المسلمون، والدمار والهلاك الذي حلّ ببلادهم بسبب الهجمات الشرسة للصليبيين والتتر، أثار في تلك الظروف مسائل خلافية وفتاوى شاذة(1) وغير ذلك مما لا يعود على المسلمين بشيء سوى تعميق الخلاف وتعكير الصفو وتشديد النزاعات المذهبية والطائفية. وأوّل ما أنكروا عليه من مقالاته في شهر ربيـع الاَوّل سنة (698 هـ)، فقامعليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه، ومُنع من الكلام. ثم طُلب في سنة (705 هـ) إلى مصر، فحُبس مدّة، ونُقل في سنة (709هـ) إلى الاِسكندرية، ثم أُطلق، فسافر إلى دمشق سنة (712 هـ)، واعتُقل بها سنة (720 هـ)، وأُطلق، ثم أُعيد في سنة (726 هـ)، فلم يزل محبوساً بقلعة دمشق إلى أن مات سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وكان قد تصدّى له علماء عصره على اختلاف مذاهبهم، وبدّعوه، وناظروه، وصنّفوا في الردّ عليه كتباً، ومن هوَلاء: تقي الدين السُّبكي وولده تاج الدين، وعز الدين ابن جماعة الشافعي، وأحمد بن عمر المقدسي الحنبلي، ونصر المنبجي، ونورالدين علي بن يعقوب البكري، ومحمد بن أبي بكر المالكي، وكمال الدين ابن الزملكاني(2) والقفجاري، وتقي الدين أبو بكر الحصني الدمشقي(3)
(1) وروَوس المسائل التي طرحها ابن تيمية، هي: 1. يجب توصيفه سبحانه بالصفات الخبرية بنفس المعاني اللغوية من دون تصرّف، كالاِستواء على العرش، وأنّ له يداً ووجهاً، وأنّ له نزولاً وصعوداً 2. يحرّم شدّ الرحال إلى زيارة النبي وتعظيمه بحجة أنّها توَدي إلى الشرك. 3. يحرّم التوسل بالاَولياء والصالحين. 4. يحرّم بناء القبور وتعميرها. 5. لا يصحّ أكثر الفضائل المنقولة في الصحاح والسنن في حقّ عليّ وآله. (بحوث في الملل والنحل): 4|25 ـ 26. (2) صنّف في الردّ على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة. (3) وصنّف في الردّ عليه كتاب «دفع شُبه من شَبّه وتمرّد ونسب ذلك إلى الاِمام أحمد».