تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 7

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 7

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

القتــال

اولاً : بين القتال والايمان

تمهيد :

القتال فريضة الهية ، ويعكس مدى ايمان الانسان بالعقائد الاساسية للدين ؛ أي الايمان بالله وبالرسول واليوم الآخر . وكما ان القتال هو ميراث الايمان ، كذلك الايمان يزداد بالقتال في سبيل الله . وهذا ما نستلهمه من آيات الذكر التالية :

1/ عندما يأمر الرسول بالقتال ضد الفئات المنافقة ، فان طاعته تدل على مدى ايمان الأمة بالله وبالرسول وباليوم الآخر . (ذلك لان القتال الداخلي أصعب من قتال الاعداء الخارجيين). ومن هنا فان الله سبحانه وعد الذين يطيعون الرسول في مثل هذا القتال بالأجر العظيم وبالهداية ، (كما انه سبحانه بيّن انه أشد تثبيتاً) . قال الله تعالى : « وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لاَتَيْنَاهُم مِن لَدُنَّآ أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً » (النساء / 66-68)

ولعل السبب في هداية الله سبحانه للمقاتل المؤمن ؛ ان كثيراً من اسباب الضلالة تعود الى حب الذات وحب الشهوات . فاذا تجاوز المؤمن حب ذاته (هوى النفس) انقشعت عن بصيرته اغشية الشك ، وحجب الريب ، ورأى الحقائق باذن الله سبحانه .

2/ وكما القتال في سبيل الله دليل الايمان بالله، كذلك التقاعس عنه دليل الرضا بالحياة

الدنيا من الآخرة ، (كما هو دليل الاستجابة لجواذب الأرض المادية دون بواعث القيم المعنوية) . قال الله سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (التوبة /38-39)

وفي الفصول القادمة آيات تدل على مدى علاقة الايمان بالقتال في سبيل الله .

وقد جاء في السنة الشريفة عن أمير المؤمنين عليه السلام : " الايمان أربعة أركان ؛ الصبر واليقين والعدل والجهاد ". ([1])

الركن الأول : بواعث القتال

ما الذي يدعو المؤمنين الى القتال في سبيل الله ؟

الحقائق التالية تبعث المؤمنين الى القتال :

أ/ الايمان باليوم الآخر ايماناً صادقاً مستقراً ، ايماناً يجعل المؤمن يبيع الدنيا بالآخرة ، والنفس الفانية بالجنة الباقية . والقتال وسيلة بلوغ هذه الدرجة .

ب/ الموت نهاية كل حي ، وهو يهدد حياة كل فرد دائماً ، ويفر منه البشر أبداً . والمؤمن يلغي الموت بالشهادة ، لانه يعلم أن الخلود في الدنيا مستحيل . ولكن حياة الشهادة ممكنة فيختارها ، والقتال يوفر فرصة الشهادة .

ج/ والمؤمن يفزع أبداً من خطاياه ، ويبحث عن ضمانة للمغفرة ، والله يوفر هذه الضمانة بالشهادة .

د/ والقتال -في سبيل الله- يمحّص القلب ، ويطهّره من الشك والنفاق . ومن هنا يختاره المؤمنون الصادقون .

هذا مجمل القول في بواعث القتال ، واليكم التفصيل :

ألف : شراء الجنة بالأنفس والأموال

حين تدفع قدراً من المال لتشتري قطعة أرض من مالكها، كيف تتعامل مع الألف دينار؟ أليس تقطع علاقتك بها ، وتنتظر صاحب الأرض متى يطالبك بها لتدفعها اليه ؟ وهكذا حين اشترى ربنا من المؤمنين ما خوَّلهم في الدنيا من مال ونفس ، ووعدهم الجنة وعد الصدق، فانك -ان كنت أنت المؤمن البائع- لا ترى لنفسك الحق في التصرف في نفسك او مالك ، لأنك قد بعتها الى الله بأفضل ثمن وهو الجنة . ومن هنا يزداد شوقك الى الجنة كل لحظة ، لأنك قد امتلكتها بفضل الله . ولأن القتال في سبيل الله قد يوفر لك فرصة الشهادة ، وأداء ما بعته واستلام ما اشتريته ، فان المؤمن اشوق مايكون اليه . وان الله هو أوفى من وعد ، لأنه غني حميد ، مالك الجنان الواسعة التي عرضها السموات والأرض . قال الله تعالى : « إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِاَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْءانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » (التوبة /111)

