينبغي التأمل فيها.
وله أخبار كثيرة تشهد بتمسكه الشديد بأهل البيت (عليهم السلام) وإطاعته لإمامه،
وإخراجه لحقوق أمواله على كثرتها، بل أراد أن يجمع كل ماله ويحمله إلى الإمام
ولكن الإمام أبى عليه ذلك.
87 - معاوية بن عمار:
قال النجاشي (2): معاوية بن عمار بن أبي معاوية خباب بن عبد الله الدهني،
مولاهم، كوفي، وكان وجها في أصحابنا، ومقدما، كبير الشأن، عظيم المحل، ثقة.
روى معاوية عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)، وله كتب،
ومات معاوية سنة خمس وسبعين ومائة.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (3) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وفي الوسائل (4)، كتاب النكاح، باب نظر المملوك إلى مالكه، قول
الصادق (عليه السلام) له: " يا بني ".
وهذه دلالة على جلالته وحبه له وعنايته به، كما قال المامقاني (5).
وعده ابن شهرآشوب (6) من خواص الصادق (عليه السلام).
(1) تنقيح المقال 3: 215، الرقم 11787.
(2) رجال النجاشي: 411، الرقم 1096.
(3) رجال الطوسي: 310، الرقم 481.
(4) الوسائل 20: 224، الحديث 2548.
(5) تنقيح المقال 3: 224، الرقم 11918.
(6) مناقب ابن شهرآشوب 4: 281.
437
88 - معروف بن خربوذ (1):
معروف بن خربوذ المكي، روى عن السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام).
وقال الكشي (2): وهو من الستة أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)
الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم والإقرار لهم بالفقه.
وقد جاءت فيه أحاديث دلت على جلالته وكبير مقامه، بل وكونه من
أهل الأسرار، وكان من العباد الطويل سجودهم.
89 - المعلى بن خنيس:
قال النجاشي (3): معلى بن خنيس أبو عبد الله، مولى الصادق (عليه السلام) ومن قبله
كان مولى بني أسد، كوفي، بزاز.
له كتاب يرويه جماعة، قال سعد: هو من غني.
وذكره الشيخ في رجاله (4) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
كما ذكره البرقي (5) في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال الكشي (6): أحمد بن منصور، عن أحمد بن الفضل، عن محمد بن زياد،
(1) سبق ذكره في أصحاب الباقر (عليه السلام) في المجلد الثامن من هذه الموسوعة.
(2) رجال الكشي: 238، الرقم 431.
(3) رجال النجاشي: 417، الرقم 1114.
(4) رجال الطوسي: 310، الرقم 497.
(5) رجال البرقي: 25 - 26.
(6) رجال الكشي: 381، الرقم 714.
438
عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن إسماعيل بن جابر، قال: دخلت على
أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: يا إسماعيل، قتل المعلى؟ قلت: نعم. قال: أما والله
لقد دخل الجنة.
وقال الكشي أيضا (1): لما أخذ داود بن علي المعلى خنيس، حبسه وأراد
قتله، فقال له معلى: أخرجني إلى الناس فإن لي دينا كثيرا ومالا، حتى أشهد بذلك،
فأخرجه إلى السوق، فلما اجتمع الناس قال: يا أيها الناس، أنا معلى بن خنيس،
فمن عرفني فقد عرفني، اشهدوا أن ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبد
أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمد، فشد عليه صاحب الشرطة فقتله،
فلما بلغ ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) خرج يجر ذيله حتى دخل على داود بن علي
[والي المدينة] وإسماعيل ابنه خلفه، فقال: يا داود، قتلت مولاي وأخذت مالي؟
قال: ما أنا قتلته، ولا أخذت مالك، قال: والله لأدعون الله على من قتل مولاي
وأخذ مالي! قال: ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي، فقال: بإذنك أو بغير
إذنك؟ قال: بغير إذني، قال: يا إسماعيل، شأنك به؟ قال: فخرج إسماعيل
والسيف معه حتى قتله في مجلسه " أي صاحب الشرطة ".
فلم يزل أبو عبد الله (عليه السلام) ليلته ساجدا وقائما وفي آخر الليل وهو ساجد
ينادي ربه: اللهم إني أسألك بقوتك القوية، وبمحالك الشديد، وبعزتك التي خلقك
لها ذليل، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تأخذه الساعة، قال: فما رفع رأسه من
سجوده حتى جاءت الصيحة، فقالوا: مات داود بن علي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
إني دعوت عليه بدعوة بعث الله إليه ملكا، فضرب رأسه بمرزبة انشقت منها
مثانته.
(1) رجال الكشي: 377، الرقم 708.
439
وقال أيضا (1): وجدت بخط جبريل بن أحمد، قال - بعد حذف السند -
عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول - وجرى ذكر المعلى
ابن خنيس -، فقال (عليه السلام): يا أبا محمد، اكتم علي ما أقول لك في المعلى، قلت: أفعل،
فقال: أما إنه ما كان ينال درجتنا [لمعلى بن خنيس] إلا بما ينال منه داود بن علي،
قلت: وما الذي يصيبه من داود؟ قال: يدعوه فيأمر به فيضرب عنقه ويصلبه،
" فولي " المدينة داود فقصد المعلى فدعاه وسأله عن شيعة أبي عبد الله (عليه السلام)،
وأن يكتبهم له، فقال: أنا رجل أختلف في حوائجه وما أعرف له صاحبا، فقال:
تكتمني أما إنك إن كتمتني قتلتك. فقال له المعلى: بالقتل تهددني؟ والله لو كانوا
تحت قدمي ما رفعتها عنهم، وإن أنت قتلتني لتسعدني وأشقيك، فكان كما قال
أبو عبد الله (عليه السلام) لم يغادر منه قليلا ولا كثيرا.
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي، في كتاب الغيبة: إنه كان من قوام
أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه.
وهذا يقتضي وصفه بالعدالة.
وذكره ابن داود (2) في القسم الأول قائلا: المعلى بن خنيس المدني
من أصحاب الصادق (عليه السلام)، مولاهم.
وأخرى (3) في القسم الثاني، وذكر مختصرا من كلام النجاشي
والكشي.
(1) رجال الكشي: 380، الرقم 713.
(2) رجال ابن داود: 279، الرقم 505.
(3) رجال ابن داود: 190، الرقم 1579.
440
وقال المحقق البحراني في البلغة (1): معلى بن خنيس، مختلف فيه،
والقاعدة تقتضي جرحه، والأخبار متظافرة بمدحه والاعتماد عليها
أظهر.
وقال المامقاني (2): يظهر بعد التتبع في كتب الأخبار والدعوات ومناقب الأئمة
من الخاصة والعامة، فساد ما نسبه إليه ابن الغضائري قطعا، وكونه من أجلاء
الشيعة.
أما تضعيف النجاشي والغضائري فالظاهر منه تضعيفه من أول أمره.
ولقد أجاد الكاظمي في التكملة حيث قال: الأخبار دلت على أن قتل المعلى
ابتلاء بما ضيع من حديث أهل البيت، ومتفقة على سبق عدالته وثقته وعلو شأنه
وجلالة قدره.
وقال ابن حجر (3): معلى بن خنيس الكوفي، من كبار الروافض.
والله العالم ببواطن الأمور.
90 - المفضل بن عمر:
قال النجاشي (4): مفضل بن عمر، أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، الجعفي،
كوفي، له كتب.
(1) بلغة المحدثين: 420، الرقم 29.
(2) تنقيح المقال 3: 231 و 233.
(3) لسان الميزان 6: 63، الرقم 345.
(4) رجال النجاشي: 416، الرقم 1112.
441
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (1) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وأخرى (2) في أصحاب الكاظم (عليه السلام).
له كتب رواها الثقات، وإليه ينسب رواية التوحيد والإهليليجة عن
الصادق (عليه السلام).
وعن الكشي (3)، قال أبو عبد الله (عليه السلام): " نعم العبد والله الذي لا إله إلا هو،
المفضل بن عمر الجعفي "، حتى أحصي عليه بضعا وثلاثين مرة يقولها ويكررها.
وعنه (4)، قال أبو إبراهيم موسى (عليه السلام): رحم الله المفضل قد استراح.
وعنه (5)، قال أبو عبد الله (عليه السلام) إلى الشيعة حين أحدث أبو الخطاب ما
أحدث: قد أقمت عليكم المفضل، اسمعوا منه واقبلوا عنه فإنه لا يقول على الله وعلي
إلا الحق.
وعنه (6)، قال: كتب أبو عبد الله (عليه السلام) إلى المفضل بن عمر الجعفي حين مضى
عبد الله بن أبي يعفور: يا مفضل، عهدت إليك عهدي، كان إلى عبد الله
ابن أبي يعفور " وجعله وكيله خلفا عن مثل ذلك السلف ".
وقد جمع من فواضل الخصال ما قل أن يجمعه سواه من الفقهاء الرواة وأعيان
الثقات، فهو قد جمع إلى العلم الجم، والفضل الغزير، والصلاح والورع، والوكالة
(1) رجال الطوسي: 314، الرقم 554.
(2) رجال الطوسي: 360، الرقم 23.
(3) رجال الكشي: 322، الرقم 585.
(4) رجال الكشي: 329، الرقم 597.
(5) رجال الكشي: 327.
(6) رجال الكشي: 248، الرقم 461.
442
عن الإمامين (عليهما السلام)، يجمع لهما حقوق الأموال، ويصلح ما بين الناس من أموالهما،
ويداري الضعفاء امتثالا لأمرهما، وجد في قضاء حوائج إخوانه.
وقال فيه أبو الحسن موسى (عليه السلام) بعد موته: " إن المفضل كان أنسي
ومستراحي "، وقال أيضا: " رحم الله المفضل قد استراح "، إلى كثير من أمثال
هذا البيان، وجملة القول: إن الرجل أرفع شأنا من أن يذكر بتوثيق، وأجل مقاما
من أن يزان بثناء.
91 - مندل بن علي الكوفي:
قال النجاشي (1): مندل بن علي العنزي، واسمه عمرو، وأخوه حبان، ثقات،
رويا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
وقال البرقي (2): مندل بن علي العنزي، عامي عربي كوفي.
وقد وثقه الفاضلان المجلسي (3) والبحراني (4)، وعده الجزائري في قسم
الموثقين.
وقال العجلي (5): جائز الحديث يتشيع، وروى أبو حاتم عن ابن معين (6)
مندل وحبان أبناء ما بهما بأس.
(1) رجال النجاشي: 422، الرقم 1131.
(2) رجال ابن داود: 281، الرقم 517.
(3) الوجيزة: 326، الرقم 1927.
(4) البحراني؛ بلغة المحدثين: 422، الرقم 35.
(5) في تأريخ الثقات: 439، الرقم 1631.
(6) الجرح والتعديل 8: 435.
443
وروى إسماعيل (1) بن عمرو البجلي، عن معاذ بن معاذ، قال: دخلت الكوفة
فلم أر أورع من مندل بن علي.
مات مندل بن علي سنة ثمان وستين ومائة في رمضان.
92 - منصور بن حازم:
قال النجاشي (2): منصور بن حازم، أبو أيوب البجلي، كوفي، ثقة، عين،
صدوق، من أجلة أصحابنا وفقهائهم، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن
موسى (عليهما السلام).
له كتب، منها: أصول الشرائع، لطيف، وكتاب الحج.
وذكره الشيخ (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، كما ذكره في الفهرست.
كما ذكره العلامة (4)، وابن داود (5) في القسم الأول من كتابيهما.
وقال الكشي (6): جعفر بن أحمد بن أيوب، عن صفوان، عن منصور
ابن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه،
بل الخلق يعرفون بالله، قال: صدقت. قال: قلت إن من عرف أن له ربا فقد ينبغي
(1) تأريخ بغداد 13: 249.
(2) رجال النجاشي: 413، الرقم 1101.
(3) رجال الطوسي: 313، الرقم 533. وفي الفهرست: 164، الرقم 817.
(4) رجال العلامة: 167، الرقم 2.
(5) رجال ابن داود: 193، الرقم 1604.
(6) رجال الكشي: 420، الرقم 795.
444
أن يعرف رضاه وسخطه إلا برسول لمن لم يأته الوحي، فينبغي أن يطلب الرسل،
فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة، إن لهم الطاعة المفترضة [قال (عليه السلام): صدقت].
فقلت للناس: أليس تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الحجة من الله
على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت: فحين مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان الحجة؟
قالوا: القرآن. فنظرت في القرآن فإذا هو [ذات أوجه] يخاصم به المرجئ،
والقدري، والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت
أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم: ما قال فيه من شيء كان حقا، فقلت لهم: من قيم
القرآن؟ قالوا: ابن مسعود قد كان يعلم، وعمر يعلم، وحذيفة، قلت: كله؟
[أي كل القرآن]، قالوا: لا، فقالوا: إنه ما كان يعرف ذلك كله إلا علي
[ابن أبي طالب] (عليه السلام)، قلت: وإذا كان الشيء بين القوم وقال هذا: لا أدري،
وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، ولم ينكر عليه [أحد] [إذن] كان القول
قوله (عليه السلام)، وأشهد أن عليا (عليه السلام) كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان
حجة على الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنه ما قال في القرآن فهو حق،
فقال (عليه السلام): رحمك الله. فقلت: إن عليا (عليه السلام) لم يذهب حتى ترك حجة من بعده
كما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن الحجة بعد علي الحسن بن علي (عليه السلام) وأشهد
على الحسن أنه كان حجة وإن طاعته مفروضة، فقال (عليه السلام): رحمك الله، وقبلت
رأسه وقلت: أشهد على الحسن أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه
وجده وأن الحجة بعد الحسن الحسين وكانت طاعته مفروضة. فقال (عليه السلام):
رحمك الله، وقبلت رأسه وقلت: أشهد على الحسين أنه لم يذهب حتى ترك حجة
من بعده، وأن الحجة من بعده علي بن الحسين وكانت طاعته مفترضة. فقال (عليه السلام):
رحمك الله. وقبلت رأسه وقلت: وأشهد أن علي بن الحسين لم يذهب حتى ترك
445
حجة من بعده، وإن الحجة من بعده محمد بن علي أبو جعفر وكانت طاعته مفترضة.
فقال (عليه السلام): رحمك الله. فقلت: أعطني رأسك أقبله فضحك [الإمام] فقلت:
أصلحك الله وقد علمت أن أباك لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه،
وأشهد بالله أنك أنت الحجة وأن طاعتك مفترضة. فقال: كف رحمك الله.
قلت: أعطني رأسك أقبله. فقبلت رأسه فضحك ثم قال: سلني عما شئت فلا أنكرك
بعد اليوم أبدا.
وعن بصائر الدرجات (1): عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن صالح،
عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ما أجد أحدا أحدثه، وإني
لأحدث الرجل بالحديث فيتحدث به، فأوتى وأقول إني لم أقل. [وهذا من باب
التقية].
وقال المامقاني (2): يدل كونه أهل سر الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يشكو عنده
من عدم سر أصحابه عليه ما يخالف التقية.
وقد وثق الرجل الفاضل المجلسي، والمحقق البحراني، والجزائري، والطريحي،
والكاظمي.
وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) من فقهاء أصحاب الإمام (عليه السلام) الصادقين، والأعلام
الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم
ولا طريق إلى ذم واحد منهم.
انتهى هذا الموجز من ترجمة منصور بن حازم.
(1) بحار الأنوار 2: 231، الرقم 5.
(2) تنقيح المقال 3: 249، الرقم 12166.
446
93 - مؤمن الطاق:
قال النجاشي (1): محمد بن علي بن النعمان بن أبي ظريفة البجلي، مولى،
الأحول، أبو جعفر، كوفي، صيرفي، يلقب بمؤمن الطاق، وصاحب الطاق،
ويلقبه المخالفون شيطان الطاق.
ومن عرف مواقفه في مناظرات أعلامهم في الإمامة اتضح له المنشأ
في تلقيبهم إياه بهذا اللقب وبغضهم له، فإن الحق ثقيل على النفس.
وهو يروي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وجاء فيه ثناء جميل وتقريض
ومدح من إمامه ومثقفه الصادق (عليه السلام)، منها قوله: زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم
وبريد العجلي والأحول أحب الناس إلي أحياء وأمواتا، إلى ما سوى ذلك
من الروايات المعتبرة الدالة على عظمته وجلالة قدره عند الإمام (عليه السلام).
روى عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وزيد بن علي (عليه السلام)، وروى عنه
أبو الفضل النحوي والحسن بن محبوب وأبو خالد الكابلي وأبو مالك الأخمس
وإسماعيل بن عبد الخالق ويونس بن عبد الرحمن.
وحديثه شائع في كتب الحديث، ومن نظر في مناظراته عرف كيف كان
قوي الحجة شديد العارضة سريع الجواب نبيه الخاطر ذكي القلب، وكان في طليعة
متكلمي الإمامية، على أن له القدح المعلى في الفقاهة وشأنه أرفع من أن يطنب
في إطرائه، وأعرف من أن يكثر الكلام في تعريفه (2).
(1) رجال النجاشي: 325، الرقم 886.
(2) الإمام الصادق (عليه السلام) للمظفر: 161 - 165.
447
وأما منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر، وله كتب، وكانت له مع
أبي حنيفة حكايات كثيرة، ومن جملة قضاياه مع أبي حنيفة ما رواه في باب المتعة
من الكافي (1)، قال: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن علي بن النعمان فقال:
يا أبا جعفر، ما تقول في المتعة، أتزعم أنها حلال؟ قال: نعم، قال: فما يمنعك
أن تأمر نسائك أن يستمتعن ويكتسبن عليك؟ فقال له أبو جعفر: ليس كل
الصناعات يرغب فيها وإن كانت حلالا وللناس مراتب يرفعون أقدارهم،
ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنه حلال؟ قال: نعم. قال: فما يمنعك
أن تقعد نسائك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة: واحدة
بواحدة وسهمك أنفذ.
وكانت له مع أبي حنيفة حكايات مثيرة فمنها، أنه قال له يوما: يا أبا جعفر
تقول بالرجعة؟ فقال: نعم، قال: فأقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار،
فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك، فأجابه في الحال: أريد ضمينا يضمن لي أنك
تعود إنسانا، فإني أخاف أن تعود قردا فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني.
وقال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: قد مات إمامك يا أبا جعفر. فقال له
أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم - يعني الشيطان
الرجيم -.
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (2) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: محمد
ابن النعمان البجلي الأحول، أبو جعفر، شاه الطاق.
(1) الكافي 5: 450، الحديث 8.
(2) رجال الطوسي: 302، الرقم 355.
448
وأخرى (1) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: محمد، يكنى أبا جعفر الأحول
الملقب بمؤمن الطاق، ثقة.
وقال ابن حجر (2): يقال إن جعفر الصادق كان يقدمه ويثني عليه ويقدمه
في الشعر على غيره، إلا أنه اشتغل بالكلام عن الشعر.
وقال الذهبي (3): محمد بن النعمان الأحول، عراقي شيعي جلد، تلقبه الشيعة
بمؤمن الطاق، يعد من أصحاب جعفر بن محمد.
وقال ابن النديم (4): كان متكلما حاذقا، وله كتب، ولقي علي بن الحسين
زين العابدين، وكان حسن الاعتقاد والهدى.
94 - ميسر بن عبد العزيز:
قال النجاشي (5): ميسر بن عبد العزيز النخعي بياع الزطي، كوفي، روى
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام).
وروى عنه عدة من أعيان الثقات، وكثير منهم من أصحاب الإجماع،
وعده ابن شهرآشوب في المناقب من خواص الصادق (عليه السلام)، وقيل توفي في أيامه
عام 136 ه.
(1) رجال الطوسي: 359، الرقم 18.
(2) لسان الميزان 5: 300، الرقم 1017.
(3) سير أعلام النبلاء 10: 553، الرقم 187.
(4) فهرست ابن النديم: 224.
(5) رجال النجاشي: 368، الرقم 997، ترجمة ابنه محمد.
449
وعده الشيخ (رحمه الله) في رجاله (1) تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام)، مضيفا
إلى ما في النجاشي: " المدائني ".
وأخرى (2) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: مات في حياة
أبي عبد الله (عليه السلام) (3).
وقال الكشي (4): قال علي بن الحسن: إن ميسر بن عبد العزيز كان كوفيا
وكان ثقة.
وعنه (5)، قال ميسر: دخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) - ونحن جماعة - فذكروا
صلة الرحم والقرابة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): " يا ميسر، أما إنه قد حضر أجلك
غير مرة ولا مرتين، كل ذلك يؤخر الله بصلتك لقرابتك "، وجاء مفاد هذا الحديث
مكررا كقوله: " إني لأحب ريحكم وأرواحكم وإنكم على دين الله ودين
ملائكته ".
وعده (6) ابن شهرآشوب من خواص الصادق (عليه السلام).
وقد وثقه المجلسي (7) ومشتركات الكاظمي (8) أيضا.
(1) رجال الطوسي: 135، الرقم 12.
(2) رجال الطوسي: 317، الرقم 597.
(3) قيل توفي عام 136.
(4) رجال الكشي: 244، الرقم 446.
(5) رجال الكشي: 244، الرقم 447.
(6) مناقب ابن شهرآشوب 4: 281.
(7) الوجيزة: 329، الرقم 1964.
(8) هداية المحدثين: 154.
450
وقال المامقاني (1): والحق أن الرجل من الثقات الأجلاء، إلى ما سوى
هذه الأحاديث الشاهدة له بالكرامة والجلالة.
95 - نصر بن قابوس:
قال النجاشي (2): نصر بن قابوس اللخمي، روى عن أبي عبد الله
وأبي إبراهيم [الكاظم] وأبي الحسن الرضا (عليهم السلام) وكان ذا منزلة عندهم،
وله كتاب.
وذكره الشيخ في رجاله، تارة في أصحاب الصادق وأخرى في أصحاب
الكاظم (3).
وذكره البرقي في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وعده الشيخ المفيد من خاصة
أصحاب الكاظم (عليه السلام) وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.
وذكره العلامة (4) في القسم الأول قائلا شطرا من كلام النجاشي، ثم قال:
قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة أنه كان وكيلا لأبي عبد الله (عليه السلام) عشرين سنة.
كما ذكره ابن داود في القسم الأول.
وقال الكشي (5): حدثني حمدويه، قال: حدثني الحسن بن موسى،
(1) تنقيح المقال: 264، الرقم 12347.
(2) رجال النجاشي: 427، الرقم 1146.
(3) رجال الطوسي: 324، الرقم 6، و 362، الرقم 5.
(4) رجال العلامة: 175. الرقم 1.
(5) رجال الكشي: 450، الرقم 848، و 451: الرقم 849.
451
عن سليمان الصيدي، عن نصر بن قابوس، قال: كنت عند أبي الحسن الأول
الكاظم (عليه السلام) في منزله فأخذ بيدي فوقفني على بيت من الدار، فدفع الباب فإذا علي
ابنه (عليه السلام) وفي يده كتاب ينظر فيه، فقال لي: يا نصر، تعرف هذا؟ قلت: نعم،
هذا علي ابنك. قال: يا نصر، تدري ما هذا الكتاب الذي ينظر فيه؟ قلت: لا.
قال: هذا الجفر الذي لا ينظر فيه إلا نبي أو وصي.
قال الحسن بن موسى: فلعمري ما شك نصر ولا ارتاب حتى أتاه وفاة
أبي الحسن (عليه السلام).
وقال الكشي: حدثني حمدويه، قال: حدثني الحسن بن موسى، قال:
حدثنا أحمد بن أبي نصير، عن سعيد بن أبي الجهم، عن نصر بن قابوس، قال:
قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام) [أي الكاظم موسى بن جعفر]: إني سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام من بعده فأخبرني أنك أنت هو فلما توفي ذهب الناس
عنك يمينا وشمالا، وقلت فيك أنا وأصحابي، فأخبرني عن الإمام من ولدك؟
قال: ابني علي (عليه السلام). فدل هذا الحديث على منزلة الرجل من عقله واهتمامه
بأمر دينه، إن شاء الله.
ولقد أجاد المحقق البحراني (1) حيث وثقه مع كونه بطيء الإذعان بالوثاقة.
96 - نوح بن دراج:
قال النجاشي (2): نوح بن دراج القاضي، كان من أصحابنا وكان يخفي أمره.
(1) بلغة المحدثين: 425، الرقم 7.
(2) رجال النجاشي: 126، ضمن ترجمة 328.
452
وذكره الشيخ (1) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلا: نوح بن دراج
النخعي مولاهم الكوفي القاضي.
كما ذكره البرقي (2) في رجال الصادق (عليه السلام).
قال الكشي (3): قال محمد بن مسعود: سألت أبا جعفر حمدان بن أحمد الكوفي
عن نوح بن دراج فقال: كان من الشيعة، وكان قاضي الكوفة، فقيل له: لم دخلت
في أعمالهم؟ فقال: لم أدخل في أعمال هؤلاء حتى سألت أخي جميلا يوما، فقلت له:
لم لا تحضر المسجد؟ فقال: ليس لي إزار.
كما ذكره العلامة (4) في القسم الأول مثل ما قال الكشي.
وقال ابن حبان: نوح بن دراج الطائي، كان قاضيا بالكوفة، يروي
عن العراقيين، روى عنه علي بن حجر، مات سنة ثنتين وثمانين ومائة وكان أعمى،
وهو ممن يروي الموضوعات عن الثقاة.
وقال الذهبي: نوح بن دراج أبو محمد النخعي، مولاهم الكوفي الفقيه
أحد المجتهدين، تفقه وبرع على الإمام أبي حنيفة.
97 - هشام بن الحكم:
قال النجاشي (5): هشام بن الحكم، أبو محمد، مولى كندة، وكان ينزل
(1) رجال الطوسي: 323، الرقم 3.
(2) رجال البرقي: 27.
(3) رجال الكشي: 251.
(4) رجال العلامة: 175، الرقم 3.
(5) رجال النجاشي: 433، الرقم 1164.
453
بني شيبان بالكوفة، انتقل إلى بغداد سنة تسع وتسعين ومائة، ويقال إنه مات في
هذه السنة. وقد نشأ في واسط، وروى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)،
وكان ثقة في الروايات، حسن التحقيق بهذا الأمر.
وعده الشيخ في رجاله (1) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: الكندي
مولاهم البغدادي.
وأخرى (2) في أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وذكره أيضا في الفهرست (3) قائلا: كان من خواص سيدنا ومولانا موسى
ابن جعفر (عليهما السلام)، وكانت له مباحثات كثيرة مع المخالفين، وكان ممن فتق الكلام
في الإمامة، وهذب المذهب في النظر، وكان حاذقا بصناعة الكلام، حاضر
الجواب. وسئل يوما عن معاوية بن أبي سفيان: أشهد بدرا؟ قال: نعم، من
ذلك الجانب.
وقال الكشي (4): مات سنة تسع وسبعين ومائة بالكوفة في أيام الرشيد.
قال أبو عمرو الكشي (5): روى عمر بن يزيد قائلا: كان ابن أخي هشام
يذهب في الدين مذهب الجهمية خبيثا فيهم، فسألني أن أدخله على
أبي عبد الله (عليه السلام) ليناظره، فأعلمته أني لا أفعل ما لم أستأذنه فيه. فدخلت
(1) رجال الطوسي: 329، الرقم 18.
(2) رجال الطوسي: 362، الرقم 1.
(3) فهرست الطوسي: 174، الرقم 761.
(4) رجال الكشي: 256.
(5) رجال الكشي: 256، الرقم 476.
454
على أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذنته في إدخال هشام عليه، فأذن لي فيه، فقمت من
عنده وخطوت خطوات فذكرت ردائته وخبثه، فانصرفت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
فحدثته ردائته وخبثه، فقال لي: يا عمر، تتخوف علي!! فخجلت من قولي
وعلمت أني قد عثرت، فخرجت مستحيا إلى هشام فسألته تأخير دخوله وأعلمته
أنه قد أذن له بالدخول عليه، فبادر هشام فاستأذن ودخل، فدخلت معه، فلما تمكن
في مجلسه سأله أبو عبد الله عن مسألة فحار فيها هشام وبقي، فطلب هشام
أن يؤجله فيها، فأجله الإمام (عليه السلام)، فذهب هشام فاضطرب في طلب الجواب أياما
فلم يقف عليه فرجع إلى الإمام (عليه السلام) فأخبره بها، وسأله عن مسألة أخرى فيها
فساد أصله وعقد مذهبه، فخرج هشام من عنده مغتما متحيرا، قال: فبقيت أياما
لا أفيق من حيرتي.
قال عمر بن يزيد: فسألني هشام أن أستأذن له عليه ثالثا، فدخلت
على الإمام (عليه السلام) فاستأذنت له، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لينظرني في موضع سماه
بالحيرة لألتقي معه فيه غدا إن شاء الله إذا راح إليها. وقال عمر: فخرجت
إلى هشام فأخبرته بما أمر به، فسر بذلك هشام واستبشر وسبقه إلى الموضع
الذي عينه الإمام (عليه السلام)، ثم رأيت هشاما بعد ذلك فسألته عما كان بينهما فأخبرني
إنه سبق الإمام إلى الموضع فبينما هو إذا بالإمام قد أقبل على بغلة له، فلما بصرت به
وقرب مني هالني منظره وأرعبني حتى بقيت لا أجد شيئا أتفوه به ولا انطلق لساني
لما أردت من مناطقته، ووقف علي الإمام مليا ينتظر ما أكلمه، وكان وقوفه علي
لا يزيدني إلا تهيبا وتحيرا، فلما رأى ذلك مني، ضرب بغلته وسار حتى دخل
بعض السكك في الحيرة، وتيقنت إن ما أصابني من هيبته لم يكن إلا من قبل الله
عز وجل من عظم موقعه ومكانه من الرب الجليل.
455
قال عمر: فانصرف هشام إلى الإمام أبي عبد الله وترك مذهبه ودان
بدين الحق، وفاق أصحابه كلهم والحمد لله.
له كتاب يرويه جماعة، وكتاب علل التحريم، وكتاب الفرائض، وكتاب
الإمامة، وكتاب الدلائل على حديث الأجسام، وكتاب الرد على الزنادقة،
وكتاب إمامة المفضول، وغيرها من الكتب التي تنيف على العشرين كتابا.
مولده في الكوفة، ومنشأه واسط، وتجارته بغداد ومات فيها.
وروى هشام عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام)،
وكان ثقة في الرواية حسن التحقيق وكانت مباحثاته كثيرة مع المخالفين في الأصول
وغيرها، وكان ممن فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب في النظر، وكان حاذقا
بصناعة الكلام، حاضر الجواب، وهناك قصص وروايات، أعرضنا عنها روما
للاختصار.
وقال ابن شهرآشوب (1): رفعه الصادق (عليه السلام) في الشيوخ وهو غلام وقال:
" هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده "، وقوله (عليه السلام): " هشام بن الحكم رائد حقنا
وسائق قولنا المؤيد لصدقنا والدافع لباطل أعدائنا، من تبعه وتبع أثره تبعنا،
ومن خالفه وألحد فيه عادانا وألحد فينا ".
وقال الكشي (2): طلبه الرشيد في منزله فلم يوجد فهرب من الرشيد خوفا
على نفسه إلى الكوفة فزع القلب، فمات بهذا الفزع، وقيل: إن موته كان عام
179 ه.
(1) معالم العلماء: 128، الرقم 862.
(2) رجال الكشي: 266، الرقم 480.
456
وقد أثنى عليه الرضا (عليه السلام) في قوله: " كان عبدا صالحا ".
وكذلك الجواد (عليه السلام) في قوله: " رحمه الله، ما كان أذبه عن هذه الناحية "،
إلى كثير من أمثال هذا.
وقال الذهبي (1): متكلم بارع رافضي مشبه معثر وله نظر وجدل وتواليف
كثيرة.
وقال ابن حزم: من متكلمي الرافضة.
عنه وعن الذهبي أيضا أنه قال (2): الرافضي الحرار الضال المشبه أحد
رؤوس الرفض والجدل.
وجاءت فيه بعض المطاعن، ومثله بتلك المنزلة في الذب عن أهل البيت،
ذلك الذب الذي ما زال أثره حيا حتى اليوم، كيف لا يحتال حساده وأعداؤه
في إنقاصه وهدم ما بناه، على أنه قد يطعن فيه الإمام نفسه ليدفع بذلك عنه
السوء.
98 - هشام بن سالم:
قال النجاشي (3): هشام بن سالم الجواليقي مولى بشير بن مروان أبو الحكم،
كان من سبي الجوجزان، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)، ثقة،
ثقة.
(1) سير أعلام النبلاء 10: 543، الرقم 174.
(2) تأريخ الإسلام (وفيات 221 - 230).
(3) رجال النجاشي: 434، الرقم 1165.
457
له كتاب، يرويه جماعة، وكتاب في الحج، وكتاب في التفسير، وكتاب
في المعراج.
وعده الشيخ في رجاله (1) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: هشام
ابن سالم الجواليقي الجعفي مولاهم كوفي، وأخرى في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا:
هشام بن سالم روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
قال الكشي (2): إن هشام بن سالم كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) فورد رجل
من أهل الشام فاستأذن فأذن له فلما دخل سلم فأمره أبو عبد الله بالجلوس ثم قال
له: ما حاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه فصرت إليك
لأناظرك، فقال (عليه السلام): في ماذا؟ " إلى أن قال ": أريد أن أكلمك في التوحيد،
فقال لهشام بن سالم: كلمه، فسجل الكلام بينهما ثم خصمه هشام.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وأما هشام بن سالم فأحسن أن يقع ويطير.
وذكره البرقي في رجاله (3) تارة في أصحاب الصادق، وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليهما السلام) قائلا: هشام بن سالم مولى بشر بن مروان، كان من سبي الجوجزان،
كوفي، يقال له: الجواليقي.
وذكره ابن شهرآشوب، وكذا العلامة في القسم الأول من رجاله، وذكر
شطرا من كلام النجاشي، كما ذكره ابن داود في القسم الأول من رجاله، وذكر شطرا
من كلام النجاشي.
(1) رجال الطوسي: 329، الرقم 17.
(2) رجال الكشي: 275، الرقم 494.
(3) رجال البرقي: 34 و 48.
458
هذا ملخص ما ذكرنا من ترجمته (رحمه الله).
وما كان متخصصا بالكلام فحسب، بل كان من أجلة الفقهاء الكرام،
وجاءت فيه مدائح دلتنا على علو مقامه ورفيع قدره.
