مع أمي و خالتي ، فسألتاها عن أشياء ، ثم قالتا لها : ما كانت منزلة علي فيكم ؟ قالت : سبحان الله كيف تسألاني عن رجل قبض رسول الله صلى الله عليه و آله على صدره ، و سالت نفسه في يده فمسح بها وجهه ، و لم يدر الناس وجهة حيث يدفنونه ؟ فقال : إن أفضل بقعة بقعة قبض فيها ، فادفنوه بها . فقالتا لها : و كيف رأيت الخروج عليه ؟ قالت : و الله لوددت أني افتديت من ذلك بما في الارض من شيء . [ 433 ] و بآخر ، عن فاطمة بنت الحسين ، أنها زاملت ( 1 ) عائشة إلى مكة ، فرأت يوما عذرة ، فقالت : و الله وددت أني كنت هذه ، و لم أخرج في وجهي الذي خرجت فيه . قال عبد الله بن الحسين : فقد ثابت ، فلا تقولوا إلا خيرا ( 2 ) . 1 - المزاملة : المعادلة على البعير . 2 - إن هذه الرواية و أمثالها ربما تفيد الظن و بديهي أن الظن لا يقاوم العلم و لا يمكن رفع اليد منه بالظن ، أضف إلى ذلك الروايات الكثيرة المعارضة القوية أو المساوية لها رتبة . فمنها : ما رواه أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ص 26 : عن محمد بن الحسين الاشناني ، عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن إسماعيل بن راشد ، باسناده ، قال : لما اتي عائشة نعي علي أمير المؤمنين عليه السلام تمثلت : فألقت عصاها و استقرت بها النوى كما قر عينا بالاياب المسافر ثم قالت : من قتله ؟ فقيل : رجل من مراد . فقالت : فإن يك نائبا فلقد بغاه غلام ليس في فيه التراب
(71)
[ 434 ] و عن عمرو بن ام سلمة ، أنه قال : قالت عائشة : و الله لوددت أني شجرة ، و الله لوددت إن كنت مدرة ، و الله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا ، و لم أسر سيري الذي سرت . [ 435 ] و عن أبي جعفر - محمد بن علي - صلوات الله عليه ، إن عيسى بن دينار الموذن ، قال له : يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ما تقول في عائشة ، و قد سارت المسير الذي علمت إلى أمير المؤمنين ، و أحدثت ما أحدثت في الدين ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : أو لم يبلغك ندامتها ، و قولها : يا ليتني كنت شجرة ، يا ليتني كنت حجرا ؟ قال له عيسى : فما ذاك منها يا ابن رسول الله ؟ قال : توبة . [ 436 ] الليث بن سعد ، يرفعه إلى عائشة ، أنها قالت : لئن أكون قد قعدت عن يوم الجمل أحب الي من أن يكون [ لي ] من رسول الله صلى الله عليه و آله سبعون - أو قالت أربعون - ولدا ذكرا . و روى أيضا : عن الاشناني ، عن أحمد بن حازم ، عن عاصم بن عامر ، عن جرير ، عن الاعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البحتري قال : لما أن جاء عائشة قتل علي عليه السلام سجدت . و أما ما روي عن بكائها ، فكانت تبكي لاجل الخيبة لا للتوبة . و مما يدل على ذلك ما رواه الواقدي باسناده ، أن عمار ( ره ) استأذن على عائشة بالبصرة بعد الفتح ، فأذنت له ، فدخل . فقال : يا امة كيف رأيت صنع الله حين جمع بين الحق و الباطل ، ألم يظهر الحق على الباطل و يزهق الباطل ؟ فقالت : إن الحروب دول و سجال ، و قد اديل على رسول الله صلى الله عليه و آله ، و لكن أنظر يا عمار كيف تكون في عاقبة أمرك . و روى مسروق ، أنه قال : دخلت على عائشة ، فجلست أحدثها ، و استدعت غلاما لها أسود ، يقال له : عبد الرحمن ، فجاء حتى وقف . فقالت : يا مسروق أ تدرى لم سميته عبد الرحمن ، فقلت : لا . فقالت حبا مني لعبد الرحمان بن ملجم . و أما قصتها مع جثمان الامام الحسن عليه السلام فمن أهم الدلائل على ما ذكرنا .
(72)
[ ندامة عبد الله بن عمر ] [ 437 ] و عن فاطمة بنت علي ، أنها قالت : ما مات عبد الله بن عمر حتى تاب عن تخلفه عن علي عليه السلام [ 438 ] عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : كان يقول : ما أسى على شيء من امور الدنيا إلا أن أكون قد قاتلنا الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب عليه السلام . [ 439 ] و عنه ، أنه قال : ما أسى على شيء إلا على ظماء الهواجر ( 1 ) ، و إني لم أكن قاتلت مع علي عليه السلام الفئة الباغية . [ ندامة مسروق ] [ 440 ] فطر ( 2 ) بن خليفة ، باسناده ، عن الشعبي ، أنه قال : ما مات مسروق ( 3 ) حتى تاب إلى الله عز و جل من تخلفه عن علي عليه السلام . 1 - و في طبقات ابن سعد 4 / 136 : ظماء الهواجر و مكابدة الليل و ألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا . 2 - و في الاصل : قطر . و هو أبو بكر الحناط فطر بن خليفه القرشي المخزومي ، توفي 153 ه . 3 - و هو مسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعي ، أبو عائشة الكوفي .
(73)
[ التحريض على القتال ] و لم يزل علي عليه السلام - بعد قتله الخوارج - يدعو الناس إلى الخروج إلى قتال معاوية و أصحابه ، ليقضي دين رسول الله صلى الله عليه و آله الذي أمره و تقدم اليه بقضائه عنه من جهاد المنافقين الذين أمر الله عز و جل به بقوله " يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين " ( 1 ) ، لا يشغله عن ذلك شاغل و لا تدركه فيه سأمة ، و الناس في ذلك يتثاقلون عنه و يتخلفون و يعتذرون لما أصابهم من طول الجهاد معه ، إلى أن اصيب صلوات الله عليه على ذلك و ان فيه و لا مقصر عنه . و من ذلك ما يؤثر من تحريضه مما رواه . [ 441 ] الدغشي ، باسناده ، عنه عليه السلام ، أنه خطب الناس بالكوفة . فقال ; بعد حمد الله ، و الثناء عليه ، و الصلاة على محمد صلى الله عليه و آله : أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة قلوبهم و أهواؤهم ، ما عزت دعوة من دعاكم ، و لا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهي ( 2 ) الصم الصلاب ، و فعلكم يطمع فيكم عدوكم ، إذا قلت لكم سيروا إليهم ، قلتم : كيت و كيت ، و مهما ، و لا ندري أعاليل و أضاليل ( 3 ) و فعل ذي 1 - التوبة : 73 . ( 3 ) و في نسخة - ج - : و أضاليل ، و فعلتم فعل . 2 - و في الغارات : كلامكم يوهن .