وقد زخرت أحاديث النبي وآله عليه وعليهم صلوات الله وسلامه ، بمعاني رفيعة في ثواب المقاتلين في سبيل الله والشهداء ، حيث بيّنت انهم قوّاد أهل الجنة ، وان من ختم له بالجهاد دخل الجنة . وان خيول الغزاة في الدنيا هي خيولهم في الجنة . وفيما يلي نتلو عليك طائفة مختارة من هذه الأحاديث :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "حملة القرآن عرفاء أهل الجنة ، والمجاهدون في سبيل الله قوادها ، والرسل سادة أهل الجنة ".([2])

وروي عن أبي ذر في حديث ، انه ذكر ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال في مرض وفاته : " ومن ختم له بجهاد في سبيل الله ولو قدر فواق ناقة دخل الجنة ". ([3])

وقال النبي صلى الله عليه وآله : " خيول الغزاة في الدنيا هي خيولهم في الجنة" .([4])

باء : الشهداء احياء عند ربهم

هناك فرق بين من يقتل ومن يموت ، فالشهيد حي والميت فان .

والشهداء احياء بحياة الرسالة التي سقوها بدمائهم ، فاذا بكل قطرة دم اريقت حول شجرة الرسالة ، تحولت الى غصن اخضر وثمرة نافعة . تحولت الى عدالة تنفع ملايين البشر ، وحرية وكرامة وحياة . وهم احياء ، لان ذكرهم خالد في الناس . وهم احياء ، لان الله يعطي ارواحهم الطاهرة قدرة وعلماً ، فاذا بهم يرزقون عند ربهم . اما الأموات فان ارواحهم قد تنتزع منها القدرة والعلم ، وتعتقل في زنزانة الجهل والضعف والظلام .

حياة الشهداء حافلة بالنعم المادية والمعنوية ، إذ انهم يرزقون عند ربهم . وهم لايزالون في فرح وشكر وبشارة ، كلما وجدوا قتيلاً في سبيل الله التحق بهم ، زادهم انساً وكرامة . قال الله تعالى : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَآءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِن خَلْفِهِمْ اَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (آل عمران / 169-170)

ان المؤمنين الذين لم يلحقوا بالشهداء ، هم اداة البشارة للشهداء ، لعلم الشهداء بان اولئك سوف يقدمون على حياة فاضلة ؛ حياة لا خوف فيها ولا حزن ، ولذلك فهم يفرحون بالمؤمنين . وقد جاء في الحديث أن الشهيد تمنى العودة الى الدنيا ليقاتل مرة أخرى - في سبيل الله - .

روي عن النبي صلى الله عليه وآله ، أنه قال لجابر : " ان الله لم يكلم احداً إلاّ من وراء حجاب ، وكلّم اباك مواجهاً . فقال له : سلني اعطك . قال : أسألك ان تردّني الى الدنيا حتى اجاهد مرة أخرى ، فاقتل . فقال : انا لا أردّ أحداً الى الدنيا ، سلني غيرها . قال : اخبر الاحياء بما نحن فيه من الثواب حتى يجتهدوا في الجهاد لعلهم يقتلون ، فيجيئون الينا . فقال تعالى : انا رسولك الى المؤمنين . فانزل : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً » ". ([5])

وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً ، يقول : " ان فوق كل برّ برّ ، حتـى يقتل الرجل شهيـداً

في سبيله . وفوق كل ذي عقوق عقوق ، حتى يقتل الرجل احد والديه " .([6])

عن جابر ، عن ابي جعفر عليه السلام قال : " أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : اني راغب نشيط في الجهاد . قال : فجاهد في سبيل الله ، فانك ان تقتل كنت حيّاً عند الله ترزق ، وان متّ فقد وقع اجرك على الله ، وان رجعت خرجت من الذنوب الى الله . هذا تفسير « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً » ".([7])

