الله عليه و آله يقول لعلي عليه السلام : أنت مع الحق ، و الحق معك . فكذبه معاوية في ذلك و تواعده ، إن لم يأت بمن سمع ذلك معه ، و استشهد بأم سلمة رضوان الله عليها . فقالت : نعم ، في بيتي قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله . و قد ذكرت الخبر بتمامه فيما تقدم ( 1 ) . و كان سعد من أفاضل الصحابة عندهم ، و كان أحد الستة الذين أقامهم عمر للشورى ، و استعمله عمر على الكوفة ، ثم عزله ، و رضيه للخلافة . و استعمله بعد ذلك عثمان على الكوفة ، ثم عزله عنها . [ الوليد بن عقبة ] و ولي مكانه الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية ( 2 ) . و كان أمية بن عبد شمس ( 3 ) - فيما ذكر الكلبي - قد خرج إلى الشام فوقع على أمة للخم ( 4 ) يهودية من أهل صفورية ، و لها زوج يهودي من أهل الصفورية ، فولدت ولدا سمي ذكوان ، فادعاه أمية ، و أخذه من امه . و سلمه زوجها اليهودي الذي كان ولد على فراشه اليه ، و أتى به أمية إلى مكة ، و كناه : أبا عمر . و لذلك قال رسول الله صلى الله عليه و آله ، لما أمر بقتل عقبة بن أبي معيط - هذا الذي استعمله عثمان مكان سعد بن أبي وقاص - لما 1 - في الجزء الخامس ، فراجع . 2 - أبو وهب ، أخو عثمان لامه ، رثى عثمانا توفي بالرقة 61 ه . 3 - و هو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي جد الامويين جاهلي ، عاش إلى ما بعد مولد النبي صلى الله عليه و آله . 4 - لخم : حي من اليمن . والصفورية قرية في فلسطين شمال غرب مدينة الناصرة . فيها آثار يونانية و رومانية .
(120)
استعطفه بالقرابة . فقال له رسول الله : وأي قرابة لك ، إنما أنت يهودي من أهل صفورية . فقال : فمن للصبية ( 1 ) ؟ قال : النار . و كان معه من صبيته الوليد هذا . و هو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه و آله بالنار . و كان رسول الله صلى الله عليه و آله قد استعمل الوليد على صدقات بني المصطلق . و أتى فقال : منعوني الصدقة - و هو كاذب - . فأمر رسول الله صلى الله عليه و آله بالسلاح إليهم ، فأنزل الله عز و جل " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " ( 2 ) . و قد وقع بينه و بين علي صلوات الله عليه كلام . فقال : لانا ارد للكتيبة ، و اضرب لها مة ( 3 ) البطل المشيح منك . فأنزل الله عز و جل فيها : " أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " الآية ( 4 ) . و كان الوليد هذا أخا عثمان لامه ( 5 ) ، و كان جده - أبو عمر - قد تزوج 1 - أي للبنين . و بنوه يومئذ : الوليد و عمارة و خالد و هشام . 2 - الحجرات : 6 ( 3 ) و في نسخة - ب - : نهامة . 4 - السجدة : 18 . و بهذا الصدد يقول حسان بن ثابت : أنزل الله في الكتاب عزيز في على و في الوليد قرآنا فتبوأ الوليد من ذاك فسقا و علي مبوأ ايمانا ليس من كان مؤمنا عرف الله كمن كان فاسقا خوانا فعلي يلقى لدى الله عزا و وليد يلقى هناك هوانا سوف يجزى الوليد خزيا و نارا و علي لا شك يجزي جنانا 5 - ام عثمان أوى بنت كريز بن حبيب .
