إنّ الآية الاُولى ترسم لنا كيفيّة نزولالأحزاب على المدينة و إنّهم جاؤها منأعاليها و أسافلها، فقد جاءت قبيلة غطفانو بني النضير من الجانب الشرقي للمدينة وهي الجهة العليا و جاءت قريش و من انضمإليهم من الأحابيش و كنانة من الجانبالغربي و هي الجهة السفلى، و إليه يشيرقوله سبحانه: (إِذْ جَاؤُكُمْ مِنْفَوْقِكُمْ وَ مَنْ أسفلَ مِنْكُمْ).كما أنّها تعكس الحالة النفسية التيعايشها المسلمون أثناء تطويق المدينة وهمعلى طوائف:1ـ من مالت أبصارهم عن كل شيء فلم تنظرإلاّ إلى عدوّهم مقبلين من كل جانب.2ـ من شخّصت قلوبهم من مكانها ولولا أنّهضاق الحلقوم عنها إن تخرج لخرجت.3ـ من ظنّ بالله ظنّ الجاهلية متقوّلينبأنّ الكفّار سيغلبون وسيستولون علىالمدينة وبالتالي ينمحق الدين وتعودالجاهلية أدراجها الاُولى.وإلى هذه الحالات الثلاث أشارت الآيةبجملها الثلاث:أـ (وَاِذْ زَاغَتِ الاَبْصَارُ).ب ـ (وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ).ج ـ (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِالظُّنُونَا).والجملتان الأوّليتان كناية عن مبلغاستحواذ الخوف والهلع عليهم حتى انتقل بهمإلى حالة شبيهة بالإحتضار التي يزيغ فيهاالبصر وتبلغ القلوب الحناجر.وأمّا الجملة الثالثة: فلم تكن تشير إلىعموم المسلمين بل تستعرض حال المنافقينوالذين في قلوبهم مرض، فهؤلاء ظنّوا باللهظنّ الجاهلية، كما يدل عليه