و لما بان عنه و انفرد برأيه ، و زعم أن الامام إنما هو من قام و شهر سيفه دون من جلس و أرخى عليه ستره و ادعى لنفسه ما ليس له ، و قام معه من قام من الشيعة من لا علم له بحقيقة الامر . و أرسل أبو جعفر عليه السلام اليه رجلا من خاصته ( 1 ) ، و أمره بما يقول . فأتاه ، و دخل في جملة من يدخل اليه . فلما احتفل مجلسه بوجوه أصحابه قال له الرجل : يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله هل أوصى إليك أبوك ، و أقامك هذا المقام بعده . قال : لا أوصى الي و لا إلى غيري ، و إنما الامام منا من قام بأمر الناس . قال : فإن غيرك يقول إنه قد أوصى اليه و أقامه . قال : لو كان ذاك ما كتمه أبي عني ، و الله لقد كان ينفض لي المخ من العظم ليطعمنيه . فما يضعه في في حتى ينفخ فيه ليبرده ، و هو يتقي علي حرارة المخ و لا يتقي علي حرارة النار ، فيخبرني بمن أوصى اليه ، و ما كان ذلك لينبغي له . قال الرجل : فكيف كتم يعقوب أمر يوسف على إخوته و أمره أن لا يقصص رؤياه عليهم فيكيدوا له ، و اطلع على ذلك غيرهم ، و خص يوسف بذلك دونهم . فلم يحر زيد في ذلك جوابا أكثر من أن نبذ الرجل و انتهره . و علم وجه الحق في ذلك أهل البصائر ممن حضره فانفضوا عنه ( 2 ) . ذكرنا هذا لكي يرى من سمع في هذا الكتاب من فضائل أهل البيت عليهم السلام 1 - و هو محمد بن النعمان بن أبي طريقة الملقب بأبي جعفر الاحول . 2 - أقول : و قد ناقشنا هذا الكلام في الجزء الثالث عشر مفصلا . و أوردنا أدلة على بطلانه ، فراجع .
(498)
أن فضلهم لا يكون إلا باتباع ولي الامر منهم ، فأما من صدف عنه منهم فهو كمن صدف عنه من سائر الناس ، و قد عرى من الفضل . قال الله عز و جل لنوح عليه السلام في ابنه : " إنه ليس من أهلك إنه عمل صالح " ( 1 ) . 1 - هود : 46 .
(499)
[ نعود إلى فضائل أهل البيت ] [ 883 ] و بآخر ، عن المقداد ( 1 ) ، قال : حضرت الحج ، فتعلق أبو ذر بأستار الكعبة ، و حول وجهه إلى الناس و قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي : أنا جندب بن جنادة ، أنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله قرأ هذه الآية : " إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم " ( 2 ) ، ثم قال : الابوة من نوح ، و الآل من إبراهيم ، و الصفوة من إسماعيل ، و الذرية الطاهرة من أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، و أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله هم . المساء المرفوعة و الارض المبسوطة و الشمس الضاحية و القمر المنير والنجوم الزاهرة و الجبال الراسية و البحار الزاخرة و الزيتونة المباركة ، أضاء زيتها و سطع شعاعها و ملا الارض لمعانها . و علي عليه السلام رأسها و هو الصديق الاكبر و الفاروق الاعظم . 1 - و هو المقداد بن الاسود صحابي من الابطال نسب إلى الاسود بن عبد يغوث ، و هو أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الاسلام ، هاجر إلى الحبشة ، قاتل في بدر واحد . قلت ( حب الله وحب رسول الله ) توفي بالمدينة سنة 33 ه . 2 - آل عمران : 33 .