جيم : المجد الاجتماعي

اول الصبر ، الرضا النفسي بالجهاد . وجعل القرآن المجاهدين في سبيل الله في قمة المجد الاجتماعي ، ليشجع الباقين على المسير في دربهم . وهكذا نهى عباده ان يقولوا للمقتولين في سبيل الله انهم اموات ، بل هم احياء . احياء لان القتل قد نقلهم من حياة الى حياة ؛ من حياة الجسد الى حياة الروح ؛ من الحياة الظاهرية الى الحياة الحقيقية . فلم تكن الشهادة إلاّ باباً دخلوا منه الى رضوان الله . واحياء لانهم وفروا فرصة الحياة للالوف من الناس . قال الله تعالى : « وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَكِن لاَ تَشْعُرُونَ » (البقرة / 154)

ان الكرامة حياة ، والحرية حياة ، والعيش السعيد حياة ، ومن يموت في سبيل هذه المبادئ الدينية فهو حي في تلك المبادئ .

وان امة تكرم شهداءها وتحيي ذكراهم وتجعلهم احياء بينها ، هي أمة لا تموت . ومن هنا فقد ذكرتنا الأحاديث ان الشهداء هم خير الناس ، وأن الله يرفع المجاهد في سبيله .

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : " خير الناس رجل حبس نفسه في سبيل الله يجاهد اعدائه ، يلتمس الموت او القتل في مصافّه ".([8])

وعنـه صلى الله عليه وآله قال : " يرفع الله المجاهد في سبيله على غيره مأة درجة في

الجنة ، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض ".([9])

دال : النجاة من النار

1/ اننا كبشر نتعرض لضغوط الشهوات ، وقد نسقط ونكتسب السيئات . فاذا ادركنا الموت فان تلك السيئات تلاحقنا ، وتتحول هناك الى عذاب شديد . اما إذا قتلنا في سبيل الله فان الشهادة تمحي الذنوب كلها . وطوبى لمن مات طاهراً من الذنوب ، انه يدخل الجنة بغير حساب . قال الله تعالى : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ » (الصف/10) .

وقد أكد الحديث الشريف هذه البصيرة ، حيث نقرء عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : بينما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يخطب الناس ويحضّهم على الجهاد ، اذ قام إليه شاب ، فقال : يا أمير المؤمنين اخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله ؟

فقال علي عليه السلام : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقته العضباء ، ونحن قافلون من غزوة ذات السلاسل ، فسألته عما سألتني عنه ، فقال : ان الغزاة إذا همّوا بالغزو كتب الله لهم براءة من النار ، فإذا تجهزوا لغزوهم باهى الله تعالى بهم الملائكة ، فاذا ودّعهم اهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت ، ويخرجون من ذنوبهم كما تخرج الحية من سلخها ، ويوكّل الله عز وجل بكل رجل منهم أربعين ألف ملك يحفظونه من بين أيديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، ولا يعملون حسنة إلاّ ضعّفت له ، ويكتب له كل يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله ألف سنة ، كل سنة ثلثمأة وستون يوماً ، اليوم مثل عمر الدنيا . وإذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم أهل الدنيا عن ثواب الله اياهم ، واذا برزوا لعدوّهم واشرعت الاسنة وفوّقت السهام وتقدّم الرجل الى الرجل ، حفّتهم الملائكة بأجنحتهم ، ويدعون الله تعالى لهم بالنصر والتثبيت ، ونادى منادي : الجنة تحت ظلال السيوف . فتكون الطعنة والضربة أهون على الشهيد من شرب الماء البارد في اليوم الصائف . وإذا زال الشهيد من فرسه بطعنة او بضربة لم يصل الى الارض حتى يبعث الله عز وجل زوجته من الحور العين فتبشّره بما أعدّ الله عز وجل له من الكرامة ، فاذا وصل الى الأرض تقول له : مرحباً بالروح الطيبة التي خرجت من البدن الطيب . ابشر فان لك مالا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ويقول الله عز وجل : انا خليفته في أهله ، ومن ارضاهم فقد ارضاني ، ومن اسخطهم فقد اسخطني . ويجعل الله روحه في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي الى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش ، ويعطى الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس ، سلوك كل غرفة ما بين صنعاء والشام ، يملأ نورها ما بين الخافقين ، في كلّ غرفة سبعون باباً ، على كل باب ستور مسبلة ، في كل غرفة سبعون خيمة ، في كل خيمة سبعون سريراً من ذهب قوائهما الدرّ والزبرجد مرصوصة بغضبان الزمرد ، على كل سرير اربعون فراشاً ، غلظ كل فراش اربعون ذراعاً ، على كل فراش سبعون زوجاً من الحور العين عرباً أتراباً " ([10])