وجاءت فيه مطاعن كما جاءت في غيره من أجلة أنصار أهل البيت
وأصحابهم الثقات، وكيف يصح في أمثال هؤلاء الأعاظم قدح، وهل قام دين
الحق، وظهر أمر أهل البيت إلا بصوارم حججهم وقواطع براهينهم، فهم من
المجاهدين في الله الذين لا تنهض لمواضي ألسنتهم وأدلتهم الجيوش والعساكر
والسلطان والإرهاب.
99 - يحيى بن سعيد:
قال النجاشي (1): يحيى بن سعيد القطان، أبو زكريا، عامي، ثقة، روى
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
وقال الميرزا (2) باتحاد " يحيى بن سعيد " الذي ذكره النجاشي مع " يحيى
ابن سعيد " الذي ذكره الشيخ (3) في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: يحيى
ابن سعيد فروخ القطان أبو سعيد الهروي كان من أئمة الحديث.
وذكره العلامة (4) في القسم الثاني قائلا: يحيى بن سعيد القطان، أبو زكريا،
عامي ثقة.
(1) رجال النجاشي: 443، الرقم 1196.
(2) منهج المقال: 373.
(3) رجال الطوسي: 332، الرقم 6.
(4) رجال العلامة: 265، الرقم 6.
459
وقال العجلي: بصري ثقة نقي الحديث، كان لا يحدث إلا عن ثقة.
قال عمرو بن علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ولدت سنة عشرين ومئة
في أولها.
قال الغلامي (1): قلت ليحيى بن سعيد في مرضه: يعافيك الله إن شاء الله،
قال: أحبه إلي أحبه إلى الله.
وقال الذهبي: قال محمد بن أبي صفوان: كان ليحيى القطان نفقة من غلته،
إن دخل من غلته حنطة أكل الحنطة، وإن دخل عليه شعير، أكل شعيرا، وإن دخل
عليه تمر، أكل تمرا.
وقال علي بن المدني: ما رأيت أحدا أعلم بالرجال من يحيى بن سعيد.
مات يحيى بن سعيد في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة عن عمر ناهز الثماني
والسبعين.
100 - يونس بن يعقوب:
قال النجاشي (2): يونس بن يعقوب بن قيس، أبو علي، الجلاب، البجلي
الدهني، أمه منية بنت عمار بن أبي معاوية، اختص بأبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)،
وكان وكيلا لأبي الحسن (عليه السلام)، ومات بالمدينة في أيام الرضا (عليه السلام)، فتولى أمره،
وكان حظيا عندهم، موثقا، وكان قد قال بعبد الله بن جعفر - أي كان فطحي
الرأي - ورجع، له كتاب في الحج.
(1) سير أعلام النبلاء 9: 181.
(2) رجال النجاشي: 446، الرقم 1207.
460
وذكره الشيخ في رجاله (1) تارة في أصحاب الصادق (عليه السلام).
وأخرى (2) في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلا: ثقة.
وثالثة (3) في أصحاب الرضا (عليه السلام) قائلا: ثقة من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام).
وذكره البرقي (4) في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا: القماط البجلي.
كان يونس بن يعقوب ذا حظوة عند الأئمة (عليهم السلام)، وقد وردت فيه عنهم
أحاديث تدل على جليل منزلته عندهم، وكبير عنايتهم به، مثل قول الإمام
الكاظم (عليه السلام): فنحن لك حافظون. وقول الصادق أو الكاظم (عليهما السلام): " إنما أنت منا
أهل البيت، فجعلك الله مع رسوله وأهل بيته، والله فاعل ذلك إن شاء الله ".
وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد من فقهاء أصحاب الصادقين (عليهما السلام)
والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن
عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.
وعن الكشي (5): قال يونس بن يعقوب: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام)
فقلت له: جعلت فداك، إن أباك كان يرق علي ويرحمني، فإن رأيت أن تنزلني
بتلك المنزلة فعلت، فقال (عليه السلام): قال أبي (عليه السلام): يونس من شيعتنا القدماء فنحن لك
حافظون.
(1) رجال الطوسي: 335، الرقم 44.
(2) رجال الطوسي: 363، الرقم 4.
(3) رجال الطوسي: 394، الرقم 1.
(4) رجال البرقي: 30.
(5) رجال الكشي: 385، الرقم 721.
461
وعنه (1)، عندما مات يونس بالمدينة بعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام)
بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه، وأمر مواليه وموالي أبيه وجده أن يحضروا
جنازته، وقال لهم: احفروا له في البقيع، وحمل على سرير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
(1) رجال الكشي: 386، الرقم 722.
462
الفصل الرابع والعشرون
أسماء 250
من أصحاب الصادق (عليه السلام)
1 - آدم بن المتوكل (1)، أبو الحسين، بياع اللؤلؤ، كوفي، ثقة، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره أصحاب الرجال، له أصل.
2 - إبراهيم بن زياد (2)، أبو أيوب الخراز، وقيل: «ابن عيسى»، وقيل:
«ابن عثمان»، ثقة، له أصل، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).
3 - إبراهيم بن مهزم الأسدي (3)، من بني نصر أيضا، يعرف بابن أبي بردة،
ثقة ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وعمر عمرا طويلا،
له كتاب.
4 - إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي (4)، كوفي، يروي عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة، صحيح الحديث، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 104، الرقم 260.
(2) فهرست الطوسي: 138، ورجال النجاشي: 20، الرقم 25.
(3) رجال النجاشي: 22، الرقم 31.
(4) رجال النجاشي: 21، الرقم 28.
463
5 - إبراهيم بن نعيم العبدي (1)، أبو الصباح الكناني، كان أبو عبد الله (عليه السلام)
يسميه الميزان لثقته، رأى أبا جعفر وروى عن أبي إبراهيم موسى (عليهما السلام).
6 - أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل (2)، أبو جعفر، كوفي، ثقة،
من أصحابنا، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام).
7 - أحمد بن عائذ بن حبيب أبو علي الأحمسي (3)، العبسي، البجلي، مولى.
قال النجاشي: ثقة. وقال الكشي: صالح وكان يسكن بغداد. وعده الشيخ
في رجاله تارة في أصحاب الباقر (عليه السلام) وأخرى في أصحاب الصادق (عليه السلام).
8 - أديم بن الحر الجعفي (4)، الكوفي. قال النجاشي: ثقة، له أصل. وعده الشيخ
في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام). وقال الكشي: صاحب أبي عبد الله (عليه السلام).
9 - أرطأة بن حبيب الأسدي (5)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
ذكره أبو العباس، له كتاب.
10 - إسحاق بن بشير (6)، أبو حذيفة الكاهلي الخراساني، ثقة، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، من العامة، ذكروه في رجال أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 19، الرقم 24.
(2) رجال النجاشي: 83، الرقم 200.
(3) رجال النجاشي: 98، الرقم 246. ورجال الطوسي: 107، الرقم 45. ورجال الكشي:
362، الرقم 671.
(4) رجال النجاشي: 106، الرقم 267. ورجال الطوسي: 143، الرقم 20. ورجال الكشي:
347، الرقم 645.
(5) رجال النجاشي: 107، الرقم 270.
(6) رجال النجاشي: 72، الرقم 171.
464
11 - إسحاق بن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي (1)، أبو يعفور،
ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
12 - إسحاق بن جندب (2)، أبو إسماعيل الفرائضي، ثقة ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره أصحابنا في الرجال، له كتاب.
13 - إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري (3)، قمي، ثقة، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).
14 - إسحاق بن عمار الصيرفي (4)، ثقة.
15 - إسحاق بن غالب الأسدي (5)، والبي عربي، صليب، ثقة، وكان شاعرا،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
16 - إسحاق بن يزيد بن إسماعيل الطائي (6)، أبو يعقوب، مولى، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
17 - إسماعيل بن أبي خالد محمد بن مهاجر بن عبيد الأزدي (7)، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، من أصحابنا الكوفيين، له كتاب القضايا مبوب.
(1) رجال النجاشي: 71، الرقم 170.
(2) رجال النجاشي: 73، الرقم 175.
(3) رجال النجاشي: 73، الرقم 174.
(4) فهرست الطوسي: 15، الرقم 52.
(5) رجال النجاشي: 72، الرقم 173.
(6) رجال النجاشي: 72، الرقم 172.
(7) رجال النجاشي: 25، الرقم 46.
465
18 - إسماعيل بن أبي زياد السلمي (1)، ثقة، كوفي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره أصحاب الرجال.
19 - إسماعيل بن جابر الجعفي الكوفي (2). عده الشيخ في رجاله تارة
في أصحاب الباقر (عليه السلام) وأخرى في أصحاب الصادق (عليه السلام) وثالثة في أصحاب
الكاظم (عليه السلام)، وقال: ثقة، ممدوح، له أصول.
20 - إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه بن أبي ميمونة بن يسار (3)، مولى
بني أسد، وجه من وجوه أصحابنا وفقيه من فقهائنا وهو من بيت الشيعة، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
21 - إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي الكوفي (4)، تابعي، من أصحاب
أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، مات في حياة أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان فقيها،
وروى عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
22 - إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث
ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي البصري (5)، ثقة، عده الشيخ في
رجاله في أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام).
(1) رجال النجاشي: 27، الرقم 51.
(2) رجال النجاشي: 37، الرقم 71. ورجال الطوسي: 105، الرقم 18، والصفحة 147،
الرقم 93، والصفحة 343، الرقم 13.
(3) رجال النجاشي: 27، الرقم 50.
(4) رجال العلامة: 8، الرقم 3.
(5) رجال الطوسي: 104، الرقم 17، والصفحة 147، الرقم 88. ورجال الكشي: 218،
الرقم 393.
466
23 - إسماعيل القصير بن إبراهيم بن بزة (1)، كوفي. وقال النجاشي: ثقة.
وذكره ابن داود والعلامة في القسم الأول. وقد وثقه المجلسي والحاوي والبحراني.
24 - إسماعيل بن مهران بن أبي نصر السكوني (2)، واسم أبي زيد مولى، يكنى
أبا يعقوب. وقال النجاشي: ثقة، معتمد عليه. وقال محمد بن مسعود: كان تقيا ثقة
خيرا فاضلا.
25 - إلياس بن عمرو البجلي (3)، شيخ من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)،
متحقق بهذا الأمر، له كتاب.
26 - أيوب بن الحر الجعفي (4)، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
ذكره أصحابنا في الرجال، يعرف بأخي أديم، له أصل.
27 - أيوب بن عطية (5)، أبو عبد الرحمن الحذاء، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
28 - بسطام بن سابور الزيات (6)، أبو الحسين الواسطي، مولى، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 30، الرقم 61. ورجال الطوسي: 147، الرقم 96. وحاوي الأقوال:
13، الرقم 25 (مخطوط).
(2) رجال النجاشي: 26، الرقم 49. ورجال الطوسي: 148، الرقم 115، والصفحة 368،
الرقم 14. ورجال الكشي: 589، الرقم 1102.
(3) رجال النجاشي: 107، الرقم 272.
(4) رجال النجاشي: 103، الرقم 256.
(5) رجال النجاشي: 103، الرقم 255.
(6) رجال النجاشي: 110، الرقم 280.
467
29 - بشار بن يسار الضبعي (1)، أخو سعيد، مولى بني ضبيعة بن عجل، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
30 - بشر بن طرخان النحاس (2)، روى الكشي حديثا في طريقه محمد
ابن عيسى أن أبا عبد الله (عليه السلام) دعا له بكثرة المال والولد.
31 - بشر بن مسلمة (3)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب
رواه ابن أبي عمير.
32 - بكر بن محمد بن عبد الرحمان بن نعيم الأزدي (4)، الغامدي، أبو محمد،
الكوفي. وقال النجاشي: عربي، وجه في هذه الطائفة من بيت جليل بالكوفة
وكان ثقة. وعده الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) وأخرى في أصحاب
الكاظم (عليه السلام) وثالثة في أصحاب الرضا (عليه السلام).
33 - ثابت بن شريح (5)، أبو إسماعيل الصائغ الأنباري، مولى الأزد، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب في أنواع الفقه.
34 - جارود بن المنذر (6)، أبو المنذر الكندي النخاس، كوفي، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة ثقة، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 113، الرقم 290.
(2) رجال العلامة: 25، الرقم 3.
(3) رجال النجاشي: 111، الرقم 285.
(4) رجال النجاشي: 108، الرقم 273. ورجال الطوسي: 157، الرقم 38، والصفحة 344،
الرقم 1، والصفحة 370، الرقم 1.
(5) رجال النجاشي: 116، الرقم 297.
(6) رجال النجاشي: 130، الرقم 334.
468
35 - جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار (1)،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة.
36 - جعفر بن سليمان الضبعي (2)، أبو سليمان البصري، ثقة، عده الشيخ
في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقال ابن حجر: صدوق زاهد لكنه
كان يتشيع.
37 - جعفر بن هارون الكوفي (3)، يكنى أبا عبد الله، من رجال
الصادق (عليه السلام)، ثقة.
38 - جفير بن الحكم العبدي (4)، أبو المنذر، عربي، ثقة، روى عن جعفر
ابن محمد (عليه السلام)، له كتاب.
39 - جميل بن صالح الأسدي (5)، ثقة، وجه، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكره أبو العباس في كتاب الرجال، روى عنه
سماعة.
40 - حارث بن عمران الجعفري (6)، كلابي، كوفي، ثقة، روى عن جعفر
ابن محمد (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال العلامة: 33، الرقم 24.
(2) رجال الطوسي: 162، الرقم 19.
(3) رجال الطوسي: 162، الرقم 22.
(4) رجال النجاشي: 131، الرقم 337.
(5) رجال النجاشي: 127، الرقم 329.
(6) رجال النجاشي: 139، الرقم 362.
469
41 - الحارث بن غصين (1)، أبو وهب الثقفي الكوفي، ثقة، خيار، توفي
سنة ثلاث وأربعين ومائة.
42 - حبيب بن المعلل الخثعمي المدائني (2)، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن والرضا (عليهم السلام)، ثقة ثقة، صحيح، له كتاب.
43 - حجاج بن رفاعة (3)، أبو رفاعة - وقيل: أبو علي - الخشاب، كوفي،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، ذكره أبو العباس، له كتاب.
44 - حديد بن حكيم الأزدي (4)، أبو علي المدائني، ثقة، وجه، متكلم،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
45 - الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) (5)،
أبو محمد المديني، روى عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، وحدث عن الأعمش، وكان ثقة.
46 - الحسن بن الحسين بن الحسن الجحدري الكندي (6)، عربي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتب.
47 - الحسن بن سيف بن سليمان التمار (7)، ثقة، قليل الحديث، وقال العلامة:
(1) رجال العلامة: 55، الرقم 13.
(2) رجال النجاشي: 141، الرقم 368.
(3) رجال النجاشي: 144، الرقم 373.
(4) رجال النجاشي: 148، الرقم 385.
(5) رجال النجاشي: 46، الرقم 92.
(6) رجال النجاشي: 46، الرقم 95.
(7) رجال العلامة: 44، الرقم 49.
470
لم أقف له على مدح ولا جرح من طرقنا والأولى التوقف فيما ينفرد به حتى
تثبت عدالته.
48 - الحسن بن علون الكلبي (1)، مولاهم، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
49 - الحسن بن قدامة الكناني الحنفي (2)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
وكان ثقة.
50 - الحسين بن حمزة الليثي الكوفي (3)، ابن بنت أبي حمزة الثمالي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
51 - الحسين بن عثمان الأحمسي البجلي (4)، كوفي، ثقة، ذكره أبو العباس
في رجال أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
52 - الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي (5)، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكره أصحابنا في رجال
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
53 - الحسين بن نعيم الصحاف (6)، مولى بني أسد، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، كان متكلما مجيدا.
(1) رجال العلامة: 43، الرقم 33.
(2) رجال النجاشي: 47، الرقم 98.
(3) رجال النجاشي: 54، الرقم 121.
(4) رجال النجاشي: 54، الرقم 122.
(5) رجال النجاشي: 53، الرقم 118.
(6) رجال النجاشي: 53، الرقم 120.
471
54 - حفص بن سابور الواسطي (1). قال النجاشي: ثقة، روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).
55 - حفص بن سوقة العمري (2)، مولى عمرو بن حريث المخزومي، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة، له كتاب.
56 - حفص بن عاصم (3)، أبو عاصم السلمي المدني، روى عن جعفر
ابن محمد (عليهما السلام)، ثقة، له كتاب.
57 - حكم بن حكيم (4)، أبو خلاد الصيرفي، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
58 - حماد بن ضمخة الكوفي (5)، روى عنه وهيب بن حفص، وكان ثقة.
59 - حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري (6)، مولاهم، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن والرضا (عليهم السلام)، مات سنة تسعين ومائة.
60 - حميد بن المثنى (7)، أبو المغرا العجلي، مولاهم، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، كوفي، ثقة ثقة، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 110، الرقم 280.
(2) رجال النجاشي: 135، الرقم 348.
(3) رجال النجاشي: 136، الرقم 349.
(4) رجال النجاشي: 137، الرقم 353.
(5) رجال الطوسي: 174، الرقم 149.
(6) رجال النجاشي: 143، الرقم 371.
(7) رجال النجاشي: 133، الرقم 340.
472
61 - حيان بن علي العنزي (1)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة.
62 - خالد بن زياد القلانسي (2)، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)،
ثقة.
63 - خالد بن سعيد (3)، أبو سعيد القماط، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
64 - خالد بن صبيح (4)، كوفي، ثقة، له كتاب عن أبي عبد الله (عليه السلام).
65 - خالد بن عبد الرحمن (5)، أبو الهيثم العطار، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
ثقة ثقة.
66 - خالد بن ماد القلانسي الكوفي (6)، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، مولى، ثقة، له كتاب.
67 - خالد بن يزيد (7)، أبو يزيد العكلي، كوفي، ثقة، روى عن جعفر
ابن محمد (عليهما السلام)، له نوادر.
68 - خلاد بن أبي مسلم الصفار (8)، ثقة ثقة.
(1) رجال العلامة: 64، الرقم 10.
(2) رجال العلامة: 65، الرقم 6.
(3) رجال النجاشي: 149، الرقم 387.
(4) رجال النجاشي: 150، الرقم 393.
(5) رجال العلامة: 66، الرقم 11. ورجال الطوسي: 186، الرقم 6.
(6) رجال النجاشي: 149، الرقم 388. وفي رجال ابن داود (87، الرقم 547): «خالد بن
حماد».
(7) رجال النجاشي: 152، الرقم 398.
(8) رجال العلامة: 67، الرقم 9. وفي رجال الطوسي: «خلاد بن مسلم».
473
69 - خلاد السدي (1)، كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقيل إنه] هو [
خلاد بن خلف المقري، له كتاب.
70 - خليل العبدي (2)، كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
71 - داود بن أبي يزيد الكوفي العطار (3)، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
72 - داود بن حصين الأسدي (4)، مولاهم، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
73 - داود بن سرحان العطار (5)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام).
74 - داود بن سليمان (6)، أبو سليمان الحمار، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره ابن نوح، له كتاب.
75 - ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهذلي (7)، أبو نعيم، بصري،
ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).
(1) رجال النجاشي: 154، الرقم 405.
(2) رجال النجاشي: 153، الرقم 404.
(3) رجال النجاشي: 158، الرقم 417.
(4) رجال النجاشي: 159، الرقم 421.
(5) رجال النجاشي: 159، الرقم 419.
(6) رجال النجاشي: 160، الرقم 423.
(7) رجال النجاشي: 167، الرقم 441.
474
76 - ربيع بن أبي مدرك (1)، أبو سعيد، كوفي، ويقال له: المصلوب، كان صلب
بالكوفة على التشيع، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
77 - رزام بن مسلم (2)، مولى خالد بن عبد الله القسري، كوفي، من أصحاب
الصادق (عليه السلام)، علمه الصادق (عليه السلام) دعاء خلص به من العذاب.
78 - رزيق بن الزبير بن أبي الزرقاء الخلقاني (3)، أبو العباس،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب، وعده ابن النديم من مشايخ الشيعة.
79 - رفاعة بن محمد الحضرمي (4)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، ثقة.
80 - رفاعة بن موسى الأسدي النخاس (5)، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته، لا يعترض عليه
بشيء من الغمز، حسن الطريقة، له كتاب مبوب في الفرائض.
81 - رقيم بن إلياس بن عمرو البجلي (6)، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
82 - روح بن عبد الرحيم (7)، شريك المعلى بن خنيس، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 164، الرقم 432.
(2) رجال الطوسي: 195، الرقم 56. وابن داود: 94، الرقم 613.
(3) رجال النجاشي: 168، الرقم 442.
(4) رجال ابن داود: 95، الرقم 616.
(5) رجال النجاشي: 166، الرقم 438.
(6) رجال النجاشي: 168، الرقم 448.
(7) رجال النجاشي: 168، الرقم 444.
475
83 - رومي بن زرارة بن أعين الشيباني (1)، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة، قليل الحديث، له كتاب.
84 - زحر بن النعمان الأسدي (2)، أبو الخطاب، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
مولى، كوفي، ثقة.
85 - زرعة بن محمد (3)، أبو محمد الحضرمي، ثقة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان صحب سماعه وأكثر عنه ووقف، له كتاب.
86 - زكريا بن إدريس بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي (4)، أبو جرير،
قيل: روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن والرضا (عليهم السلام)، له كتاب، وقال العلامة:
كان وجها.
87 - زكريا بن الحر الجعفي (5)، أخو أديم وأيوب، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال ابن داود: كان وجها.
88 - زكريا بن سابق (6)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، ممدوح.
89 - زكريا بن سابور الواسطي (7). وقال النجاشي: ثقة، روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).
(1) رجال النجاشي: 166، الرقم 440.
(2) رجال ابن داود: 96، الرقم 628.
(3) رجال النجاشي: 176، الرقم 466.
(4) رجال النجاشي: 173، الرقم 457. والعلامة: 76، الرقم 8.
(5) رجال النجاشي: 174، الرقم 459. وابن داود: 98، الرقم 637.
(6) رجال الكشي: 419، الرقم 793. وابن داود: 98، الرقم 639.
(7) رجال النجاشي: 110، الرقم 280.
476
90 - زكريا بن يحيى الواسطي (1)، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
ذكره ابن نوح، له كتاب.
91 - زياد بن أبي الحلال (2)، كوفي، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
92 - زياد بن أبي غياث مسلم (3)، مولى آل دغش، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره ابن عقدة وابن نوح، ثقة، سليم، له كتاب.
93 - زياد بن سابور الواسطي (4)، أبو الحسن، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
وقال العلامة: ثقة.
94 - زياد بن سوقة البجلي الكوفي (5)، أبو الحسن، مولى جرير بن عبد الله،
ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، له كتاب.
95 - زياد بن عيسى (6)، أبو عبيدة الحذاء الكوفي، ثقة، روى عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام).
96 - زيد بن عبد الله الخياط (7)، روى عنه أبان، يكنى أبا حكيم، كوفي،
جمحي، وأصله مدني، ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال النجاشي: 173، الرقم 456.
(2) رجال النجاشي: 171، الرقم 451.
(3) رجال النجاشي: 171، الرقم 252.
(4) رجال الطوسي: 198، الرقم 38. والعلامة: 74، الرقم 6.
(5) رجال ابن داود: 99، الرقم 652.
(6) رجال النجاشي: 170، الرقم 449.
(7) رجال الطوسي: 196، الرقم 9.
477
97 - سالم الحناط (1)، أبو الفضل، كوفي، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد الله،
له كتاب.
98 - سري بن عبد الله بن يعقوب السلمي (2)، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام).
99 - سعد بن أبي خلف (3)، يعرف بالزام، مولى بني زهرة، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
100 - سعيد بن أبي الجهم القابوسي اللخمي (4)، أبو الحسين، ثقة في حديثه،
وجها بالكوفة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).
101 - سعيد بن بيان (5)، أبو حنيفة سابق الحاج الهمداني، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
102 - سعيد بن غزوان الأسدي (6)، مولاهم، كوفي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
103 - سعيد بن يسار الضبعي (7)، مولى بني ضبيعة، الحناط، كوفي، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 190، الرقم 508.
(2) رجال النجاشي: 194، الرقم 518.
(3) رجال النجاشي: 178، الرقم 469.
(4) رجال النجاشي: 179، الرقم 472.
(5) رجال النجاشي: 180، الرقم 476.
(6) رجال النجاشي: 181، الرقم 479.
(7) رجال النجاشي: 181، الرقم 478.
478
104 - سعيدة (1)، مولاة جعفر (عليه السلام)، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وروى الكشي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): كانت من أهل الفضل، كانت
تعلم كل ما سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام)، وأنه كان عندها وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
] وأن جعفرا قال لها: أسأل الله الذي عرفنيك في الدنيا أن يزوجنيك في الجنة،
وأنها كانت قرب دار جعفر (عليه السلام) [.
105 - سلم الحناط (2)، أبو الفضل، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
ذكره أبو العباس.
106 - سليم الفراء (3)، كوفي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة،
له كتاب.
107 - سليمان بن صالح الجصاص (4)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، كوفي، ثقة،
له كتاب.
108 - سويد بن مسلم القلا (5)، مولى شهاب بن عبد ربه، ويقال: سويد
مولى محمد بن مسلم، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
109 - سيف بن سليمان التمار (6)، أبو الحسن، كوفي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
(1) رجال الكشي: 366، الرقم 681.
(2) رجال العلامة: 86، الرقم 6.
(3) رجال النجاشي: 193، الرقم 516.
(4) رجال النجاشي: 184، الرقم 486.
(5) رجال النجاشي: 191، الرقم 510.
(6) رجال النجاشي: 189، الرقم 505.
479
110 - سيف بن عميرة (1)، ثقة، كوفي، نخعي، عربي، له كتاب، روى
عن الصادق والكاظم (عليهما السلام).
111 - شعيب بن أعين الحداد (2)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
112 - صالح بن موسى الجواربي (3)، أحد أركان النسب، من أصحاب
الصادق (عليه السلام).
113 - صباح بن صبيح الحذاء الفزاري (4)، مولاهم، إمام مسجد دار اللؤلؤ
بالكوفة، ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
114 - صباح بن موسى الساباطي (5)، أخو عمار، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
ثقة.
115 - الضحاك (6)، أبو مالك الحضرمي، كوفي، عربي، أدرك أبا عبد الله
وقال قوم من أصحابنا: روى عنه، وقال آخرون: لم يرو عنه وروى عن
أبي الحسن (عليه السلام)، وكان متكلما، ثقة ثقة في الحديث، وله كتاب.
116 - ضريس بن عبد الملك (7)، ابن أعين الشيباني الكوفي، أبو عمارة،
(1) فهرست الطوسي: 78، الرقم 323. والعلامة: 82، الرقم 1.
(2) رجال النجاشي: 195، الرقم 521.
(3) رجال العلامة: 87، الرقم 1.
(4) رجال النجاشي: 201، الرقم 538.
(5) رجال ابن داود: 110، الرقم 774.
(6) رجال النجاشي: 205، الرقم 546. ورجال الطوسي: 221، الرقم 4.
(7) رجال الطوسي: 221، الرقم 6. ورجال الكشي: 313، الرقم 566.
480
عده الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقال الكشي: يسمى الكناسي،
وهو خير فاضل ثقة.
117 - طلاب بن حوشب بن يزيد بن الحارث الشيباني الكوفي (1)، يكنى
أبا رويم، ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام) وروى عنه.
118 - عاصم بن حميد الحناط الحنفي (2)، أبو الفضل، مولى، كوفي، ثقة، عين،
صدوق، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
119 - عاصم الكوزي (3)، من كوز ضبة، ثقة، روى عن جعفر بن محمد (عليه السلام)،
وله كتاب.
120 - عباس بن الوليد بن صبيح (4)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
121 - عبد الأعلى (5)، مولى آل سام، ممدوح، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
122 - عبد الحميد بن أبي العلاء بن عبد الملك الأزدي (6)، ثقة، يقال له:
السمين، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال الطوسي: 222، الرقم 4. ورجال النجاشي: 207، الرقم 549.
(2) رجال النجاشي: 301، الرقم 820.
(3) رجال النجاشي: 301، الرقم 820.
(4) رجال النجاشي: 282، الرقم 748.
(5) رجال الكشي: 319، الرقم 578. وابن داود: 127، الرقم 923، ورجال الطوسي:
238، الرقم 237.
(6) رجال النجاشي: 246، الرقم 647.
481
123 - عبد الرحمن بن أبي عبد الله ميمون البصري (1)، مولى بني شيبان،
من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وروى عنه سبعمائة مسألة، وأصله من الكوفة،
ثقة.
124 - عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الرزمي الفزاري (2)، أبو محمد،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب، ثقة.
125 - عبد الغفار بن حبيب الطائي الجازي (3)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
ثقة، له كتاب.
126 - عبد الكريم بن عتبة القرشي اللهبي الهاشمي (4)، من أصحاب الصادق
والكاظم (عليهما السلام)، ثقة.
127 - عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي (5)، مولاهم، كوفي، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثم وقف على أبي الحسن (عليه السلام)، كان ثقة ثقة،
عينا، يلقب كراما، له كتاب.
128 - عبد الكريم بن هلال الجعفي الخزاز (6)، مولى، كوفي، ثقة، يقال له
الخلقاني، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال العلامة: 113، الرقم 3.
(2) رجال النجاشي: 237، الرقم 628.
(3) رجال النجاشي: 247، الرقم 650.
(4) رجال الطوسي: 234، الرقم 180. و 354، الرقم 13.
(5) رجال النجاشي: 245، الرقم 645.
(6) رجال النجاشي: 246، الرقم 646.
482
129 - عبد الله بن سعيد (1)، أبو شبل الأسدي، مولاهم، كوفي، بياع الوشي،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
130 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عتيبة الأسدي (2)، كوفي، ثقة، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب نوادر.
131 - عبد الله بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري (3)، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام).
132 - عبد الله بن الفضل بن عبد الله؟؟؟ أبو محمد النوفلي (4)، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
133 - عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين (5)، أخو جعفر بن محمد (عليه السلام).
134 - عبد الله بن وضاح (6)، أبو محمد، كوفي، ثقة، من الموالي، صاحب
أبي بصير يحيى بن القاسم كثيرا وعرفه به، له كتب.
135 - عبد الله بن الوليد السمان النخعي (7)، مولى، كوفي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 223، الرقم 584.
(2) رجال النجاشي: 221، الرقم 579. ورجال الطوسي: 225، الرقم 39، وفيه: «عبد الله
بن عبد الرحمن أبو عتيبة»
(3) رجال العلامة: 112، الرقم 54.
(4) رجال النجاشي: 223، الرقم 585.
(5) رجال الطوسي: 223، الرقم 6.
(6) رجال النجاشي: 215، الرقم 560.
(7) رجال النجاشي: 221، الرقم 577.
483
136 - عبد الملك بن حكيم الخثعمي (1)، كوفي، ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
137 - عبد الملك بن عتبة النخعي (2)، صيرفي، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
138 - عبد الملك بن عمرو الأحول (3)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، ثقة.
139 - عبيد بن زرارة بن أعين الشيباني (4)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
ثقة ثقة، عين، لا لبس فيه ولا شك، له كتاب.
140 - عجلان (5)، أبو صالح، قال الكشي، عن علي بن الحسن بن علي
ابن فضال: ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
141 - عروة القنات (6)، ممدوح.
142 - العلاء بن فضيل بن يسار أبو القاسم النهدي (7)، مولى، بصري، ثقة،
له كتاب، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
143 - العلاء بن المقعد (8)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 239، الرقم 636.
(2) رجال النجاشي: 239، ضمن ترجمة «عبد الملك بن عتبة الهاشمي اللهبي».
(3) رجال ابن داود: 131، الرقم 976. وتنقيح المقال 2: 231، الرقم 7509.
(4) رجال النجاشي: 233، الرقم 618. والعلامة: 127، الرقم 1.
(5) رجال الكشي: 411، الرقم 772.
(6) رجال ابن داود: 133، الرقم 995. وتنقيح المقال 2: 251، الرقم 7881.
(7) رجال النجاشي: 298، الرقم 810. ورجال الطوسي: 245، الرقم 354.
(8) رجال النجاشي: 299، الرقم 812. ورجال الطوسي: 243، الرقم 323، وفيه: «علي
ابن المقعد».
484
144 - علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) المدني (1)،
وقال ابن داود: معظم.
145 - علي بن رئاب الطحان السعدي (2)، أبو الحسن، مولاهم، كوفي،
من أصحاب الصادق (عليه السلام)، له أصل كبير، وهو ثقة جليل القدر.
146 - علي بن السري الكرخي (3)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة.
147 - علي بن شجرة بن ميمون بن أبي أراكة (4)، مولى كندة الشيباني، ثقة،
وجه جليل، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
148 - علي بن عبد الله بن غالب القسي (5)، ثقة، صدوق، كوفي، يكنى
أبا الحسن، له كتاب.
149 - علي بن عطية السلمي (6)، مولاهم، الحناط الكوفي، ثقة، من أصحاب
الصادق (عليه السلام).
150 - علي بن عقبة بن خالد الأسدي (7)، أبو الحسن، مولى، كوفي، ثقة ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال ابن داود: 136، الرقم 1035، ورجال الطوسي: 241، الرقم 287.
(2) رجال الطوسي: 243، الرقم 316. والفهرست للطوسي: 87، الرقم 365.
(3) رجال العلامة: 96، الرقم 28.
(4) رجال النجاشي: 275، الرقم 720. ورجال الطوسي: 267، الرقم 723.
(5) رجال النجاشي: 275، الرقم 722. ورجال الطوسي: 243، الرقم 314، وفيه: «علي
ابن عبد الله بن غالب الأسدي الكوفي، عربي».
(6) رجال العلامة: 103، الرقم 2. ورجال الطوسي: 243، الرقم 317.
(7) رجال النجاشي: 271، الرقم 710.
485
151 - علي بن محمد بن حفص بن عبيد بن حميد (1)، مولى السائب بن مالك
الأشعري، أبو قتادة القمي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعمر، وكان ثقة،
له كتاب.
152 - عمار بن مروان (2)، مولى بني ثوبان، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
153 - عمر أبو حفص الزبالي (3)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب،
وقال الفاضل المجلسي: ثقة، وهو متحد مع الرماني.
154 - عمر بن أبان السابري (4)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
155 - عمر بن أبي زياد الأبزاري (5)، كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة،
له كتاب.
