عدم التكيف يعني الانقراض إن هذه الحواس التي منحها اللَّه تعالى إيّانا إنما هي من أجل أقلمة وتكييف أنفسنا مع الطبيعة من حولنا، وفي حالة عدم استخدام الإنسان وتجاهله لهذه الحواس فإن حاله سيكون سواء مع الجماد. فالإنسان الذي يمتلك عينين بصيرتين ثم يمشي ولا ينظر إلى سبيله، فعند سقوطه في حفرة فإنه سيكون أشدّ عمىً من أي أعمى، وكذلك الذي أوتي السمع ثم يتجاهل الخطر الآتي بالصوت والسماع فإنه أكثر صمماً من الأصم. وهكذا الحال عندما يسمع ما فيه خير وهدىً له ثم يسدّ أذنيه فإن حاله سيكون كحال أي جماد أو نبات، بل هو أكثر ضلالاً وبعداً عن الهدى من الأصمّ. فكلّما كانت قابليةالتكيف، والقدرة على التأقلم لدى الإنسان مع الطبيعة والحياة أكثر، كلّما استطاع هذا الإنسان أن يحفظ نفسه، ويقيهاالأخطار، ويدفع عنها المشاكل والصعاب.ومن هذه الحقيقة الموضوعية تنبثق الحضارات، وتنطلق في مسيرها نحو التقدم لدى جماعة من الناس، بينما ينهارآخرون ويضمحلّون أمام الأخطار، وبكلمة بسيطة فإن حضارة الإنسان إنما هي وليدة قابليته وقدرته على التكيف مع الظروف المحيطة به.مثال من التاريخ ولنضرب مثلاً على ذلك من واقع التاريخ؛ ففي الهلال الخصيب (بلاد الرافدين والشام ) كان الإنسان يعتمدفي زراعته على الديم؛ أي الأمطار. فالأرض خصبة، ومياه الأمطار متوفّرة، ولكن وبمرور الزمن حدثت تغيرات جوية سببت موسمية الأمطار، وانحسار كمياتها، فلم يكن أمام المزارع في هذه الأرض سوى طريقين، عليه أن يختارأحدهما؛ إما أن يجلس في بيته ويستسلم لخطر الجفاف الذي يهدد حياته، وإما أن يستمرّ في ممارسة الزراعة، ويتحدى بذلك الأخطار الطبيعية. ولكن ابن هذه الأرض اختار السبيل الثاني، فراح يعتمد طريقة الإرواء، وتنظيم قنوات المياه، ولعلّ الحضارة الأولى التي أقيمت في الكرة الأرضية كانت في هذه المنطقة كما يستشف من المعلومات والآثاروالاكتشافات التاريخية، فإنسان بلاد الرافدين استطاع بهذا الأسلوب أن يتحدى أخطار الطبيعة، ويبني الحضارةوالوجود الإنساني.مثال من الحاضرواليوم تواجه بعض بلدان أفريقيا مشكلة تهدد الوجود الإنساني فيها، ألا وهي مشكلة الجفاف أو ما يسمى ب(التصحّر)؛ فقد غدت هذه الظاهرة شبحاً لا يقّل خطراً عن الآفات الزراعية التي تقضي على المحاصيل والنباتات، فقد راح هذا الأخطبوط يزحف نحو الأراضي والمقاطعات الزراعية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن عشرات الكيلو مترات المربّعة من الأراضي الخصبة تتعرّض للجفاف سنوياً.ترى كيف تُعالج هذه المشكلة؟إن بعضاً من بلدان أفريقيا تحدّى هذا الخطر بأن قام بإنشاء غابات اصطناعية يمكنها أن تتصدّى لظاهرة التصحّروزحف الكثبان الرملية المتحركة نحو المناطق المستغلّة زراعياً، وقد نجحت في ذلك بالفعل. وفي المقابل نرى أن البعض من هذه البلدان - وربما بسبب أنظمتها التي لا تهتم بشعوبها، وتعمل على إبقائها استهلاكية غير إنتاجية - يستسلم لمخاطر الجفاف والتصحّر، الأمر الذي يؤدّي إلى حدوث المجاعات وسوء التغذية.والمستفاد من هذه الحقائق المعاشية أن اللَّه سبحانه وتعالى منح الإنسان عقلاً، وزوّده بالحواس، ويبقى عليه - أي على الإنسان- أن يعرف كيف يستغلّ هذه النعمة في مواجهة وتحدي الأخطار المحدقة به.وفي هذا المجال يحدثنا التاريخ بأن كائنات تتمتع بالوعي والإحساس كانت تعيش على هذه الأرض قبل هبوطالإنسان عليها، وقد كانت هذه المخلوقات تشبه البشر، وتتمتع بالحواس كما هو الحال لدى الإنسان، ولكن كانت لهم ملامح خاصة به، وكان عيبهم أنهم لم يكونوا قادرين على مقاومة الأخطار ولذلك تعرضوا للانقراض .