2/ حينما جعل المؤمنون اعظم أهدافهم النجاة من العذاب وألاّ يخزوا يوم القيامة ، استجاب الله لهم . ولكنه فرض عليهم شروطاً ؛ ابرزها الهجرة ، وهي الانفصال الفكري والعملي من الجاهلية . ويستلزم هذا الانفصال التحدي والصراع ، وبالتالي الخروج من بلاد الجاهلية ، وتحمل انواع الأذى من الاغتراب والفقر والذل . بيد ان كل ذلك يدفعهم لتنظيم انفسهم ، والاستعداد للعودة الى بلادهم بالقتال .

وهدف الجيش من القتال - عادة - هو الانتصار ، بيد ان هدف المؤمنين كجنود هو الشهادة ، لذلك فهم مستبسلون في ذات الله .

ان هذا هو شرط الله على المؤمنين ، الذي لو وفوا به آتاهم اجرهم بالكامل ، وبالتساوي بين الذكر والأنثى ، وأدخلهم الجنة جزاءً حسنـاً من عند الله . قال الله سبحانه : « فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لآ اُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أَوْ اُنْثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَاُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَاُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاَُكَفِّرَنَّ عَنْهُم سَيِّاَتِهِمْ وَلاَُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابـاً مِنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنـدَهُ

حُسْنُ الثَّوَابِ» (آل عمران / 195)

ان الشهيد يغتسل بدمه ، فاذا به طاهر من الذنوب ويدخل الجنة بغير حساب . وقد ذكرت الرواية المأثورة عن علي عليه السلام انه قال : " عليكم بالجهاد في سبيل الله مع كل امام عادل ، فان الجهاد باب من أبواب الجنة ". ([11])

3/ الأمة المسلمة تتميز بالاستقامة على الحق والتضحية رغم صعوبتها ، وهاهو القتال مفروض عليها ، بالرغم من انه مكروه للانسان . قال الله تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » (البقرة/216)

الحق هو محور الانسان الرسالي والأمة المؤمنة ، لا الحب والكره المجردين ، ذلك لان الحق ينفع الانسان والباطل يضره ، بالرغم من ان النفس قد تميل الى الباطل وتزعم انه اصلح لها . والله هو الذي يحدد الحق ، اما الناس فهم لا يعلمونه دائماً ، لانهم محجوبون عنه بالشهوات التي تزين لهم الباطل وتصوره حقاً لهم .

وقد بينت السنة الشريفة ثواب المجاهدين ، إذ جاء عن النبي صلى الله عليه وآله ، انه قال : " كل حسنات بني آدم تحصيها الملائكة ، إلاّ حسنات المجاهدين ، فانهم يعجزون عن علم ثوابها ".([12])

ورأى صلى الله عليه وآله رجلاً يدعو : اللهم اني أسألك خير ما تسأل ، فاعطني افضل ما تعطي . فقال صلى الله عليه وآله : ان استجيب لك اهريق دمك في سبيل الله . وقال صلى الله عليه وآله : ان لي حرفتين اثنتين ؛ الفقر والجهاد . وقال صلى الله عليه وآله : غدوة او روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها . وقال صلى الله عليه وآله في حديث : وسياحة امتي الجهاد . وقال صلى الله عليه وآله : ان الله يدفع بمن يجاهد عمّن لايجاهد . ([13])

عن الامام الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة يشفعون الى الله عز وجل فيشفّعهم ؛ الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء . ([14])

الركن الثاني : أهداف القتال

لماذا يقاتل المسلمون ، وماهي الاهداف السامية التي يناضلون من أجلها ؟

أ : لمقاومة الفتنة واستعادة الحرية والكرامة والثروة التي يصادرها الطغاة والظلمة .

