ولمّا رجع المسلمون إلى المدينة بعد أنأصابهم ما أصابهم فوجئوا بشماتةالمتقاعدين والمنافقين حيث خاطبوهمبقولهم: لو كنتم معنا لما قتلتم، وذلك مايحكيه عنهم سبحانه بقوله: (الَّذِينَقَالُوا لاِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْاَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْفَادْرَءُوا عَنْ اَنْفُسِكُمُ المَوْتَاِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران/168).وقد ورد ذلك المضمون في موضع آخر منالسورة في قوله سبحانه: (يَا اَيُّهَاالَّذِينَ آمنُوا لاَ تَكُونُواكَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوالاِخْوَانِهِمْ اِذَا ضَرَبُوا فِىالاَرْضِ اَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْكَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَاقُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَحَسْرَهً فِى قُلُوبِهِم وَاللَّهُيُحْيِى وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَاتَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (آل عمران/156).فهو سبحانه يجيب عن هذه الشبهة باُمور:أ ـ ما أشار إليه في قوله: (قُلْفَادَرُؤوا عَنْ اَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَاِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وحاصله أنّقولكم«لو أطاعونا ما قتلوا» يعرب عن أنّالقائل يعتقد بأنّ الموت والحياة بيدالانسان ولو صحّ ذلك فليدفع الموت عننفسه، مع أنّه سنّة اللّه الحتميّة فيجميع الكائنات.ب ـ بأنّ موت الإنسان في ساحة القتال معالشرك ليس موتاً حقيقياً وإنّما هو فيحقيقة الأمر ارتحال من دار إلى دار ومنحياة مادّية إلى حياة مثالية وأبديةسرمدية في خاتمة المطاف في جنات النعيموانّ الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقونويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم بما همفيه من حياة بلا كآبة ووجل، قال سبحانه:(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوافِى سَبِيلِ اللَّهِ اَمْوَاتاً بَلْاَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْفَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَلَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْاَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْيَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةمِنَ اللَّهِ وَفَضْل وَاَنَّ اللَّهَلاَ يُضِيعُ اَجْرَ المُؤْمِنِينَ) (آلعمران/169ـ171).ثمّ إنّ المستفاد منها أنّ حياة الشهداءحياة حقيقية لها آثار جسمية ولها آثار