156 - عمر بن خالد الحناط (6)، لقبه الأخرق، مولى، ثقة، عين، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام).
157 - عمر بن الربيع (7)، أبو أحمد البصري، ثقة، يروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
(1) رجال النجاشي: 272، الرقم 713.
(2) رجال النجاشي: 291، الرقم 780.
(3) رجال النجاشي: 285، الرقم 760 و 757. وتنقيح المقال 2: 339، الرقم 8954.
(4) رجال النجاشي: 285، الرقم 759.
(5) رجال النجاشي: 284، الرقم 755.
(6) رجال النجاشي: 286، الرقم 764. وابن داود: 145، الرقم 1119، وفيه: «عمرو».
(7) رجال النجاشي: 284، الرقم 756.
486
له كتاب.
158 - عمر بن سالم (1)، صاحب السابري، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
159 - عمر بن علي بن أبي شعبة (2)، ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
160 - عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن أذينة (3)، شيخ أصحابنا البصريين
ووجههم، وقال الطوسي: عمر بن أذينة، ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
161 - عمر بن محمد بن يزيد (4)، أبو الأسود، بياع السابري، مولى ثقيف،
كوفي، ثقة، جليل، أحد من كان يفد في كل سنة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب، وأثنى عليه الصادق (عليه السلام) شفاها.
162 - عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل (5)، أبو موسى، مولى بن نهد، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب، وقال ابن داود: ثقة.
163 - عمران بن علي بن أبي شعبة (6)، أبو الفضل الحلبي، ثقة، لا مطعن عليه،
من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال النجاشي: 285، الرقم 758.
(2) رجال النجاشي: 230، ضمن ترجمة «عبد الله بن علي بن أبي شعبة»، وتنقيح المقال 2:
340، الرقم 8963.
(3) رجال النجاشي: 283، الرقم 752. وفهرست الطوسي: 113، الرقم 492.
(4) رجال النجاشي: 283، الرقم 751. والعلامة: 119، الرقم 1.
(5) رجال النجاشي: 286، الرقم 863. وابن داود: 146، الرقم 1139.
(6) رجال العلامة: 125، الرقم 7. والنجاشي: 230، الرقم 612. والطوسي: 256، الرقم
532.
487
164 - عمرو بن إبراهيم الأزدي (1)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
165 - عمرو بن إلياس بن عمرو بن إلياس البجلي (2)، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
166 - عمرو بن حريث (3)، أبو أحمد الصيرفي الأسدي، كوفي، مولى، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
167 - عمرو بن حسان الأزدي (4)، ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
168 - عمرو بن مروان (5)، ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
169 - عمرو بن المنهال بن مقلاص القيسي (6)، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة، له كتاب.
170 - عيسى بن راشد (7)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، يعرف
بابن كازر، له كتاب.
171 - عيسى بن صبيح العرزمي (8)، عربي صليب، ثقة، روى عن
(1) رجال النجاشي: 289، الرقم 774.
(2) رجال النجاشي: 289، الرقم 773.
(3) رجال النجاشي: 289، الرقم 775. وابن داود: 144، الرقم 1112.
(4) رجال الطوسي: 249، الرقم 425.
(5) رجال الطوسي: 247، الرقم 489. والنجاشي: 291، الرقم 780، ضمن ترجمة أخيه
«عمار».
(6) رجال النجاشي: 289، الرقم 776. و 57، الرقم 133، في ترجمة ابنه «الحسن».
(7) رجال النجاشي: 295، الرقم 800.
(8) رجال النجاشي: 296، الرقم 804.
488
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
172 - عيسى بن عمرو (1)، مولى الأنصار، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
من أهل قاشان، خدم أبا عبد الله سنين.
173 - عيص بن القاسم بن ثابت البجلي (2)، كوفي، عربي، يكنى أبا القاسم،
ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
174 - غالب بن عثمان المنقري (3)، مولى، كوفي، سمال - بمعنى كحال -،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
175 - الفضل بن عبد الملك (4)، أبو العباس البقباق، مولى، كوفي، عين، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
176 - الفضيل بن محمد بن راشد (5)، مولى الفضل البقباق، أبو العباس، كوفي،
له كتاب، ثقة، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
177 - القاسم بن بريد بن معاوية العجلي (6)، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب، وهو كذلك من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قاله الشيخ في رجاله.
(1) رجال الطوسي: 258، الرقم 575. و 268، الرقم 738. وابن داود: 150، الرقم
1178، وفيه: «من خراسان».
(2) رجال النجاشي: 302، الرقم 824.
(3) رجال النجاشي: 305، الرقم 835.
(4) رجال النجاشي: 308، الرقم 843.
(5) رجال البرقي: 34.
(6) رجال النجاشي: 213، الرقم 857. ورجال الطوسي: 358، الرقم 2.
489
178 - القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي البصري (1)، أبو محمد، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
179 - قتيبة بن محمد الأعشى المؤدب (2)، أبو محمد المقرئ، مولى الأزد، ثقة،
عين، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
180 - قيس بن موسى الساباطي (3)، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة في الرواية.
181 - كعيب بن عبد الله (4)، مولى بني طرفة، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
182 - مالك بن عطية الأحمسي (5)، أبو الحسين الكوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
183 - مثنى بن الوليد الحناط (6)، مولى، كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب، وقال علي بن الحسن: لا بأس به.
184 - محمد بن أبي حمزة (7)، ثقة، فاضل، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) رجال النجاشي: 313، الرقم 856.
(2) رجال النجاشي: 317، الرقم 869.
(3) رجال النجاشي: 290، الرقم 779، في ترجمة «عمار بن موسى».
(4) رجال النجاشي: 318، الرقم 870.
(5) رجال النجاشي: 422، الرقم 1132.
(6) رجال النجاشي: 414، الرقم 1106. ورجال الكشي: 338، الرقم 623.
(7) رجال العلامة: 152، الرقم 71. ورجال الطوسي: 322، الرقم 675.
490
185 - محمد بن حرب الهلالي (1)، أمير مكة، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
صدوق، حسن.
186 - محمد بن حمران النهدي (2)، أبو جعفر، ثقة، كوفي الأصل، نزل
جرجرايا، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
187 - محمد بن سالم بن شريح الأشجعي الحذاء الكوفي (3)، أبو إسماعيل،
أسند عنه، ثقة، مات سنة اثنتين وتسعين ومائة، ويقال له: سالم بن أبي واصل
وسالم بن شريح، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
188 - محمد بن سليمان بن عبد الله الأصبهاني الكوفي (4)، أسند عنه، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
189 - محمد بن سوقة البجلي المرضي الخزاز (5)، تابعي، أسند عنه، وقال
ابن داود: ثقة.
190 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري القاضي الكوفي (6)،
قال ابن عقدة: كان صدوقا مأمونا ولكنه سئ الحفظ جدا، من أصحاب الصادق،
مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
(1) رجال الطوسي: 285، الرقم 72. وتنقيح المقال 3: 99، الرقم 10525.
(2) رجال النجاشي: 359، الرقم 965.
(3) رجال الطوسي: 289، الرقم 146.
(4) رجال النجاشي: 367، الرقم 994. ورجال الطوسي: 288، الرقم 124.
(5) رجال الطوسي: 290، الرقم 161. وابن داود: 174، الرقم 1406.
(6) رجال الطوسي: 293، الرقم 210. ورجال العلامة: 165، الرقم 185.
491
191 - محمد بن عبد الرحمن السهمي البصري الذهلي (1)، أسند عنه، مات
سنة سبع وثمانين ومائة، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وكان من الثقات.
192 - محمد بن عذافر بن عيسى الخزاعي الصيرفي الكوفي (2)، مولاهم،
له كتاب، ثقة، من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام).
193 - محمد بن عطية الحناط (3)، أخو الحسن وجعفر، كوفي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) وهو صغير، له كتاب، وقال العلامة: ثقة.
194 - محمد بن عمر بن عبيد الأنصاري العطار الكوفي (4)، مولاهم،
وهو ابن أبي حفص، أسند عنه، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقيل: إنه كان يعدل
بألف رجل، مات سنة ست وسبعين ومائة وهو مسن.
195 - محمد بن عوام الخلقاني (5)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، كوفي، ثقة،
قليل الحديث، له كتاب.
196 - محمد بن فضيل بن غزوان الضبي (6)، مولاهم، أبو عبد الرحمن، ثقة.
197 - محمد بن مارد التميمي (7)، عربي صميم، كوفي، ختن محمد بن مسلم،
(1) رجال الطوسي: 293، الرقم 215. والعلامة: 165، الرقم 186.
(2) رجال الطوسي: 297، الرقم 271. و 359، الرقم 14، وفيه: «عثيم» بدل «عيسى».
(3) رجال النجاشي: 356، الرقم 953. ورجال العلامة: 164، الرقم 182.
(4) رجال الطوسي: 296، الرقم 254. وتنقيح المقال 3: 165، الرقم 11186.
(5) رجال النجاشي: 356، الرقم 953.
(6) رجال الطوسي: 297، الرقم 281. وذكره ابن حجر في تقريب التهذيب قائلا: صدوق
عارف رمي بالتشيع من التاسعة.
(7) رجال النجاشي: 357، الرقم 958.
492
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، عين.
198 - محمد بن مسعود الطائي (1)، كوفي، عربي صميم، ثقة، روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
199 - محمد بن مضارب (2)، كوفي، يكنى أبو المضارب، من أصحاب
الصادق (عليه السلام)، واستشعر الوحيد (رحمه الله) من رواية صفوان وابن مسكان عنه وثاقته،
وكان مورد لطف الصادق (عليه السلام) إذ قدم إليه جارية تخدمه.
200 - محمد بن ميسر بن عبد العزيز النخعي (3)، بياع الزطي، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
201 - محمد بن يحيى بن سلمان الخثعمي (4)، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
202 - محمد بن يوسف الصنعاني (5)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، عين،
له كتاب.
203 - مدرك بن أبي الهزهاز النخعي الكوفي (6)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
وقال المامقاني: ظاهره كونه إماميا محدثا مرجعا، ولا يبعد عد حديثه من الحسان.
(1) رجال النجاشي: 358، الرقم 959.
(2) رجال الطوسي: 322، الرقم 683. وتعليقة الوحيد البهبهاني: 319.
(3) رجال النجاشي: 368، الرقم 997.
(4) رجال النجاشي: 359، الرقم 963.
(5) رجال النجاشي: 357، الرقم 956.
(6) رجال الطوسي: 318، الرقم 618. وتنقيح المقال 3: 207، الرقم 11604.
493
204 - مراد بن خارجة الأنصاري (1)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وفي التكملة
أنه يمكن استفادة توثيقه من ترجمة أخيه هارون، وفي التعليقة في ترجمة محمد
ابن مقلاص ما يومئ إلى حسن عقيدته.
205 - مسعدة بن زياد الربعي (2)، ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
206 - مسلم (3)، مولى أبي عبد الله (عليه السلام)، قال ابن داود: ممدوح، وقد حسنه
المجلسي في الوجيزة، وقال المامقاني: إماميا من أهل سره (عليه السلام) (أي:
الصادق (عليه السلام)).
207 - مشمعل بن سعد الأسدي الناشري (4)، ثقة، من أصحابنا، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب الديات يشترك فيه وأخوه الحكم.
208 - مصادف (5)، مولى أبي عبد الله (عليه السلام)، من أصحاب الصادق
والكاظم (عليهما السلام)، وقال المامقاني: يندرج الرجل في الحسان.
209 - مصدق بن صدقة (6)، قال الكشي: فطحي، من أجلة العلماء والفقهاء
والعدول، كوفي، من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1) تنقيح المقال 3: 207، الرقم 11616.
(2) رجال النجاشي: 415، الرقم 1109.
(3) رجال ابن داود: 198، الرقم 1563. وتنقيح المقال 3: 215، الرقم 11783.
(4) رجال النجاشي: 420، الرقم 1125.
(5) رجال الكشي: 449، الرقم 846. وتنقيح المقال 3: 217، الرقم 11822.
(6) رجال الكشي: 563، الرقم 1064. ورجال الطوسي: 320، الرقم 650.
494
210 - مطلب بن زياد الزهري القرشي المدني (1)، ثقة، روى عن جعفر
ابن محمد (عليه السلام).
211 - معاذ بن كثير الكسائي الكوفي (2)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
وقال المفيد (رحمه الله): من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وبطانته وثقاته.
212 - معاوية بن ميسرة بن شريح بن الحارث الكندي القاضي (3)، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب، وقال المولى الوحيد: روى عنه فضالة في
الصحيح، وعبد الله بن المغيرة وابن أبي عمير والبزنطي وصفوان، وكل ذلك دليل
الوثاقة.
213 - معاوية بن وهب البجلي (4)، أبو الحسن، عربي صميمي، ثقة، حسن
الطريقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتب.
214 - معتب (5)، مولى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، وقال في أصحاب
الصادق (عليه السلام): مدني، أسند عنه، ثقة، وذكره الشيخ في أصحاب الكاظم (عليه السلام).
215 - معلى بن عثمان (6)، أبو عثمان، وقيل: ابن زيد الأحول، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
(1) رجال النجاشي: 423، الرقم 1136.
(2) رجال الطوسي: 314، الرقم 542. وتنقيح المقال 3: 221، الرقم 11883.
(3) رجال النجاشي: 410، الرقم 1093. وتعليقة الوحيد: 336. وتنقيح المقال 3: 226.
(4) رجال النجاشي: 412، الرقم 1097.
(5) رجال الطوسي: 358، الرقم 4. ورجال العلامة: 170، الرقم 6.
(6) رجال النجاشي: 417، الرقم 1115.
495
216 - معلى بن موسى الكندي (1)، كوفي، ثقة، عين، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
217 - المغيرة بن توبة المخزومي (2)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، ممدوح.
218 - منصور بن أبي الأسود الليثي (3)، مولاهم، كوفي، الحناط، من أصحاب
الصادق (عليه السلام)، ثقة.
219 - منصور بن محمد بن عبد الله الخزاعي (4)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
ثقة، له كتاب.
220 - منصور بن يونس بزرج (5)،، أبو يحيى، وقيل: أبو سعيد، كوفي، ثقة،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
221 - موسى بن أكيل النميري (6)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
222 - موسى بن بكر الواسطي (7)، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)،
له كتاب، وهو ممدوح وحديثه حسن.
223 - ناصح البقال (8)، كوفي، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
(1) رجال النجاشي: 417، الرقم 1116.
(2) رجال ابن داود: 191، الرقم 1591.
(3) رجال الطوسي: 313، الرقم 531. وابن داود: 192، الرقم 1603.
(4) رجال النجاشي: 412، الرقم 1099.
(5) رجال النجاشي: 413، الرقم 1100.
(6) رجال النجاشي: 408، الرقم 1086.
(7) رجال النجاشي: 407، الرقم 1081. وتنقيح المقال 3: 254، الرقم 12225.
(8) رجال النجاشي: 429، الرقم 1154.
496
224 - نشيط بن صالح بن لفافة (1)، مولى بني عجل، من أصحاب الصادق
والكاظم (عليهما السلام)، ثقة، له كتاب.
225 - نصر بن قابوس اللخمي القابوسي (2)، روى عن أبي عبد الله
وأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهم السلام)، وكان ذا منزلة عندهم.
226 - نوح بن الحكم (3)، أبو اليقظان الهمداني المرهبي، كوفي، ثقة، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
227 - هارون بن الجهم بن ثوير بن أبي فاختة سعيد بن جهمان (4)، مولى
أم هانىء، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، كوفي، ثقة.
228 - هارون بن خارجة (5)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
229 - هاشم بن المثنى (6)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
230 - هشام بن محمد بن السائب (7)، أبو المنذر، الناسب، العالم بالأيام،
المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا. وكان أبو عبد الله (عليه السلام) يقربه ويدنيه
ويبسطه، له كتب.
(1) رجال الطوسي: 326، الرقم 32.
(2) رجال النجاشي: 427، الرقم 1146.
(3) رجال النجاشي: 429، الرقم 1152.
(4) رجال النجاشي: 438، الرقم 1178.
(5) رجال النجاشي: 437، الرقم 1176.
(6) رجال النجاشي: 435، الرقم 1167.
(7) رجال النجاشي: 434، الرقم 1166.
497
231 - هيثم بن عروة التميمي (1)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
له كتاب.
232 - الهيثم بن واقد الجزري (2)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب،
وقال ابن داود: ثقة.
233 - الوليد بن صبيح (3)، أبو العباس، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب، ترحم عليه أبو عبد الله (عليه السلام).
234 - وهيب بن حفص (4)، أبو علي الجريري، مولى بني أسد، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ووقف، وكان ثقة.
235 - وهيب بن خالد البصري (5)، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
236 - يحيى بن الحجاج الكرخي (6)، بغدادي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام).
237 - يحيى الخزاز التبريزي (7)، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، ثقة.
238 - يحيى بن عبد الرحمن الأزرق (8)، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله
(1) رجال النجاشي: 437، الرقم 1174.
(2) رجال ابن داود: 201، الرقم 1687. ورجال النجاشي: 436، الرقم 1171.
(3) رجال النجاشي: 431، الرقم 1161.
(4) رجال النجاشي: 431، الرقم 1159.
(5) رجال النجاشي: 431، الرقم 1158.
(6) رجال النجاشي: 445، الرقم 1204.
(7) رجال ابن داود: 203، الرقم 1699.
(8) رجال النجاشي: 444، الرقم 1200.
498
وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب.
239 - يحيى بن عكيم الكلبي العليمي (1)، ثقة، عين، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب الزهد.
240 - يحيى بن العلاء البجلي الرازي (2)، أبو جعفر، ثقة، أصله كوفي، له كتاب،
من أصحاب الصادق (عليه السلام).
241 - يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة (3)، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة ثقة، صحيح الحديث، له كتاب.
242 - يحيى اللحام الكوفي (4)، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، له كتاب.
243 - يحيى بن يعقوب (5)، أبو طالب القاضي، من أصحاب الصادق (عليه السلام)،
حسن.
244 - يزيد بن إسحاق بن أبي السخف الغنوي (6)، أبو إسحاق، يلقب شعر،
له كتاب، من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقال المجلسي في الوجيزة: فيه مدح عظيم.
245 - يعقوب بن سالم الأحمر (7)، ثقة، من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام).
(1) رجال النجاشي: 441، الرقم 1188.
(2) رجال النجاشي: 444، الرقم 1198. والطوسي: 333، الرقم 7.
(3) رجال النجاشي: 444، الرقم 1199.
(4) رجال النجاشي: 445، الرقم 202.
(5) رجال ابن داود: 205، الرقم 1721. وتنقيح المقال 3: 323، الرقم 13097.
(6) رجال النجاشي: 453، الرقم 1225. وتنقيح المقال 3: 324، الرقم 13116.
(7) رجال النجاشي: 449، الرقم 1211.
499
246 - يعقوب السراج (1)، كوفي، ثقة، له كتاب، وقال المفيد (رحمه الله): من شيوخ
أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وثقاته.
247 - يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار (2)، مولى بني أسد، أبو محمد، ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
248 - يوسف بن ثابت بن أبي سعد (3)، أبو أمية، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
249 - يونس بن رباط البجلي (4)، مولاهم، كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب.
250 - يونس بن عمار بن الفيض الصيرفي الثعلبي الكوفي (5)، أبو الحسن،
من أصحاب الصادق (عليه السلام)، من الأخيار.
«والحمد لله رب العالمين»
(1) رجال النجاشي: 451، الرقم 1217. وتنقيح المقال 3: 330، الرقم 13277.
(2) رجال النجاشي: 450، الرقم 1216.
(3) رجال النجاشي: 452، الرقم 1221.
(4) رجال النجاشي: 448، الرقم 1211.
(5) رجال النجاشي: 71، الرقم 169، ضمن ترجمة «إسحاق بن عمار». وتنقيح المقال 3:
343، الرقم 13361.
500
الفصل الخامس والعشرون
رواة الإمام الصادق (عليه السلام)
من أعلام السنة
كان رواة أبي عبد الله (عليه السلام) أربعة آلاف أو يزيدون، قال الشيخ المفيد
طاب ثراه في " الإرشاد ": فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه
من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقامات، فكانوا أربعة آلاف رجل (1)،
وذكر ابن شهرآشوب أن الجامع لهم ابن عقدة، وزاد غيره أن ابن عقدة ذكر
لكل واحد منهم رواية، وأشار إلى عددهم الطبرسي في " أعلام الورى "
والمحقق الحلي في " المعتبر "، وذكر أسماء أكثرهم الشيخ الطوسي طاب رمسه
في كتاب الرجال.
ولا يزيده كثرة الرواة عنه رفعة وجلالة قدر، وإنما يزداد الرواة
فضلا وعلو شأن بالرواية عنه. نعم، إنما يكشف هذا عن علو شأنه في العلم
وانعقاد الخناصر على فضله من طلاب العلم والفضيلة على اختلافهم في المقالات
والنحل.
(1) الإرشاد؛ للمفيد: 271.
501
أعلام السنة:
أخذ عنه عدة من أعلام السنة وأئمتهم، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ
عن الأستاذ، بل لم يأخذوا عنه إلا وهم متفقون على إمامته وجلالته وسيادته،
كما يقول الشيخ سليمان القندوزي في " الينابيع " (1) والنووي في " تهذيب الأسماء
واللغات " (2)، بل عدوا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها، وفضيلة اكتسبوها، كما يقول
الشافعي في " مطالب السؤول "، ونحن بدورنا نورد لك شطرا من أولئك الأعلام.
1 - أبو حنيفة:
منهم: أبو حنيفة، النعمان بن ثابت بن زوطي، من الموالي وأصله من كابل،
ولد بالكوفة وبها نشأ ودرس، وكانت له فيها حوزة، وانتقل إلى بغداد وبها مات
عام 150، وقبره بها معروف، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة عند أهل السنة،
وحاله أشهر من أن يذكر.
وأخذه عن الصادق (عليه السلام) معروف، وممن ذكر ذلك الشبلنجي في " نور
الأبصار " وابن حجر في " الصواعق " (3) والشيخ سلمان في " الينابيع " (4)
(1) الينابيع: 360.
(2) تهذيب الأسماء واللغات 1: 149 - 150، الرقم 106.
(3) الصواعق: 201، طبعة القاهرة سنة 1965، لأحمد بن حجر الهيتي (899 - 974 ه)، وهو
ليس ابن حجر العسقلاني.
(4) الينابيع: 360.
502
وابن الصباغ في " الفصول " (1)، إلى غير هؤلاء، وقال الآلوسي في " مختصر
التحفة الاثني عشرية "، الصفحة 8: وهذا أبو حنيفة وهو هو بين أهل السنة
كان يفتخر ويقول بأفصح لسان: " لولا السنتان لهلك النعمان "، يريد السنتين
اللتين صحب فيهما - لأخذ العلم - الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
2 - مالك بن أنس:
ومنهم: مالك بن أنس المدني، أحد أصحاب المذاهب الأربعة أيضا. قال
ابن النديم في " الفهرست " (2): هو ابن أبي عامر من حمير، وعداده في بني تيم بن مرة
من قريش، وحمل به ثلاث سنين، وقال: وسعى به إلى جعفر بن سليمان العباسي
وكان والي المدينة فقيل له: إنه لا يرى أيمان بيعتكم، فدعى به وجرده وضربه
أسواطا ومدده فانخلع كتفه وتوفي عام 179 عن 84 سنة. وذكر مثله ابن خلكان (3).
وأخذه عن أبي عبد الله (عليه السلام) معلوم مشهور، وممن أشار إلى ذلك النووي
في " التهذيب " (4) والشبلنجي في " نور الأبصار " والسبط في " التذكرة " (5)
والشافعي في " المطالب " وابن حجر في " الصواعق " (6) والشيخ سليمان في
(1) الفصول: 222، طبعة النجف (العدل).
(2) فهرست ابن النديم: 198.
(3) وفيات الأعيان 4: 135 - 139.
(4) تهذيب الأسماء واللغات 1: 150.
(5) التذكرة؛ لسبط ابن الجوزي: 307.
(6) الصواعق: 201.
503
" الينابيع " (1) وأبو نعيم في " الحلية " (2) وابن الصباغ في " الفصول " (3)، إلى
ما سوى هؤلاء.
وقد أخرج عدة روايات عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كتابه " الموطأ ".
3 - سفيان الثوري:
ومنهم: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ورد بغداد عدة مرات،
وروى عن الصادق (عليه السلام) جملة أشياء، وأوصاه الصادق بأمور ثمينة، وارتحل
إلى البصرة وبها مات عام 161، وولادته في نيف وتسعين، قيل: شهد وقعة
زيد الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبد الملك.
جاء أخذه عن الصادق (عليه السلام) في " التهذيب " (4) و " نور الأبصار "
و " التذكرة " و " المطالب " و " الصواعق " (5) و " الينابيع " (6) و " الحلية " (7)
و " الفصول المهمة " (8)، وغيرها. وذكره الرجاليون من الشيعة في رجاله (عليه السلام).
(1) الينابيع: 360.
(2) حلية الأولياء 3: 193.
(3) الفصول: 222.
(4) تهذيب الأسماء واللغات 1: 150.
(5) الصواعق: 201.
(6) الينابيع: 360.
(7) حلية الأولياء 3: 193، 199 و 200.
(8) الفصول المهمة: 222.
504
4 - سفيان بن عيينة:
ومنهم: سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكي، ولد بالكوفة عام 107
ومات بمكة عام 198، ودخل الكوفة وهو شاب على عهد أبي حنيفة.
ذكر أخذه عن الصادق (عليه السلام) في " التهذيب " (1) و " نور الأبصار "
و " المطالب " و " الصواعق " (2) و " الينابيع " (3) و " الحلية " (4) و " الفصول " (5)
وما سواها، وذكر ذلك الرجاليون من الشيعة أيضا.
5 - يحيى بن سعيد الأنصاري:
ومنهم: يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري، من بني النجار، تابعي،
كان قاضيا للمنصور في المدينة، ثم قاضي القضاة، مات بالهاشمية عام 143.
أنظر المصادر المتقدمة في روايته عن الصادق (عليه السلام) وما عداها، كما ذكر ذلك
الرجاليون من الشيعة.
6 - ابن جريح:
ومنهم: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكي، سمع جمعا كثيرا من العلماء،
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1: 150.
(2) الصواعق: 201.
(3) الينابيع: 360.
(4) حلية الأولياء 3: 199.
(5) الفصول المهمة: 222.
505
وكان من علماء العامة الذين يرون حلية المتعة، كما رأى حليتها آخرون منهم،
وجاء في طريق الصدوق في باب ما يقبل من الدعاوى بغير بينة، وجاء في الكافي
في باب ما أحل الله من المتعة سؤال أحدهم من الصادق (عليه السلام) عن المتعة فقال:
إلق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن عنده منها علما، فأتاه فأملى عليه
شيئا كثيرا عن المتعة وحليتها.
وقال ابن خلكان: عبد الملك أحد العلماء المشهورين، وكانت ولادته
سنة 80 للهجرة، وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور، وتوفي سنة 149، وقيل:
150، وقيل: 151.
وذكروا في المصادر السابقة أخذه عن الصادق (عليه السلام)، كما ذكرته رجال
الشيعة.
7 - القطان:
ومنهم: أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان البصري، كان من أئمة الحديث،
بل عد محدث زمانه، واحتج به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم، توفي عام 198،
وحكي عن ابن قتيبة عداده في رجال الشيعة، ولكن الشيعة لا تعرفه من
رجالها.
ذكره في رجال الصادق (عليه السلام) " التهذيب " (1) و " الينابيع " (2)، وغيرهما
من السنة، والشيخ وابن داود والنجاشي وغيرهم من الشيعة.
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1: 150.
(2) الينابيع: 360.
506
8 - محمد بن إسحاق:
ومنهم: محمد بن إسحاق بن يسار صاحب " المغازي والسير "، مدني
سكن مكة، أثنى عليه ابن خلكان كثيرا، وكان بينه وبين مالك عداء، فكان
كل منهما يطعن في الآخر، قدم الحيرة على المنصور فكتب له المغازي.
وقدم بغداد وبها مات عام 151 على المشهور، ذكر أخذه عن الصادق
في " التهذيب " (1) و " الينابيع " وغيرهما من السنة، والشيخ في رجاله والعلامة
في " الخلاصة " والكشي في رجاله وغيرهم من الشيعة.
9 - شعبة بن الحجاج:
ومنهم: شعبة بن الحجاج الأزدي، كان من أئمة السنة وأعلامهم وكان يفتي
بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وقيل: كان ممن خرج من أصحاب
الحديث مع إبراهيم بن عبد الله.
وعده في أصحاب الصادق (عليه السلام) جماعة من السنة منهم صاحب
" التهذيب " (2) و " الصواعق " (3) و " الحلية " (4) و " الينابيع " (5) و " الفصول " (6)
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1: 150.
(2) تهذيب الأسماء واللغات 1: 150.
(3) الصواعق: 201.
(4) حلية الأولياء 3: 199.
(5) الينابيع: 360.
(6) الفصول المهمة: 222.
507
و " التذكرة " (1) وغيرها، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضا.
10 - أيوب السجستاني:
ومنهم: أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري، وقيل: السختياني،
والأول أشهر، مولى عمار بن ياسر، وعدوه في كبار الفقهاء التابعين، مات عام 131
بالطاعون بالبصرة عن 65 سنة.
عده في رجال الصادق (عليه السلام) في " نور الأبصار " و " التذكرة " (2) و " المطالب "
و " الصواعق " (3) و " الحلية " (4) و " الفصول " (5) وغيرها، وذكرته كتب رجال
الشيعة في أصحابه أيضا.
11 - الأوزاعي:
أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي (6)، فقيه أهل الشام
وصاحب المذهب الذي ينسب إليه الأوزاعية قديما، وفد أهل الشام وما حولها
من البلاد على مذهبه نحوا من مائتين وعشرين سنة.
والأوزاع بطن من قبيلة همدان اليمانية، وقيل: من حمير الشام، مولده
(1) التذكرة؛ لسبط ابن الجوزي: 307.
(2) التذكرة: 307.
(3) الصواعق: 201.
(4) حلية الأولياء 3: 199.
(5) الفصول المهمة: 222.
(6) وفيات الأعيان 3: 127، الرقم 361.
508
في بعلبك سنة 88 ه، ونشأ في البقاع، ثم نقلته أمه إلى بيروت، وبقى فيها إلى أن مات
في بيروت عام 157 ه، وقبره لا يزال شاخصا في جنوب بيروت على البحر (1).
تنقل بين الأمصار الإسلامية طلبا للعلم، وسمع الزهري، وعطاء، وروى عنه
سفيان الثوري، وأخذ عنه عبد الله بن المبارك، وغيرهم.
عن الأوزاعي، قال: قدمت المدينة المنورة في خلافة هشام بن عبد الملك،
فقلت: من ها هنا من العلماء؟ قالوا: محمد بن المكندر، ومحمد بن كعب القرظي،
ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ومحمد بن علي بن الحسين بن فاطمة
بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: والله لأبدأن بهذا قبلكم، قال: فدخلت المسجد،
فسلمت، فأخذ بيدي فأدناني منه، قال: من أي إخواننا أنت؟ فقلت له: رجل
من أهل الشام، فقال: من أي أهل الشام؟ فقلت رجل من أهل دمشق. قال: نعم!
أخبرني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: للناس ثلاثة معاقل،
فمعقلهم من الملحمة الكبرى التي تكون بعمق أنطاكية دمشق، ومعقلهم من الدجال
بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج طور سيناء (2).
روى الأوزاعي، قال: قدمت المدينة، فسألت محمد بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب، عن قوله عز وجل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
أم الكتاب)، فقال: نعم! حدثنيه أبي عن جده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه،
قال: سألت عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " لأبشرنك بها يا علي، فبشر بها أمتي
من بعدي، الصدقة على وجهها، واصطناع المعروف، وبر الوالدين، وصلة الرحم،
(1) وقد زرت قبره عدة مرات وشاهدت مقامه، المؤلف.
(2) حلية الأولياء 6: 140.
509
تحول الشقاء سعادة، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء ".
غريب تفرد به إسماعيل بن أبي داود الزناد، وإبراهيم بن أبي سفيان،
قال أبو زرعة: سألت أبا مسهر عنه فقال: من ثقات مشايخنا وقدمائهم (1).
وهؤلاء بعض من نسبوه إلى تلمذة الصادق (عليه السلام) من أعلام السنة وفقهائهم
البارزين، وقد عدوا غير هؤلاء فيهم أيضا، أنظر في ذلك " حلية الأولياء " (2)،
على أن غير أبي نعيم أشار إلى غير هؤلاء بقوله: وغيرهم، أو ما سوى ذلك
مما يؤدي هذا المفاد.
(1) حلية الأولياء 6: 146.
(2) حلية الأولياء 3: 199.
510
الفصل السادس والعشرون
حكمه ومواعظه (عليه السلام)
تمهيد
للإمام الصادق (عليه السلام) من التراث الفكري الخالد، والآراء السديدة والحكم
والمواعظ، ما لا يحيط به الإحصاء، أو تناله يد الحصر، وهي على كثرتها قليلة
بالنسبة له، لما قام به من التوجيه والإرشاد والهداية في عصر ضلت به قافلة الأمة،
وحدا بالركب غير سائقه، فقام (عليه السلام) بما يجب القيام به، وحاول أن يهذب النفوس
من دنس الرذائل ويحملهم على اعتناق الفضائل، ويريد للمسلم أن يكون كما أمره
الله به وبلغ رسوله الكريم.
فهو حريص على هداية الأمة، يواصل جهاده في مكافحة الأوضاع الشاذة،
ويعلن آراءه ضد النظام الجائر.
