ثم يرد فرعون أمتي في أتباعه ، فأخذ بيده ( 1 ) فإذا أخذ بها اسود وجهه و [ ر ] جفت قدماه و خفقت أحشاؤه ، و يفعل ذلك بأتباعه . ثم قال : هو معاوية بن أبي سفيان . فأقول : ماذا أخلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذبنا الاكبر و مزقناه و قاتلنا الاصغر و قتلناه . فأقول : اسلكوا طريق أصحابكم ، فينصرفون ظمأ مسودة وجوههم لانه لا يطعمون منه قطرة . و من أجل هذا الحديث و غيره مما رواه أبو ذر رحمة الله عليه عن رسول الله صلى الله عليه و آله في بني أمية حل به ما حل من النفي و التكذيب ، و قد شهد له رسول الله صلى الله عليه و آله بالصدق . فقال عليه الصلاة و السلام : ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ( 2 ) فنفاه عثمان إلى الربذة ، فمات بها طريدا وحيدا ، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه و آله بذلك ، و رآه يمشي في غزوة تبوك في آخر الناس وحده . فقال : رحم الله أبا ذر يمشي وحده و يموت وحده و يبعث وحده . [ من أعمال معاوية ] ( 3 ) و قيل : إن معاوية سم سعد بن أبي وقاص ، فمات ، لما كان يرويه عن 1 - و في اليقين : و هي راية العجل فأقوم اليه فأخذ بيده . 2 - رواه احمد بن حنبل في مسنده عن ابيه عن حسن بن موسى و سليمان بن حوب قالا : حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن بلال بن أبي درداء عن أبي درداء أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال : ما اقلت الغبراء . الحديث ( مسند احمد 6 / 442 ) . 3 - و لا يخفى أن أعماله الاجرامية كثيرة لم يذكر المؤلف إلا الندر القليل ، و من أراد الاطلاع على أكثر مما ذكره فليراجع : النصائح الكافية ، و فصل الحاكم ، و تقوية الايمان رد تزكية ابن أبي سفيان للسيد محمد بن عقيل العلوي ، و غيرها . .
(169)
رسول الله صلى الله عليه و آله فيه . و قيل لمالك بن أنس : كان معاوية حليما ، فقال : و كيف يكون حليما من أرسل بسر بن أرطاة ما بينه و بين اليمن لا يسمع بأحد عنده خبر يخاف منه إلا قتله حتى إذا قتل الناس و حلم ، ما كان بحليم و لا مبارك . و ذكر الشعبي معاوية ، فقال : كان كالجمل الطب ( 1 ) إن سكت عنه أقدم ، و إن قدم عليه تأخر . [ ضبط الغريب ] و الجمل الطب : هو الذي يتعاهد موضع خفه أين يطاء به . فكأنه شبهه بذلك الجمل . إنه ينظر في امور الناس كما ينظر ذلك الجمل أن يضع خفيه ، فمن رأى أنه يقدم عليه تأخر عنه ، و من رأى أن يحجم عنه أقدم عليه . و قيل لشريك بن عبد الله : أ كان معاوية - كما يقال - حليما ؟ فقال : لا و كيف يكون حليما من سفه الحق . [ 515 ] و قال الحسن البصري : غزوت الدوب ( 2 ) زمان معاوية ، و علينا رجل من التابعين - ما رأيت رجلا أفضل منه - . فانتهى إلينا ان معاوية قتل حجر بن عدي و أصحابه ، فصلى بنا الظهر ، ثم خطب . فحمد الله و أثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه و آله ، ثم قال : أما بعد ، فقد حدث في الاسلام حدث لم يكن مذ قبض رسول الله صلى الله عليه و آله ، و ذلك أن معاوية قتل حجر بن عدي 1 - و نسخة الاصل : كالجمل الطت : أي الماهر المعلم . 2 - و في نسخة - أ - : الدروب و نسخة - ج - : الدرب .
