29 ـ الخلفيّة التشريعيّة لحرمة الأشهرالحرم:
ربّما نقرأ في بعض الصحف و الكتب أنّ عربالجاهلية هم الذين حرّموا الحرب في الأشهرالحرم و أضفوا عليها مسحة قدسية خاصة، وذلك لأنّهم كانوا متوغّلين في الحروب والغارات و كان تمادي الظاهرة القبليّةالشاذّة موجباً لفكّ عرى الحياة، و لأجلذلك إستثنوا هذه الأشهر لتقويم أودهم وضمان أمن طرق التجارة وتيسير أمر زيارةالكعبة.و لكنّها فكرة خاطئة تخالف ما نستلهمه منالقرآن الكريم، فإنّ الظاهر منه أنّ حرمةالأشهر لها جذور دينية و أنّها جزء من صميمالدين القيّم الذي جاء به إبراهيم (عليهالسلام) إلى اُمّته، قال سبحانه: (إِنَّعِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَاعَشَرَ شَهْراً فِى كِتَابِ اللّهِيَوْمَ خَلَقَ السَّموَاتِ وَ الأَرْضَمِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَالدِّينُ القَيِّمُ فَلاَتَظْلِمُوافِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ...) (التوبة/36).فإنّ قوله: (ذلك الدين القيّم) ربّما يشيرإلى أنّ إتّصاف الأربعة بالحرم جزء منالدين القيّم و تشريعاته.و على ذلك الأساس فالنبيّ الأكرم أولى بأنيحافظ على حرمتها و يراعي قدسيّتها، وبذلك يسهل لك القضاء في الحادثة الدمويةالتي وقعت في مستهلّ1. تفسير الرّازي ج8 ص81(طبع بيروت).