وقد شخص الداء وما أصاب الأمة من تفكك وهوان، وأن الداء كامن
وراء تحكم النزعات في النفوس، وأن الدواء هو التزام مبادئ وأحكام الدين،
وأن رسوخ العقيدة في القلوب قوة لأفراد الأمة، ومنعة لكيان المجتمع من تحكم
النزعات، وانتشار الرذيلة، كما إنه سلاح فاتك يرهب ولاة الجور، فكان (عليه السلام)
لا تفوته فرصة دون أن يدعو إلى اعتناق الفضائل ومحاربة الرذيلة، ليصبح المجتمع
511
متماسكا يستطيع أن يوحد كلمته في مقابل الظالمين، الذين استبدوا بالحكم،
وابتعدوا عن الإسلام، وإن الثورة الدموية ضدهم لا تعود على المجتمع إلا بالضرر،
لأنهم أناس جبابرة عرفوا بالقسوة والانتقام، ولهم أعوان يشدون أزرهم،
وأنصار يدافعون دونهم، فخطة الإمام الصادق (عليه السلام) تهدف إلى إصلاح النفوس
في الأعماق، وإصلاح المجتمع من الداخل، فكان يرسل وصاياه عامة شاملة،
وينطق بالحكمة والنصيحة عن إخلاص وصفاء نفس، وحب الصالح العام ليعالج
المشاكل الاجتماعية، ويدعو الناس إلى الورع عن محارم الله والخوف منه تعالى
والامتثال لأوامره، والشعور بالمسؤولية أمام الله تعالى، وجعل يوم القيامة
ويوم الحساب ماثلا أمام أعينهم، مع حثهم على التكسب الحلال وطلب الرزق
كما كان يحث على العمل ويعمل بنفسه، وينهى عن الكسل والبطالة.
يحدثنا العلاء بن كامل: إنه جاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام) فقال له:
يا أبا عبد الله، ادع الله أن يرزقني في دعة، فقال (عليه السلام): لا أدعو لك. اطلب
[الرزق] كما أمرك الله ورسوله.
وعلى أي حال فإن حكم الإمام ووصاياه أنوار تسطع على جبين التأريخ
إلى آخر الزمان.
وإليك هذه المقتطفات من كتب الأخلاق للإمام الصادق (عليه السلام).
قال عنبسة بن نجاد: لما مات إسماعيل بن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام)
وفرغنا من جنازته، جلس الإمام وجلسنا حوله وهو مطرق، ثم رفع رأسه إلينا
وقال: أيها الناس، هذه الدنيا دار فراق ودار التواء لا دار استواء، على إن الفراق
المألوف حرقة لا تدفع، ولوعة لا تقلع، وإنما يتفاضل بحسن العزاء، وصحة الفكر،
فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه، ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد، ثم تمثل
بقول الهذلي:
512
فلا تحسبي أني تناسيت عهده * ولكن صبري يا أميم جميل
وكان يقول لأصحابه: إن الله أوجب عليكم حبنا وموالاتنا، وفرض
عليكم طاعتنا، ألا فمن كان منا فليقتد بنا، وإن من شأننا الورع، والاجتهاد،
وأداء الأمانة إلى البر والفاجر، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، والعفو عن المسئ،
ومن لم يقتد بنا فليس منا، لا تسفهوا، فإن أئمتكم ليسوا سفهاء.
كان الإمام الصادق (عليه السلام) يهتم بمصالح الأمة، ويجهد نفسه في إصلاح
ذلك الوضع الفاسد، وقد بذل جهده في إيجاد قوة فعالة تتجه نحو الخير ليحيا
المسلمون حياة طيبة، ولا يحصل ذلك إلا في توثق عرى الأخوة والعلاقات الطيبة
بينهم، وإيجاد المحبة في قلب المسلم لأخيه المسلم، في قمع غرائز الإثرة، والابتعاد
عن الرذائل واتباع " المثل العليا في الإسلام ".
كما كان وحيد عصره في مختلف العلوم والفنون، وقد ظهر ذلك في أقواله
وحكمه، منها ما قال (عليه السلام): ثلاثة لا يعذر المرء فيها: مشاورة ناصح، ومداراة
حاسد، والتحبب إلى الناس.
وقال (عليه السلام): إحذر من ثلاثة: الخائن، والظلوم، والنمام؛ لأن من خان لك
خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نم إليك سينم عليك.
وقال (عليه السلام): ثلاثة من تمسك بهن نال من الدنيا بغيته: من اعتصم بالله،
ورضي بقضاء الله، وأحسن الظن بالله.
وقال (عليه السلام): إياكم أن يحسد بعضكم بعضا، فإن الكفر أصله الحسد،
وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم، فيدعو الله عليكم فيستجاب له فيكم،
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: " إن دعوة المظلوم مستجابة ".
وقال (عليه السلام): وليعن بعضكم بعضا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: " إن
معونة المسلم خيرا وأعظم أجرا من صيام شهر، واعتكافه في المسجد الحرام ".
513
بعض وصايا الإمام لخاصة أصحابه
إن للإمام الصادق (عليه السلام) وصايا كثيرة لخاصة أصحابه وحواريه، ومن تلك
الوصايا وصيتان نقلهما ابن شعبة الحراني - من أعلام القرن الرابع الهجري -
في تحف العقول، وهما طويلتان، ونحن نقتطف فقرات منهما ونترك لمن يريد
الاستزادة أو النص الكامل مراجعة الكتاب المذكور، وهو محقق منتشر انتشار الماء
والهواء، وأما بقية وصاياه فقد ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر.
الوصية الأولى - لعبد الله بن جندب (1):
روي أنه (عليه السلام) قال: يا عبد الله، لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور،
فما يقصد فيها إلا أولياءنا، ولقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا.
ثم قال: آه آه على قلوب حشيت نورا، وإنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة
الشجاع الأرقم (2)، والعدو الأعجم، أنسوا بالله، واستوحشوا مما به استأنس
المترفون، أولئك أوليائي حقا، وبهم تكشف كل فتنة وترفع كل بلية.
يا ابن جندب، حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة
(1) عبد الله بن جندب البجلي الكوفي، ثقة جليل القدر من أصحاب الأئمة الصادق والكاظم
والرضا (عليهم السلام)، وإنه من المخبتين، وكان وكيلا لأبي الحسن الرضا (عليه السلام).
(2) الشجاع: الأفعى العظيمة التي تواثب الفارس، وربما قلعت رأسه، وتكون في الصحراء
وتقوم على ذنبها. والأرقم: الحية التي فيها سواد وبياض، وهي أخبث الحيات.
514
على نفسه فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، وإن رأى سيئة
استغفر منها، لئلا يخزى يوم القيامة. طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى لها. طوبى
لمن لم تلهه الأماني الكاذبة.
ثم قال (عليه السلام): رحم الله قوما كانوا سراجا ومنارا، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم
ومجهود طاقتهم، ليس كمن يذيع أسرارنا.
يا ابن جندب، إنما المؤمنون الذين يخافون الله ويشفقون أن يسلبوا ما أعطوا
من الهدى، فإذا ذكروا الله ونعمائه وجلوا وأشفقوا، وإذا تليت عليهم آياته
زادتهم إيمانا مما أظهره من نفاذ قدرته، وعلى ربهم يتوكلون.
يا ابن جندب، لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة، ولأظلهم الغمام،
ولأشرقوا نهارا، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما سألوا الله شيئا
إلا أعطاهم.
يا ابن جندب، يهلك المتكل على عمله، ولا ينجو المجترئ على الذنوب
الواثق برحمة الله.
قال: فمن ينجو؟
قال (عليه السلام): الذين هم بين الرجاء والخوف، كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا
إلى الثواب وخوفا من العذاب.
يا ابن جندب، أقل النوم بالليل، والكلام بالنهار، فما في الجسد شيء
أقل شكرا من العين واللسان.
يا ابن جندب، إن للشيطان مصائد يصطاد بها، فتحاموا شباكه ومصائده.
قال: يا ابن رسول الله، وما هي؟
قال (عليه السلام): أما مصائده، فصد عن بر الإخوان، وأما شباكه فنوم عن قضاء
515
الصلوات التي فرضها الله، أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام إلى بر الإخوان
وزيارتهم. ويل للساهين عن الصلوات، النائمين في الخلوات، المستهزئين بالله
وآياته في الفترات، أولئك الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله
يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
يا ابن جندب، الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة،
وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد، وما عذب الله أمة
إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.
يا ابن جندب، بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب،
فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا، ومواساة الإخوان في الله،
وليس من شيعتنا من يظلم الناس.
يا ابن جندب، كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك، وكل البر
مقبول إلا ما كان رئاء.
يا ابن جندب، صل من قطعك، واعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء
إليك، وسلم على من سبك، وأنصف من خاصمك، واعف عمن ظلمك، كما إنك
تحب أن يعفى عنك.
يا ابن جندب، الإسلام عريان، فلباسه الحياء، وزينته الوقار، ومروءته
العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس، وأساس الإسلام حبنا
أهل البيت.
الوصية الثانية - لأبي جعفر الأحول (مؤمن الطاق):
قال أبو جعفر الأحول: قال لي الصادق (عليه السلام): إن الله جل وعز عير قوما
في القرآن بالإذاعة.
516
فقلت له: جعلت فداك، أين قال؟
قال (عليه السلام): قوله: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا
به) (1).
ثم قال (عليه السلام): المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا، رحم الله عبدا
سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه...
وقال (عليه السلام): يا ابن النعمان، إياك والمراء، فإنه يحبط عملك، وإياك والجدال،
فإنه يوبقك، وإياك وكثرة الخصومات، فإنها تبعدك من الله.
ثم قال (عليه السلام): إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت، وأنتم تتعلمون
الكلام.
إلى أن قال (عليه السلام): إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في دولة
الباطل على الأذى، أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا، وهم المؤمنون.
إن أبغضكم إلي المترئسون المشاؤون بالنمائم، الحسدة لإخوانهم، ليسوا مني
ولا أنا منهم، إنما أوليائي الذين سلموا لأمرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في
كل أمورنا.
ثم قال (عليه السلام): والله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا على الله ثم حسد مؤمنا
لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار.
يا ابن النعمان، إن أردت أن يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه، ولا تمارينه،
ولا تباهينه، ولا تشارنه، ولا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه
عدوك لم يضرك، فإن الصديق قد يكون عدوك يوما.
(1) النساء: 82.
517
يا ابن النعمان، لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن: سنة من الله،
وسنة من رسوله، وسنة من الإمام. فأما السنة من الله جل وعز فهي أن يكون
كتوما للأسرار، يقول الله جل ذكره: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) (1)،
وأما التي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فهي أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق
الحنيفية، وأما التي من الإمام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج.
يا ابن النعمان، ليست البلاغة بحدة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنها
إصابة المعنى وقصد الحجة.
يا ابن النعمان، من قعد إلى ساب أولياء الله فقد عصى الله، ومن كظم غيظا
فينا لا يقدر على إمضائه كان معنا في السنام الأعلى، ومن استفتح نهاره بإذاعة
سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس.
يا ابن النعمان، لا تطلب العلم لثلاث: لترائي به، ولا لتباهي به، ولا لتماري
[به]، ولا تدعه لثلاث: رغبة في الجهل، وزهادة في العلم، واستحياء من الناس،
والعلم المصون كالسراج المطبق عليه.
يا ابن النعمان، إن الله " جل وعز " إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة
بيضاء فجال القلب يطلب الحق، ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره.
يا ابن النعمان، إن حبنا - أهل البيت - ينزله الله من السماء من خزائن
تحت العرش كخزائن الذهب والفضة ولا ينزله إلا بقدر، ولا يعطيه إلا خير الخلق،
وإن له غمامة كغمامة القطر، فإذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه أذن
لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطلت السحاب، فتصيب الجنين في بطن أمه.
(1) سورة الجن: 26.
518
الوصية الثالثة - لسدير الصيرفي:
قال (عليه السلام): ما كثر مال رجل قط إلا عظمت الحجة لله تعالى عليه، فإن قدرتم
أن تدفعوها فافعلوا، فقال: يا ابن رسول الله، بماذا؟ قال (عليه السلام): بقضاء حوائج
إخوانكم من أموالكم، ثم قال: تلقوا النعم يا سدير بحسن مجاورتها، واشكروا
من أنعم عليكم، وأنعموا على من شكركم، فإنكم إذا كنتم كذلك استوجبتم من الله
الزيادة، ومن إخوانكم المناصحة، ثم تلا قوله: (لئن شكرتم لأزيدنكم) (1).
الوصية الرابعة - لجميل بن دراج:
قال (عليه السلام): ومن خالص الإيمان البر بالإخوان، والسعي في حوائجهم،
وإن البار بالإخوان ليحبه الرحمن - إلى أن يقول -: يا جميل، أخبر بهذا غرر
أصحابك. قال: قلت: جعلت فداك، ومن غرر أصحابي؟ قال: هم البارون
بالإخوان في العسر واليسر (2).
الوصية الخامسة - لعبد الرحمن بن سيابة:
قال (عليه السلام) لعبد الرحمن بن سيابة - وهو شاب -: ألا أوصيك؟ قال: بلى،
جعلت فداك. قال: عليك بصدق الحديث وأداء الأمانة؛ تشرك الناس في
أموالهم (3).
(1) مجالس الشيخ الطوسي، المجلسي: 11، والآية من سورة إبراهيم: 7.
(2) الوسائل، باب البر بالإخوان.
(3) بحار الأنوار 47: 394، الحديث 107.
519
الوصية السادسة - لعنوان البصري:
وعنوان هو شيخ بصري قدم المدينة لطلب العلم، اتصل بمالك بن أنس
ثم اتصل بالإمام الصادق (عليه السلام)، فقال له الإمام: إذا أردت العلم فاطلب أولا
في نفسك حقيقة العبودية.
قال عنوان البصري: فقلت: ما حقيقة العبودية؟
فقال الإمام الصادق (عليه السلام): ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله
ملكا؛ لأن العبيد لا يكون لهم ملك، بل يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم
الله، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا، وجملة اشتغاله هي فيما أمره الله به ونهاه عنه.
وإذا لم ير العبد فيما خوله الله ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله، وإذا فرض
تدبير نفسه إلى مدبره هانت عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل بما أمره الله به
ونهاه عنه لا يتفرغ إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاث
هانت عليه الدنيا، فلا يطلبها تفاخرا وتكاثرا، ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا،
ولا يدع أيامه باطلة، فهذا أول درجة المتقين، قال الله تعالى: (تلك الدار الآخرة
نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).
فقال عنوان: يا أبا عبد الله، أوصني. فقال (عليه السلام):
أوصيك بتسعة أشياء فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله، والله أسأل
أن يوفقك لاستعمالها: ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم،
وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإياك والتهاون بها.
أما اللواتي في الرياضة: فإياك أن تأكل ما لا تشتهيه؛ فإنه يورث الحمق
والبله، ولا تأكل إلا عند الجوع، فإذا أكلت فكل حلالا وسم الله تعالى، واذكر
520
حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما ملأ آدمي وعاء أشد شرا من بطنه، فإن كان ولا بد
فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه ".
وأما اللواتي في الحلم: فمن قال لك: إن قلت واحدة سمعت عشرا، فقل له:
إن قلت عشرا لم تسمع واحدة. ومن شتمك فقل له: إن كنت صادقا فيما تقوله
فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كنت كاذبا فاسأل الله أن يغفر لك. ومن وعدك بالخيانة
فعده بالنصيحة والوفاء.
وأما اللواتي في العلم: فاسأل العلماء ما جهلت، وإياك أن تسألهم تعنتا
وتجربة، وإياك أن تعدل بذلك شيئا، وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه
سبيلا، واهرب من الفتيا فرارك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا (1).
الوصية السابعة - لعمرو بن سعيد:
قال عمرو بن سعيد بن هلال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): إني لا أكاد
ألقاك إلا في السنين، فأوصني بشيء آخذ به. قال (عليه السلام):
أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث، والورع والاجتهاد، واعلم أنه لا ينفع
اجتهاد لا ورع معه، وإياك أن تطمح نفسك إلى من فوقك، وكفى بما قال عز وجل:
(فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) (2).
وقال عز وجل لرسوله: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم
زهرة الحياة الدنيا) (3).
(1) الإمام الصادق؛ للمظفر 2: 58 - 61.
(2) التوبة 9: 55.
(3) طه 20: 131.
521
فإن خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنما كان قوته
الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده.
وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله، فإن الخلق لم يصابوا بمثله قط.
الوصية الثامنة - للمفضل بن عمر:
قال (عليه السلام): أوصيك ونفسي بتقوى الله وطاعته، فإن من التقوى الطاعة
والورع والتواضع لله، والطمأنينة والاجتهاد والأخذ بأمره، والنصيحة لرسله،
والمسارعة في مرضاته، واجتناب ما نهى عنه، فإن من يتق الله فقد أحرز نفسه
من النار بإذن الله، وأصاب الخير كله في الدنيا والآخرة.
ومن أمر بتقوى الله فقد أفلح الموعظة، جعلنا الله من المتقين برحمته.
ومن وصيته (عليه السلام) له أيضا: أوصيك بست خصال تبلغهن شيعتي.
قال المفضل: وما هي يا سيدي؟
قال (عليه السلام): أداء أمانة إلى من ائتمنك، وأن ترضى لأخيك ما ترضى لنفسك.
واعلم أن للأمور أواخر فاحذر العواقب، وإن للأمور بغتات فكن على حذر،
وإياك ومرتقى جبل إذا كان المنحدر وعرا، ولا تعدن أخاك ما ليس في يدك وفاؤه.
الوصية التاسعة - لحمران بن أعين:
قال (عليه السلام): يا حمران، أنظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك
في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك.
واعلم: أن العمل الدائم القليل على اليقين، أفضل عند الله من العمل الكثير
على غير يقين.
522
واعلم: أن لا ورع أنفع من تجنب محارم الله، والكف عن أذى المؤمنين
واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال أنفع من القنوع باليسير
المجزي، ولا جهل أضر من العجب.
وهكذا كان الإمام الصادق (عليه السلام) يواصل أصحابه بوصاياه القيمة، وتعاليمه
التي تدل على شدة اهتمامه بتوجيه الدعوة إلى الرشاد وطريق الهدى.
وكان يرسل وصاياه العامة مع من يحضر عنده من أصحابه، ويلزمهم
أن يبلغوا من يلقونه من أصحابهم. كقوله: اقرأوا من لقيتم من أصحابكم السلام،
وقولوا لهم: فلان بن فلان - يعني نفسه - يقرؤكم السلام، إني والله ما آمركم
إلا بما نأمر به أنفسنا، فعليكم بالجد والاجتهاد.
ومن وصاياه (عليه السلام) وحكمه:
صبروا أنفسكم على البلاء في الدنيا، فإن تتابع البلاء فيها، والشدة
في طاعة الله وولايته، وولاية من أمر بولايته، خير عاقبة عند الله في الآخرة
من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله،
فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم في كتابه بقوله: (وجعلناهم أئمة
يهدون بأمرنا).
إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله
ولا من أمره أن يأخذ أحد من الخلق في دينه بهوى، ولا رأي ولا مقاييس،
قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء، وجعل للقرآن وتعلم القرآن
أهلا... الخ.
523
ومن حكمه (عليه السلام):
العلم جنة، والصدق عز، والجهل ذل، وحسن الخلق مجلبة للمودة،
والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس، والحزم مشكاة الظن، والله ولي من عرفه،
والعاقل غفور، والجاهل ختور، وإن شئت أن تكرم فلن، وإن شئت أن تهان
فاخشن، ومن كرم أصله لان قلبه، ومن خشن عنصره غلظ كبده، ومن فرط
تورط، ومن خاف العاقبة تثبت فيما لا يعلم، ومن هجم على أمر من غير علم
جدع أنف نفسه.
524
من كلمات الإمام (عليه السلام) ووصاياه العامة
نقل ابن شعبة الحراني في كتابه " تحف العقول: 313 " رسالة للإمام
أبي عبد الله (عليه السلام)، رواها الكليني (رحمه الله) في روضة الكافي بإسناده، أنه (عليه السلام) كتبها
إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها. وكان أصحابه
وبعض شيعته يضعونها في مساجد بيوتهم، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.
جاء في الرسالة:
أما بعد، فسلوا ربكم العافية، وعليكم بالدعة والوقار، والسكينة والحياء،
والتنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم...
ثم يواصل الإمام (عليه السلام) رسم المنهج الذي ينبغي للمؤمن الرسالي أن يسير
وفق تعاليمه وتوجيهاته، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الآخرين، فإن الدين المعاملة
كما ورد في الأثر، ثم يقول:
أكثروا من الدعاء؛ فإن الله يحب من عباده الذين يدعونه، وقد وعد عباده
المؤمنين الاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به
في الجنة، وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار،
فإن الله أمر بكثرة الذكر له، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين، إن الله لم يذكره
أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير.
وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين،
كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم، وعليكم بحب المساكين المسلمين،
فإن من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله، والله له حاقر ماقت، وقد قال
525
أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم. واعلموا
أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس
أشد مقتا فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين؛ فإن لهم عليكم حقا
أن تحبوهم، فإن الله أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بحبهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبه
فقد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو
من الغاوين.
وإياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر رداء الله، فمن نازع الله رداءه قصمه الله
وأذله يوم القيامة.
وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصالحين،
فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بغي عليه،
ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله.
وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا، فإن الكفر أصله الحسد.
وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم، يدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم،
فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة ".
وإياكم أن تشره نفوسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم، فإنه من انتهك
ما حرم الله عليه ها هنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها
القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.
وجاء أيضا من جملة وصاياه (عليه السلام):
واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه، لا ملك مقرب، ولا نبي
مرسل، ولا من دون ذلك كلهم، إلا طاعتهم له، فجدوا في طاعة الله، إن سركم
526
أن تكونوا مؤمنين حقا حقا، ولا قوة إلا بالله.
وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها،
فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل
الإحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الإساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله،
واجتنبوا معاصيه واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه، لا ملك
مقرب، ولا نبي مرسل، ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين
فليطلب إلى الله أن يرضى عنه.
واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله، وركب معصيته،
فاختار أن ينتهك محارم الله، في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها، على خلود نعيم
في الجنة ولذاتها، وكرامة أهلها، ويل لأولئك، ما أخيب حظهم، وأخسر كرتهم
وأسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا الله أن يجريكم في مثالهم أبدا
وأن يبتليكم بما ابتلاهم به. ولا قوة لنا ولكم إلا به.
فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام، وأن يجعل ألسنتكم تنطق
بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين.
ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين (1).
وقال أيضا في معرض وصاياه لشيعته:
وإذا صليتم الصبح وانصرفتم فبكروا في طلب الرزق واطلبوا الحلال،
فإن الله عز وجل سيرزقكم ويعينكم عليه.
(1) روضة الكافي: 397 - 408.
527
ويحدثنا زيد الشحام: قال: قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): إقرأ من ترى
أنه يطيعني منكم السلام، وأوصيكم بتقوى الله عز وجل، والورع في دينكم،
والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار،
فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برا أو فاجرا، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كان يأمر بأداء الخيط والمخيط.
صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم؛
فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه
مع الناس وقيل: هذا جعفري؛ يسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل:
هذا أدب جعفر، وإذا كان غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره.
وقال الإمام (عليه السلام):
إذا هممت بشيء من الخير فلا تؤخره، فإن الله عز وجل ربما اطلع على العبد
وهو على شيء من الطاعة فيقول: وعزتي وجلالي لا أعذبك بعدها أبدا.
وقال (عليه السلام) أيضا:
إذا هممت بسيئة فلا تعملها فإنه ربما اطلع الله على العبد وهو على شيء
من المعصية، فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا (1).
نكتفي بهذا القدر من وصاياه (عليه السلام) لعدم استطاعتنا الإحاطة بجميعها في فصل
من كتاب، لكثرتها.
(1) وسائل الشيعة 1: 18.
528
وصف المحبة لأهل البيت (عليهم السلام)
دخل رجل على الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: ممن الرجل؟ فقال: من محبيكم
ومواليكم.
فقال له (عليه السلام): لا يحب الله عبد حتى يتولاه، ولا يتولاه حتى يوجب له الجنة.
ثم قال له: من أي محبينا أنت؟ فسكت الرجل. فقال له سدير: وكم محبوكم
يا ابن رسول الله؟ فقال: على ثلاث طبقات: طبقة أحبونا في العلانية ولم يحبونا
في السر؛ وطبقة يحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية؛ وطبقة يحبونا في السر
والعلانية، هم النمط الأعلى، شربوا من العذب الفرات وعلموا تأويل الكتاب
وفصل الخطاب وسبب الأسباب، فهم النمط الأعلى، الفقر والفاقة وأنواع البلاء
أسرع إليهم من ركض الخيل، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وفتنوا، فمن بين
مجروح ومذبوح متفرقين في كل بلاد قاصية، بهم يشفي الله السقيم ويغني العديم،
وبهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون، وهم الأقلون عددا، الأعظمون
عند الله قدرا وخطرا [وهم الطبقة الأولى]. والطبقة الثانية: النمط الأسفل،
أحبونا في العلانية وساروا بسيرة الملوك، فألسنتهم معنا وسيوفهم علينا. والطبقة
الثالثة: النمط الأوسط، أحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية، ولعمري لئن كانوا
أحبونا في السر دون العلانية فهم الصوامون بالنهار القوامون بالليل، ترى أثر
الرهبانية في وجوههم، أهل سلم وانقياد.
قال الرجل: فأنا أحبكم في السر والعلانية، قال الإمام (عليه السلام): إن لمحبينا
في السر والعلانية علامات يعرفون بها. قال الرجل: وما تلك العلامات؟
529
قال (عليه السلام): تلك خلال، أولها أنهم عرفوا التوحيد حق معرفته وأحكموا علم
توحيده، والإيمان بعد ذلك بما هو وما صفته، ثم علموا حدود الإيمان وحقائقه
وشروطه وتأويله.
قال سدير: يا ابن رسول الله، ما سمعتك تصف الإيمان بهذه الصفة؟
قال (عليه السلام): نعم يا سدير، ليس للسائل أن يسأل عن الإيمان ما هو حتى يعلم الإيمان
بمن...
ويستمر الإمام (عليه السلام) في حديثه عن شرح معنى الإيمان وصفته، فيقول:
صفة الإيمان: الإقرار، والخضوع لله بذل الإقرار، والتقرب إليه به والأداء له
بعلم كل مفروض من صغير أو كبير،... فلا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك
ما استحق أن يكون به مؤمنا، وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء
كبار الفرائض موصولة، وترك كبار المعاصي واجتنابها، وإن ترك صغار الطاعة،
وارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان، ولا تارك له، ما لم يترك
شيئا من كبار الطاعة ولم يرتكب شيئا من كبار المعاصي، فما لم يفعل ذلك
فهو مؤمن؛ لقوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
وندخلكم مدخلا كريما) (1) يعني المغفرة ما دون الكبائر، فإن هو ارتكب كبيرة
من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها وكبارها معاقبا عليها
معذبا بها، فهذه صفة الإيمان وصفة المؤمن المستوجب للثواب.
وقد يخرج المؤمن من الإيمان، بخمس خصال من الفعل، وهي: الكفر،
والشرك بالله، والضلال، والفسق، وركوب الكبائر.
(1) سورة النساء: 31.
530
ثم يواصل (عليه السلام) كلامه في وصف الإسلام، فيقول:
وأما معنى صفة الإسلام: فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والأداء له،
فإذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلب فقد استحق
اسم الإسلام ومعناه، واستوجب الولاية الظاهرة وإجازة شهادته والمواريث،
وصار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، فهذه صفة الإسلام. وفرق
ما بين المسلم والمؤمن، أن المسلم إنما يكون مؤمنا أن يكون مطيعا في الباطن
مع ما هو عليه في الظاهر، فإذا فعل ذلك بالظاهر، كان مسلما، وإذا فعل ذلك
بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم، كان مؤمنا، فقد يكون العبد مسلما
ولا يكون مؤمنا.
531
الحديث عن خلق الإنسان وفسلجته
نقل ابن شعبة الحراني كلاما للإمام الصادق (عليه السلام) حول طبائع الإنسان
وتركيبه التكويني، وجوهر خلقه، جاء فيه:
عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع وأربع دعائم وأربعة أركان،
فطبائعه: الدم والمرة والريح والبلغم (1) ودعائمه: العقل، ومن العقل الفهم والحفظ،
وأركانه النور والنار والروح والماء. وصورته طينته. فأبصر بالنور وأكل وشرب
بالنار وجامع وتحرك بالروح ووجد طعم الذوق والطعام بالماء. فهذا تأسيس
صورته. فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالما حافظا ذكيا فطنا فهما وعرف
فيما هو ومن أين يأتيه ولأي شيء هو ههنا، وإلى ما هو صائر، بإخلاص الوحدانية
والإقرار بالطاعة. وقد تجري فيه النفس وهي حارة وتجري فيه وهي باردة،
فإذا حلت به الحرارة أشر وبطر وارتاح (2) وقتل وسرق وبهج واستبشر وفجر وزنا
وبذخ (3). وإذا كانت باردة اهتم وحزن واستكان وذبل (4) ونسي، فهي العوارض
(1) المرة - بكسر ففتح مشددة - خلط من أخلاط البدن كالصفراء أو السوداء، والجمع مرار.
(2) أشر - كعلم -: مرح. وبطر - كعلم - طغى بالنعمة فصرفها في غير وجهها، وأخذته دهشة
عند هجوم النعمة، والبطر - بالتحريك كفتح - شدة النشاط، وارتاح إلى الشيء: أحبه
ومال إليه. والارتياح: السرور والنشاط.
(3) البذخ: الفخر والتطاول.
(4) ذبل النبات - كضرب ونصر -: قل ماؤه وذهبت نضارته. وذبلت بشرته: قل ماء جلدته
وذهبت نضارته. وذبل الفرس: ضمر.
532
التي تكون منها الأسقام ولا يكون أول ذلك إلا بخطيئة عملها فيوافق ذلك من مأكل
أو مشرب في حد ساعات لا تكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل والمشرب
بحال الخطيئة فيستوجب الألم من ألوان الأسقام.
ثم قال (عليه السلام) بعد ذلك بكلام آخر:
إنما صار الإنسان يأكل ويشرب ويعمل بالنار ويسمع ويشم بالريح
ويجد لذائذ الطعام والشراب بالماء ويتحرك بالروح، فلولا أن النار في معدته
لما هضمت الطعام والشراب في جوفه، ولولا الريح ما التهبت نار المعدة ولا خرج
الثقل من بطنه (1) ولولا الروح لا جاء ولا ذهب. ولولا برد الماء لأحرقته نار المعدة.
ولولا النور ما أبصر ولا عقل. والطين صورته، والعظم في جسده بمنزلة الشجر
في الأرض والشعر في جسده بمنزلة الحشيش في الأرض. والعصب في جسده
بمنزلة اللحاء على الشجر (2). والدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض.
ولا قوام للأرض إلا بالماء ولا قوام لجسد الإنسان إلا بالدم. والمخ دسم الدم
وزبده.
فهكذا الإنسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة، فإذا جمع الله بينهما
صارت حياته في الأرض؛ لأنه نزل من شأن السماء إلى الدنيا، فإذا فرق الله بينهما
صارت تلك الفرقة الموت يرد شأن الآخرة إلى السماء. فالحياة في الأرض والموت
(1) الثقل - بالضم -: حثالة الشيء، وهي ما يستقر في أسفل الشيء من كدرة، والمراد هنا:
النجاسة والعذرة.
(2) اللحاء - بالكسر -: قشر العود أو الشجر.
533
في السماء، وذلك أنه يفرق بين الروح والجسد، فردت الروح والنور إلى القدرة
الأولى وترك الجسد لأنه من شأن الدنيا. وإنما فسد الجسد في الدنيا لأن الريح
تنشف الماء (1) فييبس الطين فيصير رفاتا ويبلى ويرد كل إلى جوهره الأول
وتحركت الروح بالنفس والنفس حركتها من الريح، فما كان من نفس المؤمن فهو
نور مؤيد بالعقل. وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء (2)، فهذا
من صورة ناره وهذا من صورة نوره والموت رحمة من الله لعبده المؤمن ونقمة
على الكافر.
ولله عقوبتان إحداهما من الروح والأخرى تسليط الناس بعض على بعض،
فما كان من قبل الروح فهو السقم والفقر. وما كان من تسليط فهو النقمة وذلك
قول الله عز وجل: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) (3)
من الذنوب. فما كان من ذنب الروح فعقوبته بذلك السقم والفقر. وما كان
من تسليط فهو النقمة. وكل ذلك عقوبة للمؤمن في الدنيا وعذاب له فيها.
وأما الكافر فنقمة عليه في الدنيا وسوء العذاب في الآخرة ولا يكون ذلك إلا بذنب
والذنب من الشهوة وهي من المؤمن خطأ ونسيان، وأن يكون مستكرها
وما لا يطيق. وما كان من الكافر فعمد وجحود واعتداء وحسد وذلك قول الله
عز وجل: (كفارا حسدا من عند أنفسهم) (4).
(1) نشف الماء: أخذه من مكانه. وتنشف الثوب العرق: شربه.
(2) النكراء: الدهاء والفطنة بالمنكر والشيطنة.
(3) سورة الأنعام، الآية 129.
(4) تحف العقول: 354 - 356. والآية من سورة البقرة: 109.
534
حديثه في المؤمن والإيمان
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قال الله عز وجل: عبدي المؤمن
لا أصرفه في شيء إلا جعلت ذلك خيرا له، فليرض بقضائي، وليصبر على بلائي،
وليشكر على نعمائي، أكتبه في الصديقين عندي.
وعنه (عليه السلام)، قال: ليس لأحد على الله ثواب على عمل إلا المؤمنين.
وعنه (عليه السلام)، قال: إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله، لكل عمل
سبعمائة ضعف، وذلك قول الله عز وجل: يضاعف لمن يشاء.
وعنه (عليه السلام)، قال: إن الله عز وجل خلق طينة المؤمن من طينة الأنبياء،
فلن تخبث أبدا.
وعنه (عليه السلام)، قال: كما لا ينفع مع الكفر شيء، فلا يضر مع الإيمان
شيء.
وعنه (عليه السلام)، قال: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إذا اشتكى شيئا منه
وجد (ألم) ذلك في سائر جسده؛ لأن أرواحهم من روح الله تعالى، وإن روح
المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها.
535
ومن كتاب المؤمن للحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي - من أصحاب الأئمة
الطاهرين - اخترنا هذه الأقوال، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام):
قال (عليه السلام): فيما أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران (عليه السلام): أن يا موسى،
ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإني إنما أبتليه لما هو خير له،
[وأعطيه لما هو خير له]، وأروي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه
عبدي فليصبر على بلائي، وليرض بقضائي، وليشكر على نعمائي أكتبه من الصديقين
عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري.
وعنه (عليه السلام)، قال: إن الرب ليتعاهد المؤمن، فما يمر به أربعون صباحا
إلا تعاهده، إما بمرض في جسده، وإما بمصيبة من مصائب الدنيا، ليأجره الله عليه.