(74)
الدين المطل ، هيهات لا يمنع الضيم الذليل ، و لا يدرك الحق إلا بالصدق و الجد ، أي جار بعد جاركم تمنعون ؟ و عن أي دار بعد داركم تدفعون ؟ و مع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ الذليل و الله من نصرتموه ، و من فازبكم فاز بالسهم الاخيب ، أصبحت لا أطمع في نصرتكم ، و لا أرغب في دعوتكم ، فرق الله بيني و بينكم ، و أبدل لي بكم من هو خير لي منكم ، و أبدل لكم بي من هو شتر مني لكم . فلما كان بالعشي راح الناس اليه يعتذرون ، فقال لهم : أما أنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، و سيفا قاتلا ، و إثرة قبيحة ، يتخذها الظالمون عليكم حجة تبكي عيونكم ، و يدخل الفقر عليكم في بيوتكم ، و لا يبعد الله إلا من ظلم . فكان كعب بن مالك بن جندب الازدي إذا ذكر هذا الحديث ، يبكي ، ثم يقول : صدق و الله أمير المؤمنين ، لقد رأينا بعده ذلا شاملا ، و سيفا قائلا ، و إثرة قبيحة . [ 442 ] و من ذلك ما رواه محمد بن الجنيد ، عن أبي صادق ، قال : بعث معاوية خيلا فأغارت على الانبار ( 1 ) ، فقتلوا عامل علي عليه السلام عليها ، و أصابوا من أهلها ، و انصرفوا . فبلغ ذلك عليا عليه السلام . فخرج من فوره مع من خف معه حتى أتى النخيلة ( 2 ) ، فأدركه الناس ، و قالوا : ارجع يا أمير المؤمنين فنحن نكفيكهم . فقال : و الله لا تكفوني و لا تكفون أنفسكم . ثم صعد المنبر : فحمد الله و أثنى عليه ، وصلى على النبي صلى اله عليه و آله 1 - مدينة في أواسط العراق . 2 - النخيلة : على بعد فرسخين من الكوفة .
(75)
ثم قال : أيها الناس إن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه ألبسه الله الذلة ، و شمله البلاء ، و ضرب بالصغار ، هذا عامل معاوية قد أغار على الانبار ، فقتل بها عاملي ابن حسان ، و رجالا كثيرا ، و انتهكت بها حرم من النساء ، فقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة و الاخرى المعاهدة ، فينتزع خلخالها و رعاثها ( 1 ) لا تمتنع منه إلا بالاسترحام و الاسترجاع ، ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم ، فو الله لو أن إمرء مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي جديرا ، يا عجبا ، عجبت لبث القلوب ، و تشعب الآراء من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، و فشلكم عن حقكم حتى صرتم غرضا ( 2 ) ترمون و لا ترمون ، و تغزون و لا تغزون ، و يغار عليكم و لا تغيرون ، و يعصى الله و ترضون . إذا قلت لكم : اغزوهم في البرد ، قلتم : هذه أيام صروقر . و إذا قلت لكم : اغزوهم في الحر ، قلتم : هذه حمارة القيظ ( 3 ) ، امهلنا حتى ينسلخ الحر . فأنتم من الحر و البرد تفرون و لانتم و الله من السيف أفر ، يا أشباه الرجال و لا رجال ، و يا طغام الاحلام ، و يا عقول ربات الحجال ، قد ملاتم قلبي غيظا بالعصيان و الخذلان ، حتى قالت قريش : إن علي بن أبي طالب رجل شجاع ، و لكن لا علم له بالحرب ، و من منهم أعلم بالحرب مني ، لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ، و أنا الآن قد عاقبت الستين ، لكن لا رأي لمن لا يطاع ، كم أمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم ، و قلت لكم : إنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ، فما قبلتم أمري ، و لا استجبتم لي ، أبدلني الله بكم 1 - الرعاث : جمع رعثة أي الرعثة القرط . 2 - غرضا : هدفا . 3 - حمارة القيظ : شدة الحر .
(76)
من هو خير منكم ، و أبدلكم بي من هو شتر لكم مني ، قد أصبحت لا أرجو نصرتكم ، و لا أصدق قولكم ، و لقد فاز بالسهم الاخيب من فاز بكم . فقام اليه جندب بن عبد الله ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا أنا وأخي ( 1 ) ، أقول كما قال موسى عليه السلام : " رب لا أملك إلا نفسي وأخي " ( 2 ) ، فمرنا بأمرك ، فو الله لنضربن دونك ، و إن حال دون ما تريده جمر الغضا و شوك القتاد . فأثني عليهما خيرا ، و قال : و أين تقعان رحمكما الله مما أريد . ثم نزل ، و لم يزل على ذلك يدعو الناس و يحضهم على جهاد عدوهم ، حتى اصيب صلوات الله عليه و رحمته و بركاته . 1 - و في الغارات 2 / 477 : آخذا بيد ابن أخ له يقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف . و القائم حبيب بن عفيف . 2 - المائدة : 25 .