رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : صلاح ذات البين خير من عامة الصلاة و الصيام ، و إن المبيرة حالقة الدين فساد ذات البين و لا قوة إلا بالله . أنظروا يا بني في ذوي أرحامكم ، فصلوهم يهون الله عز و جل عليكم الحساب . و الله الله في الايتام فلا يضيعن أحد منهم بحضرتكم ( 1 ) . و الله الله في جيرانكم فإنهم وصية رسول الله صلى الله عليه و آله ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم . و الله الله في القرآن فلا يسبقكم بالعمل به غيركم . و الله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم . و الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم . و الله الله في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار لكم . و الله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا . و الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم . و الله الله في ذمة أهل بيت نبيكم ( 2 ) فلا يظلموا بين أظهر كم . و الله الله في أصحاب نبيكم صلى الله عليه و آله ، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله أوصى ( 3 ) بهم . و الله الله في الفقراء و المساكين فشاركوهم في معايشكم . 1 - و أضاف في بحار الانوار : فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عز و جل له بذلك الجنة ، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار . 2 - و في نسخة و : في ذرية نبيكم . 3 - و في نسخة و : باهى .
(449)
و الله الله فيما ملكت أيمانكم ، فإنه آخر ما تكلم به نبيكم . قال عليه السلام : أوصيكم بالضعيف و اليتيم ، و المرأة ، . و ما ملكت أيمانكم ، و الصلاة الصلاة . أنظروا يا بني ، لا تخافوا في الله لومة - لائم يكفيكم الله من أرادكم ( 1 ) أو بغى عليكم ، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله ، و لا تتركوا الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ، فيولي الله الامر أشراركم ثم تدعون الله عز و جل فلا يستجاب لكم . يا بني ، عليكم بالتواصل و التباذل و التراحم ، و إياكم و التحاسد و التقاطع و التفرق و التباغض . و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان ، و اتقوا الله إن الله شديد العقاب . حفظكم الله من أهل بيت و حفظ فيكم نبيكم و أستودعكم الله ، و اقرئ عليكم السلام و رحمة الله . ثم لم ينطق بشيء إلا بلا إله إلا الله حتى قبض صلوات الله عليه أول ليلة من عشر شهر رمضان الاواخر ( 2 ) . [ حرصه على مستقبل الامة ] [ 805 ] سعيد بن سلميان ، باسناده ، عن الاصبغ بن نباتة ، قال . : سمعت عليا عليه السلام و هو يقول على المنبر : 1 - و في بحار الانوار : من آذاكم . 2 - و في بحار الانوار 42 / 250 : حتى قبض عليه السلام في ثلاث ليال من العشر الاواخر ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة . و كان ضرب ليلة احدى و عشرين من شهر رمضان .
(450)
من هاهنا من بني عبد المطلب ، فليدن مني . فجعلوا يتوثبون اليه . قال لهم : أذكركم بالله أن تقتلوا بي إلا قاتلي ، و لا تضعوا غدا سيوفكم على عواتقكم - أو قال : على رقابكم - تخبطون بها الناس تقولون : قتلتم أمير المؤمنين . قال : فما لبث بعد ذلك إلا جمعة حتى قتل صلوات الله عليه . [ 806 ] أحمد بن صالح البصري ، باسناده عن عبيدة ، قال : سمعت عليا عليه السلام و هو على المنبر يقول : أللهم إني سئمتهم و سأموني ، و مللتهم و ملوني فأرحني منهم و أرحهم مني ، فما يمنع أشقاها أن يخضبها بدم - و وضع يده على لحيته - من هذه - و وضع يده على رأسه - . [ نعود إلى الاحاديث ] [ 807 ] عبيد الله بن أمية ، قال : دخل جويرية ( 1 ) بن مسهر يوما على أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فأصابه نائما ، فناداه : أيها النائم استيقظ فوالذي نفسي بيده ، لتضربن ضربة على رأسك تخضب منها لحيتك ، و ذلك بما سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله . فانتبه علي عليه السلام ، فقال له : اجلس يا جويرية حتى أحدثك 1 - هكذا صححناه و في الاصل . حويرث ، و هكذا في باقي النسخ . و هو جويرية بن مسهر العبدي الكوفي ، صاحب أمير المؤمنين ، مرقده بخوزستان - فرماط - ، و سبب شهادته ، أن معاويه تتبع أصحاب علي عليه السلام تحت كل حجر و مدر ، و أمر عامله زياد بن سمية - ابن أبيه - الذي ولع في دماء المسلمين أن يقتل جويرية بن مسهر ، فأحضره زياد ، و قطع يديه و رجليه و صلبه على جذع ، فاستشهد رحمة الله عليه .