ب : دفاعاً عن النفس ضد الطغاة والظلمة ، الذين يريدون استلاب الحرية والكرامة والثروة .

ج : دفاعاً عن المستضعفين الذين يستعينون بهم ، وللقيام بالقسط وللشهادة بالحق .

د : وربما لنشر الدين ، ورفع العقبات التي تعترض حاكمية الدين في الأرض .

وعن هذه الأهداف العليا نستعرض التفصيل التالي :

ألف : حتى لاتكون فتنة

الملك لله ، والحكم لله ، والله هو الرب ، وله الأمر ، وله الدين . وهكذا لايجوز لاحد أن يتخذ من دونه اولياء ، وان يشرّع حكماً بغير اذنه ، وان يتخذ أرباباً من عباده ، وان ينازعه الدين .

ومن نازع الرب سلطانه فهو طاغوت ، ومن شرّع من دون اذنه فقد افترى ، ومن اتخذ من دونه ولياً فقد أشرك .

والهدف الأول للقتال هو حذف الأرباب ، وكسر شوكة الطغاة ، وتحطيم اصنامهم التي تعبد من دون الله . وكان هذا اعظم غايات الانبياء ، حيث دعوا الناس الى عبادة الله وحده . والكفر بالآلهة التي تعبد من دون الله ..

والطغـاة حاربوا الانبياء والمؤمنين واخرجوهم من ديارهـم وقتلوهـم ، وكانت تلك هي

الفتنـة الكبـرى .

وهاجر المؤمنون الى ربهم ، الى حيث يعبدون الله وحده ، ونصرهم الله سبحانه . فقاتلوا في سبيل الله ، وكان هدف قتالهم منع الفتنة حتى يكون الدين كله لله ، حتى لايشرك بالله أحد ؛ لا طاغوت يتجبر في الأرض ، ولا رب يشرّع من دون اذنه . وان هذه هي قصة الرسالات جميعاً ؛ قصة نوح مع قومه ، قصة ابراهيم مع نمرود ، قصة هود وصالح وشعيب مع طغاة الأمم ، وقصة موسى مع فرعون وملأه ، وقصة المؤمنين في عهد عيسى مع الطغاة. وهي كذلك قصة المسلمين مع قريش على عهد النبي صلى الله عليه وآله .

وإذا أردنا ان نفقه حقيقة حروب النبي صلى الله عليه وآله ، فعلينا دراسة الرسالات الالهية التي يقصها علينا كتاب ربنا . وفي إطار هذه الدراسة نستطيع ان نفقه الآيات التي أمرت بالقتال ، حتى لاتكون فتنة ، ويكون الدين لله .

1/ ولقد هبطت الرسالات الالهية على الانبياء بالكلمة الطيبة ، ولكن الأمم قابلتهم بالعنف والارهاب . ولولا نصر الله لرسله ، لكثر فيهم القتل والتهجير . يقول ربنا سبحانه : « أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُاْ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ اُرْسِلْتُم بِهِ وإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ » (ابراهيم / 9)

2/ وقال تعالى : « وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَاَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ » (ابراهيم / 12-13)

3/ وهكذا كانت دعوة الانبياء عليهم السلام دعوة انذار وتبشير، ولكن الكفار استخدموا العنف ، مما دعا بعض الانبياء الى خوض غمار القتال ، حيث قال سبحانه : « وَكَاَيِّن مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلآَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » (آل عمران / 146-147)

4/ وكثيراً ما كانت الأمم تقتل الانبياء ، حيث يقول سبحانه : « إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ » (آل عمران / 21)

