الجامع ، و قد اجتمع الناس فيه . فرقى المنبر ، فحمد الله و أثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه و آله ، و قال : أيها الناس إنه قد انتهى الي أن معاوية قد برز من حمص في أهل الشام ، و من معه يريد حربكم ، فما أنتم في ذلك قائلون و صانعون ؟ فقام رجل ، فقال : يكون الامر كذا . و قال الآخر : بل الرأي كذا . و قام آخر فقال ذلك . حتى قام منهم عدة ، و اعتكر الكلام . فنزل علي صلوات الله عليه ، و هو يقول : إنا لله و إنا اليه راجعون ، غلب و الله ابن آكلة الاكباد . و قيل أيضا : إن الناس خاضوا بصفين ، فاختلط أصحاب معاوية ، و ترك أكثرهم مراكزهم ، فخرج منهم ، فوقف بينهم ، فأشار بكمه عن يمينه ، فرجع كل من كان في تلك الناحية ، و أشار عن يساره ، ففعلوا كذلك . فقال له بعض من شهده : إن هذه للطاعة . فقال : إنى ما أخلفتهم قط في وعد و لا وعيد . فمن أجل هذا و ما قدمنا قبله مما يجري ( 1 ) مجراه تهيأ لمعاوية أن يقاوم عليا عليه السلام . و علي صلوات الله عليه في الفضل و الاستحقاق بحيث لا يخفى مكانه على أحد أن يقيسه بمعاوية في خصلة من خصال الخير . حتى أن بعض أهل التمييز و المعرفة سمع من يقول عي أفضل من معاوية . فقال : هذا من فاسد القول ، إنه ليس يقال إن العسل أحلى من 1 - هكذا في نسخة - أ - و في الاصل : و ما يجري .
(92)
الصبر ، و لا إن الحنظل أمر من السكر ، [ ف ] معاوية أقل من أن يقاس بعلي عليه السلام . تم الجزء الخامس من كتاب شرح الاخبار في فضائل الائمة الاطهار تأليف سيدنا القاضي الاجل النعمان بن محمد بن منصور قدس الله روحه و رزقنا شفاعته و انسته .
(93)
شرح الاخبار في فضائل الائمة الاطهار للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي الموفى سنة 363 ه . ق الجزء السادس
(94)
. .
(95)
بسم الله الرحمن الرحيم [ عدلوا إلى معاوية ] فأما نزوع من نزع عن علي صلوات الله عليه إلى معاوية ، فلم يكن أحد منهم نزع عنه إليه اختيارا لدينه ، و لا ناظرا لامر آخرته ، و إنما نزع عنه اليه من نزع لما قدمناه ذكره من مطالبة علي صلوات الله عليه لهم بما أقطعوه و اقتطعوه من مال الله ، و خوفهم من أن يقيم عليهم حدود الله ، و لما وثقوا به من إطعام معاوية إياهم مال الله و تبجيحهم ( 1 ) لديه في معاصي الله ، و تحرمهم ( 2 ) به من اقامة حدود الله التي لزمتهم ، كنز و ع عبيد الله بن عمر بن الخطاب اليه لقتله الهرمزان - و قد ذكرنا قصته - ، و ما كان من تخلية عثمان إياه ، و تواعد علي عليه السلام له بالقتل إن قدر عليه ، و إقامة الحق فيه ، و القود منه ، فلحق بمعاوية ، فأمنه . و مثل النجاشي ( 3 ) لما شرب الخمر ، فأقام عليه علي عليه السلام الحد ، و خاف من ذلك ، فلحق بمعاوية ، فكان يشربها بالشام صراحا . و مثل مصقلة بن هبيرة ، فإنه اشترى سبي بني ناجية ( 4 ) و أعتقهم فطلبه 1 - أي تفاخرهم . و في نسخة - ج - : نحبجهم . 2 - و في نسخة - أ - : و تحريمهم . 3 - و هو قيس بن عمر الشاعر من بني الحارث بن كعب . 4 - و هم قوم من النصارى من أهل البصرة أسلموا ، ثم ارتدوا ، فدعوهم إلى الاسلام ، فأبوا ، <
(96)