والتاريخ العلمي يضرب لنا مثلاً على هذه المخلوقات فيقول: إنهم لم يكونوا يفكرون ببناء بيت، أو يتوجّهوا نحو الكهوف عند نزول المطر، بل كانوا يحفرون حفراً في الأرض، ويدخلونها، وبسبب برودة الجو فيها، وانعدام وسائل التدفئة فإنهم كانوا يموتون فيها، وبذلك انقرض هذا النوع من الكائنات، ولعل السبب في انقراض هذه الأحياء وغيرها من الحيوانات كالديناصورات يعود إلى ضعف التحدي لديهم. من هذا المجال يقول تاريخ الأحياء: إن الدايناصورات والأنواع المنقرضة الأخرى كانت قوة إبداء ردود الفعل لديها ضعيفة.لا خير فيمن لا يتحدى وهنا نعود لنتحدث عن الإنسان الذي يقول عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: (إن اللَّه حرم الجنة على كل فاحش بذي،قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان )(18)، فمثل هذاالإنسان لا قيمة له، لأنه لا يفكر، ولا يظهر رد فعل إزاء ما يقال فيه، فلابد لابن آدم من غيرة وهمّة، وإلا فما هي ميزته عن الحيوان؟وفي الحقيقة فإن هذا النموذج من البشر متواجد في كل المجتمعات، فعندما تُشْتَم مقدساته ويُساء إليها تراه ضعيف الإرادة خائر العزيمة، لا أبالياً، سرعان ما يتراجع ويستسلم ويدخل في نفق التبريرات.وإذا ما دققنا النظر فإننا سنلمس حقيقة أن حالة الإنسان النفسية والروحية إذا انعدمت فيها تلك الخصال الحميدة،وهي الغيرة وروح التحدي، ومقاومة الأخطار المداهمة، فلا جدوى بعد ذلك من التضحيات والمزيد من العطاءوالدمار. أما إذا توفّرت فيه تلك الخصال، فإنه ومن خلال مبادرته إلى التحدي سيكون بمقدوره منذ أول مرة أن يبعدالعدو ويجنّب نفسه المخاطر دون أن تكون هناك حاجة لأن يبذل المزيد من التضحيات والعطاء.التحدي سبيل الحضارةإن العامل الذي يغير وجه حياة الإنسان ويرتقي به إلى الحضارة، هو التحدي والإرادة، والثقة بالنفس. وفي هذا الإطاريذكر التاريخ أنه في عهد آل عثمان قام وفد تركي بزيارة إلى فينا، وكان هذا الوفد يتألف من خمسين خبيراً اطلعوا على ما يجري هناك من تقدم، ورأوا بأم أعينهم عظمة ذاك التقدم، ولكنهم كانوا فاقدين للغيرة والحمية، فرجعوا إلى بلادهم ميتي الإرادة، عديمي الثقة بالنفس، ولم يعملوا على تغيير واقعهم المرير، واستمروا على ذلك الحال الذي يرثى له، ولذلك استطاع الأوروبيون غزو الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف، فتقاسموها فيما بينهم، وسبّبوا تلك المآسي التي مازلنا نعاني من آثارها إلى اليوم.إن السبب الحقيقي في هزيمتنا لا يعود إلى قوّة الغرب وتقدمه فحسب، بل ربّما يكون النصيب الأوفر منه عائداً إلينا نحن؛فالكل له نصيب في التقصير، وما نعانيه اليوم ونقاسيه ما هو إلا حصيلة التقاعس وانعدام الإرادة والاهتمام، فالجميع قدقصّر بحق هذه الأمة المطعونة من كل جانب.ترى بماذا نختلف عن اليابانيين الذين كانوا هم أيضاً متخلفين وجاهلين بأنواع العلوم والتكنولوجيا؟ إن السر يكمن في أنهم اتصلوا بالغرب، واطّلعوا على الاكتشافات العلمية التي توصّل إليها، فأخذوا هذه التكنولوجيا، والمعرفة العلميةالمتقدمة، حتى أصبحت اليابان اليوم المنافس الأول للبلدان الغربية، بل وربما فاقتها بالتقدم العلمي والتقني، إذ استطاع اليابانيون أن يصنعوا عقولاً إلكترونية بإمكانها إجراء مائتي مليون عملية حسابية خلال ثانية واحدة.فياترى ماذا ينقصنا نحن الذين نستورد من الغرب حتى إبرة الخياطة، ولم كل هذا التخلف والانهزام؟ فاليابانيوين لم يصلوا إلى تلك الدرجة من التقدم والحضارة عبر البترول.