ما يشتكي منك سليك ، يا فضة ؟ فقالت : أنت تحكم في ذلك ، و ما يخفي عليك لم منعته من نفسي ! قال عمر : ما أجد لك رخصة . قالت : يا أبا حفص ، ذهبت بك المذاهب إن ابني من غيره مات فأردت أن أستبرئ نفسي بحيضة ، فإذا أنا حضت علمت أن ابني مات و لا أخ له . و إن كنت حاملا كان الذي في بطني أخوه . فقال عمر : شعرة من [ آل ] أبي طالب أفقه من عدي . [ 673 ] و بهذا الاسناد أن عقبة بن أبي عقبة مات ، فحضر جنازته علي عليه السلام و معه جماعة من الصحابة فيهم عمر - و ذلك في أيامه - . فقال علي صلوات الله عليه لرجل كان حاضرا . إن عقبة لما توفي حرمت عليك إمرأتك ، فاحذر أن تقربها . فقال عمر : كل قضاياك يا أبا الحسن عجيب ، و هذه من أعجبها ، يموت إنسان فتحرم على آخر إمرأته ! قال : نعم . إن هذا عبد كان لعقبة تزوج إمرأة حرة هي اليوم ترث بعض ميراث عقبة ، فقد صار بعض زوجها رقا لها ، و بضع المرأة حرام على عبدها حتى تعتقه و يتزوجها . فقال عمر : لمثل هذا أمرنا أن نسألك عما اختلفنا فيه . [ حكم الخنثى ] [ 674 ] الحسن بن الحكم ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه بينا هو في الرحبة إذ وقف اليه خمسة رهط [ فسلموا ] ( 1 ) ، فلما رآهم أنكرهم ، 1 - ما بين المعقوفتين من المستدرك للنوري : 3 / 169 .
(330)
فقال : أمن أهل الشام أنتم ، أم من أهل الجزيرة ؟ قالوا : من أهل الشام . قال : و ما تريدون ؟ قالوا : جئنا إليك لتحكم بيننا ، نحن إخوة هلك والدنا و تركنا خمسه اخوة ، و هذا أحدنا - و أو موا إلى واحد منهم - له ذكر كذكر الرجل و فرج كفرج المرأة ، فلم ندر كيف نورثه ، أ نصيب رجل أم نصيب إمرأة ؟ قال : فهلا سألتم معاوية ؟ قالوا : قد سألناه ، فلم يدر ما يقضي به بيننا ، و هو الذي أرسلنا إليك لتقضي بيننا . فقال علي عليه السلام : لعن الله قوما يرضون بقضايانا و يطعنون علينا في ديننا . ثم قال لمن حوله : إن من صنع الله تعالى لكم إن أحوج عدوكم إليكم في أمر دينهم يسألونكم عنه و يأخذونه عنكم . ثم قال للرهط : انطلقوا بأخيكم ، فإذا أراد أن يبول فانظروا إلى بوله ، فان جاء أو سبق مجيئه من ذكره فهو رجل فورثوه ميراث الرجل . و إن جاء أو سبق من الفرج ، فهو إمرأة فورثوها ميراث إمرأة . [ فبال من ذكره ، فورثه كميراث الرجل منهم ] ( 1 ) . [ أربعة سقطوا في زبية ] [ 675 ] محمد بن عبد الله بن علي بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي 1 - ما بين المعقوفتين من الغارات : 1 / 193
(331)
عليه السلام أنه قضى في أربعة نفر تطلعوا إلى أسد سقط في زبية ( 1 ) فسقط أحدهم ، فتمسك بالثاني ، و تمسك الثاني بالثالث ، و الثالث بالرابع ، فسقطوا على الاسد ، فافترسهم ، فماتوا . فقضى أن الاول فريسة الاسد ، و أن عليه ثلث دية الثاني ، و على الثاني ثلثا دية الثالث ، و على الثالث دية الرابع كاملة ، و ليس على الرابع شيء و لا للاول شيء . [ أقول ] و قل من شرح هذه القضيه ، و ما علمت أن أحدا شرحها . و شرحها : أن الرابع هو المجبوذ إلى الموت ، و أن الثلاثة الذين هووا قبله ، و هم جذبوه ، فكانت ديته عليهم أثلاثا ، فغرم أوليآء الاول ثلث الدية لاولياء الثاني ، و غرم أوليآء الثاني ثلثي الدية لاولياء الثالث ، فزادوا من عندهم ثلث الدية كما غرم أوليآء الاول ، فأخذ أوليآء الثالث ثلثي الدية و غرموا دية كاملة ، فزادوا ثلثا من عندهم ، فصارت دية الرابع المجبوذ الذي لم يجن شيئا على الثلاثة الذين جنوا عليه ، و جرت كذلك من بعضهم على بعض لاستمساك بعضهم ببعض و ضمن كل واحد ما يليه لمن تمسك به و ضمن الثالث دية الرابع كاملة لانه هو الذي تمسك به و وجب له الرجوع على الثاني و الاول بالثلثين لانهما جبذاه معه ، فكأن الثلث على كل واحد منهم . [ 676 ] أحمد بن منيع ( 2 ) ، باسناده ، عن [ خش بن ] ( 3 ) المعتمر ، أن عليا 1 - الزبية : الحفرة التي يصطاد فيها السباع 2 - في كتابه الامالي . 3 - هكذا صححناه و في الاصل : حسن . و هو أبو المعتمر حنش بن المعتمر و يقال ابن ربيعة الكناني الكوفي .