5/ ويقول تعالى : « أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ اَلآ إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ » (البقرة / 214)

6/ وقال سبحانه : « وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » (البقرة/ 87)

7/ ونستوحي من ذلك أن الكفار كانوا يرهبون الانبياء والمؤمنين بهم بألوان الأذى وبالاخراج من الديار وبالقتل . وكان الانبياء عليهم السلام يتوكلون على الله في تبليغ الدعوة ، فينصرهم الله اما بهلاك الكفار بعذاب من عنده ، او بأمرهم بالقتال ، ثم يؤيدهم بنصره كما نصر سبحانه طالوت وجنوده ضد جالوت ، فقال سبحانه : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَءِ مِن بَنِي إِسْرَآئِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ اَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَآ اَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ اُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ » (البقرة / 246)

8/ ثم قال تعالى : « وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ » (البقرة / 250-251)

9/ وهذه القصة تكررت في عهد النبي عيسى بن مريم سلام الله عليه ، حيث بيّنها ربنا باختصار في قوله تعالى : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ اَنصَارُ اللَّهِ فَأَمَنَت طَآئِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَكَفَرَت طَآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ » (الصف /14)

وهذه القصص تهدينا الى حقائق الصراع الجاري في الأمم الغابرة ، وكيف كانت تتوالى فصولها ومراحلها ابتداءً من دعوة الأنبياء وانتهاءً بانتصار المؤمنين وهزيمة الكفار ، اما بعذاب استيصال (مثل الطوفان والغرق والريح) أو بنصر المؤمنين بعد قتال مرير .

فصول الصراع في الأمة الاسلامية :

وهذه الفصول تتكرر في الامة المرحومة ، وقد تحولت الى بصائر وتشريعات يفصلها القرآن الحكيم في آيات عديدة ، نقرءها معاً :

1/ بعد انتشار الدعوة وقبول طائفة من الناس لها ، يبدء الفصل الأول من الصراع ، وهو هجرة هؤلاء من بلادهم هرباً من ارهاب الكفار . والهجرة هذه من أهم المفاصل التاريخية، والتي يحدثنا القرآن عنها من وجهين : وجه يمت بالمؤمنين ، حيث أنهم يضحون بوطنهم من أجل دينهم . ووجه يمت بالكفار ، حيث انهم يخرجون طائفة من شعبهم وقومهم من الديار ، لا لشيء إلاّ لانهم قالوا ربنا الله ..

والهجرة (او الاخراج) لا تتم إلاّ بعد تعرض المؤمنين للارهاب ، حيث يحاول الكفار التأثير عليهم ليعودوا الى ملتهم ، فلّما وجدوا انهم يرفضون ذلك أخذوا يخرجونهم من ديارهم ، (او تراهم هم يخرجون منها بعد تعرضهم للضغط) .

ولعل التركيز على الهجرة (او الاخراج) دون القتل ، لان القتل قليل الوقوع . على ان كتاب ربنا قد بيّن قصة اصحاب الاخدود ، إذ كانت القتلة على ما يفعلون بالمؤمنين شهـود .

ومن هنا كان الاخراج من البلاد احد ابرز اسباب الحرب ، اذ سرعان ما يحمل المهاجر الذي اخرج من بلاد السلاح ، ليعود الى بلاده منتصراً . قال الله سبحانه : « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِحَقٍّ إِلآَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَـوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌ عَزِيزٌ » (الحج / 39-40)

وهكذا كان اخراج هؤلاء من بلادهم وتعرضهم للظلم والقتال (محاولة القتل لاعادتهم الى الضلال) ، كان ذلك مقتضياً للاذن لهم بالدفاع عن انفسهم . وفي الآية اشارة الى ان دفع الظلم مبرر للقتال . وفي الآية بيان بضرورة الدفاع عن المقدسات ، حيث انها تنهدم من دون الدفاع عنها من قبل المؤمنين .