حاجتنا إلى التحدي والتصدي إن السبب الحقيقي هو الإرادة والتحدي لا غير، وهذه الصفة هي التي تنفعنا، وبسبب عدم وجودها فينا، حشرنا في زاوية المتخلّفين. فنحن بحاجة إلى تلك الإرادة، وذلك التحدي والهمّة والغيرة التي كان أسلافنا يتمتعون بها في العصورالسابقة، وأما أحرى بنا أن نقرأ قول الإمام علي عليه السلام ونستوعبه عندما يقول في خطبته الجهادية المعروفة:(واغزوهم قبل أن يغزوكم، فو اللَّه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا)(19).فكيف يمكن للإنسان أن يركن إلى الجلوس في بيته تاركاً العدو يغزوه، ويدخل عليه بلاده، أو ليس هذا العدو سيدخل البيت بعد أن يدخل البلاد؟إن روح الإسلام هي روح التحدي، وعلى سبيل المثال، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يأمر السرية بأن تهاجم قافلة قريش خلف مكة، والمسافة آنذاك بين مكة والمدينة كانت شاسعة قياساً بوسائط النقل آنذاك، ومع ذلك لم يترددوا من تنفيذهذه المهمة، فراحوا يداهمون قوافل قريش التجارية، كخطوة لفرض لحصار الاقتصادي على المشركين، ومن ثم عادواإلى المدينة المنورة مع الغنائم!إن هذا هو إحساس التحدي والعطاء، والشعور بالمبادرة، والغيرة، والنظرة الى المستقبل البعيد.. إن أعداءنا يزعمون الآن أن بإمكانهم بدء الهجوم المضاد علينا حسب تحليلهم ونظرتهم إلى أوضاعنا؛ فالمستكبرون كانوا قد أصيبوابالهزيمة النفسية بالإضافة إلى الهزيمة السياسية من خلال التراجع أمام المدّ الإسلامي عند انطلاقته، ولكنهم بدؤوا اليوم بوضع حسابات جديدة وفق تصوّر وتحليل تبلورا في أذهانهم.ونحن علينا أن نتحدى ونقاوم كل هذه الحسابات والمخططات الجديدة من خلال الإمساك بزمام المبادرة، وعدم الاستلام والضعف والهزيمة وخوار الهمة، لأن استسلامنا يعني - بالتأكيد- موتنا، واندثار قيمنا ومبادئنا وحضارتنا،وهذه سنة إلهية لا تغيير ولا تبديل فيها.
الرؤية الشاملة في الحضارة
لكي نستفيد أكثر فأكثر من تعاليم ديننا الحنيف لابد أن نكوّن في أذهاننا تصوّراً شاملاً لهذا الدين، وتلك التعاليم، ونحن إذا ما حصلنا على هذه النظرة الشمولية إلى الإسلام، وهذه البصيرة التفاعلية إلى مجموع الدين، فإننا سوف نتقيّدبتعاليمه تقيداً أكثر، لأننا نعلم أن المجموع سيظل ناقصاً بفقدان أي جزء منه.وبناء على ذلك؛ فإن خللاً بسيطاً في أي عمل من أعمالنا العبادية من الممكن أن يؤدي إلى انهيار عباداتنا كلها، وعدم قبولها من قبل الخالق تبارك وتعالى، فكلمة غيبة واحدة من الممكن أن تذهب بصومك فلا تحصل من هذا الصيام سوى على الجوع والعطش. فعلينا أن لا نستهين بهذه الكلمة إذ مثلها كمثل قطرة دم سقطت في حوض ماء الورد فجعلته نجساًمهما كان حجمه كبيراً.فقد روي عن جابر، عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر)عليه السلام قال: أتاه رجل فقال: وقعت فارة في خابية فيهاسمن أو زيت فماترى في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفرعليه السلام: لا تأكله. فقال له الرجل: الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها. قال: فقال له أبو جعفرعليه السلام:(إنّك لم تستخّف بالفأرة، وإنما استخففت بدينك )(20).وهكذا؛ قد يؤدي ذنب صغير كالعجب، والكبر، والاستهزاء بالناس، وإفشاء أسرار الآخرين إلى ضياع عمر من العمل الصالح. وعلى العكس من ذلك فقد تؤدّي كلمة طيبة، أو نصيحة مخلصة، أو عمل صادق، وبالتالي الاهتمام بالجانب الديني إلى محو صحيفة سوداء من الأعمال السيئة.وروي في هذا المجال عن الحسن ابن الجهم، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: إنّ رجلاً في بني اسرائيل عبد اللَّه أربعين سنة، ثم قرّب قرباناً فلم يقبل منه، فقال لنفسه: وما اُوتيت إلاّ منك، وما الذنب إلاّ لك. قال: فأوحى اللَّه تبارك وتعالى إليه: ذمّك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة(21).