(121)
إمرأة أبيه من بعده في الجاهلية . و كان الوليد مع هذا العرق الخبيث و الاصل السوء ، و ما أنزل الله عز و جل فيه ، و أنه من أهل النار ، و شهادة النبي صلى الله عليه و آله له بالنار ، من سوء الحال بحيث لا يخفى حاله . و لما ولاه عثمان الكوفة صلى بالناس - و هو سكران - فلما سلم التفت إليهم ، و قال : أزيدكم ؟ ( 1 ) و شهد بذلك عليه عند عثمان ، فلم يجد بدا من عزله . [ نعود إلى الجواب ] فهذا الوليد بهذا الحال قد عزل عثمان به سعد بن أبي وقاص على ما ذكرنا من حاله . فما امتنع سعد من أن يعتزل ، و لا قال لعثمان ، و لا لعمر قبله - إذ عزلاه - : لم تعزلاني ؟ و ما أحدثت حدثا ، و آويت محدثا ، كما قال معاوية ، أو تقول ذلك له ، و لا امتنع ، و لا كان أكثر ما قال في ذلك . إلا أنه لما قدم عليه الوليد بن عقبة عاملا مكانه و جاء بعزله ، قال له : ليت شعري اكست بعدنا أم حمقنا بعدك . فقال له الوليد : يا أبا إسحاق ، ما كسنا و لا حمقنا ، و لكن القوم استاثر و ها . فهذا فعل عثمان الذي يذكر معاوية أنه إمامه و مولاه ، فكان أولى به أن يقتدي بفعله ، و لا يحتج بشيء يخالفه فيه . و أما قوله : إن عليا صلوات الله عليه لم يأخذ الخلافة من جهة التشاور 1 - و فيه يقول الخطيئة : تكلم في الصلاة و زاد فيها علانية و جاهر بالنفاق ويح الخمر في سنن المصلي و نادى و الجميع إلى افتراق أزيدكم على أن تحمدوني فما لكم و مالي من خلاق
(122)
كما أخذها عثمان ، و لا نص عليه عثمان كما نص أبو بكر على عمر ، و لا اجتمعت الامة عليه كما اجتمعوا على أبي بكر . فالإِمامة فريضة من الله عز و جل افترضها على عباده ، و أمرهم بطاعة من افترضها له من أئمة دينه كما افترض عليهم طاعته و طاعة رسوله صلى الله عليه و آله ، و وصل هذه الطاعات الثلاث بعضها ببعض ، فقال جل من قائل : " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الامر منكم " ( 1 ) . و لم يفوض الطاعة إليهم فيقول لهم : أطيعوا من شئتم فيكون لهم أن ينصبوا إماما لانفهسم يطيعونه ، و أن يقيموا نبيا أو الها من دونه ، و لكنهم إنما تعبدوا بطاعة من اصطفاه عليهم ، و أقامه لهم من رسله ، فقال سبحانه : " الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس " ( 2 ) ، و قال سبحانه : " إني جاعل في الارض خليفة " ( 3 ) . و قال لابراهيم : " إني جاعلك للناس إمام قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " ( 4 ) و لم يكن النبي صلى الله عليه و آله جعل للناس في حياته أن يولوا عليهم واليا ، و لا أن يؤمروا على أنفهسم أميرا ، بل كان هو في أيام حياته الذي يؤمر عليهم الامراء ، و يولي الولاة ، و طاعته واجبة على العباد في حياته و بعد وفاته ، و سنته متبعة من بعده كما كانت متبعه في وقته ، و قد أمر عليهم عليا عليه السلام و أخذ عليهم بيعته في موطن ، كما ذكرنا ذلك و بيناه في هذا الكتاب ( 5 ) ، فكان علي صلوات الله عليه إمام الامة بنص رسول الله صلى الله عليه و آله و التوقيف عليه كما يجب أن تكون كذلك الامامة لا كما زعم هذا القائل : إنها تكون باختيار الناس و إجماعهم كما زعم أنهم أجمعوا على أبي بكر و ما أجمعوا عليه كما قال ، 1 - النساء : 59 . ( 4 ) البقرة : 124 . 2 - الحج : 75 . ( 5 ) و في نسخة - د - : في ذلك الكتاب . 3 - : البقرة : 30 .
(123)
و لا عقد له ذلك إلا نفر منهم ، و هذا ما لا يدفع و لا ينكر . و لو لم تجب الامامة للامام حتى يجتمع الناس عليه ، ما أجمعوا على إنسان أبدا . و إن كانت كما زعم إنما تجب بإجماع الناس ، فلم أقام أبو بكر عمر دونهم ، و أنكروا عليه إقامته ، فلم يلتقت إلى إنكارهم إذ اجتمعوا اليه ، فقالوا : نناشدك الله أن تولي علينا رجلا فظا غليظا . فقال : أبا لله تخوفونني ! أقعدوني . فأقعدوه . فقال : نعم إذا لقيت الله عز و جل ، قلت له : إني قد وليت عليهم خير أهلك . فإن كانت الامامة لا تجب إلا بإجماع الناس ، فقد أخطأ أبو بكر في توليته عمر عليهم ، و هم له كارهون ، و عمر في ولايته عليهم و هم عليه مجتمعين . و في اقتصار عمر بها على ستة من بعده جعلهم فيها يتشاورون دون جميع المسلمين . فلا هو اقتدى بفعلهم في أبي بكر ، ليجمعوا كما زعم هذا القائل على من رأوه ، و لا هو نص على رجل بعينه كما نص أبو بكر عليه . و الامامة فريضة من فرائض الدين و ليس للناس أن يحيلوا فريضة من فرائض دينهم ، و لا أن يزيدوا فيها و لا أن ينقصوا منها ، فالاستحالة إنما كانت في عقد الامامة من قبل من جعلهم هذا القائل حجة لنفسه بزعمه ، و أخذ علي عليه السلام الامامة إنما كان من الذي أوجب الله عز و جل أخذها منه عن رسول الله صلى الله عليه و آله . و قد تقرر ( 1 ) القول فيما تقدم من هذا الكتاب بذكر ذلك و ما يؤيده 1 - و في الاصل : و قد تكرر .