2/ وفي قصة المؤمنين من بني اسرائيل عبرة ، حيث انهم طلبوا من نبيهم ان يعيّن لهم ملكاً يقاتلون في سبيل الله تحت لوائه ، وبرّروا قتالهم بأنهم اخرجوا من ديارهم . قال الله سبحانه : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَءِ مِن بَنِي إِسْرَآئِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ اَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَآ اَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ اُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ » (البقرة/ 246)

3/ وقد أمر الله سبحانه بان يقاتل المؤمنون ، ويخرجوا الكفار من حيث اخرجوهم . قال تعالى : « وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَاَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ اَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ » (البقرة/191)

ونستفيد من الآية ؛ ان اخراج الناس من ديارهم بغية ردهم عن دينهم ، نوع من الفتنة التي هي أشد من القتل . ومن هنا يجوز المبادرة بالقتال لاخماد نار ، مثل هذه الفتنة .

4/ ويفصّل القـرآن الحديث عن هدف الكفار من اخراج المؤمنين من ديارهم ومن قتالهم ، وهو ردّهم عن دينهم . (وهو عين الفتنة) ، والفتنة أكبر من القتل . (وواضح ان دفع الضرر الأكبر يكون بما هو اصغر منه وهو القتل . فالقتال مشروع من أجل المحافظة على الدين ، وعلى حرية قبول الحق) . قال الله سبحانه : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » (البقرة / 217)

وفي الآية بيان حرمة الارتداد حتى ولو تم بسبب ضغط الكفار ، وضرورة خوض غمار القتال من أجل الدين والاستقامة على الطريق .

5/ وقد جعل ربنا عز وجل شرط جواز البرّ بالكفار ، ألاّ يكونوا قد اخرجوا المؤمنين من بلادهم . (مما يهدينا الى ان الكافر الذي يخرج المؤمنين من الديار ، ويمارس بحقهم الفتنة لردّهم الى الجاهلية ، انه لايجوز البرّ به ومودته) . قال الله سبحانه : « لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » (الممتحنة /8)

6/ وقد امر ربنا سبحانه بالقتال، حتى تدفع الفتنة ويتحقق الدين الحق . قال الله تعالى : « وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ » (البقرة / 193)

ونستفيد من الآية ؛ ان القتال يستمر الى ان ترتفع الفتنة ، (والتي من مصاديقها اخراج الناس من ديارهم بهدف ردهم عن دينهم ،كما ان اطلاقها يشمل ارهاب المؤمنين لردّهم عن الدين بأية وسيلة كانت).

وان الحكم انما هو لله لا لغيره ، من قوم او عنصر او مبدأ او حزب او شخص عالم او جاهل .. غني او فقير او أي اسم آخر . ولذلك لابد من مواجهة كل الوان الحكم الجاهلي غير الالهي ، حتى يعود الحكم الى الله سبحانه ، فيحكم بين عباده بالحق . وبتعبير آخر ؛ الفتنة هي استخدام القوة للتسلط من قبل البشر ، بينما الدين هو السلطة المشروعة التي هي فقط لله سبحانه .

وان الظلم يبرر العدوان (الدفاع عن النفس بالسلاح) . فمن ظلم يجب محاربته حتى يؤخذ الحق منه ، (وبالذات ظلم الناس حتى يرتدوا عن الدين) .

7/ الهدف الأسمى للمقاتل المؤمن تحرير نفسه والناس من سلطة الطاغوت وعبادته ، ومن ثم اخلاص الدين لله سبحانه . بينما هدف المقاتل الكافر تكريس سلطة الطاغوت ، وبسط قدرته ، وفرض عبادته على البشر . (والطاغوت رمز للشيطان ، وأولياؤه هم اولياء الشيطان الذين يريد اضلال البشر) . وعلى المؤمنين قتال اولياء الشيطان ، (وليعلموا) ان كيد الشيطان كان ضعيفاً. قال الله سبحانه : « الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَآءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً » (النساء / 76)

ان اول ما ينبغي ان نفعله في مواجهة الطاغوت ، التحرر من خوفه وخشيته ، ومعرفة ان كيده ضعيف ، وإن سلطة الطاغوت خلاف سنة الله في الخليقة ، وخلاف فطرة الناس .