العبادات بأهدافهاإن المطلوب منا لدى صلاتنا هو إيجاد حالة الخضوع في أنفسنا، أما الصلاة التي لا تزيدني خشوعاً، والصوم الذي لاينمّي ملكة التقوى في نفسي، والحج الذي لا يزيد من انسجامي مع سائر المسلمين ولا يجعلني أتبرّأ من الكفار، والجهادالذي لا يؤدي إلى إعلاء كلمة الدين.. كل ذلك لا نفعَ من ورائه.ومن هنا؛ فإن علينا أن ندرس الدين دراسة جديدة، وأن ندرس تعاليمه من خلال الحكم، والأهداف، والغايات المرجوّة منها؛ والتي جعلت لكل واحدة من فرائض الدين، ولكل تعليم من تعاليمه، وأن ننظر إليه ككلّ ومجموع. فنحن إنما نريد من الدين الإسلامي أن يحملنا إلى المجد في الدنيا، والعظمة، والرقيّ والتطور، ونريد منه في الآخرة أن يكون جسراً للوصول بنا إلى الجنة.سورة الحضارةونحن إذا نظرنا مثل هذه النظرة الشمولية إلى التعالم الاجتماعية في الإسلام، فإننا سوف نحصل على المفهوم الصحيح للحضارة؛ هذا المفهوم الذي يمكننا أن نستقيه من القرآن الكريم، وخصوصاً سورة المائدة التي هي أساساً سورةالحضارة الإسلامية، والحكم الإسلامي، وهي السورة التي تبيّن لنا بوضوح الأسس المتكاملة للمدنية الإلهية في الأرض، كما تبيّن من جهة أخرى صفات الجاهلية بكل أبعادها.ولو تدبّرنا في هذه السورة الكريمة فإننا سنحصل بالتأكيد على آفاق جديدة من المعرفة وعلم الحضارات.ولقد قمت سابقاً بتفسير هذه السورة، وأشرت إلى أنها تحدثنا عن معالم المجتمع الإسلامي، ولكنني لم أتوصل إلى الخيطالذي يربط بين مختلف تعاليمها؛ أي التصور الشمولي لهذه السورة. وهذا يعني أننا لم نصل بعد إلى مثل هذا التصورالشمولي فيما يتعلق بالمجتمع الإسلامي، فنحن لا نعرف بالضبط لماذا حرّم الإسلام الغيبة والتهمة والنميمة، ولماذا فرض علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولماذا أمرنا بالتواصي والتحابب، وقول الكلمة الطيبة، والتشجيع على عمل الخير. لأننا ننظر إلى كل واحدة من هذه المفردات الأخلاقية والتبريرية لوحدها؛ دون أن نحاول الربط بينها بخيطواحد لكي نرى صورة المجتمع الإسلامي المتكامل فنحصل من خلال ذلك على مجموعة من القوانين والسنن الإلهية التي يجب أن تتحكم في المجتمع.وهذه الظاهرة هي مشكلة المسلمين في جميع المجالات؛ أي مشكلة الفكر المتخلّف الذي لا يصل بين مفردة وأخرى،والذي لم يستطع بعد أن يتوصّل إلى الأسلوب الأمثل لفهم الآيات القرآنية. فنحن نقرأ كلّ آية لوحدها دون أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي وهو: ما هي صلة هذه الآية بما سبقها من الآيات، وبماذا تهتم هذه السورة، وما هو إطارهاالعام؟ إلى درجة أن بعض العلماء ما يزالون يطرحون التساؤل التالي: هل هناك ارتباط وعلاقة بين الآيات القرآنية في السورة الواحدة؟وتوجد في الفقه نفس هذه المشكلة؛ فمن المعروف عند الفقهاء أن هناك مجموعة كبيرة من التعاليم التي تصبّ كلّها في خانةواحدة هي خانة الصلاة، وبناء على ذلك فإن القبلة، والوضوء، والتطهّر، والمكان المباح، والنيّة ، والأذكار وما إلى ذلك من واجبات وأركان تشكّل كلّها وحدة واحدة نطلق عليها اسم الصلاة. ولكن هل نعلم أنه ما ذكرت الصلاة في القرآن إلا وذكرت معها الزكاة، فلماذا - إذن - نربط بين قراءة سورة الحمد في الصلاة والركوع، ولا نربط بين الصلاة والزكاة،مع أن القرآن ذكرهما معاً؟وعلى هذا؛ فلابد من أن نكوّن في أذهاننا تصوّراً شاملاً للصلاة والزكاة معاً ولجميع العبادات بشكل عام، وكذلك الحال بالنسبة إلى الجانب التربوي، والاجتماعي، والاقتصادي.