وقال (عليه السلام): للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة، أيسر حق منها،
أن تحب له ما تحب لنفسك وأن تكره له ما تكره لنفسك.
الثاني: أن تعينه بنفسك، ومالك، ولسانك، ويديك، ورجليك.
الثالث: أن تتبع رضاه، وتجتنب سخطه، وتطيع أمره.
الرابع: أن تكون عينه، ودليله، ومرآته.
الخامس: أن لا تشبع ويجوع، وتروى ويظمأ، وتكتسي ويعرى.
السادس: أن يكون لك خادم، وليس له خادم، تبعثه يغسل ثيابه، ويصنع
طعامه، ويهيئ فراشه.
السابع: أن تبر قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته.
وإن كانت له حاجة تبادر إلى قضائها، ولا تكلفه أن يسألكها.
536
وقال (عليه السلام): أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه سبعين كربة
من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة.
ومن يسر على مؤمن وهو معسر، يسر الله له حوائج الدنيا والآخرة.
ومن ستر على مؤمن عورة ستر الله عليه سبعين عورة من عوراته التي
يخلفها في الدنيا والآخرة.
وإن الله لفي عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه المؤمن، فانتفعوا
في العظة وارغبوا في الخير.
وقال (عليه السلام): ما قضى الله تبارك وتعالى لمؤمن من قضاء، إلا جعل له الخيرة
فيما قضى.
وقال (عليه السلام): من روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو
في النار، ومن روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون
في النار. رواه الصدوق في " ثواب الأعمال " أيضا.
وفي كتاب الإمامة والتبصرة، عن السكوني، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)،
أنه قال: أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه، وهو يقدر عليه من عنده
أو من غيره، أقامه الله يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه
إلى عنقه.
فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار.
537
ونقل في كتاب " نزهة الناظر "، أنه (عليه السلام) قال:... المؤمن الذي إذا غضب
لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، والذي إذا قدر
لم يأخذ أكثر مما له.
وفي كتاب التمحيص، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: لن تكونوا مؤمنين
حتى تعدوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة.
وجاء في كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق عليه الرحمة:
روي عن أبي بصير أنه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أوحى الله
عز وجل إلى داود النبي (عليه السلام)... يا داود، إن عبدي المؤمن إذا أذنب ذنبا ثم رجع
وتاب من ذلك الذنب واستحيى مني عند ذكره غفرت له وأنسيته الحفظة وأبدلته
الحسنة، ولا أبالي، وأنا أرحم الراحمين (1).
وفيه أيضا: روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: أوحى الله عز وجل إلى
داود النبي (عليه السلام): أن العبد من عبادي ليأتيني بالحسن فأبيحه جنتي، قال: فقال
داود (عليه السلام): يا رب، وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن السرور ولو
بتمرة. قال: فقال داود (عليه السلام): يا رب، حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك (2).
أقول: جلت رحمتك يا رب.
(1) ثواب الأعمال: 160.
(2) المصدر السابق: 165، ومعاني الأخبار: 374.
538
وفي كتاب المؤمن، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إن العبد المؤمن
ليكون له عند الله الدرجة لا يبلغها بعمله، فيبتليه الله في جسده أو يصاب بماله،
أو يصاب في ولده، فإن هو صبر بلغه الله إياها.
وقال (عليه السلام): المؤمن له قوة في دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين،
وحرص في فقه، ونشاط في هدى، وبر في استقامة.
وقال (عليه السلام): إن المؤمن يخافه كل شيء وذلك أنه عزيز في دين الله،
ولا يخاف من شيء، وهو علامة كل مؤمن (1).
وروى مسلم العبدي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنما المؤمن بمنزلة
كفة الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه (2).
وعن ميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
المؤمن مألوف، ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف (3).
(1) البحار؛ المجلسي 67: 271 و 305.
(2) الكافي: 328.
(3) الكافي: 274.
539
شذرات من كلمات الصادق (عليه السلام)
جاء في كتاب الإمامة والتبصرة: أن رجلا دخل على الإمام الصادق (عليه السلام)،
وقال له: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إني فقير، ولا أملك شيئا أعيش به، وقد تركت
عيالي يتضورون جوعا.
فقال له (عليه السلام): أنت لست فقيرا. قال: كيف يا ابن رسول الله، وأنا لا أملك
من حطام الدنيا شيئا؟
فقال (عليه السلام): بكم تبيع ولايتنا؟ قال: والله لا أبيعها بملك الدنيا. قال:
إذا أنت غني ولست فقيرا.
دخل الإمام الصادق (عليه السلام) على واحد من أصحابه يعزيه بفقد ولده الشاب،
ومن جملة كلماته المسلية له، قال (عليه السلام): اعتبره مسافرا. قال الأب المثكول:
كيف أعتبره يا سيدي مسافرا وقد أقبرته ودفنته بيدي؟ أجابه الإمام: إن لم يأتك
فأنت ذاهب إليه.
عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): تبقى الأرض
بلا عالم حي ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال: إذا لا يعبد الله،
يا أبا يوسف.
وروي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: لعلكم ترون أن هذا الأمر
540
إلى رجل منا ليضعه حيث يشاء؟ لا والله، إنه لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسمى،
رجلا فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه عجل الله فرجه الشريف.
ومن الكافي اقتطفنا هذه المجموعة من الأحاديث للإمام أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام)، قال:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث بسرية، فلما رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا
الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟
قال: جهاد النفس.
وعنه (عليه السلام)، أنه قال: إن الله تبارك وتعالى جعل الرحمة في قلوب رحماء
خلقه، فاطلبوا الحوائج منهم، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فإن الله تبارك
أحل غضبه بهم.
وقال (عليه السلام): من عاب أخاه بعيب فهو من أهل النار.
وعنه (عليه السلام)، قال: اصنع المعروف إلى من هو أهله، فإن لم يكن أهله
فأنت أهله (1).
وعن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
(1) الكافي: 639.
541
فقال: يا رسول الله، إني راغب في الجهاد نشيط. قال: فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
فجاهد في سبيل الله، فإنك إن تقتل تكن حيا عند الله ترزق، وإن مت فقد وقع
أجرك على الله، وإن رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت. قال: يا رسول الله،
إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي. فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فقر مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة
خير من جهاد سنة (1).
وعن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن الله عز وجل يقول:
يحزن عبدي المؤمن إن قترت عليه، وذلك أقرب له مني، ويفرح عبدي المؤمن
إن وسعت عليه وذلك أبعد له مني (2).
وروى الحناط، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل:
(وبالوالدين إحسانا) (3) ما هذا الإحسان؟ فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما
وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجانه وإن كانا مستغنيين، أليس يقول الله
عز وجل: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (4)؟ قال: ثم قال
أبو عبد الله (عليه السلام): وأما قول الله عز وجل: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما
(1) الكافي: 295.
(2) الكافي: 289.
(3) الإسراء 17: 23.
(4) آل عمران 3: 92.
542
أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) (1)، قال: إن أضجراك فلا تقل لهما أف،
ولا تنهرهما إن ضرباك، قال: وقل لهما قولا كريما، قال: إن ضرباك فقل لهما
غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم، قال: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة،
قال: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما،
ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدم قدامهما (2).
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: البر وحسن الخلق
يعمران الديار ويزيدان في الأعمار (3).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع
والاجتهاد، والصلاح والخير، فإن ذلك داعية (4).
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: اصبروا وصابروا ورابطوا،
قال: اصبروا على الفرائض (5).
عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: من أتاه أخوه
(1) الإسراء 17: 23.
(2) الكافي: 295.
(3) الكافي: 273.
(4) الكافي: 264.
(5) الكافي: 265.
543
المسلم فأكرمه، فإنما أكرم الله عز وجل (1).
السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الخلق عيال
الله، فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيت سرورا (2).
حبيب الخثعمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أحبوا للناس ما تحبون
لأنفسكم (3).
سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن الله عز وجل أنعم على قوم
فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم
نعمة (4).
عن أبي عبد الله (عليه السلام): سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أشد الناس بلاء
في الدنيا؟ فقال: النبيون، ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه
وحسن أعماله، فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه
وضعف عمله قل بلاؤه (5).
(1) الكافي: 313.
(2) الكافي: 297.
(3) الكافي: 297.
(4) الكافي: 269، باب الصبر.
(5) الكافي: 328.
544
زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها،
فإن عظيم الأجر لمن عظيم البلاء، وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم (1).
قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك
شيء قد اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه
وأداء أمانته (2).
أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: الحياء من الإيمان،
والإيمان في الجنة (3).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء
في جسده (4).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): من تعلم العلم وعمل به وعلم لله، دعي
في ملكوت السماوات، فقيل: تعلم لله وعمل لله وعلم لله (5).
(1) الكافي: 276.
(2) الكافي: 275.
(3) نفس المصدر.
(4) أصول الكافي 2: 255.
(5) أصول الكافي 1: 35.
545
منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: أي الأعمال أفضل؟
قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله (1).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): لا مال أعود من العقل، ولا مصيبة أعظم من
الجهل، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر،
ولا قائد خير من التوفيق، ولا قرين خير من الخلق، ولا ميراث خير من الأدب.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): لعن الله قاطعي سبيل المعروف، وهو الرجل
يصنع إليه معروفا فيكفره، فيمتنع صاحبه ذلك إلى غيره (2).
وقال (عليه السلام): يزيد عقل الرجل بعد الأربعين إلى الخمسين والستين، ثم ينقص
عقله بعد ذلك (3).
قال الصادق (عليه السلام): إن الله تعالى بعث إلى آدم (عليه السلام) ثلاثة أشياء يختار منها
واحدة: العقل، والحياء، والسخاء، فاختار العقل، فقال جبريل (عليه السلام): للحياء
والسخاء: أعرجا، فقالا: أمرنا أن لا نفارق العقل.
(1) الكافي: 295.
(2) الكافي: 244.
(3) الكافي: 245.
546
وقال (عليه السلام): إذا أردت أن تختبر عقل الرجل في مجلس واحد، فحدثه في خلال
حديثك بما لا يكون، فإن أنكره فهو عاقل، وإن صدقه فهو أحمق.
وقال (عليه السلام): إذا أراد الله أن يزيل من عبد نعمة كان أول ما يغير منه عقله.
وقال (عليه السلام): لا يلسع العاقل من جحر مرتين.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): من كظم غيظا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله
قلبه يوم القيامة رضاه (1).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): إن أفضل جهاد كلمة عدل عند إمام جائر (2).
أبو حمزة الثمالي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من ابتلي من المؤمنين ببلاء
فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد (3).
سفيان بن عيينة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليك بالنصح لله
في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه (4).
(1) الكافي: 276.
(2) فروع الكافي 5: 60.
(3) الكافي: 269، باب الصبر.
(4) الكافي: 297.
547
السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أصبح
لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم (1).
عن الصادق (عليه السلام): الإسلام يحقن به الدم، وتؤدى به الأمانة، ويستحل به
الفرج، والثواب على الإيمان (2).
قال أبو عبد الله (عليه السلام): كفى بالحلم ناصرا، وإذا لم تكن حليما فتحلم (3).
السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:
نبه بالتفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك (4).
عن أبي عبد الله، في قول الله عز وجل: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب
المؤمنين) (5)، قال: هو الإيمان (6).
(1) الكافي: 297.
(2) الكافي: 241.
(3) الكافي: 277.
(4) الكافي: 255، باب التفكر.
(5) الفتح 48: 4.
(6) الكافي: 237.
548
الحسن الصيقل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يروي الناس أن تفكر
ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟ قال: يمر بالخربة أو بالدار فيقول:
أين ساكنوك؟ أين بانوك؟ ما لك لا تتكلمين؟ (1).
حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الورع من الناس، قال:
الذي يتورع عن محارم الله عز وجل (2).
وقال (عليه السلام): إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين.
وقال (عليه السلام): الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، والصبر على النائبة،
وتقدير المعيشة (3).
كتاب المؤمن، قال (عليه السلام): إن الله عز وجل انتخب قوما من خلقه لقضاء
حوائج فقراء من شيعة علي (عليه السلام)، ليثيبهم بذلك الجنة.
عن ظريف، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إن العبد الولي لله يدعو
(1) الكافي: 255، باب التفكر.
(2) الكافي: 263، باب الورع.
(3) الكافي: 62، باب صفة العلم.
549
في الأمر ينويه، فيقول الله للملك الموكل بذلك الأمر: إقض حاجة عبدي
ولا تعجلها، فإني أشتهي أن أسمع صوته ودعاءه. وإن العبد المخالف ليدعو في أمر
يريده، فيقول الله للملك الموكل بذلك الأمر: إقض حاجته وعجلها، فإني أبغض
أن أسمع نداءه وصوته. فيقول الناس: ما أعطى هذا حاجته وحرم هذا إلا لكرامة
هذا على الله وهوان هذا عليه.
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: ما من شيء إلا وله حد.
قلت: فما حد اليقين؟ قال (عليه السلام): أن لا تخاف شيئا.
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): كفى باليقين غنى، وبالعبادة شغلا.
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله
ولا يعيبه ولا يغتابه ولا يحرمه ولا يخونه. وللمسلم على أخيه المسلم من الحق
أن يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمته إذا عطس،
ويجيبه إذا دعاه، ويشيعه إذا مات.
كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق عليه الرحمة:
ثواب التواضع:
روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه (عليهما السلام)، أن عليا (عليه السلام)
قال: ما من أحد من ولد آدم إلا وناصيته بيد ملك، فإن تكبر جذبه بناصيته
550
إلى الأرض، وقال له: تواضع وضعك الله. وإن تواضع جذبه بناصيته، ثم قال له:
إرفع رأسك رفعك الله، ولا وضعك بتواضعك لله (1).
الجهاد في سبيل الله:
وروي عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن جبرائيل (عليه السلام) أخبرني بأمر فقرت به عيني وفرح قلبي.
قال: يا محمد، من غزا غزوة في سبيل الله من أمتك فما أصابته قطرة من السماء
أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة.
وبهذا الإسناد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): للجنة باب يقال له: باب
المجاهدين، يمضون إليه، فإذا هو مفتوح والمجاهدون متقلدون سيوفهم، والجمع
في موقف والملائكة ترحب بهم، فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلا وفقرا في معيشته
ومحقا في دينه، إن الله تبارك وتعالى أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها (2).
ثواب الصائم:
روي عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الصائم في عبادة الله وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب
مسلما.
(1) ثواب الأعمال: 211.
(2) ثواب الأعمال: 225.
551
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح،
وعمله متقبل، ودعاؤه مستجاب.
وروي عن عبد الله بن سنان، عن الصادق (عليه السلام)، قال: خلوف الصائم
أفضل عند الله من رائحة المسك.
وروي عن السكوني، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه (عليهما السلام)،
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من عبد يصبح صائما فيشتم، فيقول: إني صائم،
سلام عليك، إلا قال الرب تبارك وتعالى لملائكته: استجار عبدي بالصوم
من عبدي، أجيروه من ناري وأدخلوه جنتي.
وروي عن يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من صام يوما
في الحر فأصابه ظمأ، وكل الله عز وجل به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه،
حتى إذا أفطر قال الله عز وجل: ما أطيب ريحك وروحك، ملائكتي، اشهدوا
أني قد غفرت له.
ثواب من اجتنب الكبائر:
روي عن أحمد بن عمر الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله
عز وجل: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (1)، قال:
(1) النساء: 21.
552
من اجتنب ما وعد الله عليه النار إذا كان مؤمنا كفر الله عنه سيئاته ويدخله
مدخلا كريما (1).
والكبائر السبع الموجبات للعقاب - كما ذكرناه في الفصل الأول من كتابنا
" الكبائر من الذنوب " - هي: قتل النفس المحرمة، وعقوق الوالدين، وأكل الربا،
والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف.
ثواب الحج والعمرة:
روي عن عمرو بن شمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حصنوا
أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنع
الزكاة.
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن الله ليغفر للحاج، ولأهل بيت الحاج،
ولعشيرة الحاج، ولمن يستغفر له الحاج، بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر
ربيع الأول وعشر من ربيع الثاني.
روي عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من حج يريد به الله
ولا يريد به رياء ولا سمعة غفر الله له البتة.
وروي عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الحاج
(1) ثواب الأعمال: 159.
553
إذا دخل مكة، وكل الله عز وجل به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه،
وإذا وقف بعرفة ضربا على منكبه الأيمن ثم قالا: أما ما مضى فقد كفيته، فانظر
كيف تكون فيما تستقبل.
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لما أفاض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلقاه
أعرابي في الأبطح فقال: يا رسول الله، إني خرجت أريد الحج فعاقني عائق
وأنا رجل ميل كثير المال، فمرني أصنع في مالي ما أبلغ ما بلغ الحاج؟ قال:
فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جبل أبي قبيس فقال: لو أن أبا قبيس لك زنته
ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما بلغ الحاج.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن لله تبارك وتعالى حول الكعبة مائة
وعشرين رحمة منها ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين.
وروي عنه (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
إذا أراد الله بعبد خيرا بعث إليه ملكا من خزان الجنة فمسح صدره ويسخي نفسه
بالزكاة (1).
أدب الضيف والضيافة:
قال صفوان بن يحيى: جاءني عبد الله بن سنان، فقال: هل عندك شيء؟
(1) ثواب الأعمال: 74 - 76.
554
قلت: نعم، فبعثت ابني وأعطيته درهما يشتري به لحما، فقال لي عبد الله:
أين أرسلت ابنك؟ فأخبرته، فقال: رده رده، عندك زيت؟ قلت: نعم. قال:
هات، فإني سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره،
وهلك امرؤ احتقر لأخيه ما قدم إليه.
وقال (عليه السلام): المؤمن لا يحتشم من أخيه ولا يدرى أيهما أعجب: الذي يكلف
أخاه إذا دخل أن يتكلف له، أو المتكلف لأخيه.
وقال هشام بن سالم: دخلنا مع ابن أبي يعفور على أبي عبد الله (عليه السلام)،
ونحن جماعة، فدعا بالغداء فتغدينا وتغدى معنا، وكنت أحدث القوم سنا،
فجعلت أقصر وأنا آكل، فقال لي (عليه السلام): كل، أما علمت أنه تعرف مودة الرجل
لأخيه بأكله من طعامه.
قال ابن أبي يعفور: رأيت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ضيفا، فقام يوما في
بعض الحوائج، فنهاه أبو عبد الله عن ذلك، وقام بنفسه إلى تلك الحاجة،
وقال (عليه السلام): نهى رسول الله عن أن يستخدم الضيف.
كتاب نزهة الناظر:
قال (عليه السلام): آفة الدين العجب، والحسد، والفخر.
وقال (عليه السلام): من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كان غده شر يوميه فهو
555
مفتون، ومن لم يتفقد النقصان في نفسه دام نقصه، ومن دام نقصه فالموت خير له،
ومن أذنب من غير قصد كان للعفو أهلا.
وقال (عليه السلام): لا تكتمل هيبة الشريف إلا بالتواضع.
وقال (عليه السلام): أطلب العلم ولو بخوض اللجج وشق المهج.
وقال (عليه السلام): جاهل سخي، أفضل من ناسك بخيل.
وقال (عليه السلام): استحي من الله بقدر قدرته عليك.
وقال (عليه السلام): من أكرمك فأكرمه، ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه.
وقال (عليه السلام): إن القلب يحيى ويموت، فإذا حيي فأدبه بالتطوع، وإذا مات
فاقصره على الفرائض.
بحار الأنوار:
قال الصادق (عليه السلام): العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق،
فلا تزيده سرعة السير إلا بعدا (1).
(1) بحار الأنوار 78: 244.
556
وقال (عليه السلام): من أراد عزا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان،
فلينتقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته (1).
وقال (عليه السلام): الرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن، والزهد في الدنيا
راحة للقلب والبدن (2).
وقال (عليه السلام): صدقة يحبها الله، إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم
إذا تباعدوا (3).
وقال (عليه السلام): إن المؤمن أشد من زبر الحديد، إن الحديد إذا دخل النار لان،
وإن المؤمن لو قتل ونشر، ثم قتل لم يتغير قلبه (4).
وقال (عليه السلام): شاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل (5).
وقال (عليه السلام): لا تتبع أخاك بعد القطيعة وقيعة فيه فتسد عليه طريق الرجوع
(1) بحار الأنوار 15: 164.
(2) بحار الأنوار 75: 240.
(3) بحار الأنوار 76: 44.
(4) بحار الأنوار 80: 178.
(5) بحار الأنوار 75: 98.
557
إليك، فلعل التجارب ترده عليك (1).
وقال (عليه السلام): إذا أذنب الرجل خرج من قلبه " نقطة " نكتة سوداء، فإن تاب
انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا (2).
وقال (عليه السلام): معاشر الشيعة، كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا
للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول (3).
وقال (عليه السلام): إن حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد،
وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل (4).
وقال (عليه السلام): احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها (5).
وعنه (عليه السلام)، أنه قال: يا يحيى، من بات ليلة لا يعرف فيها إمام زمانه
مات ميتة جاهلية (6).
(1) بحار الأنوار 74: 166.
(2) بحار الأنوار 73: 327.
(3) بحار الأنوار 11: 300.
(4) بحار الأنوار 71: 370.
(5) بحار الأنوار 2: 152.
(6) بحار الأنوار 23: 78.
558
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله تعالى لم يدع الأرض بغير عالم ولولا ذلك
لما عرف الحق من الباطل (1).
اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم (2).
أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا (3).
عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما خلت الدنيا منذ
خلق الله السماوات والأرض من إمام عدل إلى أن تقوم الساعة حجة لله فيها
على خلقه (4).
كتاب المحاسن للبرقي:
قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الأرض لا تصلح إلا بإمام، ومن مات لا يعرف
إمامه مات ميتة جاهلية، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هذه
- وأهوى بيده إلى صدره - يقول: لقد كنت على أمر حسن (5).
(1) بحار الأنوار 23: 36.
(2) بحار الأنوار 2: 41.
(3) بحار الأنوار 2: 184.
(4) بحار الأنوار 23: 24.
(5) محاسن البرقي: 154.
559
كتاب من لا يحضره الفقيه:
قال الصادق (عليه السلام): عليكم بصلاة الليل، فإنها سنة نبيكم ودأب الصالحين
قبلكم، ومطردة الداء عن أجسادكم (1).
وروى هشام بن سالم، عنه (عليه السلام) - الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) -
أنه قال في قوله تعالى: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا)، قال:
قيام الرجل عن فراشه يريد به وجه الله عز وجل، لا يريد به غيره.
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة.
وقال الصادق (عليه السلام): الكفوء أن يكون عفيفا وعنده يسار.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): أغلب الأعداء للمؤمن الزوجة السوء.
هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا تزوج الرجل المرأة لمالها
يرزق ذلك، فإن تزوجها لدينها رزقه الله عز وجل جمالها ومالها.
جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: خير نسائكم التي إن غضبت
(1) من لا يحضره الفقيه: الجزء الأول، باب صلاة الليل.
560
أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك، لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني.
وسائل الشيعة:
قال (عليه السلام): إجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد جعلته
عليكم قاضيا، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر.
وقال (عليه السلام): من صدق لسانه زكى عمله، ومن حسنت نيته زاد الله في رزقه،
ومن حسن بره بأهله زاد الله في عمره.
وعن اختيار الأصدقاء والإكثار من الإخوان ومواساتهم وحسن الصحبة
لهم ومشاورتهم والنصح لهم، كانت لنا هذه الوقفات مع نفحات الإمام القدسية
وهو يحدثنا عن حسن الصحبة.
قال (عليه السلام): ليس حسن الصحبة أمرا يأتيك عفوا دون ترويض النفس
وكبح جماحها، لأنها كثيرا ما تتطلب منك التنازل لصاحبك عن بعض رغباتك
وشهواتك، وإيثاره ببعض ما عندك، ولذا قال الإمام الصادق (عليه السلام):
وقال (عليه السلام): وطن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت.
ولما كان حسن الصحبة كثير المسالك، وقد يجهل المرء أفضلها سلوكا،
علمنا (عليه السلام) كيف نحسن صحبة من نصحب، فقال: حسن خلقك، وكف لسانك،
واكظم غيظك، وأقل لغوك، وتغرس (1) عفوك، وتسخو نفسك (2).
(1) وفي نسخة: " تفرش ".
(2) الوسائل 8: 402، الحديث 2. الكافي 4: 286، الحديث 3.
561
النصح:
إن رجاحة عقل المرء تعرف بالإصغاء للنصح، والأخذ بقول الناصح.
وقد جعل (عليه السلام) قبول النصح للمؤمن أمرا لا غنى عنه، فقال (عليه السلام): لا يستغني
المؤمن عن خصلة به، والحاجة إلى ثلاث خصال: توفيق من الله عز وجل،
وواعظ من نفسه، وقبول من ينصحه.
وقال (عليه السلام): " أحب إخواني إلي من أهدى إلي عيوبي " (1).
المشاورة:
إن من يشاور ذوي البصائر تتجلى له أوجه المداخل والمخارج، وينكشف له
الحجاب عن سبل النجاح، وينحاد عن مزالق الأخطار. وقد كشف لنا الإمام
الصادق (عليه السلام) عن هذه الحقيقة، فقال:
" لن يهلك امرؤ عن مشورة " (2).
وأرشدنا إلى المستشار في الغوامض من العوارض، فقال: " ما يمنع أحدكم
إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلا عاقلا له دين وورع ".
وزاد في شروط الاستشارة والمستشار فقال (عليه السلام): إن المشورة لا تكون
إلا بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلا كانت مضرتها على المستشير أكثر
(1) الوسائل 8: 413، الحديث 3.
(2) الوسائل 8: 408، الحديث 7.
562
من منفعتها، فأولها أن يكون الذي تشاوره عاقلا، والثانية أن يكون حرا متدينا،
والثالثة أن يكون صديقا مؤاخيا، والرابع أن تطلعه على سرك فيكون علمه به
كعلمك بنفسك، ثم يسر لك ويكتمه.
الإكثار من الإخوان:
قال (عليه السلام): إن المرء كثير بأخيه؛ لأنه عون في النوائب، ومواسي في البأساء،
وأنيس في الوحشة، وأليف في الغربة، ومشير عند الحيرة، ومسدد عند السقطة،
وحافظ عند الغيبة.
وقال (عليه السلام): أكثروا من مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند الله يدا يكافيهم بها
يوم القيامة (1).
وقال (عليه السلام): إن العصمة لا تكون في البشر كلهم، فمن الذي لا يخطأ ولا يسهو
ولا يغفل ولا ينسى، فيستحيل أن تظفر بصديق خال من عيب، أو رفيق منزه عن
سقطة، فمن أراد الإكثار من الأصدقاء لا بد له من أن يتغاضى عن عيوبهم، ويتغافل
عن مساوئهم. ومن هذا المنطلق قال الإمام الصادق (عليه السلام): " أنى لك بأخيك كله،
أي الرجال المهذب "، وقال: من لم يؤاخ من لا عيب فيه قل صديقه (2).
باب وجوب أداء حق المؤمن والبر به:
أقول: أنى لنا القيام بهذه الحقوق؟ فإن النفوس الأمارة بالسوء وحب الذات
(1) الوسائل 8: 408، الحديث 7.
(2) بحار الأنوار 78: 278.
563
والأنانية تحول دون القيام بمثل هذه الفضائل.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): " أنظر ما أصبت فعد به على إخوانك " (1).
وقال (عليه السلام): " تقربوا إلى الله بمواساة إخوانكم ".
وللبنت نصيب أيضا في كلام مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث يعظم شأنها
ويرفع من قدرها.
فعن الجارود بن المنذر، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): بلغني أنه ولد لك ابنة
فتسخطها، وما عليك منها، ريحانة تشمها، وقد كفيت رزقها، وقد كان رسول الله
أبا بنات.
وقال (عليه السلام): إن أبي إبراهيم سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه وتندبه بعد موته.
(1) الوسائل 8: 415، الحديث 4.
564
من أقوال الإمام (عليه السلام) الحكمية
ومن أقوال الإمام (عليه السلام) الحكمية وقصار كلماته النورانية، انتخبنا هذه التحف
القدسية الملكوتية، وكل كلامهم (عليهم السلام) نور:
قال (عليه السلام) لولده موسى الكاظم (عليه السلام): يا بني، إفعل الخير إلى كل من طلبه
منك، فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن له بأهل كنت أنت أهله،
وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل منه.
* * *
لا يصلح من لا يعقل، ولا يعقل من لا يعلم، وسوف ينجب (1) من يفهم،
ويظفر من يحلم، والعلم جنة. والصدق عز. والجهل ذل، والفهم مجد. والجود نجح.
وحسن الخلق مجلبة للمودة. والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس. والحزم
مشكاة الظن. والله ولي من عرفه، وعدو من تكلفه. والعاقل غفور، والجاهل
ختور (2). وإن شئت أن تكرم فلن، وإن شئت أن تهان فاخشن. ومن كرم أصله
لان قلبه، ومن خشن عنصره غلظ كبده. ومن فرط تورط. ومن خاف العاقبة
تثبت فيما لا يعلم، ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه، ومن لم يعلم
لم يفهم، ومن لم يفهم لم يسلم، ومن لم يسلم لم يكرم، ومن لم يكرم تهضم،
ومن تهضم كان ألوم، ومن كان كذلك كان أحرى أن يندم. إن قدرت أن لا تعرف
(1) نجب ينجب: نبه وبان فضله على من كان مثله.
(2) ختر: خبث وفسد. والختر: الغدر والخديعة.
565
فافعل. وما عليك إذا لم يثن الناس عليك. وما عليك أن تكون مذموما عند الناس
إذا كنت عند الله محمودا، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: " لا خير في الحياة
إلا لأحد رجلين: رجل يزداد كل يوم فيها إحسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة.
إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل، وإن عليك في خروجك أن لا تغتاب
ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن. صومعة المسلم بيته،
يحبس فيه نفسه وبصره ولسانه وفرجه. إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب
المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها على لسانه.
ثم قال (عليه السلام): كم من مغرور بما أنعم الله عليه، وكم من مستدرج بستر الله
عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه. إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا
من هذه الأمة إلا لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق
المعلن. الحب أفضل من الخوف. والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا،
ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله. كن ذنبا ولا تكن رأسا. قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من خاف كل لسانه.
وقال صلوات الله عليه: من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره.
وقال (عليه السلام): إذا كان الزمان زمان جور، وأهله أهل غدر، فالطمأنينة إلى
كل أحد عجز.
وقال (عليه السلام): إذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فأغضبه، فإن ثبت لك
على المودة، فهو أخوك، وإلا فلا.
566
وقال (عليه السلام): لا تعتد بمودة أحد حتى تغضبه ثلاث مرات.
وقال (عليه السلام): الإسلام درجة، والإيمان على الإسلام درجة، واليقين
على الإيمان درجة، وما أوتي الإنسان أقل من اليقين.
وقال (عليه السلام): إزالة الجبال أهون من إزالة قلب عن موضعه.
وقال (عليه السلام): الرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن. والزهد في الدنيا
راحة القلب والبدن.
وقال (عليه السلام): المؤمن لا يغلبه فرجه، ولا يفضحه بطنه.
وقال (عليه السلام): من تعرض لسلطان (1) جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر عليها
ولم يرزق الصبر عليها.
وقيل له: ما المروءة؟ فقال (عليه السلام): لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك
من حيث أمرك.
(1) أي تصدى لطلب فضله وإحسانه.
567
وسأله رجل أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا والآخرة ولا يطول عليه (1)؟
فقال (عليه السلام): لا تكذب.
وقيل له: ما البلاغة؟ فقال (عليه السلام): من عرف شيئا قل كلامه فيه. وإنما سمي
البليغ لأنه يبلغ حاجته بأهون سعيه.
وقال (عليه السلام): الدين غم بالليل وذل بالنهار.
وقال (عليه السلام): إذا صلح أمر دنياك فاتهم دينك.
وقال (عليه السلام): بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، وعفوا عن نساء الناس تعف
نساؤكم.
وقال (عليه السلام): إذا سلم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم، وإذا رد واحد من القوم
أجزأ عنهم.
وقال (عليه السلام): السلام تطوع، والرد فريضة.
وقال (عليه السلام): من بدأ بكلام قبل سلام فلا تجيبوه.
(1) " ولا يطول " بالتخفيف، أي لا يجعله طويلا بل مختصرا وموجزا.
568
وقال (عليه السلام): إن تمام التحية للمقيم المصافحة، وتمام التسليم على المسافر
المعانقة.
وقال (عليه السلام): تصافحوا، فإنها تذهب بالسخيمة (1).
وقال (عليه السلام): اتق الله بعض التقى وإن قل، ودع بينك وبينه سترا وإن رق.
وقال (عليه السلام): من ملك نفسه إذا غضب وإذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى،
حرم الله جسده على النار.
وقال (عليه السلام): العافية نعمة خفيفة إذا وجدت نسيت، وإذا عدمت ذكرت.
وقال (عليه السلام): لله في السراء نعمة التفضل، وفي الضراء نعمة التطهر.
وقال (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: (إتقوا الله حق تقاته) (2)، قال:
يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وقال (عليه السلام): من عرف الله خاف الله، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا.
(1) السخيمة: الضغينة والحقد في النفس.
(2) سورة آل عمران، آية 97.
569
وقال (عليه السلام): من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله،
وتعطي في الله، وتمنع في الله.
وقال (عليه السلام): إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب، ولولا ذلك
ما ابتلى الله مؤمنا بذنب أبدا.
وقال (عليه السلام): من ساء خلقه عذب نفسه.
وقال (عليه السلام): ليس لإبليس جند أشد من النساء والغضب.
وقال (عليه السلام): الدنيا سجن المؤمن، والصبر حصنه، والجنة مأواه. والدنيا
جنة الكافر، والقبر سجنه، والنار مأواه (1).
وقال (عليه السلام): ليس شيء إلا وله حد. فقال له أبو بصير: جعلت فداك،
فما حد التوكل؟ قال (عليه السلام): اليقين.
فقال أبو بصير: فما حد اليقين؟ قال (عليه السلام): ألا تخاف مع الله شيئا.