(451)
عن نفسك . و أنت و الذي نفسي بيده لتحملن إلى العتل الزنيم ( 1 ) ، فليقطعن يدك و رجلك ، ثم ليصلبنك بحذاء جذع كافر . فأخذه عبيد الله بن زياد ، فقطع يده و رجله ، ثم صلبه إلى جنب ابن معكبر . فكان جذع ابن معكبر أطول . و كان جذع جويرية دونه . [ 808 ] علي بن كثير ، عن أبي صالح ، قال : سمعت عليا عليه السلام - على المنبر - يقول : أين شقيكم ، أما و الله ليضربني في هذا - يعني رأسه - حتى يخضب هذه - يعني لحيته - . [ 809 ] عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله : يا علي من أشقى ثمود ؟ قلت : عاقر الناقة . قال : فمن أشقى هذه الامة ؟ قلت : الله و رسوله أعلم . قال : قاتلك . [ 810 ] أبو الجحاف ، باسناده ، و عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : كان علي عليه السلام قد أخلى أهل السواد إلى الكوفة ، و كان لي ابن عم بالسواد . فقلت للحسن عليه السلام : احب أن تعينني على أمير المؤمنين عليه السلام ، بأن يؤجل لا بن عمي حتى يفرغ من ضيعته . فوعدني أن أغدو اليه ، فغدوت لميعاده ، فوجدت أمير المؤمنين عليه السلام قد ضرب الضربة التي ضرب ، و وجدت الحسن عليه السلام في أناس . فسمعته يقول : كانت البارحة ليلة بدر ، و كان أمير المؤمنين عليه السلام 1 - الزنيم : الدعي .
(452)
يوقظ أهله للصلاة ، حتى كان في وجه الصبح ، فخفق خفقة ، ثم انتبه ، فنادي : يا حسن . قلت : لبيك . قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله قد أقبل ، فشكوت اليه ما لقيت من أمته من اللاواء ( 1 ) و اللدد ( 2 ) ، فقال لي : يا علي ادع الله عليهم . فقلت : أللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، و أبدلهم بي من هو شر لهم مني . ثم خرج فكان من أمره ما كان . [ 811 ] إسماعيل البراز ، عن أم موسى ( 3 ) ، وليدة كانت لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، قالت : قال علي عليه السلام يوما لابنته أم كلثوم - و كانت خير بناته : يا بنية ما أراني إلا أقل ما أصحبك . قالت : و لم يا أبتاه ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في منامي يسمح الغبار عن وجهي ، و يقول : يا علي لا عليك قد قضيت ما عليك . قالت : فما لبث إلا يسيرا حتى قتل صلوات الله عليه . [ 812 ] فطر بن خليفة ( 4 ) ، باسناده ، عن علي عليه السلام ، أنه قال : أما و الله إنه لعهد النبي صلى الله عليه و آله أن الامة ستغدر بي . 1 - هكذا صححناه و في الاصل : اللوذ . و معناه : الشدة و الخلاف . 2 - اللدد : شدة الخصومة . 3 - و قيل إن اسمها فاختة و قيل حبيبة ، راجع اعيان الشيعة 3 / 488 . 4 - القرشي المخزومي المتوفى سنة 153 .