أهداف التعاليم الاجتماعية في الإسلام وإذا ما تعمّقنا في التعاليم الخاصة بالمجتمع الإسلامي نجد أن هذه المجموعة من التعاليم يُتوقّع تحقيق أهداف كثيرة؛ منها أن يكون المجتمع الإسلامي متماسكاً أكثر فأكثر، فهناك العديد من الفرائض والتعاليم والمستحبات تشكل كلها وحدةواحدة تدعونا إلى المزيد من التماسك في المجتمع الإسلامي، وفيما يلي سأبيّن هذه التعاليم بشكل مختصر.إن القرآن الكريم يأمرنا ببناء الأسرة، لأنها تمثل الوحدة الاجتماعية الأولى في صرح المجتمع الإسلامي، وبعد الأسرةيأمرنا بصلة الرحم، والاهتمام بالجار، والفقراء، والمستضعفين، والأيتام، ويأمرنا باحترام الذين نتعلّم منهم، والتواضع لمن نعلّمهم، وبالتالي فإنّه يأمرنا بمجموعة من التعاليم يجمعها الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالته المعروفةب(رسالة الحقوق ).وجميع هذه الأوامر تؤدي إلى نتيجة واحدة؛ هي إيجاد مزيد من التماسك في المجتمع الإسلامي، ومن جهة أخرى، فإن الإسلام يريد أن ينشئ مجتمعاً متماسكاً حيوياً؛ أي أن يكون من خصائص هذا المجتمع بذل المزيد من الحركة والنشاطكما كانت حالة هذا المجتمع في العصر الإسلامي الأول، وإذا ما أردنا أن نعقد مقارنة بين مجتمعنا الآن وبين ذلك المجتمع لوجدنا أن الفرق بينهما هائل يشبه إلى حد كبير الفرق بين المدينة الأثرية القديمة، والمدنية الجديدة المتطوّرة!!وبناء على ذلك فإننا لسنا بحاجة إلى عملية ترميم فحسب، بل نحن بحاجة إلى بناء صرحٍ جديد في كل الحقول والمجالات. فتعاليم الإسلام موجودة اليوم بيننا، وكذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن شتّان بين تطبيقنا لهذه التعاليم وبين تطبيق أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لها.لقد قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدنية المنوّرة التي كانت لحين مجيئه قرية موبوأة متخلّفة، يسيطر عليها التخلّف والجمود، وما أن وطأت قدماه المباركتان هذه المدينة حتى دبّ فيها النشاط والحركة، وإذا بمجتمعها يصبح حيوياً، وإذا بالزراعة وحركةالتجارة والاقتصاد تحيى، وفي خلال سنين معدودة تحوّلت إلى مدينة حيويّة متطوّرة تُشع الحضارة إلى جميع أرجاءالعالم، وحتى اليوم فإننا نقتبس نور الحضارة من هذه المدينة التي بناها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيديه المباركتين.الكلمة الطيّبة من دوافع الحضارةإن الإسلام هو دين النشاط والحيوية، ومن أهم تعاليمه في هذا المجال نشر الكلمة الطيبة، فإن رأى الواحد منا صاحبه يقوم بعمل حسن فعليه من خلال الكلمة الطيبة أن يشجّعه، لأن هذه الكلمة - رغم بساطتها - من شأنها أن تترك تأثيراً بالغاً في نفسيّة هذا الإنسان إلى درجة تجعله يندفع إلى العمل بصورة غريبة.أما المجتمع المتخلّف؛ فعلى العكس من ذلك تماماً، فترى الكلمات السلبية المثبّطة منتشرة فيه؛ فإذا ألفَ أحد ما كتاباًونشره، قالوا له: إنك نشرته رياءً، وإن صعد الخطيب المنبر تراهم يبحثون في كلماته عن النقائص والعيوب لينشروهابين الآخرين. ففي بعض الأحيان لا يرى أحدنا الفضيلة، والخير، والعمل الصالح الذي يقوم به طرف من الأطراف، بل تراه ينظر إلى السلبيات والأخطاء فحسب، وهذه الظاهرة ناجمة عن جلوس أولئك المثيرين للسلبيات في زاوية من الزوايا ليكتفوا بالحديث ضد العاملين في سبيل اللَّه سبحانه وتعالى. فهم لم يعملوا لكي يفهموا معنى العمل، ولكي يعرفواكيف يواجه العاملون التحديات والصعوبات، والظروف المعاكسة، بل إن قصارى جهدهم أن يسلّطوا الأضواء على الأخطاء والسلبيّات - إن وجدت -، وبسبب هذه الروح التثبيطية نرى أن عدد العاملين ينقص يوماً بعد آخر.