درهم ، و أمر الرجال أن يحكموا فيه ، و ذلك أرنب قتله محرم . قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و من قتله منكم مثعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " ( 1 ) . فكان من حكم الله عز و جل بانه صيره إلى الرجال يحكمون فيه ، انا شد كم الله ، أحكم الرجال في صلاح ذات بينهم و حقن دمائهم ( 2 ) أفضل ، أم حكمهم في أرنب ؟ قالوا : بل ذلك أفضل . قال : و قلت : و قال الله عز و جل في المرأة و زوجها : " و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن يريدا إصلاحا " ( 3 ) ، فاناشدكم الله أحكم الرجال في صلاح ذات بينهم و حقن دمائهم أفضل ، أم حكمهم في بضع إمرأة ( 4 ) ؟ قالوا : بل ذلك أفضل . قال : قلت : أو لستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله حكم سعدا في بني قريظة ؟ قالوا : نعم . قال : قلت : فهل خرجت من هذه ؟ قالوا : بلى . قال : قلت : أما قولكم : إنه قاتل و قتل و أحل الغنائم و لم يسب الذراري ، فهو إنما فعل ذلك بتوقيف ( 5 ) من رسول الله صلى الله عليه و آله إن ذلك هو الحكم في أهل القبلة ، و لم يفعله برأي نفسه ، و قد أنكر ذلك من أنكره في الوقت يوم الجمل ، فأخبرهم 1 - المائدة : 95 . ( 4 ) نكاح إمرأة . 2 - و في نسخة - ج - : دمائكم . ( 5 ) و في نسخة الاصل و - ج وأ - بتوقيق . 3 - النساء : 35 .
(50)
بذلك ، و قال : فأيكم يضرب على عائشة ، فيأخذها في سهمه ، - إن أسهم - ؟ قالوا : لا أحد ، و اعترفوا له بالصواب فيما فعله ، فان قلتم أنتم إنكم تسبون أمكم عائشة ، و تستحلون منها ما تستحلون من غيرها و هي أمكم فقد كفرتم ( 1 ) ، و إن قلتم إنها ليست بامكم فقد كذبتم . فأنتم في ذلك بين ضلالتين ، فالتمسوا المخرج . فلم يحيروا جوابا إلا أن قالوا : صدقت . قال : قلت : أ فخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . قال : قلت : و أما محوه تسميته في المحاكمة - أمير المؤمنين - ، إذ قال معاوية و أصحابه : إنا إذا أقررنا أنه أمير المؤمنين لم يجب لنا أن نتحكم عليه ، أ فلستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله لما قاضى المشركين بالحديبية ( 2 ) أمر عليا عليه السلام أن يكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله . فقال المشركون : إنا لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك ( 3 ) ، و لكن أكتب محمد بن عبد الله . فقال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : امحه ، فأبى من ذلك تعظيما له . فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله : أرني إياه ، فأراه مكان رسول الله ، فمحاه و أبقى : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، و قال : الله يعلم أني لرسوله . و رسول الله صلى الله عليه و آله أفضل من علي و قد محاذكر رسالته . فهل محاه ذلك من الرسالة ؟ 1 - و في الخصائص : لان الله تعالى يقول : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم " . الاحزاب : 6 . 2 - واد قريب من مكة ( الحجاز ) . 3 - صد : منع و قابله .
(51)
قالوا : لا . قال : قلت : و كيف يمحو مثله عليا من امرة المؤمنين . فرجع منهم الفان ، و خرج سائرهم ، فخرج إليهم علي عليه السلام ، فقتلهم على ضلالتهم ، و قاتلهم ( 1 ) معه المهاجرون و الانصار و أهل البصائر من المسلمين . 1 - و في نسخة - د - : و قاتل معه .
(52)
[ منشا الفتنة ] [ 415 ] يحيى بن آدم ، باسناده ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : أتيت أبا وائل ( 1 ) و هو في مسجد حي كذا ( 2 ) ، فاعتزلناه في المسجد . فقلت : أخبرني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي عليه السلام . فيم قاتلوه ؟ و فيم استجابوا له حين دعاهم ؟ و فيم فارقوه ، فاستحل قتال من قاتل منهم ؟ قال : كنا بصفين ، و استمر القتل في أهل الشام ، فقال عمرو لمعاوية : أرسل إلى علي بالمصحف فإنه لا يأبى عليك . فجاء رجل على فرس بالمصحف ، فقال : ندعوكم إلى كتاب الله بيننا و بينكم ، فقال علي عليه السلام : نحن أولى بكتاب الله منكم . و مال أكثر الناس إلى الموادعة ( 3 ) . و جاءت الخوارج - و نحن نسميهم يومئذ القراء - و أسيافهم على عواتقهم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، أتمنعنا أن نسير بأسيافنا إلى هؤلاء ، فنقتلهم بحكم الله بيننا و بينهم . 1 - و اسمه شقيق بن سلمة الكوفي . 2 - هكذا في النسخة - د - ، أما في الاصل و نسخة - ج - : مسجد حية . 3 - الموادعة بمعنى الاصلاح .