وقال (عليه السلام): من صحة يقين المرء المسلم ألا يرضي الناس بسخط الله،
(1) تحف العقول؛ ابن شعبة الحراني: 356 - 363.
570
ولا يلزمهم على ما لم يؤته الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده
كراهة كاره.
وقال (عليه السلام): حسن الظن بالله ألا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك.
وقيل له (عليه السلام): أي الجهاد أفضل؟ فقال: كلمة حق عند إمام ظالم.
وقال (عليه السلام) لأصحابه: لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما فات فتشغلوا أذهانكم
عن الاستعداد لما يأتي.
وقال محمد بن العلاء وإسحاق بن عمار: ما ودعنا أبو عبد الله الصادق (عليه السلام)
قط إلا أوصانا بخصلتين: بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر،
فإنهما مفتاح الرزق.
وقال (عليه السلام):
* ينبغي للعاقل أن يكون مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، عارفا بأهل
زمانه.
* أربع يذهبن ضياعا: مودة تمنح من لا وفاء له، ومعروف يوضع
عند من لا يشكره، وعلم يعلم من لا يستمع له، وسر يودع من لا حصانة له.
* إصلاح المال من الإيمان.
571
* أنفق وأيقن بالخلف، واعلم أنه من لم ينفق في طاعة الله ابتلي بأن ينفق
في معصية الله، ومن لم يمش في حاجة ولي الله ابتلي بأن يمشي في حاجة عدو الله.
* وسئل (عليه السلام) عن الزاهد في الدنيا، فقال: الذي يترك حلالها مخافة حسابه
ويترك حرامها مخافة عذابه.
* ووصفوا عنده رجلا بالدين والفضل والعبادة وغيرها. فقال (عليه السلام):
كيف عقله؟ إن الثواب على قدر العقل.
* وقال لداود الكرخي حينما أراد أن يتزوج: أنظر أين تضع نفسك.
* إصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك من أن تطيع
فيه.
* من لم يكن له واعظ من قلبه، وزاجر من نفسه، ولم يكن له قرين مرشد،
استمكن عدوه من عنقه.
* اجعل قلبك قرينا تزاوله، واجعل علمك والدا تتبعه، واجعل نفسك عدوا
تجاهده، واجعل مالك عارية تردها.
* جاهد هواك كما تجاهد عدوك.
572
* العاقل من كان ذلولا عند إجابة الحق، جموحا عند الباطل، يترك دنياه
ولا يترك دينه. ودليل العاقل شيئان: صدق القول، وصواب العمل.
* الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك.
* وقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك، ما أحب إلي من الناس
من يأكل الجشب، ويلبس الخشن، ويخشع فيرى عليه أثر الخشوع.
فقال (عليه السلام): ويحك، إنما الخشوع في القلب. أو ما علمت أن نبيا ابن نبي
كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب، وكان يجلس ويحكم بين الناس
فما يحتاج الناس إلى لباسه، وإنما احتاجوا إلى قسطه وعدله. كذلك إنما يحتاج الناس
من الإمام إلى أن يقضي بالعدل، إذا قال صدق، وإذا وعد أنجز، وإذا حكم عدل.
إن الله عز وجل لم يحرم لباسا أحله، ولا طعاما ولا شرابا من حلال، وإنما حرم
الحرام قل أو كثر. وقد قال الله عز وجل: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده
والطيبات من الرزق).
* وسئل (عليه السلام) عن رجل دخله الخوف من الله تعالى حتى ترك النساء
والطعام الطيب ولا يقدر أن يرفع رأسه إلى السماء تعظيما لله تعالى؟
فقال (عليه السلام): أما قولك في ترك النساء فقد علمت ما كان لرسول الله منهن،
وأما قولك في ترك الطعام الطيب فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل اللحم والعسل،
وأما قولك دخله الخوف من الله حتى لا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء،
فإنما الخشوع في القلب، ومن ذا يكون أخشع وأخوف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
573
فما كان هذا يفعل؟!! وقد قال الله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر) (1).
* وقال (عليه السلام): إن عليا كان يقول: ينبغي للرجل إذا أنعم الله عليه بنعمة
أن يرى أثرها عليه في ملبسه ما لم يكن شهرة.
* وسأله رجل فقال: يا بن رسول الله، هل يعد من السرف أن يتخذ الرجل
ثيابا كثيرة يتجمل بها، ويصون بعضها من بعض؟
فقال (عليه السلام): لا، ليس هذا من السرف.
* وقال (عليه السلام): أربع خصال يسود بها المرء: العفة، والأدب، والجود،
والعقل.
* وقال (عليه السلام): لا مال أعود من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل،
ولا ورع....
* وقال الصادق (عليه السلام): لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من الله،
ولا عتب على من دان بولاية إمام عدل من الله.
* وعن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام):
ما الزهد في الدنيا؟ قال: تنكب حرامها.
* وقال (عليه السلام): كونوا دعاة الناس بأعمالكم، ولا تكونوا دعاة بألسنتكم.
(1) الأحزاب: 21.
574
* وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): من مات في طريق مكة ذاهبا أو جائيا
أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة (1).
* عمار الساباطي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الصدقة في السر والله أفضل
من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل منها في العلانية (2).
* عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: صلاة الفريضة أفضل من عشرين حجة،
وحجة خير من بيت مملوء من الذهب يتصدق به (3).
* وعنه (عليه السلام): من رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل،
ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وزكت مكسبته وخرج من حد العجز.
* السري بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا أراد الله بعبد خيرا
عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوءا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافى بها
يوم القيامة.
* الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن عظيم
(1) الوافي: 426.
(2) الوافي: 284.
(3) الوافي: 447.
575
البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، وإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي
فله الرضا عند الله عز وجل، ومن سخط فله السخط.
* قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): ما حد حسن الخلق؟ قال: تلين جانبك
وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر حسن.
* روي عن الأوزاعي، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه (عليهما السلام)،
قال: من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كتب له
عشر حسنات، فإن شهد أن محمدا رسول الله كتب له ألفا ألف حسنة.
* روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خير العبادة قول: لا إله إلا الله.
* روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من قال: لا إله إلا الله مخلصا
دخل الجنة، وإخلاصه بها أن يحجزه " لا إله إلا الله " عما حرم الله
عز وجل.
* قال (عليه السلام): الاستقصاء فرقة، والانتقاد عداوة، وقلة الصبر فضيحة،
وإفشاء السر سقوط، والسخاء فطنة، واللوم تغافل.
* لا تشاور أحمق، ولا تستعن بكذاب، ولا تثق بمودة ملول. فإن الكذاب
576
يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب. والأحمق يجهد لك نفسه ولا يبلغ ما تريد.
والملول أوثق ما كنت به خذلك وأوصل ما كنت له قطعك.
* وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: الذنوب التي
تغير النعم: البغي، والذنوب التي تورث الندم: القتل، والذنوب التي تنزل النقم:
الظلم، والذنوب التي تهتك العصم (الستر): شرب الخمر، والذنوب التي
تحبس الرزق: الزنا، والذنوب التي تعجل الفناء: قطيعة الرحم، والذنوب التي
تظلم الهواء (1) وتحبس الدعاء: عقوق الوالدين.
والأئمة (عليهم السلام) جميعا كلامهم حجة، ومنطقهم نور، لأنهم أخذوا العلم
من معدنه: الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا
وحي يوحى، ولإمامنا الصادق (عليه السلام) كلمات نورانية - وكل كلامهم (عليهم السلام) نور
وحكم - تكشف عن اتصاله بآبائه الأطهار وجده المصطفى الأمين اتصالا عضويا
هو سر السلسلة العلوية المباركة.
فعن الاثنين قوله (عليه السلام):
أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: أن تدين لله بالباطل، وتفتي الناس
بما لا تعلم (2).
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: الحج حجان: حج لله، وحج للناس.
(1) إشارة إلى دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) (يا شاهد كل نجوى) المروي عنه في ليلة عرفة.
(2) البحار 2: 114.
577
فمن حج لله كان ثوابه على الله الجنة، ومن حج للناس كان ثوابه على الناس
يوم القيامة.
وعن الثلاثة قوله (عليه السلام):
لا يصلح المؤمن إلا على ثلاث خصال: التفقه في الدين، وحسن التقدير
في المعيشة، والصبر على النائبة (1).
قال أبو عبد الله (عليه السلام): الحاج يصدرون عن ثلاثة أصناف: صنف يعتق
من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله
وعياله، فذاك أدنى ما يرجع به الحاج.
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال
أمير المؤمنين علي (عليه السلام): إن للمرء المسلم ثلاثة أخلاء: فخليل يقول له: " أنا معك
حيا وميتا " وهو عمله، وخليل يقول له: " أنا معك حتى تموت " وهو ماله،
فإذا مات صار إلى الورثة، وخليل يقول له: " أنا معك إلى باب قبرك ثم أخليك "
وهو ولده (2).
وعنه (عليه السلام): لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث:
(1) البحار 78: 240.
(2) معاني الأخبار: 232.
578
الفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا.
وعنه (عليه السلام): لا يعد العاقل عاقلا حتى يستكمل ثلاثا: إعطاء الحق من نفسه
على حال الرضا والغضب، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه، واستعمال الحلم
عند العثرة.
وعنه (عليه السلام): لا تدوم النعم إلا بعد ثلاث: معرفة بما يلزم لله سبحانه فيها،
وأداء لشكرها، والتعب فيها.
وعنه (عليه السلام): قوام الدنيا بثلاثة أشياء: النار، والملح، والماء.
وعنه (عليه السلام): لا تطيب السكنى إلا بثلاث: الهواء الطيب، والماء الغزير العذب،
والأرض الخوارة.
وعنه (عليه السلام): لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليهم في أمر دنياهم
وآخرتهم، فإن عدموا ذلك كانوا همجا: فقيه عالم ورع، وأمير خير مطاع،
وطبيب بصير ثقة.
وعنه (عليه السلام): يمتحن الصديق بثلاث خصال: فإن كان مؤاتيا فيها فهو الصديق
المصافي وإلا كان صديق رخاء لا صديق شدة: تبتغي منه مالا، أو تأمنه على مال،
أو تشاركه في مكروه.
579
وعنه (عليه السلام): إن يسلم الناس من ثلاثة أشياء كانت سلامة شاملة: لسان
السوء، ويد السوء، وفعل السوء.
وعنه (عليه السلام): أفضل الملوك من أعطي ثلاث خصال: الرأفة، والجود، والعدل.
وعنه (عليه السلام): من طلب ثلاثة بغير حق حرم ثلاثة بحق: من طلب الدنيا
بغير حق حرم الآخرة بحق، ومن طلب الرئاسة بغير حق حرم الطاعة له بحق،
ومن طلب المال بغير حق حرم بقاءه له بحق.
وعنه (عليه السلام): من كانت فيه خلة من ثلاثة انتظمت فيه ثلاثتها في تفخيمه
وهيبته وجماله: من كان له ورع، أو سماحة، أو شجاعة.
وعنه (عليه السلام): إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها
وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصن.
وعنه (عليه السلام): كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خلال يجتلب بها المكسب،
وهي: أن يكون حاذقا بعمله، مؤديا للأمانة فيه، مستميلا لمن استعمله.
وعنه (عليه السلام): يجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء: شكرهما على كل حال،
وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله، ونصيحتهما في السر
والعلانية.
580
وعنه (عليه السلام): وتجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته،
وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه.
وعنه (عليه السلام): تحتاج الإخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن استعملوها
وإلا تباينوا وتباغضوا، وهي: التناصف، والتراحم، ونفي الحسد.
وعنه (عليه السلام): إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن
عليهم وشماتة الأعداء بهم، وهي: ترك الحسد فيما بينهم لئلا يتحزبوا فيتشتت
أمرهم، والتواصل ليكون ذلك حاديا لهم على الألفة، والتعاون لتشملهم العزة.
وعنه (عليه السلام): كمال العقل في ثلاث: التواضع لله، وحسن الخلق، والصمت
إلا من خير.
وعنه (عليه السلام): الجهل في ثلاث: الكبر، وشدة المراء، والجهل بالله.
وعنه (عليه السلام): ومن لم تكن فيه خصلة من ثلاثة لم يعد نبيلا: من لم يكن له
عقل يزينه، أو جدة تغنيه، أو عشيرة تعضده.
وعنه (عليه السلام): لا يكون الأمين أمينا حتى يؤتمن على ثلاث فيؤديها:
على الأموال والأسرار والفروج، وإن حفظ اثنين وضيع واحدة فليس بأمين.
581
وعنه (عليه السلام): لا يكون الجواد جوادا إلا بثلاثة: يكون سخيا بماله على حال
اليسر والعسر، وأن يبذله للمستحق، ويرى أن الذي أخذه من شكر الذي أسدى
إليه أكثر مما أعطاه.
وعنه (عليه السلام): العلم ثلاثة: آية محكمة، وفريضة عادلة، وسنة قائمة.
وعنه (عليه السلام): النجاة في ثلاث: تمسك عليك لسانك، ويسعك بيتك،
وتندم على خطيئتك.
وعنه (عليه السلام): الأنس في ثلاث: في الزوجة الموافقة، والولد البار،
والصديق المصافي.
وعنه (عليه السلام): الرجال ثلاثة: عاقل، وأحمق، وفاجر. فالعاقل إن كلم أجاب
وإن نطق أصاب وإن سمع وعى، والأحمق إن تكلم عجل وإن حدث ذهل وإن حمل
على القبيح فعل، والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حدثته شانك.
وعنه (عليه السلام): الإخوان ثلاثة: فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كل وقت
فهو العاقل، والثاني في معنى الداء وهو الأحمق، والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب.
وعنه (عليه السلام): النساء ثلاثة: فواحدة لك، وواحدة لك وعليك، وواحدة عليك
582
لا لك. فأما التي هي لك فالمرأة العذراء، وأما التي هي لك وعليك فالثيب،
وأما التي هي عليك لا لك فهي المتبع التي لها ولد من غيرك.
وعنه (عليه السلام): الإخوان ثلاثة: مواس بنفسه، وآخر مواس بماله، وهما
الصادقان في الإخاء، وآخر يأخذ منك البلغة ويريدك لبعض اللذة، فلا تعده
من أهل الثقة.
وعنه (عليه السلام): الناس ثلاثة: جاهل يأبى أن يتعلم، وعالم قد شفه علمه،
وعاقل يعمل لدنياه وآخرته.
وعنه (عليه السلام): إحذر من الناس ثلاثة: الخائن، والظلوم، والنمام. لأن من خان
لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نم إليك سينم عليك.
وعنه (عليه السلام): الناس كلهم ثلاث طبقات: سادة مطاعون، وأكفاء متكافئون،
وأناس متعادون.
وعنه (عليه السلام): الأيام ثلاثة: فيوم مضى لا يدرك، ويوم الناس فيه فينبغي
أن يغتنموه، وغدا إنما في أيديهم أمله.
وعنه (عليه السلام): من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الإيمان: حلم يرد به
جهل الجاهل، وورع يحجزه عن طلب المحارم، وخلق يداري به الناس.
583
وعنه (عليه السلام): لا يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها الله له
في حياته فهي تجري له بعد موته، وسنة هدى يعمل بها، وولد صالح يدعو له.
وعنه (عليه السلام): وإن أشد ما افترض الله على خلقه، ثلاث: إنصاف المؤمن
من نفسه حتى لا يرضى لأخيه المؤمن من نفسه إلا بما يرضى لنفسه، ومواساة
الأخ المؤمن في المال، وذكر الله على كل حال، وليس سبحان الله، والحمد لله،
ولكن عما حرم الله عليه فيدعه.
أقول: حقا أن تكون هذه الثلاث من أشق الأعمال على المرء؛ لأنها
تخالف الغرائز وحب الذات، والبر غصن من المواساة.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ثلاثة هن فخر المؤمن وزينته في الدنيا والآخرة:
الصلاة في آخر الليل، ويأسه مما في أيدي الناس، وولاية الإمام من
آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
وقال (عليه السلام): ثلاثة لا بد من أدائهن على كل حال، الأمانة إلى البر والفاجر،
والوفاء بالعهد إلى البر والفاجر، وبر الوالدين برين أو فاجرين (2).
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: ثلاثة في حرز الله إلى أن يفرغ الله
(1) البحار 75: 107.
(2) مستدرك الوسائل 2: 505.
584
من الحساب: رجل لم يزن قط، ورجل لم يشب ماله بربا، ورجل لم يسع
فيهما قط (1).
عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، قال: ثلاث هن قاصمات الظهر:
رجل استكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأعجب برأيه (2).
عبيد الله بن الوليد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث لا يضر معهن
شيء: الدعاء عند الكرب، والاستغفار عند الذنب، والشكر عند النعمة (3).
سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ثلاثة من أتى الله بواحدة
منهن، أوجب الله له الجنة: الإنفاق من إقتار، والبشر لجميع العالم، والإنصاف
من نفسه (4).
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثلاثة لا يدخلون الجنة: السفاك للدم، وشارب
الخمر، ومشاء بالنميمة (5).
(1) الخصال: 79.
(2) معاني الأخبار؛ للشيخ الصدوق: 342.
(3) الكافي: 270.
(4) الكافي: 274.
(5) الخصال: 142.
585
وقال (عليه السلام): ثلاث فيهن المقت من الله عز وجل: نوم من غير سهر،
وضحك من غير عجب، وأكل على الشبع (1).
وقال (عليه السلام): ثلاثة أشياء يحتاج الناس طرا إليها: الأمن، والعدل،
والخصب.
وقال (عليه السلام): ثلاثة تكدر العيش: السلطان الجائر، والجار السوء، والمرأة
البذية.
وقال (عليه السلام): ثلاثة تعقب الندامة: المباهاة، والمفاخرة، والمعازة (2).
وقال (عليه السلام): ثلاثة مركبة في بني آدم: الحسد، والحرص، والشهوة.
وقال (عليه السلام): ثلاثة تورث الحرمان: الإلحاح في المسألة، والغيبة، والهزء.
وقال (عليه السلام): ثلاث خلال يقول كل إنسان إنه على صواب منها: دينه
الذي يعتقده، وهواه الذي يستعلي عليه، وتدبيره في أموره.
(1) البحار 76: 58.
(2) المعازة: المعارضة في العز.
586
وقال (عليه السلام): ثلاثة يستدل بها على إصابة الرأي: حسن اللقاء، وحسن
الاستماع، وحسن الجواب.
وقال (عليه السلام): ثلاثة ليس معهن غربة: حسن الأدب، وكف الأذى، ومجانبة
الريب.
وقال (عليه السلام): ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه
غضبه من الحق، وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، ومن إذا قدر عفا.
وقال (عليه السلام): ثلاث خصال يحتاج إليها صاحب الدنيا: الدعة من غير توان،
والسعة مع قناعة، والشجاعة من غير كسل.
وقال (عليه السلام): ثلاثة أشياء لا ينبغي للعاقل أن ينساهن على كل حال:
فناء الدنيا، وتصرف الأحوال، والآفات التي لا أمان لها.
وقال (عليه السلام): ثلاثة أشياء تدل على عقل فاعلها: الرسول على قدر من
أرسله، والهدية على قدر مهديها، والكتاب على قدر كاتبه.
وقال (عليه السلام): ثلاث من ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل: نعمة مولية،
وزوجة فاسدة، وفجيعة بحبيب.
587
وقال (عليه السلام): ثلاث خصال من رزقها كان كاملا: العقل، والجمال، والفصاحة.
وقال (عليه السلام): من لم يرغب في ثلاث ابتلي بثلاث: من لم يرغب في السلامة
ابتلي بالخذلان، ومن لم يرغب في المعروف ابتلي بالندامة، ومن لم يرغب
في الاستكثار من الإخوان ابتلي بالخسران.
وقال (عليه السلام): من برئ من ثلاثة نال ثلاثة: من برئ من الشر نال العز،
ومن برئ من الكبر نال الكرامة، ومن برئ من البخل نال الشرف.
وقال (عليه السلام): من رزق ثلاثا نال ثلاثا، وهو الغني الأكبر: القناعة بما أعطي،
واليأس مما في أيدي الناس، وترك الفضول.
وقال (عليه السلام): من وثق بثلاثة كان مغرورا: من صدق بما لا يكون، وركن
إلى من لا يثق به، وطمع في ما لا يملك.
وقال (عليه السلام): ثلاثة من تمسك بهن نال من الدنيا والآخرة بغيته: من اعتصم
بالله، ورضي بقضاء الله، وأحسن الظن بالله.
وقال (عليه السلام): ثلاثة من فرط فيهن كان محروما: استماحة جواد، ومصاحبة
عالم، واستمالة سلطان.
588
وقال (عليه السلام): ثلاثة تورث المحبة: الدين، والتواضع، والبذل.
وقال (عليه السلام): ثلاثة مكسبة للبغضاء: النفاق، والظلم، والعجب.
وقال (عليه السلام): ثلاثة تزري بالمرء: الحسد، والنميمة، والطيش.
وقال (عليه السلام): ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا
عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا أخ إلا عند الحاجة.
وقال (عليه السلام): ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى: من إذا حدث
كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان.
وقال (عليه السلام): ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر، والنكث، والبغي.
وذلك قول الله: (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)، (فانظر كيف كان عاقبة
مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين)، وقال جل وعز: (ومن نكث فإنما
ينكث على نفسه)، وقال: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة
الدنيا).
وقال (عليه السلام): ثلاث من كن فيه كان سيدا: كظم الغيظ، والعفو عن المسئ،
والصلة بالنفس والمال.
589
وقال (عليه السلام): ثلاثة لا بد لهم من ثلاث: لا بد للجواد من كبوة، وللسيف
من نبوة، وللحليم من هفوة.
وقال (عليه السلام): ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمة، وقلة الحيلة،
وضعف الرأي.
وقال (عليه السلام): ثلاثة لا يعذر المرء فيها: مشاورة ناصح، ومداراة حاسد،
والتحبب إلى الناس.
وقال (عليه السلام): ثلاث من ابتلي بواحدة منهن تمنى الموت: فقر مدقع،
وحرمة فاضحة، وعدو غالب.
وقال (عليه السلام): ثلاث يجب على كل إنسان تجنبها: مقارنة الأشرار، ومحادثة
النساء، ومجالسة أهل البدع.
وقال (عليه السلام): ثلاثة تدل على كرم المرء: حسن الخلق، وكظم الغيظ،
وغض الطرف.
وقال (عليه السلام): ثلاثة من استعملها أفسد دينه ودنياه: من ساء ظنه، وأمكن
من سمعه، وأعطى قياده حليلته.
590
وأما عن الأربعة فله فيها أقوال، منها:
قال (عليه السلام): أربع خصال يسود بها المرء: العفة، والأدب، والجود، والعقل.
وقال (عليه السلام): أربعة لا تشبع من أربعة: أرض من مطر، وعين من نظر،
وأنثى من ذكر، وعالم من علم.
وقال (عليه السلام): أربعة تهرم قبل أوان الهرم: أكل القديد، والقعود على النداوة،
والصعود في الدرج، ومجامعة العجوز.
وقال (عليه السلام): من أعطي أربعا لم يحرم أربعا: من أعطي الدعاء لم يحرم
الإجابة، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم التوبة، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة،
ومن أعطي الصبر لم يحرم الأجر.
وقال (عليه السلام): خلق الله العقل من أربعة أشياء: من العلم، والقدرة، والنور،
والمشيئة بالأمر، فجعله قائما بالعلم دائما في الملكوت.
وقال (عليه السلام): أربعة من أخلاق الأنبياء (عليهم السلام): البر، والسخاء، والصبر
على النائبة، والقيام بحق المؤمن.
وقال في الخمسة:
قال (عليه السلام): خمس من لم يكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع: الدين، والعقل،
591
والأدب، والحرية، وحسن الخلق.
وقال (عليه السلام): خمس من لم تكن فيه لم يتهنأ بالعيش: الصحة، والأمن، والغنى،
والقناعة، والأنيس الموافق.
وعن محمد بن مسلم، عن الصادق، عن أبيه، قال: قال أبي علي
ابن الحسين (عليهم السلام): يا بني، أنظر خمسة، فلا تصاحبهم ولا تحادثهم، ولا ترافقهم
- في الطريق. فقال: يا أبه، من هم عرفنيهم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب؛
فإنه بمنزلة السراب، يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق؛
فإنه بائعك بأكلة أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل؛ فإنه يخذلك في ماله
أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك،
وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه؛ فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في
ثلاث مواضع، قال الله عز وجل: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض
وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله)، وقال عز وجل: (الذين ينقضون
عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك
لهم اللعنة ولهم سوء الدار)، وقال في سورة البقرة: (الذين ينقضون عهد الله
من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم...).
وفي الثمانية، قوله (عليه السلام):
ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز، صبور
عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحمل
الأصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة.
592
الفصل السابع والعشرون
تهجده ودعاؤه
لئن فات الإمام الصادق (عليه السلام) معاينة عبادة جديه، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد شاهد عبادة جده علي بن الحسين (عليهما السلام)، الذي لقب بها،
فصار لا يعرف إلا بزين العابدين، والسجاد، وذي الثفنات.
والإمام الصادق غصن الشجرة العلوية، وفرع من الدوحة الهاشمية،
وقد تحدث أصحاب السير والتأريخ عن عبادته، وكتبوا الكثير عنها.
قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: [الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)]
من عظماء أهل البيت وساداتهم. ذو علوم جمة، وعبادة موقرة، وأوراد متواصلة،
وزهادة بينة، وتلاوة كثيرة. يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحر
جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على الطاعات بحيث يحاسب نفسه.
رؤيته تذكر بالآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث
الجنة (1).
وقال أبو الفتح الإربلي:
(1) مطالب السؤول 2: 55.
593
[الإمام الصادق] وقف نفسه الشريفة على العبادة، وحبسها على الطاعة
والزهادة، واشتغل بأوراده وتهجده وتعبده (1).
وقال أبو نعيم الأصبهاني: أقبل [الإمام الصادق] على العبادة والخضوع،
وآثر العزلة والخشوع (2).
وقال سبط ابن الجوزي: قال علماء السير: كان [الإمام الصادق] قد اشتغل
بالعبادة عن طلب الرئاسة (3).
وقال سيد الأهل في صفته: [الإمام الصادق] يعلم الزهاد زهدا... الخ (4).
وقال مالك بن أنس - إمام المذهب -: جعفر بن محمد، اختلفت إليه زمانا،
فما كنت أراه إلا على إحدى خصال ثلاث: إما مصل، وإما قائم، وإما يقرأ
القرآن (5).
قال منصور الصيقل: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) ساجدا في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فجلست حتى أطلت، ثم قلت: لأسبحن ما دام ساجدا، فقلت: " سبحان الله ربي
وبحمده، أستغفر الله ربي وأتوب إليه " ثلاثمائة ونيفا وستين مرة، فرفع رأسه (6).
هذه عبادته وهذا تهجده ودعاؤه، وإليك نماذج من دعائه:
(1) كشف الغمة: 240.
(2) حلية الأولياء 3: 192.
(3) تذكرة الخواص: 192.
(4) كتابه: جعفر بن محمد: 6.
(5) تهذيب التهذيب 2: 105.
(6) أعيان الشيعة 4 ق 2: 138.
594
دعاؤه (عليه السلام) في الصباح:
"... اللهم، إهدني فيمن هديت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك.
ولا يذل من واليت، تباركت وتعاليت. سبحانك رب البيت، تقبل مني دعائي، وما تقربت
به إليك، فضاعفه لي أضعافا مضاعفة كثيرة، وآتنا من لدنك رحمة، وأجرا عظيما. رب،
ما أحسن ما ابتليتني، وأعظم ما أعطيتني، وأطول ما عافيتني، وأكثر ما سترت علي.
فلك الحمد يا إلهي، كثيرا طيبا مباركا عليه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء
ما شاء ربي، كما يحب ويرضى، وكما ينبغي لوجه ربي ذي الجلال والإكرام... " (1).
" الحمد لله، الذي يفعل ما يشاء، ولا يفعل ما يشاء غيره. الحمد لله، كما يحب الله
أن يحمد. الحمد لله كما هو أهله. اللهم؛ أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد،
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد. وصلى الله على محمد
وآل محمد... " (2).
"... اللهم ارزقني من فضلك، ولا تجعل لي حاجة إلى أحد من خلقك. اللهم ألبسني
العافية، وارزقني عليها الشكر. يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا الله الذي لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد. يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مالك الملك، ورب الأرباب،
وسيد السادات. يا الله، لا إله إلا أنت. اشفني بشفائك من كل داء وسقم، فإني عبدك،
وابن عبدك، أتقلب في قبضتك... " (3).
(1) أصول الكافي 2: 530.
(2) أصول الكافي 2: 529.
(3) أصول الكافي 2: 529.
595
دعاؤه (عليه السلام) عند النوم:
" أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله.
أعوذ بعظمة الله، وأعوذ بعزة الله، وأعوذ بقدرة الله، وأعوذ بجلال الله، وأعوذ
بسلطان الله. إن الله على كل شيء قدير. وأعوذ بعفو الله، وأعوذ بغفران الله،
وأعوذ برحمة الله، من شر السامة والهامة (1)، ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة،
بليل أو نهار، ومن شر فسقة الجن والإنس، ومن شر فسقة العرب والعجم، ومن
شر الصواعق والبرد... اللهم صل على محمد عبدك ورسولك... " (2).
دعاؤه (عليه السلام) عند الانتباه من النوم:
" اللهم أعني على هول المطلع، ووسع علي ضيق المضجع، وارزقني خير
ما قبل الموت، وارزقني خير ما بعد الموت... " (3).
دعاؤه (عليه السلام) في الحجب من الأعداء:
اللهم إليك المفزع، وأنت الثقة، فاقمع عني من أرادني، واغلب لي من كادني.
يا من قال: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم). يا من نجى نوحا من القوم الظالمين.
(1) السامة: ما يسم به، ولا يقتل كالعقرب والزنبور. والهامة: ما يسم ويقتل، وقد تطلق على
كل ما يدب.
(2) أصول الكافي 2: 237.
(3) أصول الكافي 2: 539.
596
يا من نجى لوطا من القوم الفاسقين. يا من نجى هودا من القوم العادين. يا من نجى محمدا
صلى الله عليه وآله من القوم الكافرين، نجني من أعدائي وأعدائك، بأسمائك. يا رحمن،
يا رحيم، لا سبيل لهم على من تعوذ بالقرآن، واستجار بالرحيم الرحمن. الرحمن على العرش
استوى، إن بطش ربك لشديد، إنه هو يبدئ ويعيد، وهو الغفور الودود، ذو العرش
المجيد، فعال لما يريد، فإن تولوا، فقل: حسبي الله؛ لا إله إلا هو، عليه توكلت
وهو رب العرش العظيم... " (1).
الدعاء الذي يعوذ به نفسه:
"... اللهم؛ من أرادني وأهلي وولدي وأهل حزانتي بشر أو ضر فاقمع رأسه،
واعقل لسانه، والجم فاهه، وحل بيني وبينه كيف شئت، وأنى شئت، اجعلنا منه
ومن كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنك على صراط مستقيم، في حجابك الذي لا يرام،
وفي سلطانك الذي لا يستظام، فإن حجابك منيع، وجارك عزيز، وأمرك غالب،
وسلطانك قاهر، وأنت على كل شيء قدير... " (2).
دعاؤه في الوقاية من السلطان:
" اللهم صل على محمد وآل محمد، وخذ بناصية من أخافه - وكان يسميه باسمه -
وذلل لي صعبه، وسهل لي قياده، ورد عني نافرة قلبه، وارزقني خيره، واصرف عني شره،
فإني بك أعوذ وألوذ، وبك أثق، وعليك أعتمد وأتوكل، فصل على محمد وآل محمد،
(1) المصباح: 216 - 217. البلد الأمين: 549.
(2) المصباح: 140.
597
واصرفه عني فإنك غياث المستغيثين، ومجير المستجيرين، وملجأ اللاجئين، وأرحم
الراحمين... " (1).
دعاؤه في الوقاية من الخوف والهم:
" اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، عدل في حكمك،
ماض في قضاؤك، اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا
من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل
القرآن نور بصري، وربيع قلبي، وجلاء عيني، وذهاب همي، الله، الله ربي لا أشرك به
شيئا... " (2).
دعاؤه في التحرز من المنصور:
روى إبراهيم بن جبلة، قال: لما بلغته برسالة المنصور، سمعته يدعو
بهذا الدعاء:
" اللهم، أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، واتكالي في كل أمر نزل بي،
عليك ثقتي، وبك عدتي، كم من كرب تضعف فيه القوى، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه
القريب، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، راغبا فيه إليك عمن سواك،
ففرجته، وكشفته، فأنت ولي كل نعمة، ومنتهى كل حاجة، لك الحمد كثيرا، ولك المن
فاضلا... ".
قال إبراهيم: ولما قدمت للإمام راحلته ليركب، سمعته يدعو بهذا الدعاء:
(1) البلد الأمين: 154 - 155.
(2) أصول الكافي 2: 561.
598
" اللهم، بك أستفتح، وبك أستنجح، وبمحمد صلى الله عليه وآله أتوجه، اللهم،
أذلل لي حزونته وكل حزونة، وسهل لي صعوبته وكل صعوبة، وارزقني من الخير
فوق ما أرجو، واصرف عني من الشر فوق ما أحذر، فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت،
وعندك أم الكتاب... " (1).
ومن دعائه عندما دخل على المنصور الدوانيقي:
" اللهم، يا عدتي عند شدتي، ويا غوثي عند كربتي، احرسني بعينك التي لا تنام،
واكنفني بركنك الذي لا يضام، واغفر لي بقدرتك علي، رب لا أهلك وأنت رجائي.
اللهم، إنك أكبر وأجل وأقدر مما أخاف وأحذر.
اللهم، بك أدرأ في نحره، وأستعيذ بك من شره، إنك على كل شيء قدير " (2).
دعاؤه في يوم الجمعة:
" يا من يرحم من لا يرحمه العباد، ويا من يقبل من لا تقبله البلاد، ويا من لا يحتقر
أهل الحاجة إليه، ويا من لا يخيب الملحين عليه، ويا من لا يجبه بالرد أهل الدالة عليه،
ويا من يجتبي صغير ما يتحف به، ويشكر يسير ما يعمل له، ويا من يشكر بالقليل،
ويجازي بالجليل، ويا من يدني من دنا منه، ويا من يدعو إلى نفسه من أدبر عنه،
ويا من لا يغير النعمة، ولا يبادر بالنقمة، ويا من يثمر الحسنة حتى ينميها، ويتجاوز
عن السيئة حتى يعفيها، انصرفت الآمال دون مدى كرمك بالحاجات، وامتلأت بفيض
جودك أوعية الطلبات، وتفتحت دون بلوغ نعتك الصفات، فلك العلو الأعلى فوق
كل عال، والجلال الأمجد فوق كل جلال، كل جلال عندك صغير، وكل شريف في
(1) مهج الدعوات: 232.