هذا في حين أن القرآن الكريم يقول: (اَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَافِي السَّمَآءِ)(إبراهيم/24). فالإسلام يوصينا بنشر الكلمة الطيبة، ويأمرنا بالتواصي بعمل الخير، وإشاعةالحسنة، وينهانا عن إشاعة الفاحشة.. وكل ذلك ليكون المجتمع حيوياً ومتفاعلاً، ولكي يتحوّل إلى مجتمع حضاري يبني صرح الحضارة الشامخ من خلال التحلّي بأخلاقيات المجتمع المتحضّر التي تقف في مقدّمتها النظرة الشمولية إلى الدين الإسلامي الحنيف، واجتناب النظرة التجزيئية الضيّقة التي تعتبر سبباً رئيسياً من أسباب الجهل والتخلف، والتي كانت وما زالت السبب الكامن وراء عدم فهمنا الصحيح للمفاهيم والتعاليم والأحكام الإسلامية، وخصوصاً تلك المرتبطةببناء المجتمع المتحضر، الذي تسوده روح التضامن والتكافل والتعاون..
الحس الجمالي في الحضارة
لا ريب أن الحسّ الجمالي يشكّل جانباً مهمّاً من جوانب الحضارة، وهذا الحسّ يتجلّى - أول ما يتجلّى - في الطهروالنقاء والنظافة، ولكنّه يمتلك بالإضافة إلى ذلك أبعاداً أخرى.إن في الإسلام تشجيعاً مستمرّاً ومتواصلاً على الجمال وما يؤدّي إليه؛ وعلى سبيل المثال فإن من المستحب في الإسلام أن ينظر الإنسان إلى نفسه في المرآة لكي يهندم نفسه، ويضفي مسحة من الجمال عليها، كما أنّ من المكروه أن يهمل هذاالإنسان شعر رأسه ويتركه دون حلاقة إلا إذا تعهّده بالنظافة المستمرّ،، ومن المستحب أيضاً أن يمشّط الإنسان شعررأسه ولحيته بشكل متواصل، حتى أنه روي عن أبى بصير عن أبي عبد اللَّه (الإمام جعفر الصادق عليه السلام )، قال:سألته عن قوله تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلُ مَسجِد)(الأعراف/31) قال: (هو المشط عند كل صلاة فريضة ونافلة)(22).الجمال من سمات الحضارة؟إن علينا أن نسأل أنفسنا في هذا المجال: ترى لماذا هذا التأكيد المستمر والمتواصل على يكون الإنسان ذا مظهر حسن وجميل، ولماذا هذه المجموعة الكبيرة من التعاليم الإسلامية حول النظافة والأمور الجمالية.؟الجواب على ذلك: لأن تلك التعاليم هي من سمات الحضارة التي هي تكامل في وعي الإنسان، وفي نفسه. ومن المعلوم أن من الأبعاد الحقيقية لوعي الإنسان هو الحس الجمالي، فالإنسان المتكامل هو الذي يتحسّس ويتذوّق، وهو الذي يبحث عن الجمال ويتلذّذ به.وفي هذا المجال يقول تبارك وتعالى: (يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )(الأعراف/31). وهذه الآية تعني أن على الإنسان المسلم أن يكون متزيناً بأفضل الثياب،وأن يكون في حالة عالية من الطهر والجمال عندما يريد أن يدخل المسجد لأداء الصلاة.وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن من المستحب في الإسلام التطيّب، لأن الطيب يمثل جانباً من الحسّ الجمالي لدى الإنسان إلى درجة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديثه المعروف: (أحب من دنياكم ثلاثاً؛ الطيب، والنساء، وقرّة عيني الصلاة)(23). ملخّصاً جميع أبعاد الجمال النفسي والروحي في هذه الكلمة القصيرة.من هنا يجب تنمية الحس الجمالي في أنفسنا، وفي وعينا، وأن نكون ممن قال عنهم الإمام علي عليه السلام: (إنّ اللَّه عزّوجلّ جميل يحبّ الجمال )(24)، وأن نعمّم الجمال على جميع جوانب حياتنا؛ فتكون بيوتنا جميلة، وكذلك الحال بالنسبة إلى مساجدنا، وثيابنا، ووجوهنا، والمدينة التي نعيش فيها... وبالتالي يجب أن يكون لدينا الحسّ الجمالي،والبحث الدائم عن الجمال، لأننا عندما نزرع الجمال في كلّ بقعة من بقاع بيوتنا أو مدينتنا، فإنّ قلوبنا - أيضاً - ستكون جميلة، وحينئذ سنعرف معنى الصدق والوفاء وحبّ الآخرين، لانّ قلوبنا ستتألق - في هذه الحالة - بالجمال، فقد تربّت ونمت، وتكاملت من قبل بالجمال.