(124)
و يشهد له و يثبته ( 2 ) و يؤكد صحته . و أما قوله : إنه لم يكن له أن يسلم اليه علقا ( 2 ) في الفرقة كان تسلمه من أهله في الجماعة . [ الجماعة ] فالجماعة في المتعارف في اللغة : قوم مجتمعون على أمر ما كان . فإن اجتمعوا على حق كانت جماعتهم جماعة محمودة ، و إن اجتمعوا على باطل كانت جماعتهم جماعة مذمومة . و القول في الجماعة و الاجتماع يخرج من حد هذا الكتاب ، و قد أثبتنا منه صدرا كافيا في كتاب اختلاف أصول المذاهب ، فمن أثر علم ذلك وجده فيه إلا أنا نذكر في هذا الكتاب طرفا منه يكتفي به إن شاء الله تعالى . و ذلك إنا إنما وجدنا ذكر الجماعة يجرئ مع قولهم أهل السنة و الجماعة . فالسنة : سنة رسول الله صلى الله عليه و آله . و الجماعة المحمودة : هي الجماعة المجتمعة عليها و على القول بكتاب الله عز و جل ، و بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه و آله ، كما كانت الجماعة التي كانت كذلك مع رسول الله صلى الله عليه و آله تتبعه و تأخذ عنه و لا تفارقه ، هي الجماعة المحمودة ، والمفارقون له ، و إن اجتمعوا و كثروا ، فليسوا بجماعة محمودة . و على ذلك تكون الجماعات من بعده ، و قد جاء عنه صلى الله عليه و آله أنه قال : افترق بنو إسرائيل على اثنين و سبعين فرقة ، و ستفترق أمتي ( 3 ) على ثلاث و سبعين فرقة ، فرقة واحدة ناجية و سائرها هالكة في النار . ( 1 ) و في نسخة - أ - : يبينه . 2 - العلق : الشيء النفيس . 3 - و في نسخة - ج - : على أمتي .
(125)
قيل : يا رسول الله ، و من الفرقة الناجية ؟ قال : أهل السنة و الجماعة . قيل : و من أهل السنة و الجماعة ؟ قال : الذين هم علي ما أنا اليوم عليه و أصحابي ( 1 ) . و قد ذكرت أن الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و أصحابه ، إنه لم يكن يتقدم عليهم ، و لا يتأمر عليهم إلا من قدمه رسول الله صلى الله عليه و آله و أمره ، و هذا ما لا اختلاف فيه بين المسلمين أعلمه . فأصحاب السنة و الجماعة بعده كذلك من اتبع من قدمه رسول الله صلى الله عليه و آله و أمن عليهم ، و إن قل عددهم ، و من خالف في ذلك سنته ، و قدم من لم يقدمه ، و أمر من لم يؤمره ، فليسوا من أهل السنة و الجماعة المحمودة و هم أهل جماعة مذمومة . و قد سئل علي صلوات الله عليه من أهل السنة ، و من أهل الجماعة ، و من أهل البدعة ؟ فقال : أما أهل السنة فالمستمسكون بما سنه رسول الله صلى الله عليه و آله و ان قلوا ، و أما أهل الجماعة فأنا و من اتبعني و إن قلوا ( 2 ) ، و أما أهل 1 - رواه الترمذي و حسنه الالباني في صحيح الجامع : 5219 . 2 - و نعم ما قاله الشافعي رحمه الله : و لما رأيت الناس قد ذهبت بهم مذاهبهم في أبحر ألغي و الجهل ركبت على اسم الله في سفن النجا و هم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل و أمسكت حبل الله و هو ولاؤهم كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل إذا افترقت في الدين سبعون فرقة و نيف كما جاء في محكم النقل و لم يك ناج منهم فرقة فقل لي بها يا ذا الرجاحة و العقل أفي الفرق الهلاك آل محمد ؟ ! أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي فإن قلت في الناجين فالقول واحد و إن قلت في الهلاك حفت عن العدل <