(170)
و أصحابه من المسلمين صبرا ، فإن يك عند الناس تغيير ( 1 ) و إلا فاني أسأل الله أن يقبضني اليه . قال الحسن : فو الله ما صلينا العصر من ذلك اليوم حتى مات رحمة الله عليه . 1 - و في نسخة - ج : تفسير .
(171)
[ مقتل حجر بن عدي ] و كان حجر بن عدي من خيار الصحابة ، و لم يقتل في الاسلام مسلم صبرا قبله . قتله معاوية و أصحابه بعد أن حملوا اليه مصفدين في بستان ( 1 ) . فقيل : إن شجر ذلك البستان جفت من يوم ذلك و كان من أصحاب علي عليه السلام . [ 516 ] فقيل : إن معاوية دخل - بعد أن قتل حجرا و أصحابه - ( 2 ) على عائشة . 1 - يقال له مرج العذراء ، قرية بقوطة دمشق ، من اقليم خولان . 2 - قال ابن العماد في شذرات الذهب 1 / 130 : و أصحابه هم : 1 - ولده همام . 2 - شريك بن شدد الحضرمي . 3 - محرز بن شهاب التميمي . 4 - قبيصة بن ربيعة العبسي . 5 كدام بن حيان العنزي . 6 - صيفي بن فسيل الشيباني . و أجاد من قال : جماعة بفنا عذراء قد دفنوا لهم من الله إجلال و إكرام حجر و قبيصة صيفي شريكهم و محرز ثم همام و كدام عليهم ألف رضوان و مكرمة تترى تدوم عليهم كلما داموا و مثلها لعنات للذي سفكوا دماءهم و عذاب للذي استاموا
(172)
فقالت له : تدخل علي بعد أن قتلت حجرا و أصحابه ، أما خفت أن أقعد لك رجلا من المسلمين يقتلك . فقال لها معاوية : لا اخاف ذلك ، لاني في دار أمان ، لكن كيف أنا في حوائجك ؟ قالت : صالح . قال : فدعيني و إياهم حتى نلتقي عند الله . قالت : و كيف أدعك و قد أحدثت مثل هذا الحدث ، و غيرت حكم رسول الله صلى الله عليه و آله ، [ حيث ] قال صلى الله عليه و آله : الولد للفراش ، فنفيت زيادا عمن ولد على فراشه ، و نسبته إلى أبيك ، و وليت يزيد برأي نفسك . فقال : يا ام المؤمنين ، أما إذا أبيت ، فاني لو لم أقتل حجرا لقتل بيني و بينه خلق كثير ، و اما زياد فإن أبي عهد إلي فيه ، و أما يزيد فاني رأيته أحق الناس بهذا الامر ، فوليته . و كان عند عائشة المغيرة بن شعبة المسور بن مخرمة ( 1 ) ، فقالت لهما : أما تسمعان عذر معاوية . فأما المغيرة فرفق له في القول . و أما المسور فغلظ عليه فيه ثم افترقوا . فوفد المسور بعد ذلك على معاوية في جماعة فحجبه دونهم فقضى حوائجهم و أخره ، ثم أدخله بعد ذلك اليه ، فقال له : أتذكر كلامك عند عائشة ؟ قال : نعم و الله ما أردت به إلا الله . 1 - و هو أبو عبد الرحمن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب القرشي و خاله عبد الرحمن بن عوف ولد 2 ه أدرك النبي و سمع منه . كان مع ابن الزبير فأصابه حجر من حجارة المنجنيق في الحصار بمكة فقتل 64 ه .