جمال الكلمة والتعبيروالجمال قد يتجسّد في جانب آخر غير الطهر والنظافة، هو جانب الكلمة. فعندما تجد أمامك مجموعة من المفردات،فحاول أن تبحث عن أفضلها، وأروعها، وأكثرها تأثيراً من الناحية الجماليّة في الطرف الآخر، وأن تحترز من اختيارالكلمات النابية الثقيلة على السمع، بل عليك أن تختار الكلمات الجميلة الحسنة الوقع على الآذان والنفوس، كما يقول عزّمن قائل: (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ )(الإسراء/53). أي إنّ على الإنسان أن يبحث دوماً عن الأحسن لا الأفضل، فحتّى لو كانت هناك كلمتان أحدهما حسنة والأخرى أحسن، فإنّ علينا أن نختار الثانية على الأولى.إنّ هذا الإحساس الجمالي ينمّي في ذاتنا روح الجمال؛ فالكلمة الطيّبة والخلق الحسن هما انعكاس لجمال الروح، وجمال الروح يفرزه الجمال الظاهري. فعندما يكون الإنسان في جو مشبع بالطهارة والنظافة والجمال، فإن روحه ستكون أيضاًجميلة، كما إن أخلاقه التي هي انعكاس لروحه التي تكون هي الأخرى ذات أخلاق جذابة وجميلة، ولذلك يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: (اطلبوا الخير عند حسان الوجوه )(25) لأن ذوي الوجوه الحسنة هم - عادة- أبناء النعمةوالجمال، وبناء على ذلك، فإن الخير منهم مأمول، والشر مأمون.القرآن آية الجمال الكبرى وفي الآيات القرآنية هناك الكثير من المفردات والأساليب الجمالية، التي لا أريد أن أتوسّع فيها كثيراً، ولكنني اكتفي بالإشارة إلى أن البيان القرآني مبني أساساً على جمال التعبير، والتصوير إلى درجة أنه يقع في أعلى مستويات الحسن والجمال. وهذه الظاهرة دليل على أننا كجيل قرآني، وكأناس نتبع القرآن يجب أن نختار في أحاديثنا مثل تلك الكلمات والتعابير الرائعة والجذابة التي من شأنها أن تزيد الطرف الآخر بهاءً وإشراقاً، بل أكاد أن أقول: إن المفترض فينا أن نحاول تعويد ألسنتنا على الطريقة الجميلة في أداء الألفاظ.فإذا كان الواحد منا ذا أدب رفيع، ومستعملاً للكلمات الجميلة الطيبة، حارصاً على أن يختارها اختياراً سواء في بيته أومع الذين يتعامل معهم في المجتمع، فإنه سرعان ما سيتعود على تلك الأساليب والتعبيرات الجميلة حتى تكون منسجمةمع عاداته وسلوكياته. وكذلك الحال عندما يريد الواحد منّا أن يؤلف كتاباً، فإن هذا الكتاب سوف يعكس هو الآخرروحه الجمالية، والأدب الرفيع الذي يتحلى به.أما إذا أراد الإنسان أن يقسّم ويوّزع شخصيته؛ كأن يتكلم فوق المنبر بطريقة، وحين الكتابة بطريقة أخرى، ويتكلم مع أهله بأسلوب، ومع أصدقائه وزملائه بأسلوب آخر، فإن كلامه سوف يتحول إلى تكلّف وتعسّف حتى في التعبيروفي كيفية أداء الألفاظ.وبكلمة؛ لكي نتمتع بحضارة سامية، لا بد لنا من أن نتحلى بالحس الجمالي في كل مجالات؛ الشخصية والاجتماعية.
الحضارة وفن الحياة
لا ريب في أن الجزء الأكبر من آيات الذكر الحكيم ينير بصيرة الإنسان ويعلّمه فنّ الحياة، ولكنّ هناك حقائق كبرى ينحسر عادة عنها وعي الناس العادييّن، وإنما يرتفع إلى وعيها أولئك الرجال الذين تسامى علمهم، وتعالت روحهم وإرادتهم.ومما لا شك فيه أن استيعاب هذه الحقائق الكبرى هو الذي يمنح الإنسان القدرة على التعامل مع الطبيعة تعاملاً سليماً،وتسخير ما في الكون من أجل مصلحته ومصلحة سائر أبناء البشر.الطريق الخاطئ مشكلة الإنسان وكثيراً ما يسلك الإنسان طريقاً خاطئاً، ولكننا نراه دائماً يفتش عن أفضل السبل لقطع المسافات، ولكن ماذا ينفعه هذاالتفتيش والاجتهاد إذا كان طريقه لا يوصل إلى هدف؟ فالإنسان إنما يستطيع الاستفادة من تعبيد الطريق، ومن البحث عن الوسيلة المناسبة للسير فيه إذا كان هذا الطريق سليماً مؤدّياً إلى هدفه.إن غالبيّة الناس مثلهم كمثل الإنسان الذي تراه يفتش عن أصغر الأمور، وأدقها ليدقق فيها موظفاً ما يتمتع به من وعي وعقل وذكاء، ولكنه لا يكلّف نفسه عناء اكتشاف هل أن الطريق الذي يسير فيه مغلوط أساساً أم لا؟إن هذه الظاهرة تمثل إحدى المشاكل الكبرى التي يعاني منها الإنسان في حضارته؛ فهو يهتم بالحقائق الجزئية الصغيرةدون الاهتمام بالحقائق الكبرى.والقرآن الكريم يحدثنا عن هذه الحقائق الكبرى التي لو عرفها الإنسان لنجح في حياته، ومن هذه الحقائق حقيقةالصراع الأبدي بين أهل الحق والباطل، ولكننا للأسف الشديد وعلى الرغم من قراءتنا المتكررة للقرآن لم نستطع أن نعي أن هناك صراعاً أبدياً بين أهل الحق وأهل الباطل، وأن العاقبة ستكون للمتقين.إن هذه الحقيقة البسيطة يطرحها القرآن الكريم المرّة بعد الأخرى.بين الدين والحضارةوقبل أن نتحدث عن علاقة الدين بالحضارة، نذكّر أولاً ببصيرتين أساسيتين؛ الأولى: تتمثل في أن مشكلة الحضارة تتلخص في أنها مبتورة إذا ما قيست بالدين، فالدين يتحرك مع الحضارة لمسافةمعيّنة، ولكنّ هذه الحضارة سرعان ما تتوقف.والثانية: إن الدين يمضي قدماً إلى النهاية السعيدة، إذ الحضارة تحدثنا عن الوسيلة، بينما الدين يحدثنا عن الهدف بعد أن يشير إلى الوسيلة أيضاً؛ والحضارة تبين لنا الجزئيات، بينما الدين يقولب هذه الجزئيات ضمن إطار عام؛ والحضارةتزودنا العلم، بينما الدين يمنحنا فقهاً؛ والحضارة تعلّمنا ما هي الحياة، والدين يعلّمنا كيف ننتفع منها ، ولماذا كانت الحياة،وكيف ينبغي أن تكون..معرفة فن الحياةإننا -كمسلمين- لابد أن ينصب جلّ اهتمامنا على المسائل الحياتية، أو بتعبير آخر؛ على معرفة فنّ الحياة، مستلهمين ذلك من كتاب ربّنا تعالى ومن منهجه في فهم الحياة. أما أن نبقى نبحث في الجزئيات - سواء كانت هذه الجزئيات مرتبطة بالدين أم بالحياة - ونلغي النظر في الكليات، فإن هذه الحالة سوف تؤدّي إلى إصابتنا بهزائم متلاحقة.إن من مشاكل كل أمة متخلفة أنها تبحث عن الجزئيات دون أن تربط بينها وتحوّلها إلى إطار واحد مشترك، فالغالبيةالعظمى من الناس تكون تصوراتهم عن الحياة تصورات تجزيئية؛ أي تصوّر الأشياء دون ربطها ببعضها.ومشكلتنا نحن - المسلمين- تتمثل في أن معرفتنا بالقضايا السياسية والاجتماعية والدينية وما إلى ذلك، هي معرفةمتنافرة غير مجتمعة ضمن إطار واحد، ولذلك فإن هذه المعرفة لا تعيننا على فهم الحياة.ومما لا ريب فيه أننا نمتلك كوادر وأصحاب اختصاصات في مختلف العلوم، ولكن أكثرهم علماء، أمّا الذين أوتواالحكمة، وفنّ معرفة الحياة، ومعرفة الخطوط العريضة فيها؛ فإنهم لا يشكلون إلا أقلية هي أقل من القليل، أما الغالبيةالعظمى فإنهم لم يحوّلوا معلوماتهم إلى رؤية وبصيرة، وهذه هي المشكلة الرئيسية التي نعاني منها نحن المسلمين.وبكلمة؛ إن القرآن الكريم يعلّمنا فنّ الحياة الحرّة الكريمة، وكيف نتعامل مع الأحداث المختلفة المحيطة بنا، لذا يجدر بنا أن نتدبّر في آياته الكريمة ، ونتعمق فيها، ونتدارسها لكي نستوحي منها برنامجاً ومنهاجاً متكاملين نستطيع من خلالهما أن نحصل على البرنامج الأفضل والأمثل في الحياة لكي نتمكن من الوصول إلى أهدافنا الحضارية المنشودة من أقصرالسبل وأكثرها استقامة وصحّة، ولكي لا نتيه ونضيع في متاهات الطرق الأخرى التي لا تزيدنا عن أهدافنا إلا بعداًوانحرافاً وضلالاً كما ابتليت بذلك الأمم والشعوب الأخرى، ولم تعرف السبيل الأفضل في الحياة، والطريق الأمثل لتحقيق الأهداف بسبب ابتعادها عن بصائر الرسالات الإلهية.