(1)
بشائره في الكتب السماويّة
لقد تعلّقت مشيئة اللّه الحكيمة ببعثرجال صالحين لإنقاذ البشرية من الجهالة والضلالة، و سوقهم إلى مرافئ السعادة، وأنزل عليهم شرائع فيها أحكامه و تعاليمه،و هذه الشرائع و إن كانت تختلف بعضها عنالبعض الآخر، لكنّها تتّحد جوهراً وحقيقة، و لو أنّها تفترق صورة و شكلاً كمايشير إليه قوله سبحانه: (اِنَّالدِّينَعِنْدَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (آلعمران/19). وقوله: (مَاكَانَ اِبْرَاهِيمُيَهُودِيّاً وَلاَنَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ مَاكَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آلعمران/67) (1).فالدين النازل من اللّه سبحانه إلى كافّةالبشر في جميع الأجيال و القرون أمر واحد،و هو الإسلام، و قد اُمر بتبليغه جميع رسلهو أنبيائه من غير فرق بين السالفين واللاّحقين.هذا و قديتفنّن القرآن الكريم في التعبيرعن وحدة الشرائع من حيث الاُصول والمبادئو اختلافها شكليّاً بتصوير الدين نهراًكبيراً يجري فيه ماء الحياة المعنويّة، والاُمم كلّها قاطنة على ضفَّة هذا النهريردونه و يصدرون عنه، و ينهلون منه حسبحاجاتهم و اقتضاء ظروفهم، و كل ظرف يستدعيحكماً فرعيّاً خاصّاً.قال سبحانه:(لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً وَ لَوْ شَاءَ اللّهُلَجَعَلَكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً)(المائدة/48).فالحقيقة ماء عذب، و الاختلاف في المشرعةو المنهل، و الطريقة والمنهاج.1. لاحظ سورة البقرة/132 و الزخرف/28.