(500)
ألا أيتها الامة المتحيرة و الله لو قدمتم من قدمه الله و رسوله ، و أخرتم من أخره الله و رسوله ، و سلمتم الحكومات إلى أهلها و وليها ما طاش أحد في حكم الله و لا اختلف اثنان في فرائض الله ، و لا ضلت الامة بعد نبيها ، " و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ( 1 ) . [ الانوار الخمسة ] [ 884 ] أحمد بن محمد بن عيسى المصري ، باسناده ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : لما خلق الله عز و جل آدم عليه السلام و نفخ فيه من روحه ، نظر آدم عليه السلام يمنة العرش ، فإذا من النور خمسة أشباح على صورته ركعا سجدا . فقال : يا رب هل خلقت أحدا من البشر قبلي ؟ قال : لا . قال : فمن هؤلاء الذين أراهم على هيئتي و على صورتي ؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنة و لا النار و لا العرش و لا الكرسي و لا السماء و لا الارض و لا الملائكة و لا الانس و لا الجن . هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائي . فأنا المحمود و هذا محمد ، و أنا الاعلى و هذا على ، و أنا الفاطر و هذه فاطمة ، و أنا الاحسان و هذا حسن ، و أنا المحسن و هذا الحسين . آليت بعزتي أن لا يأتيني أحد 1 - الشعراء : 227 .
(501)
بمثقال حبة من خردل من حب أحد منهم إلا أدخلته جنتي ، و آليت بعزتي أن لا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحد منهم إلا أدخلته ناري و لا أبالي . يا آدم ، و هؤلاء صفوتي من خلقي بهم انجي و بهم أهلك ( 1 ) . [ 885 ] عباد بن يعقوب ، باسناده ، عن أبي رافع - مولى النبي صلى الله عليه و آله - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من لم يعرف حق عترتي فهو بإحدى ثلاث : إما منافق ، و إما الزانية ( 2 ) و إما أن تكون امه حملت به بغير طهر . [ سادة أهل الجنة ] [ 886 ] فرات ، باسناده ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : نحن سبعة من ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا و علي و جعفر و حمزة و الحسن و الحسين و المهدي . [ مثل أهل بيتي ] [ 887 ] عبد الرحمن بن نجران ، باسناده عن حذيفة بن أسد ، أنه قال : سمعت أبا ذر - و هو متعلق بحلقة باب الكعبة - : أنا جندب لمن عرفني ، و أنا أبو ذر لمن لم يعرفني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : 1 - و أضاف في فرائد السمطين 1 / 37 : فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل . فقال النبي صلى الله عليه و آله : نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا و من حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت . 2 - هكذا في الاصل ، و الاصح : و إما لزنية .
(502)
إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في لجة البحر من ركبها نجا ، و من تخلف عنها غرق ( 1 ) ، ألا هل بلغت . [ أهل بيتي أمان لاهل الارض ] [ 888 ] فضالة بن أيوب ، باسناده ، عن فضيل الرسان ، قال : كتب محمد بن إبراهيم إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام يقول له : أخبرني عن فضل أهل البيت . فكتب اليه : كتبت تسألني عن فضلنا أهل البيت ، و أن من فضلنا أن جعل الكواكب أمانا لاهل السماء و جعلنا أمانا لاهل الارض . يعني حديث النبي صلى الله عليه و آله : إن النجوم أمان لاهل السماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى لاهل السماء ما يوعدون . و أهل بيتي أمان لاهل الارض ، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الارض ما يوعدون . [ أبو ذر في البيت الحرام ] [ 889 ] الحسن بن محبوب ( 2 ) ، باسناده ، عن زيان بن عمر انة ، قال رأيت أبا ذر متعلقا بأستار الكعبة و هو يقول : أيها الناس أنا جندب من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أذكركم الله من سمع رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر . ألا قال ذلك ؟ 1 - و في فرائد السمطين 2 / 246 : تخلف عنها هلك . 2 - و هو أبو علي الحسن بن محبوب السراد ، ولد 149 ه ، من أهل الكوفة ، و توفي 224 ه .
(503)
فقال طوائف من الناس : أللهم نعم ، لقد سمعناه يقول ذلك . فقال : و الله ما كذبت مذ عرفت رسول الله صلى الله عليه و آله و لا اكذب حتى ألقاه . و لقد سمعته يقول : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله و عترتي أهل بيتي حبل ممدود من السماء إلى الارض ، طرف منه بيد الله ، و طرف منه بأيديكم . فانظروا كيف تحفظوني في أهل بيتي ، و إن الله قد عهد الي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . و لقد سمعته يقول : يا أيها الناس إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق . و مثل باب حطة بني إسرائيل .