علي عليه السلام بأثمانهم ، فهرب عنه إلى معاوية في عامة بني شيبان ، و هم عدد كثير ، معروف كان عنده مقامهم ، و مشهورة أيامهم . و كان يزيد بن حجبة من وجوه أصحاب علي عليه السلام فاستدرك عليه ما لا من مال خراج المسلمين ، فطالبه به ، و حبسه لما له عن الاداء ، ففر من محبسه ( 1 ) و لحق بمعاوية في عدد كثير من قومه . و الحق أيضا بمعاوية خالد بن معمر في عامة بني سدوس لامر نقمه على علي صلوات الله عليه ، و لقدره ، و كثرة من جاء به إلى معاوية من قومه . قال قائل شعرا : معاوي أمر خالد بن معمر فإنك لو لا خالد لم تؤمر و ممن هرب عن علي ( 2 ) صلوات الله عليه إلى معاوية من مثل هؤلاء كثير من وجوه العرب و رؤسائهم ، و من أهل البأس و النجدة و الرياسة في عشائرهم لما اتصل عن معاوية من بذله الاموال ، و إفضاله على الرجال ، و إقطاعه القطائع مثل إطعامه عمرو بن العاص خراج مصر ، و إقطاعه ذا الكلاع ، و حبيب بن سلمة ( 3 ) ، و يزيد بن حجبة ، و غيرهم ما أقطعهم ، و أنالهم إياه ، و علموا ما عند علي عليه السلام من شدته على الخائن ، و قمعه الظالم ، و عدله بين الناس ، و استرجاعه ما أقطعه عثمان ، و فشى ذلك عنه ، و تفاوض أهل الطمع ، و قلة الورع فيه ، حتى قال خالد بن المعمر للعباس بن الهيثم : فقاتلوهم ، و أسروا منهم ، و آتوا بهم ، إلى أمير المؤمنين ، فجاء مصقلة ، و اشتراهم بخمسمائة ألف درهم ، و هرب إلى معاوية ، فقيل لامير المؤمنين عليه السلام : ألا تأخذ الذرية ؟ فقال : لا . فلم يعرض لهم . 1 - و في نسخة - د - : من حبسه و هو يزيد بن حجبة التميمي من بني تيم بن ثعلبة . 2 - و في نسخة - ج - : اتى من هرب عن علي صلوات الله عليه . 3 - هكذا في الاصل و الصحيح حبيب بن مسلمة الفهري القرشي ولاه عثمان آذربايجان ، و ولاه معاوية ارمينيا و مات فيها 42 ه و شارك في صفين بجنب معاوية .
(97)
اتق الله في عشيرتك و انظر في نفسك ، ما تؤمل من رجل سألته أن يزيد في عطاء ابنيه الحسن و الحسين دريهمات لما رأيته حالتهما ( 1 ) ، فأبى علي ، و غضب من سؤالي إياه ذلك . فكان ذلك مما تهيأ به لمعاوية ما أراده ، و هو في ذلك مذموم مشكور ، بل مأثوم مأزور ، و مما امتحن الله به عليا عليه السلام ، و هو فيه محمود مشكور ، مثاب مأجور ، و فيما منع منه معذور ، على أن أكثر من نزع عن علي عليه السلام ، و لحق بمعاوية لم يكونوا جهلوا فضل علي عليه السلام ، و لا غبي عنهم نقص معاوية ، و لكنهم إنما قصدوه للدنيا التي أرادوها و قصدوها . و قد باين معاوية كثير منهم كالذي يحكى عن عمرو بن العاص ، أنه لما قدم عليه جعل يذكر له فضل القيام بدم عثمان ، و ما في ذلك من الثواب و الاجر ( 2 ) ، و ما في اتباعه في ذلك إذا قام به ( 3 ) . فقال له عمرو : دعني من هذا يا معاوية إنما جئتك لطلب الدنيا ، و لو أردت الآخرة للحقت بعلي . فأقطعه مصر . و كان ابنه قد كره له المسير ( 4 ) إلى معاوية ، فلما سمع منه ما سمع قال : يا أبة و ما عسى أن يكون من مصر في أن تؤثر بها الباطل على الحق ؟ فقال عمرو : و ان لم يشبعك مصر فلا أشبع الله بطنك ( 5 ) . و كالذي يحكى من قول معاوية للنجاشي ، و قد أقطعه و أرضاه : أينا ( 6 ) 1 - هكذا في ب و في نسخة الاصل : خلتهما . 2 - و في نسخة - أ - : من الاجر و الثواب . 3 - هكذا في نسخة - أ - : و في نسخة الاصل و - ج - : إذ قد قام بذلك . 4 - و في نسخة - ب - : المصير . 5 - و في نسخة - أ - : لك بطنا . 6 - هكذا في نسخة د ، و في بقية النسخ : أيهما .