(173)
قال : دع هذا ، و هات حوائجك . فأما اعتراف معاوية بقتل حجر و أصحابه فلشئ توهمه - قد يكون ، و قد لا يكون - فذلك القتل ظلما ، و قد تواعد الله تعالى عليه بالنار ( 1 ) . و أما اعتذاره في أن أباه عهد اليه في إلحاق زياد به ، فاتباعه أمر أبيه و مخالفته أمر رسول الله صلى الله عليه و آله مما تواعد الله تعالى عليه الفتنة و العذاب الاليم ( 2 ) . و أما قوله : إنه رأى يزيد أحق الناس بالامامة فذلك من رأيه الفاسد ، و قد لعنه رسول الله صلى الله عليه و آله - كما ذكرت - و لعن أباه و ابنه يزيد . و من لعنه رسول الله صلى الله عليه و آله فهو ملعون ، و الملعون لا يكون إماما ( 3 ) . 1 - اشار إلى الآية الكريمة : " و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنة و اعدله عذابا عظيما " النساء : 93 . 2 - روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله قال : لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فقد كفر . و روى أيضا عن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ و آله ] يقول : من ادعى إلى أبيه و هو يعلم أنه أبيه فالجنة عليه حرام . 3 - و خير ما نختم به هذا الجزء قصيدة للشاعر السوري محمد مجذوب بعنوان : على قبر معاوية : أين القصور أبا يزيد و لهوها و الصافنات و زهوها و السؤدد أين الدهاء نحرت عزته على أعتاب دنيا سحرها لا ينفد أثرت فانيها على الحق الذي هو لو علمت على الزمان مخلد تلك البهارج قد مضت لسبيلها و بقيت وحدك عبرة تتجدد هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه لاسال مدمعك المصير الاسود كتل من الترب المهين بخربة سكر الذباب بها فراح يعربد خفيت معالمها على زوارها فكأنها في مجهل لا يقصد و مشى بها ركب البلى فجدارها عار يكاد من الضراعة يسجد <
(174)
فهذه نكت قد ذكرناها كما شرطنا مختصرة من مثالب معاوية و بني أمية . و قد ذكرنا تمام القول في ذلك في كتاب المناقب و المثالب ، و من أراد استقصاء ذلك نظر فيه ، و إن كنا أيضا قد اختصرناه . ففي واحدة مما ذكرنا من ذلك ما يوجب إسفاط من دكرت فيه و لا يقاس بأهل الفضل الذين نطق القرآن بفضلهم و أبانهم الرسول به صلى الله عليه و آله و هم على وصيه و الائمة من ولده عليهم السلام . و قد ذكرنا و نذكر في هذا الكتاب من فضائله و فضائل الائمة من ولده عليهم السلام ما لا يخفى فضلهم ، و فرق ما بينهم و بين من ادعى مقاماتهم ، مع ما ذكرنا و نذكره من ذلك على من وفق لفهمه ، و هدي لرشده إن شاء الله تعالى . تم الجزء السادس من كتاب شرح الاخبار ، و الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله و آله أجمعين ، و يتلوه الجزء السابع منه ، تأليف سيدنا القاضي الاجل النعمان بن محمد رضوان الله عليه . و القبة الشماء نكس طرفها فبكل جزء للفناء بها يد تهمي السحائب من خلال شقوقها و الريح في جنباتها تتردد حتى المصلى مظلم فكأنه مذ كان لم يجتز به متعبد أ أبا يزيد لتلك حكمة خالق تجلى على قلب الحكيم فيرشد أ رأيت عاقبة الجموح و نزوة أودى بلبك غيها المتردد أغرتك بالدنيا فرحت تشنها حربا على الحق الصراح و توقد أ أبا يزيد و ساء ذلك عترة ماذا أقول و باب سمعك موصد قم و ارمق النجف الشريف ينظرة يرتد طرفك و هو باك أرمد تلك العظام أعز ربك قدرها فتكاد لو لا خوف ربك تعبد أبدا تباكرها الوفود يحثها من كل صوب شوقها المتوقد نازعتها الدنيا ففزت بوردها ثم انطوى كالحلم ذاك المورد وسعت إلى الاخرى فأصبح ذكرها في الخالدين و عطف ربك أخلد