(2) نفس المصدر: 236.
599
جنب شرفك حقير، خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون إلا لك، وضاع الملمون
إلا بك، وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك، بابك مفتوح للراغبين، وجودك مباح
للسائلين، وإغاثتك قريبة من المستغيثين، لا يخيب منك الآملون، ولا ييأس من عطائك
المتعرضون، ولا يشقى بنقمتك المستغفرون، رزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك متعرض
لمن ناواك، عادتك الإحسان إلى المسيئين، وسنتك الإبقاء على المعتدين، حتى لقد غرتهم
أناتك عن الرجوع، وصدهم إمهالك عن النزوع، وإنما تأنيت بهم ليفيئوا إلى أمرك،
وأمهلتهم ثقة بدوام ملكك، فمن كان من أهل السعادة ختمت له بها، ومن كان من
أهل الشقاوة خذلته بها، كلهم صائرون إلى حكمك، وأمورهم آيلة إلى أمرك، لم يهن
على طول مدتهم سلطانك، ولم يدحض لترك معاجلتهم برهانك، حجتك قائمة لا تدحض،
وسلطانك ثابت لا يزول، فالويل الدائم لمن جنح عنك، والخيبة الخاذلة لمن خاب منك،
والشقاء الأشقى لمن اغتر بك ".
دعاؤه في رجب:
" يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه من كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل،
يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة،
أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا، وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك
جميع شر الدنيا، وجميع شر الآخرة، فإنه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك
يا كريم... ".
" يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا النعماء والجود، يا ذا المن والطول، حرم شبابي وشيبتي
على النار... " (1).
(1) إقبال الأعمال: 644.
600
دعاؤه في ليلة النصف من شعبان:
" يا من إليه ملجأ العباد في المهمات، وإليه يفزع الخلق في الملمات، يا عالم الجهر
والخفيات، ويا من لا يخفى عليه خواطر الأوهام، وتصرف الخطرات، يا رب الخلائق
والبريات، يا من بيده ملكوت الأرضين والسماوات، أنت الله لا إله إلا أنت، أمت إليك
بلا إله إلا أنت، فيا لا إله إلا أنت، إجعلني في هذه الليلة، ممن نظرت إليه فرحمته،
وسمعت دعاءه فأجبته، وعلمت استقالته فأقلته، وتجاوزت عن سالف خطيئته،
وعظيم جريرته، فقد استجرت بك من ذنوبي ولجأت إليك في ستر عيوبي.
الله فجد علي بكرمك وفضلك، واحطط خطاياي بحلمك وعفوك، وتغمدني
في هذه الليلة بسابغ كرامتك، واجعلني فيها من أوليائك الذين اجتبيتهم لطاعتك،
واخترتهم لعبادتك، وجعلتهم خالصتك وصفوتك.
اللهم اجعلني ممن سعد جده، وتوفر من الخيرات حظه، واجعلني ممن سلم فنعم،
وفاز فغنم، واكفني شر ما أسلفت، واعصمني من الازدياد في معصيتك، وحبب إلي طاعتك،
وما يقربني لديك، وما يزلفني عندك، سيدي إليك يلجأ الهارب، ومنك يلتمس الطالب،
وعلى كرمك يعول المستقيل التائب، أدبت عبادك بالتكرم، وأنت أكرم الأكرمين،
وأمرت بالعفو عبادك، وأنت الغفور الرحيم... " (1).
دعاؤه في الليلة الأولى من شهر رمضان:
" اللهم رب شهر رمضان، منزل القرآن... هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه
القرآن، وجعلت فيه بينات من الهدى والفرقان، اللهم ارزقنا صيامه، وأعنا على قيامه،
(1) إقبال الأعمال: 696، البلد الأمين: 174.
601
اللهم سلمه لنا، وسلمنا فيه، وتسلمه منا في يسر منك وعافية، واجعل فيما تقضي وتقدر
من الأمر الحكيم، في ليلة القدر، من القضاء المبرم الذي لا يرد ولا يبدل، أن تكتبني
من حجاج بيتك الحرام، المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفورة ذنوبهم، المكفر عنهم
سيئاتهم، واجعل فيما تقضي وتقدر أن تطيل عمري، وتوسع علي من الرزق الحلال... " (1).
دعاؤه عند حضور شهر رمضان:
"... اللهم يا ذا المن والفضل، والمحامد التي لا تحصى، صل على محمد وآل محمد،
واقبل توبتي، ولا تردها لكثرة ذنوبي، وما أسرفت على نفسي حتى لا أرجع في ذنب
تبت إليك منه، فاجعلها يا عزيز توبة نصوحا صادقة مبرورة لديك مقبولة، مرفوعة
عندك، في خزائنك التي ذخرتها لأوليائك حين قبلتها منهم، ورضيت بها عنهم... " (2).
دعاؤه في ليالي شهر رمضان:
" اللهم؛ من طلب حاجته إلى أحد من المخلوقين، فإني لا أطلب حاجتي إلا منك،
أسألك بفضلك ورضوانك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل لي من عامي هذا،
إلى بيتك الحرام سبيلا، حجة مبرورة، مقبولة زاكية، خالصة لك، تقر بها عيني، وترفع بها
درجتي، وترزقني أن أغض بصري، وأن أحفظ فرجي، وأن أكف عن جميع محارمك،
حتى لا يكون شيء آثر عندي من طاعتك وخشيتك، والعمل بما أحببت، والترك لما كرهت
ونهيت عنه، واجعل ذلك في يسر ويسار منك وعافية، وأوزعني شكر ما أنعمت به علي...
اللهم اجعل لي مع الرسول سبيلا... " (3).
(1) إقبال الأعمال: 47.
(2) إقبال الأعمال: 62.
(3) الأقبال: 24.
602
من أدعيته في أيام شهر رمضان:
" يا أجود من أعطى، ويا خير من سئل، ويا أرحم من استرحم، يا واحد، يا أحد،
يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا،
يا من يفعل ما يشاء، ويحكم بما يريد، ويقضي بما أحب، يا من يحول بين المرء وقلبه،
يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شيء، يا حكيم، يا سميع، يا بصير،
صل على محمد وآله، وأوسع علي من رزقك الحلال، ما أكفي به وجهي، وأؤدي به عني
أمانتي، وأصل به رحمي، ويكون عونا لي على الحج والعمرة... " (1).
" يا من أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لم يهتك الستر، ولم يأخذ بالجريرة،
يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب
كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، يا مقيل العثرات، يا كريم الصفح، يا عظيم المن، يا مبتدئا
بالنعم قبل استحقاقها، يا رباه، يا سيداه، يا أملاه، يا غاية رغبتاه، أسألك بك يا الله،
لا تشوه خلقي بالنار، وأن تقضي حوائج آخرتي ودنياي، صل على محمد وآل محمد " (2).
دعاؤه في وداع شهر رمضان:
" أعوذ بجلال وجهك الكريم، أن ينقضي عني شهر رمضان، أو يطلع الفجر من ليلتي
هذه، ولك عندي تبعة أو ذنب تعذبني عليه يوم ألقاك... " (3).
(1) الإقبال: 173.
(2) إقبال الأعمال: 172.
(3) إقبال الأعمال: 199.
603
دعاؤه (في الحج) عند باب المسجد الحرام:
" اللهم افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني في طاعتك، واحفظني بحفظ الإيمان أبدا
ما أبقيتني، جل ثناء وجهك، الحمد لله الذي جعلني من وفده وزواره، وجعلني ممن يعمر
مساجده، وجعلني ممن يناجيه.
اللهم إني عبدك، وزائرك في بيتك، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره،
وأنت خير مأتي، وأكرم مزور، فأسألك، يا الله، يا رحمن، بأنك أنت الله لا إله إلا أنت،
وحدك لا شريك لك، وبأنك واحد صمد، لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد،
وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبدك ورسولك، وعلى أهل بيته (1)، يا جواد يا كريم،
أسألك أن تجعل تحفتك إياي، بزيارتي إياك، أول شيء تعطيني فكاك رقبتي من النار.
اللهم فك رقبتي من النار. (كان يقول ذلك ثلاثا).
وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني شر شياطين الإنس والجن،
وشر فسقة العرب والعجم... " (2).
دعاؤه عند دخول المسجد الحرام:
" اللهم؛ إني أسألك في مقامي هذا، في أول مناسكي، أن تقبل توبتي، وأن تتجاوز
عن خطيئتي، وتضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام.
اللهم؛ إني أشهد أن هذا بيتك الحرام، الذي جعلته مثابة للناس وأمنا ومباركا،
وهدى للعالمين.
(1) كذا في الأصل، وأحتمل هناك سقط، وإن فيه سلاما على أهل البيت (عليهم السلام)، أو دعاء لهم.
(2) وسائل الشيعة 9: 321 - 322، الكافي 4: 402، الحديث 2.
604
اللهم؛ إني عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأروم
طاعتك، مطيعا لأمرك، راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك، الخائف لعقوبتك،
اللهم؛ افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك مرضاتك... " (1).
دعاؤه حول الكعبة:
" لا يرد غضبك إلا حلمك، ولا يجير من عذابك إلا رحمتك، ولا ينجي منك
إلا التضرع إليك، فهب لي، يا إلهي، فرجا بالقدرة التي بها تحيي أموات العباد، وبها تنثر
ميت البلاد، ولا تهلكني، يا إلهي حتى تستجيب لي دعائي وتعرفني الإجابة.
اللهم؛ ارزقني العافية إلى منتهى أجلي، ولا تشمت بي عدوي، ولا تمكنه من عنقي،
من ذا الذي يرفعني إن وضعتني؟ ومن ذا الذي يضعني إن رفعتني؟ وإن أهلكتني
فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك، أو يسألك عن أمره، فقد علمت يا إلهي، أنه
ليس في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عجلة، إنما يعجل من يخاف الفوت، ويحتاج إلى الظلم
الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك ".
دعاؤه عند دخول الكعبة:
" اللهم؛ من تهيأ أو تعبأ أو أعد أو استعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجائزته
ونوافله وفواضله، فإليك يا سيدي، تهيئتي وتعبئتي واستعدادي، رجاء رفدك ونوافلك
وجائزتك، فلا تخيب اليوم رجائي، يا من لا يخيب سائله، ولا ينقص نائله، فإني لم آتك
اليوم بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، ولكني أتيتك مقرا بالذنوب والإساءة
على نفسي، فإنه لا حجة لي ولا عذر، فأسألك يا من هو كذلك، أن تصلي على محمد وآله،
(1) وسائل الشيعة 9: 321، الكافي 4: 401، الحديث الأول.
605
وتعطيني مسألتي، وتقيلني عثرتي، وتقبلني برغبتي، ولا تردني مجبوها ممنوعا، ولا خائبا،
يا عظيم، يا عظيم، يا عظيم، أرجوك يا عظيم، أسألك يا عظيم، أن تغفر لي الذنب العظيم،
يا عظيم، لا إله إلا أنت... " (1).
دعاؤه عند الحجر الأسود:
" الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، سبحان الله،
والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أكبر من خلقه، وأكبر ممن أخشى وأحذر،
ولا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي،
بيده الخير، وهو على كل شيء قدير... ".
دعاؤه في عشية عرفة:
اللهم؛ إني أسألك يا موضع كل شكوى، ويا سامع كل نجوى، ويا شاهد كل ملأ،
ويا عالم كل خفية، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تكشف عنا فيها البلاء،
وتستجيب لنا فيها الدعاء، وتقوينا فيها وتعيننا، وتوفقنا فيها، ربنا، لما تحب وترضى،
وعلى ما افترضت علينا من طاعتك، وطاعة رسولك، وأهل ولايتك.
دعاؤه الأول في يوم عرفة:
اللهم؛ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الباطن
فليس قبلك شيء، اللهم؛ بيدك مقادير النصر والخذلان، وبيدك مقادير الخير والشر،
صل على محمد وآل محمد، واغفر لي كل ذنب أذنبته في ظلمة الليل وضوء النهار،
(1) وسائل الشيعة 9: 372 - 373. الكافي 4: 528، الحديث 3.
606
عمدا أو خطأ، سرا أو علانية، إنك على كل شيء قدير، وهو عليك يسير، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم....
الحمد لله، بارئ خلق المخلوقين بعلمه، ومصور أجساد العباد بقدرته،
ومخالف صور من خلق من خلقه، ونافخ الأرواح في خلقه بعلمه، ومعلم من خلق من عباده
اسمه، ومدبر خلق السماوات والأرض بعظمته، الذي وسع كل شيء خلق كرسيه،
وعلا بعظمته فوق الأعلين، وقهر الملوك بجبروته، الجبار الأعلى، المعبود في سلطانه،
المتسلط بقوته، المتعالي في دنوه، المتداني في ارتفاعه، الذي نفذ بصره في خلقه،
وحارت الأبصار بشعاع نوره.
دعاؤه الثاني في يوم عرفة:
" إلهي، وسيدي، وعزتك وجلالك، ما أردت بمعصيتي لك مخالفة أمرك، بل عصيت
إذ عصيتك، وما أنا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن سولت لي نفسي،
وغلبت علي شقوتي، وأعانني عليه عدوك وعدوي، وغرني سترك المسبل علي فعصيتك
بجهلي، وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من ينقذني؟ وبحبل من أتصل، إن قطعت
حبلك عني؟ أنا الغريق المبتلى، فمن سمع بمثلي؟ أو يفديني، فوعزتك يا سيدي لأطلبن إليك،
وعزتك يا مولاي لأتضرعن إليك... وعزتك يا إلهي لأبتهلن إليك، وعزتك يا رجائي
لأمدن يدي مع جرمهما إليك.....
اللهم؛ صل على محمد وآل محمد، واسمع - اللهم - دعائي إذا دعوتك، وندائي
إذا ناديتك، وأقبل علي إذا ناجيتك، فإني أقر لك بذنوبي وأعترف، وأشكو إليك مسكنتي
وفاقتي، وقساوة قلبي، وضري وحاجتي، يا خير من أنست به وحدتي، وناجيته بسري،
يا أكرم من بسطت إليه يدي، ويا أرحم من مددت إليه عنقي، صل على محمد وآله،
واغفر لي ذنوبي....
607
اللهم؛ إني أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني بعافيتك، أو نالته قدرتي
بفضل نعمتك، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك، أو نكلت عند خوفي منه على أناتك،
أو وثقت فيه بحولك، أو عولت فيه على كريم عفوك.
اللهم؛ إني أستغفرك من كل ذنب خنت فيه أمانتي، أو بخست بفعله نفسي،
أو احتطبت به على بدني، أو قدمت فيه لذتي، أو آثرت فيه شهواتي، أو سعيت فيه لغيري،
أو استغويت فيه من تبعتي، أو غلبت عليه بفضل حيلتي... ".
دعاؤه الثالث في يوم عرفة:
" إلهي لا تقطع رجائي، ولا تخيب دعائي، يا منان، من علي بالجنة. يا عفو؛
اعف عني، يا تواب، تب علي، وتجاوز عني، واصفح عن ذنوبي، يا من رضي لنفسه العفو،
يا من أمر بالعفو، يا من يجزي على العفو، يا من استحسن العفو، أسألك اليوم
" العفو العفو "، وكان يقول ذلك عشر مرات.
أنت، أنت؛ لا ينقطع الرجاء إلا منك، ولا تخيب الآمال إلا فيك، فلا تقطع رجائي
يا مولاي؛ إن لك في هذه الليلة أضيافا فاجعلني من أضيافك، فقد نزلت بفنائك،
راجيا معروفك، يا ذا المعروف الدائم الذي لا ينقضي دائما؛ يا ذا النعماء التي
لا تحصى عددا.
اللهم؛ إن لك حقوقا فتصدق بها علي، وللناس قبلي تبعات فتحملها عني،
وقد أوجبت، يا رب، لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك فاجعل قراي الجنة، يا وهاب الجنة،
يا وهاب المغفرة اقبلني مفلحا، منجحا، مستجابا لي، مرحوما صوتي، مغفورا ذنبي،
بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك وزوارك... " (1).
(1) الإقبال: 392 - 397.
608
دعاؤه في عيد الغدير:
" ربنا، إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان، أن آمنوا بربكم، فآمنا؛ ربنا فاغفر لنا ذنوبنا،
وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا
يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد... " (1).
دعاؤه بعد صلاة الظهر:
" يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أجود الأجودين،
ويا أكرم الأكرمين، صل على محمد وآل محمد، كأفضل وأجزل وأوفى، وأحسن وأجمل
وأكمل، وأطهر وأزكى وأنور، وأعلى وأبهى وأسنى، وأنمى وأدوم وأعم، وأبقى ما صليت
وباركت ومننت، وسلمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
دعاؤه للنبي (صلى الله عليه وآله):
" اللهم؛ صل على محمد وآل محمد، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا،
اللهم؛ صل على محمد في الأولين، وصل على محمد في الآخرين، وصل على محمد وآل محمد
في العالمين، وصل على محمد وآل محمد في الرفيق الأعلى، وصل على محمد وآل محمد
أبد الآبدين، صلاة لا منتهى لها ولا أمد، آمين يا رب العالمين... " (2).
(1) إقبال الأعمال: 476.
(2) بحار الأنوار 1: 75 - 176، الطبعة الأولى. المصباح: 427 - 431، مع اختلاف بينهما،
وهناك زيادة في المصباح على هذا الدعاء لم نذكرها.
609
دعاؤه لشيعته:
" يا ديان غير متوان، يا أرحم الراحمين، اجعل لشيعتي من النار وقاء،
وعندك رضى، واغفر ذنوبهم، ويسر أمورهم، واقض ديونهم، واستر عوراتهم، وهب لهم
الكبائر التي بينك وبينهم.
يا من لا يخاف الضيم، ولا تأخذه سنة ولا نوم، اجعل لي من كل غم فرجا
ومخرجا... " (1).
الدعاء الجامع:
"... اللهم؛ من أرادني بسوء فأرده، ومن كادني فكده، واصرف عني هم من أدخل
علي همه، وامكر بمن مكر بي، فإنك خير الماكرين، وافقأ عني عيون الكفرة الظلمة،
الطغاة الحسدة.
اللهم؛ صل على محمد وآل محمد، وأنزل علي منك سكينة، وألبسني درعك
الحصينة، واحفظني بسترك الواقي، وجللني عافيتك النافعة، وصدق قولي وفعالي،
وبارك لي في أهلي ومالي وولدي.
وما قدمت وما أخرت وما أغفلت، وما تعمدت، وما توانيت، وما أعلنت،
وما أسررت، فاغفر لي، يا أرحم الراحمين، وصل على محمد وآله الطاهرين الطيبين،
كما أنت أهله يا ولي المؤمنين... " (2).
(1) المصباح: 305.
(2) الإقبال: 60 - 61.
610
دعاؤه الجامع لوسائل الخير:
" اللهم؛ املأ قلبي حبا لك، وخشية منك، وتصديقا وإيمانا بك، وفرجا منك،
وشوقا إليك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم؛ حبب إلي لقاءك، واجعل لي في لقائك
خير الرحمة والبركة، وألحقني بالصالحين، ولا تخزني مع الأشرار، وألحقني بصالح
من مضى، واجعلني من صالح من بقي، وخذ بي في سبيل الصالحين، وأعني على نفسي
بما تعين به الصالحين على أنفسهم، ولا تردني في سوء استنقذتني منه يا رب العالمين،
أسألك إيمانا لا أجل له دون لقائك، تحييني وتميتني عليه، وتبعثني عليه إذا بعثتني،
وأبرئ قلبي من الرياء والسمعة والشك في دينك ".
دعاؤه الفلسفي الذي علمه لجابر:
" اللهم؛ أنت، أنت، يا من هو هو، يا من لا يعلم ما هو إلا هو. اللهم؛ أنت خالق
الكل. اللهم؛ أنت خالق العقل. اللهم؛ أنت واهب النفس الإنسانية. اللهم؛ أنت خالق
العلة. اللهم؛ أنت خالق الروح. اللهم؛ أنت قبل الزمان والمكان، وخالقهما. اللهم؛
أنت فاعل الخلق بالحركة والسكون وخالقهما.
اللهم؛ إني قصدتك، فتفضل علي بموهبة العقل الرصين، وإرشادي في مسلكي
إلى الصراط المستقيم.
اللهم؛ بك؛ فلا شيء أعظم منك، نور قلبي، وأوضح لي سبيل القصد إلى مرضاتك.
اللهم؛ إني قصدتك، ونازعتني نفسي: نفسي النفسانية، نازعتني إليك،
ونفسي الحيوانية، نازعتني إلى طلب الدنيا.
اللهم؛ فيك، لا أعظم منك، يا فاعل الكل؛ صل على محمد عبدك ورسولك،
611
وعلى آله وأصحابه المنتجبين، واهد نفسي النفسانية، إلى ما أنت أعلم به، من مرادها
منها، وبلغ نفسي الحيوانية منك غاية آمالها، فتكون عندك، إذا بلغتها ذلك، فقد بلغتها
الدنيا والآخرة، إنه سهل عليك.
اللهم؛ إني أعلم أنك لا تخاف خللا، ولا نقصانا يوهنك، برحمتك، وكرمك،
هب لي ما سألتك من الدنيا والآخرة. اللهم؛ يا واهب الكل، فاجعل ذلك في مرضاتك،
ولا تجعله فيما يسخطك.
اللهم؛ واجعل ما ترزقني، عونا على أداء حقوقك، وشاهدا لي عندك، ولا تجعله
شاهدا علي، ولا عونا على طلب ما يعرضك عني.
اللهم؛ يا خالق الكل، أنت خلقت قلبي، وخلقت الشيطان ولعنته؛ بما استحقه،
وأمرتنا أن نلعنه، فاصرفه عن قلب وليك، وأعني على ما أقصد له... ".
ثم تذكر حاجتك، فإذا فرغت عن سائر ما تريد، فعفر خديك على الأرض،
ثم قل في تعفيرك عشر مرات:
" خضع وجهي الذليل الفاني لوجهك العزيز الباقي... ".
ثم اجلس مليا، وقم فتوجه، وكبر، واقرأ الحمد، وسورة ألم نشرح لك
صدرك، وأقرأها في الركعة الثانية، فإذا سلمت قل:
" يا سيدي؛ ما اهتديت إلا بك، ولا علمت إلا بك، ولا قصدت إلا إليك،
ولا أقصد ولا أرجو غيرك. اللهم؛ لا تضيع زمام قصدي ورجائي، إنك لا تضيع
أجر المحسنين، وإنك تقضي ولا يقضى عليك، قد وعدت الصابرين خير الجزاء منك،
ولأصبرن فيك كما خففت عني، وصبرتني على امتحانك.
اللهم؛ إنك قد وعدت بعد العسر يسرا، اللهم؛ فامح أوقات العسر واجعلها زيادة
في أوقات اليسر، واجعل ذلك حظا من الدنيا، وحظوظا من الآخرة.
اللهم؛ إن وسيلتي إليك محمدا، وصفوة أهل بيته. آمين، آمين، آمين ".
612
دعاؤه في التوحيد:
" يا واحد، يا ماجد، يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد،
يا عزيز، يا كريم، يا حنان، يا سامع الدعوات، يا أجود من سئل، ويا خير من أعطى،
يا الله، يا الله، يا الله، ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، نعم المجيب أنت، ونعم المدعو،
أسألك بملكوتك ودرعك الحصينة، وبجمعك وأركانك كلها، وبحق محمد، وبحق الأوصياء
بعد محمد، أن تصلي على محمد وآله... " (1).
دعاؤه للتمكن من صلة الفقراء:
" اللهم؛ أعزني بطاعتك، ولا تخزني بمعصيتك. اللهم، ارزقني مواساة
من قترت عليه رزقه، بما وسعت علي من فضلك... ".
دعاؤه في طلب الرزق:
" يا خير مدعو، ويا خير مسؤول، ويا أوسع من أعطى، ويا خير مرتجى ارزقني،
وأوسع علي من رزقك، وسبب لي رزقا من قبلك، إنك على كل شيء قدير... " (2).
دعاؤه عند إجابة دعائه:
" يا أجود من أعطى، ويا خير من سئل، ويا أرحم من استرحم، يا أحد، يا صمد،
يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، يا من يفعل
(1) قرب الإسناد: 4.
(2) أصول الكافي 2: 550.
613
ما يشاء ويحكم ما يريد ويقضي ما أحب، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو
بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شيء، يا سميع، يا بصير... ".
دعاؤه في طلب المغفرة:
" سائل ببابك، مضت أيامه، وبقيت آثامه، وانقضت شهوته، وبقيت تبعته،
فارض عنه، وإن لم ترض عنه فاعف عنه، فقد يعفو السيد عن عبده، وهو غير راض
عنه " (1).
دعاؤه في مهام الأمور:
" اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، واغفر لي بقدرتك
حتى لا أهلك، وأنت رجائي، رب كم من نعمة أنعمت بها علي، قل عندها شكري،
وكم من بلية ابتليتني بها، قل عندها صبري، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني،
ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي معروفه أبدا،
ويا ذا النعماء التي لا تحصى عددا، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وبك أدرأ
في نحور الأعداء والجبارين، اللهم؛ أعني على ديني بالدنيا، وعلى آخرتي بالتقوى،
واحفظني فيما غيبت عني، ولا تكلني إلى نفسي فيما حظرته علي، يا من لا تضره الذنوب،
ولا تنقصه المغفرة، اغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك، إنك وهاب. أسألك فرجا
وصبرا عاجلا ورزقا واسعا والعافية من جميع البلايا، يا أرحم الراحمين... " (2).
(1) المخلاة: 186.
(2) المخلاة: 181 - 182.
614
الفصل الثامن والعشرون
المراثي
في المناقب: إن سائلا سأله حاجة فأسعفه، فجعل السائل يشكره،
فقال (عليه السلام):
إذا ما طلبت خصال الندى * وقد عضك الدهر من جهده
فلا تطلبن إلى كالح * أصاب اليسارة من كده!
ولكن عليك بأهل العلى * ومن ورث المجد عن جده
فذاك إذا جئته طالبا * حبيت اليسارة من جده
* * *
وروي عنه (عليه السلام):
تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن أحب مطيع
* * *
وفي المناقب: روى سفيان الثوري له (عليه السلام):
لا يسر يطرؤنا يوما فيبطرنا * ولا لأزمة دهر نظهر الجزعا
إن سرنا الدهر لم نبهج لصحته * أو ساءنا الدهر لم نظهر له الهلعا!
615
مثل النجوم على مضمار أولنا * إذا تغيب نجم آخر طلعا
* * *
قال: وله (عليه السلام) أيضا:
في الأصل كنا نجوما يستضاء بنا * وللبرية نحن اليوم برهان
نحن البحور التي فيها لغائصكم * در ثمين وياقوت ومرجان
مساكن القدس والفردوس نملكها * ونحن للقدس والفردوس خزان
من شذ عنا فبرهوث مساكنه * ومن أتانا فجنات وولدان
* * *
قال إبراهيم بن مسعود: كان رجل من التجار يختلف إلى جعفر بن محمد (عليه السلام)
يخالطه ويعرفه بأحسن حال، فتغيرت حاله فجعل يشكو إلى الإمام جعفر (عليه السلام)
حاله. فقال له (عليه السلام):
فلا تجزع وإن أعسرت يوما * فقد أيسرت في زمن طويل
ولا تيأس فإن اليأس كفر * لعل الله يغني عن قليل
ولا تظنن بربك ظن سوء * فإن الله أولى بالجميل
* * *
وعن كتاب العدد القوية: قال سفيان الثوري لجعفر بن محمد (عليه السلام):
يا بن رسول الله، لم اعتزلت الناس؟ فقال: يا سفيان، فسد الزمان وتغير
الإخوان، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد، ثم قال (عليه السلام):
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب * والناس بين مخاتل وموارب
يفشون بينهم المودة والصفا * وقلوبهم محشوة بعقارب
* * *
616
وله (عليه السلام):
لا تجزعن من المداد فإنه * عطر الرجال وحلية الآداب
* * *
وقال (عليه السلام):
لكل أناس دولة يرقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهر
* * *
وقال (عليه السلام):
علم المحجة واضح لمريده * وأرى القلوب عن المحجة في عمى
ولقد عجبت لهالك ونجاته * موجودة ولقد عجبت لمن نجا
* * *
قال عبد الله بن المبارك:
أنت يا جعفر فوق المدح والمدح عناء
إنما الأشراف أرض ولهم أنت سماء
جاز حد المدح من قد ولدته الأنبياء
وقال:
الله أظهر دينه وأعزه بمحمد * والله أكرم بالخلافة جعفر بن محمد
* * *
قال الشاعر:
فيا لك يا منصور لا فزت بالولا * لجعفر قد آبت عليك الفوادح
617
تسربلت سربالا من النار ضافيا * فويلك قد طاحت عليك الطوائح
وعما قليل تلق ما أنت قادم * عليه وقد قامت عليك النوائح
أتقتل من قد عظم الله قدره * وجلله إذ يممته المدائح
من النص والقرآن نصا منزلا * من الله هاد للبرايا وواضح
فوا لهف نفسي إذ تغيب شخصه * وقد مات مسموما فدته الجوانح
* * *
وقال آخر:
يا صادق الوعد الذي * صدق الإله بما قضى
قابلت مقدور الإله * على المضاضة والقضا
بل أنت باب للعلوم * وسيف ربي المنتضا
وحجة الباري ومعتكف * التصبر والرضا
وعليك صلى خالقي * ما لاح نجم أو أضا
* * *
وقال آخر:
فلله خطب قبل وقع حلوله * بكته السما دما وغار به البحر
وزلزلت الأرضون حزنا وأعولت * ملائكة التسبيح وامتنع القطر
وكيف ولا تبكي العيون لوقعه * وقد هدم الدين الحنيفي والأمر
وعطلت الأحكام بعد عميدها * ولم يك للإسلام من بعده نصر
ألا لعن الله الرجيم ومن سعى * لمنصور عباس ومن دأبه الغدر
618
فنفسي تفديه وأهلي وجيرتي * وما أستطيع الآن والمال والذخر
رزيته أحيت رزية كربلا * وقد شابه اليوم المشوم له العشر
ألا لعن الله المهيمن عصبة * لقد جن في أرواحها الغدر والكفر
* * *
في ذكرى الإمام الصادق
للشاعر الخطيب الشيخ جعفر الهلالي
لف من موكب الجهاد لواء * وتوارى عن الطريق سناء
وتداعى البناء من شامخ المجد * فدوت لهوله الأصداء
وتقضى عهد تفتح بالعرفان * يبني النفوس فيه اهتداء
وانتهت سيرة إلى الخير عاشت * فلها الخير أول وانتهاء
واختفى هيكل القداسة في شخص * إمام عنت له العظماء
جعفر الصادق الذي ملأ الدنيا * علوما وهل لذاك خفاء
فتهاوي إلى الثرى يا نجوم الأفق * حزنا وابكيه يا جوزاء
* * *
يا إماما تنميه للعزة القعساء * صيد أعزة أمناء
حلقت منك للعلا مكرمات * مشرقات تعنو لهن ذكاء
وتغنى بك الحداة على مر * الليالي يقفو الحداء حداء
لك من مجد أحمد نفحات * عبقت منك عندها أشذاء
وعلى وجهك الأغر وقار * ورثته آباؤك الأوصياء
وتمشى على شفاهك صدق * لم يدنسه في الحديث افتراء
619
خلق رف كالنسيم على الدنيا * فماست عزا له الغبراء
* * *
يا أبا العلم أنت حررت جيلا * هو لولاك قد كساه الغباء
لم تزل تصنع الخلود معاليك * وإن قل في الزمان الوفاء
كم تجنت على المواهب أقوام * بأقلامهم غداة أساؤوا
ولو أن الحياة أنصفت الحق * لأرسى على هداك البناء
ولراحت مجامع العلم تسمو * ولها منك منهج وضاء
ولأضحت هذي الدراسات من * عرفانك اليوم تصطفي ما تشاء
ولألفت فيك البناة لهذا * الدين ركنا لا يعتريه انحناء
يا لها من خسارة يترك الجو * هر في حين تقتنى الحصباء
غير أن الحق الصراح كنور الشمس * هيهات يعتريه خفاء
* * *
يا أبا الثورة التي شع منها * النور فالكون كله أضواء
ثرت لكن بصارم الفكر فانزاح * عن الحق للضلال غشاء
وتقحمت لجة من شكوك * فإذا تلكم الشكوك هباء
ووضعت العلاج للأنفس المرضى * وكادت تودي بها الأهواء
وكذا الانتصار للمبدأ الحق * جهادا تأتي به الخلصاء
* * *
إيه يا طالب الحقيقة فتش * ثم قل بعد ذاك ما قد تشاء
فلديك التأريخ فاستنطق * الأجيال ينبئك بالصحيح اقتداء
سيريك الإمام جعفر عملاقا * جثت عند بابه العلماء
620
فهناك العديد ما لو ذكرنا * لتوالت منه لنا الأسماء
فالإمامان مالك هو والنعمان * كم طال منهما الإصغاء
وابن حيان عنه أظهر علما * فسرته عنه لنا الكيمياء
وكتاب التوحيد منه بدت فيه * لذكر المفضل الأنباء
وتلقى الأصحاب عنه أصولا * لم تزل تهتدي بها الفقهاء
وعلوم الحديث كم راح يرويها * رجال لسرهم أمناء
فالمجلي زرارة حيث يروي * عنه سيلا مما حواه وعاء
وأبان بن تغلب ذلك الفذ * الذي راح باسمه الإطراء
وهشام بن سالم والجميلان * وقيس وكلهم أتقياء
وكفانا بمؤمن الطاق نصرا * وهشام إذا التقى الخصماء
تلك كانت حصيلة لجهود * من إمام لم يثنه الإعياء
أين منها دنيا المظالم عاشتها * فتاهت بغيها الخلفاء
* * *
سيدي والحديث عذب ولكن * معاليك ما لهن انتهاء
أي معنى أصوغه لك في شعري * وقدما تقاصرت بلغاء
حسب شعري أني وجدتك * مقصودي إذا ما تقاصرت بلغاء
وكفاني أني وجدت ولائي * لك فرضا قد شد منه البناء
فتقبل مني بضاعتي المزجاة * نظما له إليك انتماء
ومرادي قضاء حاجاتي الجلى * فقد هد جانبي البلاء
وبيوم المعاد كن لي شفيعا * فلأنتم غدا به الشفعاء
* * *
621
يا لعظم المأساة في يوم ذكراك * فقد عمت الدنا الأرزاء
فجع الدين حيث غادرك المنصور * بالسم يوم حان قضاء
تربت كفه وباء بخزي * وله النار في المعاد جزاء
رام يطفي نور النبوة والنور * جلي تعنو له الأضواء
عترة المصطفى النبي برغم * الجور حتى في موتهم أحياء
* * *
رثاء ابن هريرة العجلي
وقد روي أنه لما حملت جنازة الإمام الصادق (عليه السلام) ورفع سريره، رثاه
أبو هريرة العجلي الشاعر في تلك الحال، فأنشأ يقول:
أقول وقد راحوا به يحملونه * على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون من ذا تحملون إلى الثرى * ثبيرا (1) ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثا الحاثون فوق ضريحه * ترابا وأولى كان فوق المرافق
أيا صادق بن الصادقين إلية (2) * بآبائك الأطهار حلفة صادق
لحقا بكم ذو العرش أقسم في الورى * فقال تعالى الله رب المشارق
نجوم هي اثنا عشر قد كن سبقا * إلى الله في علم من الله سابق
ولا عجبا لو أنزلوك إلى الثرى * فلولاك فيها لم تكن في الحقائق
وساخت بأهليها ولم تك ساعة * بسالمة من حل تلك البوائق
سأبكيك ما دامت عيوني في الثرى * إلى يوم حشري عند ربي وخالقي
(1) ثبير جبل عظيم في مكة.