(332)
عليه السلام قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و آله إلى اليمن ، فوجدت قوما من أهل اليمن قد احتفروا للاسد زبية ، فوقع فيها ، فأصبح الناس ينظرون إليه ، و ازدحموا على الزبية ، فسقط فيها رجل ، فتعلق بآخر ، و تعلق الثاني بالثالث ، و الثالث برابع ، فوقعوا كلهم على الاسد ، فقتلهم . فقام أوليآء - الثلاثة على أوليآء الاول ، و قالوا : صاحبكم قتل أصحابنا ، و لبسوا السلاح و تهيأ واللحرب . فقلت لهم : أنا أقضي بينكم في هذا بقضاء ، فإن رضيتموه و الا فاذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فاسألوه . قالوا : و ما هذا القضاء ؟ قلت : أجمعوا من القبائل الذين حضروا الزبية ، و ازدحموا عليها ، لاولياء الاول ربع دية ، لانه جبذ ثلاثة و هو رابعهم . و ثلث دية لاولياء الثاني ، لانه جبذ اثنين و هو ثالثهما ، و نصف الدية لاولياء الثالث ، لانه جبذ واحدا و هو ثانيه ، ودية كاملة لاولياء الرابع ، لانه جبذ و لم يجبذ أحدا . فأمسكوا عن الحرب و آتوا النبي صلى الله عليه و آله ، فأخبروه الخبر . فقال : القضاء ما قضاه علي بينكم . فهذه الرواية ، قد جاءت مفسرة ، و ليس هي من الاولى في شيء ، هذه ذكر فيها أن الذين سقطوا في الزبية إنما كان سقوطهم بازدحام من حضر معهم و لذلك جعل علي عليه السلام الدية على من حضر و ليس في الاولى ذكر زحام ، و انما فيها أن بعضهم جبذ بعضا . و الذي ذكرته في هذا الباب من ذكر علم علي عليه السلام ، و ما جاء
(333)
من قضاياه في المشكلات التي لم يدر أحد من الصحابة كيف القضاء فيها غيره يخرج إن تقصيته عن حد هذا الكتاب ، و قد ذكرت ذلك و ما جاء من مثله عن الائمة صلوات الله عليهم في كتاب ( الاتفاق و الافتراق ) و في كتاب ( الايضاح ) و في غيرها من كتب الفقة التي بسطت فيها قول الائمة من أهل البيت صلوات الله عليهم في الحلال و الحرام و القضايا و الاحكام ، و أثبت فيها فضل علمهم صلوات الله عليهم على كافة الناس غيرهم ، و أن ذلك منقول فيهم يتوارثونه عن رسول الله صلى الله عليه و آله ليس كالذي تعاطاه من خالفهم من العوام من القول في ذلك بآرائهم و قياسهم و استحسانهم و استنباطهم و غير ذلك مما نحلوه من الاسماء باختراعهم ، و قد أخبر الله عز و جل في كتابه بما رفعه من درجات اولي العلم على عبادة فقال تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا العلم درجات " ( 1 ) و قال جل من قائل : " هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الالباب " ( 2 ) و قد أبان رسول الله صلى الله عليه و آله رفع درجة علي عليه السلام على جميع أمته بما ذكرناه في هذا الباب . من قوله عليه السلام : أعلم الناس من بعدي ، و قوله عليه السلام : علي أقضاكم ، و أمره صلوات الله عليه إياهم أن يسألوه عما اختلفوا فيه ، و ذلك من أبين البيان على إمامته و إقامته من بعده مقامه في ذلك لامته ، مع ما ذكرناه و نذكره في هذا الكتاب مما يؤيد ذلك و يؤكده و يوضحه و يبينه مع ما ذكرت في هذا الباب و فيما قبله من هذا الكتاب و نذكره من إقرار الصحابة له بفضله و علمه مما آثره و رواه المنسوبون إلى الفقة و الحديث من العامة فضلا عما رواه و آثره من ذلك الخاصة . فمن أين يجوز أو ينبغي لجاهل أن يتقدم على عالم أو لعالم أن يتقدم على من هو أعلم 1 - المجادلة : 11 . ( 2 ) الزمر : 9 .
(334)
منه ، أو لمن وضعه الله عز و جل أن يرتفع على من رفعه عليه درجة . و هذا واضح لمن تدبره إذا هداه الله و وفقه ، و لو جاز للجاهل أن يتقدم على العالم ، و للمفضول أن ينافس الفاضل ، لبطل الفضل و اتضعت درجة العلم التي رفع الله عز و جل أهلها و أبان في كتابه فضلهم و فضلها ، و من كان محتاجا في دينه إلى من قد أبان الله عز و جل فضله بأن رفع بالعلم عليه درجته ، و كيف يجوز له التقدم عليه ، أو أن يساوي نفسه به و الله عز و جل يقول و هو أصدق القائلين : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ( 1 ) و قال تعالى : " و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " ( 2 ) و قد أمر الناس رسول الله صلى الله عليه و آله برد ما اختلفوا فيه إلى علي صلوات الله عليه ، و أبان بذلك أنه ولي أمرهم من بعده على ما أمره الله به جل ذكره . تم الجزء الثامن من كتاب شرح الاخبار في فضائل الائمة الاطهار الابرار الاخيار تأليف سيدنا القاضي الاجل النعمان بن محمد رضي الله عنه و أرضاه و أحسن منقلبه و مثواه - و هو نصف الكتاب - يوم الاول من رجب الاصب سنة 1126 . 1 - النحل : 43 . 2 - النساء : 83 .
(335)
شرح الاخبار في فضائل الائمة الاطهار للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي المتوفى سنة 363 ه . ق الجزء التاسع