8/ وعندما نظر اولوا الالباب الى آيات الله في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ، ودلتهم تلك الآيات الى حسن التدبير وبلاغ الحكمة ، وعرفوا ان الله سبحانه خلق الناس ايضاً بحكمة بالغة وغاية هامة .. فسألوا ربهم ان يقيهم عذاب النار ، وان يغفر ذنوبهم . فاستجاب لهم ربهم ، وبيّن لهم انه لايضيع عمل عامل منهم . وان الذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيل الله وقاتلوا وقتلوا يدخلهم الجنة (بفضله . مما يهدينا الى مشروعية او فريضة القتال من بعد الهجرة والاخراج من الديار والتعرض للأذى..) . قال سبحانه : « فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لآ اُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أَوْ اُنْثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَاُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَاُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاَُكَفِّرَنَّ عَنْهُم سَيِّاَتِهِمْ وَلاَُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ » (آل عمران / 195)

ولعل الترتيب الزمني في فقرات الهجرة ، هو انهم هاجروا (الى دار الاسلام) ، لانهم اخرجوا من ديارهم . وانما اخرجوا من ديارهم ، لانهم تعرضوا للأذى . وقد تعرضوا للأذى ، لانهم عملوا عملاً صالحاً بعد الايمان بالله . ومن بعد الهجرة قاتلوا ثم قتلوا ، وكفّر الله عنهم سيئاتهم وادخلهم الجنة .

باء : دفاعاً عن الحرمات

القتل اساساً لايجوز إلاّ قصاصـاً او لدرء الفساد ، ولعل منهمـا الدفاع عن النفس وعـن

الحرمات . من هنا فان قاتل المسلمين احد ، وجب عليهم قتاله دفاعاً . اما إذا اعتزلوهم، فلا . ويبدو ان من ذلك قتال الفئة الباغية بعد رفضهم تنفيذ حكم المصالحة .

1/ يحرم قتل الفرد إلاّ قصاصاً او درءً للفساد . قال الله سبحانه : « مِن أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الاَرْضِ فَكَاَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَاَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ » (المائدة / 32)

2/ وهذا هو القتل بالحق ، وغيره قتل بالباطل . وقد قال سبحانه : « قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَاحَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاتَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » (الانعام / 151)

ونستفيد من ذلك ؛ ان القتل الجمعي لايجوز -بطريقة أولى- إلاّ دفاعاً، او لدرء الفساد. (ومن الفساد الفتنة التي تلونا فيما سبق نصوصاً عنها) . ولعل من القصاص الدفاع عن النفس عند التعرض للهجوم ، حيث يقول سبحانه : « الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (البقرة/194 )

3/ وهكذا اذن الله للذين يتعرضون لهجوم بهدف القتل ، اذن الله لهم بالقتال . قال الله تعالى : « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » (الحج / 39)

وفي الآية تحريض على الدفـاع ، حيث بيّن ربنا سبحانـه ؛ ان الله قــادر على نصرهـم .

4/ وقد أمر ربنا المؤمنين بقتال الذين يقاتلوهم . قال الله تعالى : « وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَاَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ اَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (البقرة / 190 - 192)

ونستفيد من الآيات البصائر التالية :-

ألف : حتى عندما يكون القتال ضد من يقاتل المسلمين ، يجب ان يكون قتالاً في سبيل الله . مما يجعل المسلمين مقيدين بحدود الشرع ، ويجعل نواياهم نظيفة من الحقد والبغي (والمصلحية وحب التعالي على بعضهم) .

باء : يجب التقيد بحدود الدفاع ، وعدم تجاوز الدفاع المشروع ، وعدم الاعتداء على الآخرين ، بحجة بدءهم بالقتال .

جيم : كما ان ذات القتال مقيّد بالدفاع ، كذلك تفاصيله . فاخراج الكفار يكون من حيث اخرجهم الكفار ، وحرمة المسجد الحرام كذلك مقيدة باحترامهم له ، فان نقضوا حرمته بالقتال - عنده - جاز للمسلمين قتالهم عنده ايضاً .

/ 25