(453)
[ صورة ثالثة للوصية ] [ 813 ] بشر بن الوليد ، عن علي عليه السلام انه قال : أوصى فكان في وصيته عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به و قضى في ماله علي بن أبي طالب ، إنه تصدق بينبع أبتغي بذلك رضوان الله عز و جل ليولجني الله به الجنة ، و يصرفني به عن النار ، و يصرف النار عني ، و هي في سبيل الله ، و وجهه ينفق في كل نفقة في سبيل الله في الحرب و السلم ، وذي الرحم و القريب و البعيد . لا تباع ، و لا توهب ، و لا تورث . كل مال لي بينبع أن رياحا ، و أبانيزر ، و جبير ا إن حدث بي حدث فهم محررون بعد أن يعملوا في المال خمس حجج ، و فيه نفقتهم و رزقهم و رزق أهاليهم [ ثم هم أحرار ] ( 1 ) فذلك الذي أقضي فيما كان لي بينبع حي أنا أو ميت ، و مع ذلك ما كان لي بوادي القرى من مال أو رقيق حي أنا أو ميت ، و مع ذلك الاذنية و أهلها حي أنا أوميت ، و مع ذلك دعد ( 2 ) و أهلها ، و أن زريقا له مثل ما كتبت لابي نيزر و رياح و جبير . و إن ينبع ( 3 ) و مالي بوادي القرى ( 4 ) و الاذنية و دعد ( 5 ) ينفق في كل نفقة يبتغي بها وجه 1 - هكذا في مقتل أمير المؤمنين لا بن أبي الدنيا - مخطوط - . 2 - و في بحار الانوار 42 / 40 : بديمة . 3 - بالفتح ثم السكون و ضم الموحدة و عين المهملة ، و هي على سبع مراحل من المدينة فيها 170 عينا ( عمدة الاخبار : ص 439 ) . 4 - واد كبير من اعمال المدينة كثير القرى بين المدينة و الشام . 5 - هكذا في الاصل و الصحيح : درعة .
(454)
الله و في سبيل الله و في وجهه يوم تسود وجوه و تبيض وجوه لا يباع ذلك و لا يوهب و لا يورث حتى يرثه الله عز و جل و يتقبله بذلك قضيت ما بيني و بين الله ما قدمت حي أنا أو ميت . هذا ما قضى علي بن أبي طالب في ماله و أوجبه ، يقوم على ذلك الحسن بن علي ما دام حيا ، فإن هلك فالحسين بن علي يليها ما دام حيا ، فإن هلك فالأَول من ذوي السن و الصلاح من ولده واحد بعد واحد ، يعدل فيها ، و يطعم بالمعروف ، و يصلحون فيها كإصلاحهم أموالهم و لا تباع من أولاد من بهذه القرى ( 1 ) الاربع من العبيد أحد ، و غلتها للمؤمنين أولهم و آخرهم ، فمن وليها من الناس فاذكره الاجتهاد و النصح و الحفظ و الامانة . و هذا كتاب علي بن أبي طالب بيده ، و هذه الصدقة في سبيل الله واجبة نبلة تصرف في كل نفقة في سبيل الله و وجهه ، و ذوي الرحم ، و الفقراء و المساكين ، و ابن السبيل ، يقوم على ذلك أكبر ولد فاطمة عليها السلام من ذوي الامانة و الصلاح ، و يصلحها إصلاحه ماله يزرع و يغرس و ينصح و يجتهد . لا يحل لاحد وليها أن يحكم فيها ، و لا أن يعمل بغير عهدي . و كتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة تسع و ثلاثين . و شهد عبيد الله بن أبي رافع ( 2 ) . 1 - و في مقتل أمير المؤمنين لا بن أبي الدينا - مخطوط - : و لا يباع من أولاد نخل هذه القرى . 2 - و في نسخة و : عبد الله بن رافع .