(53)
فقام سهل بن حنيف ( 1 ) فقال : يا هؤلاء القوم اتهموا أنفسكم فإنا قد كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله يوم الحديبية ، و لو نرى قتالا لقاتلنا . فجاء عمر ، فقال : يا رسول الله ألسنا على الحق و هم على الباطل ؟ قال : بلى . قال : أو ليس قتلانا في الجنة و قتلاهم في النار . قال : بلى . قال : فعلام نعطي الدنيئة في ديننا ، و نرجع لما يحكم الله بيننا و بينهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله : يا ابن الخطاب إني رسول الله و لن يضيعني الله . فانطلق عمر و هو مغضب ، فأتى أبا بكر ، فقال له مثل ذلك . فقال له أبو بكر : إنه رسول الله و لن يضيعه الله أبدا . فانزلت سورة الفتح . فأرسل إلى عمر . فقرأها عليه ، من أولها إلى آخرها . فقال عمر : أفتح هو يا رسول الله . قال : نعم . ثم قال سهل للخوارج : إن هذا فتح . فوضعت الحرب أوزارها بحكم الحكمين . و رجع علي عليه السلام إلى الكوفة ، و فارقته الخوارج . و نزلوا حروراء و هم تسعة عشر الفا ، فأرسل علي عليه السلام إليهم فناشدهم الله ما الذي نقمتم علي ، أفي فىء قسمته ؟ أم في حكم ؟ و أتاهم صعصعه بن صوحان العبدي ( 2 ) فناشدهم الله أن 1 - أبو عبد الله أو أبو سعد سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبه الصحابي البدري ، و كان في بدر ينضح عن رسول الله صلى الله عليه و آله بالنبل و يقول : نبلوا سهلا ، فانه سهل ، استخلفه أمير المؤمنين على البصرة شهد معه صفين توفي 38 ه . 2 - صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي من سادات عبد القيس من أهل الكوفة <
(54)
يرجعوا ، فأبوا . فقال لهم : ما الذي نقمتم ؟ فقالوا : نخاف أن ندخل في فتنة . فقال : لا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة قابل . قالوا : نكون على ناحيتنا ، فان قبل القضيه قاتلناه على ما قاتلنا عليه أهل الشام يوم صفين ، فان نقضها قاتلنا معه . فساروا حتى قطعوا النهروان . و افترقت منهم فرقة يقتلون الناس . فقال أصحابهم : ما على هذا فارقنا عليا عليه السلام ، فلما بلغ عليا عليه السلام صنيعهم قام ، فقال : تسيرون إلى عدوكم ، أو ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفكم في دياركم ؟ قالوا : بل نرجع إليهم . فقال علي عليه السلام : إني محدثكم عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال : إن طائفة تخرج من قبل المشرق عند اختلاف الناس ، لا يرون جهادكم مع جهادهم شيئا و لا صلاتكم مع صلاتهم شيئا و لا صيامكم مع صيامهم شيئا ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، علامتهم أن فيهم رجلا عضده كثدي المرأة يقتلهم أولى الطائفتين بالحق . فسار علي إليهم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، و جعلت خيل علي عليه السلام لا يقوم لهم . فقال علي عليه السلام : أيها الناس إن كنتم انما تقاتلون لي فو الله . كان خطيبا بليغا ، له مع معاوية مواقف يذكره المؤلف فيما بعد . شهد صفين مع علي . نفاه المغيرة من الكوفة إلى جزيرة أوال في البحرين بأمر معاوية فمات فيها 60 ه و قيل بالكوفة .
(55)
ما عندي ما اجازيكم به ، و إن كنتم تقاتلون لله فلا يكن هذا فتالكم ، فحملوا عليهم ، فقتلوهم كلهم . فقال : اتبعوا المخدج ، فطلب فلم يوجد . فركب علي عليه السلام دابته ، و انتهى الى وهدة ( 1 ) من الارض فإذا فيها قتلى بعضهم على بعض ، فاستخرج من تحتهم يجر برجليه ، فرآه الناس . فقال علي عليه السلام : لا أغزو العلم . فرجع إلى الكوفة . فقتل . و استخلف على الناس الحسن بن علي عليه السلام ، فبعث قيس بن سعد في مقدمته في اثني عشر ألف ، كما كان يفعل علي عليه السلام . ثم بعث الحسن عليه السلام بالبيعة إلى معاوية . و كتب بذلك إلى قيس بن سعد . فقام قيس في أصحابه ، فقال : أيها الناس أتاكم أمران لا بد لكم من الدخول في أحدهما : دخول في فتنة ، أو قتال مع إمام . قالوا : و ما ذلك ؟ قال : إن الحسن بن علي عليه السلام قد أعطى معاوية البيعة . فرجع الناس فبايعوا لمعاوية . و لم يكن لمعاوية هم إلا الذين تألفهم يتساقطون عليه ، فيبايعونه حتى بقي منهم ثلاثمائة و نيف - و هم أصحاب النخيلة - . [ 416 ] يحيى بن آدم ( 2 ) باسناده ، عن الاعمش ، قال : لما رأى أصحاب علي عليه السلام الخوارج قالوا : روحوا بنا روحة إلى الجنة . 1 - وهده من الارض : حفرة . 2 - أبو زكريا يحيى بن آدم بن سليمان الاموي مولى آل أبي معيط توفي 203 ه .