(2) الإلية: اليمين.
622
ألا لعن الله الذين تبوأوا * مقاما لكم لا سيما ابن الدوانق
أتقتل يا شر البرية جعفرا * ومن قال فيه خالقي خير صادق
سألبس أثواب الضنا مدة البقا * وأهجر صفو العيش غير مرافق
وكيف تلذ العين غمضا وقد جرى * على خير خلق الله شمس المشارق
فيا نكبة ما مثلها قط نكبة * لقد عطلت تلك السما بعد طارق
صلاة إله العرش مثل سلامه * وتسليمه ما ذر نور المشارق
* * *
في الإكمال عن حبان السراج، قال: قال السيد إسماعيل بن محمد الحميري:
كنت أقول بالغلو، وأعتقد غيبة محمد بن الحنفية (رضي الله عنه)، وقد ضللت في ذلك زمانا،
فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وأنقذني من النار، وهداني به
إلى سواء الصراط، فسألت [فسألته] بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها
منه أنه حجة الله على خلقه وجميع أهل زمانه، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته
وأوجب الاقتداء به، فقلت له: يا بن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائك
في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ قال (عليه السلام): ستقع بالسادس من ولدي
وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أولهم أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم محمد بن الحسن المهدي القائم عجل الله فرجه
بالحق، وهو بقية الله في أرضه وصاحب الزمان.
والله ليبقي غيبته ما بقي نوح (عليه السلام) في قومه، ولم يخرج من الدنيا حتى يظهر
فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، قال السيد الحميري: فلما سمعت
ذلك من مولاي الصادق (عليه السلام) تبت إلى الله تعالى على يده. وأنشأت هذه الأبيات:
623
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا * تجعفرت باسم الله والله أكبر
تجعفرت باسم الله والله أكبر * وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين غير ما كنت دينا * به ونهاني سيد الناس جعفر
فقلت فهبني قد تهودت برهة * وإلا فديني دين من يتنصر
وإني إلى الرحمن من ذاك تائب * وإني قد أسلمت والله أكبر
فلست بغال ما حييت وراجع * إلى ما عليه كنت أخفي وأظهر
ولا قائل حي برضوى محمد (1) * وإن عاب جهال مقامي فأكثروا
* * *
وله أيضا من قصيدة:
أيا راكبا نحو المدينة مهرة * عذافرة يطوي بها كل سبسب
إذا ما هداك الله شاهدت جعفرا * فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه * أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الذنب الذي كنت مبطنا * معاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن صبي محمد * ولم يك فيما قاله بالمكذب
بأن ولي الله يفقد لا يرى * سنينا كفعل الخائف المترقب
له غيبة لا بد أن سيغيبها * فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر أمره * فيملأ عدلا كل شرق ومغرب
بذاك أدين الله سرا وجهرة * ولست وإن عوتبت فيه بمعتب
* * *
(1) يعني محمد بن الحنفية لما اعتقد الكيسانية بأنه حي يرزق في رضوى!
624
روى أبو خالد [الكابلي] أنه قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): من الإمام
بعدك؟ قال: محمد ابني، يبقر العلم بقرا، ومن بعده ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء
الصادق (عليه السلام). قلت: وكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ فقال: حدثني
أبي عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي
ابن الحسين (عليه السلام) فسموه الصادق، فإن الخامس الذي من ولده اسمه جعفر،
يدعي الإمامة اجتراء على الله وكذبا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري
على الله. ثم بكى علي بن الحسين (عليه السلام) وقال: كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية
زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله. فكان كما ذكره (عليه السلام)
وما أحراه بما قال الحميري هذه الأبيات:
يا حجة الله الجليل * وعينه وزعيم آله
وابن الوصي المجتبى * وشبيه أحمد في كماله
أنت ابن بنت محمد * حذوا خلقت على أمثاله
فضياء نورك نوره * وظلال روحك في ظلاله
فيك الخلاص من الردى * وبك الهداية من ضلاله
أثني ولست ببالغ * عشر الفريدة من خصاله
تبا لقوم عاندوا * وصلوا بنار من وباله
ويحا لهم ما عظموك * وأنت مدحك في مقاله
سحقا لآل أمية * وسقوا حميما من نكاله
ولآل عباس الألى * سفكوا دم الهادي وآله
صلى الإله عليك ما * بزغت شموس من جلاله
* * *
625
وروي أن السيد بن محمد الحميري اسود وجهه عند الموت، فقال:
هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين؟ قال: فابيض وجهه كأنه القمر ليلة البدر،
فأنشأ يقول:
أحب الذي من مات من أهل وده * تلقاه بالبشر لدى الموت يضحك
ومن مات يهوى غيره من عدوه * فليس له إلا إلى النار مسلك
أبا حسن تفديك نفسي وأسرتي * ومالي وما أصبحت في الأرض أملك
أبا حسن إني بفضلك عارف * وإني بحبل من هواك لممسك
وأنت وصي المصطفى وابن عمه * فإنا نعادي مبغضيك ونترك
مواليك ناج مؤمن بين الهدى * وواليك معروف الضلالة مشرك
ولاح لحاني في علي وحزبه * فقلت لحاك الله إنك أعفك
* * *
وفي البحار مسندا عن علي بن الحسين بن أبي حرب، عن أبيه قال:
دخلت على السيد بن محمد الحميري عائدا في علته التي مات فيها، فوجدته
يساق به (1)، ووجدت عنده جماعة من جيرانه، وكانوا عثمانيو الهوى، وكان
السيد الحميري جميل الوجه، رحب الجبهة، عريض ما بين السالفتين، فبدت
على وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد، ثم لم تزل تزيد وتنمى حتى طبقت
وجهه - يعني صار أسودا - فاغتم لذلك من حضره من الشيعة، وظهر من الناصبية
(1) يساق به: أي في الرمق الأخير من حياته.
626
سرور وشماتة، فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهة
لمعة بيضاء، فلم تزل تزيد أيضا وتنمى حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر السيد
الحميري ضاحكا وأنشأ يقول:
كذب الزاعمون أن عليا * لن ينجي محبه من هنات
قد وربي دخلت جنة عدن * وعفا لي الإله عن سيئات
وأبشروا اليوم أولياء علي * وتولوا علي حتى الممات
ثم من بعده تولوا ابنيه * واحدا بعد واحد بالصفات
ثم أتبع قوله هذا:
" أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا، وأشهد أن محمدا رسول الله حقا حقا،
وأشهد أن لا إله إلا الله " ثم أغمض عينه لنفسه، فكأنما كانت روحه ذبالة طفيت
أو حصاة سقطت، فانتشر هذا القول في الناس، فشهد جنازته والله الموافق
والمخالف.
* * *
وفيه أيضا عن المناقب، عن الأغاني: قال عباد بن صهيب: كنت عند جعفر
ابن محمد الصادق، فأتاه نعي السيد الحميري، فدعا له وترحم عليه، فقال له:
يا بن رسول الله، وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة؟ فقال (عليه السلام): حدثني أبي
عن جدي أن محبي آل محمد لا يموتون إلا تائبين، وقد تاب، ورفع (عليه السلام)
مصلى كان تحته، فأخرج كتابا من السيد الحميري يعرفه أنه قد تاب ويسأله
الدعاء.
* * *
627
للخطيب السيد صالح القزويني من قصيدة مطلعها:
حي حيا بالأبرقين أقاما * وارع فيه للقاطنين ذماما
إلى أن قال (رحمه الله):
فدع الغانيات فالعمر ولى * وأله عنها وأقر التصابي السلاما
وأبن صادقا وقدم شفيعا * جعفر الصادق الإمام الهماما
من سنا وجهه أمد الدراري * وندى كفه أمد الغماما
مصدر العلم منتهى الحلم باب * الله والعروة التي لا انفصاما
علة الكون من به الأرض قامت * والسماوات والوجود استقاما
شمس قدس بدت فجلت دجى الكفر * ودلت على الرشاد الأناما
سيد جده دنى فتدلى * قاب قوسين منزلا لن يراما
ثم أردف:
أمن العدل جعفر وأبوه * أن يطيلا عند الطريد القياما
يا مقيما للدين أقوى براهين * على الحق مثلها لن يقاما
يوم بغي المنصور إذ أحضر النطع * وقد ناول الربيع الحساما
يا عليما بكل شيء لقد ألهمك * الله علمه إلهاما
كتمت علمك الرواة حذارا * وبه الله أنطق الآجاما
وبك الروح ردها الله فضلا * وبك الله أذهب الآلاما
حتى قال:
يا بدورا قد غالها الخف لكن * لم تزل في الهدى بدورا تماما
حاولت نفسها العدى فأبى * الرحمن إلا لنورها الإتماما
628
جهدت بالردى أمية حتى استأصلتكم * سلما وحربا زؤاما
وعلى ما جنت تجنت بنو * العباس ظلما تجاوز الأوهاما
يا جبالا حلما تفوق الرواسي * وسجالا نعمى تعم الأناما
وليوثا غلبا إذا طالت الأحلام * في الروع لم تطش أحلاما
لم يمت حتف أنفه من إمام * منكم عاش بينهم مستضاما
ما كفاها قتل الوصي وشبليه * وأبنائهم إماما إماما
ورمت جعفرا رزايا أرتنا * بأبيه تلك الرزايا الجساما
وسعى اللص فيه مسعى هشام * بأبيه سرا فنال المراما
فسقاه كأس الردى يوم أهدى * له عنبا بغيا سماما
بأبي من بني النبي إماما * جرعته بنو الطليق الحماما
بأبي من أقامه الله للعلم * وللحلم غاربا وسناما
بأبي موصيا بمال جزيل * لامرئ رام قتله إنعاما
بأبي موصيا لخمس جهارا * وبهم خيفة أسر الإماما
بأبي حاكما على كل شيء * يحكم المعتدي عليه احتكاما
بأبي قاسم القبوضات أضحى * فيئه في يد العدى أقساما
بأبي من بكى المعادي عليه * والموالي له بكاء الأيامى
بأبي من أقام حيا وميتا * عمد الدين والهدى فاستقاما
بأبي من عليه جبريل حزنا * في السماوات مأتما قد أقاما
يا حمى الدين يوم فقدك أورى * في حشى الدين جذوة وضراما
ومن المؤمنين أيقظ طرفا * ومن المشركين طرفا أناما
كنت للدين مظهرا ومنارا * ولأهليه جنة وعصاما
629
كان بيت الهدى بهديك معمورا * وقد سامه الضلال انهداما
أيها البدء والختام لهذا * الكون طبتم بداية وختاما
630
نهاية المطاف
بعد هذا العمر المديد المقرون بالعمل المضني والجهاد المتواصل، المملوء
بالعلم والعمل، والسعي والاجتهاد، والفضل والتقوى، وحب الخير للمسلمين
كافة، وحتى غير المسلمين من مشركين وملحدين، وحملة الآراء الشاذة المنحرفة،
والذين بذل لهم كل ما في وسعه من النصح والإرشاد، في مناظراته الرائعة،
وأسلوبه البديع، ليعيدهم إلى جادة الصواب والطريق المستقيم.
فارق حفيد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد
الصادق (عليه السلام) الحياة، بعد عمر ناهز الخامسة والستين، لم يعرف طيلة حياته إلا عالما
زاهدا، مدافعا عن الحق والعدل، ورسالة السماء، داعيا إلى الله سبحانه وتعالى
بالحكمة والموعظة الحسنة، فاعلا للخير ودالا عليه، ناهيا عن الشر ومحذرا منه،
محتسبا منيبا إلى الله تعالى، صابرا على كل ما أصابه من ظلم وجور وتعسف،
منيرا للأمة طريق سعادة الدارين، رافعا للأجيال الصاعدة رايات الكفاح،
لا تأخذه في الله لومة لائم، في سبيل الحفاظ على شريعة الله تعالى، ومقاومة
كل ضلال أو انحراف أو بدعة أو هوى، مبرهنا ذلك للناس إلى يوم القيامة،
بشخصيته الفذة المباركة.
وإن مدرسته الكبرى التي أنشأها، فقد تخرج منها فطاحل العلماء والثقات
من الرواة الذين حفظوا لنا تراثنا الحضاري الإسلامي إلى اليوم، والذين مثلوا
العقيدة الصادقة، والخلق القويم، وتفجر العلم النافع، والفهم الواسع.
انتقل إلى جوار ربه في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 148 ه
- على أشهر الروايات - وكانت وفاته بالمدينة المنورة، ودفن في مقبرة البقيع
إلى جنب أبيه وجده، وعم جده الإمام الحسن المجتبى (عليهم السلام)، وإلى جنب جدته
فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وجدة جده السيدة فاطمة بنت أسد الهاشمية أم الإمام علي
631
ابن أبي طالب وحاضنة الرسول العظيم ومربيته (عليهما السلام).
واتفق مؤرخو الإمامية على أن المنصور العباسي اغتاله بالسم على يد عامله
بالمدينة، وقيل: إن السم كان مدسوسا في عنب، كما ذكر ذلك الكفعمي في المصباح.
وذكر بعض علماء أهل السنة ومؤرخيهم أيضا أن شهادته (عليه السلام) كانت بالسم،
كما في " إسعاف الراغبين " و " نور الأبصار " و " تذكرة الخواص " و " الصواعق
المحرقة " وغيرها.
وفي بحار الأنوار (1) ومحاسن البرقي (2): ولما كاد أن يلفظ النفس الأخير
من حياته أمر أن يجمعوا له كل من بينه وبينهم قرابة، وبعد أن اجتمعوا عنده فتح
عينيه في وجوههم، فقال مخاطبا لهم: إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة.
وهذا مما يدلنا على عظيم اهتمام الشارع المقدس بالصلاة، فلم تشغل إمامنا
الفذ (عليه السلام) ساعة النزع الأخيرة من حياته عن هذه الفريضة والوصية بها، وما ذاك
إلا لأنه الإمام الذي يهمه أمر الأمة، وإرشادها إلى الصلاح حتى آخر نفس
من حياته الشريفة، وكانت الصلاة بين شفتيه، وهو أهم ما يوصي به ويلفت إليه.
وأحسب إنما خص أقرباءه بهذه الوصية؛ لأن الناس يرتقبون منهم الإصلاح
والإرشاد، ويقتدون بهم، أسوة بسلفهم، فيكون تبليغ هذه الوصية على ألسنتهم
أنفذ، ولأنهم عترة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعسى أن يتوهموا أن قربهم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وهم وسيلة للشفاعة ينفعهم وإن تسامحوا في بعض أحكام الشريعة.
فأراد الإمام الصادق (عليه السلام) أن يلفتهم إلى أن القرب لا ينفعهم ما لم يكونوا
قائمين بفرائض الله سبحانه وتعالى.
(1) بحار الأنوار 47: 2، الحديث 5.
(2) محاسن البرقي 1: 80.
632
وكانت زوجته التقية (حميدة) أم الإمام الكاظم (عليه السلام) تعجب من تلك الحالة،
وكيف إن سكرات الموت لم تشغله عن الاهتمام بشأن هذه الوصية، فكانت تبكي
إذا تذكرت حالته تلك (1).
وأمر أيضا وهو بتلك الحالة لكل واحد من ذوي رحمه بصلة، وللحسن
الأفطس بصورة خاصة بسبعين دينارا، فقالت له مولاته سالمة: أتعطي رجلا
حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟! قال (عليه السلام): تريدين ألا أكون من الذين
قال الله عز وجل فيهم: (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم
ويخافون سوء الحساب) (2)، نعم يا سالمة، إن الله خلق الجنة فطيب ريحها،
وإن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم (3).
وهذا مما يرشدنا إلى أهمية صلة الأرحام، بعد الصلاة. وقد كشف في بيانه
عن أثر قطع الرحم.
وما اكتفى (عليه السلام) بصلة رحمه فحسب، بل وصل من قطعه منهم، وخاصة
من هم بقتله. تلك هي الأخلاق الفاضلة النبوية التي كان ينهجها إمامنا العظيم.
وبعد شهادته (عليه السلام) في عام 148 ه عن عمر ناهز الخامسة والستين، كفنه
ولده والإمام من بعده موسى الكاظم (عليه السلام) في ثوبين شطويين (4) كان يحرم فيهما،
وفي قميص من قمصه، وفي عمامة كانت لجده علي بن الحسين السجاد (عليه السلام)، وفي بردة
اشتراها بأربعين دينارا.
(1) محاسن البرقي 1: 80، الحديث 6.
(2) الرعد: 21.
(3) المناقب 4: 273، والغيبة؛ للشيخ الطوسي: 128.
(4) شطا: اسم قرية في مصر تنسب إليها الثياب الشطوية.
633
وأمر (عليه السلام) بالسراج أن يضاء في البيت الذي كان يسكنه أبوه [حين موته]
كما فعل أبو عبد الله (عليه السلام) من قبل في البيت الذي كان يسكنه أبوه الإمام الباقر (عليه السلام).
وبعد شهادته تزعزعت المدينة بسكانها، بعد أن ذاع خبر وفاته (عليه السلام)
وخرج الشيب والشباب والمخدرات، وكل ينادي: وا إماماه، وا جعفراه، وا سيداه.
كما خرج المساكين والأيتام ينادون: وا ضيعتاه بعدك، وا محنتاه، وا قلة ناصراه.
وأنشد أبو هريرة العجلي (1) لما حمل الإمام الصادق (عليه السلام) على سريره
وأخرج إلى البقيع لمواراته ودفنه:
أقول وقد راحوا به يحملونه * على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى * ثبيرا (2) ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثا الحاثون فوق ضريحه * ترابا وأولى كان فوق المفارق
أيا صادق ابن الصادقين ألية (3) * بآبائك الأطهار حلقة صادق
لحقا بكم ذو العرش أقسم في الورى * فقال تعالى الله رب المشارق
نجوم هي اثنا عشرة كن سبقا * إلى الله في علم من الله سابق (4)
دفن (عليه السلام) في البقيع مع جده لأمه الإمام الحسن (عليه السلام)، وجده لأبيه الإمام
السجاد (عليه السلام)، وأبيه الإمام الباقر (عليه السلام) صلوات الله عليهم أجمعين، كما أسلفنا،
وهو آخر من دفن في البقيع من الأئمة الطاهرين.
والسلام عليه يوم ولد، ويوم جاهد وعلم، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.
(1) أبو هريرة العجلي (غير أبو هريرة الدوسي)، عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت.
(2) اسم جبل بمكة.
(3) الألية: اليمين.
(4) القصيدة بكاملها ذكرناها في فصل الرثاء.
634
خاتمة الكتاب
عزيزي الباحث، هذا ما استطعت العثور عليه من بعض جوانب حياة الإمام
المفدى الكوكب السادس من نجوم أهل البيت الهداة صلوات الله عليهم أجمعين،
من المصادر الموثوقة المعتبرة ومن موسوعات السير والتأريخ.
وبه أختتم هذا السفر الميمون المبارك، معترفا بأني مهما بحثت وحققت
وتعمقت وسبرت أغوار المطامير من الأسفار والمسانيد والصحاح والسير
والتأريخ، فلن أستطيع غور عشر معشار ما هو عليه (عليه السلام) وما هو مدون.
كما هو شأن غيري لن يستطيع ذلك مهما أوتي من دراية وعبقرية وعلم
وتحقيق، لذا نترك الباب مفتوحا للباحثين الذين يأتون بعدنا، عسى ولعله يستطيع
أن يصل إلى بعض كنوزه (عليه السلام) ليستخرج منها ما هو مكنون من جوانب علومه
وفضائله ومناقبه (عليه السلام) المتعددة، لينير الدرب للسائرين على خطاه.
ختاما لا بد لي في هذا المقام أن أشكر الذوات الأفاضل الذين آزروني
في تبويب فصوله، ومراجعة مصادره، وتقويم نصه، وصف حروفه وإخراجه
بهذه الحلة القشيبة.
سائلين المولى - جلت قدرته - أن يتقبل منا هذا اليسير، ويعفو عنا الكثير،
فإنه سميع بصير.
635
وأن يجعله ذخرا لنا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه
وسيد بريته سيدنا محمد وآله الطاهرين.
وسيلي المجلد الحادي العشر إن شاء الله من هذه الموسوعة، والذي يبحث
عن حياة الإمام السابع " موسى بن جعفر (عليه السلام) "، وعنوانه " الكاظم موسى (عليه السلام) ".
تم بحمد الله وتوفيقه في اليوم الخامس والعشرين من شهر شوال المعظم
من عام 1417 من الهجرة النبوية، وذلك يوم شهادته (عليه السلام).
وختاما له الحمد وله الشكر أولا وآخرا.
العبد المنيب
حسين الشاكري
دار الهجرة - قم المشرفة - 25 شوال 1417 ه
الصادق جعفر (عليه السلام) / ج 1
الصادق جعفر (عليه السلام) / ج 2
636
وصلنا كتاب كريم من سماحة العلامة السيد محمد صادق
الحكيم، عميد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) للعلوم الدينية في
دمشق الشام مرقد السيدة الطاهرة زينب الكبرى (عليها السلام)،
يقرض فيها " موسوعة المصطفى والعترة ". فله من الله
ورسوله الأجر، ومنا الشكر.
المؤلف
حسين الشاكري
حضرة الوجيه الكريم الحاج حسين الشاكري دام موفقا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد وصلني مؤخرا ثمانية مجلدات من كتابكم القيم - المصطفى والعترة -،
وبعد أن قرأت الصفحات الأولى بدأت تلوح لي دوافع الشوق إلى إكماله والسير
في أغواره، فتكشفت لي بداعة الأسلوب وصدق العبارة وتجلي الأصالة في صفحاته
الناصعة، من خلال أدلة الصدق والحجج الواضحة والإنصاف في سرد الحقائق
التأريخية. فأدركت أنني أمام كتاب قيم وشيق، قد بدت فيه علامات التوفيق
واضحة، وأنفاس الإخلاص جلية. وسررت كثيرا في أن أجد ضالتي في هذا السفر
الجليل بعد مراجعات كثيرة في كتب السيرة والتأريخ، فلم أجد كتابا شافيا يؤدي
المهمة التي أروم إيصالها إلى الطلبة، ولذلك ارتأينا أن يكون هذا السفر الجليل
ضمن المواد التي تدرس لطلبة حوزتنا - حوزة أهل البيت (عليهم السلام) - للعلوم الإسلامية
في السيدة زينب (عليها السلام). ولا بد لي من أن أذكر الأسباب والدواعي التي دفعتني
لاختيار هذا الكتاب. وهي باختصار:
637
1 - أصالة الطرح وعدم المحاباة في ذكر الحقائق التي من شأنها أن توصل
الحقيقة إلى ذهن القارئ من دون لبس أو تشويش.
2 - برمجة الكتاب وتبويبه بالشكل الذي يحافظ على تسلسل الأحداث
التأريخية وسرعة الرجوع إليها.
3 - توضيح المعاني المبهمة والكلمات الصعبة الواردة في الأخبار والروايات،
وهذا الشيء قد فات الكثير من كتب السيرة والتأريخ.
4 - النفس الشيعي الأصيل، والذي يتوخاه كل شيعي يريد الاطلاع
على الحقائق التأريخية ونقلها بصدق وأمانة من دون محاباة ومداهنة.
الحاج الكريم...
إنني فخور بكم وبعطائكم، ولقد ملئت سرورا يوم اتضح لي جهدكم المبارك
وعملكم الكبير وأدائكم المتميز في هذا المنهل العذب.
وفقكم الله سبحانه لخدمة المذهب الحق - مذهب أهل البيت (عليهم السلام) -
الذي هو الإسلام الأصيل الذي أنزله الله تعالى على نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله).
أسأل الله العلي العظيم أن يجعلكم من العلماء العاملين الذين لا تأخذهم في الله
لومة لائم في الدفاع عن حياض مبدأ أهل البيت (عليهم السلام)، وأن يديم بركات وجودكم،
وأن يجعل هذا السفر المبارك ذخرا وفخرا لكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى
الله بقلب سليم.
أيدكم الله بنصره، ورعاكم برحمته، وحباكم بكرامته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صادق الحكيم
دمشق الشام 4 رمضان 1417 ه - 12 / 1 / 1997 م
638
مصادر البحث
القرآن الكريم.
أئمتنا - علي محمد علي دخيل، مكتبة الإمام الرضا، بيروت، ط 6، 1402.
الأئمة الاثني عشر دراسة تحليلية - عادل الأديب، الدار الإسلامية، بيروت، 1405.
الإتحاف بحب الأشراف - الشبراوي الشافعي، المطبعة الأدبية، مصر، 1316.
الاحتجاج - الطبرسي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط 2، 1403.
إحقاق الحق - القاضي التستري، قم، 1403.
الاختصاص - الشيخ المفيد، منشورات جماعة المدرسين، قم.
اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي) - الشيخ الطوسي، دانشگاه مشهد.
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت لإحياء
التراث، قم، 1413.
أسد الغابة - ابن الأثير.
الأعلام - الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط 6، 1984 م.
إعلام الورى بأعلام الهدى - أبو علي الطبرسي، دار الكتب الإسلامية، قم، ط 3.
الأمالي - الشيخ الطوسي.
639
الأمالي - الشيخ المفيد، دار المفيد، بيروت، 1993 م.
الإمام الصادق - محمد جواد فضل الله، دار الزهراء، بيروت، 1981 م.
الإمام الصادق - السيد محمد كاظم القزويني، قم، 1414.
الإمام الصادق - الشيخ باقر شريف القرشي.
الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب - مجموعة من المؤلفين، مؤسسة النعمان،
بيروت، 1988 م.
الإمام الصادق والمذاهب الأربعة - أسد حيدر، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 3،
1983 م.
الإمام جعفر الصادق - الشيخ عبد الحسين المظفر، جماعة المدرسين، قم.
الإمام جعفر الصادق - عبد الحليم الجندي، منشورات أنصاريان، قم، 1995 م.
الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية - المحدث القمي، منشورات الشريف الرضي،
قم.
أهل بيت رسول الله في دراسة حديثة - محمد علي أسبر، الدار الإسلامية، بيروت،
ط 1، 1411.
بحار الأنوار - العلامة المجلسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 3، 1403.
البداية والنهاية - ابن كثير، مكتبة المعارف، القاهرة، ط 2، 1413.
تأريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - الحافظ الذهبي، دار الكتاب العربي،
بيروت، 1410.
تأريخ الثقات - الحافظ العجلي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405.
تأريخ دمشق - ابن عساكر الدمشقي.
تأريخ الشيعة - الشيخ محمد حسين المظفر، دار الزهراء، بيروت، 1982 م.
640
التأريخ الكبير - البخاري، دار الفكر، بيروت.
تأريخ اليعقوبي - أحمد بن واضح، دار صادر، بيروت.
تحف العقول عن آل الرسول - الحراني، جماعة المدرسين، قم، ط 2، 1404.
تذكرة الحفاظ - الحافظ الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت.
تذكرة الخواص - العلامة يوسف بن قزاوغلي، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.
تهذيب الأسماء واللغات - الحافظ النووي، دار الكتب العلمية، بيروت.
تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، 1404.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال - الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413.
الثاقب في المناقب - نبيل علوان، منشورات أنصاريان، قم، 1412.
الثقات - الحافظ البستي، دائرة المعارف العثمانية في الهند، حيدرآباد الدكن، 1399.
ثواب الأعمال وعقاب الأعمال - الشيخ الصدوق، مؤسسة الأعلمي، بيروت،
ط 4، 1989 م.
جامع المقاصد - المحقق الكركي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1411.
الجمع بين رجال الصحيحين - ابن القيسراني، دار الكتب العلمية، ط 2، 1405.
جواهر الكلام - الشيخ محمد حسن النجفي، دار المؤرخ العربي، بيروت، 1992 م.
حقائق التفسير - تحقيق الأب بولس نويا.
الحقائق في تأريخ الإسلام - حسن المصطفوي، مركز نشر الكتاب، قم، 1410.
الخرائج والجرائح - الراوندي.
الخصال - الشيخ الصدوق، منشورات جماعة المدرسين، قم، 1403.
دفاع عن الكافي - ثامر هاشم العميدي، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، قم،
1995 م.
641
دلائل الإمامة - الطبري، مؤسسة البعثة، قم، 1413.
الدمعة الساكبة في أحوال النبي (صلى الله عليه وآله) والعترة الطاهرة - المولى البهبهاني، مؤسسة
الأعلمي، بيروت، 1409.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة - آغا بزرك الطهراني، دار الأضواء، بيروت، ط 2.
ربيع الأبرار ونصوص الأخبار - الزمخشري، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1992 م.
رجال الطوسي - الشيخ الطوسي، جماعة المدرسين، قم.
رجال النجاشي - أحمد بن علي النجاشي، جماعة المدرسين، قم، ط 4، 1413.
روضة الكافي - الشيخ الكليني، دار التعارف، بيروت.
سير أعلام النبلاء - الحافظ الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 8، 1412.
سيرة الأئمة الاثني عشر - هاشم معروف الحسني، منشورات الشريف الرضي، قم،
ط 1، 1409.
سيرة رسول الله وأهل بيته - لجنة التأليف في مؤسسة البلاغ، نشر المعاونية الثقافية
للمجمع العالمي لأهل البيت، قم، ط 1، 1414.
شرح الأخبار - القاضي التميمي المغربي، جماعة المدرسين، قم، 1412.
شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد، منشورات مكتبة المرعشي، قم، 1965 م.
صحيح البخاري - محمد بن إسماعيل البخاري، دار الفكر، بيروت، 1401.
صحيح الترمذي - محمد بن عيسى الترمذي، دار الفكر، بيروت، 1403.
صحيح مسلم - مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر، بيروت.
صفة الصفوة - ابن الجوزي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، ط 3، 1405.
الصواعق المحرقة - ابن حجر العسقلاني.
طبقات الفقهاء - أبو إسحاق الشيرازي، دار الرائد العربي، بيروت، ط 2، 1401.
642
الطبقات الكبرى - محمد بن سعد الزهري، دار صادر، بيروت.
عبد الله بن سبأ - السيد مرتضى العسكري، دار الزهراء، بيروت، ط 5، 1983 م.
علل الشرائع - الشيخ الصدوق، المكتبة الحيدرية، النجف، 1966 م.
عوالم العلوم - الشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني، منشورات مدرسة الإمام
المهدي، 1409.
الفصول المهمة في تأليف الأمة - الإمام شرف الدين، دار الزهراء، ط 7، 1977 م.
الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة - ابن الصباغ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،
بيروت، 1408.
في رحاب أئمة أهل البيت - السيد محسن الأمين، دار التعارف، بيروت، 1412.
كتاب سليم بن قيس - سليم بن قيس الكوفي، مؤسسة الأعلمي، بيروت.
كشف الغمة في معرفة الأئمة - الأربلي، دار الأضواء، بيروت.
كنز العمال - المتقي الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1993 م.
لواقح الأنوار في طبقات الأخيار - أبو المواهب الشعراني، دار العلم للجميع،
القاهرة، 1374.
المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية - السيد محسن الأمين، منشورات
الشريف الرضي، قم، ط 2، 1411.
مجموعة وفيات الأئمة - مراجع من العلماء، دار البلاغ، بيروت، 1412.
مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر - جمال الدين الإفريقي، دار الفكر، دمشق،
1408.
المختصر المختار من سيرة الأئمة الأطهار - فضل الله الحائري، مؤسسة الزهراء،
بيروت، 1409.
643
مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1415.
مروج الذهب - أبو الحسن علي بن الحسين، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1411.
معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة - علم الهدى المرتضى الكاشاني، جماعة المدرسين،
قم، 1409.
معاني الأخبار - الشيخ الصدوق، جماعة المدرسين، قم، 1361 ه ش.
معجم الثقات - أبو طالب التجليل التبريزي، ط 2.
مكارم الأخلاق - الحسن بن الفضل الطبرسي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط 6،
1972 م.
الملل والنحل - محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، منشورات الشريف الرضي، قم.
منتهى الآمال - المحقق القمي، منشورات جماعة المدرسين، 1415.
منتهى المقال في أحوال الرجال - محمد بن إسماعيل المازندراني، مؤسسة آل البيت
لإحياء التراث، قم، 1416.
موسوعة رجال الكتب التسعة - الدكتور عبد الغفار البنداري، دار الكتب العلمية،
بيروت، 1413.
نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار - الشيخ الشبلنجي، دار الجيل، بيروت،
1409.
الوافي بالوفيات - الصفدي، دار النشر فرانزشتاينر، فيسبادن، ط 2، 1394.
وسائل الشيعة - الحر العاملي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1411.
وفيات الأعيان - ابن خلكان، دار الثقافة، بيروت.
يوم الخلاص - كامل سليمان، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط 3، 1980.
644