المرحلة الثانية:عصمة الاَنبياء عن المعصية
لقد وقفت على دلائل عصمة الاَنبياء في تلقى الوحى وحان الحين
للبحث عن عصمتهم عن المعصية. ونبحث في ذلك عن وجهتين: العقلية
والقرآنية:
العقل وعصمة الاَنبياء
إنّ القرآن الكريم يصرح بأنّ الهدف من بعث الاَنبياء هو تزكية نفوس
الناس وتصفيتهم من الرذائل وغرس الفضائل فيها قال سبحانه حاكياً عن لسان
إبراهيم: (رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ
وَالحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (1)وقال سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ
عَلَى الْمُوَْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكّيهِمْ
وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبينٍ). (2)
والمراد من التزكية هو تطهير القلوب من الرذائل وإنماء الفضائل، وهذا
هو ما يسمى في علم الاَخلاق بـ "التريبة".
ولا شك أنّ تأثير التربية في النفوس يتوقف على إذعان من يراد تربيته
بصدق المربي وإيمانه بتعاليمه، وهذا يعرف من خلال عمل المربي بما يقوله
ويعلمه وإلاّ فلو كان هناك انفكاك بين القول والعمل، لزال الوثوق بصدق قوله
وبالتالي تفقد التربية أثرها، ولا تتحقق حينئذ الغاية من البعث.
وإن شئت قلت: إنّ التطابق بين مرحلتي القول والفعل، هو العامل الوحيد
لكسب ثقة الآخرين بتعاليم المصلح والمربي، ولو كان هناك انفكاك بينهما
1 . البقرة: 129.
2 . آل عمران: 164.