إنّ الإنسان مهما بلغ من الكمال لايستطيعأن يجرّد نفسه و فكره، و منهجه الإصلاحي عنمعطيات بيئته، فهو يتأثّر عن لاشعوربثقافة قومه، و حضارة موطنه، و لكن إذاراجعنا تفكير إنسان و شخصيته فوجدناهامنقطعة عن تأثيرات الظروف التي نشأ فيها،و مباينة لمقتضياتها، بل كانت على النقيضمنها، فتكشف أنّ لماجاء به من التشريع والتقنين و لما قدّمه إلى اُمّته من مبادئالإصلاح خلفيّة سماويّة غير خاضعة لثقافةقومه، و تقاليد قبيلته.و هذا نجده في ما حمله رسول الإسلام إلىقومه و إلى البشرية جمعاء من عقائد و أخلاقو تشريعات.و للوقوف على هذه الحقيقة نقدّم عرضاًخاطفاً عن حياة العرب في عصره قبل ميلاده وبعده، و من المعلوم أنّ الإسهاب في ذلكيتوقّف على الغور في التاريخ والسيرة و هوخارج عن هدفنا، بل نقدّم موجزاً ممّايذكره القرآن عن حياتهم المنحطّة البعيدةعن الحضارة، و ستقف أيّها القارئ الكريممن خلال ذلك على أنّ الذي جاء به رسولالإسلام الكريم، من عقائد و أخلاق و سنن،تضاد مقتضيات ظروفه، فهو بدل أن يؤكّدتفكير قومه و طقوس قبيلته و تقاليد وسطهالذي كان يعيش فيه، بدأ يكافحها و يفنّدهابالإسلوب المنطقي.لقدنشأ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآلهوسلّم) بين قومه و قد كانوا منقطعين عنالأنبياء و برامجهم حيث لم يبعث فيهمنبيّ، قال سبحانه في هذا الصدد: